الأحد، أكتوبر 14، 2012

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع
حميد الشاكر
ليس من السهل ادراك وتحليل وبحث المواقف السياسية والايدلوجية للمرحوم علي الوردي في تاريخ العراق الحديث !!.
كما انه ليس بالامرالهيّن ان يستبين احدنا حقيقة مواقف المرحوم الوردي السياسية وهل هي بالتحديد كانت مواقفا جماهيرية شعبية اجتماعية او طبقية ، ومع العراقيين المحرومين ، وبجانب مصالحهم الحقيقية ضد ممارسات الحكم التعسفية وادواته الدكتاتورية في العراق انذاك ؟.
ام ان مواقف المرحوم علي حسين الوردي السياسية كانت تقف الى جانب خطط ومناورات ومؤامرات الساسة واصحاب الحكم ضد الشعب العراقي ومصالحه وارادته وتطلعاته... الخ في هذا البلد الذي ابتلي بفساد ودكتاتورية قادة الحكم في عراقه القديم والحديث من جهة وفساد وتغريب وغيبوبة مثقفيه ومفكريه وانصاف متعلميه من جانب آخر ؟؟.
والحقيقة قبل الاجابة على هكذا اسئلة تختص بتوجهات علي الوردي الايدلوجية السياسية نحن ملزمون ان نجيب (قبل ذالك) على ماهية سؤال يستبطن بداخله عدة محاورفكرية اساسية توضح من جانب لماذية البحث في التوجهات السياسية للمفكرين والعلماء والباحثين والمثقفين بصورة عامة ؟.
ولتوضح من جانب آخر ايضا اننا هنا بصدد بحث علمي وفكري بالدرجة الاساس ، وليس بصدد بحث او نقد يحاول محاكمة الانتماءات السياسية للمرحوم الورد ويتخذ المواقف العلمية والفكرية على اساس ذالك !!.
والسؤال هو :
لماذا ينبغي علينا ملاحقة وبحث ومعرفة التوجهات والانتماءات والولاءات السياسية الايدلوجية ، لأي مفكر او مثقف او عالم في القديم من تاريخ العراق او العالم او في الحديث الجديد من تاريخ هذا الوطن العزيز اساسا ؟؟.
طبعا معروف على هذا الصعيد ان الانتماءات (الايدلوجية السياسية) لاي انسان منا بغض النظر عن صفته العلمية او الفكرية او الثقافية بصورة عامة بانها ليست بالامر الهامشي او العارض في تركيبة الانسان الفكرية اوالعلمية او الفلسفية او العقدية او الاجتماعية .... او حتى النفسية الفردية السلوكية !!.
بل ما زالت ولم تزل الانتماءات الايدلوجية السياسية تُعتبر من الاركان الاساسية في :
اولا : بناء الشخصية الفكرية والسلوكية الانسانية .
وثانيا : تحديد ملامح هذه الشخصية و(توجهاتها الفكرية) الفردية الخاصة والتربوية الاجتماعية العامة في هذه الحياة .
وعلى هذا الاساس كان البحث والتنقيب عن الانتماءات والميول السياسية للمفكرين والمثقفين والعلماء واصحاب الشأن العام وادراك وفهم توجهاتهم السياسية والايدلوجية من العوامل المساعدة كثيرا في فهم ، ووعي مسارات المنتوج الفكري والعلمي لهذا المفكر او ذاك العالم من جهة ومسارات السلوك والمماسة في هذه الحياة لهذا المفكر او ذاك من جانب آخر وهذا اولا .
اما ثانيا : فينبغي هنا الاشارة الى ان الانتماءات السياسية الايدلوجية لاي انسان مدني في هذه الحياة الانسانية وبالاخص ما يتعلق باصحاب الفكر والعلم والثقافة ... فانه يعتبر ومما لاريب فيه حق من الحقوق الانسانية الفطرية والطبيعية والصناعية الاجتماعية التي لاينبغي ابدا انتزاعها او مصادرتها من اي انسان في هذه الحياة وهذا فضلاعن كون الانتماء السياسي ايضا يُعدّ من جانب آخر من اهم الميزات الحضارية الانسانية لاي مجتمع بشري ومدني متنوع ومتزاحم ومتداخل ومتطور في هذه الحياة الدنيا !!.
وكون فلان المفكر او ذاك المثقف له توجه وانتماء سياسي لهذا الاتجاه او تلك المدرسة الايدلوجية فلاشك ان هذا يعتبر من الشؤون الطبيعية الانسانية ، التي لاتعاب على رجل الفكر والثقافة في الماضي وحتى عصرنا الحاضر بل ويعتبر هكذا انتماء من صميم ماهية المفكر والمثقف التي لاينبغي ان يكون لاحد منا عليها مغمز فكري ، او اي نقد خارج سياقات الفهم الفكري والحقوقي لحق الانتماء السياسي او العقدي او المجتمعي او ....الخ الانساني العام !!.
نعم ما ينبغي ان يُؤاخذ في موضوعة الانتماءات والولاءات الفكرية او السياسية هو محوران :
الاول : هو (عدم التوازن) في هذه الولاءات الطبيعية الفطرية الانسانية ، سواء كانت انتماءات وولاءات عقدية او سياسية او اقتصادية او مجتمعية طبقية او غير طبقية وزحف وطغيان بعض الولاءات على باقي الانتماءات العلمية او الفكرية او العقدية الاخرى بشكل يخلّ بالتوازن الفكري او العلمي او المجتمعي لهذا المثقف او ذالك من بني الفكر البشري !.
والثاني :هو(تعدد او لاتعدد الولاءات والانتماءات السياسية الايدلوجية) بحيث اننا نصادف انسانا يمتلك اكثر من انتماء وولاء سياسي مؤدلج يتضارب بعضه مع البعض الاخر ، او لايمتلك اي مرجعية فكرية ولا رؤية سياسية ولا موقفا اجتماعيا ..... محددا وواضحا يصلح ان يكون مرجعية تحدد من شخصية الانسان الفكرية وبناءه الايدلوجي والعقدي في هذه الحياة ، فمثل هذا الانسان سواء كان على مستوى الفكروالثقافة والعلم اوكان على مستوى البساطة وعدم التعقيد في موقعه الاجتماعي فان كليهما يشكلان عدم توازن بالنسبة لموضوعة الولاءات واشكالياتها البحثية والمعرفية والتحليلية العلمية على السواء !!.
وعلى اساس ضوء رؤيتنا الفكرية هذه يمكننا تناول ماهية مواقف المرحوم علي الوردي الايدلوجية السياسية ومدى علاقتها بفكره الذي اسماه اجتماعيا ونسبه للعلم الاجتماعي الحديث ويمكننا ايضا ان نعي ماهية الكثير الكثير مما كتبه المرحوم علي الوردي رحمه الله ولماذا هو في معظمه يميل للتضارب والتناقض في المواقف السياسية الايدلوجية بالخصوص ونفهم ماهي البداية ولماذا كانت بمثل هذا الكيف للمرحوم الوردي النهاية .....الخ ؟؟.
ولنبدأ من نقطة الشروع الاولى لنجيب على :
اولا : لماذا نتناول بالبحث مواقف المرحوم الوردي السياسية هنا بالتحديد ؟.
وماذا نقصد بمواقف المرحوم علي الوردي السياسية ؟.
وهل نقصد بمواقفه انتماءه الايدلوجي العام لمدرسة فكرية وسياسية معينة ، كأن يكون انتماءه للمدرسة الراسمالية الليبرالية او الشيوعية المادية او القومية .... الخ ؟.
أم نقصد مواقفه السياسية الشخصية المجتمعية العراقية لاغير بعيدا عن الايدلوجيا الفكرية لها ؟.
ثانيا : لماذا وصفنا هذا التوجه للمرحوم علي الوردي السياسي بانه من الصعب ادراكه والبحث فيه ؟.
ومن اين وفي اين تكمن الصعوبة في بحث هذه المواقف السياسية لعلي الورد ؟.
ثالثا : ماهي حقيقة مواقف المرحوم الوردي السياسية ، وكيف لنا ان نفهم اسرار تراكيبها الفكرية السياسية المعقدة ؟.
في معرض الجواب على هذه الاسئلة نقول :
