الأربعاء، مارس 04، 2015

((في سوسيولوجيا المجتمع الكردي العراقي/ تأصيل القبلية)) 7 حميد الشاكر


((19))
 تحدثنا في القسم السابق عن (النظام القبلي ) داخل التركيبة المجتمعية الكردية العراقية القديمة  والحديثة ، ووصفناهذا النظام  باربع صفات سوسيولوجيه مميزة  عن باقي النظم القبلية  العربية وغير العربية في المنطقة وفي العالم وهذه الصفات الاربعة لخصناها بالاتي :
اولا : نظام  باعتباره (العمود الفقري)لهذه المجتمعية الكردية العراقية  الحديثة .
ثانيا : انه النظام ، الذي يمثل ادراكه المفتاح الحقيقي ، لفهم الشخصية الكردية العراقية بكل اسقاطاتها الفكرية والعقدية والسلوكية والتربوية والسياسية و ...الخ !.
ثالثا : صلابة هذا النظام ومتانته داخل هذه التركيبة الاجتماعية .
رابعا:تعقيدهذاالنظام وانفراده بالسلطةعلى المجتمعية الكردية العراقية تاريخيا وحاضرا .
والحقيقة ان القبلية الكردية ( لاسيما العراقية منها ) بحاجة الى توسعة في البحث والدراسةليتمّكن المتلقي من ادراك ووعي ماهية هذه القبلية ولماذا وصفناها بانها العمود الفقري ؟ ، وانها المفتاح العلمي لفهم هذه الشخصية ، وانها صلبه وكذا هي معقدة !!.
ولكن وباعتباراننا فقط نطرح ( العناوين العامة ) لبحثنا في الشخصية الكردية العراقية هنا وكذا نبحث في (المقدمات الاساسية) التي لاغنى لاي باحث اجتماعي من الاتكاء عليها والانطلاق منها لدراسة الدائرة المجتمعية للمكون الكردي العراقي ، فعليه نحن ملزمون بالاختصار قدرالمستطاع لعدم الاطالةعلى قارئنا العزيزمن جهة ولبحث المحاور الرئيسية في السوسيولوجياالكردية العراقية الحديثة من جانب اخر !!.   
لكن ايضاهذا لايعني اننا لانسلط الاضواء ب( نوع من التكثيف ) على المحاورالمجتمعية الكردية التي نرى انها محورية جداًفي فهم التركيبة الاجتماعية الكردية لاسيما الحاضرة منها  ولهذا جاء هذا القسم السابع ليتمم المفاهيم الاساسية للنظام القبلي الكردي العراقي .
نعم ربما يتسائل من يطلع على بحوثنا هذه للشخصية الكردية العراقية عن غياب مفهوم المدنية  والحضرية ، ومساهمة هذا المحور في بناء الشخصية الكردية العراقية الحديثة ؟ . ، ولماذية اغفالنا لهذا العامل او استبعاده من معادلة بناء، وفهم الشخصية العراقية الكردية كما طرحه بعض السوسيولوجيين العراقيين عندما حاولوا فهم الشخصية العراقية بصورة عامة وادخلوا ثنائية(البداوة والحضارة)في بناءهذه الشخصية العراقية تاريخيا وحتى اليوم ؟.
والواقع ان سبب ،  او اسباب عزوفنا عن الاشارة لعامل الحضارة في بناء الشخصية الكردية العراقية ، وانفراد النظام القبلي الجبلي الكردي بهذه البنائية ، والتركيبة هو لعدة اسباب ، وعوامل ( من وجهة نظرنا  الاجتماعية ) اهمها :
اولا : لان الجغرافية الجبلية الوعرة ( كما ذكرناه سابقا ) ساهمت في عزلت  المجتمعية الكردية  بصورة عامة ، والكردية العراقية بصورة خاصة عن الثاثيرات والمؤثرات التاريخية الحضارية  المباشرة  التي كانت متجاورة مع الجغرافية الكردية الاجتماعية !!.
اظف الى ذالك ان الحضارية المدينية الاجتماعية اقترنت ولم تزل منذ ولادتها  وحتى اليوم مع (( ظاهرة الدولة المركزية )) ومعروف بهذا الصدد ان الجغرافية الطبيعية الكردية وكذا الجغرافية الاجتماعية التي كانت ولم تزل مهيمن عليها من قبل النظام القبلي تنفر بشدة من( نظام السلطة المركزية ) ، لاي دولة  مجاورة لها لتنخرط في ومع مفاعيلها الحضارية اواي نظام سلطة مركزية/ من قبل الكرد انفسهم/يحاول ان يولد داخل الجغرافية الطبيعية والاجتماعية الكردية الجبلية جنينيا !!.
