الخميس، أغسطس 28، 2014

لماذا لاترى ايران العراق وتجربته الشيعية سوى انه مرقد مقدس ينبغي حمايته ...

(( لماذا لم يكتب علي الوردي لعلم الاجتماع !.)) حميد الشاكر


 
لم يكن هذا سؤالا عابرا بالنسبة ليّ على الاقل شخصيا ،  ولقراءاتي المتواضعة في المجال  الفكري والعلمي ، لاسيما  في مراحل قرائتي لمنتوج وفكر المرحوم علي الوردي المبكرة !!.
تعرفت في بداية حياتي الفكرية على المرحوم علي الوردي باعتباره ((مؤسسا لعلم الاجتماع العراقي الحديث )) ، وشغفت ولهاً وانا اقرأ مؤلفاته المتنوعة المواضيع من(( مهزلة العقل البشري والى طبيعة المجتمع العراقي وحتى دراساته للفرد العراقي وهكذا اسطورة الادب الرفيع ، ووعاظ السلاطين ، والاحلام بين العلم العقيدة وثمرة انتاجه الفكري لمحات من تاريخ المجتمع العراقي الحديث )) !!.
كنت اتوقف عند كل سطر اقرأه في هذه المؤلفات الجديدة عليّ انذاك لاتسائل عن مغزاه العلمي وعمق افاقه الفكرية والتحليلية و ... هكذا وكانت من عادتي الثقافيةان اعودلقراءة ماقراءته مرة اخرى لازداد وضوحا مما قرأت وبالفعل عدت لقراءة الوردي مجددا ، ولكن وقبل دورة قرائتي الفكرية الثانية ،  لمؤلفات المرحوم الوردي الاجتماعية بادرتني فكرة الحت عليّ كثيرا وباصرار غريب ويبدو ان هذه الفكرة من ضمن طبيعتي الفكرية التي اكتشفتها فيما بعد وهي انه (( عندما اقرأ شيئا باسم اي علم ، او تحت يافطة اي فكر ، اجد نفسي مضطرا للرجوع الى اسس ،  وجذور هذا العلم وقراءته ووعيه لادرك من ثم المنطلقات التي تؤسس للحديث باسم هذا العلم او ذاك )) !!.
بمعنى اخر وجدت شخصيتي الفكرية ،  عندما تقرأ فكرا يتحدث باسم الماركسية (مثلا)تذهب بشكل تلقائي لتدرس ماركس وماركسيته من جذورها الفكرية  لتقرأ بؤس الفلسفة ، او راس المال اوما تيسرمنه لماركس ، وتقرأ (لانجلز ) العائلة المقدسة وتقرأ ايضا ما كتب حول ماركس والماركسية !!.
وهكذا عندما اقرأ فكرا يتحدث تحت مسمى واطارالفلسفة اعود لاقرأ فلاسفة اليونان ومدارسهم اولا ، واتوسط قراءة الفلسفة الاسلامية الارسطية باساطينها ومؤسسينها من الكندي ، والى ابن سينا وحتى الفارابي و ... ، نهاية بابن طفيل وابن رشد في نهاية تاريخ الفلسفة الاسلامية العربية في المغرب العربي ، والاندلس   في القرن السابع الهجري ، واتمم راجعاهذا المشروع الفلسفي في قراءاتي المعاصرة   للطباطبائي في ((بداية الحكمة ونهايتها  )) وللمطهري في (اسس الفلسفة والمذهب الواقعي) وشرح المنظومة ومحمد باقر الصدر في (فلسفتنا) !!.
في قرائتي للمرحوم الوردي ، وحديثه المكثف حول علم الاجتماع لم اخرج عن اطار القاعدة وعجلتها  فذهبت قبل ان اعيد قراءة الوردي مرة اخرى ، لابحث عن جذور هذا العلم الذي يتحدث الوردي باسمه دائما ولاتسائل اين اجد جذورهذا العلم والمنظرين لمناهجه واساليب مدارسه العلمية في هذا العلم ؟.
كان البحث انذاك مضنيا، لافتقار الساحة لمصادر المعرفة في العراق ولكن وعلى اي حال اصبح اليوم واضحا جذور ونشاة واسباب ولادة علم الاجتماع الحديث فقرأت لداعية انشاء علم للاجتماع (( اوجست كونت )) واطلعت على ما بذله (( دوركهايم )) من تنظير لهذا العلم ، وهكذا ماكس فيبر وسبنسر .... حتى تالكوت وغدنز وغيرهم !!.
وفي عودتي الثانية بعد ذالك لقراءة الدكتور علي الوردي مجددا قفز الى ذهني مباشرة هذا السؤال وقبل حتى ان اكمل كتابه الاول وهو:
لماذا لم يكتب المرحوم علي الوردي شيئا لعلم الاجتماع ،  بينما كتب كل شيئ باسم هذا العلم ؟؟.
بمعنى اخر هو :نعم كثير من الفلاسفة والمفكرين والتاريخيين وحتى المثقفين في العصرالحديث يكتبون في المجتمع ، وطبقاته وظواهره واشكالياته وسننه واليات عمله و....الخ ، لكن الكتابه حول المجتمع شيئ والكتابه والتاليف لعلم الاجتماع شيئ اخر ومختلف تماما !!.
كل مثقف ، وصاحب فكر بامكانه ان يتناول المجتمع ،  كمادة لثقافته وكتابته وتاليفه ، لكن المختصون فقط في هذا العلم هم الذين يكتبون في اسس علم الاجتماع  ومناهج بحثه ، واصول منطلقاته ومدارسه وكيف هو اصبح علما مستقلا عن باقي العلوم و ....الخ  !!.
تعلمت هذا الفصل بين من ((يكتبون في المجتمع والذين يكتبون لعلم الاجتماع)) من (اوجست كونت) مؤسس علم الاجتماع الحديث الذي اكد البون الشاسع ، بين من يتناول المجتمع ك((  مادة لفكر نقدي او اصلاحي او توصيفي ، وبين من يتناول المجتمع كعلم )) له ما لباقي العلوم من خصائص ومواصفات ولهذا كان (( كونت )) صاحب ثورة على كل من يكتب للمجتمع بدون منطلقات علميا توضح ماهي وجهة نظره العلمية في موضوع المجتمع !!.
(دوركهايم) مؤسس المدرسة الاجتماعية الفرنسية ايضا لم يكن يقل حماسة لعلم الاجتماع عن صاحبه (كونت) بل انه زاد عليه ان خاصم (دوركهايم اوجست كونت ) في فكره الاجتماعي لانه كان يشم رائحة تفلسف غير علمية في افكار(كونت)تختلط بين الفينة والاخرى داخل اطار علم الاجتماع ،ولهذا انتقد (دوركهايم) استاذه (كونت) لانه كان يدخل (( بعض التنظيرات الفلسفية )) على علم الاجتماع ، بينما كان (دوركهايم ) حريصا ان يستخلص علم الاجتماع ومصطلحاته من اي تاثير لاي فلسفة او علم اخر غير علم الاجتماع ومن هنا دعى وشدد (دوركهايم ) على كل من يريد ان (يصبح عالما للاجتماع ) ان يدرك مجالات هذا العلم فقط وينطلق منها لاغيروليس من اي فكرة فلسفية او اخرى سيكلوجية نفسية او اقتصادية او سياسية آيدلوجيه !!.
هذا ما فهمته من رحلتي في عالم علم الاجتماع الحديث قبل  عودتي الثانية لقراءة علي الوردي وهنا اكتشفت الكارثة !!.
تحت اي مدرسة في علم الاجتماع الحديث ، كان يكتب المرحوم علي الوردي كل افكاره وتصوراته لدراسة المجتمع العراقي ؟.
ومن اي ((منطلقات علمية حديثة )) ناقش الدكتور الوردي شخصية الفرد العراقي ؟.
وعلى اي اساس علمي اجتماعي هاجم الدكتورعلي الوردي الفلسفة الارسطية الاسلامية ليستهزء بفلاسفتها ومفكريها ؟.
وعودا على بدء: اين هي مؤلفات الوردي التي اسست لعلم الاجتماع العراقي الحديث ، وشرحت لنا وللمتابعين والدارسين لمؤلفاته وكتبه ماهو علم الاجتماع الحديث ؟.
وكيف نشأ هذا العلم ؟.
ومن هم مؤسسوه واساطينه ومنظريه في العصر الحديث ؟.
وماهي اختلافات وجهة نظرهم العلمية فيما بينهم والبين الاخر ؟.
وكيف تمكنوا من (ايجاد علم للمجتمع) ،بعد ان لم يكن المجتمع مادة للعلم ؟.
وماهي مدارس هذا العلم ؟.
ولماذا تعددت مدارس علم الاجتماع ،   بينما باقي العلوم  الاخرى لم تتعدد مدارسها ؟ .....الخ ؟؟؟.
نعم اين نجد مؤلفات المرحوم الوردي ، التي تنظّر لعلم الاجتماع من جهة وتؤسس لمدرسة علم الاجتماع العراقي الحديث من جانب اخر ، ولتضع اناملنا من ثم على اجوبة هذه الاسألة التي تناولت مشروع علم الاجتماع الحديث ؟.
هل كتاب ((في شخصية الفرد العراقي )) مثلا يتناول شيئ من تاريخ ونشأة هذا العلم ؟!.
او مؤلف (( دراسة لطبيعة المجتمع العراقي )) قد ذكر شيئا عن علم الاجتماع تعريفا وتاسيسا وتاصيلا لهذا العلم ؟.
هل (( مهزلة العقل البشري ،  او وعاظ السلاطين او اسطورة الادب الرفيع ، او لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث او .....الخ )) تناولت هذه المؤلفات شيئا عن مدارس علم الاجتماع الحديث (مثلا) واختلافاتها الاساسية فيما بينها والبين الاخر ؟.
ام ان جميع مؤلفات المرحوم ((علي الوردي)) كانت مؤلفات تتحدث باسم هذا العلم لكن لاتكتب اليه ونحوه وعنه اي شيئ مطلقا ؟!.
ومن ثم اذا كان الامراصبح بهذا التعقيدحول الوردي ومايكتبه: كيف لنا عندئذ معرفة ماهو منهج علي الوردي العلمي في تناوله للظاهرة الاجتماعية بصورة عامة ، والظاهرة العراقية بصورة خاصة، ونحن حتى نفتقد لوجود (تعريف لعلم الاجتماع)في جميع مؤلفات المرحوم الوردي المطبوعة ؟!.
قرأت كثيرا، للذين كتبوا حول فكرالمرحوم الوردي ، من طلبته ومن المعاصرين له شخصيا، كي يجيبونا عن مثل هذه الاسألة ، التي هي تشكل اساسا للدفاع عن علم الاجتماع وتاسيسه في العراق اكثر من تعبيرها عن تعنصر قبلي جاهلي لهذا الكاتب او ذاك ، ولكن اصارح قرائي الاعزاء باننا وجدنا كارثة اخرى غير الكارثة الاولى !!.
يتحدث صاحب كتاب ((مئة عام مع الوردي)) للكاتب ((محمد عيسى الخاقاني )) في فصله الثالث تحت عنوان (( علماء تاثر بهم الوردي مناهجه وبحثه)) عن تاثر المرحوم الوردي بعلماء اجتماع مؤسسين لهذا العلم ، ومن ثم اخذ المرحوم علي الوردي بمناهجهم الاجتماعية في تحليل ظواهر المجتمع العراقي ، واشكالياته المعقدة حسب رؤية الاخ الكاتب ويذكر ((محمد عيسى الخاقاني )) مجموعة من الاسماء اللامعة في عالم علم الاجتماع ك (( اميل دوركهايم وتالكوت صاحب المدرسة الوظيفية الامريكية و..اخرون)) باعتبار ان مناهج الوردي العلمية هي هي نفسها مناهج اساطين علم الاجتماع الحديث !!.
 والحقيقة لا اعلم من اين اتى السيد(( الخاقاني )) بهكذا اسقاطات لا علمية تتحدث عن (( تأثر الوردي ، ومنهجه العلمي الذي انطلق منه لتحليل ظواهر المجتمع بهكذا شخصيات علمية من جهة ونقده للفكر بصورة عامة من جانب اخر))وعلي الوردي نفسه في جميع مؤلفاته لم يشر بصورة لاصريحة ولا غامضة بانه يتبنى اي منهج علمي في قراءاته وكتاباته المتنوعة !!!.
بمعنى اخر انه هل يكفي ان يدعي مثلا الكاتب الخاقاني، او اي كاتب عراقي  او عربي اخر بان مناهج الوردي متاثرة بالمدرسة الوظيفية لتالكوت  او متخذة من منهجية المدرسة الفرنسية لدوركهايم  اطارا علميا لها بينما نحن اواي باحث اخرعندما يدرس كل منتوج الوردي الفكري لا يشم منه حتى رائحة منهج وظيفي ، او منهج دوركهايمي علمي بهذا المجال !!.
لماذا ينسب هؤلاء الكتاب وخاصة العراقيين لفكرالوردي ما لم يذكره الوردي نفسه لنفسه ؟!.     
ومن ثم نحن كمنتصرين ل(روح العلم)على روح التعنصر الحزبي او الايدلوجي لهذا الكاتب او ذاك نعاني من كثافة امثال الاخ ((الخاقاني )) الذي الف كتابا حول علي الوردي لايحمل ،  الا تبريرات ليس لها اي واقع علمي سوى ابراز منتوج المرحوم الوردي على اساس انه اختصر علم الاجتماع الحديث والقديم من الفه الى ياءه !!.
مع ان الواقع ومنتوج الرجل لاينم حتى عن كتابة  كتاب اومؤلف في الشأن العلمي لعلم الاجتماع فكيف اكتشف ((الاخ الخاقاني )) مناهج علي الوردي  وتاثره ب (( تالكوت ودوركهايم مثلا )) الذي لم ياتي ذكرهم اصلا في كل كتابات الوردي المطبوعة ، ولا حتى في فهارس مصادر كتبه التي لم تزل بين ايدينا  لا اعلم !!.
على اي حال هذا نموذج ((الخاقاني وغيره)) ممن يكتبون حول علي الوردي وفكره الاجتماعي ، ومع الاسف  بدلا من ان يكون الانتصار لروح العلم ،  وامانته الفكرية هي الغالبة على كل شخصيتنا العراقية العلمية المعاصرة ، لبناء علم ،   وتاسيس واقعي ومخلص له وجدنا الايدلوجيا السياسية ربما  والمجاملات الاجتماعية هي الطاغي على كل منتجنا النقدي والعلمي المعاصر !!.
نحن عندما نتسائل حول لماذا لم يكتب الدكتورالوردي لعلم الاجتماع شيئا ، بينما كتب كل شيئ باسمه وتحت بنده ؟، لانبتغي من مثل هذه الاسألة الاساءة الى شخصية المرحوم علي الوردي او الانتقاص من ثقافته الفكرية بل الرجل ترك تراثا فكريا وثقافيا واجتماعيا غاية في الثراء الثقافي العراقي الخمسيني  لكن هذا شيئ وعندما نتحدث عن : (( تاسيس ومؤسس لعلم الاجتماع العراقي الحديث )) لم يكتب اي مؤلفا يتناول علم الاجتماع او تاسيسه كعلم متكامل شيئ اخر !!.
اي اننا بحاجة  كعراقيين وتجربةعراقية علمية  تحاول ان تعيد انتاج بنائها العلمي المدمران تضع في حسبانها ان تاسيس اي علم بحاجة ان يبدأ من وضع   الاساسات ، واللبنات الاولى على الارض الفكرية العراقية  وخاصة في علم الاجتماع الحديث نحن بحاجة كعراقيين ان نبدأ مما بدأ منه الاخرون  وان نطرح ماهية هذا العلم ؟، واساسياته ومدارسه وتاريخه ومناهجه...الخ ،قبل ان نطرح تحليلات اجتماعية او نظرات نقدية اجتماعية اونفسية او ماورائية باراسيكلوجية تفتقر لسمات روح العلم من جهة لكن تتحدث  باسم هذا العلم وبدون منهج او مرجعية علمية تذكر من جانب اخر !!.
 
