السبت، أغسطس 31، 2013

((ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة التاسعة

((ورقة الملك فيصل الاول  لانشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة التاسعة . حميد الشاكر


ربما ووفقا لما طرحناه في المقالات السابقة من نجاح كبيرلمشروع صناعة الدولة ، وتركيب مواطنيتها الاجتماعية الصالحة  في تاريخ العراق الحديث وبجهود ملحوظة للملك فيصل الاول ، وطاقمه السياسي ، الذي شاركه هذا الانجاز  يتوهم متوهم انه وبسبب الاجواء التاريخية والسياسية والاقتصادية والسوسيولوجيا... آنذاك التي لم تكن تحمل اي عوائق واقعية نجح مشروع فيصل الاول في صناعة الدولة والمجتمع العراقي الحديث وبسلاسة وبدون ان يكون هناك اي خصوصية  وميزة لهذا الانجاز ، اذا ما قورن بتعقيدات اليوم ، وبعد ان جُرّفت الدولة ، وابيدت خضرائها من قبل توالي الانقلابات العسكرية وسياسات الهدم التي مارسها الساسة العراقيون باسمها !!.

والحقيقة ان مثل هذا التوهم الذي يحاول مصادرة جهود الملك فيصل الاول ونجاحه مع طاقمه السياسي  في صناعة الدولة العراقية الحديثة ، بالاضافة الى محاولة هذا الوهم تبرير اخفاقات الساسة العراقيون وفشلهم الذريع منذ 1958م لانقلاب الجنرال قاسم ، وحتى اليوم في اعادة انتاج الدولة او تقديم اي شيئ اضافي  لتطورها او استمراها فضلا عن بقائها ...، هذا الوهم مع الاسف يمكن وصفه ب(( اما بالمنحاز او بالجاهل )) بابسط مفردات تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاقليمي .... الحديث !!.

نعم كانت هناك (( عوامل مساعدة قوية )) نهضت بمشروع صناعة الدولة العراقية الحديثة ، لكنها عوامل  فكر وجهد ومثابرة وهمة ، وبعد نظر .... الملك فيصل الاول ، وكادره السياسي النزيه والامين وغير الفاسد والمهني والوطني.. من جهة وعوامل العجينة الاجتماعية العراقية انذاك واستعدادها لتقبل مشروع الدولة الجديدة من جانب اخر ،  هي التي جعلت من صناعة العراق الحديث شيئا ممكنا ، والا من ناحية التركيبة المعقدة ، والاشكاليات السياسية والصعوبات التي كانت قائمة ،والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تقعد بالهمم الكبيرة  متوفرة ...... وهكذا ، فكل الاشكاليات التي تضاهي ما هو موجود اليوم واكثر كانت قائمة بالفعل ، ولكن مع ذالك شيّد البناء واقيمت دعائم الدولة وصنع المجتمع الوطني  الحديث وانتجت البذرة العراقية الاتي :
اولا : دولة مؤسسات قائمة على مفهوم الحياد ، والمواطنة وتمتلك دستورا ومجلس نواب اجتماعي(( لا اريد ان اقول انتخابي لان العراقيين لم يكونوا انذاك في بداية التجربة يملكون وعي الانتخاب السياسي لذا جاءت مجالسهم النيابية في العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن العشرين انعكاس لواقعهم الاجتماعي وليس السياسي )) .

ثانيا : بناء دائرة او حقل سياسي مهني كفوءة استطاع بناء الحياة السياسية العراقية بشكل لم يكن موجودا نظيره في المنطقة  والاقليم العراقي الحديث بحيث ان الملكية العراقية كانت اقرب الى الدستورية الديمقراطية  منها الى ملكية الشاه الدكتاتورية الايرانية ، او جمهورية الترك الشوفينية الاتاتوركية المستبدة اوملكية ال سعود القبلية الجاهلية التي كانت محيطة بالعراق انذاك !.

ثالثا : صناعة مجتمع واخراجه من همجية القبلية المتشتة والاقطاع المدمر الى حيز المجتمع  الذي ينمو بشكل طبيعي ليكون مجتمع المدينة والصناعة والعلم والقانون بدلا من مجتمع القبيلة والعشيرة والاقطاع الامي والمتخلف والركيك !.

رابعا : بناء وصناعة حقل او تياراجتماعي من المفكرين والفنانين والادباء والشعراء والموهوبين .... الذي لم يزل جميع العراقيين يتغنون بعبقرياتهم حتى اليوم وصناعة هذه النخبة الفكرية بدورها  لعراق فاق الوطن العربي بمعظمه بعباقرته ومفكريه وادبائه وفنانينيه ... ولا يوجد لدينا اسم مفكر او مؤرخ او اديب او عالم اجتماع او فقيه او فيلسوف ...الخ(( من جواد علي الى مصطفى جواد ، الى محمد باقر الصدر ، الى عبد الرزاق الحسني الى .....الخ   )) ، الا وكان منتجا طبيعيا للحقبة الملكية التي ساهمت بصناعة ودعم هؤلاء العباقرة حتى اوصلتهم من خلال تخطيطها التعليمي ، ودعمها اللامحدود لايفاد هؤلاء العباقرة على نفقة الدولة لاكمال دراساتهم العليا في خارج العراق ... الى ان وصلوا الى ماهم عليه  !!.

هذه هي بعض ثمرات الحقبة الملكية التي اسس لها المغفور له الملك فيصل الاول رحمه الله من خلال تخطيط واعي ، ووطنية عراقية مخلصة ومهنية وادراك سياسي نضالي كبير !!.
اما المعوقات التي من حق قارئنا علينا ان يعرفها قبل ان نطوي هذه المقالة ليكون على اطلاع ، على مدى صعوبة ((المنجز الفيصلي الاول)) وكادره السياسي الوطني العراقي انذاك والظروف التي احاطت به ، فيكفي هنا الى ان نشير الى :
ان ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية نفسها (موضوع بحثنا ) هي التي اشارت الى بعض الصعوبات والاشكاليات الكبيرةالتي كان العراق الفيصلي في نضال معها من اجل صناعة العراق الحديث ، فهناك مثلا :
اولا : الاشكالات الاقليمية .
ويكفي هنا ان نشير الى مطالبة تركيا بالموصل ، وتهديدها المستمر للعراق بالحرب ، وميل الاكراد في شمال العراق للالتحاق بتركية بدلا عن العراق وغارات ال سعود  الوهابيين  على جنوب العراق ، وتهديد امن المواطنين العراقيين واطماع ايران الشاهنشاهية بشط العرب وجنوب العراق ومشاكل العشائر الغربية مع سوريا وعشائرها ...الخ فكل هذه كانت اشكالات قائمة في الاقليم العراقي ،  وقد عالجتها الدولة العراقية بكل مفاصلها ومؤسساتها السياسية / انظر عبد الرزاق الحسني / الاجزاء الاول والثاني من / تاريخ الوزارات العراقية / مكتبة اليقظة العربية / 1402ه 1982م ))!.
ثانيا : المشاكل الدولية .
الاحتلال البريطاني للعراق وصراع بريطانيامع العراق من اجل استحصال الانتداب لخمس وعشرين سنة ،وضغط العراقيين ومجلس نوابهم واحزابهم السياسية وامتناع سياسييهم بالتعاون مع الدولة لابرام هذه الاتفاقية وابتزاز بريطانيا للعراق بقضية الموصل والتهديد بالتنازل بهها الى تركية ...الخ .
ثالثا : الاشكالات الداخلية .
بناء الدولة ومؤسساتها ، ضعف الاقتصاد العراقي وتهشيم بنيته الاجتماعية عدم وجودجيش للعراق ومعارضة بريطانيا لاقرار قانون الخدمة العسكرية الالزامية وعدم وجود قوى امن فاعلة انقلابات العسكر الدائمية وانتفاضات القبائل العشائرية المستمرة ،ومؤامرات الاحزاب الفوضوية وتمردات الكرد وعصياناتهم المستمرة  عدم وجود بنية عمرانية او وجود طرق مواصلات معبدة لتماسك البلد العراقي جغرافيا ....الخ .
هذه (حقيقة) بعض المعوقات  والصعوبات التي كانت تقض مضجع العراق الحديث بتركيبته السياسية الفيصليةالاولى وهي معوقات ترتقي الى مستوى الكوارث السياسية ، التي كانت تحيط بالعراق انذاك من كل جهة  ومن كل صوب ومن  الخارج والداخل ، ولكن مع ذالك استطاع الملك فيصل الاول رحمه الله  ومن خلال حنكة ، ودراية سياسية وتخطيط وتصميم على البناء وبمساندة ثلة من السياسيين الوطنيين ، والمخلصين والنزيهين العراقيين ان يبنوا العراق ، دولةٍ ومؤسساتٍ وبنى عمرانية وسوسيولجية وفكرية وعلمية وفنية واقتصادية ودولية واقليمية ...... الخ !!.
اذاً ارادة البناء وعزم الكبار وتضحية الرجال ، واخلاص المخلصين وامانة الشرفاء ... هي التي استطاعت ان تصنع عراقا حديثا بفترة عقد او عقدين من الزمان ليصبح هذا البناء فيما بعد وحتى اليوم عصيا على تدمير عقود من الهمجية السياسية العراقية العسكرتارية ، وغير العسكرية  التي لم تكن تمتهن مهنة اوتعرف مهنة غير مهنة الهدم والفساد والنهب والظلم والتدمير لهذا العراق الحديث !!.

