الاثنين، مارس 17، 2014

(( تمهيد في نشأة علم الاجتماع الاسلامي العربي )) 2/2

(( تمهيد في نشأة علم الاجتماع الاسلامي العربي )) 2/2 حميد الشاكر




ثانيا: احتكاك ابن خلدون بعالم السياسة ومتغيراتها وهمومه بدراسة ظاهرة الدولة .

ان من اهم العوامل التي ساهمت بانشاء علم الاجتماع العربي ، بعد عامل اشتغال ابن خلدون بمهنة علم التاريخ هو عامل : (( احتكاك ابن خلدون المباشر بعالم السياسة من جهة، واهتمامه بدراسة ((ظاهرة الدولة)) داخل المجتمعات الحضرية العربية وغير العربية البشرية من جانب اخر)) !!.

ولعلها ليست صدفة ان يكون مؤسس علم الاجتماع العربي الاسلامي (( عبد الرحمن ابن خلدون )) ، وكذا مؤسس علم الاجتماع الغربي الحديث ( اوجست كونت ) هما من المحتكين ، والممارسين بصورة مباشرة لعالم السياسة والدارسين بنفس الوقت وبعمق لظاهرة الدولة !!.

فابن خلدون ، وكما هو المعروف تاريخيا التحق، ومنذ بواكير شبابه بسلك وظائف الدولة في المغرب والاندلس فشغل منصب ( كتابة السر) في بلاط بني مرين في بداية حياته 750هج /في المغرب العربي كما وشغل منصب خطة المظالم ، وبعدها السفارة في الاندلس.... نهاية في تولي سدة قاضي القضاة في مصر !!.

وهكذا (( كونت )) مؤسس علم الاجتماع الغربي الحديث ، الذي بدأ حياته كطالب حركي سياسي مساهم بالمطالبات والاضرابات الطلابية ، وبعدها كسكرتير للسياسي الكونت والفيلسوف (( كلود هنري سان سيمون )) الذي اشترك مع ((كونت)) بوضع ((خطة العمليات العلمية اللازمة لاعادة تنظيم المجتمع)) واستمر مع الحياة السياسية الفرنسية والاوربية التي تشكلت فيها ((مفاهيم الدولة القومية الحديثة)) وما لهذه الدولة من تداخلات مع المجتمع الصناعي الحديث ، حتى ذُكر ان كونت كان يطلق تسمية (( علم الدولة )) على ((علم الاجتماع الحديث)) باعتبارانه لايمكن للدولة الحديثة ان تتطور وتنجح بدون اتكاءها على دراسات وابحاث ونتائج علم الاجتماع من جهة ولا يمكن لعلم الاجتماع الامبيرقي ان يتطور بدون معطيات ووثائق الدولة ومؤسساتها القائمة من جانب اخر !!.

والحق ان اشتغال كل من((ابن خلدون)) في عالم السياسة بعد تاهيله علميا وتاريخيا وفلسفيا ....، وكذا (( كومت )) في نفس هذا المجال ، هيئ لكلا الفيلسوفين المؤرخين ان يطلعا على (( المجتمع وحركته )) بصورة اشمل وادق واكثر بحثا في المفاصل الدقيقة لهذه المجتمعات وكيفية حركتها ومن ثم رصد عوائدها واعرافها واخلاقها وتغيراتها بشكل اشمل !!.

بمعنى اخر: انه لايمكن لاي باحث ، او دارس لنشأة علم الاجتماع العربي الاسلامي او الغربي الحديث ان يدرك الماهية والاسباب الواقعية والعوامل الاجتماعية ، التي ساهمت في ولادة وانشاء هذا العلم (علم الاجتماع) قديما وحديثا ، اذا لم يستطع الربط بين علاقة ( المؤسس) هذا الفيلسوف الفكرية وما للفلسفة من دخل في بناء وولادة العلوم بصورة عامة وبين اشتغال هذا الفيلسوف بعلم التاريخ ، (لاطلاعه على حركة المجتمعات من الخارج) ثم احتكاكه بعالم السياسة وشؤونها (ليلم بحركة ومفاصل المجتمع من الداخل) وبهذا تتم له الصورة ويتم له التصور المتكامل الذي يضطره لصناعة علم يدرس ويهتم ويبحث ويحلل ويعالج و... في هيئة المجتمع وماهية تغيراتها وعوامل حركتها ودعائم ثباتها ومستقراتها !!.

وهذا بالفعل ما وقع لكلا الفيلسوفين ((ابن خلدون وكونت)) وهذا بالفعل ما صادف كلا المفكرين من ظروف وملابسات اجتماعية وتاريخية وسياسية احاطت بحياة كلا المؤسسين لهذا العلم !!.

