الجمعة، يوليو 29، 2011

(( إعادة قراءة التجربة العراقية على ضوء تجربة الثورات العربية )) حميد الشاكر


على الرغم مما نال التجربة العراقية وصورتها من تشويه وشيطنة بعد الاطاحة بالمقبور صدام حسين ونظامه السياسي المجرم في 2003م على يدماكنة اوميديااعلامية وقفت خلفهامليارات من البترول الخليجي والعربي لتشويه صورة العراق وتجربته السياسية الجديدة وعلى كل المستويات ، وعلى الرغم من الهجمةالارهابية الغير مسبوقةعالميا وتاريخياالتي حصدت ارواح مئات الالاف من العراقيين ودمرت ماتبقى غير مدمر بعثيا من البنية التحتية الاقتصادية لهذا البلد على يدانتحاريين سعوديين ، وليبيين ويمنيين ومصريين ومن كل بلد لفظ نفاياته على العراق وشعبه ليتحولوا الى قنابل تدمير شاملة وسيارات مفخخة ومسدسات كواتم ، وقناصة وعبوات ناسفة ولاصقة لاتبقي ولاتذر وبحرب اقليمية وارهابية معلنة ومفضوحة ولاتقبل اي لبس في الرؤية وعلى الرغم من الاستمرار بهذه الهجمة الوحشية حتى اليوم من قبل دول الاقليم العراقي الخليجي السعودي بالخصوص وبمساندة ورعاية وغض طرف كارثي من قوى الاحتلال الامريكية .....الخ !!.

على الرغم من كل ذالك ، الا انه عندما تفجرت ثورات الشعوب العربية في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن وفي البحرين .....الخ راينا الصدق والصحيح ، والواقع في رؤية هذه الشعوب العربية للتجربة العراقية وهي تتحرر من هيمنة نظمها العربية والسياسية المستبدة التي كانت تخنق اي تعبير صادق لهذه الشعوب حول التجربة العراقية الجديدة !!.

والحقيقة انا لااريد ان اتكلم بلسان العراقي الذي من حقه ان يفتخر ويدافع ويناضل عن منجزه السياسي ، الذي دفع من اجل تحققه الشيئ الكبير من التضحية حتى وصوله الى امله المنشود في رؤية عراق يشعر فيه جميع العراقيون بانهم على منزلة واحدة امام القانون والحرية والعدالة ، ولكن اريد ان يتكلم او استنطق لسان حال هذه الشعوب العربية بعد تحررها من طاغوت الحكومات العربية وكيفية حذوها للتجربة العراقية في كل مفاصلها الدقيقة ، التي ابتكر مفترق طرقها الشعب العراقي المظلوم لتكون بعد ثمان سنوات من تجربته شمعة يستضيئ بهاالشعب المصري في ثورته والشعب التونسي في ثورته ، وربما الشعب الليبي والاخر اليمني ان قدر الله لهذه الثورات ان تنجح وتصل الى مبتغاها الاخير !!.

في الثورة المصرية وكذا التونسيةوبغض النظر عن ملابسات هذه الثورات ومغايرتها عن منجز التغيير ، الذي حصل في العراق ودخول قوى الاحتلال الامريكي لهذا البلد الا ان مايربط هذه الثورات العربية بالمنجز العراقي هو تلك الخطوات التي طالبت بها الشعوب العربية ولم تزل بعد الاطاحة بنظمها المستبدة ، لا سيما مع تعاملها مع هذه النظم السياسية ورجال الحكم فيها ومطالباتها الدستورية ، والقانونية وقربها وشبهها الشديد بالخطوات التي خطاها العراقيون بثورتهم التغييرية بعد الاحتلال ، وهذا الشبه الكبير بين خطوات ا لعراقيين الثورية من جهة والشعوب العربية من جانب اخر ان دلّ على شيئ ، فانما يدل على المكنون في قلوب هذه الشعوب العربية من الاحترام والتقدير للمنجز العراقي ، واعتبار خطواته انها خطوات تصلح لتكون خطوات ثورة تغييرية شعبية حقيقية تحتذى ويلتزم ويطالب بايجاها كخريطة طريق لاي ثورة تريد ان تعبر عن ذاتها بواقعية !!.