      مدونتي

الأربعاء، أغسطس 21، 2013

((ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة الثامنة . حميد الشاكر

((ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة الثامنة  . حميد الشاكر


رابعا : صناعة مفهوم المواطنة .

قبل الحديث حول  مفهوم المواطنة في الفكرالسياسي ،  للملك فيصل الاول رحمه الله  والكيفية ، التي استطاع  فيها (( صناعة )) هذه الموطنية داخل الاجتماع العراقي الحديث لابد علينا ان لا نهمل البحث في (الخلفيات) التي دفعت فيصل ليلاء مفهوم المواطنة وصناعتها داخل المجتمعية العراقية هذا الاهتمام العميق في فكره السياسي ،والسوسيولوجي وذالك لنتمكن من خلال بحث هذه الخلفيات ادراك ماهية هذه المواطنة التي ناضل من اجلها فيصل لاول بوضوح من جهة ، وفهم نوعية هذه المواطنة من جانب آخر   !!.

اي ينبغي علينا ، قبل البحث في ورقة الملك فيصل الاول ، وما ذكرته من مفاهيم سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية ...... تتعلق بالعراق واهله ومن ضمنها مفهوم ( المواطنة ) ان نثير راجعين ( خطوة ) في تاريخ هذه المجتمعية العراقية المحاور التالية  :

اولا : لماذا لم يكن هناك (( منظومة فكرية سوسيولوجية سياسية )) عراقية تتمحور حول مفهوم المواطنة (آنذاك) لتهيئ لهذا الاجتماع العراقي المتنوع انسيابية الانخراط بمشروع الدولة الحديثة ، التي وضع لبناتها الملك فيصل الاول في تاريخ هذا الوطن المعاصر   ؟.
بمعنى اوضح ماهوسبب غياب(الفكرة الوطنية الجامعة) التي افتقدها فيصل الاول داخل المجتمعية العراقية عندماكان بصدد اقامة وبناء الدولة العراقية الحديثة في 1921م ، 1933م ؟.
وهل كانت اسباب ذالك هي ( خلل) في التركيبة الوطنية لاخلاقية الاجتماع العراقي المتشرذمة والمنقسمة والمتمترسة خلف عناوينها الطائفية  والدينية والاثنية والقومية .... الخ  فحسب ؟.
أم ان الاسباب(( التي وعاها فيصل الاول تماما )) كانت هي اسباب طبيعية وتاريخية وواقعية ولاعلاقة لها بالتركيبة الاخلاقية والسياسية لهذا الاجتماع العراقي الحديث الخارج تواً من محرقة الهيمنة العثمانية المبادة ؟. 

ثانيا : ماهي عينة مفهوم هذه المواطنة التي كان فيصل يراها اللبنة الاساس لمشروع الدولة العراقية الحديثة التي لايمكن ان تقوم بدونها ؟.
وهل هي ((المواطنة السياسية)) التي تكون من اهم مفردات مركبات الدولة الحديثة وصناعتها ؟.
أم انها ((المواطنة الاخلاقية الفطرية )) التي تولد مع الانسان وداخل صميم روحه ، ووجوده  ومهما اختلفت جغرافيته او ميوله الدينية ، او القومية او الايدلوجية الطبقية ... الخ  ؟.
    