(ابن خلدون) حيث بشرّ ، ودعى لهذا العلم في مقدمته و ( اوجست كونت) حيث ايضا دعى ، وبشر بولادة علم للاجتماع تفرضه ((ظروف المرحلة التاريخية والصناعية الحديثة )) للعالم الانساني !!.

فابن خلدون الفيلسوف والدارس للتاريخ والمتخصص بكل مفاصله لاسيما منها العربية الاسلامية اطلع بشكل دقيق وتفصيلي على حركة هذا التاريخ وتغيراته وتقلباته السياسية ومن ثم هو امتلك الرؤية النظرية والخارجية لحركة المجتمعات مسطرة امامه من خلال النقل التاريخي لها !!.

لكن هذه الرؤية التاريخية ، ومهما تخصصت بتقلبات الشعوب والامم تبقى خارجية او حضارية وليست محلية ، وبعيدة عن روح المجتمع من الداخل مباشرة ، وهي وان سردت تطورات المجتمعات من الخارج الا انها ( مع ذالك ) تبقى بعيدة عن بواطن المجتمع من الداخل ، او الاحتكاك بصورة مباشرة معه !!.

وهنا ياتي دور (علم السياسة) الذي درسه ايضا ابن خلدون ومارسه بشكل عملي في حياته الاجتماعية ، والذي هو ((نظرية علم ادارة المجتمع)) من الداخل سياسيا واقتصاديا وتربويا وقانونيا اولا وقبل ان تكون علما لادارة الدبلماسية والدفاع والحرب ..... مع الخارج ثانيا ، لتطرح ( هذه النظرية السياسية ) امام ابن خلدون خريطة تشريح كاملة لكل معامل انتاج المجتمع من الداخل ولكل مفاصل المجتمع (( المتحرك والثابت منها )) باعتبار ان السياسة لاسيما في عصر((ابن خلدون)) كانت احد مهامها الرئيسية مراقبة ورصد بنية المجتمع العربي قبليا وحضريا وتحليل جميع الاذرع المتحركة او الفاعلة او المستقرة ، او المضطربة .. داخل المجتمع العربي الاسلامي انذاك وعلاقة (ذالك كله) المباشرة باستقرار السلطان وسلطته او الحكم او الدولة وامنها واستمرارها !!.

وبهذا توفر (لابن خلدون) كل ما يلزم من ادوات تفكيراجتماعية ( تاريخية وسياسية ومجتمعية ) تفرض نفسها عليه كعلم مستقل بنفسه ، منفصلة اولا عن ادوات علم التاريخ الذي امتهنه لكن ليس بعيدة عنه ومنفصلة ثانيا عن ادوات علم الاخلاق او السياسة لكن ايضا ليس بعيدة عنه وهذا الفصل في تفكير ابن خلدون نفسه هو ما يستطيع ان يشرح لنا بوضوح ماهية التداخل والتفاصل العميقة بين التاريخ وظاهرة الدولة في (مقدمة ابن خلدون) من جانب وبين علم العمران العربي من جانب اخر !.

ولا يمكن لباحث ان يدرس علم العمران العربي(عند ابن خلدون)في نشاته وولادته ، اذا لم يلحظ هذه العلاقة العضوية في فكر هذا الرجل بين علم التاريخ ودراسته المهنية له ، وبين ممارسة السياسة وما تتطلبه من رؤية اجتماعية وبين علم العمران في نهاية المطاف !!.

وهذا لايعني (مطلقا) : ان منهج ابن خلدون الاجتماعي كان مقتصرا على (( المنهج التاريخي )) في علم الاجتماع اوعلم العمران البشري فحسب بل ما يميز علم الاجتماع الخلدوني هناهوانه علم استقى من الواقع الاجتماعي الذي كان يعيش بداخله معظم اركان وتصورات واليات .... علم العمران البشري ، وهذا هو ما ذكرناه في العامل :

ثالثا: المتغيرات الاجتماعية التي احاطت بابن خلدون وارغمته على البحث عن قوانينها واسبابها الواقعية !!.

والحقيقة ان ابن خلدون عاش في ظروف اجتماعية ، وسياسية دراماتيكية بكل المقاييس التاريخية، فهو عاصر افول نجم الحضارة الاسلامية العربية في منابتها التقليدية من بغداد الى الاندلس فكريا وفلسفيا ، وعلميا وسياسيا ... وحتى اجتماعيا ، فقد اصاب المجتمع ( العربي بالتحديد وقيادته لركب الحضارة الاسلامية) انتكاسة افقدته حتى القدرة على التماسك السياسي في اقامة الدولة اوالقدرة على القيام بصناعة المدنية الحضرية، بل عاصر ابن خلدون(ارتدادة)عنيفة للمجتمع العربي من بنيته الحضرية المدنية التي شكل واسهم الاسلام ببنائها الى البنية القبلية العصبوية التي ساهمت ((صراعاتها المحلية)) بقتل الدولة، وروحها الحضرية داخل هذا الاجتماع العربي انذاك !!.

لكن ايضا ابن خلدون عاصر ، كذالك صعود نجم اسلامي اعجمي الاصل والمنشا على حساب الاصل العربي سياسيا ، وفكريا واقتصاديا واجتماعيا و... كان يتكون جنينيا في الشرق (عثمانيا) من العنصرالتركي و(صفويا) من العنصرالفارسي اوالايراني !!.

ولعل هذه المتغيرات الاسلامية الجغرافية الاجتماعية والعنصرية التاريخية الكبيرة التي طرأت على عالم ابن خلدون السياسي والجغرافي والاجتماعي ... ، هي ايضا ما ساهمت في تشكيل ( وعي ابن خلدون الاجتماعي ) في موضوعة علم العمران البشري ، ودراسة ظاهرة الدولة بشكل اساس ومن ثم دفعته للتساؤل حول : اسباب ، وعوامل (متغيرات) المجتمعات العربية والاسلامية ، وكيفية صعودها في بادئ اعمارها ، وهبوطها في شيخوختها قبل موتها !!.

وطبيعي ان مثل هذه البحوث ، التي افتض بكارتها تاريخيا ابن خلدون في بحوث المقدمة لم تكن لتستقى تصوراتها ، وافكارها من مضانها التاريخية التقليدية فكانت كتب التاريخ التي درسها ابن خلدون ونقد منهجيتها التقليدية في النقل التاريخي تخلو تماما مما نقرأه اليوم في (( المقدمة )) من بحوث اجتماعية ( سوسيولوجيه ) لم يكن سبيل امام ابن خلدون ، لدراستها سوى نزول ، وبحث ابن خلدون نفسه الى واقع ، واشكاليات المجتمع العربي (( المغربي الاندلسي بالتحديد))ودراسته واستقراءه ليتخذ منه مادة حية لمعظم بحوثه الاجتماعية فيما بعد !!.

اي وبمعنى اخر : انه عندما نبحث، بماطرحه ابن خلدون في علم العمران العربي (( علم الاجتماع العربي )) من بحوث وابواب وافكار وتصورات .... في ((مقدمته)) نجد ان معظم هذه الافكار كان منتميا بشكل مباشرالى واقع حياة المجتمعية العربية انذاك فبحث(( بنية الاجتماع القبلي العربي )) وكذا بحث اختلافها عن (( بنية الاجتماع الحضري )) ، وبحث (( ماهية الاجتماع الحضري ؟)) و(( لماذية نشأة العلوم داخل هذه البنية ؟)) وغياب العلوم داخل بنية الاجتماع القبلي القائم على العصبة واختلاف اخلاق الفرد المنتمي للبنية القبلية عنه من المنتمي للمجتمع الحضري ....الخ ، كل هذه بحوث (وحتى اليوم) من صلب الدراسات السوسيولوجية الحديثة التي تتخذ من ((المنهج الامبيريقي )) اداة لدراساتها الاجتماعية المنبنية على المجتمع كما هو قائم الان ، وليس المجتمع تاريخيا او كما ينبغي ان يكون ايدلوجيا ؟.

فابن خلدون كان ناقلا وواصفا اجتماعيا امينا عندما تحدث في مقدمته عن بنى مجتمعه القبلية والحضرية القائمة التي كان يعيش بداخلها وكان عالما اجتماعيا نافذ البصيرة عندما حلل بنية الاجتماع القبلي واختلافها الجذري عن بنية الاجتماع الحضرية ، وهكذا كان سوسيولوجيا بامتيازعندما طرح ماهية العلاقات التي تبتنيها المدنية التجارية وماتنتجه من صناعات وعلوم ومن ثم ما تنشئه من دول وحكومات واختلاف كل ذالك عن ما تهدف اليه بنية القبيلة وما تنفر منه من عالم ومعالم المدنية الحضرية !!.

وطبعا كل ما طرحه (ابن خلدون) في علمه العمراني الاجتماعي لم يخرج عن دراسة (سياقات المجتمع العربي والاسلامي) ، ومن واقع هذا المجتمع المعاش ومن عمق صراعاته وازماته وبكل مركباته ثوابته ومتغيراته !!.

ونعم في الجانب الاخر طرح ابن خلدون رؤيته الحضارية التاريخية التي تناولت سنن التاريخ وقوانينه البشرية وكيفية ان(( قوانين العمران البشري )) التاريخية، كما انها تنطبق في دراساتها على المجتمع العربي الاسلامي هي كذالك قوانين تنطبق على باقي الشعوب والامم حتى وان اختلفت نتائج هذه القوانين والسنن بين مجتمع واخر وهذا ما رشّح ((في الحقيقة)) الفكر الخلدوني الاجتماعي ، ليكون مؤسسا لعلم اجتماع قائم على قانون وسنن لايختلف عملها بين مجتمع واخر !!.

