الاثنين، يناير 17، 2011

(( الحب والرعب في النظرية السياسية !)).

في كتاب الامير لمكيافلي كان يطرح سؤالا جوهريا لادارة الحياة السياسية لحقبة القرون الوسطى الاوربية وهو: لوخيّرالامير بين ان تحبه رعيته وتطيعه او ان تهابه وتخشاه وتخاف منه وتطيعه رعبا ، فهل سيختار خوف ورعب الرعية منه ؟.


أم سيختار لسياسته حب الرعية وانجذابهم العاطفي نحوه ؟.



كان ميكيافلي يشدد بحرص على اميره ان يختار سياسة الرعب لرعيته والخوف منه ،على ان يفضل سياسة الحب والتعاطف نحوه ،وذالك لفلسفة ميكيافلي العقلية والبسيطة في الان الواحد وهي : ان سياسة الرعب والخوف عندما تسيطر على الرعية يكون زمام ادارتهم وطاعتهم بيد الامير يحركها بالخوف كيفما يشاء !!.

أما ان كانت سياسة الرعية بالحب تُدار ، وبالتوافق تلعب ، فسيكون حتما امر الراعي والامير كله مناط بارادة الرعية وحبهم ووطاعتهم الرخوة وليس بارادة الامير وقراره وحزمه !!.

وفرق عظيم بين ان يحكم الامير امره بيده وبتدبيره لاغير وبربان واحد للسفينة وبطاعة مضمونة من الرعية المرعوبة منه ومن بطشه !!.

وبين ان يضع الامير قدره ونجاحه بيد الرعية وقرارهم ويعتمد على حبهم في طاعته والدفاع عنه ،ففي الحكمة القديمة يحكى انه تصارع تنين الخوف داخل الانسان وزهرة الحب في قلبه فماكانت الا الغلبة والانتصارللخوف والرعب على الحب والعاطفة لان الرعب اكثر تاثيرا على مسار حياة الانسان وانقياده له من الحب ، وقليل هم اؤلئك من يتمتعون بالشجاعة ليدافعوا من اجل حبهم ومبادئهم وبكامل حريتهم بعكس كثير من اولئك الذين يفضلون العيش كجبناء لكنهم على اي حال احياء يتنفسون الهواء !!.



من هذه الفلسفة السياسية تمتع كتاب الامير بشهرة لانظيرلها في عالمنا العربي الحديث على اساس قاعدة الواقعية السياسية التي روج لها الاعلام العربي السياسي بشكل كبير في حقبة قيام الدول في العصر الحديث مابعد الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال هذه القواعد تشكلت معالم العالم الجديد لنظمنا السياسية العربية الشيوعية ومن ثم القومية وهكذا حتى اليوم في النظم القبلية والملكية وغير ذالك وهي معتمدة تماما على ميراث الفلسفة السياسية الغربية للقرون الوسطى التي تناقش فن الادارة السياسية من خلال انعكاسها النفسي للفرد الانساني وكيفية قياده بسلاسة وسهولة وطاعة للنظم السياسية القائمة والمهيمنة على البلاد والعباد بدون ان يكون له اي اعتراض على هذه الادارة !!.



وحتى بعد ان تطور الغرّب القديم وانتقل الى عالمه الصناعي ، لتتحول معه منظومته السياسية كلها من افكار الظلام الغربية القرووسطية الى الافكار الراسمالية الديمقراطية ، التي تنتهج خداع الانسان في ادارته بدلا من قهره واخضاعه بشكل ارهابي ووحشي ، بقي عالمنا العربي الاسلامي أسير تراث ذاك العالم الغربي الفكري القديم ، المنبهر بكل ماهو قادم من الغرب وعبر بوابته الاعجمية ، او منقول على السنتهم وهو يمتلك مطلق الايمان بنظرية الاستبداد السياسية ، التي تمكن الامير من قيادة المجتمع بيد من حديد لاتسأله عما يفعل وهو يسأل من يشاء ويحاسب من يريد على امل ان يقفوا ما سار به القوم الغربيين حذو النعل بالنعل عسى ولعل يصل الى اسباب القوّة والتقدم واستمرار الامارة والحكم له ولذريته من بعده !!.