اولا:لانقصد في بحثنا هذا تناول الجانب الايدلوجي (سنتناول الايدلوجية في فكر الوردي لاحقا) لمواقف المرحوم علي الوردي السياسية كما اننا لانريد تكرار ما طرحه قبلنا الجيل السابق ، عندما بحث مواقف علي الوردي الفكرية والسياسية ( بلا رؤية او قراءة شمولية لفكر الوردي ولا قواعد للبحث العلمي) فضاع او(ضيعه المرحوم علي الوردي نفسه) متعمدا في متاهات فكر الوردي الفوضوي ليراه (( جيل مفكري العراق السابقين )) مرّة بانه ينتمي للفكر الشيوعي الماركسي المادي ، واخرى للفكر الراسمالي الليبرالي وثالثة للقومي العروبي .... الخ لنرى في المحصلة المرحوم الوردي مأنوس بهذا الضياع والتخبط الذي دخل فيه منتقدوه ليؤكدوا ما اراده الوردي نفسه انذاك بانه رجل فكر لامنتمي وانه رجل ثقافة محايدة ... والى ما هنالك من خداع ومراوغة في تفسير هذه الظاهرة لمنتقدي الوردي الفكريين !!.
بل نقصد هنا بالتحديد مواقف المرحوم الوردي السياسية الشخصية العراقية المحلية التي تتخذ المواقف إما بجانب السلطات القائمة ب((الدعم الفكري والثقافي)) لها ضد ارادة وتطلعات وامال الشعب العراقي المظلوم ؟.
وإما الى جانب مطالب الشعب وصراعاته مع السلطات القائمة من خلال الفكر والثقافة !!.
ومن هنا كان بحثنا هذا ملاحقا لهذه الزاوية بالتحديد من فكر علي الوردي ومواقفه السياسية الغير معلنة !.
نعم تتناقض مواقف المرحوم الوردي الايدلوجية السياسية اشدّ التناقض ولاسيما فيماطرحه من فكرسياسي في كتبه ومؤلفاته المتنوعة بحيث يحار المتتبع لها في تصنيف ايدلوجية المرحوم علي الوردي والى اي جهة هي تنتمي وكيف لنا ان نفهم هذه التناقضات السياسية لانتماءات الوردي المتناحرة ؟.
ولنضرب لذالك مثلا من تراث المرحوم الوردي الفكري نفسه ليتبين القارئ بعض هذه التناقضات الايدلوجية والكيفية العلمية الصحيحة التي ينبغي توفرها في فهم التوجهات السياسية للمرحوم الوردي !!.
معلوم لقارئ فكر المرحوم الوردي ولاسيما في مؤلفاته التي عاصرت بداية الخمسينات كمؤلف ((مهزلة العقل البشري)) كيف ان المرحوم الوردي في بداية الخمسينات كان داعية ومبشرا لايشق له غبارللراسمالية الفرديةالديمقراطية حتى انه عقد فصلا كاملا في كتاب مهزلة العقل البشري (( الفصل العاشر)) تحت عنوان (( الديمقراطية في الاسلام )) خلاصته : ان الديمقراطية هي المصير المحتوم للبشرية في العصر الحديث .
ولم يترك المرحوم الوردي شيئا من دين ودنيا ، واسلام وعلي بن ابي طالب وابي بكر وعمر والعلم الحديث والمنطق الجديد ... الا وجيره لصالح فكرة الديمقراطية الراسمالية الفردية وكيف انها الحل الوحيد للبشرية في العصر الحديث !.
لكننا وفي بداية الستينات من القرن الماضي نجد ميول المرحوم الوردي السياسية تلعن هذه الراسمالية المجرمة التي تضرب فيها العدالة الاجتماعية وتنتفي منها الاشتراكية في الثروة والحكم ويتجلى هذا الموقف الايدلوجي السياسي بابهى صوره في مؤلفه الشهير ((لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث / من اواخر ما الف المرحوم الوردي في بداية الستينات )) عندما تناول المرحوم الوردي الايدلوجية الاشتراكية الماركسية بالتحليل والاعجاب والقول :
(( الواقع أني اجد في الماركسية جوانب مشرقة تجذبني اليها ، وقد اتيح لي ان ازور بعض البلاد الاشتراكية كروسيا والصين وجيكوسلوفاكيا وبولونيا فلم املك نفسي من الاعجاب بما شاهدت فيها من مزايا قلما نجد لها مثيلا في البلاد ( الرأسمالية ) وأعترف اني عندما درست مؤخرا بعض معالم الاشتراكية في بولونيا هتفت من اعماق نفسي قائلا : هنا يكمن مستقبل العالم . فاني لم اجد فيها تلك المناظر البشعة التي توجد عادة في البلاد الرأسمالية فليس فيها جموع العاطلين الذين لايجدون عملا او الاف الفقراء الذين يسكنون في بيوت لاتليق بالبشر .... / انظر ج 5 / القسم الثاني / الملحق الثالث / ص 293/ )) .
والان وبعد قرائتنا لكلا الموقفين الايدلوجيين للمرحوم الوردي فهل يمكنناتصنيف المرحوم الوردي على انه كان صاحب ميول راسمالية ديمقراطية ام صاحب انتماء ايدلوجي ماركسي اشتراكي ؟.
طبعا اي مثقف وواعي ومفكر ونصف متعلم يدرك التناقض الواضح بين الراسمالية الديمقراطية وفكرها الايدلوجي السياسي ، وبين الماركسية الاشتراكية الشيوعية التي اعلنت الحرب على الديمقراطية الراسمالية وضرورة زوال طبقتها من الوجود لكن مع ذالك وجدنا المرحوم الوردي مرة داعية ومبشر للديمقراطية الراسمالية ، واخرى من اشد المعجبين والداعين للاشتراكية الماركسية المادية ، التي هي النقيض الواضح للراسمالية من بداية القرن العشرين حتى نهايته فهل من تفسير يشرح لنا هذا التناقض الصارخ في انتماءات ومواقف المرحوم الوردي السياسية ؟.
الحقيقة وبدون اسهاب في توضيح هذه النقطة من حياة المرحوم الوردي الايدلوجية السياسية يمكننا القول بكل صراحة : ان المرحوم علي الوردي لاينتمي لاي ايدلوجيا سياسية في هذه الحياة غير الايدلوجيا السياسية الوردية فحسب !!.
اي ان امثال المرحوم الوردي ومن خلال متابعتنا الفكرية والعلمية لمنتوجهم الفكري والثقافي ، واكتشاف تقلبات هذا المنتوج الفكرية مع الزمن ، وتطوراته السياسية في العراق الحديث ندرك : ان المرحوم الوردي رجل لاينتمي اصلا لقواعد علمية ولا لايدلوجيا سياسية ثابتة في حياته العملية الشخصية بل هو انسان اينما تكمن السلطة هو مثقفها والمروج لافكارها الايدلوجيا ، وهذا وحده هو الذي يفسر لنا لماذا كان المرحوم الوردي من اشد المبشرين للديمقراطية الراسمالية في العهد الملكي عندما كان توجه السلطة ديمقراطيا اقطاعيا راسماليا بريطانيا استعماريا وكان المرحوم الوردي من اشد المعجبين بنور السعيد كما كان نوري السعيد معجبا بالوردي ؟.
ولماذا المرحوم الوردي نفسه تحول الى اشتراكيا ماركسيا ماديا ... ، عندما حدث انقلاب الجنرال قاسم ليثني الوسادة لسلطة الاشتراكيين الشيوعيين في العراق بعد 1958 م ؟.
وهكذا لكل تقلبات المرحوم علي الوردي الفكرية والثقافية بعد مجيئ الانقلاب والمدّ القومي 1964م وما جاء بعده من سلطة حزب البعث العربي الاشتراكي 1968م ، وكيف ان المرحوم الوردي قد تمكن ان يتلون مع جميع الالوان ، ويبدل جلده حسب متطلبات الظروف وتغيرات السياسة والحكم في العراق من ايدلوجية الى اخرى !!.
