الأحد، أبريل 18، 2010

(( مسيرة الحضارة من العسكر الى السلعة )) حميد الشاكر


في البداية لابد من القول ان اسم ((الحضارة)) لم يظهر الى الوجود الانساني ، الا بعد اقترانه بعدة عوامل انسانية وطبيعية قد وفرت الارضية لنمو بذرة الحضارة قبل ولادتها ، ومن اهم تلك العوامل هي :


اولا : عامل إكتشاف الزراعة ومن ثم الاستقرار والبناء ، والعزوف عن حياة الترحل والبوادي والانتقال !.

ثانيا : عامل الرسم والكتابة وصناعة الحروف ، واختراع ادوات التدوين !!.



ففي العامل الاول كانت حياة الزراعة نقلة نوعية في حياة الانسان الحضرية ، باعتبار ان الزراعة هيئت للانسان قوته الذي يعتاش منه بشكل ثابت ،لتنقله من حياة الصيد ومطاردة الغنائم المتحركة والتنقل وطلب العشب والسعي والبحث عن المياه لقطعان الماشية ...الخ من جهة ،الى حياة الاستقرار والتفكير بحفر الارض واخراج الماء منها او شق القنوات والترع لايصال الماء من الانهر، لبيت الانسان بدلا من التنقل ، والبحث عنه وبذر البذور وزراعة اعلاف الماشية ومأكولات الانسان وملبوساته و... هكذا من جانب اخر لتكوّن الزراعة فيما بعد الاستقرار في حياة الانسان وتشكل القرى والتجمعات الصغيرة التي جذبتها الحياة المستقرة والمطمئة نوعا ما !.



ثم بعد ان استقرّت حياة الانسان على الارض ، ليصبح رزقه مما يزرع ، وليس مما يطارد ، ويبحث عنه تكوّنت فكرة بناء المساكن الثابتة ، التي تصارع عوامل الطبيعة القاسية ، وبرزت ظاهرة الاحتكاكات الاجتماعية الانسانية المتنوعة من منطلق فهم الانسان الفطري لفكرة شراكة الانسان بملكيةالكلئ والماء والنار بشكل طبيعي واستقطبت الزراعة مزيدا من القاطنين الجدد ، واصبحت المياه مصدر جذب طبيعية ، والارض مطمع انساني ، ونزاع بشري متوقع ، لاسيما بوجود ظاهرة الاسواق وتبادل المحاصيل وانتاج الثروة ،والنظر الى الارض والزراعة على اساس انها ملكية سلطة مالية ونفوذ اجتماعي خطير ،عندها برزت الحاجة الملحة لوجود التدوين وكتابة الملكيات والعقود لحفظ الحقوق وذكر الواجبات ،فكان الاختراع الذي وضع اللمسة الاخيرة على قيام الحضارة الا وهو الكتابة والذي بدأ بشكل رسوم على الواح طينية مفخورة بالنار ، لتحفظ للانسان في بادئ الامر ،حقوقه المالية من جهة وذاكرته العبادية من جانب اخر ، ولم يمر وقت طويل حتى اختصر الانسان السومري في العراق تلك الرسوم المنقوشة الى رموز ، وحروف مختصرة شكلت العمود الفقري ، للكتابة والتدوين فيما بعد ، لتمنح الذاكرة الانسانية خلودا اطول في الحياة وتنظم المجتمع وحقوقه بشكل اتقن واكثر اعتبارا وعرفا ودلالية !!.



بعدها وبعد تطوّر حياة الحضر المستقرة اقتصاديا ، اينعت الحياة الفنية والعقدية والترفيهية والاجتماعية ، للانسان ليتحول المجتمع المستقر الى خلية متحركة من جميع الالوان والاشكال البشرية وبكل تناقضاتها وتدافعاتها الفطرية والطبيعية مما استدعى وجود القضاء وتطوره الى حكم وسلطة تنفيذية لمقررات القضاء والزام المجتمع بالانضباط وعدم اعتداء بعضه على البعض الاخر ، وفي هذه الفترة من التطوّر الانساني ، استعان الاجتماع الانساني بالكتابة ليدّون القوانين القضائية وليوسع حكم السلطة ومن ثم الدولة لتكتمل جميع عناصر وعوامل قيام الحضارة الانسانية الاولى التي توّجت بفكرة الحكومة او الدولة او الملك !.



ان هذه الرحلة التي اختصرها القلم ببضعة اسطر الا انها اخذت من حياة البشر الزمنية قبل الكتابة الاف السنين لم تقف عند حدودالزراعة والكتابة وقيام المجتمع والدولة فحسب بل انها بدأت رحلتهاالجديدة ولكن بشكل اخر يختلف عن التكوين الداخلي لبذرة صناعة قيام امة وبناء دولة وحضارة ثابتة لاغير وانما بدأت الحضارة بعد قيامها وثبات عناصرها وعواملها الداخلية بالتفكير من جديد بالتحرك (البدوي) القديم لحياة الانسان للبحث هذه المرّة عن المغانم وهي مختلفة من الطرائدوالصيد والبحث عن الماء والكلأ في البراري الى البحث عن مغانم الامم المجاورة وغزوا المجتمعات المتحركة والمستقرة ،لتحويل كل مقدرات هذه الامم ، وبما فيها الامم البشرية نفسها الى مغانم وطرائد يتم اقتناصها من قبل الاقوى وصاحب النظام والدولة والسطوة والقوة ليكون المنهزم عبدا او قنًا وتكون ممتلكاته اضافة طبيعية لهيمنة وعظمة المنتصر ومملكته !!.



