الثلاثاء، أبريل 20، 2010

(( هوية الانسان بين التصور الاسلامي ونقيضه المادي !)) حميد الشاكر


عندما يبحث اي بشر منّا عن جذور ومرجعيات وأصول نشأته الانسانية ليستخرج منها ماهيته وهويته وشخصيته الانسانية والسياسية والفكرية والقانونية ، فليس أمامه وخلفه إلا طريقين لهذه المهمة :




الاول : وهو الطريق الكلاسيكي الديني بصورة عامة ، والاسلامي بالنسبة لنا بصورة خاصة .

والثاني : وهو ماتعارف عليه حديثا بالطريق العلمي ، او مااطلق عليه فلسفيا بالطريق المادي .



أما بالنسبة للطريق الاول فهو صاحب رؤية وتصوّر:إن الانسان مخلوق معنويٌ قبل ان يكون مخلوقاماديا بالاساس فهو وحسب اللغة الاسلامية روح من الله وخليفة له في الارض ، وصاحب مشروع العبادة والارتباط بالله سبحانه وتعالى وهو مخلوق مكرّم خلق دفعة واحدة بكلمة من الله وامر منه ليكون سيد العالم والمتفوق على كائناته!.



أما الطريق الثاني فهو صاحب تصوّر ورؤية : إن الانسان مخلوق طبيعي متطوّر في خلقيته ، ومتدرج في كينونته من مكروب كان لم يرى بالعين المجردة ، الى ان ساعدت بعض العوامل الطبيعية على تغذيته ، ودفعه ليكون شيئا موجودا ومن ثم ، ليصبح كائنا زاحفا ثم دارجا ثم ماشيا من اصحاب الثديات، الى مرتقيا في سلم الموجودات الى قردا ليقفز فيما بعد بطفرة تكوينية خلقية نوعية ، ليضحى انسانا معتدل القامة ، ومالك لعقل مميز يميزه عن باقي الموجودات في هذا العالم كما نراه اليوم في الواقع ؟.



والحقيقة إن هذين التصورين لمسيرة الانسان التكوينية ، او الرؤيتين لمسيرته الخلقية هي مالدينا ، أومانملك من تصورات حول تاريخ الانسان، ومراحل تدرجه الطبيعية ولاريب عندما نقف اليوم امام الانسان وجها لوجه لمحاولة تقييمه او تقييم ماهيته وصناعة هوية لشخصيته وجوهره ، فلابد علينا اما بالاخذ بالطريقة الدينية الاسلامية لنرى موقع الانسان من الوجود والعالم والكون ، وإما ان نأخذ بالطريقة العلمية المادية لتكون هي الرائد لنا في مشروع تقييم الوجود الانساني واستنباط هويته الحقيقية من رؤيتها المتطورة !!.



العالم المتدين او الذي لم يزل يرى في الانسان انه مخلوق روحي معنوي الاهي اولا وقبل ان يكون ماديا ذهب الى ان هويةالانسان هوية روحية وشخصيته شخصية معنوية تعتمد كليا على موقعه الديني في هذاالوجود وما وظيفته الاجتماعية والانسانية والبشرية داخل هذا العالم الا اشتقاق حتمي من مشروع ورؤية خلقه الالهي لاغير !!.

اي ان تعريف الانسان في التصور الاسلامي ، وماهيتة وشخصيتة موجودة قبل ولادة الانسان في هذه الحياة الاهيا في التصور الاسلامي، ثم بعد ان وجد الانسان في هذه الارض ، انتمى لشخصيته المعنوية والاعتبارية التي تعرّفه بانه روح لله سبحانه ، وخليفة له وعبدا من عبيده ، وصاحب مشروع اعمار العالم واقامت العدل فيه وقيادة الامم نحو الله لاغير !!.



