الخميس، مايو 19، 2016

(( ليست حربا شيعية شيعية وانما قانون وسنة الدولة )) حميد الشاكر



اذا امتهنا السياسة وعملنا في مجالهافي العصرالحديث بلارؤية علمية توّضح لنا مفاهيم السياسة وسنن وقوانين الدولة فحتماسنتعامل مع الظواهر السياسية المستجدة يوميا بجهل ،  وعواطف وتخبط وعدم ادراك وفهم لما هي السياسة وقوانين ظواهر الحكم داخلها !.
بمعنى اخر ان السياسة اليوم اصبحت علماتدّرس في الجامعات وليست مهنه لمن لامهنة له واذا اردنا ان ندرك ظواهرها علينا ان نعي ان للحكم وظاهرة الدولة ( قوانين وسنن )هي المتحكمة في العاملين بداخلها وليس العكس ولهذا قيل سابقا : الحكم ظاهرة نصنعها في بادئ الامر ثم تصنعنا الى مالانهاية !.
نعم كثيرمن ظواهر الحكم ، والسياسة تاخذ شكل القوانين الاجتماعية والسنن التاريخية التي تحكم ظاهرة الحكم وحركة المجتمع ،   ومن اهم هذه القوانين الحاكمة لمسيرة الدول  هي ظاهرة ( الانفراد بالسلطة ، وتوحد القرار داخل حكم الدولة ) !.
( ابن خلدون) عالم الاجتماع العربي وصاحب ( المقدمة ) ، والذي يعتبر في عرف الدارسين لعلم الاجتماع المعاصر على اساس انه اول من اسس ( لعلم الاجتماع السياسي ) تاريخيا قد تناول  وبشكل مكثف ، ومعمق ظاهرة الدولة  والحكم وخاصة داخل الاجتماع العربي الاسلامي ،وقد اكد ابن خلدون على مفهوم ( انفراد الحاكم بالسلطة لفساد الكل باختلاف حكامهم / انظر المقدمة / الفصل العاشر ) !!.
وهذا يعني مما يعنيه : (( ان الانفراد بالسلطة وتوحيد رؤيتها وعدم تضارب الاراء حولها او محاصصة قرارها الممزق لانتظام عملها من جهة  والمُضر والمخل بمصالح الامة ككل من جانب اخر ، كل ذالك يعتبر من ضمن قانون الدولة وسننها الاجتماعية الثابتة منذ صنعت هيئة الدولة وحتى اليوم )) !!.
واذا ماراينا: ابّا يقتل ابناءه ليتفرد بقرار الحكم والدولة تاريخيا او اخٌ  يقصي اخاه ، او صاحب قبيلٍ يبعد ابناء قبيلته او طائفيا يقتل ابناء طائفته او.. اذا ما راينا ذالك تاريخيا جاريا في حكم الدول ، وحتى اليوم ،  فينبغي ان ندرك ان للدول قوانين ، وللحكم سنن في انتظامه وصلاح امره ، وكما ان للكون خالقا والاها واحدا لاغير يقوم على ادارته وحكمه وانه ( لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ) كذالك الحكم  والدولة لابد لها من حاكم واحد ، ورؤية واحدة وقرار واحد كي لا يفسد حكم  الدولة ، ولاينفرط   عقد المجتمع ، وتضربه الفوضى والانهيار بسبب تعدد الرؤى ومحاصصة القرار داخل الدولة !!.
اليوم في وضعنا العراقي القائم  تبرز ظاهرتان في ادارة الدولة والحكم داخل العراق :
الاولى : هي ظاهرة تمزيق الدولة  بتمزيق رؤيتها وقرار ادارتها محاصصيا حزبيا وطائفيا وقوميا و ....الخ ؟.
الثانية : خلل النظام الوظيفي للدولة والحكم (عجزها عن القيام بوظائفها) مما انعكس على خلل حياة المجتمع ، وتعطيل مصالحه ، وفوضى مسيرته وفساد امره ومعيشته !!.
والظاهرة الثانية حتمية قانونية للظاهرة الاولى ، فلا استقرار ونمو اجتماعي الا بوجود ( دولة موحدة وحكم صاحب قرار منفرد ) ، ولاقرار موحد وحكم متماسك بوجود محاصصة للحكم وتمزيق لتماسك الدولة !!.
وعلى هذا الاساس  : اذا راينا ظاهرة دولة ، وحكم تتنازع رؤاها محاصصة حزبية او قبيلية او اسرية او قومية او طائفية او طبقية او دينية او .... فينبغي ان نعي تماما ان ظاهرة الخلل الاجتماعي ،  وعدم الاستقرار الامني والفساد الاقتصادي والاداري ستتبع تلك الظاهرة حتما !.
واذا راينا ظاهرة دولة قائمة على المحاصصة وتشتت القرار والرؤية فينبغي ان ندرك: ان (حتمية الصراع) قادمة داخل هذه الدولة في نهاية المطاف بين المتحاصصين وان هذه الحتمية الصراعية امر لامفر منه ابدا ، اذا لم يتنازل المتحاصصون بالسلطة (( بارادتهم /  لعبة الديمقراطية :   قبول الاقلية بحكم الاكثرية)  فيما بينهم  ،  والبين الاخر ليتوافقوا على جهة واحدة تنفرد بالحكم والسلطة وادارة الدولة !!.
ان ما يجري اليوم في العراق وحكمه وسياسته هوامرٌخاضع تماما لهذه السنة والقانون داخل الدولة   ولاعلاقة لهذه القوانين والسنن للدول بنوعية الصراع وافاقه ان كان  بين ابن وابيه ، او بين طائفة او مذهب واتباعها ، فليس هناك علاقة تحكم سنة الحكم وقوانين الدول غير تلك السنن وهذه القوانين !!.
بمعنى اخر ان هذه السنن والقوانين الحتمية للحكم والدولةلاعلاقة لها بنوعية الصراع داخل المجتمع على الانفراد بالسلطة والحكم ،ومن يعتقد انه بامكانه ان يوقف سنة وقانون الدولة من الجريان ، والفعل لمجرد انه يرفع او يخوّف اوليائه من حرب شيعية شيعية ، او كردية كردية او سنية سنية ، فهذا اما انه لايدرك من مفاهيم الدولة وسنن وقوانين حكمها اي شيئ ؟.
واما انه مدرك تمامالهذه القوانين الا انه يحاول ان يؤخر الوصول الى حتمية الصراع وانفراد جهة من الجهات بقيادة الدولة داخل العراق !!.
الخلاصة :
اولا : الصراع في العراق على قيادة الدولة وحكمها امر حتمي لامفرمنه ابدا تفرضه نفس متطلبات الدولة وقانونها على اتباعها !.
ثانيا : الصراع الشيعي الشيعي على الحكم والدولة يحكمه قانون الدولة وسنة الحكم داخلها ، ولايمكن ايقافه الا بقيام سلطة ، وحكم لجهة من جهات الشيعة والا سينقلب قانون الدولة على الشيعة انفسهم لياتي من هو ليس بشيعي ليقود الدولة ويتغلب على حكمها رغم انف الشيعة انفسهم ؟.
ثالثا:ان الفاسدين والطائفيين(من الشيعة والسنه والكرد)الذين يحاولون تعطيل قيام الدولة ،وجريان سننها الحتمية وقوانينها النافذة فانما يحاولون عبثا لانهم سيواجهون بصراع ومعركة مع سنة من سنن المجتمع وقوانينه التاريخية !.
رابعا :الوصول لسنة وقانون الانفرادبالسلطة في العراق لجهةمعينه او حزب معين او فئة او .... امر قامت عليه قوانين الدول وسنن الحكم داخلها ، وحتى النظم الديمقراطية القديمة واليوم هي ايضاخاضعة لهذا القانون والحكم للدولة ولكن بشكل توافق سياسي وليس من خلال الصراعات والاقصاءات الدموية السياسية !!.