وبهذا استطاع ان يعكس (ابن خلدون) كل ما كان قائما في مجتمعه العربي والاسلامي من تناقضات ومتغيرات وصراعات وثوابت و .... (( استاتيك وديناميك)) ليصوغ من نفس هذا الواقع المضطرب علمايجيب عن الاسئلة السوسيولوجية (( القائمة حتى اليوم ))حول اسباب وعوامل هذه المتغيرات الاجتماعية واسباب وعوامل الاصطكاكات والثوابت داخل هذه المجتمعات ايضا ؟.

نعم غير ابن خلدون لم يكن مهيئا ،او لم تهيئ له جميع الادوات والظروف القادرة على دفعه ليبتكرلنا علما يسميه كما اسماه ابن خلدون بعلم العمران البشري ولم تكن العبقرية الفكرية الفردية وحدهاتتمكن من دفع ابن خلدون نفسه لابتكار علم للاجتماع لو لم تكن هذه المتغيرات الاجتماعية التاريخية التي ذكرناها انفا مصاحبة لحياة ابن خلدون ، ودافعة له بقوة للتفكير الجاد بماهية المتغير الاجتماعي ومن ثم اضطراره لصناعة علم يبحث المجتمع كمادة وموضوع ، ومن هذا المنطلق ندرك : ان الاسباب ، والعوامل التي ساهمت بالفعل بنشأة علم الاجتماع العربي(علم العمران البشري)هي كانت اسباب وعوامل اجتماعية ((سياسية وفكرية واقتصادية وجغرافية وتاريخية واخلاقية ..)) اولا ، قبل ان تكون اسبابا فكرية نظرية ، او عبقرية فردية لاغير !!.

وربما لم يكن بمقدور(( ابن سينا اوالفارابي )) مثلا ان يصنعا ، او يكتشفا او يبتكرا علما للاجتماع العربي والاسلامي ، لان كلاهما فيلسوفان لكن لم يكونا عالمي تاريخ واطلاع على سير الامم والشعوب وتقلباتها الاجتماعية التي هي صفة اساسية ينبغي ان تتوفرلعالم الاجتماع قديما وحديثا كما كان مهيئا لابن خلدون وهكذا ربما لم يكن((الطبري او المسعودي)) بمقدورهما ان يلتقطا (( فكرة علم الاجتماع )) وهما يدرسان التاريخ ويكتبان فيه كما التقطها ابن خلدون، لان ابن خلدون كان ( فيلسوفا ايضا ) بالاضافة لكونه مؤرخا ووممارسا سياسيا كذالك، مطلعا بشكل مختلف على حركة المجتمع ومتغيراته من الداخل ، ولا يمكن لعالم يحاول ( صناعة منتج علمي جديد) وهو خاليا من الفكر الفلسفي الذي يؤهله لصناعة العلم ، وانشاءه من جهة كمالايمكن لعالم بالاجتماع يريدان يبحث بعلم للعمران والاجتماع ان يكتفي بالدراسة التاريخية النظرية فقط، ليصل الى قلب علم الاجتماع وادواته من جانب اخر !.

وفي النهاية يمكننا القول:ان ابن خلدون بفلسفته وعلمه التاريخي وممارسته السياسية ....، لم يكن باستطاعته صناعة علم للمجتمع لولا تلك المتغيرات المتسارعة ، التي ضربت حياة العالم العربي والاسلامي السياسية والفكرية والجغرافية والاقتصادية .. وحتى الاخلاقية في عصره والتي هي صنعت ابن خلدون وعلمه قبل ان يصنع ابن خلدون علما للمجتمع ومتغيراته !!.



راسلنا على :

alshakerr@yahoo.com

مدونتي فيها المزيد على :