ولهذا من الطبيعي  بالنسبة لاي باحث  في تاريخية ، ومجتمعية الكرد العراقيين ان يحيّد، او يرفع العامل الحضاري وتاثيراته المجتمعية من بناء وفهم الشخصية المجتمعية الكردية !.
ثانيا :عند الحديث/مثلا/عن بناء الشخصية العراقية الجنوبية وتاثيرات العامل والنظام القبلي عليها من جهة  وكذا تاثيرات العامل الحضاري والمديني على نفس هذه البنية الاجتماعية من جانب اخر ، فاننا عندئذ نتحدث عن بنيةشخصية اجتماعية تداول على بنائهانظامان اجتماعيان غاية في القدم والتاريخية الانسانية ، الاول : النظام القبلي ماقبل ولادة ونشوء ظاهرة الدولة وما بعدها ،  والثاني :  نظام التحضر بعد ولادة الدولة ، وفرضها للقانون ،واستبدال قيم الترابط الاجتماعية من القبلية النسبية الضيقة الى القيم الاخرى الاقتصادية، والفكرية والعقدية وغير ذالك  ليصبح المجتمع العراقي الجنوبي فعلا وليد نظامان ، او صراع نظامين انسانيين قديميين منذ سومر لسبعة الاف سنة حضارية وحتى اليوم !!.
اما عندالحديث عن المجتمعية الكردية العراقية وصياغتها بنائيا والتي منذ الحضارة السومرية بكل ظاهرة الدولة وسن القوانين فيها تاريخيا وحتى اليوم  عاشت على الاطراف لهذه الحضارة ، وباقي حضارات المنطقةالعربية وغيرالعربية فارسية اوبيزنطية قبل التركية اوقيصرية روسية او ....الخ ، بل ونافرة منها ، ومتمسكة  بنظامها القبلي الضيق ومتمترسة به لمقاومة اي تاثير حضاري ،  ياتي من خارج هذا النظام القبلي ... اما عند الحديث عن هذه الدائرة ، او التكوينه الاجتماعية فلا يمكن لنا ان نرشح عامل ( الحضارة ) كاحد مهندسين وبناة الشخصية الكردية تاريخيا وحتى اليوم !.
تمام بعد سقوط الخلافة العثمانية المريضة ،  وازاحة سلطتها من على قلب الاجتماع العراقي في العصر الحديث / 1918م /  على يد القوى الاستعمارية الحضارية الغربية وانشاء وابتكار هذه الحضارة الغربية المعاصرة  لمبادئ ومفاهيم الجغرافية السياسية للدول ومن ثم صناعة دول حديثة ( تفرض سيادتها وسلطتها ) على مجتمعاتها داخل اطرها الجغرافية السياسية  كان  ، ولم يزل من نصيب المجتمعية العراقية ان يكون ضمن مكونات  تنوعاته المجتمعية المعاصرة ، المكون الكردي العراقي الحديث !.
وبالفعل منذ قيام الدولة ،  والمجتمعية العراقية الحديثة 1921م تاثرت قليلا بنية الاجتماع الكردي العراقي ، وبرزت ثمار الاستقرار النسبي الذي فرضته الدولة العراقية الحديثة من خلال ارتفاع منسوب التعليم وبناء المدارس ، وتعبيد الطرق وفتح قنوات التواصل  وفرص العمل للمجتمعية الكردية واضعاف هيمنة النظام القبلي و ....الخ اثمرت هذه المؤثرات الحضارية للدولة العراقية الحديثة بل وظهرت وبرزت هذه الثمار الاجتماعية بشكل طافي على السطح الاجتماعي العراقي بحيث ان (تيارا) متعلما من الجيل الاربعيني والخمسيني من شباب الاجتماع الكردي العراقي الحديث ، بدأ فعلا  بالتمرد على نظام ، وقيمية القبيلة الكردية وصنع له من ثم طريقا متاثرا بشكل واضح بحوامل الحضارة الغربية والشرقية الفكرية والعقدية الايدلوجيه ،كتيار اليسار الذي تاثر في حقبة ما قبل الخمسينات  بالادبيات الماركسية واليسارية السوفيتية انذاك(مَثل هذاالتيارفي تاريخ العراق الحديث رئيس جمهورية العراق السابق جلال الطلباني عندما انشق على السلطة القبلية التي كان يمثلها ملا مصطفى البرزاني اجتماعيا وسياسيا كرديا انذاك) ولكن ايضا مع بقاء قيم القبلية راسخة ، وضاربة الجذور الاجتماعية في تمردها على النظام والدولة من جهة ولتلاعبها بالمشاعرالقومية للمجتمعية الكردية الحديثة من  جانب اخر ، كلاعب قيادي اساس في التوجهات السياسية والمجتمعية  للكرد العراقيين ، وتدعيم حالة  الرفض المجتمعية لهيمنة سلطة الدولة المركزية في العراق الحديث ، بين الفينة ، والاخرى مما اضعف ايضا من المؤثرات الحضارية العراقية ( للدولة الحديثة ) كي تتغلغل بالفعل لتصبح عامل مهم في بناء الشخصية المجتمعية الكردية العراقية الحديثة !.