 في البدء جاء فيصل الاول للعراق ، متوجا ملكا على هذا البلد في 1921م والعراق ، والعراقيون خارجون للتو من حكم عثماني دام ، لقرون متطاولة / من 1534م الى 1918م احتلال بريطانيا للعراق / تحكمهم فيه (( مفاهيم سياسية ودينية وقبلية تقليدية )) كانت منتجا طبيعيا لصورة (( حكم الخلافة الاسلامية)) التقليدي التاريخي الذي ورثه العثمانيون منذاكثرمن اربع عشر قرنا من تاريخ الحكم العربي والاسلامي ، والذي هو عبارة  عن حكومات السلط العائلية ، التي يكون فيها نوع الحكم وراثيا عائليا صوريا متكئا على منصة الدين ( الطائفية المذهبية ) ليتخذ منها منطلقا لشرعيته السياسية !!.
وهذا النوع من الحكم هو الذي استمر ، لقرون متتالية  مهيمنا على العراق والعراقيين ، وصانعا لهم جميع ظواهر تنوعاتهم الدينية والطائفية والقومية والاخلاقية والنفسية ....الخ الاجتماعية !!.
والحقيقة ان هذه الحقب التاريخية العثمانية المتوالية وبكل ما زخرت به من تنوعات وضغوطات سياسية فكرية واخلاقية واجتماعية مترادمة ومتراكمة هي التي خلقت او صنعت او انتجت... (( ابّان سقوط الخلافة العثمانية في العراق ومجيئ الاحتلال البريطاني لهذا البلد ، وتتويج الملك فيصل الاول ملكا على العراق واهله)) معظم ظواهرالاجتماع العراقية الفكرية من خلال التخلف والجهل وسيطرة الخرافة الدينية ...  والسياسية من خلال الانغلاق والقهر وما يولده من ظواهر التقيه والخوف الشديد ، والمداهنة والختل من السلطة والريبة في نواياها وبغضها والحقد عليها .... وهكذا باقي الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والفردية ... الخ !!.
وكل هذه النوعية من الظواهرالاجتماعية العراقية (التي اجمع كل من تناول بالدراسة المجتمعية العراقية وظواهرها في العصرالحديث على انها) كانت منتجا طبيعيا لتاريخية الحقب المظلمة من حكم العثمانيين الاسود ، للعراق والذي لم يترك شيئا للمجتمعية العراقية متماسكا  او لم يعبث به تحت وطأة سياسات كانت ترى في وحدة العراقيين وتماسكهم ،او شعورهم بعربيتهم او تطلعهم للحياة بكرامة اوتوادهم وتراحمهم او .... خطرا داهما على سيطرة وهيمنة المستعمرالعثماني انذاك ، والذي قسّم هذه المجتمعية العراقية بشكل متداعي لتراتبية ((المواطن من الدرجة الاولى))  وهذا هو الذي كان منتميا لمذهب السلطة العثمانية السياسي ، والمنسلخ  تماما حتى عن عراقيته ، ثم المواطن من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة ..... وهكذا حتى نجد ان باقي مكونات الاجتماع العراقي ، وتنوعاتها الدينية المذهبية  والقومية ، والاثنية (( في زمن الهيمنة العثمانية))  ك مسيحيي ويهود وشيعة وصابئة وايزيدي ...... العراق كانت تنتمي سياسيا فعليا الى مراتب متدنية جدا من التراتبية الاجتماعية الانسانية في العراق الخاضع للحكم العثماني انذاك  !!.
وفي هذه الاجواء الفكرية العراقية وتحت هذه الانماط الاجتماعية والسياسية التي كان يعيش فيها العراق والعراقيون  سقطت ((خلافة ال عثمان)) بفعل اختلال في التوازنات الدولية الحديثة لصالح العالم الغربي الذي جاء ممتطيا صهوة العلم والتكنلوجيا والفكر السياسي الحديث ، ليدحر من خلالها خلافة الرجل العثماني المريض الذي كان لم يزل ميتا على بقايا  القرون الوسطى وبكل ادواتها التي اصبحت خارج العصر والتاريخ والحياة  ولتشرق من ثم شمس العراقيين الحديثة على حكم ملك عربي ، يتوج عليهم بعد اخذ رايهم اسمه فيصل ابن الحسين  !.
ملك يؤمن بالاسلام  كدين ، وبشكل معتقدي فطري ، منفتح بسيط من جهة وينتمي لفكر سياسي غربي حديث ،  يدرك ماهية التغيرات العالمية الجديدة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ...، ويمتلك رؤية حداثوية عن صناعة الدولة ، ومفهوم الادارة فيها ويعي بوضوح (( اختلاف مفاهيم هذه الدولة  التي صنعها العصر الصناعي الحديث عن مفاهيم الخلافة والامارة وملك العصبية والقبيلة التي كان يتحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وغيره في التاريخ العربي والاسلامي ))  من جانب اخر !!.
نعم هذا ما يميزحتى اليوم فكر فيصل الاول السياسي عن غيره ممن حكموا العراق بعده او حكموا العالم العربي والاسلامي في العصر الحديث ، فحكم فيصل كان يهدف لبناء دولة حديثة تنتمي بمفاهيمهالعصرالصناعة اوعصر الانسان ما بعد الصناعة والتطور ، بينما غيره كان يحكم ، ولم يزل بعقلية فكر العصبية والدولة  او بعقلية فكر السلطة والحزب او بعقلية فكر الخلافة والامارة والطائفة اوالمذهب المنتمي بطبيعته لعصور خلت وانتهت ادواتها ومتطلباتها التاريخية والمعاصرة  !!.
ولهذا كان طرح فيصل السياسي في بناء مشروع الدولة الحديثة ، وصناعة مواطنتها ثقيلا جدا ليس على العراقيين فحسب وانما على المنطقة والعرب والمسلمين الذين رزحوا تحت حكم العثمنة انذاك فلم يكن العظيم من العرب والمسلمين فضلا عن العراقيين يمتلكون من فكر الدولة الحديثة  وصناعتها (( وربما حتى اليوم )) او من فكرة المواطنة السياسية كاحدى مفردات هذه الدولة الضرورية اي رصيد يرتقي بمفاهيمهم لادراك هذه الدولة سواء كان رصيدا تراثيا سياسيا فكريا اواجتماعيا يتمكنوا من الاستناد عليه لفهم ماهي هذه الدولة الحديثة ؟،  وكيف انها تنتمي لعصر الصناعة فقط ؟، وماهي او لماذا تبنى على المواطنة وليس على الدين اوالعصبية او المذهب او القومية او الطبقة او ....الخ ؟ !!.   
اي وبمعنى اخر ان مفهوم الدولة الحديثة (المصنعة باذرع الفكر والمصانع الغربية الحديثة) ، والتي كان يؤمن فيصل الاول بمشروعها كان ثقيلا على العراقيين بكل مفرداته ومركباته الفكرية وبما في ذالك مفهوم ((المواطنة)) داخله ، لانه كان مشروعا جديدا وغريبا بكل مفاصله واحداثياته على عالم عراقي فكري عقدي وسوسيولوجي لايمتلك من المفردات الفكرية السياسية ومفاهيمها الا مفردات سياسية ودينية منتمية بطبيعتها لعالم تاريخي منفصل تماما عن عالم مفردات ، ومفاهيم الدولة الحديثة ، ولهذا عندما بشر فيصل الاول بمشروع الدولة عراقيا في العصر الحديث ، كانت الهواجس العراقية الاجتماعية والدينية والقبلية التقليدية ...... قلقة من هذا المشروع السياسي الجديد ، والذي يطرح مفاهيما تطرق اسماع العراقيين للمرة الاولى !!.
فدولة المؤسسات ،  والرعاية التربوية (( بناء المدارس الحكومية )) ودولة المواطنة ، التي تتعامل مع رعاياها على اساس مواطنيتها (( لا قبليته  ولا طائفيته ولا منزلته الدينية)) لاغير ومهما تنوعت مكوناتها ودولة التوظيف والقانون ودولة الاحصاء والتجنيس ودولة ....... الخ كلها اثارت هواجس متنوعة لمختلف شرائح وتنوعات الاجتماع العراقية الحديثة  دينية كانت او قبلية ، او طبقية او اثنية او قومية ..... او غير ذالك ، حتى وصلت بعض الهواجس للتعبيرعن ذاتها اجتماعيا ودينياوسياسيا واخلاقيا برفض مشروع  الدولة الحديثة وكل ماتقدمه من خدمات تربوية من خلال عملية تجريم كل من يدخل مدارسها او يمارس الوظيفة بداخلها او يتقاضى راتبا من خزائنها او ... الى غير ذالك !!.
وطبعا هذه الظواهر الاجتماعية العراقية ،  التي كانت منقبضة من مشروع الدولة الحديثة في العراق الذي بشر به الملك فيصل الاول ،  وارسى لبناته الاولى داخل هذه المجتمعيةكان بحاجة ل(دورة اجتماعية تدريبية وتعليمية) مكثفة ومجتهدة ، يقوم بها رجال دولة ، يمتلكون مشروعا وروحا اصلاحية سياسية واجتماعية حديثة تناضل على عدة محاور من اهمها :
اولا : محور ارساء قواعد هذه الدولة الحديثة ، والصراع  من اجل قيامها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا .... !!.