                            https://www.youtube.com/watch?v=7CFZTb58ujY


الأحد، مايو 15، 2016

(( رشيد الخيون وفلسفة محمد باقر الصدر ... القسم الخامس الاخير )) حميد الشاكر

(( رشيد الخيون وفلسفة محمد باقر الصدر ... القسم الخامس الاخير )) حميد الشاكر

خامسا : تاثيرات كتاب فلسفتنا الاجتماعية والحزبية والسياسية  .
لم يجانب الصواب استاذنا (رشيد الخيون)عندما اشار في مقاله لتاثيرات فكر (( فلسفتنا )) للسيد باقر الصدر وانه ابّان صدور هذا الكتاب الفلسفي في سنه 1959م ،تحوّل وبزمن قياسي الى مادة مرجعية فكرية لتيارات من الاجتماع العراقي ( المضاد ) كما اطلق على هذه التيارات الاجتماعية العراقية الكاتب الخيون وهكذا اثرّ كتاب ( فلسفتنا ) ،واستطاع اختراق بنية الحزب الشيوعي العراقي نفسه ، ليؤثرعلى  تيار داخل الحزب الشيوعي العراقي  كان لم يزل يحتفظ بانتماء ديني اجتماعي عراقي داخله فضلا عن تاثيرّ كتاب ( فلسفتنا ) للسيد الصدر (حسب ظن الخيون ) على فقهاء  ومراجع دين انذاك مما ساهم بتهيئة الارضية الدينية  لاصدار فتوى ادانه وتكفير للفكر الشيوعي !!.
اخيرا لم يقتصر تاثير كتاب (فلسفتنا) لباقر الصدر في جانبه الثقافي والفكري والاجتماعي العراقي  والحزبي الشيوعي فحسب ، بل هناك التاثير  السياسي ايضا الذي احدثه الكتاب ، حيث ذكر الخيون في مقاله المذكور: ان (فلسفتنا) كان مادة سياسية حكومية  قومية وبعثية لمناهضة الشيوعية في العراق ، كما ويشير ( الخيون ) من طرف خفي الى (تواطئ واتهام  صريح ) للصدر باقر بعقد صفقة سياسية مع مدير امن حكم حزب البعث في السبعينيات الى اعادة نشر البعث لكتاب فلسفتنا لتصفية حساب البعث مع الشيوعيين !!.
كل ذالك طرحه الخيون في مقاله تحت الصياغة التالية :
( لا شك كان للكتاب أثره على القوى المضادة للفكرالماركسي ،  فقد هيأ  لها مادة تستطيع  بها  أن تتبنى موقفاً ، ويغلب على الظن أنه كان له الأثر الأكبر على الفقهاء  بإصدار فتوى تكفير ( أعطيت لأحد المستفتين 1960 ) وفتاوى القتل التي طلبتها سلطة (1963) القومية عندما همت بتطبيق الشريعة بأتباع الحزب الشيوعي العراقي وكادت تتسبب بقتل أكثر مِن عشرة آلاف عراقي، وقد أتيت بقصتها مفصلة وبشهودها في «الأديان والمذاهب بالعراق ماضيها وحاضرها» (2016) ، كذلك أثر في المتدينين على العموم، من الذين انتموا إلى الحزب الشيوعي )
ثم يضيف في فقرة اخرى :
((  حتى البعثيين أنفسهم لم يميزوا  بين أحوال (1959) ،  وأحوال منتصف السبعينيات  عندما هرع مدير الأمن العام فاضل البراك ( أعدم 1993 ) إلى الصدر، وطلب منه أن يتكفلوا بنشر « فلسفتنا » ، لمواجهة الحزب الشيوعي العراقي الذي كان في جبهة (1973-1979) معهم، وقد رفض الرجل، لأنهم طلبوا منه إجراء تغييرات، ثم وافق ) انتهى الاقتباس .
نعم في هذه الوصلة ( من المقال  ) ربما لو اردنا تناول محاورها التي ذكرها الاستاذ رشيد باختزال لكانت لنا جولة واسعة الخطوة في هذا الاطار، لاسيما ان الاستاذ  يتناول تاريخ يمتد ، بكل تعقيداته في الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية ، والحزبية العراقية منذ 1959 م ، والى نهاية السبعينات واستشهاد السيد محمد باقر الصدر على يد حزب البعث وصدام حسين شخصيا !.
لكن ومع ذالك ، وللاختصار سنشير الى ثلاث محاور عامة ورئيسية في هذه الوصلة تتصل بهدف ردّنا التوضيحي ( الفكري، والفلسفي ، والسياسي ) هذا على مقال الاستاذ وهي :
الاول : محور في اي اجواء اجتماعية  وسياسية وفكرية عراقية طرح كتاب ( فلسفتنا ) للصدر وماهية تاثيراته الثقافية الاجتماعية العراقية ؟.
ثانيا : محور هل فعلا ساهم كتاب ( فلسفتنا ) للصدر باصدار فرمان تكفير للشيوعية استغلته نظم الحكم العراقي لتصفية حساباتها السياسية فيما بينها والبين الاخر ؟.
ثالثا : محور اتهام الصدر محمد باقر بانه تواطأ  مع حكم  البعث ومدير امنه ( فاضل البراك ) بالسبعينات على اعادة نشر الكتاب ل ((   لمواجهة الحزب الشيوعي العراقي الذي كان في جبهة(يقصد الحزب الشيوعي نفسه)  1973  -1979 معهم  وقد رفض الرجل لأنهم طلبوا منه إجراء تغييرات ثم وافق ) !!.
في المحور الاول : طرح محمد باقرالصدركتاب ( فلسفتنا) في 1959م وهو التاريخ والزمن الذي كان يعيش فيها العراق قمة غليانه وتطلعاته الاجتماعية وتغيراته وانقلاباته السياسية والحزبية والفكرية والثقافية و ....الخ !.
كان لم يزل انقلاب 1958 م للجنرال قاسم ، ومجموعته القومية ( عبد السلام وحاج سري و..) لم تزل دماءضحاياه طرية وكان الحزب الشيوعي العراقي يتهيئ لحصد ثمار ( نضاله الطويل ) ، ودعمه اللامحدود لاي عملية انقلاب عسكرية مرّت في تاريخ العراق الحديث ، للاطاحة  بالنظام الملكي من جهة وادارة دفة العراق سياسيا واجتماعيامن الضفة الغربية الراسمالية الى الضفة الشرقية الاشتراكية !!.
في الجانب الفكري والثقافي الذي كان بِكرا وتوّاً خارجا من بناءالعهد الملكي كان مستوى الثقافة العراقية يقودها ( جوادعلي ، وطه باقر، ومصطفى جواد ، ونازك الملائكة و الكرملي و.....الخ ) من الاساطين الكبار عراقيا وعربيا واسلاميا وعالميا !!.
اي ان مستوى الوعي الثقافي العراقي كان في 1959م قراءةً وكتابة وطبقات وسطى اجتماعية هو في مستوى من التالق ، والرقي بحيث لايمكن قياسه بما كان محيطا بالعراق او بالشرق الاوسط من جهة  وانه من جانب اخر : رقي ثقافي لاينزل في ميدانه ( كتابة وتاليفا وتنظيرا و ...)   الا من كانت بضاعته الفكرية والثقافية لاغبار او شائبة عليها  !.
اجتماعيا ارتفع دخل الفرد والاسرة العراقية  اقتصاديا بشكل ملحوض لاسيما في فترتي ( 1947م الى 1957 م  ) ، حيث بروز الاستثمارات النفطية التي ساهمت (بارتفاع واردات) الدولة العراقية بشكل غيرمسبوق منذ نشاة الدولة العراقية الحديثة 1921م مما انعكس ( مجلس الاعمار ) على النهوض بالبنى العمرانية المدنية للعراق وانشاء مصانع وتعبيد طرق وبناء جسور ومدارس و انتعاش واضح لمجمل حياة المجتمع العراقي ...الخ !.
سياسيا كانت الحياة الحزبية والاعلامية وحرية الراي ايضا لم تزل في قمة تالقها العراقية ، وحتى بعد انقلاب 1958م بقيت الحياة الحزبية تتمتع بنوع قوي من الحضور والتاثير متاثرة ومنجرّة ببقايا ما اسست له التجربة الملكية في العراق من حرية للاحزاب وتعدد للاعلام و .. باستثناء الحزب الشيوعي العراقي الذي كان محظورا في العهد الملكي (( لدواعي امنية   وحفاظا على الاستقرار والسلم الاجتماعي )) حسب محاظر الوضع السياسي الملكي انذاك التي كانت ترى في الشيوعية (الفوضوية) خطرا على امن العراق واستقرار مجتمعه واستمرار نموه وتقدمه !.
بعد الانقلاب ( هيمن ) الحزب الشيوعي العراقي  تماما على الساحة الحزبية العراقية وربما كان عام 1959م هو عام الانفجار والمدّ الشيوعي في العراق بشكل لانظيرله في العالمين العربي والاسلامي حتى ان الشيوعيين العراقيين انفسهم  كانوا يعتقدون  :  انهم اصبح لهم القدرة على الاطاحة  بقادة الانقلاب القاسمي واخذ زمام الامور لقيادة العراق بروليتاريا شيوعيا خالصا !.
بهذه الاجواء الفكرية والثقافية والسياسية ، والاجتماعية والنفسية طرح محمد باقر الصدر فلسفة او كتاب (  فلسفتنا ) مدفوعا بعدة ضرورات فكرية ودينية واجتماعية وسياسية ونفسية و .... عراقية !.
فكريا كانت الساحة العراقية بحاجة ماسة ، لطرع يحفظ للتنوع الفكري داخل العراق توازنه الاجتماعي ( الذي تغوّل عليه الفكر الشيوعي ) والثقافي الذي تعوّد عليه الاجتماع في العهد الملكي الذي امتدّ منذ 1921م الى 1958 م !!.
دينيا وباعتبار ان السيد باقرالصدر ينطلق من بيئة حوزوية دينية تعتبر نفسها بحكم معايشتها مع (القاع الاجتماعي العراقي الفقير) العريض انها المسؤولة عن ضمان وعي هذه الامة اسلاميا ودينيا واخلاقيا !.
وعلى هذا الاساس انبرى السيد الصدر، بعد حثّ بعض المخلصين من التيار الاسلامي انذاك ( الدكتور السيد طالب الرفاعي ) ، ليقوم ،  ويطرح مشروع (فلسفتنا) لا على اساس انه (ردّة فعل صرفة على التغول الشيوعي) فقط كما يشير له الاستاذ رشيد الخيون في مقاله بل ليكون (طرحا فلسفيا متكاملا يعيد صياغة وجهة النظر الفلسفية العقلية الارسطية الاسلامية في قضيتي نظرية المعرفة ورؤية الوجود والعالم ) !!.
والحقيقة ان الدارسين لحياة الصدر الفكرية والفلسفية والاسلامية يدركون ان السيد باقر كان يمتلك (رؤية شمولية) للمشروع الاسلامي وانه صاحب نزعة فكرية تؤمن بان الاسلام اطروحة لكل الحياة الاجتماعية والانسانية ومن هنا جاءت مشاريعه الفكرية المتشعبة والمتنوعة في (( فلسفتنا )) ليغطي الجانب الفكري والمعرفي  للمجتمع المسلم ، وكذا ((اقتصادنا)) ليتناول دينموا الحياة البشرية الاقتصاد ورؤية المشروع الاسلامي حوله وهكذا ((اجتماعنا)) الذي اشار له الصدرمحمد باقر في مؤلفاته ، الاّ انه مشروع لم يرى النور لاسباب ربما لاستشهاده على يدحكم البعث ليغطي (اجتماعنا) وجهة النظر الاسلامية لسوسيولوجيا المجتمع بصورة عامة والمجتمع الاسلامي بصورة خاصة !!.
نعم في الحادثة التي ذكرها رشيد الخيون في مقاله (طالب الرفاعي ومطالبته للصدر وتهيئته للمصادر الماركسية) هذه الحادثة(لاتحدد) ماهية فكر الصدر الفلسفي والفكري الاسلامي ، وانما هي تشير الى  الضغط الاجتماعي الكبير الذي كان يحدثه (التغول الفكري الشيوعي ) على الاجتماع العراقي من جهة (حتى ان السيد طالب يصرح انه كان على شفيران يصبح هو نفسه شيوعيا ) ومن جانب اخر تؤكد هذه الرواية ان الصدرباقر كمفكروفيلسوف قادرا تماما على الرد على الشيوعية الماركسية الا انه وباعتبارانه رجل فكر من الطراز العالي فانه لايريد ان يكتب خواطرا وافكارا بلا مصادروانمايحاول ان يجعل من المطالبه الاجتماعية(التي حملها السيد طالب له)مفردة في سياق مشروعه الفكري الاسلامي العام !!.
ولهذا طلب الصدر امهات المصادر الماركسية ، ليكون رده محكم ،  وفلسفي وعميق ، واكاديمي وعالمي في هذا الجانب من الماركسية فقط ، ولتكون من ثمّ الماركسية(حلقة)من حلقات الصدرالفلسفية التي تناول فيها جميع الفلسفات والمدارس الفكريةوليس الماركسية فقط(ليكون فلسفتنا مجرد ردود) كالفلسفة العقلية الكلاسيكية الديكارتية والمثالية الكانتية ، والعلمية والحسية و .... باقي المدارس الفلسفية التي تناولها الصدر في ( فلسفتنا ) !.
من هذا الوعي كان لفلسفة باقرالصدرذالك التاثيرالاجتماعي العراقي بصورة خاصة والعربي الاسلامي بصورة عامة ، ومن هذه الرؤية الشمولية الفلسفية الارسطية العقلية الاسلامية للصدر برز ( فلسفتنا ) ومعه ( الاسس المنطقية للاستقراء ) على اساس انهما مشروعان متكاملان لفلسفة الصدر التي تناول المفاصل الاساسية لمعظم منطلقات المدارس الفلسفية والفكرية الانسانية بما فيها الماركسية باعتبار ان الخمسينات كان زمن الماركسية السياسي العالمي بامتياز !.
الان وبعد هذه الرؤية حول مشروع الصدر باقر الفلسفي وما احدثه من تاثير فكري عميق على تيارات الاجتماع العراقي الثقافية بصورة عامة ، واختراق هذا المنجز حتى  لبنية الفكر الماركسي الشيوعي الحزبي في العراق بصورة خاصة ربما يتبادرالى اذهان كل من يقراكمية هذا التاثيرالكبير لكتاب فلسفتنا ربما يتبادر الى اذهانهم اسئلة كثيرة جدا في هذا الاطار !!.
ولعل ابسط الاسئلة هي من نوع :
لماذا لم يبرز فيلسوف عراقي اخر ( شيوعيا ام غير شيوعي) ليردّ او يطرح وجهة نظر فلسفية وفكرية اخرى تطيح بكل هيلمان فلسفة الصدر الاسلاموية وتعرّي مؤثراته الاجتماعية الزائفة ؟.
اذا كان كتاب ( فلسفتنا ) هو من البساطة والسطحية ( راي الاستاذ الخيون ) وهو كتاب ردود وشعارات اكثر منه كتاب فلسفة ،  وبرهان عقلي ، فلماذا لم ينبري اي مفكر عراقي اخر ((  لاسيما اننا ذكرنا نوعية  مفكري العراق في الخمسينات وانهم من المفكرين النوادر على مستوى العالم وليس العراق فقط )) !!.
فلماذا لم تطرح فلسفة شمولية بعد الصدر تبز وتطيح بما طرحه الصدر باقر فلسفيا ؟.
بشكل خاص: كتاب فلسفتنا استطاع ( مثلا ) ان يطيح بكل هيلمان الماركسية الشيوعية في العراق بصورة خاصة ،  والعالم بصورة عامة ، بل في فلسفتنا بالتحديد وكتاب ( اقتصادنا ) ايضا اعلن الصدر باقر نفسه : انه بصدد كشف ( زيف وخداع ) الفكر الشيوعي الماركسي الذي يتلبس بلبوس العلم والفلسفة ليغطي على خداعه للبسطاء من الناس والمحرومين من البشر !؟.
لكن ومع ذالك لم ينبري ولا شيوعيا ماركسيا عراقيا مفكرا واحدا منذ صدور كتاب ( فلسفتنا ) في نهاية الخمسينات  والى اليوم ليطرح نقضيات فكرية لما نقضه الصدر على الفكر الماركسي بالخصوص على الاقل ؟.
ياترى  ما سبب هذا العجز الفكري لدى المفكريين الماركسيين ، والشيوعيين العراقيين بالذات ؟.
هل لانه ( وجهة نظري ) لايوجد في العراق ماركسية شيوعية فكرية وثقافية حقيقية ، بل ماهو موجود ، ومروج له منذ تاسيس الشيوعية في العراق حتى اليوم مجرد ((شيوعية حزبية سياسية)) لاتدرك من الفلسفة والفكر الماركسي حرفا واحدا ، ولذالك هي شيوعية بلا شيوعية فكرية او ثقافية يمكنها ان ترد فكريا وفلسفيا على اي نقد فلسفي وفكري موجه للماركسية  ؟.
ام ان كتاب ( فلسفتنا ) بالذات من الرصانه ، والمتانه وقوة البرهان بحيث ان هناك عجز تام للشيوعية ولغيرها من طرح ما يمكن ان يكون محاولة اطاحة بفلسفة الصدر العقلية ؟.
ثانيا : تاثير فلسفة الصدر فقهيا .
حسب ما طرحه الاستاذ ( رشيد ) من  ظن  وصفة بالكبير : بانه كان  لكتاب (فلسفتنا ) تاثير ملحوظ على اصدار فتوى ان الشيوعية كفر والحاد !.
والحقيقة مع ان الاستاذ (الخيون ) يذكر:( ان الفتوى كانت لاستفتاء من مسلم بسيط يحاول ان يرى وجهة نظر الشرع بما يسمعه عن الشيوعية !) لكنه مع ذالك يربط من جانب اخر اصدار فتوى( ان الشيوعية كفر والحاد ) لمستفتي لاعلاقة له بالصدر  وفلسفته من جهة ، وبين كتاب ( فلسفتنا ) الذي صدرقبل سنوات من هذه الفتوى ؟.
ربما  وجد الاستاذ رشيد الخيون ( بشكل شخصي ) تلك العلاقة ، لكننا عندما نتحدث عن فلسفة بقامة فلسفة الصدر العقلية علينا ان لانتحدث ب (الظنون ) اولا ،وندرك الفرق بين فلسفة طرحت من اجل الفلسفة والفكر من جهة وبين استفتاءات الفقهاء وفقهم من جانب اخر !.
الان ربما يتسائل البعض ويحاول التشعب وتشتت الطرح  : بهل الماركسية الشيوعية من الفلسفات المؤمنة ( مثلا )  بوجود الاه او المحترمة لدين وقيمه الخلقية كي ينفعل الشيوعيون عندما يصفون فكرهم بالكفر والالحاد ؟.
ام ان الماركسية الشيوعية نفسها تعلن ، وتفتخر: انها من الفلسفات التي تكفر بكل آلاهة ،   واديان البشرية التي صنعتها الطبقاة الراسمالية المستغلة لخداع الفقراء والمهمشين حسب وجهة النظر الشيوعية الفلسفية ؟.
لا لانريد ان ننزلق لمثل هذه المناقشات الفكرية التي لايحبذها الاستاذ الخيون وغيره لكن نريد ان نناقش الصدرمحمد باقر الفقيه والفيلسوف لماذا هو نفسه لم يصدر فتوى تكفير الشيوعية مع انه كان مجتهدا دينيا ،وجاءت الفتوى من مراجع دين اخرين لاعلاقة لهم اصلا بالفلسفة والفكر الماركسي على التحديد ؟.
طبيعي ان لايفتي السيد الصدر نفسه بتكفيرالشيوعية لا لسبب غير مفهوم بل لانه رجل فكروفلسفة ويدرك تماماكيفية معالجةالفلسفة بالفلسفة والفكر بالفكر ، وعلى هذا الاساس من الظلم الشنيع اقحام اسم ،  وكتاب ( فلسفتنا ) للصدر بمعارك الاستاذ رشيد الخيون السياسية مع الاسلام السياسي ، بل انه ظلم للفلسفة وفكرها ان تقحم الفلسفة ومفكريها في هذا المعترك السياسي الغير علمي واللامنهجي في معظم حروبه العبثية !.
ما علاقة (فلسفتنا) للصدر بفتوى تكفير الشيوعية اذا كان (فلسفتنا) قادر على كشف ( خداع وزيف الشيوعية كما يصفها الصدر )  بلا فتاوى ولا فرمانات !؟.
ثالثا : الاستغلال السياسي للفتوى
نعم اذا كانت قوى حزبية  سياسية عراقية تاريخية ،  وحتى اليوم سواء كانت قومية او شيوعية او بعثية او...  تحاول استغلال اي  شيئ في هذه الحياة من اجل  معاركها السياسية اللااخلاقية فما ذنب ( فلسفتنا ) للصدر ليقحم في هذا المضمار ؟.
الم يقتل الشيوعيون خصومهم باسم الرجعية ومناهضة حكم العمال والوقوف بوجه التقدمية في العالم بشكل عام وبالعراق بشكل خاص ؟.
الم يقتل البعثية الاسلاميين في حكمهم باسم العمالة للعدو والحزب والثورة ؟.
الم يقتل القوميون خصومهم باشم الشعوبية والقومية ومناهضة الدولة ؟.
كل هذا مجرد ( استغلال حزبي سياسي) اعتقد ان الاستاذ الخيون يدركه بكل فكره ومشاعره ، ويدرك اسبابه وماهياته ،   واذا كان استغلال الدين من قبل احزاب الحكم السياسية في العراق ترفع التهمه عن اساليب الاحزاب القمعية لترميها على عاتق الدين والفتوى ، لكان من السهل جدا تبرئة جميع مجرمي البشرية تحت بند الشعارات الاخلاقية والانسانية الراقية ؟.
حتى العلم قتل اناس ابرياء باسمه !!.
ثم هل الاحزاب السياسية ، التي حكمت العراق منذ الانقلاب 1958 م وحتى يوم العراق هذا هي بحاجة الى فتوى لتمارس القتل والاقصاء و ...الخ ، ضد الشيوعيين او الاسلاميين او غيرهم من المخالفين لهم في الراي السياسي ؟.
اعتقد ان الاستاذ الخيون جانب الصواب تماما عندما اراد ان ينتقد ( فلسفتنا ) للصدر ، فلم يجد امامه غير التحريض السياسي عليه ليقول انه مساهم اصيل بقتل الشيوعيين من جهة  وانه كان ( اداة بعثية ) لتصفية الشيوعيين في حكم حزب البعث من جانب اخر ،  ولذالك كانت هناك صفقة بين مدير امن حزب البعث البراك وباقر الصدر لاعادة نشر كتاب فلسفتنا من جديد ؟.
وهذا اعجب ما في المقال ؟.
البعث حليف الشيوعية منذ 1968م والى اندماجهم التام في جبهة 1973م هو من يعتقد ان باقر الصدر الذي قتله البعث ،والبعثيون مارس دور الحليف مع هذا البعث ضد الشيوعية ؟؟!!.
والاعجب من هذا عندما طرح الاستاذ الخيون رواية ( اعادة نشر كتاب فلسفتنا ) بالتحالف بين مدير الامن البعثي ( البراك ) وبين ( باقر الصدر ) الذي اعلن منذ مجيئ البعث الى السلطة حتى استشهادة ان اصبعه لو كان بعثيا لقطعه ؟.
هل ( فلسفتنا ) كان يشكل الكتاب القومي لحزب البعث حتى يساهم اركان نظام حزب البعث باعادة نشره للتخلص من حليفهم الشيوعي في السلطة ؟.
ام ان كتاب ( فلسفتنا ) اخطر من اعتى الانقلابات على حزب البعث حتى ان متلفظ وليس قارئ اسم كتاب ( فلسفتنا ) للصدر كان يعدم في زمن حكم البعث ياسيدي رشيد خيون ؟!.
للحديث بقية لكن هذا ما ارتاينا ان نطرحه مختصرا بالرد على مقال الاستاذ رشيد الخيون الموسوم ب (( فلسفتنا ردود لافلسفة )) ليس دفاعا عن الصدر وفلسفته الارسطية العقلية فحسب بل ودفاعاعن ذاكرة العقل العراقي وتوازنه الفكري ، والعلمي والثقافي من ان تدمر ايضا ،  بفعل امثال هذه الاطروحات التي تحاول العبث في كل ذاكرة الامة العراقية الحديثة !!.
                                https://www.youtube.com/watch?v=V159bOAahcU

                

الثلاثاء، مايو 10، 2016

(( القسم الرابع : رشيد الخيون وفلسفة محمد باقر الصدر )) حميد الشاكر


رابعا :  المُترجم فلسفيا في فكر الصدر  
لا ريب ولاشك ان الاستاذ الخيون عندما طرح ( نقضية المُترجم فلسفيا ) في مقالته الموسومة ب (  فلسفتنا ... ردود لافلسفة  ) على فكر السيد محمد باقر الصدر ، وبالخصوص  ماورد في كتاب   فلسفتنا ، واعتبار ذالك خللاً علميا وفلسفيا يُفسد كل ما اسس له الصدر،  ونقضه على الفلسفة الغربية المعاصرة فانه انطلق :
اولا: من ادراك تام لموضوعة * علم الترجمة * ( هذا المصطلح للموسوعي التراثي البغدادي الاستاذ الدكتور*خير الله سعيد * صاحب موسوعة الوراقة والوراقين في الحضارة العربية الاسلامية) واهميته ( علم الترجمة ) تاريخيا ومساهمته علميا وفلسفيا وفكريا  وحتى وقتنا المعاصر في (عملية الاتصال) الفكرية والثقافية والعلمية والاخلاقية و .... بين الامم والشعوب الانسانية ؟.
وثانيا : لابد ايضا وباعتبار ان الاستاذ (رشيد الخيون) باحث في قضايا الفكر الاسلامي المعتزلي  بالخصوص ، والفلسفي التاريخي بالعموم انه ملّم  تماما ( هكذا المفترض) بكيفية ولادة الفلسفة العربية الاسلامية  وكيفية انتقالتها من الحضارة اليونانية ،  الى العربية الاسلامية اولا  ، ومن العربية الى الاوربية الغربية  القديمة ، والمعاصرة ثانيا !.
اقول لابد ان الاستاذ (رشيد ) مطلع على هذين المحورين الاساسيين باعتبار انه ( باحث) في مثل هذه المفردات الاساسية التاريخية  لنشاة الفلسفة العربية الاسلامية من جهة  ، ومجال بحثه يفرض عليه هذا الاطلاع والادراك بسبب  ان ذالك من  اولويات  البحث التاريخي الفلسفي العربي  والاسلامي بصورة خاصة والعالمي الانساني بصورة عامة من جانب اخر  !!.
ولكن اشكال الاستاذ الخيون على فلسفة الصدرومقولته النقضية وتاكيده على  : ( أن نقض أي فلسفة أو علم يحتاج إلى قراءته بلغته  ومعلوم أن الصدر لم يكن يجيد لغة أخرى ، ولم يقرأ غير المترجم إلى العربية  ، والترجمة فيها ما فيها من البعد عن الأصل .. ) !!.
اثار لدينا الشكوك الفكرية البحثية التي توحي بان الاستاذرشيد هل هو ملتفت فعلا لما ذكرناه من (ضرورات بحثية )، وخاصة في موضوعة تاريخ ونشاة الفلسفة العربية الاسلامية منذ (الكندي ) وحتى كبوتها عربيا اسلاميا عند ابن رشد الى وقتنا المعاصر وعلاقة ذالك بالترجمة !!.
ام انه غير ملتفت لما ذكرناه ، وخاصة في موضوعة الترجمة فلسفيا تاريخيا وحتى اليوم ؟.
ربما يكون الاستاذ الخيون ابدا غيرُ غائبٍ عن وعيه ماتعنيه الترجمة للفلسفة وتاريخهابالخصوص وللعلوم الاخرى بالعموم لكن مكيال تقييم فلسفة الصدر محمد باقر ( الارسطية العقلية الاسلامية  ) مختلف عن مكيال باقي الفلاسفة وفلسفاتهم الفكرية ، والعقلية ، والمادية الاخرى من وجهة نظر الباحث رشيد الخيون  !!.
والا ما الذي عناه الاستاذ الخيون بالمُترجم فلسفيا وانه لايصلح ان يكون كّوةٌ معرفية وفلسفية وعلمية يعتمد عليها وانه لذالك يمكن الطعن فلسفيا بما ادركه الصدر ووعاه ونقضه من الفلسفة الغربية الحديثة باسم المترجم الفلسفي ؟!!.
على اي حال :  ان ما اثاره الاستاذ رشيد من اشكالية على المطروح صدريا في كتاب فلسفتنا ، ومن ثم  ان الصدر لم يقرا فلسفيا غير المترجم عربيا وان الترجمة فيها ما  فيها من الابتعاد عن اصل الفكرة ، وان ذالك كاف للاطاحة بالفلسفة الصدرية واعتبارها ( لا فلسفة ) وانما ردود !!.
مثل هذه الاشكاليات فيها زاويتان (غاية في الوهن) من نهوضها كمادة لنقض فلسفة الصدر بصورة خاصة ، او نقد اي فلسفة اخرى بصورة عامة ،  وهذه الزاويتان هما :
اولا : ان هناك اتهام ( للترجمة ) بصورة عامة بعدم الامانة العلمية (او بعدم القدرة المهنية على نقل المترجم دقيقا وكلا الاتهامين بحاجة الى بينة ودليل ) باعتبار ان ( كل مترجم )  لابد فيه من نقص وتحريف عن المقصد الفكري الفلسفي والعلمي حسب وجهة نظر الاستاذ الخيون .
ثانيا : ان الفيلسوف اي فيلسوف اذا اراد ان ينقض ، او ينتقد او يطرح فلسفةً ما ، فعليه ان يقرا هذه الفلسفة او الفلسفات باللغة او باللغات ، التي كتبت فيها ليتمكن من التخلص من ثغرات هفوات ونقوصات المُترجم الفلسفي المنقوص والمشوه من ناحية وليحق له فيما بعد ذالك ان ينتقدالفلسفة بشكل عام ( حسب وجهة النظر الخيونية ) ان اراد ان يطرح فلسفة نقضية وحقيقية وتامة .
في الزاوية الاولى : ان ما يطرحه الاستاذ الخيون من اتهام ( لعلم الترجمة ) بالخيانة العلمية والنقص الحتمي لامانة المفردة والفكرة الفلسفية بغض النظر من انه طرح(غريب) صدوره من باحث في التراث العربي الاسلامي الا انه طرح لايطيح  فقط  بفلسفة  باقر الصدر الارسطية العقلية المعاصرة ، بل انه طرح يطيح بكل تاريخ الفلسفة الانسانية من الجذور !!.
فمعلوم بهذا الصدد ان الترجمة لعبت دورا حضاريا كونيا انسانيا تاريخيا في التواصل بين الشعوب والامم وحتى وقتنا المعاصر !!.
كما انها (الترجمة) لعبت بالخصوص دوراحضاريا مصيريا في نقل فلسفات وافكار الشعوب ،والامم بين بعضها والبعض الاخر، لاسيما الفلسفة اليونانية ودور ( الترجمة السريانية النسطورية ) لها قبل نقلها الى اللغة العربية وتلقي الحضارة العربية للفكر الفلسفي اليوناني مترجما من الطريق السرياني بشكل رئيس ومباشر !.
اي وبمعنى اخر:ان الدارسين والباحثين في التراث الانساني الفلسفي بصورة عامة ، والتراث الفلسفي اليوناني  ،ومن ثم العربي الاسلامي بصورة خاصة يدركون تماما ان هذه الفلسفات ، والعلوم ما كان لها ان تنتشر وتتواصل لولا وجود ( مدارس الترجمة والمترجمين ) لها  !!.
بل ان مادة (( الترجمة والمترجمين )) بالخصوص، لاسيما مترجمي الفلسفة اليونانية من اليونانية الى باقي اللغات (السريانية الفارسية الهندية و..) ومنها الى اللغة العربية كانوا (الباحثون) ولم يزالوا يرون في الترجمة والمترجمين مجال دراسات ، وبحوث علمية واكاديمية كبيرة جدا ، فمن ( الفهرس ) لابن النديم الى كتب الطبقات والتوحيدي و .... وحتى ماكتبه الشرقيون والغربيون في هذا المجال كان للترجمة والمترجمون في دراساتهم حيز   يعتبرونه مادة اختصاص ، لفهم الدورة الفكرية ، والفلسفية والعلمية بين الحضارات والامم والشعوب تاريخيا وحتى اليوم .
بل ان هناك دراسات خُصصت لهذا الموضوع بالذات كالدراسة التي طرحها عصريا (د . لاسي . اوليري ) ليتناول موضوع ( علوم اليونان وسبل انتقالها الى العرب) وليبرّز بهذا الصدد على الخصوص مدرستي (الرها ونصيبين ) السريانيتين النسطوريتين اللتين تخصصتا (فقط بترجمة الفلسفة اليونانية) من اليونانية الى السريانية ومنها الى باقي حضارات الانسانية !.
وهكذا فموضوعة الترجمة والمترجمون وباعتبارها اداة صلة فكرية وعلمية موثوق بها انسانيا ومعتمد عليها فكريا وفلسفيا لايختص مجالها فقط بالمنقول فلسفيا من اليونانية الى السريانية وحتى العربية !!.
بل ، وكذالك ما ترجم من العربية ، ابّان تالق الحضارة العربية الاسلامية من القرن الثاني حتى السادس الهجري فلسفيا وعلميا وطبيا وهندسيا و...الخ  من العربية الى اللاتينية ( اولا ) الى اوربا من خلال المدارس الرشدية الفرنسية وغير الفرنسية عندما كانت ( اللاتينية لغة العلم والفلسفة) في اوربا ، قبل ان تترجم كل كتب العلم والفلسفة في القرن السابع ونهاياته الى اللغات الاوربية المحلية الالمانية والايطالية والفرنسية والى الانجليزية  !!.
حتى ان معظم ما كتبه الفيلسوف الالماني ((هيجل)) صاحب المنطق الجدلي المثالي كان في اللغة اللاتينية ، قبل ان تترجم كتبه للغة الانجليزية والالمانية والفرنسية و ... ليقراه العالم الاوربي اليوم مترجما !!.
بعد هذا كله هل يمكن ان نطرح ما طرحه الاستاذرشيد الخيون في موضوعة الترجمة والمترجمين ،  والتشكيك باهليتها العلمية والفلسفية ومن ثم لنعلن ان اي فيلسوف ( لايقرا اللغة ) التي كتبت فيها هذه الفلسفة ، او تلك هو فيلسوف مشكوك بوعيه وادراكه الفلسفي والنقضي والتاسيسي لا لشيئ الا لاننا نشكك بان الترجمة هل هي كانت ولم تزل دقيقة او غير دقيقة ؟.
وبماذا يمكننا ان نشكك اذا فتحنا هذا الباب على مصراعيه ؟.
هل يمكننا ان نشكك :  بان كل من قرا الفلسفة الهندية والفارسية من الفلاسفة اليونان مترجمة انذاك لا يمكن اعتبارهم فلاسفة نقضيين ،  او تاسيسيين لانه من قال ان الترجمة انذاك كانت تنقل الفلسفة الهندية او الفارسية بشكل دقيق وصحيح ؟.
وهكذا من يقول ان الفارابي وابن سينا ... وابن رشد شارح ارسطوا والمعقب على الجمهورية  (باعتبارانهم لم يكونوا يجيدون اللغة اليونانية ولا السريانية بل قراوا المترجم الفلسفي منها لاغير ) من يقول ان هؤلاء فلاسفة واصحاب نقض ، وتاسيس لفلسفة عربية اسلامية ، ماداموا لم يقراوا ،  الاّ المترجم من اليونانية او السريانية  ؟.
مادام  (المعيار والمقياس ) الذي يطرحه الكاتب والباحث في التراث العربي والاسلامي الاستاذ ( رشيد الخيون ) لايعتبر الفيلسوف فيلسوفا مؤسسا اذا لم يجيد القراءة  والكتابة بلغة الفلسفة ، التي كُتبت فيها باعتبار ان الترجمة فيها مافيها من البعد عن الاصل !!.
بل اكثر من ذالك : كتب العلوم ، والفلسفة في العالم الغربي الاوسط والحديث كلها كانت تكتب باللغة اللاتينية، قبل ان تتبلور اللهجات المحلية ( الانجليزية  والالمانية والفرنسية و..) كلهجات في اوربا ولتترجم او لتنقل كل كتب العلم والفلسفة من اللاتينية الى باقي اللهجات الغربية المعاصرة !!.
 وعلى نفس المنوال  : هل يمكن الاشكال على ما يقراه اليوم علماء وفلاسفة الانجليز والالمان والفرنسيين على اساس انه : من قال ان الانجليز اوالالمان او الفرنسيين اليوم يقرأون ويعون ويدركون  فعلا ما طرحه اسلافهم فلسفيا ، وعلميا باللغة الام اللغة اللاتينية ، ماداموا هم انفسهم لايدركون اللغة اللاتينية ويقراون الفلسفة من خلالها ؟.
مثلا : هو من قال ان ( كارل ماركس ) عندما طرح الجدلية الهيجلية ونقلها من الجدلية المثالية الى الجدلية المادية ، من قال ان (ماركس) كان يدرك او يعي ما طرحه ( هيجل ) في فلسفته باللغة اللاتينية مادام ان ( مارك ) لم يكن يجيد اللغة اللاتينية الغربية القديمة ؟.
وهكذا كل من قرا الفلسفة والعلم قبل القرن السابع عشر من فلاسفة وعلماء الغرب الحديث يمكن ان (( نشكل)) على قدرتهم الفلسفية والعلمية ونقضيتهم الفكرية لالسبب الا سبب انهم لم يقراوا هذه الفلسفة وذاك العلم بلغته اللاتينية الغربية الميتة !!. 
هل هناك من مزيد في امثال اشكالية الاستاذ الخيون بهذا الصدد ؟.
نعم هناك الاعقد !!.
ماذا نفعل مع اللغات المنقرضة اذا كنا لايمكن ان نعتمد فلسفيا وعلميا وفكريا وادبيا و ..على ترجمة من لغة حية (انجليزية اوالمانية او فرنسية او هولندية او ...الخ ) الى لغة حية اخرى ( العربية) في العصر الحديث ( حسب مقياس الاستاذ رشيد ) في تلقي الفلسفة ووعيها ودراستها ونقدها و ...الخ !!.
ثم  هو اي فيلسوف في العالم اليوم  قرأ الفلسفة باكثر من لغته الام حتى نقرر على (باقر الصدر) ونصدر (خيونيا) بحقه فرمانا يمنعه من ان يكون فيلسوفا تاسيسيا ونقضيا ،  الاّ اذا قرأ جميع الفلسفات بجميع لغات البشرية الحية منها والمندثرة !.
هذا ما سيوصلنا اليه اشكال الاستاذ (رشيد الخيون ) على فلسفة الصدر وانها لايمكن اعتبارها فلسفة ( نقضية وتاسيسية )بسبب انها قرات الفلسفة مترجمة من لغات العالم الى اللغة العربية !.
بعد هذا كله لنترك كل ماطرحناه تاريخيا (من الترجمة والمترجمين ) وفكريا وفلسفيا وعلميا وآدميا و ....، ولنطارح الاستاذ الخيون بشكل مباشر لنساله :
اولا : ماهي حجتك على ان ما قراه باقر الصدر فلسفيا ،  كان مترجما بشكل سيئ ولاينقل الفلسفة الغربية بشكل دقيق وواضح ولا لبس فيها ليتمكن امثال محمد باقر الصدر على وعيها بدقة  ؟!.
ثانيا : هل اقمت انت (استاذ رشيد) شخصيا(كباحث) دراسات وبحوث او هل اقام اي باحث او كاتب مختص ب( علم الترجمة) مقارنة علمية بين ما تناوله السيد الصدر من افكار فلسفية كانت مترجمه للعربية ، وبين ما كتبه الفلاسفة   انفسهم بلغاتهم الام ثم اكتشفت او اكتشفوا ان هناك قصوروعدم دقة وخيانة للامانة بكل ماترجم عن الفلسفة الغربية والذي اعتمد عليه ( باقرالصدر) في قراءاته الفلسفية ونقوضاته البحثية وتاسيساته الفكرية  ولذالك انت تشكك بان ما قراه الصدر عربيا فيه مافيه من بعد عن الاصل ؟!.
ام ان دعواك مجرد دعوى لااساس لها من علمٍ اوهدى او كتاب مبين !.
ثالثا : لنفترض ان الترجمة الفلسفية التي كان يقرا ( باقر الصدر) من خلالها الفلسفة الغربية كلها ناقصة  وغير امينه وترجمت فلسفةً لاعلاقة لها بالفلسفة الغربية ابدا !.
مع ذالك ماعلاقة الفكر الفلسفي الصدري ونقوضه وتاسيساته ،  بكل خيانات الترجمة ، وعدم وضوحها وابتعادها عن الحقيقة الفلسفية الغربية عالية المقام ؟!!.
كقراء فلسفة:نقرا ما قراه وكتبه الصدرمترجما عن الفلسفة الغربية ( ليس هو مترجمه  ليتهم الرجل بالتزييف ) ، ثم نجد طرحا فلسفيا باسم الفلسفة الغربية ( هو هو نفسه ما يطرحه كل فلاسفة العرب المعاصرين المتمكنين من قراءة الفلسفة بلغاتها الام  ولايمكن ان يعترض احدعليهم باسم الخلل في الترجمة )  ونقرا مع ذالك (نقضا)  لهذا الطرح الفلسفي ، وتاسيسا لرؤية ارسطية عقلية اسلامية جديدة على انقاضه بعد ذاك لماذا نتهم الصدر بانه لايصلح ان يكون فيلسوفا نقضيا وتاسيسيا لان الترجمه لم تكن دقيقة ؟.
وكيف ذاك والترجمة (خاصة في الفلسفة) تعتمد اولا اعتمادا  كلياعلى الفكرة وليس على ترجمة المفردات  او صياغتها هنا وهناك  ليشكك الاستاذ الخيون بهذا الاطار وليجعله حجة لمقاله في نقد فكر الصدر الفلسفي في كتاب فلسفتنا وثانيا ان مترجمي الفلسفة ((هم اللذين يقراون الفلسفة بلغاتها )) وليترجموها لغير القراء بهذه اللغة الى لغاتهم ، ليتمكنوا من قراءة مالم يمكن له ان يقراوه بغير الترجمة !.
بمعنى ان ( المترجم الانسان المتمكن من قراءة العلوم والفلسفات بلغاتها الام والاصلية ) نفسه الذي يتقن اللغة التي نقل الفلسفة منها الى العربية هل يمكن ايضا اتهامه بعدم الادراك والوعي لما يقراه ويترجمه لانه لم يكن يجيد اللغة التي ترجم الفلسفة من خلالها ليصح اشكال الخيون على المُترجم للعربية !!.
ام ان الترجمة مهنة يمتهنا من تفرغ لدراسة ووعي اللغات الانسانية ، ومن ثم نقل علوم وفلسفات هذه اللغات البشرية من امة الى امة !. 
القسم الخامس : تاثير كتاب فلسفتنا
.....
                   
    
   
     

السبت، مايو 07، 2016

(( القسم الثالث : رشيد الخيون وفلسفة محمد باقر الصدر )) حميد الشاكر


ثالثا : اشكالية فكر ( فلسفتنا ) وموضوعة الترجمة .
تناول الاستاذ (رشيد الخيون) في هذا المحور من محاورنقوداته الفكرية على فلسفة السيد الشهيد اشكالية  او( اعتقاد اشكالية) سمعتها انا شخصيا من لسان الكثير(لاسيما الشيوعيين العراقيين) ممن ينتقد فكرالصدرالفلسفي (سطحيا ) بدون القدرة لديهم على النزول للعمق ، وليتناولوا من ثم فكر الصدر الفلسفي بحثيا وليفندوا مضمون ارائه الفلسفية علميا ومنهجيا في الموضوع !!.
وها نحن الان امام نفس الاشكالية ، التي يتناولها الاستاذ (الخيون ) في سياق مقاله المذكور تحت هذا الاطار :
( الاّ أن غير المطلع على المؤلفات الفلسفية ، التي أراد الصدر الردّ عليها أو تفنيدها يرى في *فلسفتنا* كتاباً لكل مكان وزمان ، وليس جملة مقابلها جملة أو شعار مقابل شعار، فالكلام العام الذي يتحدثون به عن فلسفة وفكر الصدر لا يُعد مشروعاً لتفنيد الفلسفات الغربية ، والسبب أن نقض أي فلسفة أو علم يحتاج إلى قراءته بلغته  ومعلوم أن الصدر لم يكن يجيد لغة أخرى، ولم يقرأ غير المترجم إلى العربية، والترجمة فيها ما فيها من البعد عن الأصل..)
والحقيقة نحن هنا امام محور نقدي للاخ رشيد فيه عدة اشكاليات بحثية نجدنا مضطرين للوقوف عندها  واحدة واحدة ، وبحث مضمونها ،  وتناول لمزتها وهمزتها النقدية من هنا وهناك :
اولا : نحن امام نقدية الاستاذ الخيون للذين يرون ان ( فلسفتنا ) للصدر كتاب لكل زمان ومكان !.
ثانيا : ، وامام ان كتاب فلسفتنا ( حسب وجهة نظررشيد الخيون )  الشخصية ماهو الا ( جملة مقابلها جملة او شعار مقابل شعار ) !.
ثالثا : وان كتاب فلسفتنا لايعدوا (يقصد لاينهض او لايصلح ) ان يكون تفنيدا للفلسفة الغربية !.
رابعا : حجة الاستاذ الخيون بعدم صلاح ( فلسفتنا ) للتفنيد هي (أن نقض أي فلسفة أوعلم يحتاج إلى قراءته بلغته ومعلوم أن الصدرلم يكن يجيدلغة أخرى ولم يقرأ غير المترجم إلى العربية والترجمة فيها مافيها من البعد عن الأصل ..)
هذه هي اهم المحاور النقدية للاستاذ رشيد في فقرته التي تناول فيها كتاب فلسفتنا فلسفيا وعلميا وفكريا ( سنتناول رؤاه السياسية في الاقسام الاخرى ) !.
ولنقول بصدد هذه النقود المختزلة :
اولا :ربما قصدالاستاذ (الخيون) في نقده للذين يؤمنون بعبقرية كتاب فلسفتنا للسيد الصدر ، وانه كتاب عابر للزمان وللمكان  انه لاينبغي على التقديسيين العاطفيين ان يعطلواالفكرالفلسفي العراقي بسبب رؤيتهم التقديسية تلك لكتاب جاء لمرحلة زمانية ومكانية معينه !!.
وداخل هذا الاطار لا اشكال لنا مع نقد الاستاذ رشيد لان دعوتنا ايضا تصب في اطار عدم تقديس الفكر مهما كان طارحه ، وضرورة ان يفتح الباب على مصراعيه لانتاج اعمق عراقيا واكثر تقدما انسانيا  مما طرحه الصدر فلسفيا تاريخيا !!.
اما ان كان مقصود الاستاذ الخيون ان نفس كتاب ( فلسفتنا ) هو من البساطة والسذاجة بحيث انه لايصلح حتى لزمانه ، الذي طرح فيه وانه ينبغي طرحه اوعلى الاقل دراسته كنوع من الوفاء لذكرى صاحبه الشهيد قبل ارجاعه الى رفوفه التاريخية والى الابد !!.
فهذه دعوى (وان كنت اعتقد انها مقصود الاستاذ رشيد) نربأ باصحاب الفكر والبحث والدراسة ان ينزلقو لها لانها لاتليق بعوام الناس فضلا عن مفكريهم ومثقفيهم ، ومشكلي ثقافة المجتمع ، والناهضين بها الى الرقي واحترام الفكر والعلم كيفما تنوع واختلف !.
ثانيا :  يبدو ان الاستاذ  الخيون ولانه كاتب وباحث ( حول ) التراث الفلسفي والديني العربي والاسلامي لاسيما في كتبه (( جدل التنزيل ومعتزلة البصرة وبغداد .. )) وليس هومن المشتغلين بالفلسفة اوالممتهنين لفكرها والممارسين لاساليب صناعة براهينها ، لذالك هو فكريا وشخصيا ينفر من كل ماهو ثابت ومطلق من الاحكام الفكرية والعقلية ، ويعتقد   ان كل مقوله اطلاق  ( لزمان ومكان ) في فكر ما ، هي بالضرورة خاطئة وغيرعلمية ولافكرية او فلسفية !!.
ولهذا وجدناه (ينتفض) بوجه غير المطلعين على باقي الفلسفات من المؤمنين بفلسفة الصدر ، ويرد على اعتبارهم : ان ما طرحه الصدر صالح لكل زمان ومكان بالقول:(الاّ أن غير المطلع على المؤلفات الفلسفية ، التي أراد الصدر الرد عليها أو تفنيدها يرى في *فلسفتنا* كتاباً لكل مكان وزمان ) !.
والحقيقة وبغض النظر عن العاطفيين مع فكر الصدر الذي نشاطر نقدهم مع الاستاذ الخيون  ، باعتبار انهم تقديسيون  وليسوا فكريين علميين في مواقفهم الفكرية  تجاه كل ما يرد في فكرالسيد ( الصدر) الفلسفي وبغض النظر ايضا انه لاتوجد علاقة فكرية وفلسفية او نقضية (على حد تعبيرات الخيون نفسه ) بين ان يكون فكر الصدر اطلاقيا زمانيا ومكانيا ، وبين دراسة باقي الفلسفات الاخرى ، الا اننا لانتفق مع الاستاذ ( رشيد) في موضوعة  كيفية النظرة لما طرحه الصدر فلسفيا في كتاب ( فلسفتنا ) اولا ؟.
ونختلف معه ايضا في محور هل ما طرح برهانيا عقليا في كتاب ( فلسفتنا ) يمكن ان يصلح لكل زمانكانية انسانية متغيرة ؟.
 ام انه طرح فكري عقلي فلسفي نسبي حاله في ذالك حال باقي افكار الانسان النسبية الاعتبارية الاجتماعية  التي تختص بزمان ومكان دون اخر وتتطور وتتغير مع الزمان والمكان من جانب اخر ثانيا  ؟.
هنا نحن نريد ان نطارح الاستاذ رشيد الخيون بفكرة فلسفية كبيرة ولا نحاول ان نجيب على نقده بنقد مماثل لاعلاقة له بفكر الصدر الفلسفي ،  وما طرحه في كتاب ( فلسفتنا ) !!.
اي اننا هنا سنثير قضية فلسفية تناولها الصدر محمد باقر في كتاب (فلسفتنا ) نفسه في قسم ( نظرية المعرفة ) تحت محور ( تطورالحقيقة وحركتها / ص 163 / دار المعارف/ ط الرابعة عشر / لسنة 1406 ه ) ليناقش الصدر نفسه : ماهية الفكر في ثباته وتطوره من جهة !!.
وهل هناك فكر ، او حقيقة ، او مبدا او برهان او ... عقلي  يصلح لان يكون مستقرا في كل زمان ومكان من عالم الانسان  المتغير ؟.
ام انه لاوجود لفكر ومبادء عقل ثابتة ومستمرة مع الزمان والمكان ؟.
بمعنى اخرسيتم مناقشه الموضوعة (مع الخيون) الفلسفية الكبرى وهي : هل ان الفكر الانساني بكل وجوده وانتاجه وتصوراته وافكاره و... لايمكن الا ان يكون نسبيا متطورا متغيرا ،  ولا يمكن له ان يتجاوز قوانين الزمان والمكان المتطورة ( رؤية المدرسة الماركسية على العموم ) ؟.
ام ان هناك فكر عقلي بامكانه تجاوز الزمان والمكان في حقائقه القانونية ؟.
الاستاذ (رشيد الخيون) يعيب على بعض المؤمنين بفكرالسيد الصدر الفلسفي انهم يعتقدون ان فكر الصدر الفلسفي فكرٌ يصلح لكل زمان ومكان !!.
وانه فكر استطاع نقض الكثير من مبادئ الفلسفة الغربية الحديثة !.
وانه فكر .....الخ .
في الاطار اذا اردنا ان نردّ او نجيب فكريا فلسفيا على اشكال الاستاذ الخيون هذا ينبغي علينا :
اولا : ان ندرك ( ماهوالفكر الفلسفي  ومانوعية هذا الفكر الذي طرحه السيد الصدر في كتابه فلسفتنا ؟.
اي هل هوفكر(برهاني عقلي فلسفي) يرتبط بمبادء العقل الانساني الذي تعتقد المدرسة الارسطية العقلية العربية والاسلامية  انها من البديهيات التي تسموا فوق الزمان والمكان والتغير ؟.
وثانيا : ينبغي ان نعي وندرك هل الفكرالمطروح فلسفيا في (فلسفتنا) للصدر لنقض الفكر الفلسفي الغربي هومن نوع الفكر الفلسفي البرهاني الذي يختص بالبرهان العقلي الغير مقيد بزمان ومكان ؟.
ام انه فكر خاضع لقوانين الزمكانية المتغيره بين الفينه والاخرى ؟.
طبعا ليعذرنا قرائنا المحترمون ،  لاننا مضطرون  لاستخدم محاور وبحوث المنطق الفلسفي هنا واعتباران نقودات الاستاذ (( الخيون)) هي ايضا مطلّعة وملمّة ومستوعبة  لمثل هذه المحاور لاسيما انه يكتب ويبحث في تاريخ نشاة الفلسفة العربية والاسلامية ،وله جولات بحثية معمقة مع ( الاعتزال وفكره ) لذالك اعتقد ان الاستاذ ( الخيون  ) يدرك تماما ما اتناوله هنا ردّا على مقولة المطلق والمقيد في الفكر الانساني، واساليب صياغة البراهين العقلية الفلسفية وايمان ( المدرسة الارسطية العربية الاسلامية ) التي ينتمي لها باقر الصدر بان البرهان العقلي لايكون عقليا اذا لم يكن حقيقة ثابتة لاتتغير بتغير الزمان والمكان !!.
ومن هنا كانت اهمية  سؤالنا حول : نوعية ما يكتبه السيد الصدر من براهين فكرية وعقلية نقضية في كتابه ( فلسفتنا ) !.
ولماذا نحن نعتقد : ان ما طرح بهذا المؤلف من فكر فلسفي سيبقى طويلا مع الزمن ، وليتحول بفعل نقضيته الفلسفية  الى حلقة وصل مهمة في نقد الفلسفة الصناعية الحداثوية الغربية المعاصرة !.
نعم بسبب(كما اشرنا)عدم اختصاص الاستاذ رشيد الخيون بموضوع الفلسفة بصورة مباشرة وبسبب ايضا ان الاستاذ رشيد غير ممتهن ولا مطلع بالعمق من اساليب كيفية (( صناعة البرهان المنطقي )) الفلسفي للمدرسة الارسطية  العربية الاسلامية ، التي ينتمي لها الصدر ولماذا هم ( الفلاسفة الارسطيون العرب ) يعتقدون ان من صفات البرهان ان يكون عقليا غير مرتبط بالزمان والمكان النسبي  وهكذا ايضا ، بسبب انتماء الاستاذ رشيد الخيون الايدلوجي الذي هو بعيد بمنطلقاته ومرجعيته وتصوره عن المدرسة الفلسفية الارسطية العربية والاسلامية ، و ... لاجل ذالك كله  فمن الطبيعي ان ينفر فكر الاستاذ الخيون من كل ما هو فلسفي عقلي ارسطي عربي اسلامي .. لا ينسجم مع ما يؤمن وينتمي له الاستاذ رشيد بهذا الصدد لا غير !.
ان ما طرحه السيد الصدر محمد باقر في كتابه ( فلسفتنا ) ردّا ونقضا لمعظم منطلقات ورؤى الفلسفة الغربية الحديثة لاسيمامنها الماديةالحسية والتجريبية ((جون لوك / ديفيد هيوم/ اوجست كونت / ماركس / ماوتسي تونغ / و ...)) يمكن اطلاق صفة البرهان النقضي العقلي عليه ، اي الذي يتوافق عليه العقل البشري الفلسفي  انه برهان ، او فكرة او حقيقة تخضع هي نفسها المُتلقي لها عقليا !.
وانه طرحٌ عمقُ تاثيره ، وسرّ قوته انه يخاطب العقل الانساني السوي الذي يدرك باولياته وبديهياته ان البرهان والدليل والحجة الفلسفية العقلية لايمكن ان يختلف عليها عقلان سويان  !؟
فمفهوم العلية(مثلا)ومفهوم الرياضة ومفهوم القوانين العابرة للزمان والمكان ،  التي صفاتها عكس صفات المادة تماما ومفهوم ........الخ ، كل هذه مفاهيم ومفردات فكرية فلسفية عقليةمن الصعب على الاخرالعقلي سواءكان تجريبيا او حسيا او ماديا ان يناقض فكرة عقلية من هذه الافكار والمفاهيم الفلسفية !.
وعندما حاول ( كنموذج / ديفيد هيوم )   ليطرح نظرية (الانتزاع ) في حيز نظرية المعرفة الانسانية ، ولتحل محل (بديهة) مفهوم السببية العقلي الفلسفي اضطرّ فكريا الى الغاءواقعية القانون ليتخلص من قوة مفهوم السببية و( ثباته واطلاقه ) الواقعي اللازماني واللامكاني !.
لكنه ، ومع بذله لمجهود فكري ( باسم العلم للتضليل ) لاباس به الا انه اخفق اخفاقا كبيرا جدا  ليس لانه ليس فيلسوفا ماديا حسيا متمكنا  ، بل لانه اراد ان يتغلب على برهان عقلي فلسفي مستقر وثابت ، وعاكس لحقيقة قانون السببية الخارجي ، فما كان من نصيب (هيوم )  ، الا الخسران في حلبة الفكر والعلم والفلسفة !.
بهذه المفاهيم العقلية الثابتة ، والبراهين الفلسفية الراسخة طارح ( محمد باقر الصدر ) كل مفاهيم ورؤى المدارس الفلسفية الغربية الحديثة ،   سواء كانت مدارس مادية ام مثالية ام حسية كانت ام عقلية و ...غير ذالك !.
فهل يمكن بعدهذا العرض الموجز والواضح لمفاهيم الصدرالفكرية والفلسفية والتي اعتمد عليها تماما في كتابه فلسفتنا  فهل يمكن بعد ذالك ان نطلق صفة النسبية على هذا المنتوج الفلسفي الكبير وانه يمكن ان يموت في لحظة زمن تاريخية عابرة !.
الحال هي الحال في الفكرالفلسفي بشكل عام تاريخيا وحتى اليوم  ( فالمقياس هنا لا يختص بفكر الصدر الفلسفي  ) ، فلم نزل الى اليوم نقرّ ( في مدرستنا الارسطية العربية الاسلامية العقلية)بان اسس المنطق الارسطي العقلية: هي الاسس ، التي لم تزل صالحة لادارة وتوجيه الفكرالانساني حتى اليوم مع ان منطق ارسطوا يعتبر التاسيس الفكري للفلسفة العقلية  قبل اكثر من الفي سنة منذ الان ، ولكنها مع ذالك غضة طرية ، وحية وتدرس لتنظيم اساليب فكرنا العلمية والفلسفية !!.
الفلسفة السينوية ( نسبة الى ابن سينا ) ، او الفكر الفلسفي الارسطي الرشدي ( نسبة لابن رشد )  ،  وحتى اشرقات ( الشيرازي ) العرفانية الارسطية في الحركة الجوهرية واجتهاده بهذا الاطار لايخرج عن القاعدة فكله فكر اعتمد على بداهات ، واوليات العقل الانساني ، وان اختلف   في التفاصيل في كيفية حركة المادة الجوهرية عند الشيرازي ( مثلا ) الذي اختلف فيها  مع المفهوم الارسطي او السينوي لهذه الحركة !.
فالاختلاف في وجهات النظر الفلسفية لا يخرج  ، ولا يمكن له ان يخرج عن قاعدة ان الفكر الفلسفي بشخصيته ، وبماهيته هو فكر عابر لمتغيرات الزمان والمكان ،  وانه فكر انبنى على مبادئ عقلية انسانية بدهية عامة قابلة للتنوع والابداع والاختلاف داخلها مع بقاء جوهرية وعنوانها العام ثابتة !.
اختلف السيد محمد باقر الصدر في كتابه (الاسس المنطقية للاستقرارء ) مع ارسطوا بعمق في رؤيته ( للاستقراء الناقض ) واعتبر السيد الصدر ان نقد ارسطوا  ل( لاستقراء الناقض ) كان نقدا ينقصه  الالتفات الفلسفي للكثيرمن المفاهيم التي ترشح الاستقراء الناقض ليكون هو وليس الاستقراء التام القادر على انتاج حقائق استنباطية ، وعلمية ( تجريبية )  اكثر عملية من الاستنباط والاستقراء الكامل !!.
مع ذالك بقي الفكر الفلسفي الارسطي العقلي هو الفكر ، الذي يؤطر المدرسة الفلسفية الارسطية اليونانية والعربية الاسلامية حتى اليوم !.   
بهذا المعنى نحن نقول بان كتاب فلسفتنا كتاب سيبقى مع الزمان والمكان لا لانه معجزة الاهية ، بل لانه ( كتاب فلسفة ) ،  وحلقة مهمة من هذه المسيرة الفلسفية التي ستبقى مع الانسان ((  مازال لدى هذا الانسان عقل يفكر ويبدع ويجدد الحياة من خلاله كل يوم )) !.
ثالثا  : قضية الترجمة
القسم الرابع .....