الثلاثاء، أكتوبر 04، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 7 حميد الشاكر


بعد ان يذكر الامام الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا أهم الاسس والمرتكزات المذهبية للنظام الراسمالي الديمقراطي ليلخصها :
اولا : بالفردية .
ليبني على هذا الاساس اوالمرتكز تابعين اصيلين يترتبان على فكرةالفردية داخل النظام الاجتماعي الراسمالي الديمقراطي وهما :
أ : تابع ان الفردية هي الضامن والكافل بصورة طبيعية مصالح المجتمع .
ب : وتابع ان على الدولة ان تكون هي المبادر لحماية الفرد ومصالحه وحرياته وليس العكس .


ينتقل مباشرة لذكر القاعدة ، والاساس الثاني من توابع ، ايضا هذه الفكرة ولكن ابرازها بشكل اقرب للاصالة منه للتوابع وكقاعدة من قواعد مذهبية النظام الراسمالي الديمقراطي الا وهي قاعدة :
ثانيا : الحرية الفردية !!.
ومعلوم ان الامام الصدر رحمه الله ، قد طرح فكرة الحريات الاربعة للفرد باعتبارها من اساسيات الفردية في المذهبية الراسمالية من جهة وباعتبار ان ( الحرية) فكرة اصيلة داخل النظام الراسمالي من جانب اخر وعلى هذا الاساس بنيت مقولة الحريات الاربعة عندالامام الصدر في الفكر الراسمالي والتي هي :


أ : الحرية السياسية وهي عبارة ان يكون لكل فرد رأيا محترما في تقرير مصير الحياة السياسية للمجتمع باعتباران النظام الاجتماعي ومسألة الحكم داخله وتتصل اتصالا مباشرا بحياة كل فردمن افراد هذا النظام وعليه تقرر له حق المشاركة في صياغة الحكم !.

ب : الحرية الاقتصادية باعتباران هناك قوانين اقتصادية صارمة ان تهيئت لها حرية الافراد ، ستعمل بنفسها على ضبط السوق ، والانطلاق بها نحو الازدهار والنمو والتقدم .

ج:الحرية الفكرية وهي حرية ينبغي ان تترك للافراد حرية التفكيروالايمان وصياغة العقيدة الدينية منها والايدلوجية ، والانتماء الى ماتشتهيه عقلية الافراد ، وترغب به من افكار .
د : والحرية الشخصية ، وهي عبارة ان افساح المجال للساحة الشخصية للافراد واسعة يُمارسون بها حياتهم وسلوكهم الخاص كيفمايرتأونه وبدون اعاقة من احد او جهة او مؤسسة !.

ثم بعد هذا يختم السيد الصدر في تمهيده الفلسفي طرحه للخطوط الرئيسية للنظام الراسمالي الديمقراطي بالقول : (( هذه هي الديمقراطية الراسمالية في ركائزها الاساسية ، التي قامت من اجلها جملة من الثورات وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب ، والامم في ظل قادة كانوا حين يعبرون عن هذا النظام الجديد ، ويعدونهم بمحاسنه يصفون الجنة في نعيمها وسعادتها وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء وقد اجريت عليها بعد ذالك عدة من التعديلات غير انها لم تمس جوهرها بالصميم ..)) 1 .

أما على مستوى المعالجة والمناقشة للامام السيد الصدر رضوان الله تعالى عليه لركائز النظام الراسمالي الديمقراطي فما يلفت النظر بهذ ا الصدد :

اولا : لم يناقش او يبحث السيد الشهيد الصدر فكرة (( الفردية )) التي قام عليها كل النظام او المذهب الراسمالي الديمقراطي بشكلها التام وبصورة معمقة بحيث يعطي لهذا الاساس الراسمالي ما يستحقه من نقد فكري يأتي عليه من القواعد ، ليهدم من ثم كل البناء المذهبي للراسمالية الديمقراطية وانما اكتفى الامام الصدر في تناول اساس (الفردية) داخل هذا النظام بالنقد والبحث ، والمناقشة على مستواه الاقتصادي فحسب في سؤال هل ان فعلا الفردية تصلح لان تكون ضمان ، وكفيل لمصالح المجتمع وسعادته ورقيه كذالك ؟.
أم ان هناك وبطبيعة الفردية ، التي تطرحها الراسمالية الديمقراطية تناشزا فطريا وفكريا ونفسيا... بين ان يكون محرك الفرد هي مصلحته الشخصية وبين القول المخادع للراسمالية من ان مصلحة المجتمع وسعادته ستنبثق من مصلحة الفرد الانانية النفعية نفسها بصورة طبيعية ؟.

ثانيا : ربما كان عدم مناقشة وبحث الامام الصدر ((للفردية)) بشكل موسع وجذري بسبب ماذكره مرارا الامام الصدررحمه الله للراسمالية الديمقراطية المذهبية في كتابيه فلسفتنا واقتصادنا من ان هذا النظام يفتقر الى الرؤية الفلسفية الشاملة التي تصلح لان تكون الجدارية الفلسفية اوالعلمية لتغطية ودعم الافكار الراسمالية التي تطرح على عواهنها وبدون اي مستند فكري فلسفي ، او علمي ايدلوجي يدعم هذه التوجهات في النظام الراسمالي كما هو حاصل (مثلا) للماركسية الاشتراكية التي عندماتطرح فكرة في نظامها المذهبي ، ترجعه (بالتداعي) الى رؤيتها العلمية ، او الفلسفية في الحتمية التاريخية او الايدلوجية الديالكتيكية العلمية التي تكون رافدا وداعما لافكار المذهب الاشتراكي ، وهذا غير موجود ، مع الاسف في المذهب الراسمالي !!.
ولهذا ذكر الامام الصدر في تمهيده الفلسفي ، وبوضوح نقطة افتقار النظام الراسمالي للفسلفة الفكرية اونقص هذه المدرسة للجانب الايدلوجي العلمي لافكارها الارتجالية ليرجع من ثم هذه الظاهرة للراسمالية لعاملين :

الاول : الخداع والتضليل اي خداع البسطاء من بني البشروالتضليل عليهم بنفخ المصطلحات الفارغة بدون اي مستندات فكرية او علمية !!.

ثانيا:العجلة وقلة الاناة ، اي سفاهة فكرالمذهب الراسمالي في طرح الافكار بدون روية فكرية ، او علمية تدعم هذه الافكار و تتمكن من شرح واقعية هذه الافكار المذهبية !!.

ولهذا قال السيد الامام الصدر وهو يتعرض للمسألة الاجتماعية ، وحاجتها الضرورية لقاعدة مركزية فلسفية او علمية تشرح ما يطرحه المذهب مما ينبغي اولاينبغي الايمان به وافتقارالراسمالية لذالك ((ان المسأة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياةولا تتبلور بشكل صحيح الا اذا اقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة وواقعها وحدودهاوالنظام الراسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل أوعلى عجلة وقلة اناة حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها )) . 2 .

بمعنى اخر ان الراسمالية عندما تنتخب الفردية لنظامها الاجتماعي هي لم تشرح لنامبدأيا فلسفيا وعلميا رؤيتها للحياة الاجتماعية الانسانية وابعادها الفكرية ، لتجيب قبل ان تقرر ان الفردية هي الامثل للحياة الاجتماعية او هي الاسوأ لهذه الحياة على سؤال:هل ان لهذه الحياة ابعادا معنوية مضافا لابعادها المادية ؟.
أم ان هذه الحياة ليس لها علاقة باي بعد معنوي مرتبط بالسماءاو الارض يحتم رؤيتها بشكل مختلف ؟.
وهكذا اذا اردنا ان نفهم او ندرك مبررات انتخاب النظام الفردي للراسمالية الديمقراطية ودعوتهالهذا النظام واعتباره النظام الاصلح للحياة الاجتماعية فعلى الراسمالية قبل ان تقرر كل هذه المقررات المذهبية عليها ان تشرح لنا قاعدتها الفكرية او العلمية او الفلسفيةفي فهم تركيبة المجتمع الانسانية وهل ان الاصالة فيها للفرد ام للمجتمع ؟.