http://7araa.blogspot.com/





الاثنين، مارس 10، 2014

(( تمهيد حول نشأة علم الاجتماع الاسلامي العربي )) 1/ 2 حميد الشاكر

(( تمهيد حول نشأة علم الاجتماع الاسلامي العربي )) 1/ 2 حميد الشاكر


عند البحث في موضوعة ( نشأة علم الاجتماع العربي ) بالتحديد تصادفنا عادة أشكاليتان  بحثيتان ،  يبدو ان من كتب في موضوع  ( علم الاجتماع العربي الحديث) لم يلتفتوا الى مغزاهما بشكل واضح وصريح وهي :
اولا : ان معظم الكتابات الحديثة ، التي تناولت بالبحث ، والدراسة  ( علم الاجتماع بصورعامة وعلم الاجتماع العربي بصورة خاصة ) تخلوا تماما من مقدمة او مدخل معنون تحت مسمى (( نشأة علم الاجتماع العربي )) .
ثانيا: ان اكثر ، اذا لم نقل كل كتّاب المداخيل والمقدمات الدراسية والبحثية التي تناولت علم الاجتماع الحديث ، عندما حاولت التورخة لمشروع علم الاجتماع العربي اختصرت كل (نشأة هذا العلم ) بالحديث عن مؤسس هذا العلم الفيلسوف ، والمؤرخ العربي (( عبد الرحمن ابن خلدون )) من جهة والحديث عن الظروف والملابسات التاريخية والسياسية والاجتماعية ..... التي احاطت بهذا العَلم المؤسس وهي منقطعة الصلة تماماعن اسباب نشأة علم الاجتماع العربي انذاك ، والذي اسماه ابن خلدون في ((مقدمة)) العبر ب(( علم العمران البشري )) من جانب اخر !!.
وهذا بعكس تماما البحوث العربية والغربية الحديثة التي عُقدت لبحث(نشأة علم  الاجتماع الغربي) ، حيث انها بحثت الملابسات الاجتماعية التاريخية والتغيرات الفكرية والاقتصادية والسياسية و.... التي احاطت بمؤسس علم الاجتماع الغربي (اوجست كونت) على انها العوامل الرئيسية التي فرضت نشأة علمٍ للاجتماع اسماه فيما بعد(( كونت)) ومن بعده من علماء هذا الفن  ب (السوسيولجي) !!.
فياترى : لماذا ( اولا )خلت معظم بحوث علماء الاجتماع العرب من بحث او مدخل معنون ب ((نشأة علم الاجتماع العربي الخلدوني)) القديم  ؟.
وثانيا : لماذا ، عندما يبحث (هؤلاء الاعلام ) في علم الاجتماع العربي لم يرجعوا نشأة هذا العلم الى اسبابه، وعوامله التاريخية الاجتماعية الوضعية كما فعلوا عند بحث (( نشأة علم الاجتماع الغربي الحديث ))، وانما اكتفوا بالقول الجازم بان  (العبقرية الخلدونية) الفردية وحدها منفصلة عن الواقع هي ، التي انشأت هذا العلم الاجتماعي المهم  ، وان لاعوامل اجتماعية او سياسية او اقتصادية .. هي التي فرضت على ابن خلدون التفكير بصناعة علم يختص بدراسة المجتمع وبنيته وهيئته وحركته وتغيراته ؟؟.
بمعنى آخر اكثر وضوحا : عندما نتسائل حول نشأة علم الاجتماع الغربي الحديث وماهية الاسباب والعوامل التي ساهمت بهذه النشأة ؟.
فان علماء الشرق والغرب  من امثال (( انتوني غدنز )) في كتابه (( علم الاجتماع)) متوافق تماما على ان من اهم الاسباب الموضوعية الاجتماعية والفكرية ،والسياسية والاقتصادية التي فرضت هذا العلم على (( كونت )) ومن جاء بعده هي عوامل واسباب ثورات موضوعية ثلاث رئيسية :
اولا   : الثورة الفرنسية  1789 م ، التي اسست لنظام سياسي جديد اطاح بالنظام السياسي الاقطاعي التقليدي القديم .
ثانيا: تحرك الثورة الصناعية في بريطانيا واشتمالها على مجموعة واسعة من التحولات الاقتصادية التي صاحبتها ابتكارات تقنية غيرت من خارطة المجتمع الغربي وحركته انذاك ، وفرضت متغيرا اجتماعيا جديدا تماما  .
ثالثا: الثورة الفكرية التي برزت بنزعة مقارنة علمية وتفكير نقدي عقلاني غير جذريا من النظرة الكلية لمفاهيم البشر ./ انظر غدنز / علم الاجتماع / ترجمة الصباغ / ط اولى / ص 54.
وهكذا (فيليب كابان ، وجان فرانسوا دورتيه) في كتابيهما :(علم الاجتماع من النظريات الكبرى  الى الشؤون اليومية ) ، فيرجعان ايضا سبب ولادة علم الاجتماع الحديث ( السوسيولوجي) الى نفس العوامل  والاسباب في :
اولا : الثورة السياسية الفرنسية الكبرى .