والآن : ماهي الخطوات المفصلية في التجربة الثورية العراقية التي ابتكر وجودها العراقيون رغم وجود الاحتلال الامريكي ، لهذا البلد وامتناعه بل ورفضه في الكثيرمن المفاصل لما اقدم على بنائه العراقيون رغم انف المحتل الامريكي لوطنهم العزيز ،ولتكون هذه الخطوات فيما بعد هي الجمر الذي كمن في قلب كل عربي محترق لروح التغيير والثورة الى ان شاء الله سبحانه لهذه الشعوب ان تثور ، وتهب ضد طغاتها ومن ثم لتطالب بنفس الخطواب التي قام بها العراقيون في تجربتهم ؟.

اولا : عندما حدث التغيير في العراق كان المطلب الاول للشعب العراقي المظلوم هو كتابة دستور جديد بيد عراقية ، وهذه الخطوة رفضتها في بادئ الامر قوى الاحتلال الامريكي ، قبل ان تذعن لارادة الشعب العراقي ومرجعيته الدينية الرشيدة .
ثانيا :طالب العراقيون مباشرة بعد الاستفتاء على الدستوران تقام انتخابات عراقيةشاملةفي البلاد لتأسيس مجلس نواب منتخب من قبل الامة العراقية ليكون هذاالمجلس ممثل الشعب من جهةوالمنتخب لحكومة العراق الجديدة من جانب اخر وايضا كانت هذه الخطوة ضد رغبة قوى الاحتلال الامريكي الذي طالبت بمجلس عسكري يقودالبلاد تحت الوصايةالامريكية ولكن ارادة العراقيون كانت هي الاقوى والامضى في المسيرة .
ثالثا :اقام العراقيون بعدذالك وانشأوامحكمة الشعب العراقي العليا لمحاكمة رموز النظام الصدامي المقبور بدءا براس النظام صدام حسين وحتى اخر مجرم في هذاالنظام وذالك لتحقيق العدالةمن جهةوعودة حقوق المظلومين واعطاء الشرعية بواقعية للتغيير في العراق على اساس انه تغيير يتحكم العراقيون بادارته فاعدم راس النظام وتخلص الشعب من بقايا رجال دولته المبادة .
رابعا:انشأ العراقيون هيئة لملاحقةكل تراث العهد الصدامي المباد ووضعوا اسس لكيفية اجتثاث فكر البعث النازي واجتثاث بقايا العهد المباد وتطهير الدولة الجديدة من وبائهم السرطاني كي تولد تجربة عراقية صحية وخالية من الامراض وبامكانها ان تستمركمنجز عراقي حقيقي يريد التاسيس لبناء عراق جديد ومختلف !!.

ولعل هذه الاربع محاور ، الذي اسس لها العراقيون ولم تزل هي المحاور الابرز في تجربتنا العراقية الجديدة كانت هي المحاور الرئيسية التي قامت عليها تجربة العراق مابعد الدكتاتورية ويبدو انها نفس المحاور التي تركت انطباعات ايجابيةجدا على الداخل العربي لكن مع بقاءهذا الاعجاب الشعبي العربي غير مُعبر عنه بحرية لكميات القمع المهولة ، التي كانت تمارسها النظم العربية في قمع حرية التعبير لشعوبها ، ولهذا راينا كيف ان عصابة ال سعود دفعت الكثيرعلى الميدياكي لايصل اي تصور ايجابي للفرد العربي تجاه هذه التجربة العراقية وخطواتها الغيرمسبوقة في الشرق الاوسط وكذا عندما كانت المتحكمة في مصر حكومة الفرعون حسني مبارك التي كانت اشد رعبا من تاثيرات التجربة العراقية ، وهي ترى هذه الخطوات العراقية تسير قدمابكل ثقة مع شدة الهجمةالارهابية السعوديةوالعربية على العراق لاسيما عند محاكمة رموز النظام السابق وكيف ان هذه النظم الدكتاتورية الخليجية والعربية ، قد هلعت مرتعبة من منظر شنق الطاغية صدام حسين على يد الشعب العراقي وكيفيةتحريك هذه الطغاة لوعاظهاالدينيين لمهاجمة هذه العملية من الاعدام ، وتصويرها على انها ثآرات طائفية وتجاوز على مشاعر المسلمين وغير ذالك !!.