وفي هذه المرحلة التاريخية من حياة البشر، برزت ظاهرة التمدد الحضارية ، للامم الانسانية وكأنها تريد ان تقول : ان الحياة الحضرية الزراعية القانونية السلطوية المستقرة ،وبعد ان تمكنت من استخدام الطبيعة وما فيها زراعيا وصناعيا من اسلحة وعربات تسير بسرعة الريح على عجلات مدورة بفضل النار وصهرها للمعادن ...هي الحياة التي ينبغي ان تسود على كل العالم ، الذي لم يزل في اطواره البدائية من عدم البناء والاستقرار والقانون والدولة والزراعة والتجارة والتدوين والصناعة وتكوين الجيوش والعساكر !!.



وبالفعل كانت الفتوحات الحضارية للامم ((الكتابية الزراعية )) المستقرة مذهلا بحيث ان باقي الاراضي كانت تفتح ابوابها للوافد المتحضرالجديد ، وبلا وجود لمن لم يدرك بعد من الامم كيفية صناعة الحياة وتملك الارض والخوف عليها باعتبارها مصدر الثروة والسلطة والدفاع والموت من اجلها ، وكانت هذه الحقبة من تمدد الحضارات قائمة على عامل تمدد واحد لاغير وهو عامل ( العسكر ) او القوة المادية الانسانية الباطشة باسم الجيش !.



إن فكرة وجود العسكر ،او الجيش داخل الحضارة الانسانية ، لاريب انها فكرة متطورة بدأت من الغزوات لملاحقة الطرائد الوحشية في الفلوات لتأمين قوت الانسان وحتى تشكيل مجموعات عائليةاوقبلية اوطبقية ومن ثم اجتماعية لحماية المجتمع من الداخل ومن اخطار الغزوات البربرية من الخارج ولكن بعد استقرار وقوّة الحضارة ومتطلباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتزايدة اصبح للعسكر مهام اوسع من مجرد الدفاع لاغير ، لاسيما ان الانسان صاحب طبيعة تسلطية طغيانية تميل في حال تمكنها من القوّة للتطلع الى التوسع في استحصال المغانم على حساب الاخرين وهكذااستخدمت الجيوش والعساكر بانتقال وضائفها من مجرد تنفيذ قوانين القضاء على الداخل الاجتماعي الى الدفاع عن الاجتماع الحضاري المستقر ، ومن ثم الى التفكير بالتوسع والتمدد الحضاري لكسب المغانم وزيادة رصيد ملك الحضارة والحكم !!.



وكانت عظمة الحضارة وسطوتها وقوتها وهيبتها وشخصيتها ...الخ تقاس بمدى عظمة وقوة جيوشها وعساكرها المنظمة ولم تكن تعرف حدود الحضارة وجغرافيتها الا اينما تقف جيوش وعساكر هذه الحضارة فسرجون الاكدي (مثلا)لقب في الحضارة العراقية بالعظيم لانه استطاع ان يفتح تقريبااكثر من نصف العالم بجيوشه الباطشة والقوية والزاحفة يوما بعد ، وكانت الحضارة الاكدية على يد هذا الجلاّد الكبير متوسعة وغنية وثرية وعملاقة بقدر الغنائم التي كانت تستولي عليها مع كل فتح عسكري جديد ، لم ينتهي عند حدود ثابتة !!.



وسارت هذه السُنة، منذ بدأ قيام الحضارات في بلاد مابين النهرين ، حتى انتقال شوكة الحضارة ، من العراق الى الحضارات التي كانت انذاك قائمة فارسية او مصرية ومن ثم يونانية ..، وكان الجيش او العسكر هو عنوان هيبة الحضارة ووجودها وقدرتها وتطورها وتقدمها وقوتها ، واذا ما اراد اي انسان قياس قوة الحضارة او ضعفها فيما مضى من زمان فما عليه الا ان ينظر لجيش وعسكر هذه الحضارة وقدرته على التوسع وليس الدفاع فحسب ، او حماية النظام العام الداخلي لهذه الامة او تلك من الامم الحضارية المستقرة القائمة ، وبالفعل وحتى اليوم نحن نقرأ التاريخ الحضاري للامم الذي قادت الفتوحات او الغزوات او التوسع في العالم القديم ولانكد نرى ملامح الامم التي كانت في غير هذا المضمار من التنافس الحربي الحضاري ، وهذه كانت هي الحلقة الاولى من حركة الحضارة في التاريخ الانساني القديم ومسيرتها خارج اطرها الحضارية المحلية الصنع !!.



نعم بعد ذالك وفي مراحل تاريخية متأخرة عن غليان قيام الحضارات المستقرّة ،وتنافسها على التوسع الاستعماري وبعد ان اخذت الحضارة دورتها الانسانية ، لتستقرعوامل قوة الحضارات ، موزعة بين الامم ، اصبح التنافس بين الحضارات يقف عند حدود معينة بحيث ان حضارة اهل العراق لم تكن قادرة بعد ذالك من التوسع السريع والسهل على باقي الحضارات ، وان كانت تملك جيشا معسكرا عظيما ، من منطلق ان فكرة الجيش والعسكر ايضا امتلكتها باقي الامم الحضارية واستطاعت التمكن من الصناعة البدائية العسكرية والزراعة وانتاج الثروات ...، مما اهلها للدفاع القوي والهجوم الاقوى ايضا وهذا ماضرب الفكرةالتاريخية التي تقول:ان الجيش والعسكر هو هوية وعظمة وشخصية وهيبة الحضارة في التاريخ ولتبرز على اثر ذالك او مكانها فكرة البحث عن عامل اخر يكون هو عنوان عظمة الحضارة، بعدما انتهى عمر ان يكون التوسع العسكري ، وقوة الجيوش وغزوها وسحقها للامم القائمة هو عنوان عظمة الحضارة والانسان فجاء على غرار ذالك التوازن العسكري عامل (الفكر) والعلم والتقدم فيه ليكون هو او على اساس انه هو المقياس الجديد المضاف مع قوّة الجيوش لعظمة الحضارة !!.