بمعنى اخر : لايمكن لنا ان نعي ، وندرك ونفهم تناقضات مواقف علي الوردي السياسية والايدلوجية الا مع ربطها بالتغيرات السياسية والايدلوجية في العراق الحديث وبهذا وحده نفهم لماذا احتار ناقدي فكر الوردي في تناقضاته الايدلوجية والسياسية ، وكيف ان علي الوردي وبمكره السياسي المعروف اراد تزييف تفسير ظاهرة اتهام الوردي باكثر من انتماء وتوجه ليحرف الظاهرةويجيرها لصالحه على اساس ان العطب الفكري في منتقديه وليس في مواقفه الايدلوجيةوالسياسية المتقلبةبينما الحق ان اتهام المرحوم الوردي بالانتماء الى اكثر من ايدلوجيا ، واكثر من سياسة في مواقفه الفكرية والثقافية دليل على ان الرجل صاحب (انتماء نفعي) ، وليس له مبدأ ثابت في الحياة السياسية وهو مستعد لخدمة السلطة القائمة بفكره كيفما كان توجهها مختلفا سواء كانت سلطة راسمال وفردية وديمقراطية او سلطة اشتراكية وماركسية وقومية وحتى بعثية !!.
ثانيا : يتذكر قارئنا المحترم عندما تناولنا في القسم السابق ماهية (عقم) فكرالمرحوم الوردي من الابداع والتطورفي ستينات القرن المنصرم وموته الابداعي في السبعينات من نفس القرن ، كنا قد ارجعنا هذه الظاهرة الفردية في فكر المرحوم الوردي الى (( الفوضوية الفكرية )) التي كان ينتهجها المرحوم علي الوردي في طرحه الثقافي ومؤلفاته المتنوعة ، بالاضافة لغياب ((المنهجية العلمية)) لهذا الطرح الفكري الذي لايمكن له ان يتطور ويستمر بدون منهج مما ادى بطبيعة الحال الى توقف هذا التدفق الانفجاري في فكرالوردي الذي بلغ اوجه في منتصف الخمسينات الا انه سرعان ماخبى وانتهى في بداية الستينات وما بعدها من القرن العشرين المنصرم !!.
لكن كان هناك من يرّوج من محازبي المرحوم الوردي الفوضويين ايضا من جانب اخر لعامل مختلف في تفسير ظاهرة العقم الفكرية للمرحوم الوردي ليطرح (( العامل السياسي العراقي الداخلي )) باعتبار انه احد اهم العوامل ، التي تفسر لنا عقم فكر المرحوم الوردي وانقطاعه عن الاستمرار والتدفق الابداعي على مستوى التاليف والتنظير والكتابة .... ، وهذا من منطلق ما (( عُرف )) حسب طارحي هذا التفسير عن المرحوم علي الوردي من مواقف مساندة فكريا وداعمة تنظيريا وثقافيا لمظلومي ومستضعفي ومهمشي ... الشعب العراقي وحقوقهم السياسية والمدنية المشروعة ضد تعسف السلطات العراقية القائمة انذاك مما دفع السلطات العراقية الدكتاتورية الغاشمة بتحجيم فكر الوردي ومنعه من التدفق والابداع المستمر !!.
ولهذا جاء بحثنا هنا حول مواقف المرحوم علي الوردي السياسية الايدلوجية ، لنستبين حقيقة العامل (الفكري والعلمي) الذي يقف خلف ظاهرة عقم فكرالمرحوم الوردي عن الابداع في الستينات وموته في السبعينات وحتى اليوم وهل هو بالفعل عامل سياسي بامتياز ام انه عامل علمي وفكري لاغير وهذا لانستطيع ان نستبينه بدون وعي وفهم وادراك حقيقة مواقف المرحوم علي الوردي السياسية هذه ؟!!.
وفي الحقيقة تتميز مواقف المرحوم علي الوردي السياسية في كتاباته ، ومؤلفاته واطروحاته الثقافية بالكثير من الملابسات الفكرية الدقيقة التي بحاجة بالفعل الى متعمق وواعي ومحيط وناقد وفاهم ومدرك .... لماهية فكر المرحوم الوردي وغاياته وما يرمي اليه سياسيا وفكريا ليستطيع سبر اغوار الفكر الذي طرحه الوردي وهل هو فكر يصبّ بالنهاية في صالح مجتمع وشعب وجمهور وطبقة وأمة كما (( يوحيه )) او يحاول الايحاء به فكر المرحوم علي الوردي نفسه ؟.
ام انه فكر يتجه لخدمة مصالح ومناورات ومخططات سلطة وسلطان وحكومة ومنتفعين ؟.
طبعا للجواب على هذا السؤال علينا ان نلتفت الى ظاهرة غاية في الاهمية في فكر وتاريخ المرحوم علي الوردي وهي ظاهرة : (( ما اثاره فكر المرحوم علي الوردي من انعكاسات اجتماعية مدنية عراقية من جهة وسلطوية حكومية من جانب اخر)) .
بمعنى اخر : لماذا عندما ندرس ما طرحه المرحوم علي الوردي من ثقافة وفكر باسم العلم الاجتماعي ، وفي جميع مؤلفاته المتنوعة ، وندرس كذالك انعكاسات هذا الفكر الاجتماعية والسلطوية في العراق الحديث نجد ان افكار المرحوم الوردي كانت لها انعكاسات سلبية ومتنافرة جدا في مخيلة الطبقة العامة من المجتمعية العراقية بل وكانت ردود افعال الجمهورالعراقي على فكر المرحوم الوردي ردود افعال ناقمة ومحتقنة على كل ما طرحه المرحوم الوردي حول الاجتماع العراقي وهذا بعكس تماما ردود افعال السلطة الحاكمة والقائمة انذاك التي عاصرت نفس هذه المؤلفات للمرحوم الوردي والتي كانت حائزة على رضى السلطة الحاكمة ومباركتها ودعمها بكل ما اوتيت من قوة بحيث ودليل على ذالك لم نقرأ او نسمع يوما ان السلطات العراقية المتعاقبة ، والمنقلب بعضها على البعض الاخر كان ناقما ، او متعرضا بالاذى للمرحوم الوردي في حياته كلها بسبب مؤلفاته وطرحه الثقافي المتنوع ؟؟.
فياترى لوكان المرحوم الوردي كاتب جمهور وشعب ومجتمع عراقي ولم يكن كاتب سلطةوحكم ودكتاتورية وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين ، فكيف انقلبت الاية لينقم الجمهور العراقي العام على فكر الوردي بينما تباركه السلطة وتدعمه بكل قوة وسلاسة وبدون ان تتعرض للمرحوم الوردي باي اذى او اعتقال او تحجيم له ؟.
اولا :هل كانت فعلا المجتمعية العراقية المدنيةهي الناقمة على فكر المرحوم الوردي بينما كانت السلطة تبارك بنمو واستمرار هذا الفكر الوردي السياسي ؟.
وثانيا : اين يكمن الخلل في فكر الوردي الذي يوحي لقارئه انه يقف بكل قواه مع المظلومين والطبقات المسحوقة من الشعب العراقي ، ولكن مع ذالك اختار (( العقل الجمعي العراقي )) ان يكون نافرا من فكر الوردي ، لتحتضنه السلطة الحاكمة كبديل عن الشعب العراقي ؟.
ثالثا : ما الذي اكتشفه العقل الجمعي العراقي الفطري بفكر الوردي المنحاز للسلطة ، والذي لم يتمكن جميع مفكري ومنتقدي طرح المرحوم الوردي من العراقيين ان يصلوا لمغازيه واسراره كما توصل له العقل الجمعي العراقي بفطرته البسيطة والغير معقدة ؟.
في احد مؤلفاته يذكر المرحوم الوردي ظاهرة نقمة الاجتماع العراقي على ما يطرحه من فكر ، وثقافة باسم هذا الجمهور مرّة وباسم علم الاجتماع من جانب اخر قائلا ((طلبت في العام الفائت من احد طلبة الصف الرابع في فرع الفلسفة من كلية الاداب والعلوم ان يكتب تقريرا عني يجمع فيه مايقول الناس عن مؤلفاتي بصراحة لارياء فيها... وبعد مدة غير قصيرة جاء الطالب وهو آسف يقول بانه سوف لن يقدم لي تقرير باي حال من الاحوال ، وسبب ذالك انه جمع اقوال الناس واراءهم عني فوجد معظمها تتجه الى ناحية الذم والانتقاص والشتيمة .../ مهزلة العقل البشري /الفصل السادس/ القوقعة البشرية ص 107)).
والحقيقة انه عندما نقرأ نحن من لسان الوردي رحمه الله هذه الظاهرة التي اثارتها اطروحاته ومؤلفاته لدى الشارع العراقي من حقنا ان نتسائل عندئذ بلماذا هذه النقمة الجماهيرية على كاتب ملأ كتبه بالدفاع عن المظلومين ضد السلاطين ووعاظهم لصالح المحرومين وحقوقهم المشروعة ؟.
