السبت، أكتوبر 22، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 11 حميد الشاكر


لايمكن لنا ونحن نغادرالنظام الراسمالي في فكرالسيد محمد باقر الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا أن لانتعرض لفكرة طرحها الصدرحول هذاالنظام الراسمالي الديمقراطي بالبحث باعتبارها من اهم النقاط والافكار الراسمالية ونعني بذالك طبعا فكرة (الحرية) التي تعتبر ركن اساس من اركان القواعد المذهبية ، التي بُنى عليها هذا النظام الراسمالي مشروعه الاجتماعي والسياسي من البداية مع الفردية وحتى النهاية !!.

وكما طرحنا بعض الاسئلة آنذاك حول الفردية ، ومفاهيمها واصولها ومرجعياتها الفكرية والفلسفية ، فكذالك الآن نود الدخول ، لبحث مفصل الحرية في الراسمالية وحسب ماطرحه الامام الصدررحمه الله في تمهيده الفلسفي بهذه الاسئلة الجوهرية ولنقول :
ماهي الخلفيات الفكرية والفلسفية ، التي هيئت الراسمالية كنظام ومذهب اجتماعي لاعتماد الحرية كفكرة للفرد بالتحديد وليس لمسمى المجتمع لتكون احد المنطلقات الاساسية والبُنى الجوهرية في هذا المذهب الراسمالي الذي يعلن ان حرية الافراد الطبيعية خط احمر لا يمكن اغفاله ، او تجاوزه في اي مفردة من مفردات النظام الراسمالي الديمقراطي ؟.
وهل عندما نظرّت الراسمالية للحرية الفردية ، كحق مطلق للفرد كانت تنطلق من مستند فكري متين يهيئ لهذه الدعوة نوعامن المصداقية القادرةعلى صناعة الايمان داخل اي انسان يقرأ او يسمع عن الحرية الفردية في الفكر الراسمالي ؟.
أم ان الراسمالية عندما طرحت حرية الافراد المطلقة ، فقد طرحتها على عواهنها كحرية يشعر بها الانسان فطريا ، وبلا حاجة منه لفكر ينّظر له مقومات وخلفيات هذه الحرية ، ليجيب من ثم على سؤال : لماذا ينبغي علينا ان ننظر لحرية الانسان الفردية على اساس انها حرية مقدسة ، وانها من ضمن حقوقه الطبيعية والقانونية والشرعية والانسانية ... التي لايسمح بالتعرض لها ، او الاعتداء عليها او تحجيم مفاعيلها الاجتماعية تحت اي مسمى ومبرر وعنوان ؟.

السيد الفيلسوف الصدر (( رضوان الله عليه )) كما هو مُدرك لم يطرح في تمهيده الفلسفي ، ولافي غيره مما كتبه من فكر حول الراسمالية ، هذا الُبعُد من موضوع الحرية ومن الاساس ، مع انه كان رائعا جداً لو فعل الامام الصدر وتناول الابعاد الفلسفية والفكرية لجذور موضوعة الحرية في الراسمالية الديمقراطية ليتعامل مع فكرة الحرية والحريات الاربعة فيما بعد من القواعد وليتم نقد الاساس النظري او بحث مفهوم الحرية المطلقة للراسمالية من البداية ليصمد اوينهار كل البناء الفوقي الفكري المذهبي للراسمالية الديمقراطية في موضوع الحرية !!.

لكن مع ذالك تناول السيدالصدرمفهوم الحرية الراسمالية من جانب اخرلايقل اهمية عن جانب التأسيس النظري الفلسفي لموضوع الحرية واقصد به جانب (( الحرية الشكلية والحرية الجوهرية )) ليطرح لنا السيدالصدر مفهوما (فيما اعتقد) لم يسبقه اليه احد ممن تناول الحرية ، وماهيتها ، وكيفية ان تكون حقيقية جوهرية ، او انها شكلية مفرّغة المضمون الحقيقي والمعنى ، وهذا ما سنتناوله في فكر الصدر حول الحرية الراسمالية ولكن بعد ان نجيب على الرؤية الراسمالية لمفهوم وحق الحرية للافراد لنسأل :

ماهي الجذور الفكرية التي اعتمدعليها النظام الراسمالي في رؤيته للحرية الانسانية بصورة عامة والحرية الفردية بصورة خاصة ؟.
وهل عندما اراد ان يعتنق ويؤمن بالحرية ، للفرد داخل مجتمعيته الانسانية اعتمد على الرؤية الليبرالية المادية الغربية ، التي ترى : ان الحرية منتج منحته الطبيعة المادية التي تحيط بالبشر من كل جهة للانسان فحسب ؟.
أم ان الرأسمالية آمنت بالحرية باعتبار انها مكتسب مضاف للانسان حسب الرؤية اللاهوتية الاخلاقية الدينية التي ترى الحرية بانهامنحة الاهية مقدسة قدمتها الاديان لهذا الانسان باعتبار انها كرامة بشرية وميزة انسانية لاغير ؟.
أو ان الراسمالية لم تؤمن بالحرية لا من خلال الرؤية الطبيعية ولا من خلال انها رؤية دينية اخلاقية بل ان الراسمالية آمنت بالحرية لانهامنحة اجتماعية وحضارية يوفرها المجتمع للفرد بعد ان تستقر الحياة ، وتطغى مطالب الترف والتحضر على المجتمع فيقدم المجتمع هباته الحضارية الراقية والتي من بينها حريات الافراد ؟!!.

طبعا ان الكثير ممن قرأ فكر الصدر حول مفهوم الحرية ولاسيما ما طرحه السيد الصدر بالتحديد في كتابه (( اقتصادنا )) ، باعتبار انه الحلقة الثانية في سلسلة فكر الصدر بعد كتاب (( فلسفتنا )) ليبحث فيه الحرية من عدة جوانب فكرية ، ومذهبية سيدرك ماهية الحرية اوهويتها التي آمنت بها الراسمالية وبنت مذهبها الاجتماعي على اساسه ، ومما لاريب فيه ان كلمات الصدر ومفرداته كانت ذاهبة : الى ان الحرية التي تتحدث عنها الراسمالية ، كحق للافراد ماهي الا (الحرية الطبيعية ) المادية الليبرالية الغربية التي بُنيت فكرياقبل قرون من ولادة العالم الصناعي للقرن الثامن والتاسع عشر فيما بعد !!.
وهذا المبنى يبرز واضحا في فكر الا مام الصدرعندما فرّق في بحثه عن الحرية بين الحرية الطبيعية ، والحرية الاجتماعية وضرورة ان لايخلط بينهما او يعطى احدهما خصائص الاخر بالقول :
(( ويجب أن نشير-قبل كل شيئ – الى ان هناك لونين من الحرية وهما : الحرية الطبيعية ، والحرية الاجتماعية ، فالحرية الطبيعية : هي الحرية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها. والحرية الاجتماعية هي : الحرية ، التي يمنحها النظام الاجتماعي ويكفلها المجتمع لافراده ولكل من هاتين الحريتين طابعها الخاص فلابد لنا- ونحن ندرس مفاهيم الراسمالية عن الحرية – ان نميز احدى هاتين الحريتين عن الاخرى .)) 1 .
ومن خلال هذا النص الصريح للسيد الصدر ندرك نوعية الحرية ، التي آمنت بها الراسمالية الديمقراطية لافرادها ، واعطت بموجبها لهم كل هذه الحريات المطلقة والصلاحيات والامتيازات القانونية والسياسية والفكرية والشخصية ... التي ذابت امامها تماما شخصية المجتمع وحقوقه وحرياته الطبيعية !!.

أما ماهي هذه الحرية الطبيعية ؟.
وكيف نظر لها الفكر الليبرالي المادي الغربي ؟.
وعلى اي اساس اصبحت الطبيعة واهبة للحرية لجميع افرادها بالتساوي ؟.

فهذه قصة ترجع بافكارها الفلسفية ، والسياسية الى القرن الخامس عشر الميلادي وما بعده عندما انبرى مجموعة من فلاسفة القرون الوسطى الاوربية للتنظير الى (( العقد الاجتماعي )) والتفكير بكيفية استحصال الانسان لحقوقه الطبيعية ومن ثم السياسية والاقتصادية والفكرية .... أمثال الفيلسوف الفرنسي ((جان جاك روسو)) والفيلسوف الهولندي (( سبينوزا )) صاحب كتاب رسالة في اللاهوت ، والسياسة والفيلسوف الانجليزي (( جون لوك )) ، وغيرهم ولعل خيرمن يحدثنا عن الطبيعة وهبتها الحرية للانسان ، هو الفيلسوف الانجليزي جون لوك / 1632م / 1704م الذي ناضل نضال كبيرا من اجل العقد الاجتماعي وليقول :
(( ان العالم تحكمه قوانين طبيعية ، تتفق مع العقل ، وهي قوانين أزلية ، تتحرك بحرية كاملة ، يمارس فيها الناس اعمالهم ويتصرفون في ذواتهم وممتلكاتهم على مايرونه ملائما لهم ، لايستأذنون فيها انسانا ، ولايعتمدون على احد ، وهي حرية تسودها المساواة ، فليس لانسان ان ينال اكثر مما يناله الاخر ....، فحيث يتساوى افراد النوع الواحد في الانتفاع بكل ماتمنحه الطبيعة وبنفس المواهب فمن حقهم ان يتساووا تمامامع بعضهم البعض وهي حرية ايضايحكمها القانون الطبيعي واحكامه ملزمة ... فليس لاحد منهم الاعتداء على الاخر.. وعلى كل منهم ان يصون قانون الطبيعة )) 2.
وهكذا هي ايضا رؤية الفيلسوف الهولندي اليهودي سبينوزا في رسالة في اللاهوت والسياسة 3 ، والفرنسي جان جاك روسوا كذالك 4 فكل هؤلاء هم من نظّر للحق الطبيعي للانسان والذي على اساسه بنت الفلسفة الغربية رؤيتهافي العقد الاجتماعي من جهة والحرية الفردية الطبيعية من جانب آخر !!.
وعلى هذا الاساس كذالك ، جاءت الحرية ومفهومها في منظومة الفكر الراسمالي الديمقراطي مابعد العالم الصناعي لتنظّر للافراد ، وحقوقهم الطبيعية او التي تهبها الطبيعة المادية لهم ، بعيدا عن اي سلطة دينية او سياسية او اجتماعية او اخلاقية معنوية لها الولاية على هذه الحرية او تحجيم فوضويتها الجامحة !!.
ويمكننا هنا وفي هذا المفصل من مفهوم الحرية الطبيعية الفردية بالتحديد ان نفتح قوصَ نقاشٍ عريض مع هذه الحرية الطبيعية والمادية الراسمالية الديمقراطية فيما بعد ، لكن يكفي الآن ان نشير الى محورين من النقاش مع هذه الحرية الطبيعية :

الاول: هو لماذا عزفت المادية الليبراليةالفردية الغربية عن ارجاع الحرية لمناشئها الاجتماعية ، او السياسية او الاخلاقية الدينية ، واكتفت بمسمى الطبيعة لتكون هي والدة حق الافراد في الحرية ؟.
الثاني:وهو محورهل فعلا تمتلك هذه الطبيعة ماتعطيه من حقوق وحريات للانسان ووجوده ، مايضطرنا نحن البشر للنظر الى هذه العطايا بكل تقديس واحترام ؟.
أم ان الطبيعة جماد ميت لا تشعر، ولاتهب ولاتأخذ حقوقا او تعطي واجبات وعلى هذا الاساس لايمكن بناء مذهب اجتماعي او تشريع قانوني اورؤية ادارية سياسية على هذه الخيالات الوهمية بين الطبيعة والانسان ؟.

في البدء لابد من الاشارة ان منحى هذه الحرية الطبيعية مما لاشك فيه انها حرية مادية صرفة أُخذت مقطوعة عن كل مايتصل بالاخلاق ، او المعنوية او المجتمع او اي صلة اخرى تمثل الضابط الواقعي لمسائل هذه الحرية ، وعلى هذا الاساس نحن ننظر الى ان فلاسفة الليبرال الماديين الغربيين باعتبارهم كانواعلى ادراك تام لهذا الفصل بين حريتهم الطبيعية المزعومة ، وبين اي ضوابط تسلط الضوء على حدود ، وخلفيات هذه الحرية ، ولهذا انتخب فلاسفة الحرية الطبيعية ، كما انتخب الراسماليون الديمقراطيون هذا النوع من (الحرية) وغرضهم وهدفهم هو التضليل والخداع بالاغرار من البشر ، والعاشقين لمسمى الحرية والتطلع اليها بعنف ليكون هؤلاء المساكين وقود حرب معركة الماديين من راسماليين وليبراليين في معاركهم السياسية والاقتصادية الكبيرة ، ضد كل من يقف امام مشروعهم القديم والجديد الا وهي المادية ، والاّ الماديون الغربيون وكذا الراسماليون الديمقراطيون انفسهم على وعي تام ان هذه الطبيعة هي مجرد وعاء لا ينطق ولايعطي ، ولايوحي ولايمنح ولايمنع اي شيئ للانسان يرتقي ليكون اساسا لبناء نظام ومذهب اجتماعي حقيقي ولهذا هم حوّلوا اخطر موضوعة للبشرية جمعاء ، الا وهي حرية الانسان لمصدر ابكم اسموه الطبيعة ليكون هو وثيقة فكرهم الفلسفية ومصداق ادعاءاتهم الايدلوجية وليقولوا في نهاية المطاف، بما معناه : من كان عنده شك ، فيما نطرح من حرية وحقوق للافراد فليرجع الى الطبيعة ويسألها على المستويين في الطبيعة الجغرافية والاخرى الانسانية بهل حقا انت من منح الانسان قانونه وحريته وكل ما استحصله من تشريعات وقوانين ؟.
أم ان الانسان ولد مفتقرا لهذه الحرية فاستحصلها من غير الطبيعة نفسها ؟!!.

أما مايتعلق بالمحورالثاني الذي يتساءل عن الطبيعة واعطاءها وهبتهاماهي مفتقرة اليه من حرية للانسان فقد تنبه ايضا الكثير من الفلاسفة والمفكرين لخداع وتضليل هذه المدرسة الطبيعية ومن ثم المادية في موضوعة الحرية الانسانية الطبيعية فمن المعاصرين مثلا لجون لوك وروسوا وكذا سبينوزا الفيلسوف الانجليزي (( توماس هوبز ))/ 1588م / 1679م / ، والذي هو لايقلّ شأنا في المساهمة في بناء الفكر السياسي الاوربي الحديث لكن مع ذالك اختلف الرجل جذريا حول الرؤية للطبيعة الانسانية ماقبل قيام الكيان السياسي ورأى بخلاف فلاسفة حرية الطبيعة ان قوانين الطبيعة بالعكس كانت قوانين متوحشة ويغلب عليها الصراع والتصادم والارهاب والخوف من كل شيئ ....الخ ،وعلى هذا الاساس لم تكن الطبيعة في حياة الانسان في يوم من الايام مانحة ((لقانون الحرية والمساواة)) بين البشر ليعتمد مثل فلاسفة الحرية الطبيعية على الطبيعة لتكون هي مصدر المساواة بين البشر وقانون الحرية في داخلها ، وليبنوا من ثم منظومتهم المذهبية ، والقانونية داخل المجتمع على هذا الاساس !!.

وهكذا من المعاصرين الذين لهم باع طويل في تورخة القصة الانسانية الحضارية على وفي هذا العالم ، من يذهب الى نفس المنحى الذي اتجه نحوه (( هوبز )) في رؤيته للطبيعة وصلاحها ، او عدمه ، لاعطاء مستند الحرية للانسان ، فهذا (( ول ديورانت )) الامريكي الاصل وصاحب موسوعة ((قصة الحضارة)) التي جاوزت الاربعين مجلدا في التورخة ، للبشرية ومنذ عصورها الحجرية حتى قيام الصناعة الغربية ، فهو يؤمن ايضابان الطبيعة لاتهب ولاتأخذوانما المجتمع وحده بشخصيته وهويته هو وحده من يقرر اعطاء الافراد بداخله نوعا من الحرية مطلقة او مقيدة ليتمتع من ثم الانسان بهذه الحرية من خلال اقرار الدولة ، واعترافها له بالحقوق وعلى هذا الاساس ردّ ديورانت على اصحاب نظرية الحرية الطبيعية بالقول :
(( إن الحقوق لا تأتينا من الطبيعة ، لأن الطبيعة لاتعرف من الحقوق الا الدهاء والقوة ، انما الحقوق مزايا منحتها الجماعة للأفراد على اعتبار انها تؤدي الى الخير العام ، ولذا فالحرية ترف اقتضاه اطمئنان الحياة ، والفرد الحر ثمرة أنتجتها المدنية وعلامة تميزها .)) 5 .

إذاً موضوعة الحرية وارتباطها بالطبيعة واخذ الطبيعة كمصدر فلسفي لرفد رصيد الحرية في الراسمالية الديمقراطية الفردية الحديثةلايمكن اعتبارهذا المنحى الفكري جديرا بالاحترام القانوني والتشريعي والاخلاقي لمفهوم الحرية الفردية التي تدعونا الراسمالية لاحترامها ، وتقديسها في مذهبها الاجتماعي المزعوم ، لاوبل اكثر من ذالك ، (ومن وجهة نظرنا ) ان هذه الحرية الطبيعية الراسمالية وبهذه التصورات المادية الفارغة من اي نوع اخلاقي ، او رباط معنوي او اجتماعي هي من حولت اليوم وبعد كل هذه التجارب الانسانية للحرية الراسماليةالحياة كلها الى غابة ارتدت بالحياة الانسانية الى جذورها المنفلتة المتوحشة ليأكل الانسان اخيه الانسان سياسيا واقتصاديا بضمير مرتاح وهو يعتقد ان القوانين الطبيعية التي هي مصدر القوانين والتشريعات المدنية قاضيابهذا الصراع الذي يحتم البقاء للاقوى اقتصاديا وللافضل عنصريا وشيطانيا !!.

نعم الامام السيد الفيلسوف الصدر عندما فرّق بحثه للحرية الى حرية طبيعية ليقول بوجودها لم يعني انها الحرية الصالحة لتكون هي مصدر تنظيم الحياة الاجتماعية ، ولهذا هو رحمه الله لم ينفي وجود هذه الحرية الطبيعية لكنه انكر ان تكون هذه الحرية اصلا صالحة لتنظيم حياة البشر الاجتماعية ، ولهذا اشار قدس الله روحه الشريفة بالقول :
(( ومن الواضح ان الحرية بهذا المعنى - معناها الطبيعي – خارجة عن نطاق البحث المذهبي وليس لها اي طابع مذهبي لانها منحة الله للانسان ، وليست منحة مذهب معين دون مذهب ، لتدرس على اساس مذهبي )). 6 .
اي ان هذه المنحة الطبيعية التي اتت بتناغم بين الطبيعة والانسان لتعطيه الحياة وتعطيه الارادة وتعطيه الحركة هي اولا منحة الاهية متصلة بخالق هذه الطبيعة وهذا الانسان ، ومن ثم جميع مايتمتع به الانسان والطبيعة ايضا من مميزات هي منح مقدسة ليس لانها مادية منقطعة الى الطبيعة فحسب بل لانها متصلة ومنحة من قبل الله للانسان ، وبهذا يحق بل يجب علينا احترام كرامة الانسان ونقدس حريته لانها منحة وهبها الله مالك كل شيئ لهذا الانسان !!.
ثم هي بعد ذالك حرية يشترك فيها الانسان مع الطبيعة بجمادها ونباتها وحيوانها بتفاوت ذكره الامام الصدر في شرحه للحرية الطبيعية ، وعلى هذا الاساس هي حرية بحاجة الى منظم من جهة ، وحيزها مختلف ، عن حيز حرية الانسان داخل المجتمع ، وعندما ينخرط في عملية تبادل علاقات ، بين افراد المجتمع مع بعضهم والبعض الاخر من جانب اخر ،وهذا الحيز الاجتماعي هو ما يعطي او يهب الفرد داخل المجتمع هويته وهو مايهب او يمنع او ينظم حريات الافراد داخل اي مجتمع من وجهة النظر الفلسفية للسيد الصدر !!.

وهنا ، وفي هذا المفصل بالذات يطرح الامام الصدر مفهومه عن الحرية الحقيقية التي لاتوفرها الراسمالية الديمقراطية لافرادها لتخادع وتضلل باسم الحرية الشكلية التي توهم الانسان بجوهريتها بينما هي مجرد وهم يعيش بداخله اي مغفل !!.

يشرح السيد الصدر مفهومه الاسلامي للحرية الجوهرية التي ينبغي توفيرها لجميع افراد المجتمع بقوله :
((اما الحرية الاجتماعية الجوهرية : فهي القدرة التي يكتسبها الانسان من المجتمع على القيام بفعل شيئ معين وتعني هذه القدرة :ان المجتمع يوفر للفرد كل الوسائل والشروط التي يتطلبها القيام بذالك الفعل فاذا كفل لك المجتمع ان تملك ثمن سلعة معينة ، ووفر هذه السلعة في السوق ، ولم يسمح لاي شخص اخر بالحصول علي حق احتكارها في شراء السلعة ...... فانت عندئذ حرّ في شراء السلعة لأنك تتمتع اجتماعيا بكل الشروط التي يتوقف عليها شراء تلك السلعة ، واما اذا كان المجتمع لايوفر لك ملكية الثمن ، او عرض السلعة في السوق ، او يمنح لغيرك وحده الحق في شرائها ... فليس لديك في الواقع حرية جوهرية ، او قدرة حقيقية على الشراء )) . 7 .
اي ان النظام الاجتماعي ، او المذهب الاجتماعي الذي يستمد شرعيته من المجتمع ويتكئ على عقده الاجتماعي بين الدولة والقانون من جهةوالمجتمع من جهة اخرى هو الكفيل بوضع الضمانات الفكرية والسياسية ومن ثم الاهم الاقتصادية والتربوية الاخلاقية الاجتماعية التي تضمن للفرد او للافراد داخل المجتمع ان يملكوا القدرة القانونية والواقعية والجقيقية على ممارسة الحرية الجوهرية داخل المجتمع !!.
اما ونحن امام نظام راسمالي فردي ، يقنن القوانين للاحتكار الاقتصادي ، ويترك المجتمع في قانون الغابة ماقبل النظام السياسي ، لينتصر فيها القوي على الضعيف باسم حماية الحرية الطبيعية ، ويجير الدولة بكل قوتها لحماية هذه القوى المتوحشة ويمنح الضمانات الاقتصادية للاحتكار الاقتصادي الذي يعجز الاخرين عن امتلاك القدرة او على الاقل وجودالسلعة في الاسواق كحق مكفول لجميع الافراد الحصول عليها بدون ان يكون هذا الحق للقوي دون الضعيف.... فمثل هذا المذهب والنظام الاجتماعي لايعتبر مطلقا انه يحمي الحرية الطبيعية للفرد او المجتمع ، بقدر ماهو مذهب ، ونظام متوحش يدعم سلب القدرة من الضعفاء ليضعها بيد الاقوياء حسب شريعة الغاب ، التي يبقى فيها الاقوى ليأكل او يستعبد الضعفاء باسم حماية حرية الافراد الطبيعية المقدسة لاغير !!.

هذه هي الكارثة التي كشف نقابها السيد الفيلسوف الصدر عندما وضع اصبعه على خداع الحرية الراسمالية الشكلية المخادعة ، التي اوهمت ولم تزل توهم الابرياء من بني البشر انها النظام الديمقراطي الوحيد في العالم الذي يوفر كرامة وحرية البشر للمنتمين لها ، بينما هي ، وفي واقع امرها ماهي الا مخطط راسمالي بغيض لسلب قدرة الحرية ، وممارستها اصلا في هذه الحياة ، اقتصاديا ، ومن ثم سياسيا وهكذا فكريا وشخصيا في نهاية النفق !!.
القدرة التي اشار لها الصدر(( رحمه الله )) عندما يتدخل القانون والدولة بين افراد المجتمع ليقيم القانون والتشريع بقوة الدولة ميزان العدل بين افراد المجتمع وليضع المحرمات التي تمنع اكل القوي للضعيف في هذا المجتمع من جهة وتحفظ التوازن والفرص المتساوية في الحياة لكل من يريد ان يمارس الحياة وهو مدعوما بالقانون ومحميا بالدولة من الاحتكار وضربات الحظ من جانب اخر !!.

1: إقتصادنا / للسيد محمد باقر الصدر / ص 280/ دار التعارف للمطبوعات / الطبعة السابعة عشر /
2: تراث الانسانية / 6/ ج 4/ الدار المصرية للتآليف / عن الحرية لجون ستيوارت مل / بقلم د حسين فوزي النجار .
3: رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / ص 380/ دار الطليعة / ترجمة د حسن حنفي .
4: راجع تاريخ الفلسفة الحديثة / يوسف كرم / دار القلم / ص 202.
5: ول ديورانت / قصة الحضارة / ج 1/ ص 54 / دار الجيل / ترجمة د زكي نجيب محمود / ط 1408 هجرية .
6: اقتصادنا / مصدر سابق / ص 282 .
7: اقتصادنا / ص 283 .
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com