عند انطفاء وهج القوة العسكرية لعظمة الحضارة ، والمحدد لتقدمها على باقي الامم ، والحضارات للاسباب التي ذكرناهاولسُنة الكون البشرية بتوزع هذه القوّة بين البشر وضعف فاعليتها السريعة بزغت شمس (العلوم) والافكار باعتبارها العامل الجديد على مقياس رقي الامم والحضارات ،فكانت المقاييس الانسانية في تلك الفترات ايضا تتغير من النظر الى الامم العظيمة على اساس اشدها وحشية وفتكا وغزوا وهيمنة وعظمة لجيوشها وعساكرها الجرارة التي لاتقهر الى اساس ايضا تقدمها ورقيها العلمي والفكري في الفلسفة والطب والعقائد والفنون، على الخصوص وإن كانت هذه الامم صغيرة في حجم جغرافيتها الممتدة ،ولاتملك العظيم من القوات العسكرية المدمرة التي تزحف يمينا وشمالا للتوسع وعند هذا المنعطف عادت البشرية الى اساس الحضارة الانسانية الاول وهو الكتابة والحرف والتدوين وذاكرة الانسان ....الخ لتكون ادوات الرقي والتقدم والعظمة الحضارية علمية بدلا من ان تكون عسكرية فقط !!.



وبالفعل برزت امم حضارية في هذه الحقبةليس لها عظمة عسكرية مذكورة في سابق الايام ، ولكنها امتلكت عامل الفكر والعلم ، ليكون رائدها الى تسنم عظمة الحضارة الجديدة ، المنبنية على العلم والفكر اولا قبل القوّة والجيش والبطش ، مع وجود هذه القوّة ايضا الا ان الفكر والعلم اصبح هو ميزان التوسع والانتشار الحضاري وليس فقط الجيوش والعسكر، وقد تمثلت هذه الدورة الحضارية الفكريةفي العصر اليوناني بالتحديد بشكل بارز، والذي يعد هو الارقى فكريا وفلسفيا في دورة التاريخ الحضارية القديمة فلسفيا ، بعدما ضمرت حضارة العسكر هنا ، وهناك بفعل عوامل تغير موازين القوى من القسوة وتضخم المادة الى الفكر والبحث عن مافي داخل الانسان من متطلبات!!.



ان العلم والفكر اصبح في دورة تاريخية حضارية معينة ، هو العامل الواضح ، الذي ينبئ على الحقيقة عن حدود وجغرافية الحضارة واين تقف الان بالفعل؟ ، بسبب ان هذا الفكر والعلم تحوّل الى مادة تمدد وغزو حضارية ايضا لايقل تاثيرا معنويا عن تمدد وغزو الجيوش للحضارات التي كانت قائمة انذاك ولاتمتلك اسلحةالفكروالعلم والتطور والمعنوي وحتى ان كانت الحضارة عظيمة الجيوش والقوّة والاستقرار والازدهار الاقتصادي ( مثلا ) في بقعة من بقاع الارض الواسعة إلا انها لم تكن تملك فلسفة وفكرا وعلما حول العالم والكون والانسان ،ولماذا هو موجود في هذه الحياة ؟، كما كانت باقي الحضارات تملكه ، فستشعر بالضعف فكريا امام هذا التمدد الحضاري الفكري الخطير الذي يهب للامة الفكر ويستعمرها ويغزوها ويتمدد عليها من داخل الانسان ، مع القوّة العسكرية بدلا من ان تملك الامة قوّة مادية بلا فكر وفلسفة تجريدية فكرية !!.



ان الامم في السابق كماانها كانت تخضع للقوة وعظمة الحضارة وهيلمانها العسكري الحربي شعرت بعد نفاد بريق القوّة والعظمةاو توازنها ان حاجات الانسان الحقيقية لاتقتصر فقط على الجانب المادي من الحياةلاغير وانما هناك الحاجات الداخلية الفكرية للانسان ، والتي بدأت بالتعبير عن طموحاتها بشكل اكبر واكبر كل يوم ، فهناك المجالات الروحية والخيالية والعقدية والفكرية البشرية الاخرى التي هي ايضا بحاجة الى اشباع غريزي فطري طبيعي ايضا بدأت بالتحرك والالحاح على الانسان من الداخل كحاجات لايمكن للانسان الاستغناء عن متطلباتها الفطرية وبمجرد سؤال الانسان داخل الحضارات القديمة ب (( لماذا انا موجود في هذه الحياة ؟)) كان كفيلا بان يغير مزاج الانسان ورؤيته لحقيقة وجوده ، او حقيقة العظمة في الحضارة الانسانية ، ومن ثم دفعه للبحث عن الجواب لهذه المعادلة الانسانية الداخلية الجديدة في حيز حضارة الفكر والعلم وليس في حيز حضارة القوّة والعسكر فحسب !!.



ومعروف ان الحضارة مهما كانت عظيمة البنيان المادي ،ومحكمة القوّة العسكرية المدمرة ، ونامية الاقتصاد الغير مسبوق ....الخ لايمكنها مطلقا ان تجيب على اسألة الانسان الفكرية هذه اذا لم تقرن مع قوتها العسكرية والمادية قوّة فكرية ، وحضارة علمية تهب الانسان ايدلوجيته وايمانه وعقيدته وفلسفته ورؤيته لهذا العالم ووجوده في هذا الكون وماينبغي عليه من حقوق وواجبات ؟.