لكن مافات المنظرين السياسيين والمفكرين الشيوعيين والقوميين من العرب المحدثين وعاظ السلاطين ، ان ماذكرته الفلسفة الميكيافلية في الامير وسطوته ، هي نصف الحقيقة التي كانت هي الحقيقة المطلقة لقرون اوربا الوسطى ، اما تمام الحقيقة للنظريةالسياسية الراشدة لادارة الشعوب والمجتمعات فهي ان للرعب والخوف والرهبة داخل اي انسان في هذا العالم منسوب ينتهي عنده ، وعلى الامير ان يدرك ان ليس بالرعب وحده يتمكن من اخضاع الانسان وقياده وضمان طاعته الى الابد وانما بالحب تعيش الاوطان وبدفاع الشعوب تقوى وتستمر البلدان !!.



الحب ذالك السرّ الذي شيطنته الفلسفة السياسية الميكافيلية هوالوحيد الذي عندمايجد الجد يفرض معادلته بين الامير والرعية والحاكم والمحكوم والتجربة والشعب !.



في تجربتنا العربية السياسية الحديثة وصل الرعب السياسي والارهاب السلطوي الى درجات حولت من الانسان العربي مدمن خوف ورعب الى ان وصل الى حالة عدم الشعور اصلا بهذا الرعب والخوف ، فوقف امام الموت وهو لايملك فكرة عن قيمة للحياة فاطاح بالامير ودمر ماحوله وذهب الى ماذهب غير آسف على شيئ يذكر !!.

إن اخطرمايعيب سياسة الرعب والارهاب في النظرية السياسية انها كلما مورست لتضبط المجتمع وطاعته للسلطان اكثر كلما جاءت نتائج مفعول دواء الرعب بعكس مايريده الامير والحاكم اكثر فاكثر ، الى ان يصل متعاطي حبوب الرعب السياسية الى حالة الهلوسة والموت الحقيقي امام الشعور بالرعب والخوف منه ، وعندها تتحول سياسة الرعب على الامير كارثة حقيقية لاتبقي له لاسلطان ولاتاج على راسه ولا حكم ولاعنوان !!.

وهذا بعكس نظرية الحب ، والتوافق السياسية بين الامير ورعيته ، التي وان كانت هي للنخبة من المجتمع اقرب منها لعوام الناس ودهمائهم ، لكنها وعلى اي حال تشعر الرعية ان النظام القائم مكتوب باسمهم ، وانهم الملزمين بالدفاع عنه لتمثيلهم وتمثيل مصالحهم وارادتهم واذا حلّ بالامير ما يداهمه من خطر هبت الرعية للدفاع عنه حبا ، والذي هو حب الرعية لنفسها اولا ولمصالحها ثانيا ولما يمثله الامير لهم ثالثا !!.



إن الحب فعلا اطول عمرا من الرعب والكراهية ، وان كان هو الاضعف غصنا في شجرة السياسة ، لكنه الامضى حدا من نار الخوف والشيطنة !.



(( مختارنامه ... وتيه الدراما العراقية المزمن !.)) حميد الشاكر

(1)


مختار نامه



بدأت فضائية الدراما الايرانية ( آفيلم ) بعرض مسلسلها التاريخي الجديد ( المختار الثقفي ) وهو مسلسل يتناول حياة شخصية عربية ثورية بارزة عرفت بمطالبتها بحق الحسين بن علي عليه السلام بالاقتصاص من قتلته والخائنين لحوزته والمرتدين على ادبارهم القهقرى عن الاسلام وهو المختار الثقفي ، وحتى قبل ان يُعرض المسلسل بترجمته العربية او الانجليزية فانه قد اثار الكثير من المياه العربية والاسلامية الدرامية والسياسية والفكرية الراكدة على الصعد الكثيرة لتتصدى بعنف وبنقد وبترحيب او بترهيب لهذا المسلسل الذي يتناول حقبة من اخطر حقب التاريخ الاسلامي والعربي على الاطلاق !!.



والحقيقة ان مسلسل مختار نامه لم يكن هو الاول الذي الذي اضاف للفن الايراني الدرامي الصاعد نقلة نوعية جديدة تضاف لهذا الفن الخطير ، بل ولم يكن هو المسلسل الاول الذي قدم الدراما الفنية الايرانية للعالم العربي والاسلامي على اساس انها من اخطر الدرامات الفنية في المنطقة والعالم ، بل كانت هناك جهود فنية حثيثة قد سبقت هذا المسلسل التاريخي الاشكالي قد قدمتها الدراما الايرانية واستطاعت اختراق الجغرافية الايرانية والوصول او الهيمنة على عوالم فنية عربية واسلامية وعالمية اخرى ، حتى اصبح مسلسل ( يوسف الصديق ) حديث البيوت العربية والافريقية والاسلامية ، وكذا الفن السابع للسينما الايرانية وهي التي تنتظر تقديم اضخم عمل سينمائي تاريخي ديني ( مملكة سليمان ) التي استطاعت وبجدارة ان تثبت لونا جديدا ومختلفا في هذا الفن اثبتت ايضا شخصيتها الفنية المميزة في العالم كله من خلال ما تطرحه من شكل فني مميز واصيل ويحمل بصمات ايران وهوية وشخصيتها الوطنية الغير مرقعة بهويات فنية مستوردة من هنا غربيا او هناك شرقيا !!.



مختار نامة هو حلقة في سلسلة من الدراما الايرانية الاسلامية والدينية التاريخية التي لم تكن وليدة اليوم او وليدة الثورة الاسلامية في ايران على يد الامام الخميني قدس مع اعترافنا ان عصر الاسلام هو من صقل الفن وشخصيته في ايران اليوم وقدمها بهذا الصفاء والثقة والابداع الفطري الفني ، بل كان ولم يزل الايرانيون وحتى في زمن المقبور الحكم الشاهنشاهي ، هم اصحاب صناعة الدراما التاريخية والمعاصرة التي انتجت الكثير من الاعمال الدرامية ولاسيما التي ارخت لتاريخ اهل البيت عليهم السلام وعرضت مظلومياتهم بشكل لانظير له في العالم الاسلامي وحتى في العراق مهد وبداية ونهاية اهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام ، فقد كان الايرانيون في سبق تاريخي بعيد ببلورة الدراما الفنية وخدمتها لقضايا اهل البيت الاسلامية بشكل واعي وواقعي ودرامي ومتطور ولكن بنكهته الايرانية المعروفة !!.



طبعا لايمكننا الان تناول ما طرحه مسلسل مختار نامه الايراني الكبير بكل ابعاده والذي استغرق تسع سنوات متوالية من العمل قبل اخراجه للحياة وللمشاهد الايراني والعربي والاسلامي لكي يتمتع برؤياه وينتفع بفحواه ، ولايمكننا ايضا ان نقيّم الاداء الفني ولا الفكرة التي يحاول المسلسل طرحها ، ولا الصناعة الفنية الدرامية وكيفية تطورها في هذا العمل ولا اداء الفنانين ولا السيناريو ولا ضخامة الانتاج ولا ابداع الصورة ، ولا عبقرية الاخراج ....الخ ، فكل هذا ينبغي ان يتحدث حوله اهل الاختصاص من ممتهني الفن وعارفي خبايا أزقته ، لكن مانريد الاشارة اليه هو جانب من الفكرة العامة داخل هذا العمل ، وكيف انها فكرة جريئة وواقعية وبسيطة بنفس الوقت بحيث ان المسلسل طرح الكثير من الاشكاليات في تاريخنا العربي والاسلامي لاسيما منها الابعاد القومية لهذا التاريخ بين ماهو ايراني واخر عربي ، والابعاد الطائفية ، وكذا الابعاد حتى الاجتماعية والانسانية لحقبة المختار الثقفي صاحب ثورة التوبة والطلب بثأر الحسين عليه السلام !!.