مدونتي فيه المزيد تحت هذا الرابط
عنوان بريدي الالكتروني


الأربعاء، أغسطس 20، 2014

(( ظاهرة بناء الاضرحة وتقديسها..... رؤية اجتماعية )) 2/2 حميد الشاكر


 

رابعا : فهم ظاهرة تشييد الاضرحة وتقديسها ببعدها الاجتماعي .

يختلف كل علم عن الاخربرؤيته التحليلية التفسيرية للظواهرالكونية والاجتماعية والطبيعية ، كما ان كل مدرسة فكرية ، كذالك لها وجهة نظرها ، وزاويتها الخاصة ، التي تنظر منها لتلك الظواهر ، ومن ثم تفسيرها وتحليلها واسباغ وجهة النظر المقاربة عليها !!.

فعلم كعلم اللاهوت (مثلا) لاريب يختلف في وجهة نظره ، ومنطلقاته الفكرية ، والتصورية في تحليل وتفسير الظواهر سواء كانت ظواهر كونية او طبيعية او اجتماعية او نفسية...عن باقي العلوم والفلسفات الانسانية ، وهكذا في علم الاجتماع ، الذي يتناول نفس تلك الظواهر ولكن بادوات فكرية  وزوايا بحثية ، واشكال اجتماعية علمية لاغير ولاضرورة بشكل عام(على هذا الاساس)تحتم ان تتناقض وتتضارب كل هذه الرؤى الفكرية اللاهوتية والفلسفية ،  والعلمية و ... لتسقط او تهدم بعضها البعض الاخر من وجهة نظرنا بل هناك ربماكان نوع من التكامل في هذه الرؤى التي تنظر وتدرس ببحث المشهد وخاصة الاجتماعي منه من زوايا مختلفة لتطرح لنا عدة تحليلات وتفسيرات متنوعة لظاهرة واحدة محددة !!.

فعلم اللاهوت الاسلامي الديني وغير الاسلامي، عندما يتناول ظاهرة اجتماعية كظاهرة بناء القبور وتشييد اضرحة العظماء لاسيما امثال الرسل ، وائمة الدين ، واسباغ نوع من التقديس لارواحهم الحاضرة وادامة تخليد ذكراها ، وتجديد بعث الحياة والحركة الاجتماعية فيها و.. لابد انه سيتناول هذه الظاهرة من خلال ادوات هذا العلم واهدافه الاخلاقية العالية ليوظف  من ثم هذه الظاهرة الى عامل الايمان داخل نفوس المؤمنين بهذا الدين ، او ذاك ، وادامة صناعة رمز التضحية الدينية للمجتمع لحث هذا المجتمع الى التطلع لبناء المثل الاعلى !!.

اما اذا تناول علم الاجتماع نفس ظاهرة بناء القبوروتشييد الاضرحة وتقديس ارواح موتاها ، وتجديد  بعث الروح ، والحركة الاجتماعية الطقسية حولها ، فانه  ولاريب يحاول دراسة هذه الظاهرة من خلال ادواته العلمية الاجتماعية  ليبحث عن اسبابها الاجتماعية  وما تقوم به من وظائف سوسيولوجيا في تماسك المجتمع اوتفكيكه لاغير !!.

ومن هذا المنطلق : (( اختلفت الاهداف ، والوسائل في ادوات العلوم ومادتها البحثية فاختلفت التحليلات والنتائج )) !.

في علم الاجتماع  تدرس ظاهرة بناء القبور ، وتشييد اضرحة القادة والعظماء من بني الانسان  واسباغ نوع من الاحترام وترميز ذكراها بطقس قدسي على اساس انها ظواهر كانت ولم تزل منتجا اجتماعيا وظيفته الاساس وهدفه الاكبر هو  دعم التماسك الاجتماعي من جهة وتجديد روح النشاط لحركة ، واستمرارية حيوية  المجتمع من خلال الاحتفالات الجماهيرية الكبرى وماتجدده من شعارات واهداف فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية و .... من جانب اخر !!.

اي وكماهو مدروس اجتماعيا منذ تاسيس علم الاجتماع وحتى اليوم فان مداميك اي مجتمع انساني قائمة على بنيتين :

الاولى : البنية الثابتة ((استاتيك )) التي من خلالها يتماسك المجتمع ويحافظ على وجوده من التفكك ومن ثم الاضمحلال والانقراض !.

الثانية: وهي البنية المتحركة((انستاتيك))التي توفرالحركة والتطور والفعل والبناء والتجدد والنشاط و....الخ ، وعدم الوقوع في الجمود ومن ثم الموت المحقق لهذا المجتمع !!.

ومن هنا، فعلم الاجتماع يدرس جميع ظواهر المجتمع الانساني على اساس هذين القانونين الذين يعالجان بطبيعة الحال اشكاليتين ترتبط فيهما حياةالمجتمع او موته ولذالك تدرس ظاهرة بناءالقبور وتشييد اضرحة الموتى وترميزها قداسيا على اساس هاتين الاشكاليتين وما تمثله هذه الظاهرة  من معالجة لقانون (( الثابت والمتحرك )) داخل منظومة وانساق المجتمع الانساني !!.

خامسا : الوظائف الاجتماعية لظواهر تقديس الاضرحة .

لا ريب انه ليست هناك ظاهرة متجذرة  داخل بنية اي مجتمع انساني تاريخيا وحتى اليوم ، دون ان يكون لهذه الظواهر متطلبات وحاجات اجتماعية تفرض من وجودها والقيام بوظيفتها الاجتماعية !!.

فالجسم الاجتماعي الانساني لايختلف كثيرا ((  وخاصة في المدرسة الوظيفية  لتالكوت )) عن جسم  الانسان ، وقوانين وظائف اعضاءه الفيسلوجية التي تناهض بطبيعتها القانونية  اي ميكروب اوفيروس غريب  او مؤذي يحاول اختراق ، او اقتحام هذا الجسم الانساني من الخارج ولسوف يجابه اي مكروب غيرمتوافق مع حاجات ومتطلبات وصحة هذا الجسم الانساني  بمقاومة  من قبل قوانين هذه الاعضاء الفيسلوجية، للحفاظ على سلامة الجسم حتى اخراج هذا الطارئ من جسم الانسان  تماما !.

وهكذا الجسم الاجتماعي ايضا فهو لايقبل سوى الظواهر الاجتماعية السلوكية ، او الفكرية (وخاصة على المديات الطويلة تاريخيا ) التي تساهم بسلامته واستمراره وديمومته وصحته و... ، والمتوافقة مع متطلباته وحاجاته المادية والمعنوية والنفسية والتربوية .. الحقيقية ولو فرض ان دخلت بعض السلوكيات او الافكار الشاذة: ((  كظاهرة انتشار الجريمة او فكرة التخلص من نظام الاسرة اوظاهرة الفوضى او ..)) على قوانينه وبنيته الاجتماعية فسرعان مايقاوم (هذا الجسم الاجتماعي)هذه المكروبات الاجتماعية  للتخلص منها باقرب واقصر وقت ممكن ، وهكذا القول في حال تعرض الجسم الاجتماعي الى فقد عنصر من عناصر صحته الاجتماعية فسرعان ما يعوض هذا الجسم الاجتماعي ما يحتاجه من دماء  وسوائل و ... تعتبر من الضروريات لديمومة حياة المجتمع وقوته وحركته !!.

وعلى هذا الاساس تقرأ  الظواهر المجتمعية ( في توافقها ،  وحاجة المجتمع لها ، او في تنافرها  ومضرتها لكيان المجتمع ) لاسيما تلك الظواهر ، التي اثبتت التجربة الاجتماعية التاريخية : (( انها ظواهر اصيلة ومتجددة ومتجذرة ومتوافقة و .... مع روح المجتمع وجسمه المادي الاقتصادي والسياسي والتربوي و ...الخ )) ، كما هو حاصل بالفعل في طقسية تشييد وبناء الاضرحة  وترميزها قداسيا وصناعة الاحتفاليات السنوية حولها و ..في المجتمعات الاسلامية  لقادة الدين او الاولياء الصالحين المباركين او غير ذالك !!.

سادسا : الاضرحة والعمل الاجتماعي الميداني  .

اختلفت في الحقيقةالتفسيرات والاراءالفكرية والتحليلات الاجتماعية والدراسات الميدانية ونتائجها العلمية ، التي تتناول : دراسة وبحث ظاهرة بناء الاضرحة ،وترميزها قداسيا لقادة الدين من انبياء وائمة واولياء مباركين في المجتمعات العربية ، والاسلامية  وخاصة منها المجتمعات  الزراعية   الحضارية المستقرة ، او التي (( تمتلك ثقافة الحضارة الزراعية المستقرة )) ، كالعراق ومصر  وايران والمغرب العربي .......الخ ، وباقي الشعوب التي نمت وتطورت داخلها ظاهرة الاولياء وتشييد اضرحتهم المقدسة ،  وانجذاب الاجتماع لهم واقامة الاحتفاليات الجماهيرية الحاشدة  بمواليدهم او وفاتهم السنوية !!.

طبعا هذا الاختلاف في التفسيرات والتحليلات الاجتماعية لايخلو من مؤثرات كذالك بيئية واجتماعية بطبيعتها وربما تصل هذه المؤثرات في دراسة وبحث هذه الظاهرة الى مسخ الرؤية العلمية(مع الاسف) لعلم الاجتماع ،  والاخذ بالرؤية اللاهوتية (( لاسيما الرؤية الرعوية الوهابية في العصر الحديث )) المنغلقة التي تدرس هذه الظواهر من خلال هيمنة الثقافة الرعوية التي هي كمااشرنا لها سابقا ثقافة تفتقد للجذر الثقافي المديني  والزراعي المستقر ، الذي ينتج هذه الظواهر مما يجعلها رؤية ( تنفر) بطبيعتها الرعوية (وهكذا الدينية العقدية ) من موضوعة الروح ، وما بعد عالم الاحياء المادي والطقوسية التي تترتب على هذه الظاهرة و ..... ومن ثم النفور من كل ماهو تاريخي وحضاري اجتماعي بشكل عام !!.

ومن هنا علينا ان نلحظ ونرصد بدقة التفسيرات  والتحليلات العلمية الاجتماعية لهذه الظواهر ، والتحليلات والتفسيرات المتأثرة بعناصر التفكيراللاهوتي الرعوي الذي حوّل كل جذره الثقافي الاجتماعي الى المعتقدي الديني لينظّرويحلل ظواهر المجتمع المدنية لاسيما ظواهر تشييد الاضرحة وترميزها قداسيا و ...الخ ، على اساس انها ظواهر ضد الدين ، ومعتقده التوحيدي ، ولا تختلف عن عقائد الوثتية ...الخ بينما تحليلات وبحوث علم الاجتماع العلمية لا تعترف الا بالتحليلات الاجتماعية التي تكون هي المؤسس الحقيقي للفكر الديني والقداسي والميتافيزيقي و...ليس العكس في ان تكون تحليلات الفكر التجريدي هي الحاكمة في تفسير الظواهر الاجتماعية !.

ان من اهم الوظائف الاجتماعية ، التي  تقوم بها ظاهرة :   (( الولي والضريح والمقدس والمبارك ... الخ )) تاريخيا وحتى اليوم هي :

اولا: الوظيفة الجغرافية التي تذهب من خلال ثقافة المجتمع الشعبية القداسية الى : ان هناك حماية مباركة تحل في المكان الذي يرقد فيه الولي او المبارك بضريحه المقدس اجتماعيا !!.

لذا ومن هذا المنطلق يحوز ضريح المقدس ، وفي اي مكان يحل فيه اجتماعيا عربيا او اسلاميا او حتى انسانيا (( حمى )) جغرافية يتسع قطرهاالجغرافي اويصغرحسب ثقل الولي وقداسته اوالمكان المقدس واهميته (( كالقداسية المكانية الجغرافية لمكة او ضريح الرسول او الفاتيكان او القدس او....الخ في العصر الحديث)) بحيث ان الضريح وقداسته ربما يتسع قطر بركته ليعم مدن اجتماعية  وحضرية كبرى (( كمدينتي النجف وكربلاء في العراق )) ،  لتشمل حمايته ورعايته وبركته ...،  كل المكان الجغرافي المحيط به ليصبح المحرّم والطاهر والمحمي هو المهيمن اجتماعيا في هذا المكان المقدس !.

وعادة ما يعبر هذا المكان اجتماعيا الى كل ماهو طاهر، ونزيه ونقي .... ، وهكذا حتى في الطبيعة ، وجميع موارها الاقتصادية الحيوانية والزراعية و... تطغى عليها لغة البركة التي يسبغها صاحب الضريح بكل سلطته، ونفوذه المعنوي على اتباعه على هذه الاشياء الطبيعية فالزروع ، والاشجار والطيور والدواب و ... الخ ، محمية ببركة هذا المقدس الجغرافي ، وكذا الاشياء القذرة والذنوب المدنسة ايضا هي محرمة وممنوعة ومدانه اجتماعيا في قطر هذه الاماكن المقدسة !!.

وبهذا تصبح ظاهرة الضريح، وتشييده وترميزه بالقداسة والطقسية الجماهيرية  كانما هي بئرة  يصنعها المجتمع هنا وهناك لتخفف من وطئة وضغط المكان المدنس والمتزاحم والمتوتر و...الخ داخل حياة الاجتماع الانسانية ، التي لا  يمكن لها ان تستمر ، بدون هذه النوافذ والاماكن النقية باجوائها المكانية والطاهرة بجغرافيتها ، والتي تقوم بوظيفة تنقية هواء المكان الاجتماعي وفضائه وتغييرانفاسه الملوثة واطمئنان قلبه المتوتر والمشغول والمخنوق و.....  تحت وطأة حياة المدينة ، وعتمة سقوفها الخانقة ، ومعتركها السياسي  والاقتصادي الكئيب !.

ثانيا : الوظيفة النفسية

مخطئ من يعتقد ان سبب او اسباب نشأة ظواهر (( الولي والضريح والزيارة والتبرك ، او حائط للمبكى عند اليهود   او غرفة الاعتراف المصاحبة لكل كنيسة او...)) هي اسباب تعود بكليتها الى الاعتقادات الشعبية ، التي تعتمد فقط على طلب الشفاعة الدينية من الله سبحانه اوان هناك اعتقادات ساذجة وغير معقلنة اجتماعيا  هي التي صنعت مثل هذه الظواهر القداسية تاريخيا وحتى اليوم داخل المجتمع !!.

بل ان التحليل الاجتماعي السليم لهذه الظاهرة يدلل بشكل لاريب فيه ان الحاجات الفكرية والسياسية والاقتصادية وكذا النفسية والتربوية الاجتماعية ايضا ،  وخاصة في قطاعات المجتمع الفقيرة والمعزولة والمهمشة والمقهورة و..الخ  والتي تشكل غالبية المجتمع الانساني منذ خلق البشرية حتى اليوم  هذه القطاعات وبما فيها ايضا قطاعات وطبقات استقراطية ليست بفقيرة وتتنوع حاجاتها النفسية ايضا هي التي صنعت مثل هذه الظواهرالقداسية(في بث الشكوى للولي وطلب الحاجة ) لتكون مادة ( تفريغ ) نفسية اجتماعية وعاطفية وحاجاتية يملئها هذا (( الطبيب النفسي المجاني ))  الجالس والقابع في زاوية كل مدينة من مدن الاجتماع الانساني او زاوية اي كنيسة او معبد او حتى في كوخ في مجاهل افريقيا ، لاسيما تلك المدن  التي تنفقد فيها تماما حاجات الانسان الضرورية وتشتد فيهااكثرفاكثرقسوة المجتمع وتدافعه وفقدان روح التكاتف والتعاون الاجتماعية من داخله !!.

ان بث الشكوى والتفريغ من هذاالاحتقان النفسي الفردي والجماعي الذي تفرضه حياة الاجتماع الانسانية وحاجاتها  بالقرب ((من الولي وضريحه )) لاتقوم بوظيفتها الفردية لاغير بل هناك وظيفة التوازن او (( الضبط الاجتماعي او ظيفة تفريغ الاحتقانات المتفجرة )) داخل المجتمع والتي تضبط من انفلاتات المجتمع الكارثية  والتي بطبيعتها لاتقبل بغير سد حاجاتها وملئ رغباتها المتطلعة دومالاكثرمما تسمح به طبيعة الحياة الانسانية الاجتماعية !!.

وهكذا تبدو هذه الظاهرة (في صناعة الولي وضريحه وقداسته وبث الشكوى وتفريغ الاحتقانات النفسيةبالقرب منه)هي ظاهرة منسجمة تمامامع روح المجتمع الحضري المدني المستقرالمليئ بالضغوطات النفسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما ان هذه الظاهرة في جانبها النفسي  ايضا ترفد قوى (( القانون ، والضبط ، والتوازن )) المجتمعي الاخرى في التخفيف من وطأة الضغوطات الاجتماعية !!.

نعم ربما هناك فلسفة اجتماعية تاريخية  اخرى في الاتخاذ من الولي او النبي او الامام او القديس او .. طقسا بعد وفاته وليس ابان حياته بين الاحياء ، وهكذا يقال في ظاهرة غرفة الاعتراف او حائط للمبكى وبث الشكوى والتطهير من الذنوب والتخفف من حمل اعباء الخطايا وباقي جرائم السلوك الانسانية وربما( وحسب اجتهادي الشخصي ) ان افرادالمجتمع الانساني وحتى في هذه القضيةالمخصوصة بالذات فهم لايثقون بافشاء اسرارهم وشكواهم التي تعتبر نقاط ضعف يمكن ان تدمر حياة الانسان قانونيا ، واخلاقيا ، ومجتمعيا حتى للولي ابان حياته  ولذالك هم يتخذون منه (جثة هامدة )لايمكن ان تفشي اي سر يفضى به اليه قديسا ، وموضعا للتنفيس النفسي والروحي ميتا اكثر من اتخاذه لهذه الوظيفة الاجتماعية حيّا ونفس الشيئ يقال في اتخاذ حائط للتفريغ النفسي اوالاختباءخلف غرفة تحجب شخصية الانسان وهويته ،  لتكون معبرا للاعترافات الجنائية الخطيرة ، والتطهير من تبعاتها النفسية والروحية والاخلاقية !.         

ثالثا : صناعة الرمز الاجتماعي !.

ليس هو جهلا، او اتكالية او شركا بالله سبحانه ، كما انه ليس كسلا او عجزا او .....الخ ان يقيم المجتمع هذه الرموز الطقسية في زيارة ولي او امام او نبي  او مقدس يُعرف عن حياته قبل وفاته الاخلاص والتفاني والشجاعة والنجدة للاخرين ، ثم وبعد رحيله من هذه الدنيا يجدد المجتمع ذكراه ليدعم ((روح فكرة هذا النموذج )) الذي يحتاج المجتمع ، واحياءه لمثل هذه النماذج الشخصية الانسانية  المضحية والمحبة للمجتمع والمتفانية في سبيل خدمته بالمجان !!.