بينما الحضارة التي تقدمت فكريا (نحن لانؤمن بالنظرية المادية التي تقول بحتمية انعكاس الفكر عن وسائل الانتاج الطبقية )وبرزت بها عوامل القوة العلمية والفكرية والفلسفية ، مع وجود القوّة المادية بجانبها ستكون حتماالاقوى وجودا والابرز سلطانا وهيمنة على الانسان اينماوجد على هذه الارض بسبب إن سرّ قوتهاوعظمتها الحضارية في فكرها الذي يهيمن على الانسان من الداخل وليس من الخارج المادي فحسب !!.



وهكذا كانت الحضارة الفكرية اليونانية (مثلا ) ، حدودها الجغرافية الحقيقية في بغداد وداخل مدارسها وهي تهيمن على عقول ، وقلوب علماء المسلمين في بغداد ، مع ان الحضارة اليونانية في زمن العصر العباسي الاسلامي قد انتهت من الوجود الحضاري المادي على الحقيقة لكن وجودها الفكري كان اعظم واطول عمرا بكثير، وحتى عندما جاء الاسلام بفكر ( الكلمة وأقرأ) فانه كان ناظرا لكيفية بناء الحضارة من خلال الفكر والعلم والفلسفة والايدلوجيا اولا ، ثم من بعد ذالك يأتي دور بناء الحضارة المادية على اسسها الفكرية والحضارية والفلسفية ، ليصبح الاسلام حضارة فكر قبل ان يكون حضارة جيوش وعسكر وغزوات وهيمنة واستعمار متمدد على الجغرافية السياسية !!.



ان الاسلام يصلح هنا مثلالادراكنا معنى انتقال عوامل الحضارة الواقعية وكيفية بنائهامن قوتها العسكرية الى قواها الفكرية والعلمية والفلسفية على واقع حياة الانسان وبناءه الحضاري ، وحتى عندما اندثرت الحضارة المادية التي بناها المسلمون بالقوّة ، والاستعمار السياسي في باقي اراضي الشعوب والامم ، بقت هذه الامم ، حضاريا مرتبطة بالاسلام الفكري والفلسفي والايدلوجي ، اكثر بكثير من الارتباط الاقتصادي اوالسياسي اوالعسكري، الذي تمكن من توحيد الحضارة لكنه لم يصلح ، لادامة استمراها من داخل الانسان ، وليس من خارجه ، ولو كان الاسلام حضارة جيوش فقط ، لانهدم بمجرد انحصار هيمنة حضارة القوّة عن الناس في كل مكان ، ولكنه وبما انه ، حضارة فكر وعلم وايدلوجيا ، قبل ان يكون حضارة عسكر وقوة واستعمار وبطش بقت حجته بالغة وقوية حتى يوم الناس هذا عندما نرى حضارة الفكر الاسلامي ، قادرة على اختراق داخل الانسان قبل اسواره الجغرافية السياسية الذي يعيش في ارقى حضاراتها العالمية الصناعية التكنلوجية الحديثة المادية اليوم ،الا ان داخله بقي فارغا يبحث عن حضارة فكر لملئه على الحقيقة !!.



وعلى هذا الاساس بدأ قياس تمدد الحضارة يأخذ شكله الفكري لفترة طويلة من تاريخ الانسان في هذا العالم حتى بروز الحضارة الصناعية الحديثةالتي غيرت موازين القوى للهيمنةالحضارية لتنافس كلا جانبي الحضارة العسكرية والاخرى الفكرية العقدية الفلسفية التجريدية التاريخية ، لتصنع لها مقياسا آخر وقوّة اخرى اسمها (السلعة )!!.



اول ما افتتح عصر الصناعة والتكنلوجيا الحديثة بوابته الحضارية الصناعية الجديدة ، كانت الفتوحات العلمية هي الاضافة الانسانية الجديدة ، التي استطاع الانسان اكتشافها في هذا العالم ، ليضيفها الى رصيده في كيفية الهيمنة والسيطرة ليس على العالم البشري فحسب ، بل وكذالك العالم الكوني والطبيعي كذالك !!.



وعندما بدأ الانسان مشواره الاول اكتفى من الارض والطبيعة بالزراعة والاستقرار ومن النار باذابة الحديد وصنع السلاح ثم مالبث ان بحث عن الفكر والفلسفة والعقيدة والايمان ،لتكون حضارته بجناحين كاملين لكنه في العصر الحديث تطلع للطبيعة ان تعطيه اكثر من الزراعة ،ومن الكون اكثر من معرفة القوانين واستغلالها ليصبح مسيطرا كونيا بعدما كانت غاية مناه ان يكون مسيطرا حضاريا لاغير !!.



صحيح ان ما استعمرنا كشعوب عربية واسلاميا وغير اسلامية حضارية، مختلفة عن حضارة التصنيع والتكنلوجيا الحديثة في العصر الحديث هي الدبابات العسكرية ، والطائرات الاستعمارية الغربية التي تمّ تصنيعها داخل مصانع هندسية عملاقة استطاع الانسان الاوربي ان يجعلها تصنع له حضارة التكنلوجياالحديثة والسريعةثم جاءت الجيوش الغربية الاستعمارية لتلتهم الارض والثروة والانسان داخل جغرافياتنا السياسية المنتهيةفي العصرالحديث لتعبر عن التمدد الحضاري الجديد وهذا صحيح !!.



ولكن الحقيقة ان الاستعمار الحضاري الغربي الذي هيمن علينا في العصر الحديث والذي بدا لنا انها حضارة جديدة مختلفة عن جميع حضارات التاريخ الذي مضى هي ليست حضارة قوّة الجيوش الاستعمارية ولا ضخامة ترسانتها العسكرية الرهيبة الغربية في العصر الحديث وانما كان ولم يزل حتى اليوم المستعمر الجديد هوسلعة هذه الحضارة التي انتجتها المصانع التكنلوجية لهذه الحضارة الجديدة وليس ترسانتها العسكرية العظيمة !!.



نعم استعمار الجيوش العملاقة وكما ذكرناه فيما مضى هو الاسلوب الحضاري البدائي لتمدد الحضارة الانسانية فيما مضى وبما انه اسلوب بدائي للتمدد الحضاري فسرعان ماوجدناالشعوب الحديثةالتي استعمرت بقوّة الالة العسكرية الحديثة قد انتفضت على هذا الاستعمار العسكري البدائي ، وعلى الفور وبسرعة قياسية ، رأينا كيف ان الاستعمار العسكري قد انكفأ الى الخلف ، خارجا عن حدود الشعوب الحضارية التي استعمرت بالة الحرب ، لتنتصر الشعوب على المستعمر حتى مع بقاء ترسانته العسكرية العظيمة على حالها ، وقوتها وهيلمانها الذي بامكانه ان يدمر شوبا باكملها من على وجه الارض كماحصل في القاء القنابل النووية الامريكية على الحضارة اليابانيةفي العصر الحديث وهي على اي حال لم تزل حضارة غربية جديدة تمتلك اعتى انواع الجيوش والاسلحة فتكالكن في الواقع والحقيقة وعلى الارض مابقي مستعمرا حقيقيا ، لهذه الشعوب المستعمرة حتى اليوم هو ليس العسكر واسلحته الفتّاكة وانما هي ( السلعة ) ، التي انتجتها الحضارة الصناعية الحديثة ، هي التي بقت تهيمن على اسواقنا الاستهلاكية المحلية الداخلية في بلداننا المستقلة استعماريا من العسكر الا انها خاضعة للمنتج وسلعة المستعمر الحضاري الجديد !!.



ان السلعة اوالمنتج الصناعي الحديث اخذ دور النفوذ الحضاري في العصر القديم من العسكر ومن الفكر والفلسفة والعقيدة ايضا بحيث اننا في السابق كنا نرى نفوذ الحضارة بوجود اقدام جيوشها وهي تسحق الارض بقوّة وفيما بعد وجدنا ان قوة الحضارة وهيلمانها وعظمتها، عندما تهب لنا هذه الحضارة فكرا وفلسفة وايمانا ورؤية تستعمر داخل الانسان ، وتجذبه من قلبه وعقله ، ليفهم الحياة والعالم، والكون ونفسه في هذا الوجود ، ولتهيمن فيما بعد على مناهجنا التدريسية والتعليمية داخل جوامعنا وحوزاتنا العلمية وجامعاتنا الفكرية ،اما مع تراجع كلا المفهومين وتقدم مفهوم الصناعة والتكنلوجيا في العصر الحديث ، فقد اصبحت الحضارة تقاس عظمتها ، او تعبر عن تمددها ووجودها في كل الامم ، ليس بجيوشها ولابفكرها الفلسفي التجريدي ، وانما بسلعتها المنتجة ، التي تملأ الاسواق ويتعايش معها الانسان كل يوم في بلاده وهو يسأل عن منشأها ومقر ولادة حضارتها واين هي الان !!.



ان السعة اليوم هي حدود اي حضارة موجوده على وجه هذه الارض فاذا صادفت منتجا صينيا (مثلا) في الولايات المتحدة فاعلم ان حدودوثقافة ووجودالامبراطورية الصينية الحضارية قدبلغ ووطأ ارض الولايات المتحدة الامريكية بلا حرب ولاجيوش ولااساطيل مدمرة ، وهكذا ان صادفت منتجا امريكيا ، داخل الاسواق الايرانية ، او العراقية او الالمانية ، فاعلم انك ترى حدود وجغرافية الحضارة الامريكية الجديدة وهي تعلر عن نفسها في شوارع العراق او المانيا او ايران ، وهكذا تقاس تعابير ووجود حضارات الامم في داخل اسواق العالم المفتوحة اليوم ، واي حضارة لايمكن لها التعبير عن نفسها سلعيا في العصر الحديث ، فهي الحضارة الميتة ، والغير موجودة على خارطة العالم الحديث وحتى ان سألت اي فردامريكي عن حضارة الصين ومقارنتها بالحضارة العربيةاليوم على سبيل المثال فان الفرد الامريكي سيتحدث بمطولات اليوم ، عن الحضارة الصينية التي فرضت نفسها على الانسان الامريكي انتاجيا وسلعيا وعلى حياته اليومية ليتعامل معها واقعيا ، بينما ولعلة ان الحضارة العربية لم تزل عاجزة عن انتاج السلعة وايصالها الى داخل حدود الحضارات الجديدة امريكيا واوربيا وعالميا فان الفرد داخل هذه الحضارات لم يزل يدرك الحضارة العربية ، من خلال السماع عنها تاريخيا وفكريا ، الا انه يشك بوجودها الاني ، واقعيا وسلعيا في العصر الحديث ، ولهذا لايعتبر ان لها وجودا حقيقيا اليوم !!.



إذن السلعة اليوم وانتاجها هي التمدد الحضاري الجديد في العالم اليوم ،واي حضارة لاتملك التصنيع وانتاج السلعة وتوزيعها وضخها للاسواق العالمية تكون حضارة تاريخية ميتة لاغير ولايمكن لها ان تعبر عن ذاتها او ان تطرح شخصيتها مع باقي شخصيات الامم الحضارية القائمة ، مهما ملكت من جيوش وترسانات عسكرية جبارة او ملكت من افكار وعقائد وفلسفات ..غاية في الرقي والتطور الاخلاقي ، لا لشئ الا بسبب انها تفتقد للضلع الثالث المكمل للحضارة اليوم وهو ضلع انتاج السلعة !!.