فالمسلسل وبلا مواربة ناقش هذه الابعاد بروح واقعية وبنظرة تحاول وضع الامور في انصبتها الانسانية الطبيعية ليقول هكذا هو الانسان العربي والايراني في التاريخ وحتى اليوم فيه الطيب المنفتح الكبير بكبر الاسلام وروحه حتى وان كان عربيا او ايرانيا يتسامى على الابعاد القومية والطائفية الضيقة ، وفيها الردئ والتافه وإن كان ايرانيا او عربيا على جميع المستويات التي تبدأ بالانسانية ولاتنتهي عند الاخلاقية !!.



ونعم من الصعب تناول حقبة يرى فيها فريق من المسلمين عرب وغير عرب انها يجب ان لاتمس باي لمسة بشرية تظهرها على واقعها الاخلاقي المتردي والاسلامي الميت بسبب تقديس مدرسة اسلاموية معينة لشخوص تاريخية ترى فيهم انها مرجعيتها الدينية وحتى وان قتلت سيد شباب اهل الجنة وخانت الاسلام وبايعت الكافرين والمرتدين عن الاسلام كامراء وخلفاء وملوك لهذه الامة فهم يبقون في هذه المدرسة اولياء امور وقادة وساسة وكبراء لهم ، لكن مع ذالك ومنذ زمن طويل عُرف عن الدراما الفنية التاريخية الايرانية انها دراما لاتأخذها في الانتصار لاهل البيت عليهم السلام وقضاياهم المصيرية الاسلامية وحقهم لومة لائم فطرحت مختار نامه برؤية ايرانية خالصة نحو قضية الثورة الحسينية ودور المختار الثقفي قبلها وفيها وبعدها الى يوم استشهاده رض !!.



*****************



(2)

تيه الدراما العراقية المزمن



اذا سألنا حقيقة ما الذي يمكن ان نذكره من الدراما العراقية الفنية التاريخية وغير التاريخية حتى اليوم ؟.



في الدراما التاريخية الاسلامية يجب ان يخجل الفن العراقي الدرامي حتى من رفع راسه في هذا المضمار ، مع ان عمر الفن الدرامي العراقي ربما حتى يفوق اعمار جميع الدول العربية والفنية في هذا المجال ، اما غير الفن الدرامي التاريخي فيمكن اختصار فن الدراما العراقي بعمل او عملين لاغير ، وحتى هذه الاعمال على مستوى الجمهور المتلقي لايكاد الفرد العراقي يذكر منها الا ماهو تافه وعالق في ذاكرة الجمهور العراقي فحسب ، اما على المستوى العربي او الاسلامي او العالمي فارجوا ان لايطرح مثل هذا السؤال على الفن العراقي لانني اشعر بالتضائل اذا عُدّت الدول في انتاج الفن واخراجه وتورخته والكتابة اليه ..... الخ وجاء دور العراق وفنه ليكرم تعطفا من هذا المهرجان او ذاك لاسباب انسانية وليست فنية او واقعية ابدا !!.



لماذا وماهو السبب الذي جعل الدراما والفن العراقي بهذا المستوى المنعدم ولا اقول المتأخر على جميع الاصعدة ؟.



واذا ماكانت الثلاثين سنة الاخيرة من حياة الفن الدرامي العراقي خضعت لضغوط سياسية غير طبيعية لحكم البعث المقبور الذي استطاع قتل روح الابداع الفني الدرامي في العراق ، فماهو العذر بمن يقلب تاريخ الدراما العراقية منذ البداية حتى اليوم فلايجد شيئا حتى يصلح ليكون نقطة انطلاق جديدة لهذا الفن الذي اذا حسب الفن في العالم لاذكر يُذكر لوجوده ؟.



هل الاشكالية الفنية وبالخصوص الدرامية التاريخية والمعاصرة تكمن في بدايات هذا الفن في هذا الوطن ؟.

ام اشكالية تيهه المزمنة كانت في نتائجه وما وصل اليه هذا الفن العراقي من كارثة انعكست حتى على عدم قدرته من التعبير عن مآساة شعبه وما مرّ عليه في الوقت الحاضرمن كوارث وارهاب وذبح وحرق وتفخيخ لجسده العاري في الطرقات ؟.



يبدو لي انا غير المختص بالقضايا الفنية العراقية ، ولكنني المتابع للشأن العراقي العام ، ان اشكالية هذا الفن وانعكاس عجزه الواضح في اثبات وجوده فضلا عن ابراز هذا الوجود وقدرته على المنافسة الاقليمية او العالمية ، تكمن في بداياته الاولى التي اسست لحجر الاساس للفن العراقي الدرامي وغير الدرامي ووضعت له الايدلوجيا الفنية العراقية التي ينبغي ان يسير عليها ، فتاريخ العراق كما هو معلوم يكتب باسم السياسة وتقلباتها الفجائية في العراق ، ومع الاسف في العراق الحديث كل شيئ بدا وكأنه تابع للمؤسسة السياسية بما في ذالك الفن الدرامي العراقي الذي ايضا ولد مع قيام الدولة العراقية الحديثة ، لكنه لم يستطع هذا الفن بعد ادراكه لمعنى المؤسساتية ان يقيم لكيانه الفني مؤسسة تعنى به وبجهوده وبتاريخه وبابداعه وبكيفية ادارته مع الاسف بعيدا عن مؤسسة السياسة والحكم بل بقي رواد الفن العراقي وقادته والمفكرين بداخله اسرى نزعة الطفولة الدائمية لهذه الدولة والحكم ورعايته الابوية بدون الانتباه الى مرحلة الفطام وكيفية صناعة الفن في العراق من خلال مؤسسة الفن المستقلة او القابلة لنوع من الاستقلال عن توجهات الدولة والحكم القائم في العراق ، وهكذا بقى الفن رهين خدمة السياسة والدولة في العراق ، حتى في تقلبات هذه السياسة وتوجهاتها الايدلوجية كان الفن العراقي بصورة عامة والفن الدرامي العراقي بصورة خاصة اسير وتابع لتلك التقلبات السياسية العراقية المزمنة ، بل وانعكاس عن هذه التقلبات السياسية ايضا في العراق !!.



في العهد الملكي كان الفن العراقي ليبراليا اقطاعيا راسماليا بامتياز ، وعندما تحولت سياسة العراق للجمهورية ، تحول معها الفن العراقي لشيوعية اممية الى حد العظم والنخاع في خمسينات القرن المنصرم ، واشاد ايدلوجيته الفنية ، ونظّر لمسيرته الدرامية وغير الدرامية بهذا الاطار وعلى هذا الاساس ، اما عندما جاء انقلاب 1963م وبعده انقلاب البعث 1968م فلم يكن الامر مختلفا ابدا بالنسبة لانقلابات الفن الدرامي وغير الدرامي في العراق ، فقد تحول الفن العراقي قبليا مع تحول ابوة الدولة له ليصبح وحدويا وصاحب نظرية في الحرية وبنكهة اشتراكية ليستمر في طريقه الجديد في خدمة ولي امره المعتاد في توجهات الدولة وكيفية خدمة هذا الفن للوضع السياسي القائم حتى اليوم !!.



وبهذا المعنى يمكننا الجزم بان الفن الدرامي العراقي لم يكن في يوم من ايامه الطويلة في تاريخ العراق الحديث انعكاس لجمهوره العراقي وتطلعاته والامه ومايعانيه ابدا ليصيغ لنا دراما واقعية اجتماعية غير مسيسة الا للفن باعتباره ابداع ، وانما جلّ واعظم مايمكن ان يقال في هذا الفن ورواده وقادته والقائمين على صناعته انهم كانوا مجرد موظفي سياسة او عاملي في دوائر الدولة وتوجهاتها لغرض كيفية توجيه الدراما العراقية لخدمة هذه الدولة وكيفية ادامة الاستمرار لها !!.

نعم من جانب اخر يبرز ملمح فقدان الفن العراقي من جراء تبعيته للسياسة وللدولة وتقلباتها في العراق للمؤسسة المستقلة عن الدولة ايضا ، والذي تضمن الاستقلالية لشخصية الفن العراقي من جهة وتساهم بالقيام بوظيفة الفن باعتباره تعبير عن المجتمعية وعن جمهور الوطن من جانب اخر !!.



وهذه الحقيقة مع الاسف في تبعية الفن في العراق للدولة ، وعدم صناعة قادة الفن الاوائل في العراق لمؤسسة فنية تعنى بشؤون الفن كفن ينبغي ان يحاكي المجتمع وتطوراته بدلا من محاكاة السياسة ومتطلباتها هي مابرز بشكل فاضح ومربك للفن العراقي اليوم عندما سقطت هيمنة الدولة وهيمنة السلطة بداخلها وبدأ العراقيون ببناء نموذج سياسي حرّ ومدني ومؤسساتي عندئذ وجد الفن العراقي نفسه في تيه اسرائيلي حقيقي وفي صحراء ليس لها ملامح غير سراب الرمال ، فهو فن بُني على ان يكون خادما في قصر دولة ، وطفلا بحاجة الى رعاية ومؤسسة تضخ له المال والروح والرؤية لتوجهات الفن العراقي ، فاذا به في العراق الجديد مطالبا بان يعتمد على نفسه وعلى مؤسسته الفنية التي كان من المفروض ان يكون باني لها منذ تاسيبس الدولة العراقية الحديثة وحتى اليوم !!.



الواقع انني استمعت لكثير من قادة الفن العراقي والممارسين له من اهل الفن بعد التغيير الذي حصل في العراق الجديد وهم يطالبون الدولة بمزيد من الدعم المالي للنهوض بالفن الدرامي العراقي من كبوته او من موته على الاصح ، وانا شخصيا اتعاطف مع هذه المطالب الفنية المشروعة مع اختلاف وجهة نظري في موضوع الفن والمؤسسة وضرورة الاستقلال او فصل الفن عن الدولة ، ولكن مع ذالك ولادراكنا ان اشكالية الفن الدرامي في العراق اليوم هي وليدة تاريخ فاشل لتاسيس الفن العراقي كمؤسسة منذ البداية ، وان اباء الفن العراقي كانوا مجرد خونة لرسالة الفن الرسالية عندما جيروا الفن لصالح الدولة ، لكن مع ذالك ينبغي اليوم على الدولة ان تساهم برفد الفن من خلال اعطائه حيز الدعم لاغير ، اما البداية ببناء مؤسسة للفن مستقلة ومخطط لها لتكون انعكاس للمجتمع العراقي وكيفية تطويره وخدمته لاغير ، فهذه المهمة تلقى على عاتق اصحاب الشأن في الفن العراقي الجديد ، وعلى هذه القيادات ان تدرك انها ينبغي انتبدأ من الصفر في بناء مؤسسة الفن المستقلة وبرؤية مختلفة عن ما ورثوه تاريخيا ، بل ربما ننصح قادة الفن في العراق ان يكفروا بموروثهم الفني التاريخي ليتمكنوا من الايمان بالفن كمؤسسة جديدة وبرؤى مختلفة وعلى اصول تبني للفن العراقي باعتباره ملكا للامة العراقية وليس شرطيا على باب هذا الحاكم او ذالك ليكون الفن الدرامي العراقي حقيقة هو انعكاس للمجتمع العراقي وبكل مايحمله هذا الشعب من عقائد ومقدسات واخلاق وتطلعات وتاريخ وحضارة وغير ذالك ولايكون الفن العراقي رهين ايدلوجيا شيوعية او قومية او راسمالية اقطاعية اخر ماتفكر فيه هو هوية مجتمعها كما هي كائنة وكيفية خدمة هذه الهوية وتطوير شخصيتها محليا !!.



ومن هنا يمكننا كعراقيين بالحلم ببناء فن عراقي لانخجل منه في المستقبل يحمل هويتنا وشخصيتنا كعراقيين ليطرحها امام العراقيين انفسهم اولا وامام الاقليم والعالم ثانيا !!.



في تاريخ العراق الفني ولهذا اليوم لم يصنع هذا الفن التائه اي دراما تاريخية دينية تطفوا عليها النكهة العراقية لتتناول حياة وحدا من ائمة اهل البيت عليهم السلام المقدسين والمتواجدين في العراق منذ الف واربعمائة عام ، وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل على غربة هذا الفن وتبنيه لايدلوجيات سياسية وفكرية تغريبية لاعلاقة لها بالشعب العراقي مطلقا !!.



نحن اليوم نشاهد دراما فنية ايرانية تخطط لتغطية الدراما التاريخية الاسلامية منذ ادم حتى المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف في اخر الزمان خدمة لمقدسات الشعب الايراني وتاريخه العظيم ، فياترى هل سيضع المخطط الفني العراقي في حسابه ان يفكر بان يصنع دراما تاريخية اسلامية بنكهة عراقية تعكس مقدسات الشعب العراقي ومايؤمن به بصورة فنية تظهر كل الابداع الفني العراقي بمثل هذه الاعمال التي تؤثر على الاقليم والعالم ؟.

أم اننا وحتى بعد ان تغير العراق كله يحاول اهل الفن ارجاع العراقيين برؤية رجعية ايدلوجية متخلفة الى صناعة فن لايمت بصلة للعراق وشعبه ومجتمعه ومقدساته وكل ما يختص بشؤوت الفرد والجماعة في العراق لنرى فنا لايدرك غير الاباحية والسفاسف والتفاهة والرقص ... وكل ما تشمئز منه الروح الانسانية العراقية التواقة لرؤية فن فيه صورة وصوت وسيناريو واداء واخراج وانتاج له قيمة ليفتخر به الفن العراقي الجديد !!.



اخيرا ايها الاحبة في قيادات الفن العراقي الجديد ، الفن لايمكن ادلجته بايدلوجيا فكرية قومية او راسمالية ديمقراطية او شيوعية رجعية دكتاتورية بائدة ...غير ايدلوجية الشعب والمجتمع الذي ينتمي له ، والفن رسالة لتعميق هوية الشعب وابراز شخصيته بابداع بامكانه تحويل القبيح جميلا في حركة المجتمع وعاداته واعرافه ، والفن يموت اذا لم يربط ببحر المجتمع وتحركاته ليكون ماء الفن متصلا برافد المجتمع الممول الحقيقي لديمومته وابداعه وعدم انقطاعه ، والفن مؤسسة مستقلة ترتكن في ظهرها الى المجتمع وتنحاز لقضاياه وليس لقضايا ايدلوجية بعيدة عن تفكيره وتطلعاته وهمومه ، والفن ليس سياسة فحسب ، ولاصالونات راقية لاغير ، انما الفن مرآة لامة تريد وتحاول ان ترى نفسها وملامح وقسمات شخصيتها من خلالها ، فلايمكن والحال هذه ان لانرى اي ملمح من ملامح مقدسات وتاريخ واعراف وتقاليد هذا المجتمع بارزة في خطوط الفن العراقي الجديد !!.



نعم بملئ الفن نريد دراما تؤرخ لتاريخنا العراقي الاسلامي تتناول شخصية مختار الثقفي بنكهة ورؤية عراقية ، او شخصية البطل العراقي مالك الاشتر رضوان الله عليه الذي كان لعلي كما كان علي لرسول الله ص ، ونريد دراما عالية التقنية الفنية تؤرخ لنبي الله ابراهيم ع ابن اور الناصرية وهي تحاول ان ترسم اب من اباء العراقيين الحقيقيين الذين ربط اسم العراق بهم ، ونأمل بدراما عراقية واقعية وعالية الجودة في السيناريوا والانتاج والاخراج والصورة تطرح لنا شخصية علي بن ابي طالب وكل ماخطه هذا الخليفة الالهي العظيم ....، نريد دراما فنية عراقية تدرك قيمة ان يكون الفن تاريخا وحياة ومؤسسة اعظم تاثيرا من ثورات السيوف والدبابات عندما تقتحم البيوت لتبشر لانسان عراقي وابداعه ومعتقداته واعرافه وتقاليده هو قادم من خلال الفن وليس من خلال اي شيئ اخر !!.







______________________________________

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877