واذاكانت الاصالة للفرد في تركيبةالاجتماع الانساني فعلى اي اساس علمي او فلسفي انتخبت الراسمالية هذا الانتماءلتبشر من ثم بالدعوة اليه وتدعي انه النظام الاصلح للمجتمع ؟.

كل هذه الاسألة هي ما قصده الامام الصدر(رض)عندما اشار لافتقار النظام الراسمالي لقاعدة الاجابة عليهافالنظام الراسمالي على هذا الاساس لايمتلك اي قواعد علمية او فكرية ، تمكن الباحث من الرجوع ومناقشة ما تطرحه مما هو كائن قبل ان تطرح مذهبيا ماينبغي ان يكون مذهبيا ، ولعلّ هذا هو سبب عدم بحث الامام الصدر ، لفكرة الفردية ، بصورة معمقة في المذهب الراسمالي ، واكتفاءه بالقول حول المذهبية الراسمالية انها مذهبية تنتهج الخداع والتضليل من جهة ،وتنتهج الجهل وقلة الوعي والادراك من جانب اخر !!.

ثالثا : نعم هناك بالنسبة ، لرأيي الشخصي مبررا اخر ، لعدم مناقشة الامام الصدررضوان الله عليه ل(لفردية) في النظام الراسمالي بشكل معمق ونافذ الى جذور هذه الفكرة ، ومنطلقاتها الهشة في الفكر الراسمالي باعتبار انه لايمكن لباحث مثل الفيلسوف الصدر ان يتناول المذهب الراسمالي بدون ان يعقد فصلا مستقلا لبحث ومناقشة ونقد اهم ركن او اساس في هذا المذهب الا وهو اساس (الفردية) على الاقل من جانبها الاجتماعي والفلسفي وهذا المبرر حسب ما اعتقده هوان الامام الصدرقد ارجأ هذا البحث لما ذكره في مقدمة الطبعة الاولى من كتابه اقتصادنا عندما اشار الى ان كتاب (فلسفتنا ) هو الحلقة الاولى من دراساته الاسلامية التي تتناول فيهاالقواعد الفكرية للمدرسة الاسلامية ويتلوها بعد ذالك دراسة (مجتمعنا) 3 ، التي قدر الامام انها ستكون الحلقة الثانية لتناول البناء الفوقي للمدرسة الاسلامية الشاملة ولكن قدر استشهاد الامام على يد طاغية العراق المقبور صدام حسين افقد المسلمين ثروة فكرية عظيمة كان الامام يخطط لطرحها باسم ( مجتمعنا ) ليشرح للامةوللعالم الاسلامي تصوره حول بناءوتراكيب المجتمع الاسلامي وكيفية القيام به ؟، وماهية هندسته ؟،وكيف هي رؤية المدرسة الاسلامية في مقابل الراسمالية والاشتراكية لهذا الاجتماع !!.

ولهذا وجدنا الامام الصدر عزف في تمهيده الفلسفي ، لكتاب فلسفتنا عن تناول الفردية بصورة معمقة واكتفى بالاشارة الى مادية النظام الراسمالي مع انه كان من المفروض ان لايترك هذا الاصل في المذهب الراسمالي الا اذا كان هناك مشروع اوسع ، للصدر يبتغي ان يتناول الفردية داخل النظام الراسمالي ومن خلاله بشكل يعطيه حقه من النقدالكامل وهذاما كان ينتظره قرّاء الصدر في العالم الاسلامي بشكل عام ، وقراءه رضوان الله عليه في العراق بشكل خاص في اطروحته التي كانت منتظرة في كتاب ((مجتمعنا)) لاسيما ان تناول الفرديةالراسمالية في اطارهاالاجتماعي ينسجم بشكل اكثر مع البحوث الاجتماعية منها داخل البحوث الفلسفيةلكن ذهب الصدر شهيدا الى ربه وذهب معه مشروع مجتمعنا الاسلامي وما كان ليثريه هذا الطرح من منفعة اسلامية لاتقدر بثمن !!.

رابعا : مع اننا فقدنا ثروة فكرية هائلة عندما فقدنا مشروع الامام الصدر في كتاب ( مجتمعنا ) لاسيما ان هذا المشروع كان حتما سيتناول التراكيب الاجتماعية ونظرياتها الفكرية والعلمية والفلسفية بشكل عميق مضافا الى ادراكنا للرؤية الاسلامية والعلمية والفكرية ... تجاه الفردية الراسمالية في نظامها الاجتماعي ، لكن هذا لايعني اننا فقدنا رؤية الصدر ، والى الابد في مناقشة الفرديةالراسماليةوتاثيراتها المدمرةعلى النظام الاجتماعي وسعادته وحريته الحقيقية من منطلق انه ، لايمكن مناقشة الراسمالية بدون مناقشة قاعدتها الاساسية في الفردية وتهديم كل مدعياتها المخادعة !!.

فهناك من تناول هذه الفرديةداخل اطار البحث الاجتماعي الاسلامي الاصيل بفكر ، واسلوب وتناول نعتقد شخصيا انه لا يختلف ابدا عن عمق واصالة وجدارة ...فكر الامام الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه لو كان بالفعل تناول هذا الموضوع من خلال طرحه الشخصي !!.

ونقصد بذالك ما تناوله الشهيد السعيد مرتضى مطهري رحمه الله في كتابه ( المجتمع والتاريخ ) ، الذي حاول فيه هذ ا المفكر الكبير مناقشة تراكيب المجتمع واساسياته الفردية والاجتماعية ، بتحليل فكري وعلمي ، وفلسفي لايقال عنه الا انه لم يسبقه اليه احدبهذا الاسلوب والتوجه ونمطية التفكير ..غير قرينه في التوجه والتفكير الامام السيد الفيلسوف محمد باقر الصدر !!.

نعم ربما غير معروف في الاوساط الفكرية ، والمجامع العلمية مدى انتماء الشهيدين السيد الصدروالشهيد الشيخ مرتضى مطهري الى نفس المدرسة والاسلوب والتوجهات العلمية والفكرية التي كانت تجمع بين العلمين على اكثر من صعيد ما يهيئ لنا الحكم بالقول ان هناك اكثرمن نافذة كانت تجمع بين المفكرين هي ، التي تسمح لنا بالقول ان فكر الامامين الصدرومطهري كانابالحق فكرين متكاملين وينبعان من مصدر واحد ، بل ولانغالي ان قلنا : ((انهما اجتمعا تحت سقف فكر واحد في المناقشة والمدارسة ، وان كان احدهما جغرافيا بعيدا عن الاخر ،لكن شدة التقارب بين ما طرحه المفكرين لاسيما السيد الصدر في المدرسة القرانية والشهيد المطهري في المجتمع والتاريخ يؤكد لنا ان هناك خط اتصال وثيق كان يربط بين المفكرين على موجة بحث واحدة في قضايا الاسلام وفكره المعاصر )) !!.

ومن هناوعلى هذا الاساس سنطرح بعض الاسألة حول الفردية الراسمالية ليجيب عليها الفيلسوف الشهيد مرتضى مطهري من خلال فكره الذي نعتقد انه نفس فكر الامام الصدر ، وقرينه الذي ليس بينهما اي فواصل متناشزة او قواطع متباعدة ، ولنسد بعد ذالك ، فجوة مناقشة الفردية في تساؤلات الامام الصدر التي افتقدناها في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا ، ولندرك ثم مفهوم الفردية ومنشأها وخداعها وجهلها في المذهبية الراسمالية ، وكيف انها فكرة ليست بعلمية ولاهي قائمة على اساس فكري او قاعدة علمية بل انها فكرة ومن وجه النظر الاسلامية اقرب الى (الانا) الشخصية الشيطانية حسب ما تطرحه الرؤية الاسلامية ، منها ان تكون فردية ملائكية !!.


مدونتي http://7araa.blogspot.com/

alshakerr@yahoo.com

1: فلسفتنا : للسيد محمد باقر الصدر / مصدر سابق / ص 16.
2: فلسفتنا / ص 18 .
3 : اقتصادنا : السيد الصدر / مصدر سابق / ص 27 / كلمة المؤلف .