ثانيا : محورتبيين مفردات هذه الدولةومفاهيمها الحديثة ك(مفهوم المواطنة) وشرح لماذية ضرورة توفر هذا المفهوم اجتماعيا  وسياسيا لنجاح مشروع هذه الدولة ، وارتباط شرعيتها السياسية بذالك ؟ ، وماهية العقد الاجتماعي القائم بين الدولة والشعب ....الخ ؟!!.
على صعيد المحور الاول ، كان فيصل واضحا ومن خلال ورقته السياسية وعمله الدؤوب لبناء وقيام الدولة ،انه ليس له في حياته السياسية التي بدأها في العراق الا ارساء قواعد هذه الدولة ، والعناية بمشروعها والحفاظ عليه حتى من انصاره المندفعين وقادته اللذين ارادوا سرعة قيام مشروع الدولة الحديثة حتى ولو كان باساليب القوة والعنف السياسية !!.
نلمس ذالك من خلال وصية فيصل الاول لقادة مشروع بناء الدولة العراقية الحديثة بان عليهم ان لايكونوا ضحايا الاندفاع والحماس فحسب لقيام الدولة الحديثة ، وان عليهم ان يرعوا ملابسات ووضع الاجتماع العراقي واحترام رغبات ومعتقدات هذا الشعب التقليدية المتحجرة  ، التي ربما تتعارض مع بعض مفردات هذا المشروع التجديدي ، وايصائهم ايضا بعدم التعرض لها بقوةوعنف من اجل الاصلاح  وان عليهم ان يمارسوا النشاط والسرعة من جهة في بناء المشروع والحكمة والتدبير والصبر من جانب اخر !!.
يذكر ف6يصل الاول بهذا الصدد :
(ان شبان العراق القائمين بالحكومة وعلى راسهم قسم عظيم من المسؤولين يقولون بوجوب عدم الالتفات الى الافكار واراء المتعصبين وارباب الافكار القديمة ، لانهم  جبلوا على تفكير يرجع عهده الى عصور خوت ، يقولون بوجوب سوق البلاد الى الامام  بدون التفات الى اي راي كان ، والوصول بالامة الى مستواها اللائق  ، وبالاعراض عن القال ، والقيل طالما القانون والنظام والقوة بيد الحكومة ترغم الجميع على اتباع  ماتمليه عليهم .!! / 2 من مقدمة الورقة ) .
ثم يعقب فيصل الاول على هذا الاندفاع الايجابي لشباب بناءمشروع الدولة الحديثة في العراق قائلا :
( ان عدم المبالاة بالراي بتاتا مهما كان حقيرا خطيئة لاتغتفر ، ولو ان بيد الحكومة القوة الظاهرة التي تمكنها من تسيير الشعب رغم ارادته (السلبية ) لكنت واياهم. وعليه لحين ما نحصل على هذه القوة علينا ان نسير بطريقة تجعل الامة مرتاحة نوعا ما بعدم مخالفة تقاليدها كي تعطف على حكومتها في النوائب . ...... هذا النقص ( في عدة الدولة وعتادها ) يجعلني اتبصر وادقق وادعوا انصاررجال الدولة ومديري دفة البلاد للتعقل وعدم المغامرة ... / بتصرف من مقدمة الورقة ) !!.
والحق ان في هذه المقطوعة فقط من ورقة الملك فيصل الاول مايدلل على فلسفة سياسية حكيمة يقل نظيرها في التاريخ وحتى اليوم ،لاسيما في تاريخ العراق القديم والحديث !!.
فنحن امام رجل دولة (اصلاحي تجديدي حداثوي ) بكل معنى الكلمة ، لكنه الرجل الذي يمتلك (( حكمة الشيوخ ، وروح الشباب ، ورافة ورحمة الاباء بابنائهم )) وليس هو رجل الانفعال ، والعصبية  والثورية الزائفة ، وادعاء الاصلاح والابوية !!.
بل هو حقيقة الحكمة التي ترى (( ان عدم المبالاة بالراي بتاتا ، ومهما كان حقيرا خطيئة لاتغتفر )) في عالم سياسته الحكيمة ، وحقيقة الاصلاح التي ترى بان مشروع الدولة يمتلك الحق المطلق في تطوير البلاد والعباد ولكن بالرافة والرحمة بهذا الشعب كي يبادل الدولة العطف والانفتاح والايجابية في بناء مشروع الدولة .... وهكذا !!.
هذا هوعمل الملك فيصل الاول رحمه الله ،  او بعض عمله في محور بناء الدولة ومشروعها وكيفية المحافظة عليه حتى من انصاره قبل معانديه !!.
اما في المحور الثاني التعليمي والتدريبي التدبيري ، وخصوصا فيما يتعلق بمفهوم (( المواطنة )) وكيفية بناء وبذر نواتها داخل الاجتماع العراقي ؟!.
فللملك فيصل رؤيته السياسية العميقة في ذالك ، لاسيما تلك الرؤية التي تدرك تماما ماهية العلاقة بين (( المواطنة )) كمفهوم ، والدولة الحديثة كمشروع !.
طبعا الملك فيصل الاول عندما اشار  لغياب مفهوم (( المواطنة الجامعة )) في الفكر السوسيولوجي العراقي ، وطفوا باقي المفاهيم التاريخية والتقليدية والقبلية (( التي تفتت وتقسّم المجتمع اكثر مما توحده وتصنع كيانه )) على ذهن ومخيلة هذا الاجتماع العراقي ، هو لم  يكن في وارد الحديث عن (( مواطنة فطرية او اخلاقية )) فمثل هذه المفاهيم لاتصنع صناعة سياسية بل هي تولد مع الانسان وفطرته اي كان هذا الانسان واي كان انتماءه فالبلدان محببة الى ساكنيها والوالدين على ترابها مهماكانت ميولهم ولا يوجد تقريبا في العالم البشري من لا  يحب وطنه ، فليس هناك مشكلة عقدية او سياسية او ايدلوجية او طبقية او قبلية عصبوية ...... بين الانسان ووطنه كي نتهم الناس او ندعوهم الى حب اوطانهم اوالدفاع عنها او نطلب منهم ان يجعلوا حب الوطن (( بالضرورة)) في تناقض مع حبهم لعقائدهم اوايدلوجياتهم او عصبياتهم او مصالحهم الشخصية !!.
بل ما دعى اليه فيصل الاول من مفهوم (للمواطنة) ، وطلب من قادة دولته القيام والسهرعلى بنائه اجتماعيا عراقيا هو ذالك المفهوم (المصنع سياسيا) في ادبيات مشروع الدولةالحديثة التي تقوم على عقدسياسي بموجبه ينخرط المجتمع كمواطنين سواسية تحت اطار الدولة ، وعلى الدولة  ان تنظر لهم وتتعامل معهم سياسيا ايضا ، على انهم من مرتبة واحدة في العدل والقانون والمساواة !!.
اي ان العلاقة هنا : (ليس علاقة المجتمع بوطنه في الفكر السياسي الحديث وانما هي علاقة بين الدولة كهيئة مصنعة اجتماعيا ،وبين مواطنيها لاغير) والخلل (في هذه المواطنة)  امر سياسي ينتج من عدم قيام الدولة بوضائفها فيكفرالمجتمع بمفهوم المواطنة الذي اسبغ عليهاالشرعية السياسية في عملها وقيادتها للمجتمع !.
ولهذا ( ، وحتى في المجتمعات الغربية اليوم ،  التي انتمت لمشروع الدولة الحديثة ) لايمكن ان تسمى اي دولة بالحديثة اذا لم يكن مفهوم (( المواطنة السياسية )) قائما فيها بين المجتمع والدولة !!.
نعم بغير مفهوم ((المواطنة السياسية)) التي تصنعه الدولة ورجالها صناعة في المجتمع لايمكن بناء دولة قائمة على روح العصرالذي بحث عن فلسفة (( توحيد المجتمع )) ، فلم يجد مفهوما سياسيا ارقى من مفهوم (( المواطنة السياسية )) الذي يضمن للاوطان  ان تقوم وتتحد وتتوافق فيما بينها لعيش ( سياسي مشترك ) قائم على المفاهيم السياسية اكثر من قيامه على المفاهيم الايدلوجية او القبلية العصبية او الطبقية او ... غير ذالك !.
وبالمناسبة فهذا المفهوم السياسي للمواطنة ( من وجهة نظري ) لايتعارض ابدا مع باقي المفاهيم الدينية او الايدلوجية او الطبيقية او القبلية او ... التي يؤمن بها الانسان ويمارسها في حياته الاجتماعية ، وليس بالضرورة مطلقا اذا ابتعدنا عن الفكر الجاهلي المنغلق ، ونوازع التطرف الغير واعية فكريا ان يتنازل الانسان عن معتقداته وايمانه وممارساته الاجتماعية .. في سبيل ان يكون مواطنا جيدا في مفاهيم الدولة الحديثة ، فالمواطنة   المساهمة في بناء الدولة الحديثة لها حيزها وميدانها وعلاقتها بين الدولة والمجتمع وباقي ميادين الانسان الفكرية ، والاجتماعية لها ميدان منفصل عن صناعة مفهوم المواطنة السياسي !!.
نعم من الكفر بمفهوم الدولة الحديثة ان يمارس موظف الدولة وظيفته داخل الدولة بعقلية الدين او الايدلوجيا او الطائفة او القبلية ...الخ  ، كما انه من الكفر بالمواطنة ومفهوم الدولة الحديثة ان يقود الدولة من هو مؤمن بادارة الطائفة ،  او القومية او العصبية على الايمان بادارة الدولة بعقلية المواطنة وهذا هوبيت القصيدالذي ادركه فيصل الاول وغاب عن كل من قاد العراق ودولته حتى الان بعد فيصل !.

