الثلاثاء، يناير 26، 2010

(( المفاصل الرئيسية للالحاد في الفكر الماركسي الشيوعي !)) حميد الشاكر


(( المفاصل الرئيسية للالحاد في الفكر الماركسي الشيوعي !)) حميد الشاكر
__________________________________________________________
1:-
( الدين هو تأوهات المخلوق المضطهد وسعادته المتخيلة لرسم روح عالم بلا روح وقلب عالم بلا قلب ، ونقد الدين هو نقد هذا الوادي من الدموع الملئ بالزهور الخيالية والذي يمثل الدين الهالة الضوئية التي تحيط به ونقد الدين يقتطف هذه الورود الخيالية التي يراها المضطهد في السلسال او الجنزير الذي يكبله.... كارل مردوخ ماركس / الفرضية الاولى للطريقة المادية / كتاب الايدلوجيا الالمانية )

*************************
2: - ظاهرة الالحاد
لاريب ان ظاهرة الالحاد ظاهرة انسانية بشرية مزمنة ، ومنذ وجود هذا الانسان على وفي هذه الارض وجدت ظاهرة الالحاد التي تسمى دينيا بالكفر والجحود والتمرد ...وغير ذالك كحالة تعبير عن رفض واقع قانوني واخلاقي وشرعي ديني !.والحقيقة وعلى مدى تاريخ الانسان الطويل قد تعددت الالوان الفكرية للالحاد كما تعددت ايضا الدوافع وراء وخلف هذا الالحاد الفكري حسب المنظور الاسلامي فمرة يكون الالحاد وحسب ما يطرحه الفكر الاسلامي بالخصوص بشكل ونوع الشرك مع الله سبحانه وتعالى في عبادة غير الله عزوجل مثل عبادة النجوم او الملائكة او الاصنام او الحيوان او النيران ....باعتقاد انها مخلوقات مؤثرة في حياة الانسان ومرة يكون الالحاد بشكل ونوع النفي لوجود خالق اومدبر او علة اولى لهذا الوجود وعادة ما لايعترف الفكر الاسلامي نفسه بهذا النوع من الالحاد (الحاد النفي )باعتباره الحاد مفتعل لاتقبله الفطرة البشرية ولا الذوق والعقل البشري بصورة عامة ، ولهذا جاءت المعالجة القرآنية الاسلامية ، لهذا النوع من الالحاد على اساس الفرضية وليس على اساس الوجود الحقيقي في الفكر الاسلامي ، حيث قال سبحانه :( أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون ) أما غير ذالك فالفكر الاسلامي بمجمله منصرف الى معالجة ظاهرة الالحاد (الشركية) التي هي عبارة عن الحاد بربوبية الله سبحانه وتعالى واضافة الشريك معه !!!.

وهكذا في مبضع وموضع الدوافع التي تقف خلف ظاهرة الالحاد في التاريخ الانساني ، فيؤكد ايضا الفكر الاسلامي على ان دافع المصالح الدنيوية والصراع عليها ، تقريبا هو المبرر الاعظم الذي يقف خلف ولادة ونمو واتساع وانتشار ظاهرة الالحاد الانسانية البشرية في هذا العالم ، من منطلق ان الاديان الحقّة دائما اتت بميزان العدالة بين الناس ، ورفع التظالم فيما بينهم والبين الاخر وتنظيم وادارة شؤون حياتهم بالقسط كما قال سبحانه:(لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ، ليقوم الناسُ بالقسط .../ الحديد / 25 )) ، بينما دعاة الالحاد والكفر بالاديان دائما هم من يتطلع لحياة لاتحكمهاالضوابط ولاتتوافر بها القوانين المنظمة والمقيدة لحياة البشر والمجتمعات كلها من العدوان بعضها على البعض الاخر ،ومن هنا كانت ولم تزل الاديان هي العائق الذي ترى فيها الحركات الالحادية انها قيود ومزنجرات واسلاك تكبل من حياة الافراد والمجتمعات وتعتقل ثورتهم او فوضويتهم الجامحة !!.

نعم صحيح هناك من استطاع ترويض خطاب الاديان وقوانينها وافكارها .... من عتاة المجرمين ،وايضا بسبب الصراع على المصالح الدنيوية ليحوّل بعض الاديان الى جحيم ومعتقلات وسجون ومزنجرات كما حصل بالفعل للديانة اليهودية او الاخرى المسيحية ، او باقي الاديان التي داخلتها فيروسات الفساد والمصالح الطبقية او الفئوية او العنصرية .....، لكن هذا لايعني ان الخطابات الدينية الحقة وكما يحاول تصويرها خطاب الالحاد القديم والجديد على اساس انه خطاب ومن الجذور هو خطاب الظلم والخرافة والاسطورة وغير ذالك ، بل كان من المفروض ان ينظر للاديان باعتبار انها قوانين لادارة الحياة بالعدل على اساس انها شرائع تحاول لملمة اللحمة الاجتماعية ، وتنظيم حركتها الانسانية ، واقامة العدل فيما بينهم بالسوية كما يطرحه وينظّر ويدعو له الاسلام في القديم وحتى يوم الناس هذا !!.

لكنّ مع كل مابذل في سبيل تحصين الاديان من استغلال المستغلين من جهة ، وتمرد الملحدين والفوضويين من جانب اخر بقيت ظاهرة الالحاد متوثبة بين الفينة والاخرى ، وثائرة بين الحين والاخر لتعبر عن وجودها وباشكال متعددة ، ومن اخطر تلك الاشكال الالحادية ،التي مارسها الجنس الانساني في القديم وحتى الحاضر ، هو شكل الالحاد الماركسي الشيوعي الحديث الممثل في الفلسفة المادية !!.
************************

3:- منشأ الاديان

إن خطورة الالحاد في الفكر الماركسي الشيوعي الحديث تنبع من انه الحاد مُفلسف بصورة فكرية ، اي انه مغطى بطابع يبدو للوهلة الاولى على اساس انه مستند على فكرة نظرية من جانب ،ومتوكئ على قاعدة علمية من الجانب الاخر ، ولهذا نشأت عملية التغوّل الالحادية في الفكر الشيوعي ، الذي التهمت نصف البشرية لتبشرّ بالحادها المعلّب فكريا وعلميا والمسوّق على اساس انه البضاعة التي استطاعت ان تكتشف السرّ الاعظم لحياة البشرية وباسبابه العلمية والفكرية في صورة البؤس لهذه الحياة ولماذا هي متألمة ومتخلفة وغير منتظمة الحركة بشكل بادي للعيان !!.

بمعنى اخر كانت ظاهرة الالحاد قبل التنظير الشيوعي الماركس في التاريخ ، تأخذ اطوارها البدائية في التعبير ، عندما تحاول التمرد على القوانين الدينية والشرائع السماوية والحكومات الاخلاقية الرسالية ،فتدخل من هنا وهناك بعض الافكار داخل هذه الاديان ، لتتحول الاديان من مساراتها التوحيدية الضامنة للعدالة الاجتماعية ، الى مسارات الانحراف ،والظلم ولتقع فيما بعد بشراك الاستغلال والانحراف والشرك والالحاد عن خط الاديان المستقيم ، وهكذا في كل مفصل من مفاصل التاريخ الانسانية سنجد ان هناك عوامل اجتماعية واخرى نفعية فردية ، وثالثة وهمية ...هي التي ساهمت في ولادة فكرة الالحاد والتمرد على الاديان او استغلال افكارها ، لتصب بصالح الظلم بين الخلق اجمعين ، ولكننا سوف لن نجد في هذا التاريخ الطويل ،لظاهرة الالحاد مَن استطاع ان ينظّر وباسم الفكروالعلم ....للالحاد ،ليبرز ظاهرة الالحاد بوجهها العلمي والفكري وليقدم وجه الاديان ومن الجذور على اساس انها خرافة ، ووهم واسطورية ، واداة من ادوات الظلم والقمع البشرية.....الخ لاغير سوى الفكرة الشيوعية المادية الماركسية التي تمكنت من طرح منظومة متفلسفة متكاملة ، باسم نقد الدين ، والرؤية اليه على اساس انه منتج طبقي بحت استطاعت من خلاله قوى الاستغلال ،والظلم والراسمالية ان تبيع الوهم للفقراء ، لتخدير مشاعرهم وتزييف افكارهم والسيطرة على مطالباتهم وحقوقهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الانسانية من خلاله !!!.

بمعنى اكثر وضوحا ومغايرة : ان الماركسية الشيوعية المادية لم تكتفي برؤية من نظرّ ( نيتشة المتفلسف الالماني ) فيما قبل الشيوعية وبعدها ، الى ((ان الدين وهم من مخترعات الطبقات الفقيرة المقهورة والمسحوقة التي فقدت العدل في الارض فذهبت للسماء لتبحث عنه وتصوغ من ثم جنة للفقراء ونار للاغنياء والمجرمين )) ، بل الشيوعية توغلت اكثر فاكثر للحقد على الاديان لتصنع لها مناشئا تتصل بطبقات الاجرام والاستغلال والظلم والرذيلة ..مباشرة ، لتصبح الاديان صنيعة الطبقات المستغلة والراسمالية المجرمة لاستغفال الطبقات الفقيرة ، والضحك على كل وجودهم ليؤمنوا بقانون مقدس وملكية محترمة ونظام اخلاقي اجتماعي يجب ان يراعى ويحترم ولهذا كان الدين ( حسب رؤية ماركس ) من اخطر الاسلحة ،التي تستخدمها الطبقات الظالمة ، والراسمالية ،والمجرمة في السيطرة على طبقات الفقراء من جهة ، وترويض هذه الطبقات وقمعها بأسم المقدس والاخلاق والالهي والديني من جانب اخر يقول ماركس :((ان القيم الدينية تلك القيم التي تسيطر على المجتمع كله ، هي بالضبط صورة من هذا الانسلاخ فهي قيم ونظم غرضها الوحيد هو تدعيم قوة طبقة بعينها مسيطرة اقتصاديا /الموسوعة الفلسفية / زكي نجيب محمود )) !!!!.

وبهذه الرؤية قدمت الشيوعية وجه الدين وجوهره ومضمونه وهدفه في هذه الحياة والدنيا ، وبدلا من ان يكون الدين نصير الضعفاء حتى وان كان وهما ،....وبدلا من ان يكون الانبياء ثوريون من اجل المحتاجين والمستضعفين حتى ولو على سبيل الحكاية الخرافية والاسطورية ،... وبدلا من ان تكون شرائع الاديان اخلاقيات تقف الى جانب الضعفاء والبسطاء والمحتاجين حتى ولو على سبيل الحكاية والمسرحية الانسانية ...الخ ، بدلا من هذا كله طرحت المادية الماركسية الشيوعية الاديان على اساس انها القيود وانها الظلم ، وانها الخدعة ، وانها الكابوس ، وانها الوهم ، وانها الكفر والالحاد بعينه ، وانها الشيطان الذي ينبغي على الانسان ان يلعنه ويرجمه ويحطمه ويدمره من حياته ومن هذه الحياة !!.

هل يرى القارئ الكريم كيف استطاعت الشيوعية المادية الماركسية ليس فقط تشويه الدين او مناهضته او الدعوة عليه بانه فكرة وهمية ويجب التخلص منها فحسب ، بل ان المادية الشيوعية لم تكتفي بكل تلك الدعوات لمناهضة الاديان بل واكثر من ذالك جعلت منشأ الاديان ، واسسها الواقعية راجعة الى الظلم والاستغلال والرأسمال والدكتاتورية والضحك على الاذقان وغير ذالك ، لتصنع من وجه الدين الملائكي وجه مشيطن وشيطاني ويجب ليس فقط الكفر به بل والبصق عليه بلا ادنى وخز من ضمير اخلاقي او ديمقراطي او حتى حضاري انساني !!.

لكنّ هل يدرك القارئ النحرير ان المادية الشيوعية الماركسية لم تكتفي ايضا بالحادها فقط بهذه الخطوة من البحث عن منشأ الاديان والدعوة الى الثورة والالحاد فيها ،بل انها طرحت مشروعها الفكري والعلمي لخدمة هذا الالحاد والتنظير لدعمه ورفده عندما طرحت نظريتها المعرفية الماركسية على اساس الماديةوعندما طرحت من الجانب الاخر ديالكتيكها المتصارع في سبيل زعزعة اي ايمان بفكرة وجود حقيقة ثابتة ؟.
**********************

4:- نظرية المعرفة والديالكتيك

لم يستهزء احد من العاقلين في هذا العالم بالفلسفة والفلاسفة العقليين ، بقدر ما استهزء ماركس بهم ، وبافكارهم وبرؤاهم الفلسفية في مفصلي نظرية المعرفة من جهة ، ومفصل نظرية الحركة (التطور بالتعبير الشيوعي المادي) من جانب اخر !!.

كان الفلاسفة العقليون عندما يحاولون ان يقيموا المعرفة الانسانية ، ويدرسوا مناهلها ومنابعها الواقعية ، فانهم يخلصون الى حقيقتين :
الاولى :ان الانسان بامكانه ان يستحصل على المعرفة بواقعية وليس بمثالية ذاتية كما كانت تطرحه مدرسة افلاطون المثالية التي ترى وجود الاشياء في مخيل الانسان وليس في خارجه !.
الثانية : هي ان الانسان بامكانه ان يصل من خلال عقله الى الحقائق الواقعية الخارجية الثابتة ، بحيث ان المعرفة الانسانية تتمكن على هذا الوعي ان تدرك الواقع الخارجي الذي هو بدوره يمتلك الحقائق الثابتة والمتغيره في الاشياء !!.

جاء ماركس بعد ذالك ليتشدق انه اكتشف سرّ الاسرار الكونية في داخل الانسان وخارجه ، ليحكم على نظرية المعرفة وعلى حركة الكون وقوانينه الكلية بالاتي :
اولا : ان افكار الانسان ونظراته وبالمحصلة معرفته الكاملة ماهي الا انعكاس مادي عن الواقع الخارجي لحياته !.
ثانيا : ان حياة الانسان الخارجية حياة قائمة على المادة لمتغيرة والمتحركة والمتطورة والغير متوقفة لاغير !.
ثالثا : قانون حركة هذه الحياة الخارجية قانون ديالكتيكي يخضع لحركة صراع دائمة يكون فيها التطور عملية ولادة لشئ جديد مع نفي شئ قديم ، وهكذا كل حقبة تلد جديد يصارع قديم لينتصر عليه اخيرا ليلد الجديد شيئا جديدا اخر يقوم بعملية الصراع الازلية ليصبح الجديد قديما والقديم جديدا :
رابعا: ان المتحكم الحقيقي ،بحركة وعملية هذا الصراع الديالكتيكي الازلي القائم في قلب حياة اي مجتمع هي وسائل الانتاج الاقتصاديةفكيفما تكون هذه الوسائل الانتاجية تكون على غرارها صورة الصراع الاجتماعي وماهية افكار المجتمع وتصوراته وقيمه وتنظيراته .
خامسا : وعلى هذا الاساس كانت ماهية المعرفة الانسانية محددة بانعكاسها عن الواقع المادي اولا ، ومتحركة ومتطورة مع حالة الصراع داخل الواقع الاقتصادي المعاش للمجتمع ثانيا !.
سادسا :اي حديث عن حقيقة ثابتة او اي شئ ثابت في فكر الانسان ومنظومته المعرفية هو حديث خرافة واسطورة ولاعلمية مطلقا ، بل هو حديث عن تحجر وجمود ليس له من العلم والفكر اي رصيد محترم ، بل هو اشبه بنتيجة مخالفة قانونيا لمقدماتها الطبيعية !!.

وبهذا قررت الشيوعية الماركسية المادية : ان الاديان على فرض انها افكار او قيم او اخلاقيات معرفية ما ، فانها لاتعدو ان تكون منعكس فكري لحقبة معينة من التاريخ البشري ، والتمسك بها او الايمان باستمراريتها الفكرية والقداسية والاخلاقية والقيمية ..، ماهو الا ايمان بخرافة مناقضة للعلم من جهة ومناقضة لحركة التطور القانونية في الكون والعالم من جانب اخر وعلى هذا الاساس ، فان الايمان العلمي يقتضي الحكم على الدين ، كفكر ،او كمعرفة بانه شئ ينتمي للقرون ماقبل الصناعية عندما كان الفاس اليدوي ، هو وسيلة الانتاج المتاحة للانسان في هذه الحياة ،وعندما كان الادراك البشري لايعلم من قوانين الطبيعة اي سرّ من اسرارها القانونية ، اما في عصر العلم والتكنلوجيا والصناعة والمكننة ،لايمكن ان يكون للدين اي وجود فكري او قيمي محترم داخل حياة الانسان وخارجه ، بل وانتفت الحاجة للاديان وافكارها وتشريعاتها وقيمها واخلاقها ايضا ، بعدما اصبحت عبئا وتخلفا واسلحة بيد اناس يحاولون قمع الثورية البروليتاريا التي تريد ان تتحرك مع تطور الحياة وعملية صراعها المستمرة !!.

نعم بهذه الرؤية والفكرة طرحت الشيوعية الماركسية المادية الحادها ( العلمي )على اساس انه الحاد ينطلق من الفكر والعلم في جبهة صراع واحدة !!!

والحقيقة ان الاشكالية الماركسية ، الشيوعية ،المادية نحو المعرفة ونحو قوانين الحياة وحركتها الطبيعية ، انها وقعت تحت وطأت ظلمات فكرية بعضها فوق بعض كما يعبر القرآن الكريم عن ذالك بقوله سبحانه وتعالى(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ،أو كظلمات في بحر لحيٍ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور / 40 / النور ) !!.

وبالفعل وللوهلة الاولى ترى ان الرؤية المادية الشيوعية في المعرفة وقوانين الحياة ، وببريقها السرابي الخادع على اساس انها ماء الحياة ، ولكن وبعد تأمل بسيط فيما طرحته المدرسة المادية الماركسية في هذين المفصلين المعرفيين سيكتشف اي انسان منّا انه يتبع سرابا لاغير ،وليس له اي سند قانوني او علمي يذكروسرعان ماسوف يصطدم بالحقيقة الثابتة والقانون الفعلي في هذه الحياة (( الله سبحانه )) وهو امامه ، ويكتشف عندئذ انه كان داخلا في ظلمات فكرية لها اول ماركسي مادي وليس لها اخر ، ظلمات في بحر لجي متلاطم الامواج وفي ليل مظلم بلا ضوء لبصيص قمر ، اذا اخرج يده لم يكد يراها من ظلمات الواقع وظلمات الابصار وظلمات العقول والافكار وأنفاق المتاهات ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور !!.
وعلى هذا الاساس نحن بحاجة للتأمل في ظلمات الفكر الماركسي لندرك من اين كانت البداية وكيف ينبغي ان يكون المخرج منها ؟.

***********************
5:- الظلمات الفكرية للمادية الشيوعية

اولا : الظلمة الاولى في نظرية المعرفة

إن الظلمة الاولى في الرؤية الماركسية المادية تأسست من مقولة :((ان افكار الانسان وتصوراته وكل معرفته لها منفذ علمي ومعرفي واحد لاغير هو واقع الانسان المادي الخارجي فقط )) !!.
وهذه الظلمة الماركسية ، مع انها حكم فيه تهكم وليس عليه اي برهان ودليل عقلي او علمي مقنع ، الا انها هي بداية طريق المغارة المظلمة ، الذي يدخل فيها اي ماركسي شيوعي مادي ملحد ينتمي للفكر المادي الشيوعي ، فهي تقرر ومنذ البداية ان منفذ المعرفة الانسانية الوحيد هو المنفذ الواقعي المنعكس من خارج حياة الانسان ،وعلى هذا الاساس حكمت الشيوعية على العقل والمعرفة الانسانية كلها بالاعتقال للمادية الخارجية بدون ذكر للاسباب المنطقية والعلمية التي تحتم علينا رهن المعرفة والعقل البشري كله للمادية الواقعية لاغير !!.

نعم ماهو المقصود الشيوعي المادي من رهن الذهنية البشرية كلها بواقع المادية الخارجية ؟.
وماهي منعكسات هذه الرؤية لنظرية المعرفة الانسانية .؟.

سؤالان سيبرزان في حال معرفتنا للتوجهات الفكرية المادية الشيوعية لنظرية المعرفة الماركسية هذه !!.

وفي الحقيقة ان المادية الماركسية ارادت من خلال طرحها للمعرفة الانسانية ، وربطها بالخارج المادي فحسب ان تقول : ان ليس هناك اي منافذ اخرى ومنابع مختلفة عن المادية ، هي التي تتمكن من تموين ، ورفد المعرفة الانسانية ،بمعرفة صالحة للاعتماد عليها علميا واحترامها فلسفيا وفكريا ،اما القول ان هناك وحيٌ (مثلا) يهبط من السماء رساليا ليغذي العالم البشري بالمعرفة ، او القول ان للعقل البشري امكانية في اختراق الجدار الحديدي للمادية ، لاختراع او انشاء معارف ،وحقائق اخرى لاتخضع للمادية في نشأتها ....الخ فكل ذالك ماهو الا اساطير ووهم لايمت للعلم والمعرفة بصلة واقعية ومن هنا كان الايمان بالاديان وبالرسل وبالرسالات ، او الايمان بالمبادئ العقلية او الثوابت الاخلاقية ، وغير ذالك كله ايمان بتوافه ليس لها من العلم ولامن الفكر في الماركسية اي رصيد او اعتراف او احترام !!!.

اضف الى ذالك ان الماركسية المادية الشيوعية من حيث تعلم او من حيث لاتدرك ، فان ربطها هذا للمعرفة الانسانية بالواقع المادي المتحرك لاغير ،فانها اسست لاعظم انغلاق فكري في الوجود البشري على الاطلاق ، ومع ان الماركسية والماركسيون يتشدقون دوما بالعلمية والتطور والانفتاح .....الخ ، الا انها بالفعل الفلسفة الوحيد التي تمكنت من ادخال العقل البشري كله في معتقل المادية المظلمة لاغير ، ورهنته بالاكراه لفكرة ان المنفذ الوحيد لتصوراتك الذهنية والابداعية هو هذا الحيز فحسب وهذا (مع الاسف ) ما انعكس فكريا ونفسيا ، وسلوكيا ايضا على كل المنتمين للشيوعية والمؤمنين بفكرها ان يكونوا اناسا منغلقين وماديين وجافيين الى ابعد الحدود الفكرية والجمالية والفنية ...وغير ذالك الكثير بحيث ان الجمود والانغلاق الفكري لدى الشيوعيين منشأه الاصيل من فكرة ، او رؤية نظرية المعرفة الماركسية ، الذي جعلت من الفكر الانساني تابع للمادية الخارجية فقط !!.

صحيح في الجانب الاخر طرحت الفلسفة العقلية ( الاسلامية ) رؤيتها لموضوعة منابع المعرفة الانسانية في نظرية المعرفة ، وأكدت ان للعقل البشري قدرة وامكانية انفتاح غير مقيدة بحدود المادة ، وان للعقل الانساني امكانية التملص من المادية الخارجية لصناعة القوانين الفكرية والاخلاقية والقيمية الثابتة ، وهكذا للعقل البشري القدرة على ليس فقط الخضوع لقوانين العالم الخارجي ، بل والتفاعل معه ، ورصده واستخلاص القوانين الثابتة من حركته ( جميع القوانين العقلية الفلسفة كمبادئ العلة والمعلول ومبدأ السببية ومبدأ عدم اجتماع النقيضين ، وكذا القوانين الطبيعية كقانون الحركة وقوانين الجاذبية وقوانين الغليان وقوانين الانشطار الذري وقوانين التفاعلات الكيميائية ، وكذا قوانين الرياضيات ....الخ ) الذي تؤكد هذه القوانين ان للعقل ادراك ابعد واوسع من خضوعه فقط للمادية ، وبما في ذالك قانون (( الديالكتيك او حركة الصراع )) الماركسية الذي تؤكد الماركسية المادية نفسها على اساس انه القانون الثابت الوحيد في هذا العالم والذي لايتغير ، ..... كل هذا طرحته المدرسة العقلية الفلسفية في قبال ما طرحته المدرسة الماركسية المادية لتصل الى نتيجة((ان منافذ المعرفة العقلية الانسانية اوسع بكثير من قيود المادية )) ومع ذالك بقت المادية الماركسية متمسكة برؤيتها المادية على اساس ان المنفذ الوحيد للمعرفة الانسانية هي حركة الواقع الخارجي المادي لاغير !!.

ثانيا : الظلمة الثانية في قانون الديالكتيك

وهو القانون القائل بعملية الصراع المسيطرة حركيا على عالم الانسان الخارجي !!!.

والظلمة في هذا القانون ماركسيا شيوعيا مادياهي ليس في وجوده خارجيا اوعدم وجوده في عالم المادة الاجتماعي الانساني بل في الفهم الشيوعي المادي لقوانين الحياة القائمة في داخله ، فالعالم البشري بما فيهم اصحاب الفلسفة العقلية الاسلامية مجمعون على ان العالم الطبيعي والاجتماعي الانساني هو عالم خاضع لقوانين الحركة وقوانين التحول وقوانين التطور وغير ذالك لكن الاختلاف بين الرؤية المادية الشيوعية المنغلقة لهذه القوانين ،وبين الرؤية العقلية الفلسفية هو في كون الشيوعية الماركسية لسبب او اخر (يُقال انها اسباب سياسية بالدرجة الاولى وليس فكرية ولا علمية) ارتأت الشيوعية المادية ان تنظر لعملية الحراك الطبيعي والاجتماعي هذا على اساس انه حراك ( صراع وديالكتيك وتناقض )مما يجعل العالم الخارجي كله بما فيه عالم الانسان يخضع لعملية حركة صراع مدمرة يدمر فيها القانون الجديد في كل شئ عالم ومحتوى القانون او القوانين القديمة لاغير ، وبعد هذا اعلن ماركس ، عبقريته المنقطعة النظير ،باكتشاف ماهية قوانين الحياة والكون والطبيعة والتاريخ الديالكتيكية المتناقضة هذه ، وانها قوانين تتحرك بماهية وعملية صراع ينفي فيها الجديد القديم ، وبعدما يصبح الجديد قديما يولد نفي النفي لينتقم الجديد من القديم الجديد وهكذا !!!.

هل فعلا ان هناك قانون يتحكم في العالم ديالكتيكي يعتمد صيغة او حركة الصراع الغير منتهية هذه ؟.
أم ان هناك قوانين وحركة وتطور في الحياة لكن ليس لها علاقة لابالتناقض ولابالصراع ولابالتدمير وغير ذالك ؟.

هذا سؤالان فكريان وعلميان ليس لهما اي علاقة بصراع سياسي او ايدلوجي ، وانما طلب معرفة حركة قوانين الكون والحياة والمجتمع ....، هي بالفعل معرفة من اجل الفكر والوعي والفلسفة والعلم اكثر بكثير من انها معرفة تصب في حيز سياسي او نفعي او ماشاكل ذالك !!!.

في الفكر المادي الماركسي الشيوعي اي اعتراض او طلب معرفة او نقد لهذه الرؤية الديالكتيكية يعتبر جريمة بل ويعتبر وبسرعة البرق على اساس انه جمود وتخلف ونظرة للحياة تريد ان تقول بوجوب عودة الحياة للحياة الحجرية ليس الا ، بينما في الواقع ان المعرفة غير متوجهة هل الحياة متحركة ومتطورة او انها جامدة ومتحجرة ؟، وانما متوجهة الى معرفة كيفية هذه الحركة وهل هي حركة (تكامل ) وندية ام حركة صراع وتناقضية ؟.

من خلال تشبث الشيوعية المادية بفكرة الديالكتيك وفكرة الصراع وفكرة التناقض ، فرضت هذه المدرسة على نفسها وهم : انه وبما ان الحياة متطورة ومتحركة بعدة اشكال متناقضة ، وبما ان هذه الحياة المادية هي فقط مصدر المعرفة الانسانية ، فعلى هذا المنطلق لابد ان تكون جميع افكار الانسان ومعتقداته وتصوراته ايضا وتبعا لحركة الحياة كذالك متغيرة ومتطورة ومتحولة ومتناقضة كل يوم وكل جيل وكل حقبة تاريخية انسانية بشرية !!.

إذن بسبب ان قانون الصراع هو الحاكم على حياة المجتمع ، اضطرت بالبداهة ان تعتقد الشيوعية المادية ان تقول بتطور او تحول او تناقض تصورات الانسان وافكاره ومعتقداته وقيمه ، وعلى هذا لايصبح من المنطقي حسب الرؤية المادية هذه القول بثبات اي فكرة او معتقد او تصور للانسان ، لان كل هذه المنظومة المعرفية خاضعا حتما لتطورات وتناقضات وصراعات الحياة الخارجية !!.
هذا طبعا بعكس من يؤمن بالفلسفة العقلية التي تقول بان المعرفية الانسانية اولا ليست هي رهينة مادية وثانيا قانون الحركة والتطور في الحياة لايقوم على بنية الصراع ونفي النفي ليكون هناك عدم ثبات اي فكر انساني او اخلارقي او معتقدي ، وانما هناك حركة (تكامل جوهرية ) تتحكم في العالم الخارجي للانسان تكون فيها الحركة عبارة عن عملية ولادة تراكمية للاشياء من القوة الى الفعل على طول خط حركة الحياة وتطورها المستمر !!.

الان اذا سألنا وما هو مبتغى الشيوعية المادية بفهم حركة وقوانينن الحياة بصيغتها الصراعية والتناقضية ؟.

لقلنا ان الهدف من كل هذه الرؤية المظلمة هو توظيف الفكر والعلم والفلسفة للمصالح السياسية لاغير !!.

نعم ففي قانون يحكم العالم والانسان باسم الصراع والديالكتيك نستطيع ان نقنع اي انسان ساذج على ان حركة قوانين الحياة والعالم قائمة على عملية الصراع هذه وان صراعه مع الاخر قدر طبيعي وقانوني وحتمي في هذه الحياة ، وبهذا عندما ندعوا طبقة فقراء وعمال للثورة على باقي طبقات المجتمع لابد ان يكون لدينا مستمسك حتى ان كان وهما الا انه يستطيع استغفال الابرياء من بني البشر على اساس انه علمي وتطوري ، وبهكذا وعي نستطيع تحشيد الجماهير العظمة ، للتمرد على الثابت والمقدس في حياتها سواء كان دينيا او اخلاقيا باعتبار انه وهم وليس هناك اي ثابت فكري على الحقيقة ، ونستطيع كذالك لتمرير قضية الثورية وانها من ضمن السنن الكونية التي لاتؤخذ الحقوق الا من خلالها التناقضية !!.

طبعا الان هناك من سوف يأخذ هذا الطرح الذي نطرحه لمعرفة الدوافع الشيوعية المادية بتبني فكرة الديالكتيك والصراع على اساس انه دعما للظلم والاستبداد والسرقة الراسمالية ، من منطلق ان من يدعوا لعدم الصراع فهو حتما مع الخضوع والذلة والاستسلام !!.

والحقيقة انه ليس هناك من رابط يربط الثورية او التغيير او الحركة او التطور بالفكرة المادية الشيوعية ، ليقال ضد كل من ينتقدها على اساس انه ضد الثورية وضد التطور ، ولكن هناك رؤية فوضوية سياسية ، تحاول استغفال بني البشر ، ببعض الشعارات البراقة التي تطرح الحرية والديمقراطية ( مثلا ) من جهة وتطرح بنفس الوقت الدكتاتورية والظلم من الجانب الاخر ، ولتقول في النهاية : ان الديالكتيك والصراع يحتم الايمان بالديمقراطية من جهة وبدكتاتورية البروليتارية من جانب اخر !!.

ومثل هذا الفكر خطره في كونه من اتعس الافكار التي استغلت الانسانية المعذبة وامالها العريضة ، لتفلسف الاجرام والسرقة والاستغفال باسماء مستعارة وجميلة وجذابة ، بل ولتسرق مضمون العلم الذي كل الفكرة الماركسية المادية بالنقيض منه لتختطفه وتتاجر بالعلم كما بالفن كما بالفكر والفلسفة من اجل الوصول الى السلطة وخلق الفوضى واعتداء المجتمع بعضه على البعض الاخر وظلم الانسان لاخيه الانسان تحت مبررات وذرائع لايقال عنها الا انها ابشع بالفعل من ظلم السرّاق الرسماليين والمنحرفيين الكنسيين الدينيين !!.

صحيح يبقى الكثير في هذه المدرسة المادية الماركسية الالحادية الذي بحاجة الى مناقشة وتعرية ، وخاصة في مجال الترويج للالحاد ضد الاديان بصورة خاصة ، وضد الثوابت والاخلاق والحرية والكرامة واستقرار المجتمع .... بصورة عامة ولايكفي بالفعل ابراز المفاصل الفكرية فحسب لهذا الالحاد الديني في المدرسة الماركسية ، بل كان ينبغي علينا دراسة ايضا جميع مفاصل هذه المدرسة ومفصل مفصل ، ليدرك القارئ ان هذه الفكرة ، بالاضافة الى انها ابعد شئ عن العلم ، والفكر والفلسفة والانسانية ، هي كذالك المدرسة ، التي ان اختطفت الابرياء فكريا وعقليا وثقافيا ...فانها ستقودهم الى جحيم بشري دنيوي يكفر بكل القيم الانسانية والمواثيق والعهود البشرية ، لينتقل من انسان ينبغي ان يحمل قلبا وروحا الى انسان يحمل جثة مادية لاتشعر ولاتحس ولاتنبض بالحياة ابدا !.
___________________________________________

alshakerr@yahoo.com