اما العالم المادي الذي يدعيّ العلمية، ولم يزل يرى في الانسان ، انه مشروع طبيعي مادي لاغيرفقد قرر ان هوية الانسان وشخصيته الاعتبارية الفكرية ،او السياسية او القانونية او الاجتماعية ، لايمكن لها وحسب الرؤية المادية المتطوّرة للانسان الا ان تكون متخلفة عن وجوده الطبيعي ليعرّف الانسان فيما بعد ، وتصاغ له هويته وشخصيته الانسانية حسب سُلّمه المتطور من الخلقةليترتب على ذالك وظائف الانسان وغاياته واهدافه في هذا العالم والوجود والكون والحيزالاجتماعي مقطوعا تماما عن اي رؤية مسبقة على وجود الانسان المادي والطبيعي في هذه الحياة وعندما يريد اي باحث اجتماعي او مفكر او فيلسوف تنظيري ان يضع تعريفا لشخصية الانسان وماهيته او هويته فعليه ابدا ان لايغفل ان يضع بالتعريف قوله : الانسان حيوان متطوّر ، وبلغة الفلسفة الانسان حيوان ناطق !!.



ولايخفى ان الاساس لنظرية التطور الطبيعية هذه ، هو ما ابتكره عالم الطبيعيات الانجليزي تشارلز داروين ، الذي قال بنظرية النشوء والارتقاء في الوجود الانساني ، لتتبنى بعده جميع الفلسفات والافكار المادية هذه الرؤية لهوية وماهية وشخصية الانسان في هذا العالم بدءا بالماركسية المادية، والى نيتشة صاحب نظرية القوّة وحتى الوجودية السارترية الملحدة التي نظّرت لمشروع (هوية الانسان وماهيته المادية) بقلم الروائي الفرنسي جان بول سارتر!.



نعم هناك من حلّ اللغز ( اسلاميا وهو صدر المتألهين ) بين ثنائية المادة والروح ليضع نظرية الحركة الجوهرية لصياغة الهوية الانسانية بين الروح والمادة على اساس انهما كيان واحدفي صناعة الهوية وليس وجودان وليقول بنتيجة : ان المادة الطبيعية الانسانية نفسها، تحمل هويتها وشخصيتها الروحية داخلها بالقوة ، ومن خلال الحركة والتطور تبرز هوية الانسان الروحية من القوّة الى الفعل تلقائيا وبمساعدة الحركة او التطور نفسه !!.

لكنّ بقي الفكر المادي الفلسفي العلمي حتى هذه اللحظة ، غير ملتفت لهذه الرؤية الاسلامية التي استطاعت الدمج بين ماهو روحي وبين ماهو مادي طبيعي في شخصية الانسان وهويته ولتبق من ثم على مواقفهاالقديمة من رؤية الانسان وهويته وشخصيته بثنائية اما : المادي الطبيعي ، او : الالهي الروحي !!.



وعلى اي حال ليس هذا هو مسار بحثنا ، لموضوعة الهوية الانسانية ،بقدر ما اردنا السؤال حول كلا الرؤيتين او التصورين المادي والاسلامي وانعكاسات هذه التصورات على الرؤية للانسان وشخصيته ككائن ومخلوق اجتماعي وانساني وحتى اخلاقي وسياسي ايضافهل هناك فوارق في الرؤية للوجود الانساني عندما نقول انه مخلوق روحي الهي معنوي قبل ان يكون ماديا ؟.

أم ان الحياة الاجتماعية والقانونية والسياسية وحتى الاخلاقية ، لاعلاقة لها مطلقا برؤية هوية الانسان وشخصيته وماهيته ، سواء كانت الهية معنوية روحية ، أم مادية طبيعية علمية حيوانية ؟.



الحقيقة انه من الصعب التفريق بين رؤيتنا او تصورنا لماهية وشخصية الانسان الاعتبارية ،وبين واقعنا الاخلاقي او القانوني او السياسي الاجتماعي الذي نعيش في داخله ،ونمارسه كمنعكس لرؤانا الفكرية او العلمية او الفلسفية حول الانسان وشخصيته ، بغض النظر ماذا كانت الرؤية الالهية او المادية العلمية هي صادقة ام كاذبة ، ا!!.



بمعنى اخر ان موضوعنا هنا لايتناول تقنية سؤال : هل الواقع والحقيقة تقول ان الانسان خلق دفعة واحدةمن قبل الله سبحانه وتعالى وبيده ونفخ فيه من روحه وقال له كنّ فكان ؟.

أم انه مخلوق طبيعي تدرج في مسيرته التكوينية من كائن مكروبي حقير، الى ان وصل الى انسان بلسان وشفتين واذنين وعينين بمساعدة عوامل الطبيعة والمحيط وكيفية التكيّف معه ؟.

لا لانريد مناقشة الموضوع من هذه الزاوية من منطلق ان مناقشة الموضوع من زاوية الحقيقة والخيال ، لاترتقي في خطورتهاالى مناقشة الموضوع من خلال انعكاساته الفكرية والفلسفية والاخلاقية علينا كبشر سوف تتأثر حياتنا القانونية والاخلاقية والسياسية برؤانا هذه ، او تلك لهوية الانسان ، ومن هنا قلنا بأن قوانينا الاخلاقية وسلوكياتنا السياسية حتما ستتأثر برؤيتنا لماهية هذا الانسان وشخصيته التي نؤمن بها سواء كانت مادية او معنوية في هذه الحياة !.



نعم معروف في العلوم الاجتماعية او الاخلاقية او السياسية او القانونية ان رؤيتنا الفلسفية والفكرية حول الانسان وجذوره الخُلقية ، هي المتحكمة بالفعل بصياغة قوالب قوانينا ،ومن ثم سلوكياتنا الاخلاقية ورؤيتنا الاجتماعية مع هذا الانسان !.

فلاشك من ان هذه العلوم ترتكز على رؤيتنا الفكرية حول نشأة الانسان ومسيرته التكوينية وتاريخه الطويل وهناك فرق سياسي وقانوني واخلاقي ....عندما انظر انا او انت او اي باحث في حقيقة الانسان وشخصيته للانسان على اساس انه حيوان متكيّف مع المحيط حوله لاسيما منه الطبيعي ، وبين ان انظر لهذا الانسان على اساس انه يحمل في داخله روح الاهية مقدسة من قبل الله سبحانه وتعالى ، وله وظيفة الاستخلاف ، وانه كائن خُلق لهدف وغاية ومبتغى محدد !!.



وهكذا عندما اريد ان اضع القوانين ، التي تضبط ايقاعات حركة ،وسلوك المجتمع واهدافه وغاياته في هذه الحياة فلاريب ان الانسان اذا كان المشرّع القانوني ينظر اليه على اساس لاهوتي معنوي روحي ،وإن له حقوق شخصية ثابتة ،وانه متمتع بهوية سابقة على وجوده في هذه الحياة ، وهبته له السماء قبل ان تطأ رجله هذه الارض...... هو مختلف حتماعن انسان ينظرله المشرّع القانوني على اساس انه حيوان مفترس متطوّر روضته الطبيعة وهذبه الاجتماع شيئا فشيئا حتى وصل الى هذا الواقع الانساني الحضاري الذي نعيش نحن جميعا فيه الان ، فعندئذ تكون قوانين المشرّع القانوني مختلفة تماما مع هذا الحيوان ، الذي بحاجة فعلا الى الضبط القانوني القريب الشبه من قوانين الغابة التي انبثق منها وجوده الطبيعي !!.



وحتى على المستوى الاخلاقي ، لسلوكنا الفردي والاجتماعي، فانا حتما سيتغير تعاملي ، الاخلاقي مع الانسان تبعاً لرؤيتي وتصوري لوجوده وجذوره الخلقية فإن كان مخلوقا معنويا الاهيا روحيا ، فإن تعاملي معه سيرتقي الى ان اكون اكثر معنوية ، واخلاقية والاهية ورحية ،وجماليا مع هذا المخلوق الذي يقف امامي في المجتمع وعلى ارض الحياة الواحدة بعكس مالو كانت رؤيتي تصوّر ليّ الانسان الاخر كقرد يجلس بكل طبائعه الخبيثة ،واساليبه اللعوبة وهو يقف امامي وجه لوجه ،فحتما سيكون بيني وبينه اخلاقية الغاب وطبائع الحيونة ، وسلوكيات المخاتلة والبقاء للاقوى اوللاذكى حسب التكيّف مع المحيط الاجتماعي البشري المتطور ،هي الحاكمة بينه وبيني اخلاقيا في سلوكنا الاجتماعي القائم !!.



ونفس المقياس الفكري والنفسي والاخلاقي والقانوني ...، سيزحف حتما للحيز السياسي ايضالتختلف صياغة حياة السياسة وعلمها ومفرداتها واساليبها وسلوكياتها ...رأسا على عقب ، عندما تتغير رؤيتنا الانسانية لهوية وجذور ومرجعية هذا الانسان ،بين ان يكون صاحب هوية حيوانية متطورة ، وبين ان يكون صاحب هوية لاهوتية روحية مقدسة ورفيعة !!.

كان اختلاف توماس هوبز الفيلسوف السياسي الانجليزي المعروف عن جون لوك في صياغة فكرة العقدالاجتماعي كرؤية سياسية ، تحاول صناعة الكيفية التي يتم من خلالها ولاء الافراد للدولة والقانون ، هو اختلاف رؤية هوبز لتاريخ الانسان المادي وكيفية ضبط هذا الحيوان الطبيعي الذي لايمكن النظر اليه الا من خلال طبيعته الحيوانية!.

وبهذا وضع هوبز رؤيته الدكتاتورية السياسية التي ترى ضرورة ان يقمع الانسان سياسيا بكل وحشية وقسوة ليتم انضباط المجتمع حسب طبيعته التي لاتدرك غير لغة الخوف والرهبة والقوّة !!.



ونفس الشئ عندما استلم ( لينين) السلطة في الاتحاد السوفيتي القديم ، وباعتبار انه من المؤمنين بنظرية النشوء والارتقاء الداروينية ، فإن اول شئ فكر به لادارة المجتمع هو الطريقة المثلى سياسيا التي من خلالها يتمكن لينين من السيطرة والادارة لهذه الغابة من البشر ، التي تدرك الخوف ولكنها لاتدرك معنى المشاركة والتنازل والاخلاقية الحضارية الراقيةحتى يذكر ان لينين كان من مريدي العالم الروسي المادي بافلوف الذي كانت جلّ ابحاثه الانسانية تستند على سلوك الحيوانات في مختبره لدراسة ردود افعالها الشرطية وغير الشرطية !!.



إذن رؤيتناالفكرية وتصوراتنا الفلسفية حول الانسان وجذوره الخلقيةمضافا لذالك صياغتنالماهيةالانسان وشخصيته وهويته المعنوية او المادية، لها دخل مباشر وانعكاسات خطيرة جدا على حياتنا البشرية وبجميع فصولها وزواياها الانسانية والاجتماعية والفردية ، وعلى كل من يريد ان ينظّر لفكرة او تصوّر حول الانسان ان يزحف بفكره قليلا الى منعكسات هذه الافكار والتصورات والرؤى الفلسفية والفكرية ، وليرى :

هل من صالح احترام الانسان ، وتكريمه وتقديسه والنظر اليه بسمو وعلو ورقي وتثبيت حقوق بشرية اليه عندما نقول انه مخلوق الاهي ومعنوي وروحي ومكرّم من قبل الله سبحانه ، وانه نطفة من روح الخالق العظيم تتحرك على الارض ووظيفتة فيها الاستخلاف واقامة العدل بين البشر !؟.

أم انه سيكون اكثر احتراما ورقيّا ونيلا لحقوقه الاجتماعية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية ....الخ ،عندما نقول انه مخلوق مادي متطور ، اصله قرد ، وقانونه الغاب ، وتحضره شئ حديث ، وهويته طارئة ، وحقوقه منحة اجتماعية لاغير ؟.

__________________________



alshakerr@yahoo.com