فالتكريم ، والاحتفاء بشخصية انسانية رحلت عن هذه الحياة وتركت فراغا في شغل موقعها الاجتماعي الديني او السياسي او الاقتصادي او ..... وخاصة داخل المجتمعات التي يكون فيها الدين محور للحياة الاجتماعية كالمجتمعات العربية الاسلامية ليس تعبيرا عن (( كسلية اجتماعية واتكالية و...)) بقدر ماهي تعبير عن مادة تعويضية يحتاج المجتمع لتجديد انتاجها في حياته المعاشة ، فالولي والاحتفال بموته او ولادته وبناء وترميز هذه الاحتفالية بالطقسية الدينية لم تكن هي ظاهرة متوجهة للولي بصورة مباشرة اوالامام اوللتقرب لله سبحانه وتعالى  بقدر ماهي ظاهرة يحاول المجتمع من خلالها (( الحث على اعادة انتاج هذه النماذج المجتمعية من جديد حسب مقاييس النموذج الاجتماعي ))الذي يعمل لخدمة المجتمع ومرضاة الله بدون ان يكون هناك مقابل مادي لخدمات وتضحيات هذا النموذج !!.

اي ان صناعة الرمزية الاجتماعية ،  التي تتجسد بهولاء الاولياء او الائمة او القادة او ...... هي التي دفعت المجتمع تاريخيا وحتى اليوم لصناعة ظاهرة التكريم ، واعادة الطقسية الاحتفالية السنوية بالولي او الامام ليكون هناك ( ظاهرة تعيد انتاج نفسها زمنيا) بنفس الوقت التي تعيد(انتاج مضحين احياء)في المقابل لرفدحياة المجتمع بالرمز النموذج الذي يحمل اعباءالعناية بالمجتمع حيا والحفاظ على كرامته والدفاع عن مظلوميه والمحتاج في داخله !.

وبهذا يكون المجتمع استطاع ان يحول (ظواهره الى مصنع) لاعادة انتاج الحياةالاجتماعية بكل ماتحتاجه من مفردات انسانية تعيد نشاط فكرة الرمز بشكل تربوي وبغطاء ديني وقداسي ناعم !.

يتبقى هناك اكثر من ذالك في قراءة (( ظاهرة بناء وتشييد الاضرحة وتقديسها ..)) في الرؤية الاجتماعية عزفنا عن ذكرها لعدم الاطالة !!.

      

مدونتي فيها المزيد على هذا الرابط

          http://7araa.blogspot.com/

راسلنا على الايميل

               

ظاهرة بناء الاضرحة وتقديسها...... رؤية اجتماعية

لاريب ان ظاهرة بناء ، وتشييد الاضرحة وقبور الانبياء والاشخاص العظماءالصالحين منهم والطالحين كذالك واسباغ الرمزية التقديسية عليهاوتحويل مواقعها الى بُئراستقطاب احتفالية جماهيرية كبروعلى مدى تاريخ الانسانية الطويل وحتى اليوم هي ظاهرة اجتماعية يمكن اطلاق تسمية (( الظاهرة الاصيلة ))  عليها في علم الاجتماع وذالك لما لهذه الظاهرة من صفات ومميزات تؤهلها لتكون ظاهرة ((ثابتة ومستمرة اجتماعيا وتمتلك تجديد ذاتها زمنيا/ حسب شروط الظاهرة الاصيلة في مدرسة دوركايم الاجتماعية)) .
وعلى هذا الاساس يمكن دراسة هذه الظاهرة  من عدة جوانب مهمة في الدراسات الاجتماعية الحديثة، كما ينبغي لهذه الظاهرة ان تحوز على  اهتمام اكثرواكبر مما هو متوفر حولها في الدراسات والابحاث  الاجتماعية العربية والاسلامية والتي نأخذ عليها  انها  دراسات مع الاسف غابت تماماعن تناول الظواهرالاجتماعية العربية والاسلامية المعاصرة اليوم  بروح العلم  وبحثه الاجتماعي لاسيما هذه وتلك من  الظواهر ، التي بدت قراءاتها وتحليلها ، وتفسيرها (( كظاهرة بناء الاضرحة والقبور ، وترميزها قداسيا ، او ظاهرة تفكك بنى المجتمع العربي وانهيار منظومة القيم او
 ..الخ)) يشكل خطرا  او توترا فكريا وعقديا وسياسيا واجتماعيا....،  يهدد نظام  ، وبنية المجتمع العربي والاسلامي  تحت وطأة  وزحمة وصراع الخرافات  والاساطير  التي ما انزل الله سبحانه بها من سلطان ((وهي المشكل الحقيقي لحركات الارهاب ، والعنف والتطرف .....  العربي اليوم )) بتياراتها المنغلقة والمتطرفة التي تقرأ جميع ظواهرالمجتمع العربي والاسلامي وحتى الانساني بشكل عام  وظاهرة تشييد وبناء الاضرحة وتقديسها بشكل خاص بنوع لا يمت بصلة لا لعلم الاجتماع ومعطياته البحثية الحديثة في قراءة وفهم ووعي الظواهر الاجتماعية ولايمت بصلة ايضا لعلم الدين
 والشريعة واللاهوت في الاسلام ، وفكره الحضاري الاجتماعي النقي كذالك !.
وحينئذ سنقرأ ونبحث هذه الظاهرة من عدة محاور اهمها :
المحور الاول : الظاهرة واصالتها تاريخيا  .
الثاني : اسباب هذه الظاهرة ، وترميزها قداسيا وفروقها عن ظاهرة صناعة الوثنية  .
ثالثا: تحديد انتماء هذه الظاهرة اجتماعيا .
رابعا:فهم هذه الظاهرة ببعدها الاجتماعي  !!.
خامسا: الوظائف الاجتماعية لهذه الظواهر  .
سادسا : نتائج العمل الميداني الاجتماعي .


اولا : الظاهرة الاجتماعية  .
عرّف وميز مؤسس المدرسة الفرنسية الاجتماعية  الحديثة (( اميل دوركايم/ 1858/ 1917 م)) الظاهرة الاجتماعية في مؤلفه ((قواعد المنهج )) على اساس انها : كل ضرب من السلوك ثابت كان ام غير ثابت ، يمكن ان يباشر نوعا من القهر الخارجي  على الافراد / انظر قواعد المنهج/ دوركايم /ص 69/ ترجمة د. محمود قاسم / بمراجعة د. السيد محمد البدوي / دار التعارف / ط 1988 !!.
كما فرق الاستاذ (( دوركهايم )) في آخرمؤلفاته الاجتماعية 1912م (الاشكال الاولية للحياة الدينية)بين ماهية الظاهرة القداسية المنتمية لعالم اللاهوت والموت والغيب والمطهر واللامادي... والظاهرة التي تنتمي للعالم الدنيوي المادي  بان ظاهرة المقدس  او ظاهرة المطِهر هي  من اقدم ظواهر المجتمع الانساني ،  ومنتجاته  التي من خلالها استطاع المجتمع الانساني بناء افكار ، وتصورات تعمل على وظيفة خدمة روح المجتمع  ووحدته واستمراره ، وكذا تجديد نشاط افراده والهامهم مادة التضحية والفداء  في سبيل مصالحه وبقاءه . انظر :  سوسيولوجيا الدين ، / دانييل هرفييه
 / ، وليجيه جان بول / ترجمة درويش الحلوجي / الفصل الخامس / ص 222!!.    
فالظاهرة الاجتماعية ، بهذا المعنى هي :  اي سلوك جمعي يمكن ان يطفواعلى السطح والظاهرالاجتماعي في مدة زمنية متقطعة تاريخيا او متصلة زمانيا يهبها (( هذا الاتصال التاريخي ))  الثبات ويميزها بممارسة  نوع من القهر الخارجي  على جميع افراد المجتمع ، الذي يولدوا فيجدون انفسهم خاضعين لهذه الظواهر الاجتماعية المتحكمة بوجودهم الفردي !!.

ومن هنا يكون اي سلوك ((انساني جمعي )) لاسيما السلوك المرتبط بالترميز الطقسي القداسي المتكرر والفارض لهيمنته الاكراهية على الافراد من اهم موادالبحث العلمي لعلم الاجتماع باعتبار ان هذا العلم يدرس هذا السلوك ، ويبحث في اسبابه  (( الاجتماعية اولا ، وليس اللاهوتية التجريدية المنفصلةعن المجتمع))ومدى قرب هذا السلوك وبعده من متطلبات المجتمع ؟!!.