إن العسكر والفكر والسلعة ، هي مسيرة الحضارة كما وصلتنا الى اليوم ، ولايمكن لحضارة ان تكون حاضرة بلا حيازتها على هذا المثلث العظيم ،وربما في المستقبل تتراجع عظمة ( السلعة ) الحضارية لتخلي موقعها الى عامل رابع يشكل مربع اي حضارة تريد ان تعبر عن وجودها بقوّة وانسانية وواقع ، وعلى من يريد ان يقود الحضارات في المستقبل ان يفكر ماهو ذالك الضلع الرابع الذي لاتقوم حضارة بدونه !!.

__________________________



alshakerr@yahoo.com

(( متى يصبح العراقيون احرارا ليحموا دمائهم ؟)) الشاكر حميد


(( متى يصبح العراقيون احرارا ليحموا دمائهم ؟)) الشاكر حميد


_______________________________________



كيف تكون الحرية صائنة لدمي من ارهاب الارهابيين البعثيين القتلة ؟.

واذا ما اردت ان أكون حرّا فهل يجب عليّ ان أكون مسؤولا أولا !!؟.

أم انه بأمكاني ان اكون حرّا من جهة ، وان لا اكون مسؤولا عن اي شئ من جانب اخر ؟.



هل هناك ملازمة ضرورية بين ان يكون الانسان حرّا ، وبين ضرورة ان يتحمل هذا الانسان مسؤولية هذه الحرية وحياتها ؟.

أم انه لاملازمة ولايحزنون ، وبأمكان الانسان ان يكون حرّا ولامسؤولا في نفس الوقت واللحظة ؟.



ثم ماهذه المسؤولية التي تهب الحرية ، ولاحرية بلا مسؤولية ؟.

ولماذا تقترن دائما المسؤولية بالحرية ؟.

وعلى اي اساس تكون الحرية مسؤولية ؟.



أعلم: انك تكون حرّا اذااستطعت ان تقنع الدولة أو تجبرها بطريقة او بأخرى ان تكف يدها وانفها عن التدخل في شؤونك الفردية الشخصية ، وشؤونك الاجتماعية الانسانية وعندها سوف تشعر انك اصبحت حرّا من هيمنة الدولة والسلطة وانك تتمتع برصيد وهامش ومساحة واسعة من التعبير عن رأيك ، والتفكير بمصيرك ، والتمتع بسلوكك بدون ان يكون للخوف، والقلق سلطان على ماتقوم به داخل نطاق حقوقك البشرية ، من غول الدولة وما لديها من حسابات قوانين وعقوبات !.



لكن بالمقابل ايضا عليك ان تعلم: ان الدولة عندما تقرر لسبب او اخر ان ترفع يدها من التدخل المباشر في حياتك الفردية او الاجتماعية،وانها ربما تقبل بان تترك لك هامشا كبيرا من حياتك الفردية تملئه كيفما ارتأيت وكذا عندما تترك لك مساحة لابأس فيها اجتماعيا لتزاول حريتك بكل اريحية بدون ان ترى وجها للدولة ، او اصبعا لها ينغص عليك حياتك او يقلق وجودك ، فانها بعملها هذا ستخلق لك وضعا ومسؤولية جديدة تضاف الى حريتك شئت ذالك ام ابيت وهي : ان انسحاب الدولة من حياتك جزئيا ،ينتج بالضرورة فراغا فكريا وسياسيا وامنيا واقتصاديا وثقافيا واخلاقيا .... وغير ذالك ، فهل انت مستعد كفرد وكمجتمع ان تملئ من فراغ هذا الانسحاب لاذرع الدولة ؟.

أم انك لاتستطيع ملئ فراغ هذه الدوائر التي انسحبت من ساحتها الدولة ، لتترك لك فسحة من الحرية تملئها كيفما تشاء ، وحسب قوانين حريتك المنشودة ؟.



بمعنى اخر:نعم الدولة اذا ارادت ان تترك لك ارضا كفرد وكمجتمع تتحرك فيها بحرية بدون اي وجود لشبح الدولة وغولها المقلق لحرية الفرد والجماعة ، فانها تعلم ان هذه المناطق التي ستنسحب منها من حياة الافراد والجماعة لايمكن ان تترك سياسيا او امنيا او اقتصاديا او قانونيا ...، بلا جهة تستطيع اشغال هذه المساحات ، وباعتبار انك انسان ومواطن تريد ان تعيش بحرية عن هيمنة الدولة وسلطتها البغيضة ، فانها ستسألك : هل انت تستطيع كفرد او كجماعة ان تملئوا الفراغ امنيا (مثلا)عندما تفكر الدولة بالانسحاب عن هذه الساحة لتترك لك هامشا من الحرية بحيث ان الفرد سيقوم بواجبه الامني ويبلغ السلطات عن اي خرق قانوني اوامني او اي ظاهرة بامكانهاان تعرّض حياة المواطنين ودمائهم او ممتلكاتهم ، ومن ثم حرياتهم الى الخطر ؟.

أم ان الفرد وكذاالجماعة غير مهيئة للقيام بهذه المسؤولية الثقافية والسياسية او الاقتصادية او الامنية داخل دوائر مساحات الحرية التي منحتها الدولة له ولهم ؟.



اذا كان الافراد غير مهيئين لتحمل المسؤولية بكل اصنافها السياسية والامنية والاقتصادية والقانونية فلايمكن لعاقل ان يطلب من الدولة الانسحاب من مسؤولياتها في حماية الامن ، وتطبيق القانون والمحافظة على السلم العام في منطقة الحرية داخل حياة الافراد والجماعةوهكذا الدولة لايمكن لها الانسحاب من ساحة اجتماعية بالامكان اختراقها سياسيا وامنيا واقتصاديا من قبل اعداء المجتمع اوالدولة او اي جهة خارجية او داخلية كانت وعليه ليس من حق لا الفرد، ولا الجماعة ان تشكوا من هيمنة الدولة والتدخل بشؤونها الخاصة والعامة والتضييق على حريات الافراد والوصول الى ممارسة القمع والدكتاتورية السياسية في تنظيم حياة الفرد والجماعةاذا كان الافراد غير مهيئين لهذا العمل والمسؤولية الكبيرة والقيام بها على اتم وجه ،وكل ذالك من منطلق قيام الدولة بمسؤولياتها في الحفاظ على الامن ، وتطبيق القانون وضمان حماية دماء وحياة الفرد والجماعة التي تبدأ من اوسع دائرة لتصل الى غرف نوم الافراد واساليب تفكيرهم وامالي تطلعاتهم داخل ارواحهم وبين جلودهم في هذه الحياة !!.



أما اذا كان العكس هو الموجود ، وانبرى الفرد المطالب بالحرية ، وكذا الجماعة ، التي تحاول ازاحة قبضة الدولة عن حياتها وحريتها ، بالتصدي لملئ الفراغ وشعرت الدولة ان الفرد عندما طالب الدولة بالحرية والانسحاب من دوائر حياته الشخصية ، فانه على ادراك ووعي لمسؤولياته التي ينبغي ان يقوم بهاوانه العين التي ستكون للدولة في مواجهة الاخطار السياسية او الامنية او الاقتصادية ، وانه فاهم ومدرك تماما معنى ان يكون مسؤولا بدلا من الدولة عن امن المجتمع وحياته ودمائه وحريته .... عندذاك ، ستكون الدولة مطمئنة انها عندما تنسحب من حياة افراد مواطنيها الشخصية والاجتماعية ، وتمنحهم فسحة من الساحة الحرّة ، التي يتحركون عليها فانهم سيكونون بمأمن وحصانة اجتماعية وسياسية وامنية واقتصادية من مخاطر الخارج والداخل لاعداء هذا الوطن ،بل وستضطر الدولة عندئذ للانسحاب من حياة الافراد الشخصية والاجتماعية والاشراف عليها مباشرةباعتبار ان الفرد والجماعة قد وصلواالى مرحلة من الرشد العقلي والنضج الفكري والشعور بالمسؤولية يهيئهم جميعا للاستغناء عن الاشراف المباشر للدولة وتدخلها في شؤونهم الشخصية والاجتماعية ؟!.



نعم اذا اردت ان لاتتدخل الدولة بحياتك الخاصة ،لتحسب انفاسك الصاعدة والنازلة منك وأن لايكون فوق رأس كل مواطن مخبرسري يحمل سيفا او سوطا يقرع كل من يحاول التعبير عن رأيه او التفكير بحرية وامان وأن لايكون في كل زقاق كتيبة من العسكر تفتش الخارج والداخل حسب بطاقات الهوية ، واستجواب اين ذاهب وسبب الذهاب ومتى ساعة العودة ؟، .....الخ ، أقول اذا اردت ان تكون حرّا امام سطوة الدولة هذه ، وتحجيم تدخلها في حياتك الفردية والاجتماعية ، فعليك ان تعلم وتدرك من البداية مسؤوليتك في مقابل هذه الحرية وهي :



اولا :مادمت لاترغب ان يكون للدولة تدخل في شؤونك الفردية فعليك ايضا ان توفر حمايتك الفردية بنفسك وتدرك ماهي حقوقك القانونيةوماهي واجباتك الوطنيةكي توفّراجواء التعايش السلمي والقانوني بينك وبين الافراد الاخرين ولاتضطر الدولة والحكومة للتدخل المتكرر واليومي والآني ، في حال اشتعال حرب الاعتداءات الفردية من شخص لاخر داخل المجتمع !!.



ثانيا : اذا احببت ان تشعر بانك حرٌّ وانك متمتع بعدم تدخل الدولة في حياتك الاجتماعية والفكرية ، وقررت الدولة والسلطة داخلها ان تكون تحت امر بنانك وطوع امرك والامتثال لرغبتك في جعلك حرّا فعليك ان تدرك من الجانب الاخر انك بطلبك الانعتاق عن اغلال الدولة اصبحت مسؤولا من الجانب الاخرعن الحفاظ على امنك الاجتماعي من اختراق القانون او العبث بممتلكات الدولة وارواح الناس وامنهم من حولك !!.



اي : انك اذا اخذت حق الحرية من الدولة ، فعليك تحمل مسؤولية الحفاظ على امنك من الارهاب واختراق القانون والاعتداءعلى الاملاك العامة الذي تنازلت الدولة عن مراقبته المباشرة في سبيل ضمان حريتك وعدم تدخلها بشكل سافر بحياتك الاجتماعية، لتصبح عندئذ انت المسؤول امام الدولة وأمام نفسك في حال حصول اي خرق امني ، او قانوني لم تقم بتحمل مسؤولية ابلاغ السلطات الحكومية عنه !!.



صحيح بامكان اي فرد ان يسخط على الدولة واجهزتها المتعددة ويتهمها بالتقصير والعجز اذا كان الانسان الحرُّ قد قام بمسؤوليته وساهم مع الدولة بحفظ الامن وعدم خرق القانون وابلغ اجهزة الدولة الامنية او الاقتصادية بوجود خرق يتحرك داخل المجتمع ، للقانون اوللامن، او للاقتصاد ، ولكن الدولة بعد ذالك لم تقم بواجبها ، وتبادرللتدخل وحفظ الامن والمحافظة على السلم الاجتماعي والقانوني وفي هذه الحالة من حق الفرد يسخط على الدولة ويتهمها بالاهمال ،ويطالب بالاطاحة بالحكومة لعجزهاعن القيام بوظيفة حماية المجتمع وتطبيق القانون اما غير ذالك عندما يكون الفرد غير مسؤولا ولاهو مدركا لمعنى ان يكون حرّا في مقابل الدولةويطالب بالحرية مع ذالك ، فهذه كارثة لها اول وليس لها اخر ، وعلى الدولة ان لاتمنح مثل هذا الفرد او هذه الجماعة ،اي صفة تقدير واحترام لمطالبها العبثية بالحرية ، التي تحاول اخذ حق من الدولة ، والضغط عليها للتنازل عن بعض مهامها السياسية ، او الامنية او الثقافية .... وفي المقابل لايقوم الفرد بتحمل مسؤولية ملئ الفراغ وسد الثغرة في داخل المجتمع !!.