يذكر (ويليام هيغلتون) في كتابه (القبائل الكردية) الكثير من الروايات والاخبار القيمة عن المجتمعية الكردية الحديثة / ما بعد العثمانية / بما في ذالك (ظاهرة الصراع بين البداوة وقيمها الجبلية والحضارة) التي فرضها التطور العراقي الحديث بعد صناعة الدولة العراقية المعاصر ويضرب لذالك مثلا بالقول :
(( بعد ثورة 1958م ،  اقام ملا مصطفى البرزاني  مركزا لقيادته في بغداد  للحزب الديمقراطي الكردستاني / ذي الاتجاه اليساري / ، لكن سرعان ما تكشفت شخصية ملا مصطفى القومية ،  وانه يعتمد بالكلية على القوى القبلية والاقطاعية، التي ظلت تحتفظ بتاثير فعال بالمناطق الريفية ... وعلى اثر ذالك انشق الجناح المدني الاشتراكي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني تحت قيادة /جلال طالباني/ في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ... / هيغلتون / القبائل الكردية / مصدر سابق ))  وهكذا عندما يرصد(هيغلتون) بصورة عامة هذه الظاهرة الحضارية في صراعهامع النظام القبلي الكردي الحديث وكيفية ان عوامل النظام القبلية هي الاقوى في توجيه البوصلة الاجتماعية الكردية ضد الدولة ومركزيتها حتى وان كانت الدولة ((ذات طابع قومي محلي )) كردي والذي يدعوا لها هم من الكرد انفسهم ، كما حصل مع (( زعامة قبيلة شكاك الكردية)) في 1946م ابان اعلان قيام جمهورية مهاباد الكردية عندما احسّ زعيم قبيلة((كاردار)) فرع من فروع عشيرة ((شكاك )) التي ساهمت بشكل رئيسي في بادئ الامربمساندة قيام هذه الجمهورية لكن عندما شعر هذا الزعيم القبلي وغيره  ان هناك مؤثرات اشتراكية على انصار ، ومتحمسي هذه الجمهورية  تهدد مصالح ، ونظم القبلية القائمة تحولت (( هذه الزعامات  القبلية الكردية )) للانقلاب على هذه الجمهورية  ومن ثم انظمام زعاماتها القبلية ، والتحالف مع شاه ايران لاسقاط هذه التجربة الجمهورية الكردية الوليدة !!.
وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل على بقاء وقوة وهيمنة مفاعيل النظام القبلي الكردي على الفرد ، والجماعة  الكردية العراقية تاريخيا  والى يومناهذاحتى وان كان في قبالة هذا النظام فكرة قيام دولة قومية للكرد انفسهم !!.                   
(( 20 ))
مثلت القبلية ، ونظامها الاجتماعي بالنسبة للتركيبة  والبنية المجتمعية الكردية بصورة عامة  والتركيبة ، والبنية المجتمعية الكردية العراقية بصورة خاصة المرجعية الاعمق والاكثرتاثيرا واستقطابا لحياة الفرد والجماعة الكردية تاريخيا وحتى وقتنا القائم !!.
والحقيقة عندما نصف النظام القبلي الكردي بانه :  (( مرجعية مستبدة ومنفردة )) لحياة الاجتماع الكردي تاريخيا فذالك لان هذا الاجتماع لم يدرك نظاما اخرحضاريا اوقريبا من الحضاري ادارفي يوم من الايام حياته السياسية  او الاقتصادية ، او التربوية التعليمية او ....الخ ، غير هذا النظام القبلي ،ولهذا لم يزل التاريخ بكل صفحاته القديمة والحديثة يدّون لحركة هذاالنظام القبلي على الارض وعندماكانت الدول تحاول المرورعلى الارض الجبلية الكردية ، لغزو امبراطوريات ودول اخر قبل الاف السنين وحتى سقوط (العثمانية المريضة ) كانت تاخذ بنظر الاعتبار القبائل الكردية  ونظام هذه القبائل وكيفية التعامل مع زعماء هذه القبائل و .... هلم جرّا ، بل اكثر من ذالك كيفية ابرام المعاهدات ايضا مع زعماء هذه القبائل !!.
يذكر صاحب كتاب ((الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية / د وليد حمدي )) : (( انه وبعد انتصار السلطان العثماني سليم الاول 1514م على الحاكم  الايراني (( اسماعيل الصفوي ))  رحبت القبائل الكردية بالسلطان المنتصر ودعته من خلال اكبر ثلاث وعشرين قبيلة وامارة كردية ان تبرم معه معاهدة تحالف مشترك  فيما بينها ، وبين السلطان سليم ،وبالفعل تمت كتابة المعاهدة واعدادها من قبل مستشار السلطان لتحتوي على خمس بنود اساسية :
اولا:يساهم الاكرادفي كافة الحروب التي تشارك فيهاالسلطنة العثمانية .
ثانيا:تستمروراثة الاماراه من الاب الى الابن اويتم تنظيم ذالك استنادا الى قوانين البلاد ويقوم السلطان بالاعتراف بالوريث الشرعي بفرمان سلطاني .
ثالثا : تحتفظ كافة الامارات الكردية الموقعة على المعاهدة باستقلالها .
رابعا : تقوم السلطنه العثمانية بتقديم المساعدة للاكراد ضد اي عدوان اجنبي .
خامسا: يساهم الاكرادبتقديم الهداياالدينية المتعارف عليهابشكل تقليدي الى خزانة الخليفة . / انظر : الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية / ص 18 / سجل العرب / 1992)) .
وبقيت هذه  الظاهرة للتعامل مع الكرد ((  من خلال زعمائهم القبليين ونظامهم القبلي  القائم فحسب ))  حتى العصرالحديث ، بعد ان غزت بريطانيا العراق في 1914م / الى 1918م لتصعد الى شماله ، ولتبرم مع (( 60 ستين زعيم قبيلة كردي/ 1919  )) بقيادة ((الشيخ  محمود البرزنجي))في السليمانيةمعاهدةلحفظ النظام العام من جهة والخضوع لحكم الاستعمارالبريطاني انذاك بقيادةالرائد نويل من جانب اخر.انظر الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية / ص 46 الى 52 )) .
كل هذه الظواهر والشواهد التاريخية والحاضرة  تؤكد على ان النظام القبلي  حتى ،  وان اصطبغ هنا بلون ديني (( لان من ضمن التركيبة التاريخية للنظام القبلي الكردي هو الجمع /احيانا / بين المشيخة القبلية والمشيخة الدينية))وهناك بلون قومي او يساري اشتراكي الا انه يبقى (المرجعية والعمود الفقري) لهذه التركيبة المجتمعية الكردية العراقية بل وهو المحرك الواقعي للظواهر الفوقية الفكرية والعقدية والسلوكية و....الخ !!.
وهذه الحقيقةعلى قساوتها الا ان معظم السوسيولوجيين الكرد بما فيهم السوسيولوجيين الاكثرتطرفا قوميا قد اعترفوا بخلاصة (( ان الانتماء القبلي الكردي يعتبر الاطار المرجعي الاوحد الذي يضبط ايقاع الفرد والجماعة بشكل عام ، وانه الانتماء ، الذي اخر تشكيل الوعي القومي وحال دون ( انتقال ) المجتمع الكردي من الحالة الرعوية الريفية الى الحالة المدنية ومن ثم دون الحضارة/ انظر الشخصية الكردية / احمد محمود الخليل / مصدر سابق / ص 210 )) !.
اما لماذا فقط القبلية هي (( المرجعية ))لهذا الاجتماع الكردي العراقي القديم والحديث ؟.
ولماذا عدم تمكن الفرد ، والجماعة الكردية العراقية   من اقتحام عقبة القبلية الجبلية ؟.
وماهي الاسباب، والعوامل الطبيعية والفطرية ، التي تعيق المجموعة الكردية عراقيا من الانتقال لفضاء الحضارة والمدنية ؟.
فهذه الاسئلة ، وغيرها سنطرحها في القسم القادم تحت عنوان صلابة وتعقيد النظام القبلي الكردي العراقي الحديث !!.          
     
_______________________                                       راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد