الخميس، أبريل 30، 2015

((في سوسيولوجيا المجتمع الكردي العراقي/ بنية الفكر الديني)) 10 حميد الشاكر

((25))
يختلف التراكم المعتقدي التاريخي للتركيبة الدينية اوالثقافية اوالفكرية او القيمية او .. بهشاشته او صلابته  لهذا الاجتماع الانساني ، او ذاك حسب ماهية ، ونمطية ، وموضعية هذا الاجتماع ، لاسيما الموضعية الجغرافية ، والبيئية التي تحيط باي دائرة اجتماع انسانية وماتسمح او لا تسمح به هذه الجغرافية الطبيعية ،  والاجتماعية  من داخل وخارج  المنتج االفكري الانساني او العقائدي او الفلسفي او .... غير ذالك مما يتصل بصناعة وصياغة فكرالفرد والمجتمع هناوهناك تاريخيا وحتى اليوم !!.
فما بين (( التوالي والتراكم التاريخي لاسيما الفكري والمعتقدي الديني منه وما بين الجغرافي والبيئي )) علاقة ربما لم يلتفت لها بعض ممن نظرّوا لعلم الاجتماع الحديث  الا انه وحتى منذ تاسيس اللبُنات الاولى لعلم العمران البشري والاجتماع الانساني على يد (( عبد الرحمن ابن خلدون / 732 هج / 808  هج )) كانت الاشارات العلمية الاجتماعية واضحة لهذه العلاقة بين ماهوجغرافي طبيعي ومجتمعي ، وبين ماهو فكري تراكمي انساني معتقدي ، او سلوكي فني تربوي / :  انظر مثلا ابن خلدون/ المقدمة/المقدمة الثالثة في المعتدل والمنحرف من الاقاليم وتاثير الهواء في الوان البشر والكثير من احوالهم/ دار الجيل ص 91 !!.
ولعلنا قد اشرنا في الفصل السابق لفكرة : ( الجغرافية البيئية والدين ) وضربنا مثلا للدائرة الاجتماعية الصحراوية  البدوية او الجبلية القبلية نصف البدوية  ، واختلاف انماط وصناعة تفكيرها عن نمط وصناعة المجتمع الحضري والمدني لهذا الفكر الديني الانساني !.
وهنا في هذا الفصل ينبغي علينا ان نزيدالفكرة تماما لنظيف: ان البيئة الجغرافية لاي مجتمع ليست فقط هي معنية بالاسهام في صناعة الفكر الديني، وصياغته بشكل مختلف بين هذه الجغرافية الاجتماعية او تلك فحسب ، بل ان لهذه الجغرافية مدخلية في صياغة وصناعة التراكمية التاريخية الفكرية كذالك ونوعية هذه التراكمية وصلابتها او هشاشتها امام الداخل والخارج من الافكارالمجتمعية العقدية والدينية هنا وهناك !!.
فمثلا في مجتمعية حضرية مستقرة ، ولطبيعة تشكل العمران البشري وتنوعه ، وترابط مصالحه الاقتصادية   مع منافعه الاجتماعية ، وكذا صياغته لقوانينه السياسية المنسجمة مع طبيعته المستقرة ، وهكذا بناء قيمه التربوية الاسرية والفردية و..كل ذالك يفرض على هذا الاجتماع الحضري ان(يحتفظ) بتراكمه وتجاربه التاريخية ليصنع فيمابعد حالة من الصلابة، والاستقرار لمكونه الثقافي والعقدي والقانوني والسياسي والاقتصادي ، و .... حتى يصل لصناعة هوية اجتماعية قوية ومميزة وذات معالم واضحة في قبالة  وامام باقي الهويات الاجتماعية القومية والدينية العقدية والسياسية والقانونية و .... غير ذالك !!.
وكل ذالك ينشأ من طبيعة  الاستقرار الاجتماعي ،  الذي ينتج بطبيعته (( ضبطا اجتماعيا مدنيا )) لكل بناه الفكرية  والعقدية والقيمية الفوقية في البناء الاجتماعي وكذاضبطا لبناه السلوكية والاقتصادية والتربوية الاسرية و ...الخ التحتية بحيث ان النظام الاجتماعي المدني الحضري المستقر يقوم تلقائيا بعملية ووظيفة الضبط الاجتماعي لكل ماهو داخل وخارج من الافكار (( ويرفض هذا النظام الاجتماعي المدني بطبيعته ضرب الاستقرار وخاصة العقدي الفكري منه بل ويعتبر ان اي داخل عقدي فكري ماهو الا بدعة ينبغي مقاومتها وتنقية المعتقد الديني منها )) وبما في ذالك الافكار، والفلسفات المنتجه داخليا من عمق متطلبات المجتمع فكريا وقانونيا ودينيا ...الخ !!.
وهذا بعكس طبيعة العمران والاجتماع  البدوي الصحراوي او الجبلي نصف البدوي الغيرمستقرعادة اوالمفتقرلمتطلبات الاجتماع الحضري المدني التجارية والقانونية والسياسية والتربوية و.. والذي عادة لايجد من نفسه (ضرورة ) ، الاحتفاظ بتجاربه التاريخية  ولا حفظ تراكماته التاريخية ( ان وجدت ) الثقافية او الفلسفية اوالعلمية او الدينية العقدية مما يفقد هذا الاجتماع الانساني البدوي الصحراوي او الجبلي النصف بدوي ميزة صلابة واستقرارالافكار(وبكل تنوعاتها العقدية والقانونية والفلسفية و.... ) ومتانه وحصانة هويتها الاجتماعية ( المستقلة ) امام باقي هويات المجتمعات والشعوب الحضرية المستقرة  !!.
وهنا في هذا المفصل تكمن (( هشاشة  ومرونة ، وعدم مقاومة الهوية الفكرية بصورة عامة )) للمجتمعات غير الحضرية ، وعدم قدرة هذه الهوية الفكرية القبلية الصحراوية والجبلية القبلية النصف البدوية على لعب وظيفة ودور((الضابط الاجتماعي الفكري/ وهذا سبب عدم اهلية النظام الاجتماعي القبلي الصحراوي ، والجبلي على ان  يكون مؤهلا لتعلم شرائع السماء كما ورد في القران ب واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله )) امام اي افكار داخلة  او منتجة خارجة منه !.
 وهذا هو ما يفسر لنا في النهاية  (( ظاهرة التعقيد المعتقدية الدينية )) لنظم الاجتماع القبلية البدوية الصحراوية والجبلية وكيف انها من جهة مرتعا لكل البدع الدينية الجديده فكريا/الوهابية البدوية الحديثة نموذجا والعلي الاهية الكاكائية والصوفية السحرية الجبلية و ...... كما سنبينه لاحقا  / ، ومن جانب اخر انها مجتمعات يمكن اختراق بنيتها الفكرية فلسفيا وعقديا دينيا وقيميا و.. لعدم وجود بنية فكرية مستقرة ، وصلبة ومقاومة !!.
نعم بنفس الوقت يمكن ان تكون هذه البنية الفكرية المعتقدية البدوية او الجبلية المنعزلة ايضا ( حاضنةً )  لفكر سلالي قبلي اجتماعي متكلس  وجامد تاريخيا ومستمر تلقائيا بفعل قوة النظام القبلي رافضا بطبيعته  للتنقية ، او الاجتهاد الفكري ( كما هي متطلبات المجتمع الحضري ) يطور، او يغير او يقنن ويضبط  من هذه الافكار ويخضعها لمتطلبات المجتمع المتغيرة !!.
وعلى هذا الاساس : يمكننا ، اضافة لكل ما ادركناه سابقا من تعقيدات البنية الفكرية العقدية الدينية  لنظام البداوة ، والجبل  النصف بدوي ان ندرك ، ونعي ايضا تعقيد ظاهرة (( اجتماع التدين ، والتشدد والتمسك تقاليديا لهذه المجتمعات البدائية بالسلوك  القشري  والمفرغ من الروح الحضرية والمدنية للدين من جهة ودخول ، ورتوع الهرطقات والبدع والخرافات و..الخ وانتاجهافي نفس هذه المجتمعات القبلية الصحراوية او الجبلية المنعزلة اللامنضبطة حضريا من جانب اخر)) !.
 (( 26 ))
في المجتمعات القبلية الجبلية النصف بدوية بصورة عامة ، والمجتمع القبلي الكردي العراقي القديم ، والحديث بصورة خاصة  تبرز للعيان ثلاث ظواهر اجتماعية دينية مميزة للاجتماع الكردي العراقي هي :
اولا : ظاهرة التداخل الديني اللامنضبط تاريخيا ( من الزرادشتية الى الاسلام وما بعده في المنطقة ) .
ثانيا :   ظاهرة ميل هذه المجتمعات  الجبلية بصورة عامة  والمجتمع الجبلي الكردي العراقي  بصورة خاصة الى نوع من التصوف الديني وغلبة هذه الطرق الصوفية (( لاسيما الطريقة الجيلانية ، والنقشبندية وتفرعاتهما في العصر الحديث ))  وهيمنة هذه الطرق الصوفية على حيزه العقدي الفكري والسلوكي الاجتماعي .
ثالثا : ظاهرة الهرطقة (كما يطلق مارتن فان بروبسين الانثربولوجي الهولندي المتخصص في التاريخ والمجتمع الكردي الحديث في الكرد والاسلام ) على التنوعات الفكرية العقدية من ايزيدية او يزيدية وعليّ اللاهية او كاكائية او صوفية سحرية او( الحادية ) في العصر الحديث حيث تبرز ظاهرة الالحاد وانكار المعتقدات الدينية بشكل بارز لاسيما في العقدين الاخيرين من حاضرهذه المجتمعيةالكردية العراقي لاسيما داخل الاحزاب السياسية الحاكمة اليوم في شمال العراق .   
والحقيقة : ان ظاهرة التداخلات الفكرية ، والسلوكية العقدية التاريخية ، وحتى اليوم في المجتمع الكردي العراقي الحديث ، ظاهرة (( ذكرنا اسبابها الجغرافية الطبيعية ، والاجتماعية  انفا ، وكيفية  ان ابتعاد هذه التجمعات الانسانية عن البناءات  الحضرية ، وحماية البيئة الجغرافية الجبلية او الصحراوية لهامن سلطة المجتمع المنضبط عقديا كان سببا لغياب الضبط واستمرارية ماهو قديم متداخل بالحديث عقديا))  بارزة وتحدّث عنها وبحثها معظم السوسيولوجيين وبما فيهم علماء الاجتماع الكرد انفسهم كالذي بحثه السوسيولوجي الكردي (احمد محمود الخليل في : الشخصية الكردية ) وما تناوله من تداخلات تاريخية في المخيلة العقدية الدينية الكردية الحديثة ، وتاثيرات الزرادشتية التاريخية عليها ( الاهريمان الزرادشتي في الشخصية الكردية) وكيف ان هذه الفلسفة العقدية التاريخية لم تزل ((فاعلة ومؤثرة)) في صناعة وصياغة هذه الشخصية الجبلية الكردية الحديثة / راجع ص 263 )) !.
كذا يقال في التداخلات التاريخية العقدية للموروث((اليهودي)) الديني (( الذي لم يشر له احد من السوسيولوجيين الكرد / مع الاسف )) على الشخصية الفكرية والعقدية الدينية الكرديةالحديثة لاسيما العراقية منها (( معلوم ان اليهود واليهودية منذ السبي البابلي الاشوري الاول 697 ق م/ وحتى الثاني في حكم نبوخذ نصر 586 ق م  تمددت من العراق الى جنوب روسيا وشمال القوقاز تاريخيا ، وتمكنت سياسيا في مملكة الخزر 740 ميلادية / التي ذكرها المسعودي/ في تاريخه زمن خلافة الرشيد/ من ان تصنع دولة يهودية في ذاك الصقع الجبلي الوعر وكان اخرخروج  لليهود (( واليهودية كثقافة )) من جميع محافظات العراق 1951م / حيث كان يقطن التجمع الاكبر  ليهود العراق في تلك الحقبة  بمنطقة العمادية )) ، وماهية التاثيرات الايدلوجيه والتي لم تزل قائمه في المخيال المعتقدي الاسطوري الديني الكردي ، ويكفي ان نذكرهنا او نذّكر بما دوناه في هذه السلسلة من البحوث (( الفصل الرابع :  في  اصل الكرد)) بان هذه الاسطورة(اصل الكرد جنّ سليمان) كانت من ضمن نتاج وبقايا (الثقافة العقدية اليهودية) التي استوطنت جبال شمال العراق لاكثر من الفي سنه  ، ولم تزل  تاثيراتها حتى اليوم فاعلة  في المخيال العلمي والاسطوري الديني الكردي العراقي الحديث :/ راجع الدراسة التفصيلية القيمة ، التي كتبها : اريك بروار ،  ورافائيل باتاي / يهود كردستان/ دارئاس للطباعة والنشر/ ط الاولى / اربيل 2002م جزئان!!.
في جذورواصول الفكروالمعتقد الديني ( للايزيدية : نسبة الى جذرهم الآري حسب ما يروج له السوسيولوجيين الكرد، او اليزيدية حسب ما يطرحه بعض اليزيديين انفسهم من نسبهم العربي ليزيدالاموي) مابعد الاسلام ايضا يرى الكثيرمن علماء الاجتماع   :  ان صياغة وصناعة هذه العقيدة ((ينسب هذا المعتقد تاريخيا للشيخ عدي بن مسافر 1162 م / 557 هج / ولد في لبنان ودرس في بغداد وتعرف على الشيخ عبد القادر الجيلاني واختارفيما بعد العزلة في وادي لالش وسط كردستان ليخرج فيمابعد بطريقته الصوفية الجديدة وحسب : مارتن فان بربسين المذكورانفا فان ((الشيخ عدي)) كان مسلما سنيا تقليديا قبل ان يتحول ضريحه لمكان مقدس ، ويتحول هو نفسه تجسيدا للروح الاكثر قدسية عند اتباعه)) ماهي الا انعكاس لتداخلات الزرادشتية التاريخية القديمة وبقاء رؤيتها الفلسفية في موضوعة (( الخير والشر او موضوعة الله والشيطان )) !!.
فالايزيدية كما هو مرتشح من افكارها الدينية ان لها موقفا فكريا عقديا مغايرا عن الاسلام لكن ليس بعيداعنه ومختلفا من صانع الشرّ الازلي ( الشيطان اوابليس ) ويرون ان ابليس طاووس الملائكة ينبغي التودد اليه اتقاء شره ، ولا ينبغي معاداته ، او لعنه بسبب قدرته الكبيرة على الحاق الاذى بكل اعدائه  وقدرته المستقلة عن الله كذالك على صناعة الشر وفرضه على الانسان ان شاء ذالك !!.                                              
_______________________                                       راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد


الثلاثاء، أبريل 14، 2015

(( في سوسيولوجيا المجتمع الكردي العراقي / التركيبة الدينية )) 9 حميد الشاكر


((23))
لايختلف تعقيد التركيبة ((الدينية القداسية )) للمجتمية الكرديه العراقية وتشعباتها(حسب معظم السوسيولوجيين اللذين تناولواالشأن الكردي ) عن ماذكرناه في الفصول البحثية السابقة من تعقيدوتناقضات وتركيب وصلابةٍ للنظام القبلي والاقطاعي داخل اطارهذه المنظومة المجتمعية الكردية الحديثة والقديمه !!.
بل لانغالي ان قلنا (( وجهة نظرنا )) ان تعقيد التركيبه الدينية الكردية العراقية  تفوق في تراكيبهاالسوسيولوجيه المعقدة بتناقضاتها المتنوعة التاريخية والحديثة تراكيب نظام الاقطاع ، والقبيلة  المجتمعية الجبلية النصف  بدوية ، وفي عدة اتجاهات ، وتراتبيات فكرية  ثقافية وعقدية وسياسية ، واقتصادية واجتماعية وتربوية و ....غير ذالك !!.
نعم  فيما بين النظام القبلي ، والاقطاعي الاجتماعي الكردي التاريخي والحديث من جهة  وبين النظام الديني القداسي لنفس هذا الاجتماع من جانب اخروبكل مالهذه المنظومتين من تاثيرات فكرية عقدية وسياسية واقتصادية وكذا تربوية ونفسية ( جدلية متداخلة ) الى حدٍ يتماهى فيها في كثير من الاحيان  النظام القبلي بكل قيمه  ، مع الاخر الديني وبكل تجلياته ، وقداساته المؤسطرة ، ليصبح  القبلي في مفصل من مفاصل الاجتماع الكردي هوالديني القداسي وكذا الديني هوالقبلي الدنيوي كما هو حاصل بالفعل ، ومتبلورواقعيا في ظاهرة (( الشيخ )) داخل اطار المجتمعية الكردية الذي يجمع(بعكس شيخ القبيلة العربية الصحراوي الذي يفصل بين ماهوديني وبين ماهو قبلي دنيوي)) في مواقع متعددة من تراتبية الاجتماع الكردي بين ما هو ديني، وما هو قبلي في القيادة الاجتماعية السياسية والروحية في الان الواحد !!.
وهكذا اذا درسنا ( بنية الاجتماع القبلي ،  والاقطاعي ) الكردي نفسها القديمة والحديثة ، فسنجد ان نفس تلك الظاهرة التي ( تجمع بين ماهو قبلي دنيوي وديني قداسي في شخصية شيخ القبيلة الكردية)هي كذالك متواجدة بعمق في بنية القبيلة الكردية الاجتماعية ، التي انفتحت لتضم داخل جناحيها (ليس فقط التجمع النسبي اوالتحالف القبلي اوالعشائري كما في القبيلة العربية )، بل انفتحت لتضم كل من ليس له قبيلة او من هو يبحث عن حامي  ، ومدافع او يبحث عن بيت شيخ طريقة صوفية دينية  ينتمي اليها من هذه البيوت القبلية  ، والتي (عادة ) ما تجمع بين القيادة السياسية الدنيوية القبلية، والقيادة الدينية الروحية تاريخيا وحتى اليوم كقبائل البرزانيين (مثلا) او الطالبانيين والبرزنجيين في العصر العراقي الحديث !!.
وهذه الظاهرة في المجتمع الكردي ((في الحقيقة )) التفت اليها  علماء الانثربولوجيا والاجتماع المستشرقين والكرد ايضا  وسلطوا الاضواء عليها لتكون محط بحث وتامل  لاسيما ما اشار اليه ( وليام هيغلتون ) في كتابه (القبائل الكردية ) وهو يتناول مصطلح ( شيخ ) في منظومة الفكرالاجتماعي الكردي وماوصله بالبحث(كمثال)في القبيلة البرزانية بالقول:(عند العرب الشيخ للقبيلة لايمارس سلطة دينية بينماعند الكرد ربما يمارس دورا قبليا ودينيا ايضا..)) ثم يضيف : (( البرزانيون في العراق مزيج من قبائل صغيرة ومن كرد لاعشائر لهم اعتبروا شيوخ بارازان زعمائهم الروحيين والدنيويين .... ، وعلى اي حال لاتقتصر زعامة الزعيم الدينية على اتباعه ، او على مناطق محددة انه يستطيع استقطاب عدد من القبائل اومن الكرد غيرالقبليين اؤلئك الذين يبحثون عن منقذ اوحام او زعيم ديني )) !.  / وليام هيغلتون/  القبائل الكردية / ترجمة : احمد محمود الخليل / فصل الدين !!.
فمعظم هذه القبائل في بنيتها الاجتماعية  ومكوناتها البشرية هي خليط من تحالفات عشائرية  بالاظافة الى انتماءات لاقبلية وكذا هي ولاءات دينية ( وخاصة الصوفية منها ) تجتمع لتصنع مركبا يمزج بين القبلية والدينية بشكل مرّة يتقدم فيهاالقبلي على الديني ومرة يتقدم فيها الديني على القبلي في مواضع اخرى !.
والحقيقة انه ربما جاء تعقيدالتركيبة الدينية للمجتمعية الكردية من هذه التركيبة التي في كثيرمن المواقع والظروف (( تدمج  بين ما هو قبلي وماهو ديني)) لاسيما ان ادركنا (كما سنبينه لاحقا) ان التركيبة القبلية بطبيعتها البنوية الفكرية والسلوكية (( تركيبة جامدة وتقليدية )) وغير ديناميكية متطورة مما يجعلها من اهم عوائق تطورالاجتماع الانساني بما فيه الديني (( غياب الاجتهاد من داخله ))، واذا ما دمج بين القبلي التقليدي وما وبين القداسي الديني صاحب الثوابت فسيصبح لدينا حتما مركبا اجتماعيا معقدا ، وصلبا جدا تتعاور فيه العوامل المناهضة لاي حالة  تطور ، او تقدم لهذا المجتمع يمكن ان تخترق حوامله هذه البنية الاجتماعية ، التي كبلت بالتقليدي التاريخي من جهة وبالقداسي الثابت من جانب اخر !.
لكن ايضا يمكن القول بهذا الصدد ان هناك عوامل اخرى مساهمة في بنية ، وتعقيد (( التركيبة الدينية الكردية العراقية  )) غير عامل القبلية ونظامهاالقيمي المتداخل مع الديني في بنيةهذا الاجتماع هي ايضا من ضمن ((بُنات)) التركيبة الدينية الكردية الفريدة في صفاتها ومميزاتها الحديثة عن باقي (التراكيب الدينية المدينية) للمجتمع العراقي الحديث والقديم بصورة عامة ، ولعل من اهم هذه العوامل :                    
اولا : العامل الجغرافي البيئي الجبلي  .
ثانيا : العامل التاريخي وتراكماته العقدية المتداخلة (( من الزرادشتية الى الاسلام )) .
(( 24 ))
اولا : الجغرافي والديني .
للبيئة الجغرافية  في الدراسات العلمية  الاجتماعية القديمة ، والحديثة (منذ مؤسس علم الاجتماع العربي الاسلامي عبد الرحمن ابن خلدون حتى انتوني جدنز) اهمية تعتبرفي بعض المفاصل البحثية الاجتماعية العامل الاساس في تكوين ، وصناعة وصياغة البنية الفكرية والثقافية والفنية والذوقية والقانونية والقيمية الاخلاقية و .... الخ ، لهذا المجتمع او ذاك !!.
والواقع تثبت الدراسات والتجارب العلميةالاجتماعية وغيرالاجتماعية : (( ان للبيئة الجغرافية ، ومناخاتها المتنوعة ، بالاظافة  لشكل تربتها وتضاريسها الجيلوجية مدخلية مباشرة في صياغة وصناعة بنية حياة الانسان الاجتماعية وبكل ابعادها الفكرية والسياسية والقانونية والفنية والاخلاقية و .... وغير ذالك !!.
فساكني البوادي الصحراوية العربية وغير العربية ( مثلا ) التي تفتقر الى جداول ، او منابع المياه العذبة الصانعة لحياة الزراعة والاستقرار ومن ثم الصانعة لحياة المدنية  التجارية المتنوعة ، هم ليسوا سواء في نمط تفكيرهم الثقافي والعقدي والقيمي ، وكذا السلوكي الاجتماعي مع ساكني ومستقري المدن الحضرية ، الذين يتمتعون بنمط تفكير وهموم معيشية وتطلعات اجتماعية وقيم اخلاقية وقانونية و... الخ مختلفة عن اقرانهم من ساكني ومستقري حياة البادية الصحراوية !.
وهكذا يقال بالنسبة للجغرافية الجبلية النصف بدوية التي تفرض انماط تفكيرها ، وقيمها الاخلاقية ، والسلوكية والقانونية الخاصة بالجغرافية  الجبلية بكل ماتحمله هذه الجغرافيةمن قساوة وصلابة في جبالها وفي مناخها المتقلب شتاءا وصيفا ، وفي مشقة العيش والصراع في داخلها من اجل البقاء !!.
ففي بيئة جغرافية جبلية كهذه وهي تعتبرالرحم الطبيعيةلاجنة المجتمع ومن ثم الحاضنة ، التي سوف تغذي مجتمعها تربويا ، من خلال تاقلم الانسان الفرد  والمجتمع مع ضروراتها الطبيعية لابد ان تفرض على ساكنيها ثقافتهاالتي لاقِبل للمجتمع بالتمردعليها مهما كان هذا المجتمع مختلفا فالمجتمع ( على اي حال )هو وليد بيئته ومرتهن الى متطلباتها وخاضع لعطائها الطبيعي من جهة ، وخاضع لقيمها ومفكر في داخلها من جانب اخر !.
في الاسلام (ممثلا بالقران الكريم ونصه الديني ) ايضا هناك اشارات مهمة سوسيولوجيا  في موضوعة البيئة الجغرافية ومدى مدخليتها في صياغة  ، وصناعة الفكر الثقافي ، والقيمي والقانوني للمجتمع لاسيما بنية الفكر العقدي الديني للمجتمع !.