اما موقف معمر القذافي الزعيم الليبي فمعروف باطلاق صفة القداسة على المقبور صدام حسين ، وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل على كمية الرعب لهذا الجلاّد ، وهو يرى عدالة السماء تنفذ بطاغية من طغاتهم العرب على يد شعبه ليكون عبرة لمن يريد الاعتبار من طغاة العرب !!.

كل هذاطبعايظهر بجلاء انه كان هناك تصوران للتجربة العراقية وخطواتها التغييرية والثورية الكبيرة في مخيلة العالم العربي ،الاول هو تصور الطغاة من حكام العرب ، الذين راوا في المنجز العراقي انه منجز خطير، وثوري ولايمكن تركه يصل الى مدياته الطبيعية بسلام لتشكيله مادة ثورية عارمة بامكانها ان تطال طغيان نظمهم الحاكمة بتسونامي عظيم يمكن من خلاله اقتلاع جذور اسس نظمهم الحاكمة بالاستبداد !!.
اما التصورالثاني فهوتصورهذه الشعوب العربية المغلوب على امرها وهي ترى تجربة العراقيين تسير بخطى وئيدة ومع انهاتتلقى الضربات الارهابية من كل جانب الا انهالم تتنازل ابداعن اي مفصل من مفاصل التغييرالثوري داخلها لتحقق ما يتطلع اليه كل عربي مقهور على ارض الواقع !!.

كنت اسمع الكثير من الاعلاميين العرب ، يهمس لجمهوره من طرف خفي حول التجربة العراقية بمقوله (ليه العراقيين فقط ) عندما تطورت انتخابات العراق في الدورة الثانية لتخرج النتائج بدون ان يدرك احد في العراق من هو المنتصربداخلهاكعلامة فارقة على نزاهة الانتخابات العراقية امام تزوير انتخابات مجالس الشعب في مصر وغير مصر !!.

لكن كل ذالك كان يُقال بين المرء العربي وقلبه كي لاتسمعه شياطين الطغاة العرب فيعتقل ويعذب ويسجن وربما يعدم بتهمة اعجابه بالنموذج العراقي السياسي الجديد !!.

اما بعد التغيير والثورة في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين والمغرب ... فقد انكشف الغطاء عن مطالبة هذه الشعوب العربية لتفصح عما تريده من تجارب وخطوات وتغيير سياسي هو اقصى امال هذه الشعوب العربية المغلوبة على امرها !!.
في الثورة التونسية طالب التونسيون باجتثاث لحزب بن علي تام من حياة التونسيين السياسية ، حتى ان وزيرا من وزراء العهد المباد لحكم بن علي اعلنها صراحة للشعب التونسي بسؤال :هل تريدون اجتثاثا لحزب بن علي كما اجتث العراقيون حزب البعث وانصاره ؟.
كذالك في الثورة التونسية ، والمصرية لم تكتفي هاتين الثورتين بالمطالبة بحل الاحزاب المستبدة التي كانت تحكم هذين البلدين واجتثاثهما من الحياة السياسية فقط كما صنع العراقيون في تجربتهم الجديدة ،بل زادوا بالمطالبة بانشاء محاكم عليا تقوم على محاكمةكل رموزالحكم المبادفي هذين البلدين ولاسيما راسي نظام تونس بن علي ، وزوجته والرئيس المخلوع حسني مبارك وكل عائلته !!.
في الثورة المصرية حاول المجلس العسكري ، وبضغوط سعودية واماراتية من خلال ابتزاز الشعب المصري او رشاه بالمال للتنازل عن فكرة محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك ، لكن ارادة الجمهور المصري الثورية اجهضت مشروع السعودية الحقير الداعم ، لتبييض وجه الفساد والاستبداد في المنطقة العربية من جهةومن جهةاخرى كي لايقال ان الشعوب العربية تستلهم خطواتهامن التغييرالعراقي الكبيرالذي ضرب المثل لكيفية التغييرات الثورية الحقيقية !!.
بل زادالمصريون ايضافي تقاربهم مع النموذج العراقي في محاكمة جلاديه بان طالب الشعب المصري بمحاكمة رموز النظام السابق كله ، ولكن على الطريقةالعراقية بان تكون المحاكماة علنيةوتنقل مباشرةعلى التلفاز ويحكم على فرعون مصرامام المصريين كلهم ليعادالحق الى نصابه وتاخذ العدالة مجراها !!.