ثانيا : الثورة الاقتصادية الصناعية البريطانية .
ثالثا : الثورة الفكرية وانتصار العقلانية والعلم والفلسفة الوضعية . / انظر علم الاجتماع / كابان / ترجمة اياس حسن /  دار الفرقد / ط اولى / ص 6 .
وهذا (مع الاسف) بعكس تماما البحوث التي تناولت (( نشأة علم الاجتماع العربي )) او التورخة التي احاطت بهذه الولادة حيث انها ركزت بصورة مباشرة على السبب الفردي لاغير ، لتطرحه كسبب اصيل لا علاقة له او منفصل تماما عن واقعه التاريخي المعاش الاوهو((العبقرية الشخصية لابن خلدون في صناعة وتاسيس هذا العلم )) !!.
والحقيقة ان من بين اهم من طرحوا هذه النظرية في ولادة (علم الاجتماع العربي) هو الاستاذ ((ساطع الحصري)) في كتابه: (( دراسات عن مقدمة ابن خلدون )) حيث ذكر بالنص :
((فانني عندما اتأمل فيما كتبه ابن خلدون في هذا الصدد أجزم بان توصله الى مجموعة الاراء المبتكرة الكثيرة المسطورة في المقدمة انما كان حدث من جراء (تدفق مفاجئ ) بعد ( حدس باطني ) و ( اختمار شعوري ) ... / الحصري /  دراسات عن مقدمة ابن خلدون  / دار الكتاب / ط الثانية / 1969م/ ص 118 .
والغريب بعد ذالك ان معظم علماء الاجتماع العرب ، الذين تناولوا (( ابن خلدون ومقدمته )) على اساس انه ( المؤسس ) الفعلي لعلم الاجتماع القديم والحديث ذهبو نفس المذهب في تعليل  وتفسير ظاهرة ولادة علم الاجتماع العربي على يد ابن خلدون ناسين ، او متجاهلين اي دور واقعي للظروف السياسية او الاجتماعية او..التي ساهمت في هذه النشأة  مع ان المفروض ان علم الاجتماع ، وعالم الاجتماع ينتمي هو قبل غيره لمدرسة تؤمن بان العوامل الاجتماعية الموضوعية (هي) المساهم الاصيل ، ومهما كان واقع هذا المجتمع في انتاج وولادة اي ظاهرة اجتماعية او علمية او ... بما في ذالك انتاج الفرد الفكري وغير الفكري لكن ما طرح علميا اجتماعيا عربيا هو العكس تماماعند معظم من بحثوا في نشأة وولادة علم الاجتماع العربي !!.
ولعل ما دفع معظم علماء الاجتماع العرب(وغير العرب ايضا) من اقصاء العوامل الاجتماعية ((الموضوعية التاريخية)) من معادلة صناعة هذا العلم وولادته او المساهمة المباشرة في هذه النشأة على يد ابن خلدون والاكتفاء بنظرية (( العبقرية الفردية الشخصية لابن خلدون )) ، منفصلة عن واقعها الاجتماعي التاريخي انذاك هو: (( ما كان يعيشه العالم العربي والاسلامي بصورة عامة ، والمغرب العربي ، وافريقيا بصورة خاصة )) من مراحل الانحطاط والتدهور الحضاري للعالم العربي والاسلامي  !!.
فقد ذكر تاريخيا هنا ان القرن السابع والثامن الهجري ، وهذه هي المرحلة التاريخية التي ولد وتوفي فيها ابن خلدون ((ولد ابن خلدون سنة 732 هج ، 1332م / ، وتوفي 808 هج ، 1405 م )) كانت مرحلة انحطاط شامل للحضارة العربية والاسلامية ، وان ابن خلدون (( كما يذكره صلاح الدين بسيوني رسلان في كتابه: السياسة والاقتصاد عند ابن خلدون )) كان نقطة الضوء الوحيدة في الافق الاسلامي انذاك !!.
او كما حقق عبد السلام الشدادي المقدمة وجميع ظروفها التاريخية بخمسة مجلدات موسوعية ((عبد الرحمن ابن خلدون المقدمة)) حيث ذكر : (( ان القرن الرابع عشرالميلادي يعتبر/في نظرمعظم الباحثين الغربيين والعرب / مرحلة انحطاط شامل لما كان يمر به العالم العربي  والاسلامي بصورة عامة .
ولهذا اقول لعل هذا هوالسبب الاصيل الذي دفع بالكثيرمن علماء الاجتماع العربي ان يقصواالظروف الموضوعية التاريخية الاجتماعيةعن موضوعة (نشأة علم الاجتماع العربي)باعتبارها(ظروف انحطاط وانحسار وتدهور ) ليكتفوا بالبحث عن الاسباب ، والعوامل  التي اولدت هذا العلم  في معامل الادراك الشخصية الفكرية والعلمية الفردية لابن خلدون فقط منفصلة تماما عن واقعها التاريخي والاجتماعي والسياسي ... !!.
لكن ربما مافات اساتذتنا الكرام بهذا الصدد انه صحيح عادة مايربط الفكر الانساني اليوم بين صعود الحضارة ، وانتعاشها من جهة ، وابتكار العلوم ونهضتها من جانب اخر ، والعكس صحيح ايضا عندما تصل اي حضارة انسانية الى مرحلة الانحطاط والتدهور سيتصل في الفكر الانساني تداعيا تصورات فكرة ضمور ، وعقم هذه الحضارة المنحطة عن انتاج اي منتج علمي مبتكر وجديد فضلا عن ابتكار علم بثقل واهمية علم الاجتماع انذاك وهذا صحيح في معظم الجوانب !!.
الا ان هذه الفكرة لاعلاقة(علّية)لها بولادة علم الاجتماع العربي انذاك فعلم الاجتماع بالخصوص هومن العلوم المرتبطة تماما  ب(متغيرات المجتمع) الحضارية لا غير ، سواء كانت هذه المتغيرات (صاعدة)  في سلم التطور الحضاري كماحصل بالفعل في صعود الحضارة الصناعية الغربية الحديثة التي انشأت (( علم الاجتماع الغربي الحديث )) ، او هابطة من هذا السلم كما حصل مع ((علم الاجتماع العربي الخلدوني)) القديم  ولهذا صرح ابن خلدون في مقدمته  حول ابتكاريته لعلم الاجتماع ، وموضوع علم العمران (علم الاجتماع ) ان من اهم مسائل هذا العلم هو بيان مايلحق المجتمع من عوارض واحوال لذاته بالقول : (( فانه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الانساني وذومسائل هي بيان ما يلحقه من العوارض والاحوال لذاته ..... / انظر مقدمة ابن خلدون / الكتاب الاول في طبيعة العمران / ص 42 / دار الجيل   !!.
بمعنى اخر: انه لو اهملنا فكرة (( ترابط انشاء العلوم مع صعود وانتعاش الحضارات )) فقط وركزنا بالبحث خاصة على الظروف الموضوعية التي املت على ((ابن خلدون))  ان يلتقط فكرة (( علم الاجتماع = علم العمران البشري))وبحثنا في الاسباب والعوامل الحقيقية والموضوعية التي ساهمت وساعدت (( ابن خلدون )) على صناعة علم الاجتماع لكان من المفيد فعلا لتطوير البحث الاجتماعي العربي اليوم في موضوعة (نشأة علم الاجتماع) العربي ولتمكنا من ان نضع اناملنا على النقطة التي بدأ فيها علم الاجتماع العربي انطلاقته  قبل ان يتلاشى ويتوقف المشروع من حيث بدأ !!.
وعلى هذا الاساس من حقناهنا ان نعيد السؤال المؤسس لمثل هكذا مداخيل ونطرح السؤال بصيغته البدائية وهو: ماهي الاسباب الموضوعية والفكرية التاريخية التي فرضت على ابن خلدون ان يفكر بانشاء علم للعمران يبحث ويتناول من خلاله المجتمع كموضوع لهذا العلم ؟.   
طبعا من اهم الاسباب ، التي دفعت ابن خلدون لصناعة علم العمران (علم الاجتماع ) العربي الاسلامي هي ثلاثة عوامل موضوعية رئيسية :
اولا : اشتغال ابن خلدون بالتاريخ .
ثانيا : احتكاكه بعالم السياسة ومتغيراتها وهمومه بدراسة ظاهرة الدولة .
ثالثا: المتغيرات الاجتماعية التي احاطت بابن خلدون وارغمته على البحث عن قوانينها واسبابها الواقعية .
والحقيقة ان التاريخ بالنسبة لابن خلدون  لم يكن فقط مجال اختصاص في فن (نقل الاحداث الماضية) فحسب ، وبدون الالتفات الى ان هناك غرض وغاية وهدف اسمى يقف خلف هذا النقل لاحداث الماضين بل كان التاريخ وبصورة واضحة بالنسبة لابن خلدون ماهو الا اداة  للوصول الى (باطن) هذا التاريخ في قوانينه وسننه التي من خلالها  ندرك معنى وفلسفة التاريخ كعلم من جهة  وندرك ماهية وكيفية حركة هذا التاريخ من جانب اخر !!.
ولعل ايمان ( ابن خلدون ) بالرؤية الاسلامية لعلم التاريخ ، وما دلت عليه النصوص  القرانية من (( سنن التاريخ وقوانينه )) في مثل قوله سبحانه : (( سنة الله في الذين خلوا من قبل ...)) وقوله سبحانه : (( ولن تجد لسنة الله تبديلا))قد ساعدت ابن خلدون في فهم التاريخ وغاياته واهدافه بصورة عمق من اقرانه الذين اعتمدوا على النقل في فن التاريخ فحسب ، ومن هنا وجدنا ابن خلدون دائم (التذييل)لابواب مقدمته بمثل هذه النصوص القرانية التي تشير الى ان :خلف الذكر المتكرر للحدث التاريخي في القران الكريم يقبع قانون وسنة تاريخية هي المتحكمة في حركة هذا التاريخ ومتغيراته !.
وعلى هذا الاساس ادرك (ابن خلدون) الغاية من التاريخ  وان التاريخ بحد ذاته ماهو الا وسيلة لادراك هذه القوانين والسنن التي تتحكم بمجمل حركة التاريخ وعوائده وطبائعه وصعوده وهبوطة .... الخ والذي هو عبارة عن تاريخ للعمران البشري ايضا وغير منفصل اطلاقا عن هذا التاريخ !!.
فاذاً:شكلت الدراسة التاريخيةلابن خلدون المفتاح الذي دفعه لبحث ودراسة العمران البشري على اساس ان التاريخ نفسه ماهو الا حركة هذا العمران واذا كان للتاريخ قوانين ، وسنن وطبائع و.... تتحكم بمتقلباته ، ومتغيراته وصعوده  وهبوطه ، فللعمران البشري بالاولوية هذه القوانين وتلك العوائد والمتغيرات الاجتماعية العمرانية ايضا !.
هل كان ينظر ((ابن خلدون)) لعلم التاريخ على اساس انه الوسيلة التي من خلالها يمكن لنا دراسة العمران والمجتمع ؟.
ام ان العكس هو صحيح بان اتخذ من علم العمران والاجتماع مادة واقعية لفهم التاريخ بصورة اكثر علمية ؟.
ان هذه الجدلية بين ( التاريخ والعمران ) في مشروع ابن خلدون بالمقدمته هي التي دفعت الدكتور(طه حسين) في كتابه(فلسفة ابن خلدون الاجتماعية .. تحليل ونقد) يذهب الى (( خطأ الاستاذ فيريرو إذ استنتج ان ابن خلدون عالم اجتماعي  لانه اتخذ المجتمع موضوعا لمباحثه . ، فابن خلدون يعتبر المجتمع موضوعا للتاريخ ايضا وقد كان قبله موضوعا للاخلاق... وليس انتقاصا لقدره / ابن خلدون / ان نقرر ان ما بالمقدمة تلمس لعلم الاجتماع وليس هو العلم نفسه )) انظر: فلسفة ابن خلدون / طه حسين / محمد عبد الله عنان نقله للعربية / ص 65.
والواقع ان راي الاستاذ ((طه حسين)) بهذا الصدد جانب الصواب في حق علم العمران البشري لابن خلدون ومع ان هناك تداخل((جدلي)) في طرح ابن خلدون بين التاريخ وعلم العمران، الا ان ابن خلدون نفسه يصرح في مقدمته : بانه اتخذ من علم  العمران البشري ميزانا من خلاله ندرك الحق من الباطل في النقول التاريخية وليس العكس حيث ذكر: (( واذا كان ذالك فالقانون في تمييزالحق من الباطل في الاخباربالأمكان والاستحالة أن ننظر في الاجتماع البشري الذي هو العمران، ونميز ما يلحقه من الاحوال لذاته وبمقتضى طبعه ، وما يكون عارضا لايعتد به  وما لايمكن ان يعرض له .... )) انظر المقدمة / مصدر سابق / ص 41 .
وهذا يعني ان (ابن خلدون) جعل القيادة لعلم العمران على علم التاريخ ولم يجعل علم العمران تابعا لعلم التاريخ كي يتهم انه اتخذعلم العمران كوسيلة للوصول الى الغايات التاريخية لاغير  !!.
نعم قلنا هناك (( جدلية = متقدم ومتاخر، ومتاخر ومتقدم بعملية تخادم بين العلمين )) بين التاريخ وعلم العمران في فكر ابن خلدون ،ويمكننا ان نعلن بصراحة ان التاريخ وبحثه هو الذي دفع ابن خلدون على ابتكار  وصناعة علم العمران البشري  ومن ثم ( ليؤسس ) ، ويلاحق موضوعات هذا العلم لا ليكون تابعا لعلم التاريخ ، بل مستقلا في موضوعه ومسائله وهذا ايضا ما اشار له نفس ابن خلدون في المقدمة حيث قال: (( وكأن هذاعلم مستقل بنفسه فانه ذوموضوع هوالعمران البشري والاجتماع الانساني وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والاحوال لذاته.. وليس من علم الخطابة ... ولا هوايضا من علم السياسة المدنية.... فقد خالف موضوعه موضوع هذين الفنيين )) المقدمة / ص 42 .
والخلاصة هي ان من اهم العوامل والاسباب التي ساهمت في صناعة علم الاجتماع العربي الخلدوني هي مهنة علم التاريخ، التي امتهنها ابن خلدون كمتخصص في البحث التاريخي الذي دفعه بالنهاية لان يبتكر علم العمران كي يكون علما ضابطا لاخبار التاريخ ، ومهيمنا عليها .
اما العامل الرئيس الثاني ، الذي ذكرناه كاحد العوامل الرئيسية التي دفعت ابن خلدون لابتكار وصناعة علم الاجتماع العربي الخلدوني ...... فهذا ما سنتناوله في الجزء الثاني من هذا التمهيد !.
مدونتي فيها المزيد