وهل كان دفاع الوردي عن المظلومين في العراق خديعة اكتشفها الجمهور العراقي لذالك لم يتفاعل معها ؟.
ام ان الجمهور العراقي ناكرا للجميل وحاقدا حتى على كل المدافعين عن حقوقه ومظلوميته ؟.
هنا ايضا يوجد من ينبري ليفسر لنا هذه الظاهرة بشكل مخادع وبعيد عن حقيقة الموقف وواقعه العراقي ، ليقول : بسبب ان علي الوردي شرّح جثة المجتمع العراقي ، واخرج جميع عيوبها بعلمية وشجاعة ، لذالك نقم الجمهور العراقي وليس السلطة القائمة عليه وعلى كل مؤلفات ونتاجات المرحوم الوردي الفكرية !!.
والواقع ان هذا التفسيرلظاهرة نقمة الاجتماع العراقي على علي الوردي ومؤلفاته تفسير لايدرك من تحليل الظواهرالاجتماعية اي بعد من ابعادها الواقعية ، فمعروف ( مثلا ) ان جميع الابطال التاريخيين والاسطوريين والانبياء والقادة العظام في التاريخ وحتى اليوم يتعرضون لامراض مجتمعاتهم العقلية والاخلاقية والسلوكية بالنقد والتحليل المؤلم في احيان كثيرة ، ولكن وبما ان هؤلاء القادة العظماء وقفوا الى جانب حقوق شعوبهم وجمهورهم المستضعف ، وناضلوا بشرف ضد السلطات الدكتاتورية القائمة ، وضحوا من اجل هذه المواقف ، وجدنا هذا الحب والالتفاف لهذه الجماهير حول زعمائهم الفكريين بدون ان نرى ان انتقادات هؤلاء العظام لنواقص مجتمعاتهم قد اثرت على مواقف الجمهور الايجابية نحوهم !!.
فاسطوري كعلي بن ابي طالب ( مثلا ) لم يترك حجرا على حجر في شخصية المجتمع العراقي لم ينتقدها باشد العناوين ولكن مع ذالك اسأل اي فرد من الجمهور العراقي اليوم عن علي بن ابي طالب ، او عن حبه او عن الايمان به فهل ستجد ان هناك ذم لبطل الدفاع عن المظلومين علي بن ابي طالب ؟.
فلماذا اذا يذمّ المجتمع العراقي ويشتم علي الوردي ومؤلفاته مع انها توحي كثيرا بوقوفها الى جانب الضعفاء من بني البشر ضد المستكبرين امثال هارون الرشيد ومعاوية وعبد الملك بن مروان ... وهلم جرّا ؟؟!.
في العراق يبدوان العقل الجمعي العراقي لم تنطلي عليه اساليب المرحوم الوردي السياسية الماكرة التي توحي من جهة بانها مع المظلومين ضد الظالمين بينما هي بالجانب الاخرتنظر لمشروعية ودكتاتورية السلطة عندما تطرح طبيعة الفرد والمجتمع العراقي على اساس نظرية الطبيعة المتوحشة والحيوانية التي لايمكن رياضتهاباساليب الحكم السلميةوالديمقراطية والمنفتحة !!.
ولهذا هناك ظاهرة في جميع مؤلفات المرحوم الوردي وبدون استثناء وهي ان المرحوم الوردي عندمايريد نقد السلطة والحكم فانه لايتعرض ابدا للسلطة والحكم القائم ودكتاتوريتهما التي تمارس على الحاضر العراقي بل هو دائما عندما يوحي بالدفاع عن المظلومين فانه يرتدّ بفكره الى التاريخ لينتقد هارون الرشيد او ينتقد دكتاتورية معاوية بن ابي سفيان ويتناول بالتجريم ممارسات مروان ابن الحكم ويزيد بن معاوية ... ليدافع عن الحسين بن علي او عن العبيد وثورتهم في البصرة او عن اناس لا وجود ولا صلة لهم في الحاضر العراقي ، وبهذا يبتعد تماما المرحوم علي الوردي عن اي ذكر للسلطة والحكم القائم فهو لايقصد بنقده السياسي في جميع مؤلفاته لاالمرحوم نوري السعيد في العهد الملكي ولا المرحوم قاسم في العهد الجمهور ولا صدام حسين في العهد البعثي ... وانما يقصد اموات حكموا باسم اللاهوت لاغير ، اما من يحكم باسم الديمقراطية او القومية او الشيوعية او البعثية .... فكل هؤلاء رجال حكم علمانيون ولايمارسون ابدا ما كان يمارسه هارون الرشيد من اجرام باسم اللاهوت لذالك لم يتعرض المرحوم علي الوردي لحاضرهم باي نقد على الاطلاق !!.
اما الجانب الاخرمن فكر الوردي السلطوي فهو بالفعل الفضيحة التي اعجب شخصيا كيف لم يتنبه لها الفكر العراقي المعاصر للمرحوم الوردي ليفضح نواياها السياسية الخبيثة ، وترويجها للديكتاتورية السياسية باسم العلم الاجتماعي ، ودراسة الفرد وطبيعة المجتمع في العراق واقصد بذالك :((تنظير المرحوم الوردي لاقبح النظريات في تناول الطبيعة الانسانية بصورة عامة وطبيعة الفرد العراقي بصورة خاصة)) !.
انظر الى اهم المرتكزات الفكرية لرؤى وتصورات المرحوم الوردي حول الطبيعة البشرية في جميع مؤلفات المرحوم الوردي ستجده المنظر الاساس لنظرية (( توماس هوبز )) في الطبيعة البشرية المتوحشة التي لايردعها رادع غير القوة والبطش ، ومثل هذه النظريات (اللاعلمية) معروف منشأها السياسي وكيف انها النظريات التي اسست للدكتاتوريات وحكومات الاستبداد بجميع صنوفها السياسية ، فليس هناك من نظر لهذه النظريات حول الطبيعة البشرية المتوحشة ، الا وكان داعية لايشق له غبار بدعم دكتاتورية السلطات القائمة ، وتبرير جميع انتهاكاتها للحقوق البشرية العادلة ، ولهذا فعندما يتبنى المرحوم علي الوردي مثل هذه النظرية ويقيم كل دراسته للمجتمع والفرد العراقي على اساسها فمن حق السلطات الدكتاتورية القائمة في العراق ان تصفق بحرارة لمشروع الوردي السياسي بل وتدعمه بكل ما اوتيت من قوة ، لا لسبب معقد الا ان السلطات الدكتاتورية التي تعاقبت على العراق لايسعدها اكثر من منظر يحلل لها جميع المبررات السياسية بقمع المجتمعات الانسانية تحت ذريعة طبيعة التوحش الانسانية التي جبل عليها الانسان فلا مفر من استخدام العنف والدكتاتورية والقوة لحفظ النظام والامن والسلم الاجتماعي !!.
وهذا بالتحديد ما روجت له جميع مؤلفات المرحوم الوردي ونظرّت له (( من طبيعة الفرد العراقي الى التنظير للازدواجية في شخصية الفرد العراقي الى التناشز الاجتماعي ....الخ )) خدمة للسلطة القائمة وتزلفا لمشاريعها الدكتاتورية ، وهذا ايضا ما جعل جميع السلطات الحاكمة في العراق تنظر بعين التقارب بين مشروع الوردي الفكري وبين رؤيتها الدكتاتورية لممارسة الحكم والسلطة على راس المجتمع العراقي المسكين !!.
نعم بالفطرة والعقل الجمعي فهم الاجتماع العراقي ماهية الميول السياسية للمرحوم الوردي فعامله بمقتضاها باللعن والطرد من محبة الشعب العراقي ، وبالفطرة وبالعقل الجمعي العراقي ايضا كشف الجمهور العراقي خديعة علي الوردي في دفاعه التاريخي عن المظلومين وتبريره لقمع واحتقار المظلومين والنظر اليهم كمتوحشين في حاضر مؤلفاته وكتبه واطروحاته حول طبيعة الفرد العراقي فلم ينال ابدا المرحوم الوردي احترام شعبه وتقديره بالمستوى المطلوب !!.
**********************
alshakerr@yahoo.com
زورو مدونتي لقراءة المزيد :
http://7araa.blogspot.com/
 