ثانيا : ظاهرة بناء الاضرحة والقبور وترميزها قداسيا .
ولا ريب ان بناء القبور ، وتكريم ساكنيها ، والاحتفال بوداعهم لهذه الدنيا ، على المستوى الانساني العام ، وكذا تشييد الاضرحة لعظماء الانسانية وكبراءهم كانت ولم تزل من الظواهرالسلوكية  الاجتماعية الغارقة في القدم التاريخي حتى اليوم ، والتي زامنت حياة الانسانية على هذه البسيطة ، لاسيما الحياة المرتبطة  (بلغز الموت واسراره) الذي استقطب مخيال الانسان القديم السحري والغيبي !!.
فالموت وفكرته ، بقيت فكرة تستثير المخيال الانساني وتستحلب كل طاقته لأسطرة هذه الحكاية وترميزها بكل ماهوغريب ومختلف بدءا بما للميت من ارواح ،  ربما كانت شريرة (( كما في تصورات الكثير من البدائيين الاستراليين )) التي تتقي شر الاموات بتكريمهم خشية عودة ارواحهم الشريرة ، وايذاء احبائهم من الاحياء او اخذ بعضهم للعالم الاخر للتسلية معهم و .. وحتى اعتقاد الكثير من سكان امريكا الجنوبية  وافريقيا من البدائيين ، بان للاموات عالم غير منقطع عن هذا العالم الدنيوي  وان هناك صلات لايقطعها موت الانسان بين من بقي من احياء الدنيا وبين من انتقل الى
 العالم الاخر !!.                وهكذا تطورت فكرة الموت المرتبطة بعالم اخر (( لان هناك كثير من الشعوب البدائية الرعوية المتنقلة  كالتي في افريقيا وماكان موجودا في الجاهلية العربية قبل الاسلام لاتؤمن بعالم اخر اواستمرار الروح بعد الموت و ..... الخ ،ولهذا لاتثير ظاهرة موت الانسان  واستقرار روحه ودفنه عندهم اي طقسية مخيالية سحرية اومجتمعية دينية )) عند المجتمعات المستقرة زراعيا ومن ثم حضاريا كالحياة السومرية ومن ثم البابلية والمصرية الى نوع من الطقسية التي ارتبطت بشكل مركز في طبقة النبلاء والحكام  والاستقراطيين  الذين يذهبون للعالم الاخر
 بنوع من الاحتفالية والرمزية القداسية التي تعتبر فكرة الموت مجرد  انتقال  من عالم ، الى اخر ، لايفصل  بين ارواح عالم الموتى وعالمنا المعاش اي فاصلة غير الواقع المادي  !!.
في مصر كان عالم الموتى عالم يتجسد ماديا وحسيا ليعيش مع عالم الاحياء من  خلال تشييد الاضرحة ، والمقابر الهرمية العملاقة لعالم الموتى وتكتب القوانين ، والقصص والحكايات  المطولة لذالك العالم الذي يحتاج فيه ساكنوه الى كل مايحتاجه الاحياءفي هذا العالم  فمن الآنية وادوات المطبخ وحلي النساء والرجال وتاثيث البيوت ..... في عالم الموتى السومري  الزراعي ، والبابلي العراقي ، والى حتى قتل الخدم والازواج ،  والوزراء مع موت ملك ، وفرعون  مصر القديمة  ليقيم اموات الملوك مملكاتهم في العالم الاخر ويديرون هذه الممالك ،وبكل ما كان لديهم في هذه
 الدنيا من ادوات واسباب الملك والتمتع والقوة  !!.
وهكذا ، بدت فكرة تشييد الاضرحة ، وبناء القبور، وتكريم موتاها و ...... الخ   فعل سلوكي اجتماعي متطور يدلل في بعض اهم مدلولاته الاجتماعية على( ايمان المجتمع): بان فكرة الموت او موت الانسان بصورة عامة ، ماهي الا مرحلة انتقال من عالم ، الى عالم اخر ربما يفنى الجسد   المادي للانسان بينهما ، لكن تبقى الروح هي المستمر الذي يصل بين العالمين الدنيوي والاخروي  !.
طبعا ظاهرة بناء القبور، وتشييد الاضرحة لموتاها وزيارتهم وتقديم الهدايا لهم ، و.... الخ   ظاهرة من اهم مميزاتها انها ظاهرة مرتبطة بشكل وثيق اجتماعيا  بسحرية طقسية اسطورية.. ما بعد هذه الحياة ورمزيتها المخيالية للانسان ، ولها وظائفها الاجتماععية طبعا وهذه الظاهرة الاجتماعية  مختلفة عن ظاهرة ، او  اسباب ظاهرة صناعة التماثيل والاوثان والاصنام لعظماء وكبراءالمجتمعات الانسانية التي ترتبط بالسلوك الاجتماعي الدنيوي اكثرمن ارتباطهابمخيال المجتمع الاخروي او عن العالم الاخر !!.
اي ان من اهم الاسباب والدوافع المجتمعية التاريخية لظاهرة وجود (( الاصنام والتماثيل ، والهياكل الوثنية الكبرى )) كانت في معظمها اسباب ودوافع ((سياسية دنيوية وليست اخروية روحية )) وصُنعت وابدعت هذه الظواهرالاجتماعية  للتدليل على((الهيمنة السياسية او التماسك السياسي المجتمعي من جهة وبسط نفوذالسلطة وحضورها اجتماعيامن جانب اخر)) في هذا العالم  اكثر من تدليلها على رمزية العالم الاخر في تخليد الاموات  او اجترار ذكراهم الى  ما بعد رحيل هؤلاء العظماء والملوك والقادة من هذه الحياة الدنيا !!.
نعم كانت هذه المنحوتات الفنية تبقى خالدة لتدلل ايضا على : تاريخ يكتب ، ويجسد فنيا ، لعظماء التاريخ الحضاري في العراق ، ومصر والمكسيك والصين واليونان و..... الخ وبالفعل كان للتطورالتاريخي لهذه الظواهر المجتمعية فعلها الاجتماعي الثقافي الذي نقل مدلولات هذه المنحوتات الفنية فكريا من((وظائفها السياسية  السلطوية)) في عالم الانسان المعاش ، الى (( وظائفها الدينية التقديسية  )) ،عندما تحولت مدلولات هذه المنحوتات  من معانيها السياسية ، الى معانيها الاسطورية الرمزية الدينية لتتحول الى التعبيرعن((آلهة)) او نصف الهة تعبد ، او يتقرب من  خلالها
 الى :(( الله الاعظم صاحب السلطة والنفوذ الاكبر)) كما هو بارزفي حياة الاجتماع الحضاري والتاريخي اليونانية في (( آلهة الحرب والحكمة والجمال... )) ، او آلهة القبائل العربية في الجزيرة العربية  ابان ولادة الاسلام  !!.
ولكن ومع ذالك يمكن ايضا ارجاع (( ظاهرة تأليه )) هذه المنحوتات الاجتماعية الى ما تختزله هذه التماثيل والاصنام  من رمزية للسلطة والقوة والامداد والمعونة و ...الخ للانسان اكثر من ارجاع مدلولاتها الاجتماعية الى عالم ما بعد الموت وطقوسه والارواح  والعالم الاخر !!.
والخلاصة :  لايمكن الدمج من الناحية البحثية والعلمية  بين ظاهرة بناء الاضرحة ،  وتقديس شواهدها الانسانية ، وبين ظاهرة الوثنية وصناعة المنحوتات الحجرية لاختلاف اسباب ودوافع كلا الظاهرتين اجتماعيا !!.
ثالثا : انتماء ظاهرة تشييد القبور .
يذكر دارسوا ،  وباحثو الانثربولوجيا الحديثة (( مثل يوليوس ليبس في كتابه/اصل الاشياء بدايات الثقافة الانسانية)) ان ظاهرة الاهتمام بتكريم الموتى وتشييد الاضرحة وترميز قبورهم بنوع من التقديسية وكذالك زيارة الاموات وتقديم الهدايا اوالنذور لارواح هؤلاء الموتى هي ظاهرة  في جوهرها تنتمي للمجتمع الزراعي المستقرّ اكثر منها ظاهرة متولدة من المجتمعات الرعوية البدوية المتنقلة !!.
ولهذا يركز في مؤلفه (ليبس)على تكرار مقولة (الشعوب الزراعية) التي تستقر هي  وموتاها وارواحهم في مكان واحد  لتتعايش احياءا وامواتا  بثقافة تؤسطر لكل ما للحياة ، والاموات بعد  هذا العالم من صلات وقوانين وقصص سحرية وطقوس تقليدية متبادلة !!.
وهذا بعكس الشعوب الرعوية  وتصوراتها المرتبطة بظاهرة الموت فمعظم هذه الشعوب لاتعتقد ب(استمرارية ارواح الموتى بعد موتهم) وكثير منهم كانوا لايهتمون  بدفن الموتى او حتى اقامة مراسيم لهذا الدفن مما يدلل ، (( كما قال ليبس : بشكل عام يعني الموت لدى هذه القبائل الرعوية زوال وانحلال للانسان بعد موته ، )) / انظر ليبس / اصل الاشياء / الفصل الخامس عشر / مملكة الاموات / ص 328 .
بمعنى اخر ان(ليبس)الانثربولوجي الشهيريرجع ظاهرة بناء وتشييد القبور ، وتقديس الاضرحة ، وفكرة الارواح واتصال عالمي الاحياء والاموات ....الخ الى ظواهر المجتمع الزراعي المستقر  ويعلل ذالك بان المجتمع الزراعي المستقر بما ان ظروفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتنوعة والتربوية و...الخ ، ارتبطت بعامل الاستقرار والزراعة والقانون والبناء في الارض  فتطلب ذالك ثقافة تمزج بين حياة الاموات والاحياءالذين يسكنون في حيزجغرافي معين من جهة وتطلب كذالك ثقافة ترفع الحواجز ،  ما بين عالمي الاحياء المتحرك والمستمر وعالم الاموات الذي يبدو
 انه متوقف ونهائي   !!.
اما الرعاة من البدو المتنقلين ، فانتفت من حياتهم الاجتماعية  فكرة الاستقراراوالحاجة للاستقرارمما رفع عن كاهلهم بناء ثقافة الارض او ثقافة الاستقرار فيها جنبا الى جنب مع الاموات  والحاجة لقوانين المجتمع المدني وثقافته المتنوعة والمخيالية والمؤسطرة .... وغير ذالك !!.
وهذا هو ما اضمر فكرة وثقافة تفكير الرعوي المتجول بحياة ما بعد حياته الدنيوية ، او انشغال فكره  بتصورات  وفلسفات ودراسات ما اذا كان الانسان متكون من عنصري المادة والروح ؟!.واذا ما ازيلت مادة الانسان فاين سيكون مآل روحه ؟، واين مستقرها ...الخ ؟!.
كل هذا جعل من فكرة الموت ، وفكرة الارواح والاتصال بها  وثقافة قبرالانسان وتخليد ذكره وتقديس مراسيم احترامه، واتصاله بما بعد هذه الحياة ... الخ هي ثقافة ترتبط بظواهر المجتمع المدني الزراعي وسلوكياته اكثر من ارتباطها بثقافة، وفكر وظواهر  الحياة الرعوية وسلوكها المجتمعي  التي غابت عن جذورها الثقافية  والتراثية و... وحتى الدينية اليوم اشارة لثقافة وفكرة الارواح والاتصال بعالم اخر واقامة مراسيم الاحتفال السنوية لها ، بل ونجد  ان في جذور الثقافة الرعوية لم تزل (النفرة ) واضحة من كل مايمت بصلة لثقافة الموت والروح ، وتجديد مراسم الحياة
 الاخرى وبناء الاضرحة وزيارتها و .....الخ !.

السبت، أغسطس 09، 2014

(( في اهمية علم الاجتماع لبناء المجتمع والاوطان ؟!. )) 1 / حميد الشاكر


ليس عبثا ان يفتتح العالم الغربي ، ما بعد الصناعي في نهاية القرن السابع عشر وبداية الثامن عشر الميلادي وحتى اليوم عالمه الجديد آنذاك بالدعوة لانشاء علم  اطلق عليه مؤسسه الفرنسي (( اوجست كونت )) مسمى ((علم الاجتماع)) ونظّر له (( اميل دور كايم )) قبل ان تدور عجلته وتنمو اغصانه ليصبح من اهم العلوم الانسانية التي تدّرس في جامعات الدول الغربية قاطبة ، وليحوز من ثمة هذا العلم على كل هذه الاهمية في بناء تاسيس الحياة الغربية الحديثة !!.

كما انه ليس عبثا (ايضا) ان تطلق مسميات كثيرة على هذا العلم من قبل علماء هذا الفن  ابّان نشأته على يد مؤسسيه ، فكان هو (( علم الفيزياء الاجتماعية)) وهو ((علم الدولة / كما كان يقترحه له كونت قبل تسميته بعلم الاجتماع  )) ، وحتى اليوم كذالك عندما اطلق عليه علماء الاجتماع المعاصرون ((انتوني غدنز وغيره )) اسم : (( علم الحداثة  ، وعلم المجتمع الصناعي و ....الخ )) !!.

فكل هذه المسميات بالاضافة الى ظاهرة بروز وولادة هذا العلم عقب ثلاث ثورات عظيمة في ذالك العالم : (( الثورة الفرنسية السياسية /  1789م /والثورة الصناعية الانجليزية القرن الثامن عشر/ والثورة الفكرية العلمية )) تدفعنا للبحث وتسليط الاضواء على هذا العلم من جديد لندرك جواب سؤال لماذا هذا العلم بالذات هوالذي فرض نفسه بالقوة على العالم الحديث مابعد الصناعي ، والذي اسس لفاصلة بين عالمين مختلفين تماما هما : عالم الزراعة الانساني التقليدي  وعالم الصناعة الحديث ؟.

ابسبب انه علم ضروري انتجته الحضارة الصناعية التي دخلت على العالم الانساني ولتغير فيه من ثم كل شيئ ، ولهذا فعلم الاجتماع هو نواة هذا العالم ، الذي عندما اطلّ على الانسان ، فرض معه مفرداته ومناحيه وبكل ما لجسد العالم  الصناعي من علل ، وامراض وصحة واسقام ....الخ ؟.

ام بسبب ان علم الاجتماع (( وتاريخيا عربيا اسلاميا حصريا )) هذه المرة وكما نبه له عالم الاجتماع والمؤرخ العربي((عبد الرحمن ابن خلدون 700/ 800 هجرية/ 1400م و 1500 ميلادية  في مشروعه لصناعة علم للاجتماع لم يحالفه الحظ بالاستمرار والنجاح)) يفرض نفسه تلقائيا  عندما يكون هناك ((متغيرا اجتماعيا وتاريخيا )) يؤثر في حركة ((العمران البشري)) بشكل جذري مما يستدعي ان يفرض علم العمران  نفسه ، وان يبرز بشكل علم مستقل ، وضروري وملح لدراسة ، وبحث طبيعة هذا العمران والمتغير الذي يطرأ عليه لاغير !!؟. 

بمعنى اخر: ما الاهمية الضرورية القصوى التي فرضت نفسها على عالمنا الصناعي المعاصر (وخاصة الغربي الصناعي) الحديث بحيث دفعته للبحث عن رؤية فكرية اوعلم يكون المجتمع المحلي والعالمي ومتغيره مادة لموضوعه وبحثه ؟.

ولماذا اصبح علم الاجتماع  بالذات من بين العلوم الانسانية الاخرى هو مدار ارتكاز ثقيل تدور رحى المجتمع الصناعي الحديث والمعقد عليه ،  بحيث يمكننا الجزم هنا :  بانه لولا علم الاجتماع الحديث لما تمكن العالم الغربي الصناعي المتطور ان يدرك (( فهم نفسه)) وفهم : كيفية التعامل مع هذا العالم  المتغير  والمتطور ، الذي دخلت عليه الثورات الكبرى : (( السياسية بتغيير نظم الحكم من اقطاعية كنسية الى ديمقراطية مدنية والاقتصادية : في احلال الصناعة مكان الرعي والزراعة /، والعلم والفلسفة العقلية مكان ثقافة الخرافة والاسطورة والغياب)) لتغير كل شيئ فيه من القاع وبنية المجتمع الى قمة الهرم في الفكر والثقافة والسلوك الانساني البسيط ؟ .

الحقيقة ان كل هذه الاسئله ،  وغيرها وبمختلف مناحي اجوبتها وما تتناوله من زوايا تخص علم الاجتماع وموضوعه ان دلت على شيئ فانما تدل: (( على ما لعلم الاجتماع اليوم من اهمية لاغنى عنها لكل مجتمع وعالم ووطن وشعب ..... يعيش تحت وطأة عالمنا الصناعي والتكنلوجي ، وما بعد الحداثي المتغير  بوتيرة  متلاحقة ومتتابعة )) ويحاول ان ينهض ويتطور وينموا باضطراد مع جريان هذه الماكنة التكنلوجية السريعة !!.

وهذه الحقيقة لاتحتاج لعناء ( في الواقع )لايصالها الى العقل الغربي التكنلوجي الاقتصادي  الحداثوي اليوم ، لانه عقل ادرك ما لهذا العلم من اهمية  وهو العقل ،  الذي ساهم في الدعوة ، وصناعة هذا العلم الحديث ، وهو عقل استوعب ( على اي حال ) خطورة علم الاجتماع وما يتناوله من موضوعات اجتماعية تشكل بدورها (( مصير حركة المجتمع في نجاحه  واخفاقه )) في اي مشروع سياسي او ثقافي او قتصادي او تربوي او .... يُراد تطبيقه على هذا المجتمع ، !!.

وعلى هذا الاساس بدى اليوم امرا طبيعيا وربما  بدهيا في هذا العالم الغربي الصناعي الحديث ان تجد : (( مديرا لشركة راسمالية ضخمة /مثلا/ ، او تجد سياسيا في هذا العالم الغربي يحاول خوض انتخابات للفوز برئاسة جمهورية او رئاسة حكومة ،  او تجد صاحب مشروع تربوي صغر او كبر او ... الخ ، الا واكتشفت ان من اولى اهتماماته اذا لم تكن من اولى خطواته ان يهيئ ((مستشارا ))  له يمتهن مهنة علم الاجتماع ليضع ويرسم له خريطةطريق النجاح لمشروعه داخل المجتمع  ويحذره من منزلقات اخفاقه داخل هذا الاجتماع !!.

وهذا ايضا يدل على ان العقل الغربي التكنلوجي والعلمي اليوم يدرك وبوضوح ما لعلم الاجتماع من موقع ومركز  رئيسي في بناء الحياة الاجتماعية ، وخاصة الغربية من جهة وما لهذا العلم الاجتماعي من حيوية مصيرية و((مصداقية فعلية)) مع باقي علوم الحياة الانسانية التي لاغنى عنها اليوم من جانب اخر !!.

بل ان هذا العقل الصناعي ، والاقتصادي التكنلوجي الحداثوي اصبح لايناقش حتى في موضوعةالتظيرات التاسيسيةالاولية لعلم الاجتماع التي تناقش وتبحث : هل ان المجتمع يصلح فعلا ، ليكون مادة لبحث علمي ام انه مادة ليس لها وجود واقعي  ( وانما وجودها اعتباريا ) اصلا فضلا عن كونها مادة لعلم ما ؟؟.

فمثل هذه البحوث التاسيسية  والتنظيرية لانكاد نجد لها بابا حتى في كتب المقدمات ،  والمداخل الغربية التي تتناول علم الاجتماع بالبحث والدراسة  والتاليف للمبتدئين (( معظم كتب علم الاجتماع تخلوا من هذا الباب )) ، وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على ان العقل الغربي العلمي الحديث ، طوى موضوعة هذه المناقشة ،  لا لعدم اهميتها بل ليسلم تسليما مطلقا بان هذا العلم المسمى بعلم الاجتماع هو علم من ضمن العلوم ، التي لا شك فيها  ويرتقي مستوى مصداقيتها العلمية الى مصاف العلوم الفيزيائية والميكانيكية والرياضية .... الخ !!.  

اما الاشكالية الكبرى اليوم فهي تكمن في العالم الثالث ، وهو عالمنا الذي لم يزل خارج  نطاق العالم التكنولوجي الصناعي الحديث انتاجا الا انه يتلقى انعكاسات ومؤثرات وارتدادات و.... هذا العالم العولمي الصناعي والتكنلوجي بعنف ويتأثر بكل المنتجات التكنلوجية الغربية المعاصرة ((على مستوى الاتصالات التكنلوجية بالخصوص)) بدون ان يكون لديه ،  اي وجهة نظر ، او حتى توجه للانكباب على معرفة ماهية وقوانين وعمليات هذه العواصف التكنلوجية التي تضرب بناه الاجتماعية ، لتحولها الى هشيم هش تذروه رياح وعواصف الحداثة والصناعة والتكنلوجيا اليوم  وهو واقف امامها عاجز حتى عن فهم الذي يحصل حوله !!.

ان من اهم الحقائق العلمية الموضوعية ، التي برزت بوضوح للعقل الغربي الصناعي والتكنلوجي في بداية مسيرته الحداثوية في العصر ((مابعد الصناعي واقتصاد الراسمال والحياة المدنية )) ، هي حقيقة مؤثرات العالم الصناعي التكنلوجي ،  وتاثير ذالك على بنية المجتمع الانساني الغربي ، ولهذا قام علم الاجتماع ليعالج موضوعة المجتمع وكيفية فهم متغيراته  وتطوراته وتناقضاته الناتجة عن دخول عامل الصناعة ،والحداثة الاقتصادية الجديدة على عالم الانسان المجتمعي فوضع هذا العلم المناهج والاسس والرؤى ..، التي من خلالها ندرك نحن :

ما هو المجتمع ؟.

وكيف يتركب من كيمياء الافراد بداخله ؟ .

وماهي ظواهره ؟ .

وكيف نتمكن من اخضاع هذه الظواهر للدراسة والبحث ؟، .

وكيف نصل الى خلل تفكك المجتمع واسبابه ؟، .

وماهي الطرق التي من خلالها نتمكن من اعادة انتاج لحمة المجتمع وتماسكه بعد ان اختلّ توازن هذه اللحمة بفعل دخول جسم الصناعة والتكنلوجيا الحديثة  على هذه البنية ، ليغير من نمط حياتها  الفوقي ويهز من بنيتها الداخلية ؟......الخ .

اما في عالمنا الثالث عربيا او اسلاميا او حتى انسانيا  والذي لم يزل في معظمه يعيش نمط حياة الزراعة ، وانتاجها ، والبداوة ، والرعي وتقاليدها من جهة ويتاثرمن جانب اخربعواصف التكنلوجيا ودورات رؤوس الاموال  الصناعية ، والمجالات الممغنطة ، لثورة الاتصالات الغربية الحديثة  فانه عالم الى  هذه اللحظة ، ربما لم يسمع او سمع بعلم اسمه علم الاجتماع  الا انه لايعلم على وجه اليقين هل هذا العلم واقعيا او انه خيال من خيالات بني الانسان الحالمة !!.

نعم لدينا جامعات تدرّس ((مادة علم الاجتماع )) ولدينا كذالك اساتذة وعلما ء دونوا الكثير والجيدمن المؤلفات النظرية لتاسيس منطلقات اجتماعية ، تساعد في فهم هذا العلم ،  ووظائف عمله الانسانية لكن الاشكالية ليس في الوجود النظري لعلم الاجتماع ومادته التدريسية ((وان كانت قاصرة )) في هذه المدارس والجامعات بل الاشكالية في انه : هل اقيمت مجتمعاتنا اليوم مشاريعها السياسية ، او الفكرية او الاقتصادية او التربوية او النفسية او.. على هدي وفهم من تنظيرات ومناهج ونتائج علم الاجتماع الحديث ؟.

او هل استعانت (هذه المجتمعات )من خلال قادة مشاريعها المتنوعة السياسية او الفكرية او الاقتصادية او التربوية او ....الخ بمنتج علم الاجتماع ورؤاه ونظرياته ونتائجه العلمية الحديثة ؟.

ام انه لايوجد بالفعل ،  ولا مشروع عربي او اسلامي  حاول ان يقيم بنائه المجتمعي السياسي او الفكري او الاقتصادي او ... الجديد وفق رؤى علم الاجتماع العلمية الحديثة ، التي تهدي الى الكيفية السليمة في :

اولا:كيفية بناء هذه المجتمعات ونقلها نقلة نوعية من عالم الزراعة والرعي الى عالم ،  على الاقل التعايش الايجابي مع عالم التكنلوجية والصناعة الحديث .

وثانيا: تخفيف وطأة العواصف التكنلوجية على هذه المجتمعات التي تفككت بناها التحتية تمامابفعل ضربات العالم التكنلوجي الحديث وما يعكسه من هزات على بنى الاجتماع الانساني القائم  !!.

الواقع يقول انه لا يوجد بالفعل اليوم مجتمع من مجتمعاتنا المتخلفة على جميع الصعد يفكر ، حتى ولو بمجرد التفكير: ان يستعين بالعلم بصورة عامة ، فضلا عن علم الاجتماع بصورة خاصة لانقاذ ماتبقى من هذه المجتمعات من غرقها المحتوم في عالم لايرى سلطة وادارة الا سلطة العلم وادارته !!.

بل الانكى من ذالك ان هذه المجتمعات المتخلفة ، وحتى اليوم لاتدرك لاهي ولا قادتها انه لاطريق ولا سبيل لها للعبور لعالم متطور ونامي ومختلف عن ما هي عليه ، الا من خلال ما يرسمه لها علم الاجتماع بصورة خاصة ، وباقي العلوم بصورة عامة ، فاي ((عملية انتقال)) من عالم زراعي تقليدي او رعوي بدوي متخلف، الى عالم حضاري حداثوي تكنلوجي سريع الوتيرة والحركة ستبوء بالفشل حتما اذا لم تقرن هذه النقلة بدراسة  وبحث اجتماعي يرسم خارطة طريق عبور هذا المجتمع من واقع اجتماعي غارق بالتخلف ،  الى عالم تكنلوجي يختلف بكل ابعاده الاجتماعية !!.

وحتى المشاريع التي قادت مجتمعاتنا سياسيا ،  او اقتصاديا او دينيا او تربويا او .. الخ خلال الثمانين سنة الماضية فشلت وسوف يفشل اي مشروع وقيادته الى الامام لهذه المجتمعات((اذا لم تبدأ مسيرتها ومشاريعها   الاصلاحية ، والبنائية من حيث بدأها الغربيون انفسهم عندما جعلوا الريادة ((لعلم الاجتماع اولا)) ليقود هذا العلم خلفه علم السياسة ، والاقتصاد والنفس والادارة والتربية...... ، لينجز مجتمعا متماسكا من جهة وسريعا وقابلا للتطور، والنمو بشكل لايتخلف عن سرعة التكنلوجيا والماكنة الصناعية ابدا !!.

علم الاجتماع في هذه اللحظة من التاريخ بالذات هو : ((العلم الوحيد القادرعلى صياغة رؤية ، ومعادلة توازن بين التكنلوجيا ، وحركتها وتطورها الرهيب ، والساحق   لانسانية الانسان ، وبناه الاجتماعية والاخلاقية والفكرية ....من جهة ، وبين عالم انساني مجتمعي يعتمد على طاقته الطبيعية البطيئة ،  التي لاتستطيع العيش بسلام ، الا مع التوازن بعيدا عن حركة الالات والمصانع )) !.

يمكنكم المراسلة على


مدونتي فيها المزيد على

                               http://7araa.blogspot.com/