تقريبا الكثير من العراقيين قد مارسوا الحياة الحرّة في الغرب ، وتحت نظم ديمقراطية قانونية اوربية ، ومعظمهم ادرك من خلال الممارسة اليومية ، نمطية حياة الافراد في هذه المجتمعات القانونية ، وكيف ان الافراد والجماعات في هذه المجتمعات عندما ارادت ان تعيش حرّة في كل شئ داخل دولها قامت من الجانب الاخر بمسؤوليات الدولة التي تنازلت عنها الدولة للمجتمع حسب عقد الحرية بينها وبين الافراد، بحيث ان الفرد الاوربي اصبح على قناعة بانه يريد ان يعيش حرّا ، ولكنه ادرك انه سوف لن يكون حرّا بوجود دولة ، تقوم فوق راسه ليل نهاروانه سوف لن يكون حرّا ، من الجانب الاخر ، اذا طالب الدولة بالانسحاب، عن بعض وظائفها في حماية الامن والحفاظ على القانون والسلم العام ... وتنازل هو عن مسؤوليته وضرورة ملئه للفراغ هذا ، فاصبح مقتنعا ان كل مواطن في المجتمع هو شرطيٌ للحفاظ على القانون ، وجنديا للحفاظ على الوطن ، ومخبرا سريّا للحفاظ على الامن ومحاربة الارهاب الذي يريد ان يسفك الدماء ويقتل العباد ويدمر البلاد !!.



وكم هي الامثلة ، التي تؤكد هذا المعنى من التلازم بين (( المسؤولية والحرية )) في مثل هذه المجتمعات صاحبت التجارب الجيدة في الحياة الديمقراطية بحيث ان اي فرد من افراد هذا المجتمعات تحول الى شرطي للمحافظة على القانون ورجل امن للحفاظ على ارواح الناس وصاحب الوعي لنشر ثقافة المسؤولية والحرية داخل المجتمع بحيث ان هذه المجتمعات مع انها مجتمعات فرديه وتصان بها حياة الافراد الشخصية قانونيا الا ان عين الجار على جاره واذن صاحب الدارعلى شارعه وحس صاحب الشارع على الامن في زقاقه او مدينته لرصد اي حالة خرق للقانون او مساس باملاك المال العام ، او اعتداء على الامن ، والارواح في هذه الحياة ، ليبادر كل الافراد باخطار السلطة والدولة لتقوم بوظيفتها على الفور وتحمي المجتمع وتوفر له الامن واستمرار الحرية !!.



وبهذا اصبحت هذه المجتمعات الغربية مجتمعات حرّة من جهة ومحصنة ذاتيا ،وغير قابلة للاختراق ارهابيا الا في بعض الاحيان ، الذي يكون فيها التخطيط الارهابي محكما ، مع بقاء الدولة على مسافة بعيدة جدا من حياة الافراد وحرياتهم الشخصية ، الا وقت الضرورة وطلب المجتمع لنجدتها !!.



واليوم على العراقيين في عراقهم ، مع جميع وسائل اعلامهم ، المرئية والمقروءة والمسموعة ،ان توصل رسالة الى هذا الانسان ، الذي يريد ان يكون حرّا في هذه الحياة ، إن عليه ان يدرك معادلة : ان من يريد ان يكون حرّا ومتمتعا بحريته وكرامته لابد ان يكون مسؤولا عن حماية هذه الحرية ،ومالئا للفراغ الذي فسحته الدولة له ليكون حرّا من هيمنتها من جهةويكون قائما بوظيفتها من جانب اخر في حماية الامن والاقتصاد والقانون ودماء المجتمع وحريته ، وبغير ذالك فلاطريق للامن والتقدم وحماية الدماء غير عودة دكتاتورية الدولة ، وهيمنتها المطلقة على ادارة الشأن العام لحياة الافراد والجماعة ،وعندئذ ليس من حق اي فرد ان يطالب بالحرية وهو ليس جديرا بتحمل مسؤولية ان يكون هو الدولة في كل مكان !!.



إن كل الدماء العراقية ، التي تسيل بقنابل الارهاب والبعثية في العراق اليوم، هي منتج طبيعي لمنح الدولة للحرية مساحات واسعة ، خلقت فراغا امنيا وسياسيا ،كان من المفروض على الفرد العراقي القيام بملئه وتحمل مسؤولية عدم فراغه وتركه للارهاب يعبث به كيفما شاء لكن مع الاسف لم يزل الفرد العراقي غير مدرك لمسؤولية الحرية وانه هو صاحب صناعة الامن ومناهضة الفساد ، والمحافظة على القانون وليس الدولة التي ثار من اجل انحسار سلطتها عن كاهله وتمتعه بالحرية التي يتنفسها اليوم !!.



بالقطع اذا لم ينتبه العراقيون لمسؤولياتهم تجاه امنهم ، فسيخسرون كل شئ بدءا بحريتهم اولا عندما تعود الدولة لتفرض الامن بالقوة والدكتاتورية، وفرصتهم ثانيا بان يثبتوا للدولة الغول انهم اناس جديرون بان تحترمهم الدولة وتلقي من مسؤولياتها الشئ القليل على كاهل الافراد والمجتمع ليصبحوا هم الدولة وليس غيرهم !.

______________________________



alshakerr@yahoo.com