الخميس، أكتوبر 04، 2012

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن


حميد الشاكر



في المحور الاول من القسم السابق طرحنا(( اشكالية فوضوية التأسيس )) في (قسم علم الاجتماع الحديث) الذي شرعت كلية العراق الاولى ( كلية الاداب والعلوم ) في 1952م بتأسيسه وتدريس مادته العلمية كأحد المواد الاساسية لهذه الكلية العريقة في العراق ، باعتباره من اهم (( اشكاليات علم الاجتماع العراقي الحديث )) !.

وقد ذكرنا انذاك : ان عامل حرق المراحل وعدم وضع استراتيجية رصينة للتعليم الاجتماعي في العراق الحديث انذاك مضافا لأنتداب المرحوم (علي الوردي) للاشراف على هذا القسم ((قسم علم الاجتماع)) بدون ان يكون للرجل اي صلة علمية حقيقية نلمسها في تاليفه ونتاجه الثقافي المدّون ( سوى صلة التحدث باسمه في كل شيئ ) او حتى فكرية بالعلم الاجتماعي الحديث الذي اسسه ((اوجست كونت)) ، وقننه ودعم من اسسه ((دوركهايم)) ونظر لمدرسته بشكل مختلف (( سبنسر )) ... كانت له نتائج وخيمة على مشروع (( علم الاجتماع )) في العراق الحديث ، الذي بدأ كمشروع واعد في بداية الخمسينات ، الا انه سرعان ما تدهور وتراجع ثم مات فعليا في الستينات بفعل فوضوية التأسيس وعدم وضع الدراسات الكافية لكيفية تاسيس علم اجتماع عراقي حديث بامكانه ان يكون (علما) ويتم بناءه وتطويره مع الاجيال المتلاحقة من خلال انتداب علماء اجتماع مدركين وفاهمين وواعين لماهية هذا العلم وماهية تخصصه والالتزام بمناهجه والقيام على العمل للوصول الى اهدافه العلمية الاجتماعية المهمة !!.



والحقيقة ان ظاهرة (موت ماسُمي بعلم الاجتماع العراقي) في الستينات لم يكن ظاهرة غير ملفتة للنظر لو كان الفكر العراقي مهتما بشأنه الفكري والعلمي العراقي الحديث وملاحقاً لكل تطوراته او تراجعاته ، وكذالك عدم انجاب ((قسم علم الاجتماع )) في كلية الاداب العراقية منذ الخمسينات وحتى اليوم لاي مبدع او عالم او مفكر... منذ تاسيسه وحتى اليوم في علم الاجتماع الحديث بالامكان الاشارة له بالبنان ايضا ظاهرة ليست بالطبيعية ، التي لاتستحق الوقوف عندها ودراستها ودراسة اسبابها بنوع من التدقيق والتأمل والفكرية... لو كان الفكر العراقي يشعر بحالة صحية في مسار حياته العلمية ، ولكن يبدو ان الفكر العراقي انذاك كان يعيش في ((غيبوبة ثقافية حقيقية )) هي التي جعلته مخدرا او مغيبا تماما عن الالتفات لمثل هذه الكوارث الفكرية والثقافية التي حلت بساحته لاسيما ما يختص ب (( العلم الاجتماعي العراقي )) الحديث !!.

ويبدو انه ايضا وبعد مرور اكثر من ستة عقود مظلمة وحتى اليوم لايرغب ( الفكر العراقي العلمي والثقافي) ان يصحو من غيبوبته تلك ، ويعيد حساباته الفكرية ويبدأ من حيث بدأ الخلل ليصلحه ، ويشرع من جديد لاستقبال الحياة العلمية بنوع من الاحترام لمستقبل الاجيال العراقية القادمة ، اوعلى الاصح لا يرغب من يدعون الفكر ويقدمون انفسهم للعالم انهم رجال العلم والثقافة في العراق اليوم ان يخرجوا من تيههم ، الذي دخلوا بصحراءه في الخمسينات ، ليستأنفوا حياة الفكر والعلم والثقافة الحقيقية التي لا تعترف بشرعية مهما كان لونها عقديا ، او ايدلوجيا او سياسيا او اجتماعيا او نفسيا .... الا لشرعية العلم وبحثه النقدي ، واعادة انتاجه وتجديده لنفسه كل يوم بانتاج فكر نقدي يقرأ القديم بوعي ليضيف له هنا شيئا جديدا او ليلغي منه هناك علما لانافعا ، او ليثور على فكرا في تلك الساحة كاذبا ومزيفا بين البينين ... وهكذا !!.

وعلى اي حال كان المحورالاول (لأشكالية العلم الاجتماعي) في العراق الحديث هومحور فوضوية التأسيس التي ينبغي العودة عراقيا فكريا ، وعلميا ومهنيا لها (لدراسة مرحلتها الزمنية) لمناقشتها واعادة بناء وتأسيس قسم علم اجتماع عراقي حقيقي في جامعاتنا ، وكلياتنا التربوية العراقية يختلف عما انبنى عليه في السابق من ايدلوجيات ، وافكار فوضوية لاعلاقة لها بعلم الاجتماع كي لانبقى نسير في الطريق الخاطئ الى ما لانهاية ونحن نلهج فقط بعبقرية كذبة علمنا الاجتماعي العراقي العريق وعبقرية مؤسسه المرحوم علي الوردي الذي لم يؤسس في الحقيقة اي علم للاجتماع !!.

اما المحور الثاني الذي طرحناه انذاك في (( اشكالية علم الاجتماع في العراق الحديث )) فهو محور: عبثية التنظير باسم علم الاجتماع !.

وما نقصده في الحقيقة ب (عبثية التنظير باسم هذا العلم) هو ما طرحه المرحوم علي الوردي تاليفا وتدوينا وتنظيرا وتثقيفا ..... باسم علم الاجتماع مستندا في ذالك ومتكئا على (شرعية) ادارته لقسم علم الاجتماع في كلية الاداب والعلوم في العراق الحديث من سنة 1953م وما بعدها من جهة ومتكئا على ما طرحه من مؤلفات وافكار تتحدث باسم هذا العلم من جانب اخر والى تاريخ 1970م ، عندما يذكرلنا تاريخ المرحوم علي الوردي الغير موثق والغير مدون بان المرحوم الوردي قدم استقالته لهذه الكلية بدواعي التفرغ للتأليف والكتابة الخاصة بمشاريعه الفكرية !!!.



والحقيقة عندما نقول : ان هناك عبثية في التنظير تمت تحت اسم علم الاجتماع وقد مارسها المرحوم علي الوردي فعليا وهو متكئ على شرعيةاكاديمية لانعني بهذا القول اي اساءة لطرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي مطلقا وانما نريد التأكيد على ان ((اشكالية علم الاجتماع العراقي)) دخلت في مرحلة الاشكالية (( المركبة فكريا )) وليست البسيطة عندما اصبح هناك جهة رسمية (( قسم علم الاجتماع في كلية الاداب )) تهب الشرعية الاكاديمية لطرح المرحوم علي الوردي الفكرية باعتباره طرحا يمت بصلة ((اكاديمية وعلمية )) للعلم الاجتماعي الحديث !!.

بينما الواقع ان طرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي المدون والمكتوب والمقروء .....حتى اليوم لايمكن نسبته علميا باي عنوان من العناوين لمحاور ومناهج ومواضيع واهداف وافكار...العلم الاجتماعي الحديث ( الذي اسسه كونت ودوركهايم وسبنسر..الخ) للاختلاف الجذري بين طرح علم الاجتماع الحديث لمواضيعه ومناهجه المتخصصة وبين ماطرحه علي الوردي من مواضيع لاعلاقة لها بمسمى علم الاجتماع كخوارق اللاشعور وشخصية الفرد العراقي ومنطق ابن خلدون....الخ التي هي مواضيع اقرب لتناول الافراد نفسيا وفكريا وسلوكيا وتحليليا اوتناول التاريخ واحداثه تأمليا منها الى تناول المجتمع وظواهره الاجتماعية وارجاعها الى قوانين علم الاجتماع الثابت منها والمتغير !!.

ونعم فكرالمرحوم الوردي بالامكان نسبته لاجتهاده الشخصي وثقافته المتنوعة ، وبالامكان اعتبار ما طرحه المرحوم الوردي من افكار وثقافة وتصورات وانطباعات ... في اكثر من اتجاه علمي من ضمن طرحه الثقافي المتنوع والمرسل على عواهنه اما نسبة هذا الطرح للعلم الاجتماعي الحديث ، واعطاءه صبغة رسمية اكاديمية علمية ، فهذا يعني التغرير والتضليل المتعمد للقارئ العراقي البسيط ولانصاف المثقفين بان ما يطرح هو من صميم علم الاجتماع الحديث وانه صاحب مصداقية وشرعية رسمية اكاديمية عالية القيمة ، وهذا اول تراكيب الاشكالية وتعقيداتها الاجتماعية العراقية التي خدعت الاجتماع العراقي بان طرح المرحوم الوردي الفكري والثقافي انما هو (طرح علمي واجتماعي) وليس طرحا شخصيا لاعلاقة له بعلم الاجتماع وهذا اولا !!.

ثانيا:لاريب اننا عندما نقول ان لكلية الاداب وقادتها الذين سمحوا للمرحوم علي الوردي ان يمتطي قسم علم الاجتماع ليتخذه منصة رسمية اكاديمية لطرح افكاره الشخصية باسم علم الاجتماع ومن ثم التغرير بالعقل العراقي الخمسيني الثقافي واعطاءه مادة لاعلاقة لها بعلم الاجتماع الحديث على اساس ان هذا هو ((علم الاجتماع الحديث )) الذي اسسه العالم الغربي الصناعي الحديث بقيادة (كونت ودوكهايم وباقي قادة المدارس الاجتماعية االمتنوعة )) اقول لاريب ان على اؤلئك القادة التعليميين في العراق الحديث تقع مسؤولية كبرى في تضليل الراي والفكر العراقي المعاصر بشأن العلم الاجتماعي الحديث !!.

بل لم تزل وحتى اليوم المسؤولية قائمة على جامعاتنا وكلياتنا التعليمية العراقية ، وكذا على كل استاذ جامعي عراقي مختص بالعلم الاجتماعي الحديث ان يقدم رؤيته وتقييمه بشأن ماطرحه المرحوم علي الوردي باسم العلم الاجتماعي مقارنا بمدارس علم الاجتماع الحديثة وعلى ما اوسس عليه هذا العلم وكيف أسس المؤسسون هذا العلم وهل هذا المطروح ورديا يمت بصلة علمية لعلم الاجتماع الحديث او لمواضيعه او لمدارسه الفكرية او لمناهجه المعروفة او لاهدافه وغاياته ؟.

ام انه طرح شخصي للمرحوم علي الوردي طرحه كتأملات فردية وافكارفي مواضيع شتى متفرقة لاعلاقةلها بالعلم الاجتماعي الحديث ، وتصطدم مع تخصصية علم الاجتماع ومواضيعه واهدافه واكاديميته الحديثة ، وان المرحوم الوردي قد ضلل الفكر العراقي عندما طرح هذا الكم المتناشز والمؤدلج والمسيس من الافكار باسم العلم الاجتماعي ؟؟.

نعم على قادة التعليم العالي حتى اليوم في العراق مسؤولية كبرى تحتم عليهم اصلاح الخلل الذي وقع على علم الاجتماع في العراق الحديث ، وانتج لنا اجيال من الشباب والطلبة وانصاف المتعلمين ، عندما تطرح امامهم سؤال : من هو مؤسس علم الاجتماع الحديث ؟.

فتلقائيا سيجيبك الكل ببلاهة البليد الكسول عن البحث ، والاجتهاد بانه العملاق مؤسس علم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي !!.

((يحكى ان في الثمانينات من القرن المنصرم ابان الحرب العراقية الايرانية سأل استاذ مصري منتدب من قبل الدولة للتدريس في العراق عن صانع حضارة بابل العراقية القديمة ومؤسس لبناتها الكبيرة ؟، فاجابه تلاميذ الصف السادس الابتدائي بصوت عالي وموحد : انه الرئيس القائد المهيب الركن البطل صدام حسين ، ثم صفق جميع التلاميذ بحرارة وقوة !!. ويبدو ان هذا ما تصنعه ثقافة التغييب والخداع والاستبداد والدكتاتورية في عقول الناشئة والابرياء دوما )) .

واذا سألته عن دور ( كونت او دركهايم او سبنسر او كوهين او تالكوت ...) في تاسيس علم الاجتماع العالمي الحديث الذي كان من المفروض ان يكون علي الوردي احد تلامذتهم باعتبار شهادة الدكتوراه ، التي حصل عليها في هذا العلم لابد ان تمر عبر دراسة افكارهم ومدارسهم ومناهجهم .... ، تجده يفر باذنيه من لغة الجنّ الجديدة هذه على ثقافته وسمعه وبصره !!.

فمثقفونا وطلبتنا لايعرفون ( كونت كمؤسس ولا دوركهايم كصاحب مدرسة ولا سبنسر كمنظر في علم الاجتماع) انما يعرفون علي الوردي وازدواجية الشخصية العراقية وطبيعتها الشيطانية التي يأست من رحمة الله وجنته فقط !!.

وهكذا اذا سألت طلبتنا في الجامعات ماهي مواضيع علم الاجتماع الحديث ؟، او كم هي مدارس علم الاجتماع العالمية الحديثة ؟ ، او لماذا ينبغي ان ننظر لظواهر المجتمع كوحدة او كوحدات متماسكة وحية وشاعرة ومتأثرة ومتطورة في علم الاجتماع الحديث ولا ننظر للافراد بافكارهم المنعزلة ولا لسلوكهم او نفسياتهم منقطعة عن الكل الاجتماعي ؟؟.

فترى مثقفينا وطلبتنا الجامعيين ، وحتى الدارسين للعلم الاجتماعي الحديث في حيص بيص ، لايكاد احدهم يفهم او يدرك من علم الاجتماع اي مفردة ، الا ما طرحه المرحوم علي الوردي في مؤلفاته ، وكتبه عن القروي الذي دخل المدينة فاصابه وباء الاختلال في المعايير بين مايؤمن به من بداوة وما يمارسه من سلوك متمدين مفتعل !!.

ومن اجل هذا كله نحن نقول بضرورة العودة من جديد لطرح و(( تاسيس علم اجتماع عراقي حديث )) له صلة حقيقية بمنتج العلم الاجتماعي العالمي الحديث وبعيدا عن عبثيات المرحوم علي الوردي الفكرية والتاملية والثقافية والشخصية .... ليفهم طلبتنا ماهو علم الاجتماع ؟ وما تاريخ نشاته ؟ ومن هم مؤسسوه وماهي مناهجه ومواضيعه واهدافه وغاياته ومصطلحاته ومفرداته وتخصصه.... الخ وكل مجالاته الدراسية العلمية التي تلتزم المناهج في رصد وملاحظة الظواهر الاجتماعية وفهمها وقرائتها وتحليلها بشكل علمي ومهني واحصائي ووضع الدراسات ومن ثم التوصيات في تدعيمها او معالجتها ان كانت هذه الظواهر نتيجة ظروف اجتماعية مصطنعة وغير طبيعية اجتماعية او انها ظواهر طبيعية ومتطورة وخالية من الاعراض !!.



ثالثا : محور هشاشة البناء وعدم صلاحية ما تبقى منه للديمومة العلمية .