مدونتي فيها باقي مقالاتنا
                            

الاثنين، أغسطس 19، 2013

(( داخلية مبارك وقرارات السيسي : يحولان ثورة مصر لمسلخ تصفية حسابات تاريخية ))

(( داخلية مبارك وقرارات السيسي :  يحولان ثورة مصر لمسلخ تصفية حسابات تاريخية )) حميد الشاكر


في زمن الفتن ( مع الاسف) تتقدم لغة ورجال العنف والكراهية على لغة ورجال وقادة  العقل والحكمة والتوازن وعندما تتقدم لغة الاحقاد بدلا من لغة العدل ، والحكمة يتراجع  بطبيعة الحال التفكير المتزن وعقلية الدولة لتخلي مكانها للغة الانتحار والعصبية وعقلية المؤامرة والفوضى   !.
لاريب ان الشعب المصري ، قام بثورة على حكم الاخوان المسلمين تحت وطأة مبررات نبيلة  واخلاقية مئة بالمئة ، وكان الاسلوب السلمي للثورة بالاضافة الى الاخطاء الكارثية ، لحكم الاخوان المسلمين  نهرين صافيين لاستقطاب الدعم الدولي والاقليمي الجماهيري العربي لمشروعية ، ودعم هذه الثورة المصرية  التي جددت ذاتها لتعلن رفضها للهمجية والظلامية والتكفيروالاصولية الفاشستية كما اعلنت رفضها على الفرعونية الفاسدة والمستبدة لحكم مبارك المباد من قبل   !!.
لكن وعلى حين غرّة  بعد انتصار هذه الثورة الشعبية الهائلة بدأت هناك بروزنتوءات غيرايجابيةعلى وجه الثورةالمصرية السلمية تتجلى بخطاب الكراهية  وهي تطفوا على سطح الخطاب السياسي  والاعلامي المصري بفعل رجوع (ملثم) لانصار الرئيس المصري المخلوح حسني مبارك الذي وجد الفرصة امامه سانحة ، لتصفية (حسابه التاريخي) مع دور الاخوان المسلمين ، الذي ساهم من وجهة نظر انصار (الدولة العميقة)  في مصر باسقاطهم في الخامس والعشرين من ينايرسنة 2011م  !!.
كان اعتصام رابعة العدوية  للاخوان المسلمين ، ومطالبتهم  بعودة لبنهم المسكوب في الحكم شيئا خرافيا  وليس له اي رصيد من التحقق الواقعي ولا يشكل في حقيقته اي خطر على الثورة ، وحكومتها الانتقالية الجديدة التي يدعمها اكثر من ثلاثين مليون نسمة نزلوا دعما لها ولمشروعيتها الداخلية والاقليمية والدوالية !!.
والحقيقة كانت الرؤية الحكيمة ، والثاقبة والمتوازنة ، التي طرحها نائب الرئيس المصري محمد البرادعي ، لحلحلة مشكلة الاعتصامات الاخوانية ذاهبة في هذا الاتجاه ، من التعامل السياسي مع معتصمي رابعة العدوية من انصارالرئيس الاخواني المخلوع مرسي وهي رؤية لاشك انها تصدر من رجل دولة يحاول ان يبني لمستقبل مصر ،وشعبها اكثر منها محاولة لأستحضار الماضي والمناداة بثآراته البغيضة  وصناعة حروب لامنتصر فيها ابدا !!.
اطيح ( مع الاسف ) براي حكيم مصر ((الدكتور محمد البرادعي)) لتتقدم عليه لغة العسكري والامني اللاسياسي الذي كان ولم يزل سببا لاكثر من كارثة في تاريخ مصر الحديث  !!.
كانت الخطوة الانفعالية واللامتزنة الاولى لعسكر مصر ، والتي تعتبر هي اول راس فأس يضرب جسد ونقاء الثورة المصرية الشعبية  عندما دعت قيادة هذا الجيش لنزول الشعب المصري لدعم (( محاربة الارهاب )) كما زعمه خطاب الجيش المصري ، ولا اعلم حقيقة كيف جرأت هذه القيادة العسكرية على صناعة (سابقة سياسية) لم يسبقهم اليها احد من العالمين وهو : (( طلب الشرعية لممارسة القتل العشوائي ، تحت ذريعة مناهضة الارهاب )) !!.
نعم ندرك ان تطلب الشرعية الجماهيرية سياسيا  للاطاحة بحكم فاسد او لتبديل دستور في دولة ما  او لانشاء مشروع له علاقة بسيادة  ومصير الشعب او  ...فكل هذا يمكن الطلب فيه من الشعب ان يصنع استفتاءا او يقوم بتفويض سياسي للدولة او ان يناصر ثورة للاطاحة بحكم ظالم !!.
اما ان يطلب من شعب ، كالشعب المصري  ان يخرج في عملية استفتاء جماهيرية و( يستغفل بهذه الطريقة من صناعة الفتن) لادارة ماكنة القتل لمعتصمين لايمتلكون سوى الصراخ والعويل ؟.
فهذا شيئ ، لم نسمع به ، ولم نطلع على الاقدام عليه من قبلُ في ادبيات العالم السياسية القديمة اوالحديثة باستثناءطبعا اساليب الطغاة والجرمين  المخادعةالتي لاتطلب من الشرعية الجماهيرية غيرالتسلط والقتل وسفك الدماء والهيمنة !!.
وهذا في الحقيقة كان اول مؤشريدلل على الانقلاب على الثورة المصرية ومكتسباتها قبل ان يدلل على هستيريا عسكرية لم تعد قادرة على التفكير السياسي المتوازن ، الذي يضمن للشعب المصري الاستقرار والنجاة من الفتن في زمن (( ندرك جميعا )) انه واقع تحت ادارة عتاة قادة الفتن في المنطقةالبترولية الخليجية خدمة لمشروع تمزيق المنطقة وتدميرشعوبها والى الابد !!.
لاريب عندي(( كما كتبته من قبل )) ان حكم الاخوان المسلمين وادارتهم للدولة المصريةكان من اسوأ انواع الحكومات التي حكمت مصرفي القديم من الزمان وفي الحديث منه كما انه لاريب عندي  ان الاخوان المسلمين بعد فشلهم الذريع في الحكم واسقاط  الشعب المصري ، (( وليس الجيش وانقلاباته اللاشرعية)) لتجربتهم اللاسلامية قدوجهت اليهم ضربة لايمكن ان يقوموا منها ، لمئة سنة قادمة ،  الا ان يتمكنوا من جديد بادارة خلط الاوراق  وقلب الطاولة على راس الشعب المصري  ليمتهنوا (( الاخوان وانصارهم من السلفية التكفيرية ))  دور المظلوم بدلا من الظالم ، ودور صاحب الشرعية بدلا من الفاقد لها  !!.
وبالفعل كنت انتظر ان يبقى الاخوان بمخطط اعتصاماتهم (الصوتية ) في رابعة العدوية وغيرها من الميادين المصرية على امل ان يمارس الجيش المصري (  كعادته ) اخطاءه الكارثية في تاريخ مصر الحديث ، منذ حكم جمال عبد الناصروحتى اليوم لينجر الى معركة داخلية تافهة وعبثية تعيد للاخوان غالبية شعبيتهم  وشرعيتهم الدولية والاقليمية ، وحتى الداخلية المصرية ، التي فقدوها من خلال ثورة الشعب المصري عليها !.
وبالفعل وقع ما خطط له الاخوان المسلمين ، والسلفية التكفيرية بالضبط من خلال غباءالقرارات العسكرية المصرية المشهورة في تاريخ هذا البلد ليفض اعتصام رابعة العدوية وباقي الاعتصامات الاخوانية في مصر من خلال حمامات دم ومسالخ بشرية لايمكن للعصر البشري الحديث ان يقبل بها ابدا او ان يمارس ربعها على حيوانات سائبة في الشوارع فضلا عن ارواح رجال ونساء واطفال وعجائز وعوائل .... كانت متواجدة في هذه الساحات لاتمتلك غير الاصوات وبعض الصلوات وباقي طقوس العاجزين لاغير !!.
وماهي الا وصول صور المذابح  لوسائل الاعلام العالمية ، واذا بالمزاج العالمي السياسي يتغير راس على عقب وتصدر الادانات البشرية من كل حدب ، وصوب ضد ممارسات الجيش ، ويجتمع مجلس الامن ليدين هذه المجازرالتي قامت بها بالفعل داخلية مبارك وبلطجيتهاالمأجورين لتصفية حساباتها الانتقامية مع الاخوان المسلمين ، وانصارهم ولتورط من خلال هذه المذابح المروعة الجيش المصري ولتمرغ فيما بعد ذالك  صورة هذا الجيش وسمعته  وكذا لتنحر سمعة ثورة الشعب المصري ونقائها بافضع مستنقع آسن في تاريخ هذاالبلد !!.  
ان ما يقلق الان حقا هو، ليس فقد الثورة الشعبية المصرية كرامتها امام العالم لتتحول الى ثورة حقد وانتقام بعد ما كانت ثورة حياة وبنء ومحبة !!.
وليس ما يقلق الان سمعة الجيش المصري الذي تلاعب به قرار لايصدر الا من اناس غابت عنهم الحكمة ، والتدبير في ازمة لايخلّص مصر منها غيرالحكمة والتدبير !!.
كما انه : ليس ما يقلق الآن انتصار المخطط التكفيري ، والاخواني الذي استعاد الكثير من صورة شرعيته المتهرئة من خلال جهل قيادة عسكرية تدخل قرارها بالشؤون السياسية ليدمركل شيئ وليعيد للفاشست الظلامي  التكفيري زمام المبادرة وينعش حياتها وروحها التي ازهقت بفعل الثورة الشعبية المصرية السلمية  !!.
بل ما يقلق الان حقا هودخول مصر بشعبها في دوامة فوضى لايمكن لها ان تتوقف بعد اليوم ، ولن يستطيع لا السيسي ، ولا غيره ايقاف عجلتها الا باحداث لاتقل عن حادث المنصة في الثمانينات ،التي خرج منها شعب مصر باكمله بعد معركة طويلة مع الارهاب والتكفير  لم يكن النصر لاحد على الاطلاق !!.

مدونتي
                 http://7araa.blogspot.com/
      



الأحد، أغسطس 18، 2013

((ورقة الملك فيصل الاول لأنشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة السابعة حميد الشاكر


((ورقة الملك فيصل الاول لأنشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة السابعة حميد الشاكر 

ثالثا : ديباجة المواطنة                                    
من ضمن اهم المحاور الفكرية والسياسية ،والسوسيولوجية العراقية لورقة الملك فيصل الاول رحمه الله  ، لأنشاء الدولة العراقية الحديثة  هو محور (( المواطنة )) !.
والحقيقة ان مفهوم ((المواطنة )) في الفكرالفيصلي السياسي الاول لم يكن مفهوما هامشيا ،او مفهوما يمكن ان يتأخر عن مجمل فكرة مشروع الدولة الحديثة وبنائها عراقيا عند الملك فيصل الاول !.
بل ربما لانغالي ان قلنا ان مشروع الملك فيصل الاول ومنذلحظات بداياته المبكرة 1921م في العراق كان متخذا من هاجس فكرة (المواطنة) وكيفية بنائها سوسيولجيا ، وسياسيا  اولوية من الاولويات ولبنة يجب وضعها في اساس البناء المجتمعي العراقي الحديث !!.
نعم المطالع والباحث في ورقة  فيصل الاول سيلتفت بقوة الى ((تأوهات))  الملك فيصل حول موضوعة :(( كيفية بناء مفهوم المواطنة في المجتمعية العراقية، وصناعة شعب من هذه المواطنة !!. )) ، واسترخائه  قبالة باقي الموضوعات السياسية والاقتصادية  والسوسيولوجية .. الاخرى داخل هذا المجتمع ، وهذا ان دلّ على شيئ ، فأنما يدل على : عظيم خطر مفهوم (( المواطنة )) في فكر ،وهواجس وتأملات وتطلعات ... الملك فيصل الاول الاصلاحية المجتمعية والسياسية  !!.
وهذه ((التأوهات الفيصلية)) حول مفهوم المواطنة تطالعنا بها فقرة  بارزة في الورقة (شغلت) الفكر العراقي البحثي والسياسي ،  لعقود متتالية تحت هذا الاطار ، وبهذه اللغة التي لم يزل منطوقها يتحدث عن الاتي  :
(( وفي هذا الصدد اقول ، وقلبي ملآن أسىً : انه في اعتقادي لا يوجد في العراق / شعب عراقي/ بعدُ ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي / فكرة وطنية / .
متشبعة ( هذه الكتل البشرية ) بتقاليد ، واباطيل دينية لا تجمع بينهم جامعة سماعون للسوء ميالون للفوضى مستعدون دائما للانتقاض على اي حكومة كانت  فنحن نريد والحال هذه ان نشكل من هذه الكتل/شعبا/ نهذبه وندربه ونعلمه ،. ومن يعلم صعوبة تشكيل  وتكوين شعب  في مثل هذه الظروف يجب ان يعلم ايضاعظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا الشكل . ... / من ديباجة الورقة )) .
وهنا نحن امام وثيقة فيها من المخزون الفكري   والسياسي والسوسيولجي التاريخي الكثير من الصور والابعاد  التي تحمل تراث وتاريخ امة باكملها اختصرهاالملك فيصل الاول بكلمات عارفة وحكيمة ومدركة ومطلعة على سير خطوة من تاريخ هذه الامة العراقية الحديثة !!.
ولكن ومع الاسف وكما اشرنا سابقا  فان الكثير من الباحثين اللذين اتخذوا من هذه الوثيقة وخاصة هذه الفقرة من الوثيقة نافذة ليطلوا من خلالها على تاريخ العراق الحديث ، وليدركوا بعض تفاصيله السياسية اوالسوسيولوجية لم يوفقواوهم يحاولون قراءة وبيان مضامين هذه الوثيقة الى الشكل المهني والعلمي الرصين  الذي يمكنهم من اصابة المقصود الحقيقي من هذه الفقرة فذهبوا وتحت وطأة الشعوربجلد الذات العراقية الجريحة الى قراءة وتحليل هذه المقطوعة بمعاييراخلاقية وسياسية فردية وعلى اساس انها: (( اعلان الادانة التاريخي الحديث  الذي سطره الملك فيصل الاول ، للسوسيولوجية العراقية ، التي لايمكن لها الا ان تكون غير وطنية  ولا متماسكة ، ومفتتة ومتقوقعة وطاردة لمفهوم الوحدة والبناء السياسي الحديث والقديم  ..الخ )) !!.
والحقيقة المهنية والعلمية لقراءة هذه الفقرة من وثيقة او ورقة الملك فيصل الاول تحتم علينا ان نحلل هذه الفقرة  حسب معطياتها السياسية والتاريخية الواقعية فحسب  وان لا نسقط رؤانا الشخصية المسبقة او المؤدلجة  عليها لنجعل من الوثيقة (دليل) على رؤانا الشخصية القاصرة  وليس العكس بان نتعامل مع الوثيقة ، او فقرة الوثيقة  على اساس علمي يصلح ليكون شاهدا على العصر العراقي الحديث ، ودليلا فكريا يقود افكارنا للحقيقة  !.
هكذا (مع الاسف) فعل الكثيرممن تناول هذه الفقرة من وثيقة الملك فيصل الاول لجعلها(فقط) وثيقة ادانه سياسية واخلاقية للمجتمعية العراقية لينتصر لرؤيته المعقدة ، التي تعلن بلاعلمية: (( اصابة الشخصية العراقية المزمن بالازدواجية والاختلال القيمي والسياسي ... وغير ذالك )) !!.
بينما منطوق الفقرة الفيصلية  وفحواها الفكري والسوسيولوجي يدلل بشكل لالبس فيه على ان هذه الفقرة من ورقةالملك فيصل الاول رحمه الله ذاهبة الى عملية (توصيف واقعية) ، وليس الى عملية (تقييم اخلاقية او سياسية) فردية لما موجود في تلك الفترة الملكية من الكينونة الاجتماعية !!.
ماهو الفرق بين (توصيف اجتماعي واقعي)  وتوصيف آخر يسمى ( قيمي ومعياري سياسي )  ؟.
هذا موضوع يتصل بالسوسيولوجيا الاجتماعية   او بعلم الاجتماع الحديث  اكثرمنه موضوعا يتصل بالابحاث السياسية، كالتي نكتبها ونحاول تحليلها في ورقة الملك فيصل الاول العراقية !!.
ولكن مع ذالك مضطرين للقول  : مرة نصف الظواهر الاجتماعية الفكرية والاخلاقية والسياسية على اساس نقل، و (( رسم صورتها ))  بدقة لنتمكن فيما بعد من دراسة فحواهاومضامينها الداخلية لنصل بعد ذالك الى الجذور التاريخية النفسية ، والسياسية والاقتصادية والتربوية ....... التي ساهمت بصناعة هذه الظواهر الاجتماعية الموجودة اليوم فيما بيننا !!.
فهذا يسمى ((وصفا واقعيا )) للظواهر الاجتماعية  ولايمكن فيه الزيادة او النقصان ولا يمكن فيه المجاملة او الخذلان ، ولا يمكن فيه ادخال العنصر الشخصي في التقييم ، ولا يمكن ....لانه مادة  للبحث العلمي ويتكئ عليها (علم الاجتماع)كمادة في دراساته للظواهر الاجتماعية مبتدءا من ظواهرها الفوقية التي يراهاجميع الناس بعين واحدة لينتهي الى تحليلهاوبيان جذورها بما لايفقهه الا اصحاب الاختصاص من علماء الاجتماع !.
ومعلوم ان ( علم الاجتماع ) لم يصبح علما ، الا بعد ما تخلص من خرافة الفكري الاجتماعي المسبق والاسطوري الغيبي بدراسة الظواهرالاجتماعية وتفسيرها وتبني العلمي الواقعي ((الشيئي حسب مصطلح دوركايم مؤسس علم الاجتماع الفرنسي الحديث في قواعد المنهج )) ،الذي يذهب الى : ان الظواهرالاجتماعية ماهي الامنتج واقعي لحركة ومتطلبات المجتمع المادية والتاريخية قبل النفسية والفكرية !!.
اي ان هناك ((جذور واقعية))  في بنية الاجتماع الانساني هي التي تصنع ظواهر المجتمع الفوقية وفي حال تغيرهذه البنى الواقعية ((لا اقول المادية كي لايفهم احد  اننا نتحدث عن المادية الاقتصادية الماركسية فقط)) تتغير بنى الظواهر السياسية والفكرية والاخلاقية .... الفوقية للاجتماع الانساني بصورة آلية !!.
طبعا هي جذور متنوعة تاريخية ، وتربوية  وسياسية ، وعقدية واقتصادية وعقلية ونفسية ...  ولكن المهم انها اجتماعية بالاساس ولها واقعية تصلح كي تكون مادة للعلم الاجتماعي !.
اما من يريد ان يصف الظواهرالاجتماعية ((وصفا اخلاقيا اووصفا سياسيا )) فهذا شيئ مختلف تماما  ويخضع عادة  لمعايير الفرد التربوية والفكرية والنفسية ...... التي تحاول دائما طرح وجعل المقياس الاعلى للاحكام هو ((ماينبغي وجوده ، اكثر من طرح ماهو موجود بالفعل ))  ولا علاقة لهذا ((الوصف الاخلاقي )) ب((التوصيف الواقعي العلمي)) فلكل فرد ومجتمع معاييره الاخلاقية   ومعاييره السياسية المختلفة من مجتمع لاخر ومن بيئة الى اخرى ولا تصلح مثل هذه المواصفات الاخلاقية او المعيارية السياسية لتكون مادة لعلم ثابت وواقعي  كعلم الاجتماع الذي يحاول دراسة الظاهرة بشكل علمي مهني بعيدا تماما عن الُمثل   وغير المثل المعيارية الاخلاقية والسياسية  !!.
والآن اذا ما اردنا (مثلا) ان ندرس اونحلل المواصفات التي اطلقها وكتبها  الملك فيصل الاول ابان حكمه حول الظواهرالاجتماعية العراقية ، والذي هو وصفٌ فيه الكثيرمن المواصفات المختلطة  فيما بين السياسي والفكري والاخلاقي للاجتماع العراقي  وفيما بين التوصيفي الواقعي البحثي في هذا المجال فهل سنحكم ان وصف الملك الاول للعراق فيصل كان وصفاينتمي وحسب عقلية رجل مفكر وواعي كالملك فيصل الاول الى حيز (التوصيف الواقعي)العلمي الذي يحاول بناء دراسة علمية وسياسية واصلاحية عليه؟.
أم انه كان ذاهبا لوصف معياري اخلاقي قيمي فردي شخصي ... لظواهر الاجتماع العراقي فحسب ؟.
جزما لايمكن القول: ان رجلا سّياساوحكيما ومدبرا وصاحب مشروع بناء امة  ودولة عراقية حديثة ، كان من البساطة والسذاجة بحيث تسيطر عليه نوازعه الفرديةومعياريته الاخلاقية السطحية كي يقيّم ظواهرالمجتمع الذي يحاول بناءه على اساس مواصفات شخصية   لا علاقة لها بالعلم والحكمة والدراسة والبناء الاجتماعي !!.
وهذه الحقيقة تدلل عليها نفس ورقة الملك فيصل الاول الذي كتبها لالتكون انسه في وحدته طبعا بل لتكون(برنامجٍ شاملٍ وخطةُ عملٍ متكاملة) يخضع لمقرراتها وزراء  وقادة دولة الملك فيصل الاول بفاعليتهم ،  لصناعة امة وقيام مشروع دولة في (اعقد بنية) في التاريخ العربي والاسلامي ، فكيف نسمح لانفسنا ، ككتاب وباحثين ومفكرين ومثقفين وعلماء ... ان نقرأ هذه الفقرة  في ورقة الملك فيصل الاول رحمه الله  ونحلل  مفرداتها السياسية على انها ادانة اخلاقية  فردية  وآنية فحسب من قبل ملك بحق شعبه وهذا اولا !!.
ثانيا : ( في اعتقادي )  ان من مميزات الملك فيصل الاستثنائية في تاريخ العراق السياسي الحديث انه كان رجل بين جوانحه شخصية(( رجل الدولة ))المتمكن من ادواته القيادية والتي تفصل بوضوح بين ماهوشخصي للملك فيصل نفسه ، وبين ماهو فكري قيادي لامة في هذه الشخصية !!.
ولوكان الملك الاول في وارد توصيف ظواهرالمجتمع العراقي من منطلق شخصي واخلاقي فردي  لكان احتفظ بهذه التوصيفات الشخصية لنفسه ولم يطرحها كتابة وفي ورقة مصيرية وتاريخية ليبني عليها مشروع بناء دولة واصلاح امه اكلها التقسيم والتفتت والانهيار السياسي من قبل !!.
