الثلاثاء، أبريل 20، 2010

(( هوية الانسان بين التصور الاسلامي ونقيضه المادي !)) حميد الشاكر


عندما يبحث اي بشر منّا عن جذور ومرجعيات وأصول نشأته الانسانية ليستخرج منها ماهيته وهويته وشخصيته الانسانية والسياسية والفكرية والقانونية ، فليس أمامه وخلفه إلا طريقين لهذه المهمة :




الاول : وهو الطريق الكلاسيكي الديني بصورة عامة ، والاسلامي بالنسبة لنا بصورة خاصة .

والثاني : وهو ماتعارف عليه حديثا بالطريق العلمي ، او مااطلق عليه فلسفيا بالطريق المادي .



أما بالنسبة للطريق الاول فهو صاحب رؤية وتصوّر:إن الانسان مخلوق معنويٌ قبل ان يكون مخلوقاماديا بالاساس فهو وحسب اللغة الاسلامية روح من الله وخليفة له في الارض ، وصاحب مشروع العبادة والارتباط بالله سبحانه وتعالى وهو مخلوق مكرّم خلق دفعة واحدة بكلمة من الله وامر منه ليكون سيد العالم والمتفوق على كائناته!.



أما الطريق الثاني فهو صاحب تصوّر ورؤية : إن الانسان مخلوق طبيعي متطوّر في خلقيته ، ومتدرج في كينونته من مكروب كان لم يرى بالعين المجردة ، الى ان ساعدت بعض العوامل الطبيعية على تغذيته ، ودفعه ليكون شيئا موجودا ومن ثم ، ليصبح كائنا زاحفا ثم دارجا ثم ماشيا من اصحاب الثديات، الى مرتقيا في سلم الموجودات الى قردا ليقفز فيما بعد بطفرة تكوينية خلقية نوعية ، ليضحى انسانا معتدل القامة ، ومالك لعقل مميز يميزه عن باقي الموجودات في هذا العالم كما نراه اليوم في الواقع ؟.



والحقيقة إن هذين التصورين لمسيرة الانسان التكوينية ، او الرؤيتين لمسيرته الخلقية هي مالدينا ، أومانملك من تصورات حول تاريخ الانسان، ومراحل تدرجه الطبيعية ولاريب عندما نقف اليوم امام الانسان وجها لوجه لمحاولة تقييمه او تقييم ماهيته وصناعة هوية لشخصيته وجوهره ، فلابد علينا اما بالاخذ بالطريقة الدينية الاسلامية لنرى موقع الانسان من الوجود والعالم والكون ، وإما ان نأخذ بالطريقة العلمية المادية لتكون هي الرائد لنا في مشروع تقييم الوجود الانساني واستنباط هويته الحقيقية من رؤيتها المتطورة !!.



العالم المتدين او الذي لم يزل يرى في الانسان انه مخلوق روحي معنوي الاهي اولا وقبل ان يكون ماديا ذهب الى ان هويةالانسان هوية روحية وشخصيته شخصية معنوية تعتمد كليا على موقعه الديني في هذاالوجود وما وظيفته الاجتماعية والانسانية والبشرية داخل هذا العالم الا اشتقاق حتمي من مشروع ورؤية خلقه الالهي لاغير !!.

اي ان تعريف الانسان في التصور الاسلامي ، وماهيتة وشخصيتة موجودة قبل ولادة الانسان في هذه الحياة الاهيا في التصور الاسلامي، ثم بعد ان وجد الانسان في هذه الارض ، انتمى لشخصيته المعنوية والاعتبارية التي تعرّفه بانه روح لله سبحانه ، وخليفة له وعبدا من عبيده ، وصاحب مشروع اعمار العالم واقامت العدل فيه وقيادة الامم نحو الله لاغير !!.



اما العالم المادي الذي يدعيّ العلمية، ولم يزل يرى في الانسان ، انه مشروع طبيعي مادي لاغيرفقد قرر ان هوية الانسان وشخصيته الاعتبارية الفكرية ،او السياسية او القانونية او الاجتماعية ، لايمكن لها وحسب الرؤية المادية المتطوّرة للانسان الا ان تكون متخلفة عن وجوده الطبيعي ليعرّف الانسان فيما بعد ، وتصاغ له هويته وشخصيته الانسانية حسب سُلّمه المتطور من الخلقةليترتب على ذالك وظائف الانسان وغاياته واهدافه في هذا العالم والوجود والكون والحيزالاجتماعي مقطوعا تماما عن اي رؤية مسبقة على وجود الانسان المادي والطبيعي في هذه الحياة وعندما يريد اي باحث اجتماعي او مفكر او فيلسوف تنظيري ان يضع تعريفا لشخصية الانسان وماهيته او هويته فعليه ابدا ان لايغفل ان يضع بالتعريف قوله : الانسان حيوان متطوّر ، وبلغة الفلسفة الانسان حيوان ناطق !!.



ولايخفى ان الاساس لنظرية التطور الطبيعية هذه ، هو ما ابتكره عالم الطبيعيات الانجليزي تشارلز داروين ، الذي قال بنظرية النشوء والارتقاء في الوجود الانساني ، لتتبنى بعده جميع الفلسفات والافكار المادية هذه الرؤية لهوية وماهية وشخصية الانسان في هذا العالم بدءا بالماركسية المادية، والى نيتشة صاحب نظرية القوّة وحتى الوجودية السارترية الملحدة التي نظّرت لمشروع (هوية الانسان وماهيته المادية) بقلم الروائي الفرنسي جان بول سارتر!.



نعم هناك من حلّ اللغز ( اسلاميا وهو صدر المتألهين ) بين ثنائية المادة والروح ليضع نظرية الحركة الجوهرية لصياغة الهوية الانسانية بين الروح والمادة على اساس انهما كيان واحدفي صناعة الهوية وليس وجودان وليقول بنتيجة : ان المادة الطبيعية الانسانية نفسها، تحمل هويتها وشخصيتها الروحية داخلها بالقوة ، ومن خلال الحركة والتطور تبرز هوية الانسان الروحية من القوّة الى الفعل تلقائيا وبمساعدة الحركة او التطور نفسه !!.

لكنّ بقي الفكر المادي الفلسفي العلمي حتى هذه اللحظة ، غير ملتفت لهذه الرؤية الاسلامية التي استطاعت الدمج بين ماهو روحي وبين ماهو مادي طبيعي في شخصية الانسان وهويته ولتبق من ثم على مواقفهاالقديمة من رؤية الانسان وهويته وشخصيته بثنائية اما : المادي الطبيعي ، او : الالهي الروحي !!.



وعلى اي حال ليس هذا هو مسار بحثنا ، لموضوعة الهوية الانسانية ،بقدر ما اردنا السؤال حول كلا الرؤيتين او التصورين المادي والاسلامي وانعكاسات هذه التصورات على الرؤية للانسان وشخصيته ككائن ومخلوق اجتماعي وانساني وحتى اخلاقي وسياسي ايضافهل هناك فوارق في الرؤية للوجود الانساني عندما نقول انه مخلوق روحي الهي معنوي قبل ان يكون ماديا ؟.

أم ان الحياة الاجتماعية والقانونية والسياسية وحتى الاخلاقية ، لاعلاقة لها مطلقا برؤية هوية الانسان وشخصيته وماهيته ، سواء كانت الهية معنوية روحية ، أم مادية طبيعية علمية حيوانية ؟.



الحقيقة انه من الصعب التفريق بين رؤيتنا او تصورنا لماهية وشخصية الانسان الاعتبارية ،وبين واقعنا الاخلاقي او القانوني او السياسي الاجتماعي الذي نعيش في داخله ،ونمارسه كمنعكس لرؤانا الفكرية او العلمية او الفلسفية حول الانسان وشخصيته ، بغض النظر ماذا كانت الرؤية الالهية او المادية العلمية هي صادقة ام كاذبة ، ا!!.



بمعنى اخر ان موضوعنا هنا لايتناول تقنية سؤال : هل الواقع والحقيقة تقول ان الانسان خلق دفعة واحدةمن قبل الله سبحانه وتعالى وبيده ونفخ فيه من روحه وقال له كنّ فكان ؟.

أم انه مخلوق طبيعي تدرج في مسيرته التكوينية من كائن مكروبي حقير، الى ان وصل الى انسان بلسان وشفتين واذنين وعينين بمساعدة عوامل الطبيعة والمحيط وكيفية التكيّف معه ؟.

لا لانريد مناقشة الموضوع من هذه الزاوية من منطلق ان مناقشة الموضوع من زاوية الحقيقة والخيال ، لاترتقي في خطورتهاالى مناقشة الموضوع من خلال انعكاساته الفكرية والفلسفية والاخلاقية علينا كبشر سوف تتأثر حياتنا القانونية والاخلاقية والسياسية برؤانا هذه ، او تلك لهوية الانسان ، ومن هنا قلنا بأن قوانينا الاخلاقية وسلوكياتنا السياسية حتما ستتأثر برؤيتنا لماهية هذا الانسان وشخصيته التي نؤمن بها سواء كانت مادية او معنوية في هذه الحياة !.



نعم معروف في العلوم الاجتماعية او الاخلاقية او السياسية او القانونية ان رؤيتنا الفلسفية والفكرية حول الانسان وجذوره الخُلقية ، هي المتحكمة بالفعل بصياغة قوالب قوانينا ،ومن ثم سلوكياتنا الاخلاقية ورؤيتنا الاجتماعية مع هذا الانسان !.

فلاشك من ان هذه العلوم ترتكز على رؤيتنا الفكرية حول نشأة الانسان ومسيرته التكوينية وتاريخه الطويل وهناك فرق سياسي وقانوني واخلاقي ....عندما انظر انا او انت او اي باحث في حقيقة الانسان وشخصيته للانسان على اساس انه حيوان متكيّف مع المحيط حوله لاسيما منه الطبيعي ، وبين ان انظر لهذا الانسان على اساس انه يحمل في داخله روح الاهية مقدسة من قبل الله سبحانه وتعالى ، وله وظيفة الاستخلاف ، وانه كائن خُلق لهدف وغاية ومبتغى محدد !!.



وهكذا عندما اريد ان اضع القوانين ، التي تضبط ايقاعات حركة ،وسلوك المجتمع واهدافه وغاياته في هذه الحياة فلاريب ان الانسان اذا كان المشرّع القانوني ينظر اليه على اساس لاهوتي معنوي روحي ،وإن له حقوق شخصية ثابتة ،وانه متمتع بهوية سابقة على وجوده في هذه الحياة ، وهبته له السماء قبل ان تطأ رجله هذه الارض...... هو مختلف حتماعن انسان ينظرله المشرّع القانوني على اساس انه حيوان مفترس متطوّر روضته الطبيعة وهذبه الاجتماع شيئا فشيئا حتى وصل الى هذا الواقع الانساني الحضاري الذي نعيش نحن جميعا فيه الان ، فعندئذ تكون قوانين المشرّع القانوني مختلفة تماما مع هذا الحيوان ، الذي بحاجة فعلا الى الضبط القانوني القريب الشبه من قوانين الغابة التي انبثق منها وجوده الطبيعي !!.



وحتى على المستوى الاخلاقي ، لسلوكنا الفردي والاجتماعي، فانا حتما سيتغير تعاملي ، الاخلاقي مع الانسان تبعاً لرؤيتي وتصوري لوجوده وجذوره الخلقية فإن كان مخلوقا معنويا الاهيا روحيا ، فإن تعاملي معه سيرتقي الى ان اكون اكثر معنوية ، واخلاقية والاهية ورحية ،وجماليا مع هذا المخلوق الذي يقف امامي في المجتمع وعلى ارض الحياة الواحدة بعكس مالو كانت رؤيتي تصوّر ليّ الانسان الاخر كقرد يجلس بكل طبائعه الخبيثة ،واساليبه اللعوبة وهو يقف امامي وجه لوجه ،فحتما سيكون بيني وبينه اخلاقية الغاب وطبائع الحيونة ، وسلوكيات المخاتلة والبقاء للاقوى اوللاذكى حسب التكيّف مع المحيط الاجتماعي البشري المتطور ،هي الحاكمة بينه وبيني اخلاقيا في سلوكنا الاجتماعي القائم !!.



ونفس المقياس الفكري والنفسي والاخلاقي والقانوني ...، سيزحف حتما للحيز السياسي ايضالتختلف صياغة حياة السياسة وعلمها ومفرداتها واساليبها وسلوكياتها ...رأسا على عقب ، عندما تتغير رؤيتنا الانسانية لهوية وجذور ومرجعية هذا الانسان ،بين ان يكون صاحب هوية حيوانية متطورة ، وبين ان يكون صاحب هوية لاهوتية روحية مقدسة ورفيعة !!.

كان اختلاف توماس هوبز الفيلسوف السياسي الانجليزي المعروف عن جون لوك في صياغة فكرة العقدالاجتماعي كرؤية سياسية ، تحاول صناعة الكيفية التي يتم من خلالها ولاء الافراد للدولة والقانون ، هو اختلاف رؤية هوبز لتاريخ الانسان المادي وكيفية ضبط هذا الحيوان الطبيعي الذي لايمكن النظر اليه الا من خلال طبيعته الحيوانية!.

وبهذا وضع هوبز رؤيته الدكتاتورية السياسية التي ترى ضرورة ان يقمع الانسان سياسيا بكل وحشية وقسوة ليتم انضباط المجتمع حسب طبيعته التي لاتدرك غير لغة الخوف والرهبة والقوّة !!.



ونفس الشئ عندما استلم ( لينين) السلطة في الاتحاد السوفيتي القديم ، وباعتبار انه من المؤمنين بنظرية النشوء والارتقاء الداروينية ، فإن اول شئ فكر به لادارة المجتمع هو الطريقة المثلى سياسيا التي من خلالها يتمكن لينين من السيطرة والادارة لهذه الغابة من البشر ، التي تدرك الخوف ولكنها لاتدرك معنى المشاركة والتنازل والاخلاقية الحضارية الراقيةحتى يذكر ان لينين كان من مريدي العالم الروسي المادي بافلوف الذي كانت جلّ ابحاثه الانسانية تستند على سلوك الحيوانات في مختبره لدراسة ردود افعالها الشرطية وغير الشرطية !!.



إذن رؤيتناالفكرية وتصوراتنا الفلسفية حول الانسان وجذوره الخلقيةمضافا لذالك صياغتنالماهيةالانسان وشخصيته وهويته المعنوية او المادية، لها دخل مباشر وانعكاسات خطيرة جدا على حياتنا البشرية وبجميع فصولها وزواياها الانسانية والاجتماعية والفردية ، وعلى كل من يريد ان ينظّر لفكرة او تصوّر حول الانسان ان يزحف بفكره قليلا الى منعكسات هذه الافكار والتصورات والرؤى الفلسفية والفكرية ، وليرى :

هل من صالح احترام الانسان ، وتكريمه وتقديسه والنظر اليه بسمو وعلو ورقي وتثبيت حقوق بشرية اليه عندما نقول انه مخلوق الاهي ومعنوي وروحي ومكرّم من قبل الله سبحانه ، وانه نطفة من روح الخالق العظيم تتحرك على الارض ووظيفتة فيها الاستخلاف واقامة العدل بين البشر !؟.

أم انه سيكون اكثر احتراما ورقيّا ونيلا لحقوقه الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية ....الخ ،عندما نقول انه مخلوق مادي متطور ، اصله قرد ، وقانونه الغاب ، وتحضره شئ حديث ، وهويته طارئة ، وحقوقه منحة اجتماعية لاغير ؟.

__________________________



alshakerr@yahoo.com

الأحد، أبريل 18، 2010

(( مسيرة الحضارة من العسكر الى السلعة )) حميد الشاكر


في البداية لابد من القول ان اسم ((الحضارة)) لم يظهر الى الوجود الانساني ، الا بعد اقترانه بعدة عوامل انسانية وطبيعية قد وفرت الارضية لنمو بذرة الحضارة قبل ولادتها ، ومن اهم تلك العوامل هي :


اولا : عامل إكتشاف الزراعة ومن ثم الاستقرار والبناء ، والعزوف عن حياة الترحل والبوادي والانتقال !.

ثانيا : عامل الرسم والكتابة وصناعة الحروف ، واختراع ادوات التدوين !!.



ففي العامل الاول كانت حياة الزراعة نقلة نوعية في حياة الانسان الحضرية ، باعتبار ان الزراعة هيئت للانسان قوته الذي يعتاش منه بشكل ثابت ،لتنقله من حياة الصيد ومطاردة الغنائم المتحركة والتنقل وطلب العشب والسعي والبحث عن المياه لقطعان الماشية ...الخ من جهة ،الى حياة الاستقرار والتفكير بحفر الارض واخراج الماء منها او شق القنوات والترع لايصال الماء من الانهر، لبيت الانسان بدلا من التنقل ، والبحث عنه وبذر البذور وزراعة اعلاف الماشية ومأكولات الانسان وملبوساته و... هكذا من جانب اخر لتكوّن الزراعة فيما بعد الاستقرار في حياة الانسان وتشكل القرى والتجمعات الصغيرة التي جذبتها الحياة المستقرة والمطمئة نوعا ما !.



ثم بعد ان استقرّت حياة الانسان على الارض ، ليصبح رزقه مما يزرع ، وليس مما يطارد ، ويبحث عنه تكوّنت فكرة بناء المساكن الثابتة ، التي تصارع عوامل الطبيعة القاسية ، وبرزت ظاهرة الاحتكاكات الاجتماعية الانسانية المتنوعة من منطلق فهم الانسان الفطري لفكرة شراكة الانسان بملكيةالكلئ والماء والنار بشكل طبيعي واستقطبت الزراعة مزيدا من القاطنين الجدد ، واصبحت المياه مصدر جذب طبيعية ، والارض مطمع انساني ، ونزاع بشري متوقع ، لاسيما بوجود ظاهرة الاسواق وتبادل المحاصيل وانتاج الثروة ،والنظر الى الارض والزراعة على اساس انها ملكية سلطة مالية ونفوذ اجتماعي خطير ،عندها برزت الحاجة الملحة لوجود التدوين وكتابة الملكيات والعقود لحفظ الحقوق وذكر الواجبات ،فكان الاختراع الذي وضع اللمسة الاخيرة على قيام الحضارة الا وهو الكتابة والذي بدأ بشكل رسوم على الواح طينية مفخورة بالنار ، لتحفظ للانسان في بادئ الامر ،حقوقه المالية من جهة وذاكرته العبادية من جانب اخر ، ولم يمر وقت طويل حتى اختصر الانسان السومري في العراق تلك الرسوم المنقوشة الى رموز ، وحروف مختصرة شكلت العمود الفقري ، للكتابة والتدوين فيما بعد ، لتمنح الذاكرة الانسانية خلودا اطول في الحياة وتنظم المجتمع وحقوقه بشكل اتقن واكثر اعتبارا وعرفا ودلالية !!.



بعدها وبعد تطوّر حياة الحضر المستقرة اقتصاديا ، اينعت الحياة الفنية والعقدية والترفيهية والاجتماعية ، للانسان ليتحول المجتمع المستقر الى خلية متحركة من جميع الالوان والاشكال البشرية وبكل تناقضاتها وتدافعاتها الفطرية والطبيعية مما استدعى وجود القضاء وتطوره الى حكم وسلطة تنفيذية لمقررات القضاء والزام المجتمع بالانضباط وعدم اعتداء بعضه على البعض الاخر ، وفي هذه الفترة من التطوّر الانساني ، استعان الاجتماع الانساني بالكتابة ليدّون القوانين القضائية وليوسع حكم السلطة ومن ثم الدولة لتكتمل جميع عناصر وعوامل قيام الحضارة الانسانية الاولى التي توّجت بفكرة الحكومة او الدولة او الملك !.



ان هذه الرحلة التي اختصرها القلم ببضعة اسطر الا انها اخذت من حياة البشر الزمنية قبل الكتابة الاف السنين لم تقف عند حدودالزراعة والكتابة وقيام المجتمع والدولة فحسب بل انها بدأت رحلتهاالجديدة ولكن بشكل اخر يختلف عن التكوين الداخلي لبذرة صناعة قيام امة وبناء دولة وحضارة ثابتة لاغير وانما بدأت الحضارة بعد قيامها وثبات عناصرها وعواملها الداخلية بالتفكير من جديد بالتحرك (البدوي) القديم لحياة الانسان للبحث هذه المرّة عن المغانم وهي مختلفة من الطرائدوالصيد والبحث عن الماء والكلأ في البراري الى البحث عن مغانم الامم المجاورة وغزوا المجتمعات المتحركة والمستقرة ،لتحويل كل مقدرات هذه الامم ، وبما فيها الامم البشرية نفسها الى مغانم وطرائد يتم اقتناصها من قبل الاقوى وصاحب النظام والدولة والسطوة والقوة ليكون المنهزم عبدا او قنًا وتكون ممتلكاته اضافة طبيعية لهيمنة وعظمة المنتصر ومملكته !!.



وفي هذه المرحلة التاريخية من حياة البشر، برزت ظاهرة التمدد الحضارية ، للامم الانسانية وكأنها تريد ان تقول : ان الحياة الحضرية الزراعية القانونية السلطوية المستقرة ،وبعد ان تمكنت من استخدام الطبيعة وما فيها زراعيا وصناعيا من اسلحة وعربات تسير بسرعة الريح على عجلات مدورة بفضل النار وصهرها للمعادن ...هي الحياة التي ينبغي ان تسود على كل العالم ، الذي لم يزل في اطواره البدائية من عدم البناء والاستقرار والقانون والدولة والزراعة والتجارة والتدوين والصناعة وتكوين الجيوش والعساكر !!.



وبالفعل كانت الفتوحات الحضارية للامم ((الكتابية الزراعية )) المستقرة مذهلا بحيث ان باقي الاراضي كانت تفتح ابوابها للوافد المتحضرالجديد ، وبلا وجود لمن لم يدرك بعد من الامم كيفية صناعة الحياة وتملك الارض والخوف عليها باعتبارها مصدر الثروة والسلطة والدفاع والموت من اجلها ، وكانت هذه الحقبة من تمدد الحضارات قائمة على عامل تمدد واحد لاغير وهو عامل ( العسكر ) او القوة المادية الانسانية الباطشة باسم الجيش !.



إن فكرة وجود العسكر ،او الجيش داخل الحضارة الانسانية ، لاريب انها فكرة متطورة بدأت من الغزوات لملاحقة الطرائد الوحشية في الفلوات لتأمين قوت الانسان وحتى تشكيل مجموعات عائليةاوقبلية اوطبقية ومن ثم اجتماعية لحماية المجتمع من الداخل ومن اخطار الغزوات البربرية من الخارج ولكن بعد استقرار وقوّة الحضارة ومتطلباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتزايدة اصبح للعسكر مهام اوسع من مجرد الدفاع لاغير ، لاسيما ان الانسان صاحب طبيعة تسلطية طغيانية تميل في حال تمكنها من القوّة للتطلع الى التوسع في استحصال المغانم على حساب الاخرين وهكذااستخدمت الجيوش والعساكر بانتقال وضائفها من مجرد تنفيذ قوانين القضاء على الداخل الاجتماعي الى الدفاع عن الاجتماع الحضاري المستقر ، ومن ثم الى التفكير بالتوسع والتمدد الحضاري لكسب المغانم وزيادة رصيد ملك الحضارة والحكم !!.



وكانت عظمة الحضارة وسطوتها وقوتها وهيبتها وشخصيتها ...الخ تقاس بمدى عظمة وقوة جيوشها وعساكرها المنظمة ولم تكن تعرف حدود الحضارة وجغرافيتها الا اينما تقف جيوش وعساكر هذه الحضارة فسرجون الاكدي (مثلا)لقب في الحضارة العراقية بالعظيم لانه استطاع ان يفتح تقريبااكثر من نصف العالم بجيوشه الباطشة والقوية والزاحفة يوما بعد ، وكانت الحضارة الاكدية على يد هذا الجلاّد الكبير متوسعة وغنية وثرية وعملاقة بقدر الغنائم التي كانت تستولي عليها مع كل فتح عسكري جديد ، لم ينتهي عند حدود ثابتة !!.



وسارت هذه السُنة، منذ بدأ قيام الحضارات في بلاد مابين النهرين ، حتى انتقال شوكة الحضارة ، من العراق الى الحضارات التي كانت انذاك قائمة فارسية او مصرية ومن ثم يونانية ..، وكان الجيش او العسكر هو عنوان هيبة الحضارة ووجودها وقدرتها وتطورها وتقدمها وقوتها ، واذا ما اراد اي انسان قياس قوة الحضارة او ضعفها فيما مضى من زمان فما عليه الا ان ينظر لجيش وعسكر هذه الحضارة وقدرته على التوسع وليس الدفاع فحسب ، او حماية النظام العام الداخلي لهذه الامة او تلك من الامم الحضارية المستقرة القائمة ، وبالفعل وحتى اليوم نحن نقرأ التاريخ الحضاري للامم الذي قادت الفتوحات او الغزوات او التوسع في العالم القديم ولانكد نرى ملامح الامم التي كانت في غير هذا المضمار من التنافس الحربي الحضاري ، وهذه كانت هي الحلقة الاولى من حركة الحضارة في التاريخ الانساني القديم ومسيرتها خارج اطرها الحضارية المحلية الصنع !!.



نعم بعد ذالك وفي مراحل تاريخية متأخرة عن غليان قيام الحضارات المستقرّة ،وتنافسها على التوسع الاستعماري وبعد ان اخذت الحضارة دورتها الانسانية ، لتستقرعوامل قوة الحضارات ، موزعة بين الامم ، اصبح التنافس بين الحضارات يقف عند حدود معينة بحيث ان حضارة اهل العراق لم تكن قادرة بعد ذالك من التوسع السريع والسهل على باقي الحضارات ، وان كانت تملك جيشا معسكرا عظيما ، من منطلق ان فكرة الجيش والعسكر ايضا امتلكتها باقي الامم الحضارية واستطاعت التمكن من الصناعة البدائية العسكرية والزراعة وانتاج الثروات ...، مما اهلها للدفاع القوي والهجوم الاقوى ايضا وهذا ماضرب الفكرةالتاريخية التي تقول:ان الجيش والعسكر هو هوية وعظمة وشخصية وهيبة الحضارة في التاريخ ولتبرز على اثر ذالك او مكانها فكرة البحث عن عامل اخر يكون هو عنوان عظمة الحضارة، بعدما انتهى عمر ان يكون التوسع العسكري ، وقوة الجيوش وغزوها وسحقها للامم القائمة هو عنوان عظمة الحضارة والانسان فجاء على غرار ذالك التوازن العسكري عامل (الفكر) والعلم والتقدم فيه ليكون هو او على اساس انه هو المقياس الجديد المضاف مع قوّة الجيوش لعظمة الحضارة !!.



عند انطفاء وهج القوة العسكرية لعظمة الحضارة ، والمحدد لتقدمها على باقي الامم ، والحضارات للاسباب التي ذكرناهاولسُنة الكون البشرية بتوزع هذه القوّة بين البشر وضعف فاعليتها السريعة بزغت شمس (العلوم) والافكار باعتبارها العامل الجديد على مقياس رقي الامم والحضارات ،فكانت المقاييس الانسانية في تلك الفترات ايضا تتغير من النظر الى الامم العظيمة على اساس اشدها وحشية وفتكا وغزوا وهيمنة وعظمة لجيوشها وعساكرها الجرارة التي لاتقهر الى اساس ايضا تقدمها ورقيها العلمي والفكري في الفلسفة والطب والعقائد والفنون، على الخصوص وإن كانت هذه الامم صغيرة في حجم جغرافيتها الممتدة ،ولاتملك العظيم من القوات العسكرية المدمرة التي تزحف يمينا وشمالا للتوسع وعند هذا المنعطف عادت البشرية الى اساس الحضارة الانسانية الاول وهو الكتابة والحرف والتدوين وذاكرة الانسان ....الخ لتكون ادوات الرقي والتقدم والعظمة الحضارية علمية بدلا من ان تكون عسكرية فقط !!.



وبالفعل برزت امم حضارية في هذه الحقبةليس لها عظمة عسكرية مذكورة في سابق الايام ، ولكنها امتلكت عامل الفكر والعلم ، ليكون رائدها الى تسنم عظمة الحضارة الجديدة ، المنبنية على العلم والفكر اولا قبل القوّة والجيش والبطش ، مع وجود هذه القوّة ايضا الا ان الفكر والعلم اصبح هو ميزان التوسع والانتشار الحضاري وليس فقط الجيوش والعسكر، وقد تمثلت هذه الدورة الحضارية الفكريةفي العصر اليوناني بالتحديد بشكل بارز، والذي يعد هو الارقى فكريا وفلسفيا في دورة التاريخ الحضارية القديمة فلسفيا ، بعدما ضمرت حضارة العسكر هنا ، وهناك بفعل عوامل تغير موازين القوى من القسوة وتضخم المادة الى الفكر والبحث عن مافي داخل الانسان من متطلبات!!.



ان العلم والفكر اصبح في دورة تاريخية حضارية معينة ، هو العامل الواضح ، الذي ينبئ على الحقيقة عن حدود وجغرافية الحضارة واين تقف الان بالفعل؟ ، بسبب ان هذا الفكر والعلم تحوّل الى مادة تمدد وغزو حضارية ايضا لايقل تاثيرا معنويا عن تمدد وغزو الجيوش للحضارات التي كانت قائمة انذاك ولاتمتلك اسلحةالفكروالعلم والتطور والمعنوي وحتى ان كانت الحضارة عظيمة الجيوش والقوّة والاستقرار والازدهار الاقتصادي ( مثلا ) في بقعة من بقاع الارض الواسعة إلا انها لم تكن تملك فلسفة وفكرا وعلما حول العالم والكون والانسان ،ولماذا هو موجود في هذه الحياة ؟، كما كانت باقي الحضارات تملكه ، فستشعر بالضعف فكريا امام هذا التمدد الحضاري الفكري الخطير الذي يهب للامة الفكر ويستعمرها ويغزوها ويتمدد عليها من داخل الانسان ، مع القوّة العسكرية بدلا من ان تملك الامة قوّة مادية بلا فكر وفلسفة تجريدية فكرية !!.



ان الامم في السابق كماانها كانت تخضع للقوة وعظمة الحضارة وهيلمانها العسكري الحربي شعرت بعد نفاد بريق القوّة والعظمةاو توازنها ان حاجات الانسان الحقيقية لاتقتصر فقط على الجانب المادي من الحياةلاغير وانما هناك الحاجات الداخلية الفكرية للانسان ، والتي بدأت بالتعبير عن طموحاتها بشكل اكبر واكبر كل يوم ، فهناك المجالات الروحية والخيالية والعقدية والفكرية البشرية الاخرى التي هي ايضا بحاجة الى اشباع غريزي فطري طبيعي ايضا بدأت بالتحرك والالحاح على الانسان من الداخل كحاجات لايمكن للانسان الاستغناء عن متطلباتها الفطرية وبمجرد سؤال الانسان داخل الحضارات القديمة ب (( لماذا انا موجود في هذه الحياة ؟)) كان كفيلا بان يغير مزاج الانسان ورؤيته لحقيقة وجوده ، او حقيقة العظمة في الحضارة الانسانية ، ومن ثم دفعه للبحث عن الجواب لهذه المعادلة الانسانية الداخلية الجديدة في حيز حضارة الفكر والعلم وليس في حيز حضارة القوّة والعسكر فحسب !!.



ومعروف ان الحضارة مهما كانت عظيمة البنيان المادي ،ومحكمة القوّة العسكرية المدمرة ، ونامية الاقتصاد الغير مسبوق ....الخ لايمكنها مطلقا ان تجيب على اسألة الانسان الفكرية هذه اذا لم تقرن مع قوتها العسكرية والمادية قوّة فكرية ، وحضارة علمية تهب الانسان ايدلوجيته وايمانه وعقيدته وفلسفته ورؤيته لهذا العالم ووجوده في هذا الكون وماينبغي عليه من حقوق وواجبات ؟.



بينما الحضارة التي تقدمت فكريا (نحن لانؤمن بالنظرية المادية التي تقول بحتمية انعكاس الفكر عن وسائل الانتاج الطبقية )وبرزت بها عوامل القوة العلمية والفكرية والفلسفية ، مع وجود القوّة المادية بجانبها ستكون حتماالاقوى وجودا والابرز سلطانا وهيمنة على الانسان اينماوجد على هذه الارض بسبب إن سرّ قوتهاوعظمتها الحضارية في فكرها الذي يهيمن على الانسان من الداخل وليس من الخارج المادي فحسب !!.



وهكذا كانت الحضارة الفكرية اليونانية (مثلا ) ، حدودها الجغرافية الحقيقية في بغداد وداخل مدارسها وهي تهيمن على عقول ، وقلوب علماء المسلمين في بغداد ، مع ان الحضارة اليونانية في زمن العصر العباسي الاسلامي قد انتهت من الوجود الحضاري المادي على الحقيقة لكن وجودها الفكري كان اعظم واطول عمرا بكثير، وحتى عندما جاء الاسلام بفكر ( الكلمة وأقرأ) فانه كان ناظرا لكيفية بناء الحضارة من خلال الفكر والعلم والفلسفة والايدلوجيا اولا ، ثم من بعد ذالك يأتي دور بناء الحضارة المادية على اسسها الفكرية والحضارية والفلسفية ، ليصبح الاسلام حضارة فكر قبل ان يكون حضارة جيوش وعسكر وغزوات وهيمنة واستعمار متمدد على الجغرافية السياسية !!.



ان الاسلام يصلح هنا مثلالادراكنا معنى انتقال عوامل الحضارة الواقعية وكيفية بنائهامن قوتها العسكرية الى قواها الفكرية والعلمية والفلسفية على واقع حياة الانسان وبناءه الحضاري ، وحتى عندما اندثرت الحضارة المادية التي بناها المسلمون بالقوّة ، والاستعمار السياسي في باقي اراضي الشعوب والامم ، بقت هذه الامم ، حضاريا مرتبطة بالاسلام الفكري والفلسفي والايدلوجي ، اكثر بكثير من الارتباط الاقتصادي اوالسياسي اوالعسكري، الذي تمكن من توحيد الحضارة لكنه لم يصلح ، لادامة استمراها من داخل الانسان ، وليس من خارجه ، ولو كان الاسلام حضارة جيوش فقط ، لانهدم بمجرد انحصار هيمنة حضارة القوّة عن الناس في كل مكان ، ولكنه وبما انه ، حضارة فكر وعلم وايدلوجيا ، قبل ان يكون حضارة عسكر وقوة واستعمار وبطش بقت حجته بالغة وقوية حتى يوم الناس هذا عندما نرى حضارة الفكر الاسلامي ، قادرة على اختراق داخل الانسان قبل اسواره الجغرافية السياسية الذي يعيش في ارقى حضاراتها العالمية الصناعية التكنلوجية الحديثة المادية اليوم ،الا ان داخله بقي فارغا يبحث عن حضارة فكر لملئه على الحقيقة !!.



وعلى هذا الاساس بدأ قياس تمدد الحضارة يأخذ شكله الفكري لفترة طويلة من تاريخ الانسان في هذا العالم حتى بروز الحضارة الصناعية الحديثةالتي غيرت موازين القوى للهيمنةالحضارية لتنافس كلا جانبي الحضارة العسكرية والاخرى الفكرية العقدية الفلسفية التجريدية التاريخية ، لتصنع لها مقياسا آخر وقوّة اخرى اسمها (السلعة )!!.



اول ما افتتح عصر الصناعة والتكنلوجيا الحديثة بوابته الحضارية الصناعية الجديدة ، كانت الفتوحات العلمية هي الاضافة الانسانية الجديدة ، التي استطاع الانسان اكتشافها في هذا العالم ، ليضيفها الى رصيده في كيفية الهيمنة والسيطرة ليس على العالم البشري فحسب ، بل وكذالك العالم الكوني والطبيعي كذالك !!.



وعندما بدأ الانسان مشواره الاول اكتفى من الارض والطبيعة بالزراعة والاستقرار ومن النار باذابة الحديد وصنع السلاح ثم مالبث ان بحث عن الفكر والفلسفة والعقيدة والايمان ،لتكون حضارته بجناحين كاملين لكنه في العصر الحديث تطلع للطبيعة ان تعطيه اكثر من الزراعة ،ومن الكون اكثر من معرفة القوانين واستغلالها ليصبح مسيطرا كونيا بعدما كانت غاية مناه ان يكون مسيطرا حضاريا لاغير !!.



صحيح ان ما استعمرنا كشعوب عربية واسلاميا وغير اسلامية حضارية، مختلفة عن حضارة التصنيع والتكنلوجيا الحديثة في العصر الحديث هي الدبابات العسكرية ، والطائرات الاستعمارية الغربية التي تمّ تصنيعها داخل مصانع هندسية عملاقة استطاع الانسان الاوربي ان يجعلها تصنع له حضارة التكنلوجياالحديثة والسريعةثم جاءت الجيوش الغربية الاستعمارية لتلتهم الارض والثروة والانسان داخل جغرافياتنا السياسية المنتهيةفي العصرالحديث لتعبر عن التمدد الحضاري الجديد وهذا صحيح !!.



ولكن الحقيقة ان الاستعمار الحضاري الغربي الذي هيمن علينا في العصر الحديث والذي بدا لنا انها حضارة جديدة مختلفة عن جميع حضارات التاريخ الذي مضى هي ليست حضارة قوّة الجيوش الاستعمارية ولا ضخامة ترسانتها العسكرية الرهيبة الغربية في العصر الحديث وانما كان ولم يزل حتى اليوم المستعمر الجديد هوسلعة هذه الحضارة التي انتجتها المصانع التكنلوجية لهذه الحضارة الجديدة وليس ترسانتها العسكرية العظيمة !!.



نعم استعمار الجيوش العملاقة وكما ذكرناه فيما مضى هو الاسلوب الحضاري البدائي لتمدد الحضارة الانسانية فيما مضى وبما انه اسلوب بدائي للتمدد الحضاري فسرعان ماوجدناالشعوب الحديثةالتي استعمرت بقوّة الالة العسكرية الحديثة قد انتفضت على هذا الاستعمار العسكري البدائي ، وعلى الفور وبسرعة قياسية ، رأينا كيف ان الاستعمار العسكري قد انكفأ الى الخلف ، خارجا عن حدود الشعوب الحضارية التي استعمرت بالة الحرب ، لتنتصر الشعوب على المستعمر حتى مع بقاء ترسانته العسكرية العظيمة على حالها ، وقوتها وهيلمانها الذي بامكانه ان يدمر شوبا باكملها من على وجه الارض كماحصل في القاء القنابل النووية الامريكية على الحضارة اليابانيةفي العصر الحديث وهي على اي حال لم تزل حضارة غربية جديدة تمتلك اعتى انواع الجيوش والاسلحة فتكالكن في الواقع والحقيقة وعلى الارض مابقي مستعمرا حقيقيا ، لهذه الشعوب المستعمرة حتى اليوم هو ليس العسكر واسلحته الفتّاكة وانما هي ( السلعة ) ، التي انتجتها الحضارة الصناعية الحديثة ، هي التي بقت تهيمن على اسواقنا الاستهلاكية المحلية الداخلية في بلداننا المستقلة استعماريا من العسكر الا انها خاضعة للمنتج وسلعة المستعمر الحضاري الجديد !!.



ان السلعة اوالمنتج الصناعي الحديث اخذ دور النفوذ الحضاري في العصر القديم من العسكر ومن الفكر والفلسفة والعقيدة ايضا بحيث اننا في السابق كنا نرى نفوذ الحضارة بوجود اقدام جيوشها وهي تسحق الارض بقوّة وفيما بعد وجدنا ان قوة الحضارة وهيلمانها وعظمتها، عندما تهب لنا هذه الحضارة فكرا وفلسفة وايمانا ورؤية تستعمر داخل الانسان ، وتجذبه من قلبه وعقله ، ليفهم الحياة والعالم، والكون ونفسه في هذا الوجود ، ولتهيمن فيما بعد على مناهجنا التدريسية والتعليمية داخل جوامعنا وحوزاتنا العلمية وجامعاتنا الفكرية ،اما مع تراجع كلا المفهومين وتقدم مفهوم الصناعة والتكنلوجيا في العصر الحديث ، فقد اصبحت الحضارة تقاس عظمتها ، او تعبر عن تمددها ووجودها في كل الامم ، ليس بجيوشها ولابفكرها الفلسفي التجريدي ، وانما بسلعتها المنتجة ، التي تملأ الاسواق ويتعايش معها الانسان كل يوم في بلاده وهو يسأل عن منشأها ومقر ولادة حضارتها واين هي الان !!.



ان السعة اليوم هي حدود اي حضارة موجوده على وجه هذه الارض فاذا صادفت منتجا صينيا (مثلا) في الولايات المتحدة فاعلم ان حدودوثقافة ووجودالامبراطورية الصينية الحضارية قدبلغ ووطأ ارض الولايات المتحدة الامريكية بلا حرب ولاجيوش ولااساطيل مدمرة ، وهكذا ان صادفت منتجا امريكيا ، داخل الاسواق الايرانية ، او العراقية او الالمانية ، فاعلم انك ترى حدود وجغرافية الحضارة الامريكية الجديدة وهي تعلر عن نفسها في شوارع العراق او المانيا او ايران ، وهكذا تقاس تعابير ووجود حضارات الامم في داخل اسواق العالم المفتوحة اليوم ، واي حضارة لايمكن لها التعبير عن نفسها سلعيا في العصر الحديث ، فهي الحضارة الميتة ، والغير موجودة على خارطة العالم الحديث وحتى ان سألت اي فردامريكي عن حضارة الصين ومقارنتها بالحضارة العربيةاليوم على سبيل المثال فان الفرد الامريكي سيتحدث بمطولات اليوم ، عن الحضارة الصينية التي فرضت نفسها على الانسان الامريكي انتاجيا وسلعيا وعلى حياته اليومية ليتعامل معها واقعيا ، بينما ولعلة ان الحضارة العربية لم تزل عاجزة عن انتاج السلعة وايصالها الى داخل حدود الحضارات الجديدة امريكيا واوربيا وعالميا فان الفرد داخل هذه الحضارات لم يزل يدرك الحضارة العربية ، من خلال السماع عنها تاريخيا وفكريا ، الا انه يشك بوجودها الاني ، واقعيا وسلعيا في العصر الحديث ، ولهذا لايعتبر ان لها وجودا حقيقيا اليوم !!.



إذن السلعة اليوم وانتاجها هي التمدد الحضاري الجديد في العالم اليوم ،واي حضارة لاتملك التصنيع وانتاج السلعة وتوزيعها وضخها للاسواق العالمية تكون حضارة تاريخية ميتة لاغير ولايمكن لها ان تعبر عن ذاتها او ان تطرح شخصيتها مع باقي شخصيات الامم الحضارية القائمة ، مهما ملكت من جيوش وترسانات عسكرية جبارة او ملكت من افكار وعقائد وفلسفات ..غاية في الرقي والتطور الاخلاقي ، لا لشئ الا بسبب انها تفتقد للضلع الثالث المكمل للحضارة اليوم وهو ضلع انتاج السلعة !!.



إن العسكر والفكر والسلعة ، هي مسيرة الحضارة كما وصلتنا الى اليوم ، ولايمكن لحضارة ان تكون حاضرة بلا حيازتها على هذا المثلث العظيم ،وربما في المستقبل تتراجع عظمة ( السلعة ) الحضارية لتخلي موقعها الى عامل رابع يشكل مربع اي حضارة تريد ان تعبر عن وجودها بقوّة وانسانية وواقع ، وعلى من يريد ان يقود الحضارات في المستقبل ان يفكر ماهو ذالك الضلع الرابع الذي لاتقوم حضارة بدونه !!.

__________________________



alshakerr@yahoo.com

(( متى يصبح العراقيون احرارا ليحموا دمائهم ؟)) الشاكر حميد


(( متى يصبح العراقيون احرارا ليحموا دمائهم ؟)) الشاكر حميد


_______________________________________



كيف تكون الحرية صائنة لدمي من ارهاب الارهابيين البعثيين القتلة ؟.

واذا ما اردت ان أكون حرّا فهل يجب عليّ ان أكون مسؤولا أولا !!؟.

أم انه بأمكاني ان اكون حرّا من جهة ، وان لا اكون مسؤولا عن اي شئ من جانب اخر ؟.



هل هناك ملازمة ضرورية بين ان يكون الانسان حرّا ، وبين ضرورة ان يتحمل هذا الانسان مسؤولية هذه الحرية وحياتها ؟.

أم انه لاملازمة ولايحزنون ، وبأمكان الانسان ان يكون حرّا ولامسؤولا في نفس الوقت واللحظة ؟.



ثم ماهذه المسؤولية التي تهب الحرية ، ولاحرية بلا مسؤولية ؟.

ولماذا تقترن دائما المسؤولية بالحرية ؟.

وعلى اي اساس تكون الحرية مسؤولية ؟.



أعلم: انك تكون حرّا اذااستطعت ان تقنع الدولة أو تجبرها بطريقة او بأخرى ان تكف يدها وانفها عن التدخل في شؤونك الفردية الشخصية ، وشؤونك الاجتماعية الانسانية وعندها سوف تشعر انك اصبحت حرّا من هيمنة الدولة والسلطة وانك تتمتع برصيد وهامش ومساحة واسعة من التعبير عن رأيك ، والتفكير بمصيرك ، والتمتع بسلوكك بدون ان يكون للخوف، والقلق سلطان على ماتقوم به داخل نطاق حقوقك البشرية ، من غول الدولة وما لديها من حسابات قوانين وعقوبات !.



لكن بالمقابل ايضا عليك ان تعلم: ان الدولة عندما تقرر لسبب او اخر ان ترفع يدها من التدخل المباشر في حياتك الفردية او الاجتماعية،وانها ربما تقبل بان تترك لك هامشا كبيرا من حياتك الفردية تملئه كيفما ارتأيت وكذا عندما تترك لك مساحة لابأس فيها اجتماعيا لتزاول حريتك بكل اريحية بدون ان ترى وجها للدولة ، او اصبعا لها ينغص عليك حياتك او يقلق وجودك ، فانها بعملها هذا ستخلق لك وضعا ومسؤولية جديدة تضاف الى حريتك شئت ذالك ام ابيت وهي : ان انسحاب الدولة من حياتك جزئيا ،ينتج بالضرورة فراغا فكريا وسياسيا وامنيا واقتصاديا وثقافيا واخلاقيا .... وغير ذالك ، فهل انت مستعد كفرد وكمجتمع ان تملئ من فراغ هذا الانسحاب لاذرع الدولة ؟.

أم انك لاتستطيع ملئ فراغ هذه الدوائر التي انسحبت من ساحتها الدولة ، لتترك لك فسحة من الحرية تملئها كيفما تشاء ، وحسب قوانين حريتك المنشودة ؟.



بمعنى اخر:نعم الدولة اذا ارادت ان تترك لك ارضا كفرد وكمجتمع تتحرك فيها بحرية بدون اي وجود لشبح الدولة وغولها المقلق لحرية الفرد والجماعة ، فانها تعلم ان هذه المناطق التي ستنسحب منها من حياة الافراد والجماعة لايمكن ان تترك سياسيا او امنيا او اقتصاديا او قانونيا ...، بلا جهة تستطيع اشغال هذه المساحات ، وباعتبار انك انسان ومواطن تريد ان تعيش بحرية عن هيمنة الدولة وسلطتها البغيضة ، فانها ستسألك : هل انت تستطيع كفرد او كجماعة ان تملئوا الفراغ امنيا (مثلا)عندما تفكر الدولة بالانسحاب عن هذه الساحة لتترك لك هامشا من الحرية بحيث ان الفرد سيقوم بواجبه الامني ويبلغ السلطات عن اي خرق قانوني اوامني او اي ظاهرة بامكانهاان تعرّض حياة المواطنين ودمائهم او ممتلكاتهم ، ومن ثم حرياتهم الى الخطر ؟.

أم ان الفرد وكذاالجماعة غير مهيئة للقيام بهذه المسؤولية الثقافية والسياسية او الاقتصادية او الامنية داخل دوائر مساحات الحرية التي منحتها الدولة له ولهم ؟.



اذا كان الافراد غير مهيئين لتحمل المسؤولية بكل اصنافها السياسية والامنية والاقتصادية والقانونية فلايمكن لعاقل ان يطلب من الدولة الانسحاب من مسؤولياتها في حماية الامن ، وتطبيق القانون والمحافظة على السلم العام في منطقة الحرية داخل حياة الافراد والجماعةوهكذا الدولة لايمكن لها الانسحاب من ساحة اجتماعية بالامكان اختراقها سياسيا وامنيا واقتصاديا من قبل اعداء المجتمع اوالدولة او اي جهة خارجية او داخلية كانت وعليه ليس من حق لا الفرد، ولا الجماعة ان تشكوا من هيمنة الدولة والتدخل بشؤونها الخاصة والعامة والتضييق على حريات الافراد والوصول الى ممارسة القمع والدكتاتورية السياسية في تنظيم حياة الفرد والجماعةاذا كان الافراد غير مهيئين لهذا العمل والمسؤولية الكبيرة والقيام بها على اتم وجه ،وكل ذالك من منطلق قيام الدولة بمسؤولياتها في الحفاظ على الامن ، وتطبيق القانون وضمان حماية دماء وحياة الفرد والجماعة التي تبدأ من اوسع دائرة لتصل الى غرف نوم الافراد واساليب تفكيرهم وامالي تطلعاتهم داخل ارواحهم وبين جلودهم في هذه الحياة !!.



أما اذا كان العكس هو الموجود ، وانبرى الفرد المطالب بالحرية ، وكذا الجماعة ، التي تحاول ازاحة قبضة الدولة عن حياتها وحريتها ، بالتصدي لملئ الفراغ وشعرت الدولة ان الفرد عندما طالب الدولة بالحرية والانسحاب من دوائر حياته الشخصية ، فانه على ادراك ووعي لمسؤولياته التي ينبغي ان يقوم بهاوانه العين التي ستكون للدولة في مواجهة الاخطار السياسية او الامنية او الاقتصادية ، وانه فاهم ومدرك تماما معنى ان يكون مسؤولا بدلا من الدولة عن امن المجتمع وحياته ودمائه وحريته .... عندذاك ، ستكون الدولة مطمئنة انها عندما تنسحب من حياة افراد مواطنيها الشخصية والاجتماعية ، وتمنحهم فسحة من الساحة الحرّة ، التي يتحركون عليها فانهم سيكونون بمأمن وحصانة اجتماعية وسياسية وامنية واقتصادية من مخاطر الخارج والداخل لاعداء هذا الوطن ،بل وستضطر الدولة عندئذ للانسحاب من حياة الافراد الشخصية والاجتماعية والاشراف عليها مباشرةباعتبار ان الفرد والجماعة قد وصلواالى مرحلة من الرشد العقلي والنضج الفكري والشعور بالمسؤولية يهيئهم جميعا للاستغناء عن الاشراف المباشر للدولة وتدخلها في شؤونهم الشخصية والاجتماعية ؟!.



نعم اذا اردت ان لاتتدخل الدولة بحياتك الخاصة ،لتحسب انفاسك الصاعدة والنازلة منك وأن لايكون فوق رأس كل مواطن مخبرسري يحمل سيفا او سوطا يقرع كل من يحاول التعبير عن رأيه او التفكير بحرية وامان وأن لايكون في كل زقاق كتيبة من العسكر تفتش الخارج والداخل حسب بطاقات الهوية ، واستجواب اين ذاهب وسبب الذهاب ومتى ساعة العودة ؟، .....الخ ، أقول اذا اردت ان تكون حرّا امام سطوة الدولة هذه ، وتحجيم تدخلها في حياتك الفردية والاجتماعية ، فعليك ان تعلم وتدرك من البداية مسؤوليتك في مقابل هذه الحرية وهي :



اولا :مادمت لاترغب ان يكون للدولة تدخل في شؤونك الفردية فعليك ايضا ان توفر حمايتك الفردية بنفسك وتدرك ماهي حقوقك القانونيةوماهي واجباتك الوطنيةكي توفّراجواء التعايش السلمي والقانوني بينك وبين الافراد الاخرين ولاتضطر الدولة والحكومة للتدخل المتكرر واليومي والآني ، في حال اشتعال حرب الاعتداءات الفردية من شخص لاخر داخل المجتمع !!.



ثانيا : اذا احببت ان تشعر بانك حرٌّ وانك متمتع بعدم تدخل الدولة في حياتك الاجتماعية والفكرية ، وقررت الدولة والسلطة داخلها ان تكون تحت امر بنانك وطوع امرك والامتثال لرغبتك في جعلك حرّا فعليك ان تدرك من الجانب الاخر انك بطلبك الانعتاق عن اغلال الدولة اصبحت مسؤولا من الجانب الاخرعن الحفاظ على امنك الاجتماعي من اختراق القانون او العبث بممتلكات الدولة وارواح الناس وامنهم من حولك !!.



اي : انك اذا اخذت حق الحرية من الدولة ، فعليك تحمل مسؤولية الحفاظ على امنك من الارهاب واختراق القانون والاعتداءعلى الاملاك العامة الذي تنازلت الدولة عن مراقبته المباشرة في سبيل ضمان حريتك وعدم تدخلها بشكل سافر بحياتك الاجتماعية، لتصبح عندئذ انت المسؤول امام الدولة وأمام نفسك في حال حصول اي خرق امني ، او قانوني لم تقم بتحمل مسؤولية ابلاغ السلطات الحكومية عنه !!.



صحيح بامكان اي فرد ان يسخط على الدولة واجهزتها المتعددة ويتهمها بالتقصير والعجز اذا كان الانسان الحرُّ قد قام بمسؤوليته وساهم مع الدولة بحفظ الامن وعدم خرق القانون وابلغ اجهزة الدولة الامنية او الاقتصادية بوجود خرق يتحرك داخل المجتمع ، للقانون اوللامن، او للاقتصاد ، ولكن الدولة بعد ذالك لم تقم بواجبها ، وتبادرللتدخل وحفظ الامن والمحافظة على السلم الاجتماعي والقانوني وفي هذه الحالة من حق الفرد يسخط على الدولة ويتهمها بالاهمال ،ويطالب بالاطاحة بالحكومة لعجزهاعن القيام بوظيفة حماية المجتمع وتطبيق القانون اما غير ذالك عندما يكون الفرد غير مسؤولا ولاهو مدركا لمعنى ان يكون حرّا في مقابل الدولةويطالب بالحرية مع ذالك ، فهذه كارثة لها اول وليس لها اخر ، وعلى الدولة ان لاتمنح مثل هذا الفرد او هذه الجماعة ،اي صفة تقدير واحترام لمطالبها العبثية بالحرية ، التي تحاول اخذ حق من الدولة ، والضغط عليها للتنازل عن بعض مهامها السياسية ، او الامنية او الثقافية .... وفي المقابل لايقوم الفرد بتحمل مسؤولية ملئ الفراغ وسد الثغرة في داخل المجتمع !!.



تقريبا الكثير من العراقيين قد مارسوا الحياة الحرّة في الغرب ، وتحت نظم ديمقراطية قانونية اوربية ، ومعظمهم ادرك من خلال الممارسة اليومية ، نمطية حياة الافراد في هذه المجتمعات القانونية ، وكيف ان الافراد والجماعات في هذه المجتمعات عندما ارادت ان تعيش حرّة في كل شئ داخل دولها قامت من الجانب الاخر بمسؤوليات الدولة التي تنازلت عنها الدولة للمجتمع حسب عقد الحرية بينها وبين الافراد، بحيث ان الفرد الاوربي اصبح على قناعة بانه يريد ان يعيش حرّا ، ولكنه ادرك انه سوف لن يكون حرّا بوجود دولة ، تقوم فوق راسه ليل نهاروانه سوف لن يكون حرّا ، من الجانب الاخر ، اذا طالب الدولة بالانسحاب، عن بعض وظائفها في حماية الامن والحفاظ على القانون والسلم العام ... وتنازل هو عن مسؤوليته وضرورة ملئه للفراغ هذا ، فاصبح مقتنعا ان كل مواطن في المجتمع هو شرطيٌ للحفاظ على القانون ، وجنديا للحفاظ على الوطن ، ومخبرا سريّا للحفاظ على الامن ومحاربة الارهاب الذي يريد ان يسفك الدماء ويقتل العباد ويدمر البلاد !!.



وكم هي الامثلة ، التي تؤكد هذا المعنى من التلازم بين (( المسؤولية والحرية )) في مثل هذه المجتمعات صاحبت التجارب الجيدة في الحياة الديمقراطية بحيث ان اي فرد من افراد هذا المجتمعات تحول الى شرطي للمحافظة على القانون ورجل امن للحفاظ على ارواح الناس وصاحب الوعي لنشر ثقافة المسؤولية والحرية داخل المجتمع بحيث ان هذه المجتمعات مع انها مجتمعات فرديه وتصان بها حياة الافراد الشخصية قانونيا الا ان عين الجار على جاره واذن صاحب الدارعلى شارعه وحس صاحب الشارع على الامن في زقاقه او مدينته لرصد اي حالة خرق للقانون او مساس باملاك المال العام ، او اعتداء على الامن ، والارواح في هذه الحياة ، ليبادر كل الافراد باخطار السلطة والدولة لتقوم بوظيفتها على الفور وتحمي المجتمع وتوفر له الامن واستمرار الحرية !!.



وبهذا اصبحت هذه المجتمعات الغربية مجتمعات حرّة من جهة ومحصنة ذاتيا ،وغير قابلة للاختراق ارهابيا الا في بعض الاحيان ، الذي يكون فيها التخطيط الارهابي محكما ، مع بقاء الدولة على مسافة بعيدة جدا من حياة الافراد وحرياتهم الشخصية ، الا وقت الضرورة وطلب المجتمع لنجدتها !!.



واليوم على العراقيين في عراقهم ، مع جميع وسائل اعلامهم ، المرئية والمقروءة والمسموعة ،ان توصل رسالة الى هذا الانسان ، الذي يريد ان يكون حرّا في هذه الحياة ، إن عليه ان يدرك معادلة : ان من يريد ان يكون حرّا ومتمتعا بحريته وكرامته لابد ان يكون مسؤولا عن حماية هذه الحرية ،ومالئا للفراغ الذي فسحته الدولة له ليكون حرّا من هيمنتها من جهةويكون قائما بوظيفتها من جانب اخر في حماية الامن والاقتصاد والقانون ودماء المجتمع وحريته ، وبغير ذالك فلاطريق للامن والتقدم وحماية الدماء غير عودة دكتاتورية الدولة ، وهيمنتها المطلقة على ادارة الشأن العام لحياة الافراد والجماعة ،وعندئذ ليس من حق اي فرد ان يطالب بالحرية وهو ليس جديرا بتحمل مسؤولية ان يكون هو الدولة في كل مكان !!.



إن كل الدماء العراقية ، التي تسيل بقنابل الارهاب والبعثية في العراق اليوم، هي منتج طبيعي لمنح الدولة للحرية مساحات واسعة ، خلقت فراغا امنيا وسياسيا ،كان من المفروض على الفرد العراقي القيام بملئه وتحمل مسؤولية عدم فراغه وتركه للارهاب يعبث به كيفما شاء لكن مع الاسف لم يزل الفرد العراقي غير مدرك لمسؤولية الحرية وانه هو صاحب صناعة الامن ومناهضة الفساد ، والمحافظة على القانون وليس الدولة التي ثار من اجل انحسار سلطتها عن كاهله وتمتعه بالحرية التي يتنفسها اليوم !!.



بالقطع اذا لم ينتبه العراقيون لمسؤولياتهم تجاه امنهم ، فسيخسرون كل شئ بدءا بحريتهم اولا عندما تعود الدولة لتفرض الامن بالقوة والدكتاتورية، وفرصتهم ثانيا بان يثبتوا للدولة الغول انهم اناس جديرون بان تحترمهم الدولة وتلقي من مسؤولياتها الشئ القليل على كاهل الافراد والمجتمع ليصبحوا هم الدولة وليس غيرهم !.

______________________________



alshakerr@yahoo.com

الاثنين، أبريل 05، 2010

(( الارهاب ليس تيميا وانما منهجيا في بنية الفكر السلفي السُني )) حميد الشاكر

(( الارهاب ليس تيميا وانما منهجيا في بنية الفكر السلفي السُني )) حميد الشاكر


____________________________________



هل فعلا ان كل هذا التطرف والارهاب والعنف والكراهية والتكفير ...، في الفكر السلفي السُني ومنه الوهابي هو نتاج طبيعي او حتمي لافكار وفتاوى وتصورات ، ضال عاش في القرن الرابع عشر الميلادي اسمه ابن تيمية كان يطرح عملية التكفير بشكل عشوائي ، ليشمل البشرية كلها ، بما فيها جميع طوائف ومذاهب المسلمين، التي تشهد الشهادتين وتصلي للقبلة وتصوم وتحج لبيت الله الحرام ؟.



أم ان (( ابن تيمية))نفسه هو ضحية فكر ومنهج بُني ومنذ البداية على العنف والتطرف والتكفير والارهاب لخدمة اغراض سياسية وتوسعية نفعية ، هي التي خلقت وبنت فكر ابن تيمية التكفيري الارهابي قبل ان يخلقها هو نفسه من اللاشئ ، وهي التي تمون اليوم فكر الارهاب والكراهية والتكفير والايمان بالدكتاتورية ،كوسيلة شرعية وحيدة للوصول الى مغانم الدنيا والاخرة ، سواء كان هناك وجودا لابن تيمية او لم يكن له وجود !؟.



في جنوب شرق تركيا ، وفي محافظة ماردين عقد مؤتمر اسلامي يحاول مناقشة ظاهرة الارهاب والعنف في الفكر السلفي السُني وبعدان ناقش المؤتمر وبحث في اسباب ظاهرة الارهاب واينية جذورها الحقيقية المنتشرة في العالم الاسلامي والعربي بالخصوص ؟توصلوا بالاجماع الى ان افكار الفقيه التكفيري ابن تيمية احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ... العامري ،الملقب بابن تيمية نسبة الى جدته تيميةوالمسجون في مصر وفي دمشق لضلاله بالفتوى ونشر افكار ما انزل الله بها من سلطان ، وتكفير المسلمين قاطبة حتى وافاه الاجل ، والمنحدر من تركيا بانه هو اسّ البلاء على هذه الامةوانه هو المرجعية التي اعتمدتها جميع المدارس والافكار والتجمعات والاحزاب الارهابية التكفيرية في هذا العصر بما فيها القاعدة الوهابية بقيادة الوهابي السعودي ابن لادن الذي يستشهد كثيرا في فتاوي ابن تيمية باعتباره مفتي الحركات التكفيرية الارهابية في العالم كله هذه الايام ،وانه هو صاحب تقسيم العالم القديم الى دار وعالم كفر وشرك والحاد ، وعالم ودار ايمان وتوحيد واسلام !!.



والحقيقة انه وكما عودتنا هذه المؤتمرات الدينية الرسمية والسياسية ، التي تقام هنا وهناك واخرها في تركيا انها ودوما عندما تعقد لايكون من ابرز واعظم غاياتها مناقشة الظواهر الاجتماعية والفكرية الاسلامية بنوع من الجدة

اوبنوع تكون غاياتها الكبرى الدفاع عن الدين اوالدفاع عن الحقيقة والاسلام وتنظيف ساحته من العوالق المشوهة لصورته الفكرية اوساحته الاخلاقيةوانماجلّ اهتمام هذه المؤتمرات السياسية هومجارات اشكاليات العصر السياسية ومعالجة الاشكالات الدينية تحت اطارها التي تتسبب بالازعاج للمصالح السياسية العالمية الخارجية والداخلية ولهذا هي دائما تاتي كمؤتمرات يفرضها واقع سياسي ،وعند انتفاء هذه الضرورات السياسية تنتهي حتى جذوة الاهتمام بالاسلام وافكاره وتاثيراته وغير ذالك ، ولهذا كان اقرب الطرق لمناقشة ظاهرة الارهاب السلفي السني في مؤتمر ماردين التركية ، هو اخذ قشور الظاهرة ورمي كل ثقلها على شيخ من القرون الوسطى اسمه ابن تيمية كان يفتي بحلية ابادة المسلمين قبل الكفار والمشركون ، ليعلق عليه المؤتمر كل ظاهرة الارهاب العصرية والتاريخيةوليخرج بقرارات مفادها :

(( ان افتاءات الشيخ ابن تيمية التكفيرية والارهابية والداعية الى القتل والابادة والكراهية وتقسيم العالم الى دارين لاثالث لهما .....الخ كانت وليدة عصرها المضطرب وانها انتاج طبيعي لماقبل وجود مفهوم الدولة وخصوصا منه الدولة الحديثة التي تحترم عقيدة الانسان وتحفظ له خصوصيته الدينية ،وتتعامل معه على اساس انسانيته قبل دينه او توجهاته السياسية او الطائفية ؟)) .



والحقيقة ان مقررات هذا المؤتمر التركي وغيره لم يضف اي شئ جديد لبحث ، او دراسة ظاهرة الارهاب السلفي الديني المنتشرة بكثافة بين الشباب السنُي السلفي ،الذي تكمن الخطورة فيها ليس فقط في وجودها ولكن في ايمان هذه الجماعات او التيارات او الاحزاب او المنظمات..الخ بهذا الفكر على اساس انه دين منزل من قبل الله سبحانه وانهم مأمورون بالخضوع والطاعة والتطبيق لمقرراته الفكرية والسلوكية ، وعلى هذا فالقاء لوم ظاهرة الارهاب السلفي الحديث كله على شيخ من القرون الوسطى ، ووضع اليات لاعادة دراسة فكر ابن تيمية ،وتنقيته من افكار التكفيروالانحراف واعتبار ذالك انه العمل الذي سيقضي على ظاهرة الارهاب والتكفير ونشر ثقافة الكراهية والحقد بين المسلمين قبل الكافرين ...فمثل هذه النتائج والمقررات هي اشبه بالضحك على الذقون سياسيا ، منها لمعالجة اشكالية فكرية دينية حقيقية، بحاجة الى اعادة نظر مسؤولة عن مصير امه اسلامية ، وعزتها وتطورها وانتشالها من ذلّ التبعية لباقي الامم الى عزّ القيادة والتقدم والرقي في هذا العالم !!.



وكما اسلفنا بالسؤال البديهي والبسيط بالقول : اذا كانت ظاهرة الارهاب تيمية المنشأ والفكر والفتيا والسلوك فهل يتمكن مؤتمر ماردين الاسلامي بجميع علماء ووعاظ السلاطين الحاضرين بداخله ان يجيبوا على سؤال : فمن اذاً واي فكر او دين او منهجية ... هي التي صنعت لنا الفقيه الشيخ ابن تيمية نفسه ؟.

أم ان ابن تيمية كان يدّرس ويفتي وينظر ويطرح فكر هو لاديني، ولا اسلامي او باسم الاسلام ، وانه كان يتحدث عن منهجية مخترعةوليس لها جذور ولا امتدادات ولااحاديث ولااسانيد تتصل بما قبله من مناهج وبنى فكرية ايضا تنتمي للاسلام وللدين وللفكر والمنهج حتى ولو كانت على سبيل الاسم ؟.



طبعا ابن تيمية هو ايضا ضحية من ضحايا منهجية التكفير السياسية التي انحدرت متغطية ومتدثرة باسم الاسلام وهكذا اذا اردنا ان نؤكد ان ابن تيمية هو ايضا ضحية بُنية فكرية وصرح أُقيم على اسم الدين والاسلام والمقدس ليصبح هو الدين بعد ان كان اليات للمنافع السياسية والدوافع الدنيوية ، والمفروض بهذه الحالة ان تدرس وتُبحث ظاهرة الارهاب باعتبار انها صاحبت خطاب ديني سلفي سُني اليوم ليس على اساس ان مموناتها تيمية وجذورها القرون وسطية اسلامية لاغير وانما كان من المنطقي والعلمي ان تدرس على اساس جذورها الابعد من ابن تيمية وفتاويه التكفيريةالارهابيةويتم البحث في المنهجيةوالبُنية الفكريةالتي اعتمدعليها ابن تيمية ليستنبط فكره الارهابي والتكفيري منها ومن منابعها الاجرامية الخبيثةومن ثم ليترك الى مَن بعده من حركات ومنظمات وجماعات ارهابية تكفيرية فتاويه وافكاره وتصوراته ....الخ في فن التكفير ونشر ثقافة الكراهية والحقد على المسلمين قبل الكافرين والمناهضين !!!.



نعم ليستفهم العلماء : عن بنية ومنهجية الفكر السلفي السُني ومدى تأثيرات منهجية وبُنية السياسة عليه تاريخيا ليدركوا معنى الافتاء السياسي ،الذي لحق هذه المنهجية ، وليعزلوا ماهو سياسي وصدر خدمة للسلطان عن ماهو ديني اسلامي اخلاقي نزل وجاء من خلال شريعة محمد رسول الله خاتم النبيين والرسل ؟!!!.



وليبحث العلماء في بنية الفكر الديني السلفي السُني عن الاحاديث المكذوبة التي تحضّ على الكراهية وعلى العنف والتكفير والقتل باسم الشريعة والتي وردت بصحاحهم ،وتلقوها بشكل تعبد ومقدس وليخلصوا منهجيتهم الاسلامية من هذه القنابل الموقوتةالتي زرعها الكذبة السياسيون ووعاظهم الدينيين باسم الدين لكن خدمةللسياسة والسلطان ونسبوها زورا للسلف الصالح وغير الصالح !!.



ثم ليعود الباحثون والمفكرون والعلماء .....واصحاب المؤتمرات التي تعالج ظاهرة الارهاب والتكفير والدكتاتورية والقتل قليلا الى الوراء وبتفكير صافي وغايته مرضاة الله وحماية هذا الدين والاسلام وتخليصه من بدع السلاطين ووعاظهم ، ليروا مناهجهم التدريسية في الناسخ والمنسوخ ( مثلا ) ليعلموا ان هذا الذي يسمى علما لديهم في الفكر السلفي السُني الشقيق ، هو اول من اسس للتكفير وللقتل وللكراهية وللعنف والانغلاق والتعرب وغير ذالك كثير وليس قليل !!.



هل يعلم علماء الامة ومفكروها الذين لم يزالوا يحملون ضميرا حرّا لم يستعمره الشيطان باموال السلطان ان مامن عفو ولا امر برحمة ولا انفتاح بشفقة او انسانية ، او تعامل بحسن واخلاقية في القرآن الكريم مع الاخر المخالف في العقيدة والمخالف في التوجهات والسلوك البشرية ، الا وادعت المنهجية والبُنية الفكرية السلفية السُنية انها قد نسخت باية السيف او ايات القتال والغزو والعنف واللارحمة ؟.



لماذا لايرجع علماء الامة ظاهرة التطرف في مجتمعاتنا العربية والاسلامية الى هذا الخبث والشيطنة والعبث باوامر كتاب الله سبحانه ، وادعاء النسخ لها ، وهي التي صنعت المنحرف ابن تيمية ، ولم تزل كمصنع ينتج لنا كل جيل ملايين التكفيريين والقتلة والكارهيين للبشرية وللمسلمين كل جيل ؟.



انظروا الى كل تفاسير علماء السلف السُني من القرطبي وحتى ابن كثير ، فستجد ان ما من ايى فيعا (( فاعفوا واصفحوا )) او كل اية (( فاصفح عنهم )) او كل ايه من كتاب الله سبحانه تقول (( لااكراه او لاسيطرة )) الا وستجد هناك من يروي من السلف السنُي منهجيا ، انها نسخت باية (( وقاتلوا ، او وقتلوهم حيث ثقفتموهم ، او اخرجوهم او ....الخ)) فهل هذه منهجية تساعد او تبني انسانا محبا للانسان الاخر وراكنا للعفوا والصبر والانفتاح على الاخر ؟.

أم انها منهجية تستطيع ان تصنع وحوشا مفترسة لاتؤمن الا بالذبح وقطع الاعناق والغزو والتدمير ....، وكل هذا تحت غطاء ديني اسمه التكفير ، والشرك والكفر ودار الحرب ودار الايمان ؟!!.



نعم ان ظاهرة التكفير والارهاب والعنف والكراهية والتطرف ....الخ هي ظاهره منبعها الاصيل وجذورها الحقيقية في المنهجية والبُنية الاساسية التي تقوم عليها مدرسة السلف السُني التي ومع الاسف لاتجرئ مطلقا لبحث بنيتها الفكرية ومنهجيتها الاستنباطية الدينية باعتبار انها مدرسة خُلقت لخدمة السياسة والسلطان داخل الاسلام واختطفت اسمه وشريعته ليكون الاسلام غطاءا ، لتطلعات السياسة والملك في الغزو والقتل وابادة الاخر والحكم بالدكتاتورية ومن هنا فلا امل حقيقي باعادة هذه المدرسة حساباتها بفكرها او منهجيتها التي ستبقى تفرخ الف الف ابن تيمية كل جيل وملايين الملايين من الشباب التائه والمفجر لنفسه والحارق للحياة وهو يعتقد انه يحسن صنعا ، وداخلا للجنة لامحالة بعد رحيله المدمر من هذه الدنيا وكما جاء ابن تيمية على انقاض هذه المنهجية ، فكذالك جاء محمد بن عبد الوهاب ، واسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي الوهابية ،وغيرهم سياتي وسياتي في المستقبل !!.

_________________________

alshakerr@yahoo.com

السبت، أبريل 03، 2010

(( ازدواجية شخصية الحضارة في الفرد العراقي !)) حميد الشاكر


كلما قرأت لمن يكتبون حول شخصية الفرد العراقي ويحاولون تفكيك مركباتهاويربطون بعض مواصفاتها الاخلاقية او النفسية او الروحية او الفكرية .....، بظواهر الاجتماع العراقي القائمة اليوم باعتبارها الانعكاس المباشر عن هذه المواصفات، كلما تساءلت : هل يمكن الكتابة عن شخصية الفرد ، والجماعة في العراق بالاستناد فقط لمراقبة اللحظة الظاهرة الممارسة للفرد والجماعة العراقية اليوم او بالامس ،ونقدها ووضع المصطلحات الحديثة لتشخيص وجودها ؟.


أم ان لهذه الشخصية المركبة ، خلفيات تاريخية ونفسية وفكرية وحضارية ، يجب الرجوع اليها ، واخذ انعكاساتها وقراءتها ودراستها بعناية للوصول الى سرّ ، او اسرار تركيبة شخصية هذا الانسان العراقي الغريب ، وما يرشح عنها من ظواهر وسلوكيات ونمطيات قبل ملاحظة فقط هذه الظواهر لاغير وهي منفصلة عن جذورها الواقعية؟.



بمعنى اخر ونحن نحاول فهم شخصية الفرد العراقي اوالادق التعرّف على مفاتيح وملفات مؤسساتهاالبشريةالفردية والاجتماعية : هل يكفي بالفعل ، عند الحديث عن شخصية بعمق شخصية الفرد العراقي ، ان ندرس فقط ظواهره الاجتماعية والفردية ، وهي مبتورة الاتصال بمنابع مياهها الاروائية وبغض النظر عن البحث عن المنابت الطبيعية لهذه الظواهروارضياتها التي انتجت هذا المحصول القيمي والسلوكي والاخلاقي والفكري للاجتماع في العراق ؟.



أم يكون المفروض ، والواجب على كل باحث في هذا السبيل ، على الاقل ان يبحث اولا عن الخيوط لهذه الظواهر المجتمعية والفردية لهذا الانسان ويرتدّ الى بداياتها ليفهم مكنونات هذه الشخصية ، ويقع على المفقود من حلقاتها لتتم امامه الصورة ويكتمل لديه كل المشهد العراقي القائم اليوم ، ومن ثم ليكون تعّرفه وصداقته لشخصية الانسان العراقي قائمة على الوعي والادراك لكل هذه الشخصية العميقة ؟.



طبعا هناك من درس هذه الشخصية بنوع فيه الكثير من البدائية ، كما ان هناك من تناول شخصية الفرد والجماعة العراقية ، ليقتنص كل شاردة وواردة من ظواهر هذا المجتمع ، ومن ثم ليسقط عليها بعض الدراسات والتصورات التي ربما لم تكن لها اي صله واقعية بمجتمعناالعراقي بصورة خاصة وبمجتمعاتنا العربية والاسلامية بصورة عامة لنجد انفسنا ، امام منظومة من المصطلحات والافكار والرؤى ......الاجتماعية التي تقيّم ظواهرمجتمعنا وسلوكيات وشخصيات افراده بطريقة بعيدة تماما عن فهم هذه الشخصية اولا وثانيا بعيدة عن تشخيص الظواهر وطرح بعض المعالجات الواقعية لسلبياتها او ايجابياتها على جميع صعد السلوكيات الاجتماعية والفردية ، ولهذا وجدتنا وعندما طرحت موضوعات اجتماعية عراقية من قبيل (( ازدواجية شخصية الفرد العراقي )) لم نحصل ، حتى هذه اللحظة على دراسة واعية تشرح لنا بموضوعية :

اولا :ماهية مصطلح هذه الازدواجية ؟.

ثانيا : لماذية وكيفية نشأتها ؟.

ثالثا : اينية مكامن وجذور تبلورها ؟.

رابعا : كيفية التعامل معها إن لم يكن وسيلة للوصول الى معالجاتها ؟.

خامسا : كيفية الرؤية العلمية ، وليس الاخلاقية لمفرداتها لاغير !!.



بل كل ماحصلنا عليه ، هو طرح آخر مايقال عنه انه طرح علمي لدراسة شخصية الفرد والجماعة في العراق من منطلق ان الطرح الاجتماعي لشخصية الفرد والجماعة العراقية ربما كان يتعمد عن وعي اوعن غيروعي وبصفاء سريرة طرح معظم مصطلحاته ،وافكاره وتصوراته الاجتماعية ... بلغة قريبة من الاخلاقية والسياسية منها للعلمية والمهنية ، وهذا حسب مانعتقده هو ما استفزّ الشخصية العراقية ، وجعلها ترتكن وظهرها الى الجدار بعدم الرغبة لسماع او قراءة اي شئ يتصل بمفردات علم الاجتماع وتحليل ظواهر المجتمع العراقي القائم باعتبار ان ما يطرح باسم علم الاجتماع في العراق ، وكما فهمه الفرد العراقي الفطري الاستقبال للافكار ،هو لغة اما قريبة للمنشورات السياسية التي تريد تحريك مشاعر ودواخل المجتمع سياسيا لاغير ، واما انها افكار تظهر بجلاء انفعالها الاخلاقي ضد سلوك المجتمع القائم ، مما دفع تصورات للمتلقي العراقي ان مايطرح باسم علم الاجتماع العراقي ، ماهو الا نقد اخلاقي غاياته ودوافعه ومنتهياته ...الخ ماهي الا كيفية ابراز عيوب المجتمع الاخلاقية ونقدها ولذعها باقسى المصطلحات فحسب تحت مسمى تحليل الظواهر الاجتماعية ونقدها !!!.



وعلى هذا الاساس انبنت هذه الحساسية المفرطة ،للجماعة والفرد العراقي قُبالة بعض مصطلحات اجتماعية معينة كمصطلح (( ازدواجية شخصية الفرد العراقي)) بعكس مالو كان الطرح الاجتماعي الفكري العراقي لشخصية الفرد والجماعة العراقية كان قائما على الموضوعيةوالعلمية بعيدا عن اجواء ومناخات ومفردات الاخلاق والسياسة لكان لدينا الان حصيلة رائعةليس فقط من البحوث والدراسات الاجتماعية العلميةالمثمرة فقط بل ولحصدنا تفاعل وانفتاح وتقبل الفرد والجماعة العراقية لهذا العلم ومصطلحاته ومعالجاته...الخ بشكل مختلف وايجابي وغير منغلق ولامعقد ولاطارد لهذه المصطلحات ومبادئ هذا العلم الاجتماعي العملاق داخل الاجتماع العراقي !!.



نعم يمكننا القول هنا : ان من البس مفردات ومصطلحات علم الاجتماع العراقي ثوب الاخلاقية وقميص السياسية قد جنى بالفعل على براءة علم الاجتماع ، ونواياه النبيلة العالية القيمة ، ليدفعه من ثم الى زاوية الدفاع عن نواياه داخل الاجتماع العراقي بينماكان المفروض على مؤسسي علم الاجتماع العراقي ان يكونوااكثرمهنيةوان لايخضعوا هذا العلم الخطير لميولهم السياسيةاو عقدهم الاخلاقية او حتى تطلعاتهم الاصلاحية النبيلة للمجتمع والفرد العراقي بل فعلا كان يكفي ان نؤسس لعلم اجتماع عراقي ،مهني وعميق ودقيق ، يدرس ويبحث في ظواهر المجتمع بعيدا عن كل دوافع غير دوافع البحث والدراسة العلمية على التحديد ،ولاسيما الالتفات الى صياغة مصطلحات هذا العلم وطرحها بشكل ليس فيه النكهة الاخلاقية ، كي لاينقلب بحثنا الاجتماعي الى بحث في اخلاق المجتمع ، ولاسياسيا على الاطلاق حتى لاتفهم بحوث علم الاجتماع على اساس انها لافتات تقف ورائها دوافع مسيسة تحاول اثارة الراي العام من هنا او هناك !!.



بعد ذالك يمكننا ان نطرح مصطلحات علم الاجتماع الحادة الايقاعات اللفظية على اذن المجتمع ، والفرد في العراق من قبيل (( الازدواجية او الصراع في شخصية الفرد والجماعة العراقية )) ونحن موقنين بمقدرتنا على شرح هذه المصطلحات الاجتماعية وارجاعهاالى جذورها العلمية التي تدفع بذهن الفرد والمجتمع العراقي ليس فقط بتقبل هذه المصطلحات الاجتماعية فحسب بل وادراك خلفياتها الطبيعية والعلمية والحضارية....، بعيدا عن حساسيات ابعادها الاخلاقية والسياسية وماتثيره هذه الزوايا من اشكاليات نفسية ، واخرى فكرية داخل اي فرد او اي جماعة في هذا العالم مما يؤثر على مشروع وشرعية علم الاجتماع برمته !!.



ولنضرب لذالك مثلا المصطلح الاجتماعي العراقي الشهير (( ازدواجية شخصية الفرد العراقي )) ،ولنسأل : ماهي جذور هذه الظاهرة الفردية العراقية التي تتبلور وتتطور تلقائيا لتشكل ظاهرة مجتمع ؟.



هل هي جذور قدرية خلقية ؟.

أم انها جذور سياسية ؟.

أو انها منتج جذور طبيعية حضارية ؟.



اذا اجبنا بان هناك جذور قدرية لظاهرة ((أزدواجية شخصية الفرد العراقي )) فاننا حتما دخلنا في الدائرة الاخلاقية لسلوكيات المجتمع ، وعندئذ ابتعدنا تلقائيا في بحثنا عن العلمية في بحوث علم الاجتماع ، ودفعنا للمجتمع تصورا ان في سلوكه ، او اخلاقه بصيغة اخرى ، خللا قدريا لايمكن اصلاحه ، وهذا بطبيعة الحال مرفوض نفسيا وروحيا وفكريا من قبل اي مجتمع او فرد داخل جماعة ان يقرأ او يسمع مثل هذا التحليل ،للظواهر الاجتماعية وباسم علم الاجتماع ، ليُقال له :ان هناك نفاقا مستوطنا داخل اخلاقياتك الاجتماعية او الفردية لايمكن التغلب عليها مطلقا !!.



أما اذا اجبنا بأن هناك جذورا سياسية فحسب لظاهرة (( ازدواجية شخصية الفرد العراقي )) فاننا ولاريب قد دخلنا ايضا داخل الدائرة السياسية ،التي تأخذنا الى مناحي ، وبحوث ليس لها علاقة بدراسة الظواهر الاجتماعية بعلمية وموضوعية وليتحول من ثم علم الاجتماع كله فيما بعد الى منشورات حزبية يسارية او يمينية غايتها ليس الادراك والفهم والعلم والوعي بظواهر السلوك الاجتماعية وارجاعها الى مصادرها الحقيقية ، بقدر مايتحول علم الاجتماع نفسه الى مصارع سياسي يحاول التوجيه الحزبي والايدلوجي للمجتمع لاغير ،وفرق سمائي وارضي بين ان تكون غاية علم الاجتماع هي الادراك والثقافة والفهم وبين ان تكون غايته الكسب الحزبي ، والعمل السياسي والدعايات الانتخابية ...،ومايتبع ذالك من سلبيات في رؤية المجتمع لاهداف وغايات ومبررات ، هذا العلم بجميع مصطلحاته المستخدمة !!.



صحيح اما اذا كان جوابنا علميا ، بحيث يكون طرحنا خاليا من اي دوافع ، او خلفيات فيها كثير او قليل من الشك تحت طيّات المصطلحات ، واجبنا : بان الجذور الواقعية لظاهرة (( ازدواجية شخصية الفرد العراقي )) هي ليست اخلاقية ، ولاهي سياسية ، ولاحتى اقتصادية ....او غير ذالك ، وانما هي جذور حضارية ، تعود بينابيعها العلمية الى عيون تركيبةالاجتماع التاريخيةالتي انبنت على واقعية تداول الحضارات وصراعها على ارض الانسان العراقي وان تركيبة هذا الفرد العراقي قد اكتسب معالم شخصيتها الانسانية ، ومن ثم الاجتماعية من تلك الحقب المتطاولة الفعل والحركة والاصطكاك والتزاحم الحضاري ، مما انتج ومع تطاول الزمن ، خلق روح ظاهرة (( الازدواج في الشخصية العراقية )) ليس على اساس انها منتج اخلاقي سلبي ، بقدر ماهي على اساس انها منتج طبيعي لتزاحم حضاري طويل الامد تصارع حضاريا على ارض هذا الانسان العراقي وفي داخله !!.



بمعنى اكثر وضوحا : يمكننا القول ان داخل الفرد العراقي وشخصيته الانسانية فرن صهر اكثر من سبع حضارات انبنت على ارض هذا الانسان العراقي القديم الجديد ، وهذه الحضارات السبع ( بعضهم يقسمها الى عشر) بطبيعة الحال لم تتعاقب على هذا الانسان تاريخيا ونفسيا وسياسيا وفكريا واجتماعيا ودينيا ولغويا واقتصاديا ...... بوتيرة واحدة ناعمة وهادئة وسلسة (ساتناول الفرق بين الحضارة المصرية ووتيرتها الحضارية المستمرة واختلافها عن الحضارة العراقية ، ووتيرتها المضطربة او المزدوجة في الانتقال من حضارة الى اخرى وتاثير ذالك على شخصية الانسان العراقي ) ، وبدون اي حالات اضطراب وصراع وازدواجية بل انها حضارات كانت تخلق من رحم المعاناة والحرب والتدافع العنيف والحاد جدا منذ الحضارة السومرية الاولى ،وحتى يوم الناس هذا الذي يعيش فيه الانسان العراقي حالة ولادة جديدة بعد ضياع دام لاكثر من قرن فارغ من التفكير بانشاء حضارة ، وكل هذا حتما سينعكس على شخصية الانسان او الفرد العراقي ،ولتكتسب هذه الشخصية من ملامح الحضارات التي تعاقبت عليها ، وبكل تناقضات تلك الحضارات ، وتناشزاتها وازدواجياتها ملامح ومعالم شخصيتها ايضا والتي وعلى مرّ العصور تكونت ايضا بُئر داخل الاجتماع العراقي ومكونات ودوائر اجتماعية صغيرة تعيش مع الفرد حالات (( تناشز اجتماعي )) قريبة الشبه او مكملة المعنى لمصطلح (( ازدواجية شخصية الفرد في العراق )) وهذا اذا لم نقل ان احد ممونات بلورت الازدواجية في شخصية الفرد العراقي هو تناشزات الدوائر او المكونات التي تعيش داخل الاجتماع العراقي باعتبارها مخلفات لما تركته او ورثتّه الحضارات التي تصارعت على الارض العراقية لتذهب اخيرا ويبقى الانسان العراقي شاهدا حيا عن هوياتها الحضارية التاريخية المتصارعة الراحلة !!.



إي : إن سرّ وعظمة وعمق هذا الانسان العراقي في انه (( مزدوج الشخصية ))وهو لايمكن الا ان يكون انعكاسا لهويته الحضارية بكل تناشزاتها الطبيعية ، وتناقضاتها التاريخية ،وازدواجياتها التربوية ، والا لم يكن ابنا او وليدا شرعيا لهذه الحضارات ، ومنبتا حميدا من داخل هذه الارض وكل انسان ربما يعيش في الاطار الاجتماعي الداخلي للمجتمع العراقي ولايحمل في سلوكه ازدواجية تعكس على الاقل صور سبع حضارات عراقية ، فهذا الانسان اصلا يكون مشكوكا في عراقيته ، فالعراقي هو الذي يمارس السلوكية كظاهرة فردية في اعلاها طيبة ونقاء مدن سومر وهدوئها وابداعها وابتكارها وفي الراس منها وحشية وعنف وصلافة وغدر مملكة الاكد السرجونية ، وفي الصدر منها شموخ وعزة وجمال بابل وجنائنها المعلقة........ الى الوصول الى نهاية جسد الانسان العراقي وهو يحمل الحضارة الاسلامية بكل مابها من سمو اخلاقي وصرامة شرعية وتصوف علوي وشجاعة وتضحية حسينية ،وبكاء وفرح واحزان وابتهاج ...، وما الى هنالك ،من بصمات تركتها الحضارة الاسلامية الاخيرة على شخصية الانسان العراقي من جهة ، وساهمت في تعميق ازدواجية شخصيته الفردية من جانب اخر !!.

______________________________



alshakerr@yahoo.com