في الدستوروالانتخابات البرلمانية وياسبحان الله المصريون اليوم يناقشون ماناقشه العراقيين حذو النعل بالنعل ، وكانما هناك ارادة استنساخ مصرية كاملة للتجربة العراقية ، ونقلها الى مصر بالتمام في الانتخابات ، وكتابة الدستور وتشكيل الحكومة بعد الانتخابات وليس قبلها ، وهذا اخيرا ان دل على شيئ ومعنى فانما يدل على ان مارفضه العرب تحت سيف السلاطين الدكتاتوريين من حكام العرب انذاك من النموذج العراقي ، عادت اليه هذه الشعوب العربية بعد تحررها الثوري من الطغيان لتعترف انه هو النموذج العربي الوحيد ، الذي كانت تتطلع له الشعوب العربية ، بكل شوق واحترام ليطبق عندها ولكن ارادة الطغاة كانت تحول من ذالك !!.

الآن ربما اتضحت الصورة الحقيقية التي عليها النموذج العراقي السياسي القائم ،وكيف انه كان بالفعل نموذجا على الرغم من كل المؤامرات العربية والخليجية ضده الاانه كان ولم يزل ملهم هذه الشعوب العربية الثورية لكل مفاصل خطواتها السياسيةالتي ينبغي ان تكون ومن دونهالايمكن ان يسمى التغيير الثوري تغييرا حقيقيا بدونها ومع ان المنجز العراقي جاء بعد قصة مريرة مع الاحتلال الذي تسبب به معتوه العوجة صدام حسين وتهيئة هذا الزنديق الارض العراقية للاحتلال الامريكي لكن مع ذالك استطاع العراقيون المخلصون ، ان يحولوا التغييرفي العراق ، من تغيير ساهمت فيه قوى استعمارية اجنبية ، الى تغيير شعبي ثوري اسست لخطوات الثورة الشعبية من داخل مزنجرات دبابات الاحتلال الامريكي ليصطدم دائما التغيير الثوري الشعبي العراقي مع تغييرقوى الاحتلال الامريكية وهذا ايفسر لماذا الاحتلال الامريكي طالب بعدم كتابة دستور واستفتاء شعبي عليه ولماذا العراقيون اصرواعلى كتابة دستورواستفتاء شعبي عراقي عليه وكذا عندما اصطدمت رغبة التغيير الاحتلالية مع رغبة الشعب العراقي الثورية ، في موضوعة الانتخابات ومحاكمة رموز نظام البعث....الخ بحيث ان قوى الاحتلال كانت ترى فعل العراقيين ثوريا وخطرا لكن العراقيون كان تفكيرهم بالفعل انهم يقودون ثورة ولايوجهون تغيير احتلال استعماري لصالحهم فقط ، وهكذا في موضوعة اجتثاث البعث ، الذي رفضها الاحتلال جملة وتفصيلا ومن البداية كاجراء احتلالي استعماري لكن الثورة العراقية اصرّت على ان من اهم عناصرالثورة العراقية الجديدة هوان يبنى العراق بشكل مختلف وطاهر ومطهر من كل بقايا البعث ، ورموزه وهذا ماحصل في التغيير الذي انطلق على يداحتلال لكن استطاع العراقيون تحويل مساره الى ثورةشعبية شاملة دفع بها الشعب العراقي ثمن الثورة بكامل فواتيرها وهو يحارب على عدة جبهات ارهابية وصدامية وثورية واقليمية لتثبيت منجزه السياسي الجديد !!.

نعم ان احتذاء الثورات العربية للنموذج العراقي في مفاصل وخطوات تحركها لاقامة نظم ديمقراطية جديدة وحقيقية تبدأ بالدستور والانتخابات ومحاكمة رموز النظم البائدة وتطهير الدولة واجتثاث بقايا النظم القديمة لهي الشهادة الصارخة على قيمة المنجز العراقي وانه الانجاز الوحيد في المنطقة الذي يستحق الاحترام والاقتداء بخطواته الثورية !!.


alshakerr@yahoo.com
http://7araa.blogspot.com/