الجمعة، مايو 13، 2011

(( المالكي بيدق لصناعة المشكلة وليس حلها في العراق الجديد )) حميد الشاكر

دائما في معرض تناولي السياسي للشأن العراقي في الماضي والحاضر والمستقبل كانت المعادلة قائمة عندي على بُعدين اساسيين :


الاول : هو بُعد التجربة السياسية العراقية الجديدة الكلّية والتي بنيت بعد الاطاحة بنظام البعث الصدامي المقبور وهذا لاجدال ولاشك ولانقاش حوله في الدفاع عن منجزه ، وحماية مسيرته ، والاستعداد للشهادة من اجل انجاح التجربة العراقية الجديدة والوصول بأمانتها للجيل القادم من الشعب العراقي المظلوم .

ثانيا : بُعد البيادق والقيادات السياسية التي تلعب داخل هذا المضمار وتتحرك في ساحته برؤى واجتهادات مختلفة احيانا ومتناقضة في كثير من المواقع ومتكاملة في هذا المفصل او ذاك !.

وفي هذا البُعدُ الثاني كان حيز تناول شخصية رئيس وزراء العراق الحالي نوري المالكي في حوارمع احد الاخوة الكرام عندما سألني : اين تكمن المشكلة في شخصية نوري كامل المالكي ، كرئيس للوزراء ما إن يحاول التحليق في كل شيئ في العراق الجديد حتى نفاجأ بنكسة هنا في مكافحة الفساد مثلا ، او في كارثة هناك عندما نفاجأ بخروقات امنية فضيعة تدفعنا للتساؤل بحيرة عن أينية الامن الذي تتفاخر به حكومة السيد نوري المالكي هناك .... وهلّم جرّا ؟.

فأجبته بعد ان قدمت مقولتي : أجري على الله !.

الاخ رئيس الوزراء نوري المالكي لاينبغي النظر اليه والى غيره اليوم في عملية العراق السياسية الديمقراطية على اساس حسن النوايا له ولغيره اليوم فالادارة والسياسة في بلد كالعراق لاينبغي ان تكتفي بادارة حسن النوايا ، مع ان النوايا الحسنة من افضل مميزات القائد الشريف ، والمخلص لمثل هذا العراق ، لكنّ مع ذالك يبقى في عالم الادارة والسياسة دائما التخطيط والفكر والمؤهلات هن الاشياء الاثمن والاكثر رواجا في سوق السياسة من النوايا الحسنة والتوجهات الطيبة هنا وهناك كما كان العدل مثلا في مفهوم علي بن ابي طالب ع السائس العام المقدم دوما في المجتمع على الجود كسائس خاص !!.

نعم لابد في معرض تقييم قيادات العراق اليوم ، ولاسيما كقيادة على راس الدولة العراقية الجديدة ، ورئيس لوزرائها وزعيم لتنظيمها وتخطيطها كنوري المالكي ان نرجع قليلا للسؤال عن التاريخ الذي صعد به هذا القائد لسدة الحكم والسلطة وهل هو كان متحركا من اسفل السلم الى اعلاه بصورة طبيعية وانسيابية وقانونية وبلا قفزات مثيرة للاستغراب !!.

أم ان هناك عوامل خطرة جدا ك ( الصدفة) مثلا هي التي ساهمت في خلق وصناعة قيادة وزعامة هذا القيادي او ذاك ليصبح في مكان وفي ليلة وضحاها وبلا مقدمات ممسكا بزمام امر اكبر من طاقاته وامكانياته الشخصية والفكرية والاستيعابية..... لعبت الصدفة لعبتها لتصنع منه القيادي الاوحد في هذا المضمار ؟؟.

في التاريخ وحتى اليوم هناك الكثير من القيادات التي برزت بشكل غير معقول في صناعة الحدث ومتغيرات البشرية عندما نسأل عن تاريخهم وكيفية صعودهم الى قمة هرم السلطة والقيادة نتعجب من تصاريف الزمان والصدف ، وكيف ان الصدفة البحتة لاغيرهي التي صنعت كارثة كالحجاج بن يوسف اوامثال استالين عندما ومن بين المئات من القيادات وصاحبة الخبرة في الاتحاد السوفيتي السابق لم يقدم القدر غير اضعف واسوأ الاختيارات لتكون هي القيادة الاوحد لتغيير مجريات التواريخ البشرية !!.

وهكذا تعلمتُ شخصيا الخوف والخشية من القيادات التي تصنعها الصدف اكثر من صناعة طبائع السياسات والاشياء لها !!.

نوري كامل المالكي وصل لقيادة العراق الجديد من خلال صراع سياسي نشب على شخصية السيد ابراهيم الجعفري ولم تكن غير الصدف وحدها وسوء الاقدار من معين للسيد المالكي في تقديمه لقيادة العراق غير انه المنصة الاخيرة التي على تلالها يتم نحراوإبعاد السيد الجعفري من رئاسة الوزراء ولهذا صعد سوق السيد المالكي عاليا وبلامقدمات معقولة ليفاجأ العراقيون بولادة سياسي عراقي جديد اسمه نوري كامل المالكي جاء ليدفع سفينة العملية السياسية العراقية للحركة بعد ان كانت عصي القوم عاصية في دواليب رئاسة ابراهيم الجعفري انذاك وهذا اولا !!.

ثانيا :ومن خلال معرفة مقدمة كيفية صعود السيد المالكي المفاجئ لقيادة العراق وبدون حتى ادراك احد ماهي مؤهلات القيادة للمالكي الا كونه الخط الثاني في حزب الدعوة الذي يفضل بقاء قيادة العراق في دائرته لاغير ، فاجئنا السيد المالكي بنواياه الصادقة للعمل في بناء دولة العراق الجديد من جهة وفجئنا ايضا بكمية الاقدار التي تقف خلفه لتدفعه دفعا الى الامام وحثيثا بحيث انه وفي خلال فترة وجيزة اصبح المخلّص العراقي الوحيد لازمات العراق الجديد في ذهن وعقلية وبالخصوص زعماء عشائر العراق الذي انعم عليهم السيد المالكي بالمكرمات فردوا عليه السلام بتجييش عشائرهم لانتخاب المالكي لدورة ثانية لقيادة العراق !!.

وهنا لابد ان تطرح الاسألة السياسية الحقيقية وبعيدا عن كل مؤثر حزبي ، او نفعي ولنقول : ياترى لو كان الوضع العراقي الجديد طبيعيا ولم يكن يخضع لضغوطات امنية وتجاذبات سياسية وتناقضات اقليمية وداخلية ، ومحاصصات حزبية وقومية ودينية .....، فهل كان السيد نوري كامل المالكي سينجح في اختبار الكفاءة والقدرة والمؤهلات لقيادة العراق وهو البلد الذي بحاجة الى شخصية قيادية من اهم صفاتها التدبيروالاخلاص والحنكة والتخطيط لاسيما وهومقبل على صناعة تجربة سياسية ديمقراطية تحاول بناء الدولة ومؤسساتها والمجتمع ورفاهيته قبل بناء القائد الضرورة وخبالاته ؟.

أم ان السيد المالكي سيكون في حيزه الطبيعي ومكانه الذي ينبغي ان يكون فيه كاحد المساهمين في خدمة العراق في جانب من الجوانب ولكن بالقطع ليس في المقدمة وكرأس لهذا العراق الجديد ؟.

طبعا الاجابة على هذا السؤال يبدو انها ستكون واضحة ولا لبس فيها بالنسبةلشخصية القيادي في حزب الدعوة السيد نوري كامل المالكي ، وانه لم يزل الطريق طويل امامه ليصل الى حلم قيادة بلد كالعراق ، ولكن هذه هي قوانين الصدفة مع الاسف او قوانين المحاصصة بكل ألم التي دائما تخترق كل قوانين الاجتماع والطبيعة لتاتي بشرّ البقر لبقائه على المداود كما يقول المثل الصعيدي في مصر عندما يريد تقييم الواقع كما هو عليه !!.

وإلا بربك قبل ان يطاح بالجعفري من رئاسة الوزراء او قبل ان يفكر احد بابعاد الجعفري عن سدة رئاسة الوزراء من جهة ومن الامانة العامة لحزب الدعوة من جانب آخرهل كان هناك احد من الشعب العراقي كان يسمع عن انجازات المالكي او شدة عبقريته السياسية او كمية تخطيطه الاستراتيجي البعيد النظر كي يصبح قائدا عاما للعراق ككل !!.

ثالثا :وهي النقطة الاخيرة في عملية تقييم شخصية السيد رئيس وزراء العراق القائم والتي تقول إن الاخ المالكي ومن خلال ملاحظة ورصد افعاله والبحث في سير انماط تفكيره السياسي وخلال دورة كاملة ودخوله في دورة حكمه الثانية يتبين عوار الكثير من صفاته القيادية الغير صالحة او الغير مؤهلة لقيادة العراق بثوبه الجديد !!.

فالرجل بداية حزبي الى حد النخاع ، وكل استقطاب تفكيره منجذب بلا ارادة منه للنظر الى ادارة بلد كالعراق بكل تنوعاته من خلال نافذة المصالح الحزبية اولا ، ومن ثم مصالح وطن ، له من السعة والتناقضات ما لا يمكن معه ادارته بالعقلية الحزبية الضيقة وهذا مع الاسف نفس الكارثة التي مارسها نظام حزب البعث المقبور عندما اراد تحويل جميع العراقيين لبعثيين ولكنه فشل بعد حكم دام خمسة وثلاثين سنة سوداء مما اكد ان العراق تحت حكم الاستبداد والشمولية لم يحكم بالحزب الواحد فكيف حكم العراقيين برؤية حزب في وضعه الديمقراطي التعددي الجديد ؟.

نعم لايمكن تحميل السيد نوري كامل المالكي اكثر من طاقته لنطالبه بالفصل بين رؤيته لادارة الدولة ورؤيته لمصالح الحزب الذي باسمه وصل الى ماوصل اليه ، ولهذا نؤكد ان الاخ رئيس الوزراء كامل المالكي لايمكن له بعد عقود من العمل الحزبي الشديد الالتزام بالولاء للحزب ان ينزع جلده ، ويعيد انتاج فكره بسهولة ليكون بسعة ادارة مجتمع ربما تتناقض مصالحه مع مصالح جميع الاحزاب على حد سواء !!

ثم وبعد ذالك يأتي دورسؤال هل حقا السيد كامل المالكي يملك من المميزات الفكرية والقيادية التي تهيئه لصناعة استراتيجية قيام الدولة من جهة وبناء مؤسسات مجتمع مدني ومتنوع وحر من جانب اخر ؟.

أم ان رئيس وزرائنا العراقي المنتخب لايوحي كل تاريخه في حكم العراق الجديد وحتى الان انه حاكم قادر او ممتلك بالفعل لرؤية واستراتيجية في كل ادارة مفاصل الدولة العراقية الجديدة ؟.

الجواب انه ربما كانت شخصية المالكي القيادية برزت في ملف الامن والضبط والربط في هذا الجانب بصورة واضحة مع ان العراقيين المؤمنين بالتجربة العراقية والمضحين من اجلها يدركون ان الارهاب كان الى زوال حتما وان ارادة الشعب الصلبة هي التي دحرت الارهاب وقضت على عصابات البعث الاجرامية حتى وصولنا اليوم ليأس الذين كفروا من القاعدة والبعث من النيل من تجربة الشعب العراقي ولذالك استسلموا للامر الواقع وتروض حقدهم الارهابي قليلا على العراق ، وشعبه ولكن مع ذالك لنقول ان هناك دور لادارة السيد المالكي الامنية في تثبيت قواعد الاستقرار الامني النسبي ليعتبر انجازا لحكومته القائمة لكن يبقى السؤال قائما ومتجددا ايضا وهو هل العراق الجديد هو دولة بوليسية وامنية فقط ليرشح المالكي كقائد امني لانظير له في قيادة العراق الجديد ويقدم كنموذج صالح للادارة وكفوء لشغل هذا الحيز من مناصب الدولة العليا ؟.

ام ان التجربة العراقية الجديدة بحاجة الى ادارة وعقلية مختلفة جدا عن مميزات القيادة الامنية الفاعلة لاغير والتي بالامكان اعطاء حقيبة الامن الداخلي او المخابرات لامثال السيد المالكي ، لكفائته الامنية ولكن لايمكن التفكير بتسليم البلد والتجربة العراقية ورئاسة وزرائها لمجرد وجود عقلية امنية فقط !!.

بمعنى اخر ان تركيبة العراق الجديد مختلفة عن تركيبة شخصية السيد المالكي الامنية ، والسيد المالكي مؤهل جدا ان يكون وزيرا للداخلية على هذا الاساس او شاغلا لملف الامن الوطني او المخابرات العامة ، اما كون الاستاذ المالكي صالحا لرئاسة وزراء ولأدارة وصناعة عراق ديمقراطي تعددي جديد وباني لمؤسسات دولة خدمية وثقافية وامنية متكاملة ، فهذا شيئ ليس فقط اكبر من حجم شخصية السيد المالكي الفكرية والعقلية والنفسية .... فحسب بل ما اثبتته التجربة العملية السياسية للاخ نوري المالكي انه اضعف من ادارة دولة بحاجة الى عقلية فن الادارة وزرع الثقافة اكثر من حاجتها لعقلية الامن والدسائس والمؤامرات !!.

إن هذه الرؤية حول شخصية السيد المالكي القيادية هي التي ستشرح للمتتبعين الكثير من تخبطات السياسة داخل ادارة السيد المالكي لملفات العراق الكبيرة ، وهي التي ستشرح لماذا الفساد الاقتصادي والاجتماعي وصل الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العراق القديم والحديث ، وهي التي ستبين لماذا عدم الاستقرار والقلق المزمن في كل ملفات العراق الخدمية والامنية والاستراتيجية الداخلية والخارجية ......، فالرجل حُمّل اكثر من طاقته في قيادة بلد هو اوسع بكثير من قيادة حزب ، بل انه الرجل العنيد امام الاعتراف بعجزه لادارة بلد بحاجة الى عقلية اكبر واوسع واشمل تساهم ليس في صناعة المشاكل والازمات للعراق الجديد بل لصناعة توافقات سياسية وليس محاصصات حزبية ، والمالكي ومن خلال التجربة اثبت انه اللاعب الجيد في صناعة الازمات وادارتها ، والتلميذ البليد في ادارة التوافقات وبناء عراق الخدمات والتقدم والاستراتيجية الواضحة !!.

اما لماذا السيد المالكي صاحب العقلية الامنية الحزبية استعذب فن صناعة الازمات للعراق الجديد ؟.

فالسبب بسيط وهوان الازمات دائما تشغل الراي العام الشعبي ولاسيما العراقي المغرم بفن الحكاية والوشاية وتتبع الاشاعات والفضائح ،عن الالتفات الى المشاكل الحقيقية الذي تعاني منها الاوطان بسبب عدم كفاءة القيادة فيها ، ولذالك لم يزل الشعب العراقي المظلوم ما ان ينتهي من حكاية ازمة سياسية يصنعها سياسيوه حتى يصحو على ازمة جديدة يخلقها هذا الطرف او ذاك ليشتت انتباه الشعب عن غياب الخدمات وتردي الثقافات ، وهبوط الاستراتيجيات وانحدار الكفاءات واستشراء الفسادات وكثرة السرقات وغياب الامانات .... وهكذا !! .

والحق ان مثل هذه اللعبة في فن صناعة الازمات ووجود شعب مهيئ للحكايات اكثر من تتبع الانجازات ، ساحة ميدان ثرية للسياسيين الفاشلين والوصوليين ..... ليبنون مجدا على حساب انقاض شعب بكامله يريد الحياة لكنه لايجيد صناعة قياداتها الناجحة !!.

اخيرا نقول : ان في العراق الكثير من الكفاءات التي لو اتيحت لها الفرصة الطبيعية لقدمت للعراق اكثر من الاستقرار الامني والتقدم العلمي والرقي الاخلاقي والنمو الاقتصادي والتطور السياسي ......واخذ العراق لمكانته الطبيعية كحزمة وملف واحد يديرها صاحب العقلية القيادية الشاملة الذي يريد ان يصنع وطنا وبلدا ودولة ومؤسسات ومجتمع وامن بصورة لايطغى ملف على اخر لتتحول التجربة برمتهامن تجربة صناعة امة حرة ودولة عدل الى تجربة لصناعة دولة بوليس ومواخيروعود كاذبة لاغير !!.

كما ان في العراق مشكلة لابد من القضاء عليها والى الابد وهي : ان الصدف دائما هي التي تصنع للعراق واقعه وتاريخه ومستقبله من خلال فرض معادلاتها هنا بتقديم شخص غير كفوء لقيادة الامة للهاوية وصبغه على اساس انه الاوحد الذي لامثيل له ، او فرض نموذج حزب هناك ليتسلط جلاد وطاغية على العراق باسماء متعددة ، فبدلا من ذالك آن الاوان للعودة بالعراق وشعبه الى الاصول التي تجعل من القانون والطبيعة وتراتب الامور كقدر وسكة تنجب قادة العراق الجدد المحسوب حسابهم بكل شيئ والمدروسة كفائتهم لقيادة هذا الشعب قبل ان يتسنموا اي منصب حكومي ونجد انفسنا بعد برهة مرغمين على تمجيد شخوصهم الهزيلة تحت ضغط ملكهم للسلطة وتربعهم على مساند تحكم مصالح الناس واقدارهم بالقوّة !.

_______________________________

alshakerr@yahoo.com

http://7araa.blogspot.com/2010/12/1.html