ان بناءا يقوم على الفوضوية الفكرية كماحصل بالفعل ل((مسمى العلم الاجتماعي العراقي)) على يد المرحوم علي الوردي في العراق الحديث لايمكن له ان يكون بناءا علميا رصينا صالحا ، لان يكون اساسا للبناء عليه واستمرار مشروعه وانتاج هذا المشروع لكل ماهو مفيد ومجدد وقابل للحياة !!.

اي بمعنى اخر ان المحور الثالث الذي ذكرناه تحت عنوان (هشاشة البناء) واعتباره احد اركان اشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث ،هو محور يحاول ان يبرز عدة حقائق تتعلق بموضوع العلم كعلم في ماهيته وفي وظيفته وفي استمراره وفي اهدافه وغايته ، وباعتبار ان هذه المحاور الثلاثة شكلت مركبا معقدا لاشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث فمن الطبيعي ان تكون هناك تركيبة بين المحور الاول الذي اسس للاشكالية وهو (فوضوية التاسيس) والمحورالثاني الذي انبنى على هذه الفوضوية ليطرح (عبثية التنظير) ، لنصل الى نتيجة طبيعية ومحورا ثالثا مفاده ( هشاشة البناء ) وضعفه وعدم قدرته على الاستمرار والتجدد على هذه الاسس الفكرية والثقافية ، التي طرحت باسم العلم الاجتماعي لمدة زمنية قصيرة جدا بعض الافكار المبعثرة التي ما لبثنا ان راينا كيف بدات وكيف انتهت بمجرد مرورعقد واحد فقط لاغير على مشروع العلم الاجتماعي العراقي الحديث في عراق الخمسينات والستينات !!.

وهنا الفكرة بصورة اوضح :

ان العلم سُمي علما سواء كان فكريا فلسفيا او عقديا او ايدلوجيا او تجريبيا طبيعيا او سيسلوجيا اجتماعيا ... واخذ وخاصة في العصر الحديث الانساني بعد الثورة العلمية الصناعية الغربية صفة العلم لانه يمتاز ببعدين اساسيين لقيامته العلمية :

الاول : وهو بُعد المنهج او التنظيم ( حسب تعبير ارسطو العلم هو المعرفة المنظمة ) .

الثاني : وهو بعد التخصص .

فكل علم في هذا العالم الانساني اذا انفقدت فيه المنهجية اوغابت عنه التخصصية في محاورموضوعاته العلمية فحتما لايمكن ان يسمى علما من جهة ، ولايمكن له الاستمرار والحياة مع الزمن باعتبار ان فاقد التأسيس والمنهجية والتخصص والتحديد لايحمل بذرة او جينة الصراع من اجل البقاء في الحياة العلمية الانسانية !!.

ولهذا عرف العصر الصناعي والعلمي الحديث بان العلم هو المنهج ، فلا علم بلا منهج ولا منهج بلا علم !!.

وعلى هذا الاساس نفهم ، وندرك لماذا بقيت مثلا الفلسفة ( التي يهزء بها كثيرا المرحوم علي الوردي وبشرنا بحتمية موتها في العصر الحديث لكن مع الاسف اندثر الوردي وبقيت الفلسفة كعلم ومنهج) وعلمها الاف السنين في الحياة الانسانية وحتى اليوم ، او لماذا بقي علم الفلك وتطور ليصل الى الفيزياء وقوانينها الذرية ، ولماذا تطور علم الكيمياء والطبيعة حتى احدث هذه القفزة البشرية الهائلة على يد الطبيعي (جارلس داروين )بينما اندثرت الكثير من الرؤى والافكار التي لم يكن لها نصيب من التنظيم والمنهجية والتخصص والهدف والغاية من باقي الافكار والعلوم او ماسُمي بالعلوم الاخرى !!.

فكل فكر لايحمل منهجا يصلح لان يكون اساسا ولايحمل تخصصا يصلح لان يكون تنظيما فلايمكن له ان يكون علما اولا ولا يمكن له ان يوهب ماء الحياة والاستمرار والتطور ثانيا !!.

وفي الحقيقة هذا ما فهمته الحضارة العلمية الصناعية الحديثة حول العلم وامكانية اشادته ، وهذا ما بنت عليه هذه الحضارة المعاصرة كل رؤاها الفكرية والعلمية الحديثة لما بين يديها من فكر وفلسفة وعلم وتصورات !!.

نعم هناك من غالى في تطبيق ((المنهج )) على العلوم الانسانية في العصر الحديث وهناك من تبنى منهجية معينة في العلوم الانسانية ك(المنهجية المادية) ليرى ان كل علم لايحمل منهجية مادية فهو ليس بعلم ، ولهذا شنّ الوضعيون ( منهم اوجست كونت) والماديون حملة شعواء على الفلسفة وعلومها الواسعة باعتبار ان افكارها العقلية والمنطقية لاتخضع للمادة وتقنيتها التجريبية المعاصرة ولكن مع ذالك بقيت المنهجية ( اي منهجية ) منظمة هي روح العلم واساسه وقاعدته المكينة التي يبنى عليها ليضاف لها التخصص في العصر الحديث ليكون هو ايضا ماء الحياة لمفهوم العلم المتخصص في العصر الحديث !!.

اوجست كونت الفيلسوف ومؤسس علم الاجتماع الحديث ادرك هذه الحقيقة حول العلم ، وادرك انه اذا اراد ان يقيم للاجتماع (علما ) فلابد عليه اولا ان يفكر في وضع المنهج العلمي كي يكون اساسا وقاعدة لهذا العلم من جهة ، وان يؤطر هذا العلم بالتخصص كي يكون اطارا لمواضيع هذا العلم الجديد على العلوم الانسانية !!.

وبهذا بدأ ( كونت ) اولا خطواته العلمية بوضع التعريف للعلم الاجتماعي ، وثنى بوضع المناهج له (مناهج البحث وادواته) كاساس لاقامة بناء العلم الاجتماعي الحديث ، وهكذا عبّد طريق موضوعاته ، وخصص توجهاته ومساراته (ظواهر المجتمع الانساني بصورة عامة) ووضح اهدافه وغاياته ( فهم قوانين وحركات وتطورات ونكسات المجتمع الانساني ) ....الخ وبهذا اقام (كونت ) علما اسمه : علم الاجتماع الحديث !.

هذا العلم جاءه بعد ( اوجست كونت ) من راى فيه كل صفات ، ومميزات العلم وقواعده التي يمكن البناء عليها والتطوير من الياتها ونظرياتها ومعارفها وعلومها ، فكان (دوركهايم) الحلقة الثانية لدفع مشروع علم الاجتماع (الكونتي) فبنى على اسس (كونت) ما كان ضروريا لدفع هذا العلم نحو التطوروبنفس الوقت التماسك والقوة ، فقنن من علم الاجتماع وشذب من زوائده وصقله ليكون علما للاجتماع فقط بعيدا عن شظايا الفلسفة الكونتية وما تركته من تاثير على نظرات العلم الاجتماعي وبعيدا عن الايدلوجي والسياسي وتطفله على مناهج وتصورات هذا العلم الجديد .....الخ !.

(هربرت سبنسر) صاحب المدرسة الاجتماعية البريطانية ، كان صاحب النظرية البيلوجية في علم الاجتماع ، الذي نقلت علم الاجتماع من النظرية الوضعية لاوجست كونت الى النظرية الداروينية التطورية الاجتماعية في مدرسة سبنسر ... وهكذا !.



الغرض هو القول ان الفكر اذا توفرت فيه ((المنهجية والتخصصية )) يصبح تلقائيا ((علما )) يحمل في جيناته امكانية البقاء والاستمرار والتطور والعطاء والنماء .... !!.

اما اذا كان الفكر فوضويا لامنهجيا وليس له اي صلة باي تخصص او مصطلحات محددة ، فمن الطبيعي ان لايكون هذا الفكر ولا يستطيع ان يكون علما وليس بمقدوره ان يستمر في صراع الافكار من اجل البقاء في هذه الحياة ، او ان يكون له نصيب من التجديد او ان يكون قادرا على تحمل اعباء البناء على كاهله فيما بعد .... الخ ، وهذا ماحصل بالفعل لفكر المرحوم علي الوردي الفوضوي الذي طرحه باسم علم الاجتماع بلا منهج ولا تخصص ولاهدف ولامواضيع ولاغايات محددة !!.



فمن الطبيعي الآن وعلى هذا الاساس : ان نفهم لماذا لم يثمر العلم الاجتماعي العراقي الحديث ؟ .

ولماذا نحن اطلقنا الكذبة على هذا العلم الاجتماعي الذي هو لاعلم ولا منهج ولاتخصص اساسا ؟ .

ولماذا كانت هناك هبة مؤقتة ( خدمها الاعلام ومكر الرجل ) لفكر المرحوم الوردي وردود افعال اجتماعية مفتعلة سرعان ما خبت وانطفأت حتى اليوم ؟ .

ولماذا لم يتمكن اي باحث او عالم اجتماع او تلميذغرّ ان يستمر بمشروع المرحوم علي الوردي الذي اسماه زورا بالاجتماعي او ان يضيف عليه او ان يطوره الى حالة علميا ارقى واثبت اساسا واقوى بنيانا وتشييدا !!.....الخ .



وكيف يستطيع احدنا ان يطور مشروعا اساسه الفوضوية الفكرية التي ليس لها بداية وليس لها نهاية محددة ؟.

وكيف يتمكن اي باحث يحترم نفسه او اي عالم او مفكر او مثقف يفهم معنى العلم ان يطرح على فكر المرحوم علي الوردي مسمى العلم الاجتماعي وهو يدرك ان فكرالمرحوم الوردي لايمتلك اي اساس علمي حتى يبنى عليه وليس فيه رائحةتخصص كي تبين مواضيعه وتنظم وليس من صفاته اي هدف يبتغى الوصول اليه سوى هدف التشويش والسفسطة الغريبة والعجيبة فكريا على العلم نفسه !؟؟.

ان هذه الحقائق التي ذكرناها في محور (هشاشة البناء ) في اشكالية العلم الاجتماعي العراقي الحديث حول فكر المرحوم علي الوردي الفوضوي ، هي ما سوف تبين للقارئ الكريم الاجوبة الكثيرة على اسألتنا التي سألناها فيما سبق كاشكاليات على ما سُمي بعلم الاجتماع العراقي الحديث ، فهي القادرة على ان تجيب عن سؤال : لماذا انتهى مشروع علم الاجتماع العراقي قبل حتى ان يولد بصورة علمية ؟.

والجواب ببساطة : لانه لايوجد علم للاجتماع من الاساس بني في العراق الحديث ليتم البناء عليه او قدرة تطويره او امكانية استمراره مع الاجيال المتلاحقة !!.

وهي القادرة ايضا على جواب سؤال : لماذا بعد الستينات من القرن العشرين المنصرم برزت ظاهرة (العقم الفكري) للمرحوم الوردي نفسه بحيث اننا وبعد الستينات لم نعد نقرأ ونسمع لفكر المرحوم الوردي الاجتماعي اي حس او نفس مشاكس !!.

ولماذا ..... ؟. الخ



نعم في الستينات بقت لفكر المرحوم الوردي اطلالات باهتة هنا وهناك وقد كتب الرجل بالفعل اجزاء من اللمحات الاجتماعية من تاريخ العراق الحديث وملاحق هذا المنتج التاريخي في الستينات كما ذكره الوردي نفسه في ملاحق الاجزاء الستة لكتابه الشهير (( ملامح اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)) لكن كان هذا منتجا فكريا تعلوه سمات وملامح شيخوخة فكر المرحوم علي الوردي ، وبوادر موتها المحققة وكأنه يودع قراءه من العراقيين الى رحيله وغيبته التي دامت الى يوم وفاته في 1995م رحمه الله !!.



في بدء بحثنا هذا ذكرنا ان المرحوم (علي الوردي) قدّم استقالته بالفعل في سنة 1970 م لكلية الاداب في بغداد لاسباب ذُكر منها تفرغه للتاليف والكتابة !!.

والحقيقة ان زمن السبعينيات من القرن العشرين المنصرم بالنسبة للمرحوم الوردي فكريا كان هو زمن نهاية تراجيدية وعقم فكري غاية في الغرابة ومدعاة للتساؤل والاستفهام ، فلماذا انزوى فعليا المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري ؟، سؤال لايمكن لنا اغفاله ونحن نتناول حياة وفكر رجل له من الاهمية ما للوردي في المجتمعية العراقية الحديثة !!.



نعم نحن نفهم وندرك تاريخيا ان ماقبل السبعينات قد انتهى المرحوم علي الوردي فكريا ومن ذكر سبب تقديم استقالة الوردي لكلية الاداب في بغداد على اساس التفرغ (للتاليف والكتابة) فهو انسان افاك ويحاول التدليس على الشعب العراقي واستغفال ذاكرته الثقافية العامة ، لان الرجل بعد السبعينات لم يكن له حس فضلا عن تاليف او تفرغ للكتابة والابداع !!.

ونعم ايضا حسب الحقائق ، التي ذكرناها في هذا البحث ندرك ونفهم فكريا لماذا انتهى ابداع المرحوم علي الوردي ثقافيا في فترة وجيزة وقصيرة تماما لانه وبسبب ان المرحوم الوردي كان يتمتع بقدرة نثر الافكار فوضويا ، والكتابة بمواضيع لارابط علمي منظم لها فمن الطبيعي والحال هذه ان تنتهي طاقة الابداع الفكري لمثل هكذا اشخاص لديهم طاقة فكر مكبوتة سرعان ما تنفجر لتحدث دويا وشظايا في كل اتجاه لكنها بنفس الوقت تموت وتندثر في لحظة انجلاء غبار الانفجار وينتهي كل تاثير لها بزمن محدد وقصير جدا !!.

فليس هناك شخص يحمل جرثومة الابداع بالامكان استنزاف طاقاته الابداعية الحقيقية او ايقافها او قتلها بزمن محدد وتحت كتابة مواضيع متعددة لاغير ، كما انه ليس هناك قوة على هذه الارض تتمكن من خنق ابداع المبدع المفكر من طرح ابداعه الى اخر لحظة في حياته الفكرية وتحت اي ظرف واسباب ، ولكن من يعتقد انه مبدعا وهو لايحمل الابداع والتطور والتنظير والتجدد الفكري ... في جرثومة فكره العلمي ، ذالك هو الذي يظهر على الساحة مؤقتا ثم ما يلبث ان يزول اثره من الوجود !!.



وطبعا هنا ، وفي هذا المفصل من حياة المرحوم علي الوردي الفكرية هناك من حاول ان يدخل العامل السياسي في موضوعة عقم فكر المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري الفوضوي فضلا عن الاجتماعي بعد الستينات من القرن المنصرم ، ولينّظر الى : ان مواقف المرحوم علي الوردي النضالية ، والبطولية المساندة لحق الطبقات المستضعفة في العراق ، هي التي جعلت من الدولة العراقية الندّ الحقيقي لتحجيم فكرالوردي من الانسياب في الابداع والتدفق في الكتابة والتاليف الاجتماعي والفكري بعد الستينات من القرن المنصرم ؟.

فهل كانت بالفعل مواقف المرحوم علي الوردي النضالية السياسية المدافعةعن حقوق طبقة المستضعفين في العراق هي سبب تحجيم فكر الوردي من تدفقه الابداعي فيما بعد الستينات من القرن المنصرم في العراق ؟.

أم ان المرحوم علي الوردي هواساسا كان مثقف سلطة وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين الذين جهدوا في خدمة السلطة على حساب الفقراء والمعدمين والمحرومين في العراق الحديث ؟.

هذا ما سنتناولة في القسم القادم انشاء الله قبل ان ندخل في اقسام مناقشة ((فكر المرحوم علي الوردي)) في مقدمات فهم هذا الفكر ، وبيان تناقضاته وتحليلاته السطحية ، والمتناقضة مع ابسط قواعد العلم الرصين واتكاءه على الايدلوجي في كل فكره المطروح باسم علم الاجتماع !.

************************

alshakerr@yahoo.com

زورو مدونتي لقراءة المزيد :

http://7araa.blogspot.com/