نعم شخصيا من الذاهبين الى:  انه لو كان الملك فيصل الاول يحمل روح التوصيف الشخصي للظواهرالاجتماعية الاخلاقية لما كان هو الرجل الذي يطرح مشروعا لبناء امة وبناء دولة عراقية حديثة  فيها كل الحب والخير للاجتماع العراقي الحديث  لان مثل هذه الافكار الشخصية الضيقة  تتمكن من حامليها ، والمؤمنين بها على ان تصنع دكتاتورا معقدا  تسوقه نوازعه الشخصية والتربوية الضيقة لاخضاع المجتمع بالعنف والكراهية حسب ما تسيطر عليه مثل هذه الافكار المسبقة ،   لظواهر مجتمعه وشعبه السياسية والاخلاقية والاجتماعية !!.
اما الملك فيصل الاول ، فلم نلمس من اخلاقه السياسية ، او بناءه لمشروع الدولة المنفتح على المجتمع والمعتمدعليه في صيرورة النجاح ايًّ من هذه العقد الشخصية المدمرة لحامليها نفسيا وفكريا واخلاقيا مما يدلل على علو كعب فكر هذا الرجل ، وانه لايطرح من فكره الا بما يتصل بتطوير شعبه ورفعته واصلاحه !!.
ثالثا : ان الملك فيصل نفسه  عندما يتحدث في ورقته هذه  عن المجتمعية العراقية   ومكوناتها النفسية الاجتماعية المتنوعة ( كما ذكرناه في مقالاتنا السابقة ) لايغفل مطلقا المعاناة التاريخية  لبعض هذه المكونات الاجتماعية العراقية وكيف انعكست هذه المعاناة التاريخية في العهود العثمانية السوداء على بعض ظواهر مكونات الاجتماع العراقي  السياسية  وبناءها  الفكري اوالنفسي المستريب (مثلا) من الدولة وحياديتها بين مواطنيها !!.
ولهذا اكد فيصل الاول على قادة دولته الذين وجهت لهم  نفس فقرات هذه الورقةعلى وجوب الالتفات الى مشاعرالعراقيين في التعامل معهم وادراك ان هناك جذورتاريخية دفعت من رؤية العراقيين السياسية بان تكون سلبية تجاه الدولة ونواياها وحيادها .... الخ  !!. 
وهذا ايضا يدلل على ان الملك فيصل الاول كان(( متحصنا )) ايضا بثقافة اجتماعية  ونفسية لابأس بها تسمح له برؤية اجتماعية علمية ((  تميز بين الاخلاقيات المجتمعية او الظواهر الاجتماعية البارزة على سطح الاجتماع العراقي وبين جذورهاالتاريخية التي ساهمت ببناء هذه الظواهرالاجتماعية سواء كانت سلبية او ايجابية )) !!.
بمعنى ان الملك فيصل الاول يبدو ومن خلال قرائتنا لورقته انه كان واعيا ومدركا مفهوم  ان الظواهر الاجتماعية الاخلاقية والسياسية والفردية .... ماهي ، الا منتجات ترتبط بظروفها الموضوعية  وفي حال تغير الظروف المتحكمة بهذه الظواهر ستتغير حتما رؤى وتصورات واخلاقيات وسلوك هذا المجتمع !!.
وعلى هذا الاساس كان الملك فيصل الاول يطرح مشروع :
(فنحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعبانهذبه وندربه ونعلمه)
ولو كان هناك اي فكره مسبقة تسيطر على ذهن وفكر الملك فيصل الاول بان الخلقية العراقية هي خلقية  او ان الظواهر الاجتماعية العراقية ، التي يصفها واقعيا هي ظواهر حتمية تاريخية اصيلة فطرية .. لاعلاج لها ولا يمكن اصلاحها ، باي حال من الاحوال (( كما يفهم بعض الجهلة من كلام الملك فيصل الاول)) لما طرح اصلا هذه المشاريع التي تهدف الى تشكيل شعب وتكوين امة متماسكة من خلال التدريب والتعليم !!.
نعم من الجانب الاخر لقراءة فقرة الورقة الفيصلية يؤكد لنا توصيف الملك فيصل الاول رحمه الله الواقعي لظواهرالمجتمعية العراقية ، وحسب رؤيته السوسيولوجية اننا امام مجتمع (( قابل للتطور )) فكريا وسياسيا ومجتمعيا و..غير ذالك ، وهذا وامثاله ما دفع الملك فيصل الاول ان يطرح مشاريع كبيرة  وعملاقة تؤكد على ارادة (( التشكل ، والانصهار الشعبي والتدرب والعلم)) ولذالك طرح فيصل الحكيم مشروعه على مجتمع فيه من الطاقات وحب التطورمايجعله عجينةسهلة لاستقبال ماهوافضل والتحول نحوالاكمل  !!.
هذا هو الفكر الفيصلي الاول الذي استطاع (ادراك سرّ الطاقة) الكامنة في المجتمعية العراقية وتحريكها وقيادتها وتحويلها الى فعل وصناعة !!.
وهذا هو الفكر الذي يدرك ان الامم ( صناعة ) يمكن خلق نواتها وتاسيس لبناتها لقيام دولة وحضارة وفعل تاريخي مختلف ، وليس الشعوب والدول والحضارة مجرد ضربة حظ او صدفة عابرة في تاريخ البشرية او معجزة الاهية تهبط من السماء ، او قالب يولد الانسان ليجده قبالته !!.
بل هي بالفعل (( صناعة )) لها قوانينها  ولها افكارها ، ولها ورشها ولها مهندسيها وعمالها ولها موادها وراس مالها ولها مؤسساتها و ....... هكذا تصنع الشعوب والامم في فكر الملك فيصل الاول رحمه الله !!. 
هل نجح فيصل الاول في مشروع بناءالدولة الحديثة وتكوين مجتمع تطفوا على سطحه مفاهيم الوطنية بشكل مبالغ فيه كثيرا الى يومنا هذا ؟.
ام ان فيصل اخفق في تاريخ العراق الحديث بانشاء هذه الدولة ، وبناء هذا الشعب الذي يقدس الوطنية ومفهومها حتى اليوم  ؟.
واذاما اتفقت كلمة عقلاء العراق بالامس وحتى اليوم على ان فيصل الاول قد نجح ببناء الدولة في تاريخ العراق الحديث ، ونجح ايضا في بناء شعب اصبح اليوم يفتخر ( بحق بباطل شيئ اخر ) بعراقيته ووطنيته على الرغم من كل ما اصابه من كوارث وانتكاسات !!.
فهل يحسب هذا النجاح فقط للملك فيصل الاول(ان وجد) في تاريخ العراق الحديث ؟.
ام ان هناك نصيبا لهذه المجتمعية العراقية بالنجاح ايضا تدلل على ان هذا الشعب فيه طاقات لوهيئ لها قيادة حكيمة ومخلصة ومفكرة وواعية لارت العالم تاريخ اكثرمن عشرة الاف سنة خلقت فيها اكثرمن عشرة حضارات انسانية متعاقبة تقوم كلها على مفهوم المواطنة والدولة الحديثة  ؟!!.
                  
مدونتي
             http://7araa.blogspot.com/