ففي مثلا موضوعة (( الاعراب)) وهي اشارة قرانية لساكني البوادي الصحراوية البعيدةعن مؤثرات تربية البيئةالحضارية المدينية يتحدث النص القراني عن(عدم صلاحية) ابناء البوادي الصحراوية ومتربيها عقليا وفكريا وثقافيا وقيميا وسلوكيا و ...... الخ ، لأن يعلموا الشريعة القانونية الدينية الاسلامية ،ويعلل ذالك بالقول : (( الاعراب اشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله والله عليم حكيم / 97 / التوبه )) !!.
فمن صفات المجتمع البدوي الصحراوي(التطرف = الشدة)في الميول والتوجهات النفسية ، والقيمية والروحية التي تفرظها طبيعة الصحراء الجافة والقاسية كما ان من اخلاق الصحراءالبدوية التي تفرضها على ابناءها التكتم  وضبط المشاعر وعدم اظهار ما في داخل الانسان الى خارجه ((النفاق والكفر حسب المصطلح الديني القراني))  وهكذا من صفات الفردوالجماعة الصحراويةالبدوية عدم اهليتهم لادراك مقاصد الشرع الديني بل ( الاجدر = الافضل ، الاليق ، الاخلق) بان لايعلموا ( = اي يبعدوا عن تعليم القوانين الشرعية  كي لايفسدوا مفاهيمها) او لايسقطوا مفاهيم وقيم الصحراء البدوية على مفاهيم القران والقوانين الشرعية  ، فيخرجوا نصوص القانون عن روحها ومضمونها المدني ليعطوها روحا ، ومضمونا  وفهما صحروايا ،  بعيدا عن روح النص المدني التي تخلّقت من رحمه الاجتماعي !!.
اي وبمعنى اكثر دقة  ووضوحا يتحدث النص القراني (سوسيولوجيا) عن (( بنية الفكر الديني الاسلامي )) التي هي بنيةٌ انطلقت او تاسست على (( بنية بيئة اجتماعية حضرية مدنية ، تخلق من رحم مفاهيم هذه البنية المدنية الاجتماعية التجارية الزراعية المستقرة المتنوعة مفاهيم ومصطلحات قوانين الشريعة الدينية الاسلامية ، التي لايصلح فهم اي بيئة اجتماعية سواء كانت  بدوية اوجبلية نصف بدوية لوعيها وادراك مقاصدها القانونية والعقدية والفكرية و..وما يترتب على ذالك سلوكيا !.
ولهذا (نصح) الاسلام بابعاد من لم يكن من ابناء هذه المدنية الزراعية الحضرية التجارية المستقرة (ان يُعلّم او يّعلِم ) حدود ما انزل الله على رسوله من قوانين وعقيدة وفكر وسلوك وادب و...، بسبب ان الانسان وليدوابن ومصنوع بيئته وهذه الحدود الدينية وليدة بيئة مدنية حضرية لايعيها الا ابناء المدن والحواضرالمجتمعية المتنوعة الذين تربوا على قيم المدينة وانماط تفكيرها ونشأوا سلوكيا وعائليا داخل احضانها !.
الخلاصة : ((ان للبيئة الجغرافية ، التي تحيط بالانسان والمجتمع دور اساسي في صناعة هذا الانسان والمجتمع فكريا ثقافيا ودينيا ، وقانونيا وفنيا وسلوكيا وتامليا مستقبليا و..... الخ ، واذا ما اردنا فهم الجغرافية الطبيعية  والاجتماعية ، وعلاقتها بالدين المنتج ، او العكس فهم الدين وعلاقته بالجغرافية ، فعلينا اولا :  دراسة  البيئة الجغرافية ، الطبيعية والمجتمعية التي نشات فيها هذه المفاهيم الدينية  او تلك  لندرك من ثم نوعية هذا الدين المتاثر(مثلا)ببنية الاجتماع الصحراوي بكل مفاهيمه المتطرفة ، واختلافه عن المفاهيم الدينية الجبلية ، التي تميل للتصوف والدروشةواختلاف كلاالفهمين للدين وحدوده وثقافته عن الفهم المدني الحضري الذي يعتبر :  ثانيا انه ((الحاضنة الطبيعية)) لجميع الاديان السماوية والضابط لعدم انحراف فهمها بالشكل الذي ارادته مقاصدها الاولية !.
((25))
ثانيا : العامل التاريخي
....                    
_______________________                                       راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد