الأربعاء، يناير 28، 2009

ألاسلام وبنيته الاجتماعية مابين المدنية والقبلية ... أعادة قراءة 1


(( توطئة )) تتميز دراسة البنية الاجتماعية لأي مجتمع انساني ما ، بأنها الدراسة التي توصلنا الى فهم واستيعاب حركة الاجتماع الانساني وظواهره السلوكية من جهة ، وفهم وادراك المنطلقات الواقعية التي بنيت عليها قواعد الفكر الاجتماعي من جهة أخرى ، فالظاهرة السلوكية الاجتماعية وكذا الفكرة العقدية الايدلوجية - الغير سماوية بطبيعة الحال - على هذا الاساس هما وليدي البنية الاجتماعية المادية وكذا الفكرية لهذا او ذاك من الاجتماع الانساني !. ان هذه القاعدة العلمية الاجتماعية هي وبالضبط مانحن بحاجة اليه لفهم اعمق واستيعاب اشمل وادراك أوفى لاطروحة الاسلام بشكل كامل ، وذالك من خلال حركة هذا الاسلام الاجتماعية وكذا قواعده الفكرية التي أسس عليها وانطلق منها خلال حركته الاولى وحتى اليوم !. نعم ماهي البنى الاجتماعية التي أقام الاسلام عليها فكرته الايدلوجية العقائدية ، ومن
ثم أنطلق منها ، وانعكست سلوكياته وظواهره الاجتماعية من هذه القواعد ؟.بمعنى آخر : ان هناك بنيتين كانت في الاجتماع العربي أبّان ولادة الاطروحة الاسلامية ونزول وحيها السماوي الى الانسان :الاولى : البنية الاجتماعية القبلية والتي كانت هي السائدة والمنتشرة بشكل كبير جدا في جزيرة العرب آنذاك .الثانية : وهي بنية الاجتماع المدني أو الحضري التي تتمتع به بعض المناطق او المجموعات الانسانية الضيقة جدا من هذه الجزيرة الشبه منقطعة عن العالم آنذاك !.ولاريب ان لهاتين البنيتين الاجتماعيتين خصائص ومميزات بحيث تجعل من كل بنية نوع منفرد ومختلف عن بعضهما والبعض الاخر في التأسيس اولا ، فالبنية القبلية مختلفة التاسيس تماما عن البنية الحضرية او المدنية ، وكذا تختلف بنية القبيلة في البنى الفوقية لحركة اجتماعها القبلي وما تنتجه من ظواهر سلوكية واخرى فكرية وعقلية عن ماتنتجه على نفس المستوى بنى المدينة الحضرية ثانيا ، ولهذا تميزت كل بنية عن الاخرى بانها نسيج منفرد وقواعد مختلفة عن بعضها والبعض الاخر في الاساس وفي جدران البناء الاجتماعي ايضا !.والآن : ماهي مميزات كل بنية عن اختها الاجتماعية في القبيلة وفي المدينة ؟.وماعلاقة معرفة مميزات كل بنية بمعرفة الاسلام كايدلوجيا عقدية فكرية على المستوى النظري من جهة وعلى المستوى العملي السلوكي من جهة أخرى ؟.فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فأن هناك علاقة وثيقة جدا بين فهم الاسلام كأطروحة الهية سماوية شاملة ، وبين معرفة الاساس التي اقيمت عليه هذه الاطروحة الربانية ، وذالك بأعتبار ان الاسلام كفكرة الهية لاتتحرك بالفراغ الاجتماعي ، وانما هي فكرة نزلت ،وتعاملت ، وعالجت ، وانتقدت ، وصوّبت ، وحللت ، وانسجمت ، وتنافرت ، وشيّدت ..............الخ ، مع مجتمع وبنية هو وهي المجتمع العربي وبنيته التي كانت سائدة انذاك ، ولاشك عندئذ ان الكثير من فهم حركة الاسلام النظرية وكذا العملية هي مرتبطة بشكل مباشر بمدى معرفتنا نحن بهذه البنية الاجتماعية العربية التي كانت قائمة ابان نزول الاسلام والقرءان !.مثلا : عندما أجد اليوم او في التاريخ القديم والحديث سلوك اجتماعي ما ، أو ظاهرة أجتماعية انسانية تظهر بكل عنف وشدة ووضوح على حركة المجتمع وفي ثنايا افكاره العقدية ، فانني سوف لن أميّز بين ان تكون هذه الظاهرة منتج أسس له الاسلام وتلقاه بأيجابية كبيرة ، او العكس من وجهة النظر الاسلامية بأن يكون الاسلام أول من ندد بهذه الظاهرة الانسانية ، الا عندما ادرك البنية التي أنتخبها الاسلام لتكون قاعدة بنيته الاجتماعية ، ففي مثل هذه المعرفة ادراك لي ولك في ارجاع اي ظاهرة اجتماعية اليوم الى اصلها الاسلامي او غير الاسلامي منها ، باعتبار ان لكل ظاهرة اجتماعية انسانية بنية اجتماعية انطلقت هذه الظاهرة منها ، ومعرفتها يحل المشكلة الادراكية في استيعاب وفهم هذا السلوك او ذاك منها على المستوى العملي !.تمام : ربما هنا من يتسأل حول نقطة الاسلام كأطروحة فكرية عقدية ، والانسان ببنيته الاجتماعية المختلفة بين القبلية والمدنية ، ولماذا محاولة فصل الاطروحة الاسلامية كدراسة عن بنية الاجتماع العربي الذي انطلقت منه ؟.صحيح : نحن نعتقد ان الاسلام كأطروحة الاهية سماوية عظيمة هي ليست وليدة أي بنية أجتماعية سواء كانت عربية او غير عربية ، وانما هي رسالة او فكرة الاهية منزلة من قبل الله سبحانه وتعالى ، اي ان منطلقها فوق الانساني او البنوية الانسانية ، وكذا مرجعيتها الايدلوجية الفكرية ، ولكن ومع ذالك فأن هذه الاطروحة الاسلامية تعاملت مع البنى الانسانية الاجتماعية ،وانتخبت منها الاصلح ، باعتبار ان من اهداف الاطروحة الالهية التعامل مع الواقع الانساني المتعدد الصور الذي يتشكل بصورة طبيعية من حركة الانسان في هذا العالم ليكوّن فيما بعد نمطية بنيته الاجتماعية وحركته الانسانية بين ماهو قبلي قائم على عصبية القبيلة ، وبين ماهو مدني قائم على تنوعات التمدين وقوانينه المختلفة ، ومن هنا كانت رؤيتنا لفصل الاسلام كأطروحة الاهية منزلة سماويا تتعامل مع كل التنوعات البشرية بلا قيد ، وبين بنية الاجتماع الانساني المشكل طبيعيا من خلال اختيار الاجتماع لنمطية عيشه الانسانية من جهة ومن خلال فرض الجغرافية لنمطية العيش الاجتماعية من جهة اخرى ومن خلال حركة الانسان نفسه بعيدا عن تشكيل اللاهوت لها أصلا !.ان هناك الكثير من الباحثين الذين ذهبوا بعيدا عن جادة الصواب عندما درسوا او بحثوا عن الاسلام باعتباره منتج طبيعي لبنية الاجتماع الانساني العربي انذاك ، وخصوصا بعض الدارسين للاسلام من خلال منطلقاتهم المادية التي تؤمن ان اي فكرة او معتقد او تصوّر حتى وان كان دينيا لاهوتيا ماهو الا انعكاس للواقع الانساني المعاش مع بنيته الاجتماعية الطبيعية ليصطدموا بكم هائل من التناقضات التي وقعوا فيها بين التوفيق بين ماهو بنيوي اجتماعي عربي كان قائما انذاك ، وبين فكر اسلامي كان راقيا جدا ولاينم مطلقا عن ولادته ديناميكيا من بنية الاجتماع العربي انذاك أنظر بحوثنا المكتوبة تحت عنوان من هدي القرءان .. الكلمة أقرأ الفصل التاسع في اشكالية المجتمع وبنيته الثقافية وكل مافي الامر كان يكفي أؤلئك الباحثين ان يلتفتوا لنقطة : ان الرسالة الاسلامية منزل سماوي فحسب ليدركوا الفرق في الدراسة بين بنية الاجتماع من جهة والاسلام كأطروحة تتعامل مع البنية الاجتماعية الانسانية من جهة اخرى ليصلوا الى حل الاشكالات التي وقعوا فيها للتوفيق بين ماهو فكري وآخر بنيوي !.ومن هنا كانت فكرتنا في الفصل الفصل بين البنية الاجتماعية والاطروحة الاسلامية تعتمد بشكل مباشر على اساس ان الاطروحة الاسلامية ان اردنا فهمها على اساس انها وليد لبنية اجتماعية عربية فحسب نكون قد قتلنا عالمية الاسلام الانسانية من جهة ، واختصرنا التعامل الاسلامي على اساس انه بنية واحدة فحسب ، وهذا بالاضافة الى اننا بهذا الفعل الدمجي بين الاسلام وبنية الاجتماع الانساني كأنما حاولنا الغاء نمطية العيش الطبيعية التي تفرضه جغرافية العالم على تشكيل بنية الاجتماع الانساني وانه وليد طبيعة انسانية خلقها الله سبحانه وتعالى متنوعة البنيان في هذا العالم !.أذن ماهو الفرق حسب هذه النظرة بين البنية الاجتماعية والاطروحة الاسلامية ؟.وكيف هو التقارن بين الاسلام كدين وبنية الاجتماع كمنتج بشري ؟.الواقع ان الاسلام كدين سماوي شأنه في ذالك شأن باقي الاديان التي نزلت من قبله لتبحث عن بنية اجتماعية انسانية من خلالها تطل على العالم الانساني بكافته لتخاطبه حسب تلاوينه الاجتماعية وتدعوه الى الله والى القانون السماوي ، وكذا الاسلام كأطروحة الاهية أريد لها ان تكون خاتمة الرسالات السماوية للانسان ، فهي باحثة عن بنية تحمل من شؤون هذه الرسالة للعالمين جميعا من جهة ، ويتم انتخاب هذه البنية الاجتماعية فيما بعد او تلك حسب ما تقبله هذه البنوية الاجتماعية وما تتمتع به من مميزات تتيح للاسلام ان يتحرك بمرونة شاملة تنطلق من خلالها لمخاطبة الانسانية بشكل عام من جهة اخرى ، وهذا مارشح بالبنية الاجتماعية العربية لأن تكون هي الظرف الطبيعي الحامل لرسالة السماء الاسلامية الخاتمة للناس جميعا ، وبأعتبار ان هذه البنية هي الاكفأ لديمومة حركة الاسلام لاطول فترة زمنية ممكنة لمخاطبة العقل والوجدان والروح الانسانية بشكل عام !.ان مثل هذه الرؤية في انتخاب الاسلام لبنية الاجتماع العربي الانسانية هي وبالفعل رؤية توصلنا الى منتصف الطريق في معرفة البنيوية الانسانية الاجتماعية للفكر والعقيدة الاسلامية العظيمة ، باعتبار ان نصف الطريق الاخر والذي يتمم لنا الرؤية لدراسة الاسلام بشموليته هو ان ندرك أي البنيتين الاجتماعية العربية القبلية او المدنية التي انتخبها الاسلام كي تكون قاعدته المجتمعية التي شيد الاسلام بنيانه عليها ، وهل هي البنية القبلية العربية هي تلك البنيوية المجتمعية التي ارتضاها الاسلام لتكون قاعدة منطلقاته الاجتماعية ؟.أم انها البنيوية المدنية الصغيرة والمقموعة قبليا والمحصورة جغرافيا هي التي انتخبها الاسلام من وسط الصحراء لتكون نواة قاعدته الاجتماعية التي ينطلق ويؤسس على اركانها من اصول مجتمعه الاسلامي الجديد آنذاك ؟.نحن اثبتنا في المقدمة ان للمجتمع العربي بنيتان اجتماعيتان مختلفتان متباينتان في التأسيس والتشكيل وفي الانتاج والمنعكسات الاجتماعية ، وهما البنية القبلية ، والاخرى البنية المدنية سنتناول فيما بعد الفروق الجوهرية بين كلا البنيتين ولماذية حتمية اختلافهما ، اللتان كانتا تعيشان جنبا الى جنب في مجتمع الجزيرة العربية ابّان ولادة الاسلام العظيم بوحيه الرسالي الكريم ، ومن خلال ذاك الاثبات يكون علينا معرفة أي البنيتين التي صلحت لأن تكون هي قاعدة الاسلام البنيوية لاقامة مجتمع السلم الاسلامي ، وهل هي بنية الاجتماع المدني الصغيرة ؟.أم ان قاعدة الاسلام وبنيته الاجتماعية كانت ولم تزل هي بنية الاجتماع القبلي ؟.أو ان الاسلام جمع بين البنيتين في ظرف واحد ، وانتخب هاتين البنيتين جميعا ليكونا منطلقات بنيته الاجتماعية التي اسس عليهما بناء مجتمعه الاسلامي فيما مضى وحتى اليوم ؟.بمعنى آخر ماهو موقف الاسلام من بنية الاجتماع القبلي والاخرى المدنية ؟.وهل عندما نقرأ الاسلام وبوعي وتأني ومن جديد ، فهل سنكتشف بنيته الاجتماعية التي قامت على بنية الاجتماع المدني ؟.أم اننا سنفاجأ بأسلام اقيمت اركانه على بنى الاجتماع القبلي العربي انذاك وحتى اليوم ؟.من الذي اسس تلك البنى الاجتماعية الانسانية ؟.أو كيف تأسست أصلا وماهي العوامل الطبيعية والانسانية التي فرضت لهذا التجمع بنية مدنية ، ولذاك التجمع الانساني الاخر بنية قبلية ؟.واذا كانت للاسلام بنيته الاجتماعية المميزة فكيف تعامل مع البنيوية الاجتماعية الاخرى ؟.
..... للحديث بقية

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية‏- الجزء الاخير : حميد الشاكر

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))‏حاولنا خلال البحث في المحاور السابقة التي تناولناها عن الشخصية المعقدة ابليس ‏ان نلامس اكثر من زاوية لمعرفة هذا الكائن
الغريب الذي يعيش معنا في كل لحظة ، ولكن بصورة لاتشعر فيه جميع حواسنا ‏المادية الظاهرة ، وكان ولم يزل مبتغانا من هذا التناول الفكري ان نصل الى حالة (( ‏المعرفة والتعرف )) على عدو الانسانية الاول ، في تركيبته الفكرية والنفسية ‏والروحية ، وكيفية تناوله للاشياء ورؤيته حول العالم والانسان .....الخ ، وذالك كله ‏كان منطلقا من ان هذه المعرفة للشخصية المعقدة ابليس من خلال الرؤية القرءانية ‏لاتقتصر مطلقا على اساس انها معرفة لشخصية اسطورية خيالية ، بقدر ماهي ‏معرفة يطرحها الفكر القرءاني على اساسها المؤنسن الذي يتبلور ليعيش كحالة ‏انسانية طبيعية تماما داخل الاجتماع الانساني ، ولهذا مثلّ ابليس في المنظومة ‏الفكرية القرءانية الوجه الاخر للعملة الانسانية مع وجه التقوى المقابل الى وجه ‏الفجور البشري :(( ونفس وماسواها فالهمها فجورها وتقواها ))‏ان شخصية بهذا الحجم من الخطورة العالمية على الانسان تستحق وبالفعل ان ‏نتناولها بصورة اعمق من ذالك بكثير ، ولكن وبما ان الشخصية الابليسية وخاصة ‏من خلال الطرح القرءاني العظيم شخصية ثرية جدا وواسعة بامتياز فكان من الصعب ‏الاحاطة بكل ملامحها الفكرية وزواياها النفسية والروحية والحركية ولكن مالايدرك ‏كله لايترك جله !؟.‏نعم تكون خطوة التعرف على ابليس الشيطاني هذا ، خطوة اولى في الاتجاه المعاكس ‏للرغبة او للكيانية او للوجود الابليسي كما يذكره لنا القرءان الكريم ، باعتبار ان ‏ابليس هذا من اهم ملامح شخصيته المعقدة هي (( التقوقع )) او التحرك في الظلام ‏وبخفية وبعيدا عن الانظار الانسانية الفكرية والنفسية وحتى المادية ، لذا هو ومن ‏اسمى صفاته حسب الطرح القرءاني انه (( الوسواس الخنّاس )) اي الذي يتحرك ‏بهدوء ويتجنب الظهور الى العيان الفكري والنفسي والمادي ، فهو خنّاس كملمح من ‏ملامح شخصيته الوجودية المعقدة التي تتسرب الى حياة الانسان بكل انسيابية ‏ولطافة ، وعنئذ تكون اي خطوة لاظهار الشخصية الابليسية الى العلن او فضح ‏تحركاتها الى العالم او الكتابة عنها الى الجمهور ... كل ذالك هو من اعدى اعداء ‏الشخصية الابليسية التي ركبت وجودها العملي على التخطيط بهدوء والعمل بسرية ‏للوصول الى اهدافها اللا نبيلة في النيل من الانسان الادمي مضافا الى هذا ان التعرف ‏على ملامح الشخصية الطاغوتية الابليسية الشيطانية سيساهم وبشكل مباشر الى ‏كشف الاعداد الحقيقية لجند هذا المخلوق المعقد وكوادره الحزبيه من البشر الذين ‏انخرطوا بارادتهم الفاسدة في المخطط العدواني لابليس الشرير في مقابلة الاجتماع ‏الانساني الذي رفض الانصياع لحكومة هذا الملعون واعوانه من الانس ايضا ؟.‏صحيح وحسب هذه الرؤية سنتعرف على الكثير من البشر الذين ومع الاسف ‏استهوتهم اللعبة الشيطانية ليبيعوا انسانيتهم لمخططات هذا الشرير الكبير ليصبحوا ‏من حزبه والسائرين في ركابه والمميزين بصفاته ومميزاته ، لنرى المستكبرين ‏والحاسدين والحاقدين والساعين والمتكبرين والمجرمين والسارقين والغادرين ‏والمستهزئين ....... الخ ، وكل هؤلاء وهم يهتفون بالموت للانسان والحياة للشيطان ‏‏:(( أستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألآ ان حزب ‏الشيطان هم الخسرون )) انها معرفة لكوادر حزبية تبدو انها عريضة !.‏وبعكس هذا من يدعونا الى الخوف من معرفة هذا المخلوق المعقد ، والاكتفاء ‏بالتعوذ بالله العظيم منه فحسب والغاء التفكر في كينونته من منطلق الخوف من ‏الانزلاق في مكائده الشريرة ، وكأن صاحب هذه الدعوة من غير ان يشعر او يدرك ‏يعين ويناصر المخطط الشيطاني الهادف الى تدعيم الشخصية الغامضة والبعيدة عن ‏الاضواء والمتحركة ب (( خنس )) شديد كي لايلتفت او ينتبه الانسان الى مواقع ‏حركته الخطرة جدا على مصير البشرية !.‏تمام ان من اخطر المهلكات الانسانية هو ان يلتفت الانسان عن ذكر عدوه في كل ‏لحظة ، او ان ينسى الانسان وجود عدوه في هذه الحياة !.‏في العادة فان رجال الدين يؤكدون على ضرورة ذكر الله سبحانه دائما وخطورة ان ‏ينسى الانسان ذكر ربه ولو للحظة ، وهذا صحيح تماما ، ولكنهم ومع الاسف ‏لايذكرون المعادلة كاملة في الشأن الديني او هم المتدينون يذكرون وجها واحدا ‏من العملة الدينية وينسون الوجه الاخر المتمم للعملية ، ونعم من الخطر جدا ان ‏يلتفت الانسان عن ذكر ربه او ينسى ذكر الوجود الالهي المقدس ولو للحظة واحدة ‏في حياته ، ولكن وبنفس المنزلة من الخطرية يكون نسيان الانسان لذكر وجود عدوه ‏او الالتفات وعدم الفطنة والانتباه لهذا الوجود الشيطاني الابليسي ايضا ، فان خطر ‏نسيان الله سبحانه للانسان هو وبنفس خطرية منزلة نسيان الانسان لعدوه الشيطاني ‏والمسألة فيها جدلية قائمة !.‏اذكر الله سبحانه كي تراقبه عن كثب بما يريد منك ان تعمله في هذه الحياة ، واذكر ‏ابليس في كل لحظة كي لاتدع نافذة مفتوحة في وجودك الانساني ليدخل منها ابليس ‏خلسة والى بيت الله القلبي ليعيث به فسادا وانت غافل عنه ؟.‏ان الغفلة هنا عن مكامن الشر الابليسية هي كالغفلة هناك عن اوامر الله سبحانه ‏العظيمة ، كما ان عدم الانتباه الى الله سبحانه هو وبنفس المشكلة الطريق الى دخول ‏ابليس على الخط ليستغل عدم ذكر الله كسبيل لدخول الشيطان الى النفس الانسانية ‏‏!؟.‏يقال ان من مكامن الضعف البشري الطبيعية انه انسان ، وقد سمي انسان لنسيانه ‏الكثير لاعداءه واحباءه مما يسبب له المشاكل الكثيرة والمتكررة ؟.‏ويقال ان ابليس الناري انتهج سياسة التحرك بالظلام لادراكه ان من مواصفات ‏الانسان الطبيعية السلبية انه ينسى كثيرا ، وقد نسى ادم من قبل عدوه لبرهة فكانت ‏الكارثة ، فهو لذاك ابليس شديد الحرص على عدم الظهور المتكرر في حياة ‏الانسان الفكرية والشعورية ، وهذه كآلية لينسى الانسان عدوه ابليس ولسيتغل فيما ‏بعد هذه الذاكرة الضعيفة ليوقع الانسان في مخططاته الشريرة ؟.‏الخلاصة : تذكر ايها الانسان دائما وفي كل حركة في حياتك المعاشة ان هناك ‏وجهتان لعملك هذا وجهة الاهية لاينبغي مطلقا ان تنساها ووجهة شيطانية ابليسية ‏من الخطر ان تغفل عنها !.‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية‏-9

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))‏ عاشرا : في المحور الاخير الذي احببنا ان نتعرض له لمقولة :(( انا خير منه ...)) ‏هو محور (( التقرير والحكم )) حيث تتميز هذه الصيغة من صيغ الكلام العربي بانها ‏صيغة حكمية قطعية ، بخلاف صيغ اخرى تسمى تساءلية معرفية او استنكارية ‏كالتي دائما تحدث عندما يدور حوار بين متحاورين او اكثر، او صيغ امرية ربما ‏
ترتقي لتكون بصيغة اخبار في الظاهر وامر في الجوهر .... وهكذا اختار ابليس ‏للتعبير عن رؤيته وفكره ومعتقده في مسألة (( اسجدوا .. والانسان )) بان تكون ‏صيغة (( انا خير منه ..)) تعبير صادق عن ما يدور داخل المخيلة الابليسية تجاه هذا ‏المخلوق الجديد المسمى ادم من جهة ، واتجاه الامر الالهي القاضي بالسجود لهذا ‏المخلوق الجديد ب(( اسجدوا )) ، وهنا من حقنا ان نتساءل حول : ماهية الانجاذبية ‏الفكرية والعقدية والجوهرية التي سحبت ابليس نحوها ليختار من بين الصيغ ‏التعبيرية المتعددة صيغة واحدة فقط الا وهي الصيغة القطعية في :(( انا خير منه ‏خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.‏لماذا او ماهي الدوافع والمبررات التي دفعت ابليس للايمان المطلق بانه خير من ‏المخلوق الاخر المسمى ادم ، لذالك هو اختار من بين الصيغ المتعددة للتعبير الخلقي ‏صيغة القطع والحكم الغير قابل للنقض او المراجعة فيما بعد ؟.‏ان هذه الصيغة تطلعنا على كارثة ايمانية كان يؤمن بها هذا المخلوق المعقد من كل ‏اعماقه في رؤية الخير واين هو موجود بالفعل لذا جاءت تعابيره جازمة وحازمة ‏وغير قابلة لاي معرفة مضافة لهذه الحقيقة التي تقول :(( انا خير منه ..)) ومن هنا ‏جاء الحكم الالهي مرادفا وبلا فاصلة زمنية على الاطلاق لتقول :(( قال فاهبط منها ‏فمايكون لك أن تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين )) !.‏نعم بغض النظر عن ايمان ابليس بأن النار اكثر خيرية من الطين ، وبغض النظر عن ‏الانا الانانية والانا الفردية ، وبغض النظر عن القدح بالمعرفة الالهية والعدالة ‏والحكمة الربانية في هذا الحكم الابليسي ، وبغض النظر عن جهل هذا المخلوق ‏المركب بان الخيرية ليست ولايمكن ان تكون في جوهر الاشياء وانما في ‏وظائفها........ ، بغض النظر عن ذالك كله ماهي الدوافع الحقيقية والمبررات ‏الواقعية التي دفعت ابليس لاختيار صيغة القطع والحكم المطلقة في مسألة : (( انا ‏خير منه ...)) التي كانت هي السبب الظاهري لطرد ولعن ونفي هذا المخلوق المعقد ‏ابليس الناري وهو يعلن عقيدته الخفية هذه ؟.‏من الذي درّس وعلّم ابليس الفلسفة الخيرية هنا ليدرك موازين الخير من الشر في ‏الاشياء العالمية بصورة مختلفة حتى عن الله سبحانه وتقدس كماله ؟.‏ولماذا اعتقد هذا المخلوق انه الاخير في هذا الوجود ؟.‏وهل كانت هناك مناسبة مقارنة اصلا بينه وبين غيره ليذكر وبصورة قطعية انه هو ‏الاخير من باقي الموجودات تماما ؟.‏من اين فهم ابليس ان أمر السجود والتحية الالهية لادم الانساني تعني بالضرورة انها ‏خير مطلق ، لذالك سارع ابليس لمعارضة الامر الالهي بانه هو خير من ادم وانه ‏لاينبغي له ان يسجد لادم الطيني ؟.‏وما هي الاشارة التي التقطها ابليس من امر السجود ليفهم بعد ذالك ان هذا السجود ‏يعني خيرية وكرامة وتفضيل لهذا المخلوق الجديد ؟.‏وهل عندما قضت الحكمة والعدالة الالهية بالسجود وتحية ادم الانساني هذا ، هي ‏كانت تعلن من جانب اخر ان جميع الخيرية ستنحصر بهذا المخلوق المسجود له ، ‏ولذالك فهم ابليس هذه اللعبة فسارع الى الاعتراض باعتباره هو خير من ادم ؟.‏أم ان امر السجود هناك لم يكن ليشير من قريب او بعيد الى اي تفضيل وخيرية ‏وكرامة تذكر ، وانما الموضوعة فقط تنحصر في عملية تحية واستقبال لمخلوق جديد ‏يريد ان يشارك الموجودات الاخرى في عملية الايجاد لذا تطلب الترحيب والتحية بهذا ‏المخلوق فحسب من خلال :(( فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين / ‏قرءان كريم )) ؟. هذا !.‏اذن اذا كانت مسألة السجود لادم عليه السلام لاتعني مطلقا اي تفاضل او خيرية او ‏كرامة جوهرية على باقي المخلوقات كما يعتقده الفقير الى عفو ربه كاتب هذه ‏السطور فمن اين فهم ابليس الملعون عملية السجود على اساس انها خيرية ‏وتفضيل فسارع الى الاعتراض على الخلقة الانسانية وانها لاتستحق الاحترام ‏والتحية وهذا الاستقبال الملفت للنظر ؟.‏هل كان ابليس حتى في هذه النقطة واهم فكريا الا وهي نقطة (( انا خير منه ...)) ‏الخيرية ، وما اعتقاده بان عملية السجود تكريم مميز وخير كامل لادم ، ..... حتى ‏هذه النقطة هي لم يكن لها اي اصل واقعي يذكر ؟!.‏اذن اذا كانت هذه النقطة نقطة واهمة ولم تكن تشير عملية السجود اساسا الى اي ‏مقارنة بين الخيرية وغير الخيرية ، فمن اين جاءت فكرة : ان السجود يجب ان يكون ‏للاكثر خيرية من المخلوقات الالهية لهذا المخلوق الغريب المسمى ابليس ؟.‏انه حقا مخلوق غريب ومعقد وله مقاييسه الشخصية والذاتية والمستقلة تماما عن ‏اي واقعية لاهوتية خلقية ، شأنه في ذالك شأن اي كافر بالله سبحانه عندما يؤسس ‏لمنظومته الفكرية الطاغوتية حسب اهواءه ومصالحه الشخصية فحسب ، وبعيدا عن ‏اي ميزان فكري او منطقي او شرعي اخلاقي الاهي هنا ايضا ، فيرى الخير والفضل ‏والكرامة من جانبه الشخصي هو، وليس من جوانب الخيرية والافضلية والاكرمية ‏الواقعية الالهية المقدسة التي تصيغ المفاهيم بحسب المصاديق الواقعية لهذه المفاهيم ‏الراقية !.‏القرءان الكريم يحدثنا عن ثلة من الكافرين التي تستقل برايها وتبني مقرراتها ‏الفكرية لتصنع فيما بعد منظومة متكاملة من الموازين العقلية ونظمها الاخلاقية التي ‏ترى كل شيئ من خلال منظارها الشخصي والنفعي والمصلحي فحسب ، لتكون فيما ‏بعد مفاهيم : الخيرية والفضل والكرامة ..... وباقي المصطلحات القيمية الاجتماعية ‏مختلفة تماما عن ماهو موجود عند غيرها من النظم الفكرية الاجتماعية الاخرى ، ‏فمثلا عندما يرى رأسمالي متعفن ان كل الخيرية والكرامة والفضل هي كامنة في ‏ضخامة الرصيد المالي لهذا الانسان او ذاك من عوالم الراسمال المجرم ، فهنا نحن ‏امام طبقة اخترعت لنفسها منظومة قيمية نفعية وشخصية لم ينزل بها الله من ‏سلطان ، ترى ان الخيرية في القوة والكرامة في الاقتصاد والافضلية في الرصيد ‏وضخامته ، نوقن عندئذ ان هناك نمطية اخلاقية خلقت من رحم المصالح الاقتصادية ‏هي التي تضع المنظومة القيمية والسياسية والاجتماعية لهذا الاجتماع الانساني ‏لنرى اخيرا مقاييس اخلاقية ورؤى فكرية وتوجهات روحية غريبة وعجيبة هنا ، ‏يفهمها جيدا ذاك او هذا من الرأسماليين النفعيين ولكن بلغتهم ومنظومتهم القيمية ‏المخترعة وليس حسب مايقتضيه المنطق الاخلاقي العام او المنظومة القيمية الفكرية ‏السليمة هنا !.‏يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم حكاية عن قيم الانحراف ومنظومة العفن ‏الانساني :(( وقال الّذين كفروا للذين ءامنوا لوكان خيرا ماسبقونا اليه ../ الاحقاف/ ‏‏11))‏اي بمعنى : ان مفهوم الخيرية التي يفهمه هؤلاء الكافرون هو مختلف تماما عن ‏مفهوم الخيرية عند باقي المؤمنين ، فالخيرية المشار لها على لسان الكافرين ، وهذه ‏ال (( لو كان خيرا ..)) يشرح لنا الكيفية التي تنظر من خلالها هذه المجموعة من ‏البشرية الى الخير ومكامنه ، كما ان هذه ال ((لو )) تقودنا الى العقلية التي ترى ‏الخير منحصرا في ذات الشخصية النفعية والانتهازية ، فلو كان بمعنى على ‏فرض ان يكون ما عند المؤمنين خيرا ، فلو كان كذالك وكان فعلا هو خير لما سبقونا ‏اليه باعتبار ان منظومتنا الاخلاقية هي الوحيدة التي تفهم الخير من الشر ، وعليه لو ‏كان خيرا لرأيناه بوضوح وقبل اي انسان اخر ولسبقنا اليه بانفسنا ولكننا نرى شرا ‏بدلا من الخير هذا ؟!.‏هل ترى الكيفية التي من خلالها يبني الكافرون نظمهم الفكرية والاخلاقية والقيمية ؟.‏ان هناك توجه نفسي وفكري ورؤية للحياة مستقلة عن ما انزله الله من رؤية لنفس ‏هذه الحياة هي التي تبني هذه المنظومة التي ترى المفاهيم الانسانية بصورة مختلفة ‏لنصل الى مفاهيم الخير والكرامة والتفضيل والحسن والقبح .....الخ ، وهي ينظر ‏اليها من زوايا مختلفة تماما ، زوايا اهل الايمان التي ترى الخير وباقي المفاهيم من ‏خلال النافذة الالهية ، وزوايا اهل الكفر والمادية وهي ترى الخير والفضيلة وباقي ‏المفاهيم من زاوية اخرى مناقضة للاولى وكل له رؤيته المختلفة للخير وطرقه ‏ومكامنه وواقعيته :(( وقال الذين كفروا للذين امنوا لوكان خيرا ماسبقونا اليه /))‏هكذا وبهذه الصورة رأى ابليس الخيرية في قوله :(( انا خير منه خلقتني من نار ‏وخلقته من طين )) هو لم يفهم الخيرية من خلال تدريس الاهي ، ولم يأخذ مفاهيم ‏ومصطلحات الاخلاق الجماعية من وحي منزل او من عقل رشيد ، وانما تميز برؤيته ‏الشخصية الخاصة المستولى عليها من قبل حب المنفعة والانا والشخصية ، ليرى ‏الخير من زاوية نارية فحسب ولاخيرية لباقي العناصر الاخرى ، وهذا مادفعه للحكم ‏‏:ب (( انا خير منه )) باعتبار ان : لوكان الطين خيرا ؟. لكان اول من ادركه وسبق ‏في فهمه هو ابليس نفسه او لكانت خلقة ابليس طينية ولم تكن نارية باعتبار الخيرية ‏لابليس فحسب ، ولكن وبما ان الخير لايفهمه الا ابليس فقد حكم بان النار اكثر ‏خيرية من الطين ؟.‏انها زاوية قيمية فكرية ينظر من خلالها ابليس الناري ، زاوية تقيم الاشياء العالمية ‏ليس على اساس قيمتها الواقعية الخارجية ،..... لا وانما من خلال انعكاسها على ‏مصالح الذات القيمية الاخرى !.‏بمعنى : ان للذات الاجرامية المنحرفة وبعد ان بنت منظومتها الاخلاقية والقيمية ‏الخاصة بها والقريبة لمصالحها الشخصية ، زاوية خاصة للتقييم تعطي لكل شيئ ‏قيمته المفترضة ، فالصدق والكذب وكذا الخير والشر وكذا .... باقي المفاهيم ‏الاخلاقية والخلقية ايضا ، كل هذه قيمتها ليس في كونها الواقعي بل قيمتها التي ‏ينبغي ان تكون في منافعها التي تنعكس من خلال استخدامها الوظيفي هنا ، فالصدق ‏يكون خيرا عندما يكون نافعا ومفيدا وكذا الكذب ، اما ان كان مفهوم الصدق مضرا ‏والكذب مفيدا للذات الشخصية فعندئذ يكون الكذب جميلا وجمالا وذكاءا وخيرا ‏وحكمة وسياسة عالية ، بعكس الصدق الذي اصبح مضرا وشريرا ليفقد قيمته ‏الواقعية ليصبح قبيحا ولاخيرا ولا صدقا بالاساس باعتبار انه مصطلح اصبح عاجزا ‏عن جلب المنفعة الذاتية والشخصية هنا ؟.‏نعم اصبحت النار اكثر خيرية عند ابليس باعتبارها الاقرب الى شخصية ومصالح ‏ومنافع ابليس الناري هذا ، ولم تكن كذالك باعتبار ان واقعيتها النارية هي خيرة ‏بالخصوص ، واذا فرض ان ابليس خلق من طين لكان نفس المقياس النفعي قد ذهب ‏اليه ابليس ليرى الخير في الطينية وليس في النارية !.‏وعليه تكون قيمة الشيئ مهتزة عندما تنقلب رؤية المخلوق هذا او ذاك من ميزان ‏العدالة الالهية الى ميزان المصالح والمنافع الشخصية ، ليس لان المسألة ان الشيئ ‏نفسه لايحمل اي قيمة حقيقية فحسب ، ولكن لان المعيار القيمي لهذا المخلوق او ذاك ‏سيصبح مختلا لالهؤلاء ولا لهؤلاء ليخرق فيما بعد القانون العام وتكون الكارثة ‏بانهيار قواعد الكون الثابتة !؟.‏‏(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) !.‏ان هذه الخيرية الابليسية خيرية لارصيد لها في الحقيقة انها خيرية مزيفة كالعملة ‏المزيفة التي تشبه كثيرا الورقة النقدية التي تغش غير صاحب الاختصاص ليعتقد انها ‏ورقة نقدية رسمية ، وليتعامل بها فيما بعد وليقبل شكلها ويبيع من خلالها بضاعته ‏الثمينة ، ولكنه عندما يذهب للمصارف النقدية ليضعها في رصيده المالي سيصدم ‏عندما يقال له انك خدعت ، وغششت من حيث لاتشعر ، وانك فقدت بضاعتك ‏واستبدلتها بورقة مزيفة لاتستحق قيمة الحبر الذي كتبت به !؟.‏هكذا هي الخيرية الابليسية النفعية لاتحمل رصيدا حقيقيا يهبها القيمة المحترمة التي ‏تستحق ان يتداول بها تجار القيم الاخلاقية !؟.‏ان تزوير القيم كتزوير الحقائق وتزوير العملة النقدية سواء ، ومفاهيم كالخير ‏والفضيلة والكرامة .... بحاجة الى رصيد يقوّم من وجودها الواقعي ، فاما وحي الهي ‏يقوم بهذه المهمة واما عقل انساني مرفود من واقع الهي يضخ لهذه المفاهيم الدماء ‏في شرايين هذه القيم النبيلة اما غير ذالك فبدعة !.‏يتبقى بعد ان وصلنا الى فحوى الحكم الصادر من ابليس في (( انا خير منه ..)) وانه ‏حكم صيغ بشكل انفعالي نفعي وطاغوتي متخلف ، ان ندرك زاوية اخرى من زوايا ‏شخصية هذا المخلوق المعقد الا وهي زاوية (( نقص الشخصية )) الابليسية امام ‏الوجود الانساني !.‏نعم : اذا كان ابليس لم يفهم ان السجود لادم هو حصر للخيرية من قبل الله سبحانه ‏وتعالى لادم فمن اين فهم ابليس هذه الصورة ؟.‏لماذا ادخل ابليس نفسه وحسب النص القرءاني بمقارنة فجائية بينه وبين ادم ‏الانساني عندما سمع الامر الرباني :(( اسجدوا لادم ..)) ؟.‏ان النص الالهي القرءاني لم يشر من بعيد او قريب الى ان هناك خيرية في هذا ‏السجود المطلوب من قبل الخلق لادم البشري ، فمن اين وكيف ولماذا ادخل وعلى ‏الفور ابليس نفسه في مقارنة مع ادم ليثبت لله انه هو الاخير والاحق بالسجود هذا ، ‏او على الاقل ليثبت لله سبحانه انه ارقى خلقا من ادم وانه لاينبغي للارقى ان يسجد ‏لماهو دونه ؟.‏ان القرءان يحدثنا عن ادم هذا عليه السلام بانه خلق ليكون خليفة في الارض :(( ‏اني جاعل في الارض خليفة ..)) فهل كانت عين ابليس على هذه الخلافة مثلا فلذالك ‏رأى ان الطريق للسلطان على الارض يبدأ من السجود ، ولهذا رفض الخضوع ‏والسجود لادم كي يضمن منصب الخلافة فيما بعد لرؤيته ان الخلافة تبدأ من مبدأ ‏الخيرية هنا لذا قال :(( انا خير منه ..)) باعتبار ان الخير في السلطان حسب رؤية ‏ابليس ؟.‏وكذا هذا المخلوق المعقد ابليس عندما رأى ان السجود لادم هو تكريم عالي القيمة ‏في قوله سبحانه :(( قال أرءيتك هذا الذي كرمت عليّ لئن أخرتن الى يوم القيمة ‏لأحتنكن ذريته الا قليلا / الاسراء / 62 )) فمن اين فهم ان السجود لادم هو تكريم ‏على باقي الخلق ؟. ‏فهل فهم التكريم ابليس من نفس الدائرة التي تبدأ بالسجود لادم لتنتهي عند استلام ‏الانسان لخلافة الارض ، فلذالك رأى ابليس ان هذا السجود ماهو الا تكريم لادم على ‏باقي الخلق لذالك رفض السجود على امل الوصول هو الى خلافة الارض بدلا عن ‏الانسان ؟.‏ام ان ابليس وكعادته يرى التكريم والخيرية بشكل طاغوتي مختلف ، والحقيقة انه ‏ليس هناك في طلب السجود لادم الانساني لاتكريما ولاخيرية ابدا ، وانما هناك ومن ‏وجهة النظر الالهية المقدسة (( امانة )) ومسؤولية ستلقى على كاهل الانسان ليصبح ‏ظلوما جهولا ؟!.‏سوف نترك الاجابة ليفكر بها القارئ الكريم ، وليشاركنا حركة البحث للتعرف على ‏عوالم الخلقة الاولى التي اسست لعالمنا المعاش اليوم !؟.‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية ‏-8

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ‏ ثامنا : في هذه النقطة نريد ان نتماهى تماما مع الفكرة القائلة (( النار خير من الطين ‏‏)) كما يعتقده هذا المخلوق المعقد والمعتوه فكريا ، ولنقول - (( لئلا يكون للناس ‏على الله حجة بعد الرسل )) - : نعم النار اكثر خيرية وشرفا من الطين الانساني - ‏جدلا - ، ولكن هل هذه الخيرية النارية تسمح لابليس الشيطاني هذا ان لايطيع الامر ‏
الالهي المقدس ، وان يتمرد بكل غرور وانانية ليلغي وجود مخلوق اخر خلقه الله ‏سبحانه في هذا العالم ؟.‏الحقيقة ان عقدة التكبر مختلفة عن عقدة جواهر الاشياء العالمية هنا ، فعقدة التكبر ‏والغرور وعبادة الانا ....... الخ ، كل هذه الامراض الفكرية والنفسية هي السبب ‏المباشر لرؤية الاشياء العالمية الاخرى على اساس انها وجودات من الخطأ وجودها ‏في هذا الكون الذي كان ينبغي ان يحتضن الاقوياء والنبلاء ومميزي الخلقة فحسب ، ‏لذا انعكست هذه الامراض بشكل سيئ تماما على الاذواق والموازين والمعارف العالية ‏لتصبغها بصبغة قاتمة ومتعفنة الرائحة وغير جديرة بالاحترام هذا !.‏تمام : من قال ان امتحان الله سبحانه واختباراته الراقية تحتم دائما ان يكون ‏الخضوع من الادنى منزلة الى الاعلى شرفا وخيرية هنا ؟.‏ومن قال ان التواضع فرض على الجهلاء للعلماء ولم يفرض على العلماء للجهلاء ‏كعكس صحيح ؟.‏وحتى ان قلنا ان الفكرة الابليسية صائبة في اقيستها هذه ، وان الجوهر الناري فعلا ‏هو اكثر خيرية من الجوهر الانساني الطيني ، فما المانع عندئذ ان يطلب من الخيّر ‏ان يتواضع ويطيع ويحيي غير الخير ؟.‏وهل الامتحان والابتلاء سمي امتحانا بسبب صعوبته ام بسبب سهولة النجاح ‏والافلات من الم الخضوع له ؟.‏نعم ان الله بحكمته وعلمه وعدله اراد من الشريف ان يتواضع للضعيف ليشعر ‏الشريف بانكسار التفوق الشرفي امام الضعف الطبيعي ، وليشعر بعد ذالك ان ‏الضعيف شريفا وان لم يكن ليملك مايجعله شريفا ...وهكذا!.‏وفعلا سمي الامتحان والبلاء امتحانا وبلاء لما يختزله بداخله من مشقة ، لذا ارتأت ‏الحكمة والعدالة والرأفة والرحمة .... الالهية ان يكون التواضع والخضوع مطلوبا ‏ومنطلقا من الاعلى الى الادنى ، ليطلب من الغني ان يتواضع للفقير باعتبار ان الفقير ‏فرض عليه فقره التواضع طبيعيا فلا حاجة تذكر لطلب التواضع منه الا نادرا مع ‏وجود فقير متكبر ، وكذا صاحب العلم عندما يطلب منه عدم التجبر واظهار الخضوع ‏والتواضع للجاهل ، هذا باعتبار ان الجاهل يفرض عليه جهله حالة الانكسار امام ‏هيبة العلم ، واما العلماء فتدفعهم نشوة العلم الى التكبر والنظر للجهلاء بعين الضعف ‏والدونية لذا يطلب من العلماء التواضع والخضوع للجهلاء كي تتوازن المعضلة بين ‏جاهل لايذله جهله وبين عالم لايطغيه علمه ؟.‏وبهذه الصورة يكون النجاح والفشل في الامتحان والبلاء ، وليس العكس صحيحا ‏مطلقا عندما نقول : انه يجب على الجاهل او الفقير او المنكسر الشخصية ان يبتلى ‏بامتحان الخضوع والطاعة للغني وللعالم وللحاكم ، بسبب ان الامر الطبيعي ان يكون ‏هذا ، فالفقير اسير فقره ومطيع رغيفه ، والجاهل عبد جهله ومحكوم ضعفه ، وكذا ‏صاحب السلطان تابع امر سيده ومبتلى بالخضوع له !.‏صحيح ان العدل الالهي يقلب المعادلة ليكون الامتحان اكثر حيوية ، ومن ثم ليأمر ‏القوي بأن يخضع للضعيف ، ويأمر العالم بأن يكون اكثر تواضعا من الجاهل نفسه ، ‏ويأمر الغني بأن يكون صاحب نفس فقيرة وروح رؤوفة رحيمة .... فالله رب ‏العالمين جميعا وهو صاحب الفضل والفضيلة الكاملة ، وهو سبحانه الحاكم بين عياله ‏من الخلق بالسوية ، ولا فضل ولاتفاضل بينهم الا بالتقوى والقرب من تعاليمه ‏السامية !.‏وعليه هل من الممكن بعد هذا ان نقول : نعم ينبغي للجوهر الناري الخيّر والشريف ‏ان يأمر بالسجود والتواضع للطيني والبسيط ؟.‏هل من العدالة من الجانب الاخر ان نقول : انه يجب ان يؤمر ابليس الناري بالسجود ‏‏ للانسان الطيني حتى وان كانت النار اكثر خيرية من الطين بجوهريته ؟.‏يبدو ان المعادلة بهذه الصيغة اقفلت الابواب تماما على الاقيسة والحجج الابليسية ‏الهزيلة ، وحتى ان كانت النار خيّرة والطين دون ذالك فمن عدالة السماء لتتوازن ‏الخلقة ان تطلب الحكمة الالهية السجود والطاعة من الخيّر الى مادون الخيرية هذه ، ‏كما طلبت من الغني ان يتواضع للفقير تماما وكما طالبت العالم ان لايتجبر بعلمه على ‏الجاهل !.‏نعم : انه امتحان امتحن الله به سبحانه وتعالى خلقه بخلقه ، ليرى من يتبع الهدى ‏ممن ينقلب على عقبيه وكان ابليس الشيطاني اول ضحايا التكبر والعنجهية والجهل ، ‏عندما لم يدرك قانون التوازن الالهي في طلب الخضوع من الاعلى الى الادنى وليس ‏العكس في عالم الخلقة بان يفضل بعض خلقه على بعض بلا مبرر ؟.‏وتمام انها لرؤية طاغوتية تلك التي ترى وجوب خضوع الفقير للغني والجاهل للعالم ‏والمحكوم للحاكم ...، ليس لانها لاتمثل شيئا سوى الوضع القائم فحسب ، ولكن لان ‏هذه النظرة هي تكريس ظلم على ظلم ، فمضافا ظلم الفقر والجهل والمحكومية ، يأتي ‏من يزيد عليك ظلما اخر بالخضوع الابدي لهذه المعادلة ليطلب منك خضوع وتواضع ‏اخر اسمه وجوب التواضع لهذه الظلمات المتعددة ايضا ، وليبقى السيد الغني والعالم ‏والحاكم هو المطاع والمحترم والغير مطالب باي شيئ يذكر سوى ممارسة سيادته ‏وطاغوتيته وتفوقه وعقده الناتجة عن هذا التفوق الى الابد وهذا ماكان يريده ابليس ‏الطاغوتي من معادلة :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) يريد التفوق ‏الازلي بلا عدالة تطالبه على الاقل احترام من هو الادون جوهرية !.‏تاسعا : بعدما فهمنا كون الخيرية في شيئ اخر ليس هو جوهرية الاشياء الخلقية كما ‏كان يعتقد ابليس الناري هذا ، وبعدما ادركنا ان الطلب بالسجود في بعض احيانه ‏يكون من الاعلى للادنى ، فهل نفهم من جملة الادانه الابليسية تلك :(( انا خير منه ‏‏...)) باعتبارها تكبرا واستعلاء على المخلوق الطيني فحسب ، أم انها ارتقت لتكون ‏تكبرا على الخالق والمخلوق بنفس الارتدادة ؟.‏ماهو هذا التكبر الذي اخرج ابليس من جنة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيئ اولا ‏؟.‏يقول سبحانه عن ابليس :(( واذ قلنا للملئكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس أبى ‏واستكبر وكان من الكافرين / 34/ البقرة ))‏وقال عز وجل :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت ‏فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس أستكبر ‏وكان من الكافرين ، قال يابليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ام كنت ‏من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها ‏فاءنك رجيم / 7078/ ص ))‏ان الاستكبار وكما يذكره صاحب (( المفردات )) على وجهين : ايجابي وسلبي ، واما ‏السلبي فعبارة عن : ان يتشبع المخلوق فيظهر من نفسه ماليس له . ‏وقال : وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والأذعان له بالعبادة . ‏انتهى ‏ويبدو ان ابليس الشيطاني هنا حاز المنزلتين منزلة الاستكبار على الانسان الطيني ‏والنظر اليه بدونية مضافا اليها التكبر على الامر الالهي المقدس بالامتناع من قبول ‏الحق والاذعان لهذا الحق بالعبادة ، ولكن بجانب هاتين المنزلتين يضاف لهما بعد ‏ثالث تميز بها هذا المخلوق المعقد الا وهي ميزة : ان يرى لنفسه ماليس لها ، وهذه ‏هي الكارثة !.‏يرى ابليس ان له خيرية على الانسان مع ان هذه الخيرية المزعومة ليس موجودة ‏اصلا ، لا له ولا لغيره باعتبارها وهم محض ولا اعتبارية واقعية لخيرية العناصر ‏بعضها على البعض الاخر ، فليس هناك خيرية لاللطينية ولا للنارية ولا لجميع ‏عناصر الخلقة الالهية ، بسبب ان كل هذه العناصر هي خيّرة بالاساس وجميلة ‏بالخلقة ، وانما التفاضل شيئ كسبي يضيفه المخلوق وحسب طاقته لذاته الجوهرية ، ‏فاما ان يكون مطيعا فيكسب صفة الايمان والرحمة واما يكون متمردا كافرا فيستحق ‏ميزة الطرد واللعن والغضب الالهي وهذه هي القصة بالتمام ، ولكن ابليس اعتقد ‏بوهم الخيرية مع ذالك وامن به لذا انعكس على فكره وروحه ونفسه وعبادته فكان ‏من الغاوين !.‏ان الله سبحانه وتعالى يوضح لنا من خلال تعاليمه اللاهوتية المقدسة ان عدم اطاعة ‏اوامره والتمرد على حيثياتها مضافا الى عدم الايمان بها ، كل هذه نتائج طبيعية ‏لروح الاستكبار البغيضة التي تتولد داخل المخلوق لسبب ما ، فعدم القناعة بالامر ‏الالهي ليس بالضرورة ان يكون ناتجا من رؤية الالحاد المطلقة التي تؤمن بعدم ‏وجود خالق لهذا الكون سبحانه وتعالى ، ولكن يكفي ان يؤمن المخلوق بوجود الاه ، ‏ولكنه لايعرف من صفات هذا الاله اي شيئ ، ولايدرك وجوب طاعة الامر الالهي ‏الذي يعتبر من صلب العبادة الخالصة ، عندئذ يستحق المخلوق صفة المسكتبر ‏والرافض للامر الالهي المقدس !.‏وهكذا المخلوق المعقد ابليس ، ومع انه امام الله سبحانه وتعالى خالق الكون وخالقه ‏، ومع انه غير منكر لوجود الخالق سبحانه ، ومع انه يؤمن بصفة العزة لهذا الاله ‏العظيم :(( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، الا عبادك منهم المخلصين )) استكبر او ‏ان وجوده الجوهري لم يقبل الامر الالهي ، ورد بجريمة (( انا خير منه ..)) قبالة (( ‏اسجدوا )) الامرية الالهية هذه !.‏نعم غباء وكارثية هي عندما يلتفت الفكر لاي مخلوق كان من جوهر الامر الالهي ‏بصياغته ومقاصده ، الى شيئ بعيد جدا عن هذا الامر المقدس لنلتفت الى موضوع ‏بعيد جدا عن هذا الامر لنرى (( هل النار اكثر خيرية من الطين ام العكس صحيح ‏؟.)) .‏اليست مشكلة ان تكون اذهاننا مشغولة بشيئ بعيد جدا عن ما يطلب منا من قبل ‏الامر الالهي ؟.‏وماذا يعني : ان يامرنا الله بامر السجود هذا ، ثم نحن وبعد ذالك ليس فحسب لانلتفت ‏لماهية هذا الامر بل الاكثر من ذالك نطرح موضوعا اخر بعيدا تماما عن اطاعة ‏الامر او كيفية هذه الاطاعة او ماهي الصيغة الصحيحة لتناول هذا الامر ....الخ ، لا ‏بل نطرح جدلية على الامر الالهي نفسه لنرى هل ان صاحب الامر منتبه لحيثيات ‏امره هذا ام انه ملتفت الى هذه الحيثية من الامر ؟.‏عجيب غريب هذا الابليس الناري هل كان يستهزء بكل الامر الالهي ام ان تركبته ‏الفكرية هي بهذه الصيغة الحمقاء التي لاتدري ولاتدري انها لاتدري ؟.‏هل كان ملتفتا مركزا محترما ابليس للامر الالهي بكل كيانه بحيث عندما صدر له امر ‏السجود لادم امتثل بكل تلقائية او تساءل بكل عفوية أم انه كان غارقا في التفكير ‏بشيئ اخر تماما غير الامر الالهي المقدس ليطرح صيغته الشخصية الفكرية ب (( انا ‏خير منه )) ؟.‏هل عدم الالتفات بكل جدية للامر الالهي المقدس او الالتفات الى غيره من الاوامر ‏يعتبر تكبرا واستكبارا على هذا الامر ؟.‏عادة وفي حياتنا الاجتماعية الانسانية اذا كان احد اصدقائنا يتكلم بموضوع ما ثم ‏لاتعيره الانتباه اللازم او انك تقاطعه بصورة فجائية لتنتقل الى موضوع اخر ، او ان ‏تلتفت الى جانب اخر من جوانب المكان من غير ان تنتبه لكلام هذا الصديق حتى ‏بتوجهك الجسماني ، تكون او تعتبر هذه السلوكيات من اساءة الادب مع الاخر او ‏على الاقل تقليل من احترام المقابل !.‏فهل تطبق نفس هذه المعايير الاجتماعية على ما سلكه ابليس المعقد مع الامر الالهي ‏بحيث انه ليس فقط اساء الادب في الحضرة الامرية الالهية ، بل وتجرأ والتفت الى ‏موضوع اخر تماما عن ما كان يأمر به الله سبحانه وتعالى من السجود لادم ليطرح ‏‏(( انا خير منه ..)) كموضوع اخر يلغي الامر الالهي بالسجود ذاك ليفتح نافذة حوار ‏جديدة مختلفة تماما ؟.‏الاكثر مأساة لهذا المخلوق الغريب انه عندما اساء الادب بعدم التفاته للامر الالهي ، ‏وبغض النظر عن استكباره القبيح على الامر الالهي ، وبعيدا عن التركيبة الفكرية ‏القياسية الاثمة لهذا المخلوق ...، مع كل هذه الجرأة والحماقة ، فعندما يسأل من ‏الخبير العليم الله سبحانه وتعالى حول : ما منعك ان تسجد ؟. يجيب وبكل برود ‏وغيبوبة بجواب هو اكثر تكبرا من عصيان الامر الالهي الا وهو اتهام الخالق سبحانه ‏بعدم معرفة الخير من الشر ليقرر:(( انا خير منه ..))‏نذكر جميعا ان هناك كان سؤالا معرفيا للملائكة حول الانسان الطيني يقول (( اتجعل ‏فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )) ونذكر جميعا عندما ((عصى ادم ربه فغوى )) ‏ولكننا نذكر جميعا ايضا عندما تساءل الرحمن الرحيم الله الكريم عن سبب عصيان ‏ادم الطيني الانساني ب (( ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما ‏عدو مبين )) كان جواب الانسان رحمانيا استعطافيا اعترافيا بجريمة الذنب وخطيئة ‏التقدير هنا فقالا :(( ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ‏‏/ قرءان كريم )) وكذا عندما تبين للملائكة مغزى الامر السجودي لادم الطيني ‏الانساني قالوا :(( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )) انه الجواب ‏الذي ينم عن معرفة بقدر الخالق سبحانه وتعالى انه هو سبحانه العفو عن الذي ‏يسيئ الادب احيانا ، وهو العالم عندما يسأله عباده !.‏أما ابليس فهل تعلم ما كان جوابه بعد العصيان والجريمة ؟.‏صحيح عندما سأل هذا المخلوق الضعيف من الخالق سبحانه ب (( ما منعك ان تسجد ‏‏...)) لم يعترف بخطئه لم يسأل عن الحكمة كآدم الطيني او الخلق الملائكي ، بل زاد ‏الطين بلة وقال متكبرا جاهلا مفتعلا للخيرية مستعليا ...(( انا خير منه ...)) ‏اليس هو مخلوق معقد حقا ؟.‏امامه فرصة طلب العفو والمغفرة كما كانت للانسان فاستثمرها لصالحه وعفي عن ‏حطيئته ، وامامه باب السؤال والعلم ليدرك حكمة الخالق في امر السجود هذا لادم ، ‏ومع ذالك ترك كل عفو ورحمة وعلم سؤال (( مامنعك ان تسجد لما خلقت ..)) وذهب ‏الى غضب وجحيم وانتقام :(( انا خير منه ..)) ليأخذ ما يستحقه من طرد ولعن ‏واخراج من رحمة الله سبحانه والى الابد ‏ان الاستكبار على الله سبحانه يكون برد امره ، اما الاستكبار على ادم والذي اودى ‏بابليس الى الهاوية فكان منشأه الجهل والكره والانانية مجتمعة لهذا المخلوق ‏المسكين !.‏كم هي طاقة الحقد الكامنه في قلب هذا الناري ابليس على ادم ؟.‏وهل من حق ابليس ان يكره ادم بهذه الكمية بعدما كان الانسان سببا في اخراج ‏جوهر ابليس الشيطاني ليطرد من الرحمة بسبب المخلوق المسمى انسانا ؟. ‏من كان سبب بلاء من ابليس ام الانسان ؟.‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية‏ 7

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))‏ ثالثا : بعد ان اشرنا الى نقطتي (( الانا )) الانانية التي كان يتعبد بها ابليس من دون ‏الله سبحانه ، والاخرى (( الانا )) الفردية التي تقوم على فلسفة المنفعة الشخصية ، ‏توجب علينا ان نذكر باقي المحاور - وان كان باختصار غير مخل - التي استوحيناها ‏من جملة الادانه الابليسية التي وضعت اناملنا على كل القرائن والادلة التي تثبت ‏
جريمة هذا المخلوق المعقد ، لنرى من جانب كل مميزات ومواصفات هذه الشخصية ‏الفكرية والنفسية والسلوكية من جهة ، ونصل الى حكمة الحكم القاسي الالهي ‏المقدس الذي ابعد هذا المخلوق ولعنه وطرده من الرحمة الالهية التي وسعت كل ‏شيئ والعياذ بالله سبحانه من جهة اخرى . ‏نعم من اين اتى ابليس بمبدأ الخيرية هذا (( انا خير منه )) الذي جعله ينظر باستعلاء ‏لادم الانسان الطيني ؟.‏يبدو ان الله سبحانه لم يضع مبدأ خيرية النار على الطين ، ولم يكن سبحانه قد شرع ‏مايوحي بان هناك افضلية او تفاضلية خيرية بين عنصري الطين والنار او الانسان ‏وابليس هذا ، اذن : ما الحكاية ؟.‏يروى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه جرت له مناقشة مع النعمان بن ‏ثابت الملقب بابي حنيفة ، وبعد ان رحب به وجرت المناقشة حول كتاب الله وسنة ‏رسوله والاقيسة المضلة قال الصادق ع لابي حنيفة :(( تزعم انك تفتي بكتاب الله ‏ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس ابليس لعنه الله ولم يبن ‏دين الاسلام على القياس ...))‏ان القياس مصطلح كان ولم يزل ينسب الى ابليس الشيطاني ذاك باعتبار انه المشكلة ‏الفكرية والعقدية التي شكلت العقدة الحقيقية لمأساة هذا المخلوق المعقد للقياس ‏مبدأن شرعيان فحسب قياس منصوص العلة وقياس الاولوية اما غير ذاك فمشكلة ‏‏ امام خالقه وباريه سبحانه وتعالى ، لذا كانت الخيرية المزعومة لابليس اللعين ماهي ‏الا اجتهاد اناني فرض على فكر وشخصية ابليس مبدءا شخصيا ونفعيا يرى هذه ‏الخيرية المزعومة قياسيا وبلا دليل واضح او حجة مقنعة او تشريع الهي مقدس !.‏ومن هنا نفهم اول خطوة في اهتزاز الحالة الفكرية لهذا المخلوق عندما شرع لنفسه ‏شرعة لم يأذن بها الله سبحانه ولم يأمر بتأسيسها كقانون خلقي عام وانما (( اجتهد ‏‏)) شخصيا ليرى خيرية النار او الانا على الطين او الاخر باعتباره جنسا اقل تفوقا ‏ووجودا وكفى !.‏صحيح : هل لو كان ابليس خلقا طينيا فهل سيعتقد ان الطين اخير من النار ايضا ؟.‏او هل لوكان ابليس خلقا ادون او اعلى من ذالك فهل سيبقى هو هو وبنفس ال (( انا ‏خير منه ..)) ام ستختلف المسالة ؟.‏يبدو ومن خلال التتبع والملاحظة ان المشكلة ليست لافي النار ولا في الطين بقدر ‏ماهي في العقلية الفكرية والتي وظيفتها القياس والمقارنة والاجتهاد في الرؤية ‏لاشياء العالم الخلقية ، وحتى ان كانت النظرة معكوسة فان المنطق سيبقى هو ‏المنطق والقياس سيبقى هو نفس القياس والضلالة فحسب وهذه هي المنظومة التي ‏تحكم حسب هوى المنفعة الشخصية فحسب وبغض النظر عن الباقي العناوين الاخرى ‏‏!.‏رابعا : نحن عندما نستنطق جملة الادانه الابليسية :(( انا خير منه ..)) فاننا سنلاحظ ‏وبوضوح مدى الوقاحة والغفلة والاعتداء على الكمال الالهي المقدس ، فهذه الجملة ‏توحي مما توحي به وبصورة مباشرة : ان ابليس هذا الحقير هو اكثر معرفة قياسية ‏، فهو هنا وباعتراضه التافه على السجود لادم كأنما يريد ان يقول للخالق سبحانه ‏وتعالى بما معناه : انك لاتدرك من هو الشرير ممن هو خير سبحانه ، فلذالك ‏تأمرني كي اسجد لما هو غير خير ، وتأمر الاكثر خيرية ليسجد لماهو اكثر دونية ‏وشرية !.؟ سبحان الله وتقدست صفاته !.‏هكذا تفهم جملة هذا المتمرد الابليسي الضعيف عندما يعلن تمردية ال :(( انا خير منه ‏‏..)) فهو ناظر بفكرة عقدية فاسدة ترى ان هذا الاله العظيم سبحانه وعندما يأمر ‏بالسجود لادم الانساني ، هو في هذه الحالة غافل عن ماهو خير ممن هو غير ذالك ، ‏لذا جاء الاعتراض الابليسي وكأنما هو تنبيه للخالق سبحانه على وجوب الالتفات الى ‏من هو خير ممن هو دون ذالك !.‏هل ترى عمق الازمة العقدية لهذا المخلوق المعقد ؟!.‏انه لايعرف خالقه بصفاته و:(( اول الدين معرفته )) كما قال امير المؤمنين علي بن ‏ابي طالب ع .‏ابليس يرى انه اكثر معرفة بالخلق والخلقة من الله سبحانه وتعالى لذا تجرأ ليعلن انه ‏الاعرف والاكثر فهما لعناصر المخلوقات جميعا ، ولذالك هو يدلو بدلوه امام الله ‏سبحانه وتعالى ليؤكد :(( ان النار اخير من الطين )) ويستشكل على المعرفة الالهية ‏المقدسة بانها معرفة ناقصة وتجهل خيرية النار على الطين ، لذا جاء الاعتراض ‏صريحا ب :(( لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) بسبب كون ‏النار اخير من الطين :(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ‏صحيح : هل الله سبحانه وتعالى هو الاعرف بخيرية خلقه بعضهم على بعض ؟.‏أم ان ابليس او خلقه اعرف بخيرية بعضهم على بعض ؟.‏ابليس كان يرى فكره وعقله واجتهاده بانه هو الاكثر دقة والمعرفة بماهو خير عن ‏ماهو ليس بخير ، ولكن ليس فقط امام عقول الخلق الاخرين المخلوقين مثله بل امام ‏تدبير وحكمة الله العلي العظيم ، ويالها من جرأة وجريمة لاتغتفر ، بل وجهل وتكبر ‏وغباء لايحتمل ، ان يرى مخلوق انه الاعرف باسرار الصنعه من صانعها الاصلي ‏‏:(( قال فاخرج منها فانك رجيم / قرءان كريم )).‏خامسا :كما ان جريمة :(( انا خير منه ..)) توصلنا الى حقيقة اخرى في تركيبة هذا ‏المخلوق المعقد العقدية الفكرية والنفسية والروحية ومدى ظلمانيتها وغيبوبتها عن ‏رؤية العادل سبحانه وتعالى ، فهذا المخلوق التعبان لم يكتفي بان يرى معرفته في ‏عناصر المخلوقات هي تفوق معرفة الخالق سبحانه وتعالى فحسب ، بل وتجاوز على ‏العدالة الالهية كذالك والتي تؤسس لمقولة : ((وضع الشيئ في موضعه )) ، والتي ‏رأت ان من العدالة والحكمة معا ان تكون هناك علاقة سجود متبادلة بين الخلق ‏جميعا ، اذ من العدل ان يسجد الملائكة وابليس وباقي الوجود للمخلوق الجديد ادم ‏الانساني ليس من منطلق انه الاخير عنصريا على باقي الموجودات ولكن من منطلق ‏الاكمل وظيفيا في هذا المجال ، الا ان ابليس رأى هذه الخطوة وهذا الامر على ‏اساس انه من اظلم الظلم على ذاته النارية !.‏يرى ابليس انه ليس هناك عدالة في طلب السجود من العنصر الناري الابليسي الى ‏العنصر الطيني الانساني ، بسبب ان العدالة تقتضي العكس ان يسجد الطيني للناري ‏باعتبار ان الناري خيّر والطيني شرير وهكذا المسألة ؟!.‏نعم كان يرى ابليس ان من العدل ان يطلب الامر الالهي السجود له فحسب ، أما ان ‏يطلب منه هو الناري ان يسجد لادم الطيني فهذه كارثة باعتبار انها ضد مقاييس ‏العدالة الابليسية التي تقتضي غير ذالك لذا رفض ابليس الحكم الصادر اليه من قبل ‏الله سبحانه وتعالى باعتباره ظلم مطلق !.‏فكر بكيفية فهم هذا المخلوق لعدالة خالقه سبحانه وتعالى ؟.‏لو فرض ان ابليس يدرك ان كل امر يصدر له من الله سبحانه وتعالى خالق الكون ‏برمته وبمافيه انما هو امر غاية في العدل والحكمة ، فهل كان ليرفض السجود ‏للانسان الطيني هذا ؟.‏بالطبع لا ، لو كان ابليس يؤمن بالعدالة والحكمة الالهية او لو كان يدرك او يعرف ان ‏الله عادل وحكيم ولا يأمر الا بالعدل الا بكل ماهو عدل وحكمة لما كان ليجرأ على ‏مجرد التفكير بعصيان الامر الالهي ابدا ، بدلا من التفكير في (( هل النار اخير من ‏الطين ام الطين اخير من النار ؟.))‏هذه هي مشكلة ابليس الثقافية ، بل هذه هي كارثية جهل المخلوق بخالقه المقدس ‏عندما يعتقد بان هذا الخالق منحاز وظالم ولا حكمة في اوامره النازلة من الاعلى !.‏سادسا : لو فرض جدلا ان من حق العقيدة الابليسية ان تستقل برؤيتها الفكرية ‏للاشياء العالمية ، وان من حقها عملية التقييم والحكم على منازل باقي الاشياء ‏الكونية الاخرى ، فهل سوف تستقيم مع ذالك رؤية ابليس للانسان في :(( انا خير ‏منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.‏أم ستبقى المعادلة كما هي وسيبقى المرض الفكري والعوق الروحي لابليس على ‏حاله ؟.‏هل يستقيم باي حال من الاحوال القياس العنصري لابليس في رؤيته الفكرية للعالم ‏البشري ؟.‏أم انه هو هو قياس لايصلح تماما للعالم اللاهوتي الخلقي الرباني هذا ؟.‏ان مشكلة الرؤية الابليسية انها رؤية (( عنصرية )) اي انها تنظر للتمايز في ‏عناصر الاشياء الخلقية ، ولاتنظر مطلقا للاشياء الخلقية على اساس وظائفها العملية ‏السلوكية ، لذا جاء الحكم الابليسي مزدوج الخطيئة على كل حال !.‏بمعنى اكثر وضوحا : ان ابليس هذا غارق في غيبوبة عبادة العنصر الى درجة ‏لاتجعله يلتفت مطلقا الى الاهداف السامية من وجود الخلقة العالمية برمتها ، لذا هو ‏اول ما التفت فانه التفت الى اقرب الاشياء الى ذاته والصقها بوجوده الخلقي الفطري ‏وليس الكسبي العملي كما طرحه بعض المخلوقات السامية في المعرفة والادراك ‏والفهم لعملية الخلق !.‏نعم تسائل الملائكة حول الموجود المكّرم ادم الانسان بقولهم :(( اتجعل فيها من يفسد ‏فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ولكنهم لم يفكروا مطلقا ‏بالسؤال عن افضلية عنصره الطيني او ان يخطئوا فيلصقوا جريمة السفك للدماء ‏والفساد في الارض الى عنصره الطيني ذاك ، وانما كان جلّ سؤالهم يتمحور حول ‏الوظيفة التي سوف يقوم بها هذا المخلوق وهل هو قادر على القيام بوظيفته ‏الانسانية ام انه سيفشل في القيام بهذا الواجب ، ولذالك جاء تساؤلهم حول السلوك ‏والعمل والوظيفة ولم يأت حول العنصر والقومية واللغة وباقي الاشياء التي ليس لها ‏وظيفة عملية بقدر ماهي خلقة فطرية ، ومن هنا اختلفت كلا الرؤيتين الابليسية ‏والملائكية :‏الاولى كانت لاتقيم الابليسية اقصد الانسان على اساس عمله بل على اساس ‏خلقته !‏الثانية : كانت تقيم الانسان على اساس اتقانه لوظيفته في هذه الحياة !.‏وهذا هو الفرق بين من ينظر للانسان ويقيمه على اساس انه ليس فيه عيب او ‏خطيئة الا كونه مخلوق طيني ، وبين من يذهب برؤيته الى ابعد من ذالك ليعطي ‏للعمل وللاجتهاد وللوظيفة القيمة الحقيقية ليرى :(( قيمة كل امرء مايحسنه )) و (( ‏ان اكرمكم عند الله اتقاكم )) باعتبار ان التقوى والعمل وجهان لعملة واحدة هي التي ‏تشكل الخيرية الحقيقية ،(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا / قرءان كريم )) ‏‏!.‏ان عالما يريد ان يخلقه الله سبحانه وتعالى لاتعني فيه عناصر الخلقة الا التساوى ‏وما التفاضل الا في الاجتهاد والعمل ، وهذا القانون الكلي لم يفقهه هذا المخلوق ‏المنفرد المسمى ابليس او هو لم يرد ان يفهمه على اي حال وهذا ما ادى به الى ‏الهاوية !.‏صحيح : اتساءل هل كان ابليس ذكيا في رؤيته العنصرية تلك ام كان غبيا غافلا لذا ‏هو عوقب على شيئ لم يكن ليدركه ؟.‏بمعنى : ان من العدالة الالهية التي نتحدث عنها ان لايعاقب ابليس على شيئ لم يكن ‏ليدركه ، باعتبار ان الجهل بالشيئ وان لم يكن مبررا الا انه يصلح حجة لأن يرفع ‏قليلا من المسؤولية عن كاهل المكلف ، وعليه هل كان ابليس مدركا للقوانين الالهية ‏ولكنه مع ذالك تمرد عليها مع سابق اصرار وترصد ؟.‏ام انه غبي وجاهل وحقير وتعبان ...الخ ، الا ان جريمته هي ليس في عدم اطاعة ‏الامر الالهي فحسب بل وكذالك في كونه انه لايعلم انه لايعلم ؟.‏سابعا : من الواضح ان جريمة ابليس المزدوجة امام المحكمة الالهية تبلورت في كلا ‏النوعين ، نوع الجهل والغباء الشديد وعدم العلم بعدم العلم من جهة ، مضافا اليها ‏عدم الطاعة والانقياد للامر الالهي من جانب اخر ايضا !.‏انها مشكلة مزدوجة حقا للتركيبة الفكرية والنفسية لابليس هذا ، فمن جهة الغباء ‏الشديد ان ابليس نفسه يدين نفسه بنفسه في جريمة (( انا خير منه خلقتني من نار ‏وخلقته من طين )) فمع ان ابليس يفهم تماما ان النار والطين هما مخلوقان من ‏مخلوقات الله سبحانه وتعالى بدليل قوله (( خلقتني ... وخلقته )) فمع ذالك هو يلتفت ‏الى الاشياء بظاهريتها ولا يلتفت الى الاشياء بجواهرها الحقيقية !.‏بصورة اخرى : ان ابليس لم يغفل مطلقا عن ان ذاته النارية وذات الانسان الطينية ‏هما عنصران لايجب ان يكون بينهما اي تمايز باعتبار ان الخلقة الالهية خلقة جميلة ‏على اي وجه وجدت لانها تمثل الجميل وصاحب الصنعة الراقية الله سبحانه وتعالى ، ‏فمع ادراكه لهذه الحقيقة (( حقيقة ان الخلقة كلها من مصدر واحد هو الله في قوله : ‏خلقتني .. وخلقته )) يريد ان يميز هو بشخصه خلقة على خلقة اخرى ... لماذا ؟.‏لا لشيئ الا لأن ابليس رأى شعاع النار الظاهري في قبالة قتامة الطين العنصرية فقال ‏‏:(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وهذه هي مشكلة ابليس الفكرية ‏؟!.‏صعب جدا ان توصل حقيقة الى غبي لايريد ان يرى الا ظاهر الاشياء العالمية ، ‏والاصعب منه عندما تحاول ايصال معلومة الى شخص لايعلم ولايعلم انه لايعلم ؟.‏لا .. ابليس ملتفت الى انه لاينبغي ان يكون هناك فرق بين خلقة واخرى من بين ‏مخلوقات الله سبحانه ، ولكنه بنفس الوقت لايدرك حكمة ان تكون الخلقة متساوية ‏النسبة ، وعندما لم يدرك ماهية الفلسفة من ان تكون جميع عناصر الخلقة متساوية ‏النسبة ، غفل تماما عن ان القانون هو للعمل وللوظيفة وليس للعنصر وللخلقة كي ‏يكون الناري اكثر خيرية من الطيني هذا ؟.‏نعم كان ولم يزل الانسان مكرما بسبب كونه الاقدر على القيام بوظيفة العبادة الالهية ‏بشكل جيد ، ولو كان ابليس ملتفت الى هذه النقطة لاطاع الامر الالهي وبلا تردد او ‏بتردد مقبول ، ولكنه ولسوء فكرته لم يدرك ولم يعلم ولم يفهم ... لذالك هو لم ‏يستطع ان يطيع او يطبق الامر الالهي ، فمن لم يكن ذا فهم وعلم فلا عمل له ، والعلم ‏يهتف بالعمل اجابه والا ارتحل ، ومن يعمل بلا علم فكأنه خابط عشواء يفسد اكثر ‏مما يصلح ، ومن فقد العلم والفهم والشرع من الله كيف بامكانه ان يطيع اوامر الله ‏سبحانه وتعالى وفضل الله العلماء على غيرهم لمعرفتهم بكيفية العمل في طاعة الله ‏سبحانه فحسب ، فالعمل ثمرة العلم ، وابليس فقد المعرفة والادرام والعلم فلم يدرك ‏كيف يطيع وكيف يرضي وكيف يكون خيرا :(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا ‏كثيرا /قرءان كريم )) صدق الله العظيمثامنا :............‏للحديث بقية ‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية 6

(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))‏ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد الذي ‏استحق بسببها حكم المحكمة الالهية المقدسة بالطرد واللعن والرجم والنفي الى الابد ‏، وهذه الزاوية الابليسية مختصرة في فكرة (( الفردية )) الانانية الابليسية !.‏ان الارادة الالهية المقدسة عندما انشأت الخلقة العالمية وبما فيها الانسان ، فانها ‏
ارادت تركيبة الكون والعالم والانسان والوجود على اساس انها خلقة توافقية ‏واشتراكية في التكامل ، فكل شيئ عابدا مطيعا مسبحا لله سبحانه وتعالى فالارض ‏والسماء طائعتين لله سبحانه وتعالى وقائمتين بوظيفتيهما العالمية والكونية :(( فقال ‏لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين / 11/ فصلت )) وكذا الحجر ‏والنبات والحيوان والملائكة وما لانعلم :(( وان من شيئ الا يسبح بحمده ولكن ‏لاتفقهون تسبيحهم / قرءان كريم )) وهذه العبادة الكونية هي الوجه الاخر للتكامل ‏العالمية فالانسان محسن للطبيعة والطبيعة منتجة للسماء والكون متجاوب مع الاخر ‏‏....، ولافائدة عائدة مطلقا لله سبحانه من عبادة الاشياء كلها له وهو الغني الحميد ، ‏وانما العائد راجع للمخلوقات نفسها عن طريق العبادة هنا ، او ان العبادة هي الخطة ‏العملية للادارة السليمة لحركة الكون والعالم والانسان لتنتظم بمشروع اخذ وعطاء ‏مستمر لهذه الخلقة ، فلا افساد للكون من خلال هذا البرنامج التعبدي التسبيحي ، ‏ولاسفك للدماء حسب هذا المفهوم !.‏تمام : عندما تأتي الارض والسماء طواعية لله سبحانه فهذا يعني قبول الكون بشغل ‏وظيفة العطاء للانسان المدير ، وكذا عندما تسبح مفردات الكون الصغيرة والكبيرة ‏فانها تلعب الحركة بشكل ايجابي مسبح لله سبحانه لتتم اللوحة بابهى جمالياتها ‏العظيمة في الخلقة والايجاد ، ولكن ورغم هذه التركيبة التي ارادها الله سبحانه ‏وتعالى انفرد مخلوق من مخلوقات الله الكثيرة ليخرق النظام العام ويتمرد على ‏الحركة الجماعية وليعلن العصيان على المشاركة والانتاج ولينظر للعالم وللانسان ‏بعين الاعلى والاكبر والاحسن والاخير ليقول :(( انا خير منه ...)) عندئذ توقف العالم ‏والكون والانسان امام هذا المشهد الغريب العجيب لهذا الكائن المعقد وهو ينطق ‏كارثة (( انا )) !.‏لم تقل السماء (( انا )) ولم تقل الارض ولا الجبال ولا الانسان ولا الحيوان ولا ال ما ‏من شيئ ولا الملائكة ..... لم تقل جريمة (( الانا )) هذه !.‏ماهذه ((الانا)) الابليسية التي فاجأت الكون والعالم والانسان والخلقة برمتها لتوقف ‏المشهد الخلقي في محطة من محطات الخلق المستمرة ، ولتبلور مرحلة جديدة من ‏مراحل الحركة الخلقية التي تضمنت حكم الاعدام على مخلوق من مخلوقات الله ‏سبحانه الكثيرة الا وهو ابليس ؟.‏النص القرءاني يحدثنا عن (( نحن )) الملائكية الجماعية الاشتراكية في (( ونحن ‏نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ويحدثنا عن (( نحن )) الادمية :(( قالا ربنا ظلمنا ‏انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) ويحدثنا عن ‏الثنائية الارضية والسمائية في :(( اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين )) ، ولكنه ‏عند محطة اي النص القرءاني ابليس الشيطاني يحدثنا عن فردية عقدية ‏وسياسية ورأسمالية ونفسية وروحية ، ليقول :(( انا )) بلا جماعة ولا مشاركة ولا ‏آخر بالامكان الانفتاح عليه واشراكه في هذا الوجود الواسع ؟!.‏هل الفردية في عرف القانون الالهي المقدس جريمة لاتغتفر بينما تكون الجماعية ‏الاشتراكية مسألة فيها نظر ؟.‏يبدو بوضوح ان الخروج على قانون الجماعة والتجمع والمشاركة التفاعلية مع ‏الاخر الكوني ، هي من ضمن المحرمات ان لم ترتقي المسألة الى مستوى المقدسات ‏الالهية والتي يعتبر الخروج على نظامها العام من ضمن العصيان المسلح المهدد ‏للنظام الكوني هذا ، لذا جاءت الحكومة الالهية فورية عند سماع (( الانا )) الفردية ‏الابليسية لتحكم عليه بالطرد واللعن والرجم المؤبد الذي يزيل وجوده الشرير عن ‏حركة الاجتماع وامانها واطمأنانها الوجودي ، لهذا كانت (( الانا )) جريمة عالمية ‏في القانون الالهي المقدس !.‏هل حقا ان هذه (( الانا )) الابليسية مهددة للنظام الكوني العام لذا جاءت الحكومة ‏قاسية جدا ؟.‏أم ان الفردية كفكرة أسس لها ابليس الشيطاني عندما اعلن (( الانا )) الذاتية كوجود ‏مستقل هي من اروع التمردات الخلقية التي انجبت الشعور بالذات ولذة عبادة الانا ‏والالتفات للشخصية فحسب ؟.‏من وجهة النظر الاسلامية القرءانية ان هذه الفردية التي اسس لها ابليس في قانون ‏الخلقة احدثت نقصا كونيا لم يزل العالم والكون والانسان يعانون من هذه الثغرة حتى ‏وقتنا الحاضر فالمفرض كان هو ان الكون خلق ليتكامل فيما بينه والبين الاخر ، وهذا ‏التكامل يقتضي ان يلتزم كل مخلوق بقانون :(( عدم الالتفات للفردية )) مطلقا ‏باعتبار ان الخلقة قائمة على التكافل فيما بين المخلوقات جميعا ، وهذه الرؤية ‏الجماعية هي التي تهيئ الارضية للتعايش السلمي بين موجودات العالم جميعها ، ‏بعكس تماما الرؤية الفردية التي ستدخل الانا وما تأخذ اولا قبل ان تفكر بالاخر وما ‏ستعطي اولا ، وما تنتجه هذه (( الفردية )) من عكس لنظام الخلقة يميز بين مخلوق ‏واخر يفضي بالنتيجة الى رؤية المخلوق للمخلوق الاخر على اساس التفاضل وربما ‏الخيرية في هذا الاطار لنصل الى نتائج هذه الفردية في (( انا خير منه ...)) وهنا ‏تحدث الكارثة !؟.‏في النظام الجماعي الذي يلغي مصطلح الفردية (( الانا )) ليس هناك مدخل تفكير في ‏عملية التمايز والتمييز بين خلقة واخرى ، فليس هناك ميزة لهذا المخلوق على الاخر ‏مطلقا باعتبار ان الكل من منبع واحد (( الناس سواسية كاسنان المشط ... ولافضل ‏لعربي على اعجمي الا بالتقوى ...)) فادم مخلوق نفسه نفس ابليس ، وكذا الارض ‏والسماء والملائكة ...، فكل هذه مخلوقات متساوية في النظام الجماعي الذي يقتل ‏روح التفرد والانانية ، أما في النظام الفردي فالعكس هو الصحيح عندما تشخص ‏الانانية وينظر لها على اساس الاستقلال والتميز في الخلقة فعندئذ ينظر كل مخلوق ‏لذاته بفردية ولمصالحه كذالك ولكيانه حسب التبعية ، لنسأل : من الافضل النار ام ‏الطين ؟.‏الكون كله لم يفكر بفرديته مطلقا ولا الملائكة ولا الانسان ولا الجبال ... ولكن ابليس ‏فكر بفرديته كمميز خلقي فوقعت عليه اللعنة !.‏ولكن لماذا هذه اللعنة على الفردية الخلاقة ؟.‏اليس هناك تفاضل بين طاقة واخرى لمخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.‏اليس ابداع وحرية تضمن عملية الحركة والانسياب والانتاج تخلقها هذه الفردية ؟.‏اليس هناك اجتهاد وعمل وهناك ترهل وكسل هو الذي ينتج الافضل والفاضل والفاشل ‏؟.‏اليس هناك مصلحة ينبغي ان تحرك كل موجود على وفي هذا الكون الواسع لنجني ‏بالنتيجة التطور والتكامل ومصلحة الجماعة ؟.‏في مورد الاجابة نعم كرم ابن ادم وفضل بعضهم على بعض !.‏ولكن هل يعلم عبّاد الفردية انه مع الافضلية هذه لاينبغي مطلقا ان ننظر للكفاءة على ‏اساس انها مميز بل المفروض النظر اليها على اساس انها نعمة تستحق الشكر بان ‏يعود الافضل ليكون خادما للاضعف وليس العكس !؟.‏صحيح هناك الذكي والغبي ، والقوي والضعيف ، والسماء والارض ، والانسان ‏والملائكة .... يختلف كل واحد منها عن الاخر ، ولكن مايميز الرؤية الاسلامية ‏القرءانية هو : انك كمخلوق مع انك موجود في نظام خلقة متكامل فعليك ان تنظر ‏اولا للجماعة ومن بعد ذالك تلتفت الى الذات والانا لترى نفسك حلقة في سلسلة من ‏الوجود المتكامل ، ولاترى نفسك فردا في كتلة مستقلة ، فليس هناك فقير الا بغنى ‏غني ، وليس هناك غني الا بفقر فقير ، وليس هناك وجود الا بارض وسماء ، وليس ‏هناك ارض وسماء الا بوجود كون وقانون .... وهكذا انت فرد في أمة وجماعة في ‏فرد ، أما ان عكسنا المسألة لنرى اننا فرد بلا امة فهذه كارثة !.‏قال : انا خير منه ؟!.‏فردية ترى الانا الفردية من زاوية الشخصية القاتلة التي لاترى للجماعة اي وجود ‏يذكر ؟.‏هي لاترى وجود للارض وفسادها ، ولا للسماء وتدميرها ، ولا للاخر ومتطلباته ‏الطبيعية التي نظمت على اساس التكافل مع الاخر ، بل هي ترى (( الانا )) الفردية ‏واحتياجاتها فحسب !.‏ولو فرض ان ابليس هذا بفرديته البغيضة طلب منه السجود للارض او للسماء او ‏للملائكة باعتبار ان الخلقة الكونية تقتضي ان يخضع كل مخلوق للاخر لتسير الخلقة ‏على اتم وجه واكمل مسيرة ، فهل كان ليقبل ابليس بلعبة السجود المتبادل بين الخلق ‏هذه ؟.‏لا سوف لن يقبل ابليس الفردي بان يشاركه احد من الخلق في وجوده الذاتي ، فهو ‏فرد تنتهي حرية او مسؤولية جميع الخلقة عندما يبدأ وجوده الناري هنا ؟.‏مشكلة حقا ان ينفرد مخلوق على نظام الخلقة ليعلن الاستقلال ، مع ان وجوده الناري ‏هو مكمل للوجود الطيني في هذا الوجود ؟.‏مشكلة ان يعلن ابليس ال (( انا )) منعزلة عن الكون مع ان هذه الانا وجدت لتكون ‏زاوية في بناء البيت العالمي ؟. ‏حتما سيكون هناك نقصا في بناء الخلقة ان رفعنا حجر ابليس الناري هذا !؟.‏حقا سيكون هناك منعطفا ان طردنا ولعنّا ورجمنا هذا المخلوق المسمى ابليس من ‏دورة العالم الخلقية التامة !.‏هل من الضروري طرد ولعن الفردية الابليسية تماما من وجودنا العالمي ام يمكن او ‏بالامكان التعايش مع هذه الفردية ولو الى حين من الزمن ؟.‏وعلى اي حال ففي هذه الفردية شيئ ما ربما يكون مفيدا مع ادراكنا لوحشيتها ‏الوجودية ؟.‏الحقيقة ان الذين يعشقون هذه الفردية الابليسية هم لايدركون مضمون هذه الانانية ‏الفردية على الحقيقة ، ففردية ابليس ليست هي من نوع الفرديات القابلة لرؤية الاخر ‏على اساس المساواة في الحقوق والواجبات الكونية والعالمية والانسانية ايضا ، لا ‏‏... هي وبالعكس تماما ترى ان الاخر السماوي والارضي والادمي والملائكي ‏ومالاتعلمون هم من النوع الادنى خلقيا من الفردية الابليسية :(( قال انا خير منه ..)) ‏‏!.‏اي بمعنى ان الفردية لاترضى بان تكون متساوية في الحقوق والواجبات مع الاخر ‏الخلقي وهنا المشكلة !.‏هناك من يؤمن بالفردية على اساس وان كان ناقصا الا انه يبقى نوعا ما لاوحشيا ‏وهي الفردية التي تقول : بوجودي المستقل مع ضمان حقوق الوجود المستقل ‏للاخرين ؟.‏هنا نحن امام فردية انعزالية غير جماعية انانية غير تكاملية وحشية غير انسانية ‏منفتحة على التعايش مع الاخر بشعور واحساس انساني متبادل ولكنه مع ذالك فردية ‏مقبولة نوعا ما ، أما ان صادفنا فردية ترى الافضلية والخيرية لها من دون باقي ‏الخلق جميعا :(( انا خير منه ..)) فعندئذ ندرك اننا امام فردية اقصائية للاخر غير ‏معترفة بوجوده الخيّر وهنا المأساة ، وهي ان نكون امام رؤية لاتعترف بوجود ‏الخيرية للاخر كما هي لنفس الذات الفردية !.‏نعم هناك من ينظر لفرديته او قوميته او امته على اساس انها من الامم الراقية ‏والمميزة على باقي الامم الاخرى ، مما يدفع بهذه الفردية الشخصية او العنصرية او ‏القومية الى النظر من علي للاخر الموجود في نفس العالم ، بهذا نكون امام موجود ‏معتدي على الخلقة وليس نحن امام موجود رافض فحسب للتعايش مع الاخر الخلقي ‏‏!.‏هكذا عقلية ابليس الفردية عندما اعلنت (( انا )) قبالة الانسان الطيني ، فهي لم ‏تكتفي بعدم احترام المخلوق الاخر فحسب وانما اندفعت لرؤيته على اساس انه ‏الاحقر والادون وكذا الشرير في هذه الخلقة قبالة الخيّر الناري الذي هو ابليس ، ‏والذي لاينبغي مطلقا ان يكون هو وادم في نفس الحيز الخلقي ؟.‏الاعجب والاغرب من هذا كله في التركيبة الفكرية الابليسية الشيطانية التي نفهمها ‏من هذه ال (( انا )) الاجرامية ، هي : ان فردية ابليس هذه تفوقت حتى على الجنس ‏الناري نفسه والذي منه خلق ابليس الشيطاني بذاته ، فهو ولشدة ما اعتقلته الانانية ‏الفردية ، ولقوة ما حبسته هذه الانانية العبادية ، هو نسي تماما ان يذكر حتى ابناء ‏جنسه في الخطاب الاستقلالي له عن السجود لادم ، فحتى الذاكرة فقدها هذا الابليس ‏وهو ملتفت الى فرديته البغيضة بعكس باقي المخلوقات في نحن القومية او الجنسية ‏الملائكية في :(( ونحن نسبح بحمدك ..)) او الادمية في :(( ظلمنا انفسنا وان لم ‏تغفر لنا ...)) حتى على هذا المستوى لم يذكر ابليس ابناء جنس النار معه ليقول :(( ‏نحن خير منهم خلقتنا من نار وخلقتهم من طين ....)) مثلا ، حتى على هذا المستوى ‏لم يفكر ابليس اشراك ابناء جلدته من مخلوقات النار ليكونوا في مضمون خطابه ‏الفكري ، مما يطلعنا اخيرا ان تلك (( الانا )) الابليسية كانت من الوحشية والتمرد ‏بشكل لايهيئ تماما اي تعايش مع الاخر حتى وان كان ناريا من نفس جوهر ابليس ‏ومن ذاتيته القومية هنا !.‏ان ابليس مخلوق حقا يستحق الطرد واللعن والرجم من قبل الله سبحانه وتعالى ، ‏ليس لانه انقص شيئا في ملكوت الله سبحانه ، وليس لانه لم يلتفت للامر الالهي ‏المقدس فحسب ، وليس لانه تافه وحقير وقبيح جدا ، وليس لانه غبي ومتكبر ‏ولايعرف قيمة نفسه فقط ....... ولكنه يستحق اللعن والطرد الالهي لان الله سبحانه ‏هو اقوى نصير لحقوق خلقه وهو اعظم مدافع عن كراماتهم ، وهو القائم على تدبير ‏مملكتهم واقامة العدل والمساواة بينهم ، فلو لم يكن الله طرد ولعن ورجم ابليس ‏اللعين لكان هناك خلل في العدالة الالهية الحقة سبحانه !.‏هذه هي الفردية التي اودت بابليس الى الهاوية ؟!.‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية 5

ماهي مشكلة ابليس الشيطاني ؟.‏ وهل هي فكرية عقدية نظرية أم سلوكية عملية وظيفية ؟.‏ هل ابليس ذكي مدني أم هو غبي بدوي اعرابي ؟!.‏عندما نقول ان العالم مخلوق على اجمل واكمل صورة خلقية ، فكأنما نحن نقرر ان ‏هذه الخلقة يجب ان تكون لها مواصفات مميزة ، منها على سبيل المثال وجوب ان‏
تكون هذه الخلقة العالمية قائمة على العدل وضع الشيئ في موضعه والتقدير ‏انا كل شيئ خلقناه بقدر وان تكون متوازنة ومتجانسة ، وكذا يجب ان تكون ‏متكافئة ومتفاعلة ....الخ ، وربما يكون منشأ هذه الوجوبية هو موازين العقل ‏الانساني التي ترى العالم جميلا ومتكاملا عندما يكون على هذه الصورة او تلك ، ‏وعلى اي حال هكذا هو العقل والذوق الانساني خلقا وهكذا ترى الاشياء العالمية مرة ‏من خلال الرؤية المباشرة لجماليات الكون والعالم ، ومرة بصورة غير مباشرة عندما ‏تقارن هذه الرؤية بين القبيح والجميل عندما يشكلا لوحة ، والناقص والكامل ، ‏والظالم والعادل .....، لتكون هذه العملية من رؤية الشيئ ونقيضه كميزان يوضح ‏ملامح ومعالم العالم والكون والانسان بكلا وجهيه من العملة الوجودية الواحدة هذه ‏‏!.‏والغريب العجيب في هذه العملية انها تحمل داخل رؤيتها الجمالية والكمالية مبدأ ‏النسبية الضرورية التي ترى : انه ليس من الضروري وعلى طول الخط ان يكون ‏القبيح قبيحا والجميل جميلا والكامل كاملا والناقص ناقصا ..... هذا ، لاسيما ان هذه ‏الرؤية (( الاسلامية )) معتمدة تماما على المنطق العقلي من جهة وطبيعة الاشياء ‏العالمية من جهة اخرى ، فليس مايعتقده العقل البشري قبيحا وهو محق في رؤيته ‏هذه في القبح هو لاينتج في جانب آخر جمالا ، وكذا عندما نعتقد بنقصان شيئ ما ، ‏فليس هو كذالك وعلى استمرارية الماكنة لاينتج الا نقصا ، لا.. بل ربما ينتج كمالا ‏مع احتفاظه بصفته الناقصة هذه ، ولكن في زاوية اخرى لاتؤثر على نقصه او قبحه ‏الذاتي في شي !.‏مثال لذالك عندما تحدثنا الرؤية الدينية الاسلامية على (( قبح او ذنب هو افضل في ‏الحقيقة واجمل من جمال او عمل حسن ينتج التكبر )) فهنا نحن امام معادلة نسبية ‏ورؤية تقلب المعادلة تماما لنرى القبيح وهو ينتج جمالا والجميل وهو ينتج قبحا !.‏يروى عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام انه قال :(( ان الله علم ان ‏الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذالك ماابتلي مؤمن بذنب أبدا )) / رواه صاحب ‏الكافي / هنا نحن امام شيئ جميل وعمل صالح وكامل ولكنه ومع الاسف ينتج (( ‏عجبا )) تكبرا تمردا ... اختلالا في موضع اخر من حياة الانسان ، عندئذ لابد ان ‏يكون ظاهر هذا العمل الجميل جميلا ولكن باطنه قبيحا بسبب انتاجه للقبيح في النهاية ‏، بعكس ربما في بعض الاحيان عندما نرى او نعمل شيئا قبيحا وناقصا وقاتلا لروح ‏التكبر والتمرد الداخلية للانسان ، ولكن مع انه قبيحا وناقصا الا انه ينتج تواضعا ‏جميلا وروحا متكاملة ...، ومع انه ظاهريا قبيحا الا انه باطنيا اصبح جميلا ...وهكذا ‏‏ !.‏كذا رؤيتنا الاسلامية لابليس اللعين مع انه في ذاته قبيح وفي وجوده نقص ، وفي ‏جوهريته بلاء وظلم الا انه ضرورة نسبية للانسان ليدرك الجمال والخير والكمال في ‏نقيضه تماما ، وهذا الخير وهذا الكمال وهذه الجمالية موجوده في داخل الانسان ‏الادمي ، ولكن مامن مثير لتحريكها واخراجها لتبصر النور والوجود الا حالة المعركة ‏والصراع التي خلقت بين الانسان والشيطان الابليسي هذا ، فهي حالة او ضرورة او ‏قانون ركب عليها العالم الانساني هنا لتنتج من الحرب هذه سلاما دائما ، أما ان ‏اختار الانسان الجانب الاخر من اللوحة ليعقد معاهدة سلام وهمية مع الشيطان او ‏اراد ان ينهي المعركة بهدنة ، فانه كالذي اختار الجميل الظاهري الذي يستبطن القبح ‏الداخلي الجوهري ليستدرج الى معركة خاسرة في النهاية !.‏صحيح : ان العالم خلق من اجل الانسان والانسان خلق من اجل الله سبحانه وتعالى ، ‏وهذا مضمون قوله سبحانه :(( وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون / قرءان كريم )) ‏وهذه العبادة هي خطة الصراع مع الشيطان الابليسي الذي يحاول بكل وسيلة ان ‏لايخرج الانسان كنوز جماله وكماله الداخلية ، بأن يغويه يعجبه بنفسه ويمنيه ويرسم ‏له الاحلام والمستقبل الكبير ويخدره وياتيه من خلفه بكل ماتعني الخلفية من تاريخ ‏ومن امامه وبكل ماتعنيه الامامية من مستقبل وعن يمينه وبكل ماتعنيه اليمينية من ‏قوة وبأس ومن شمال وبكل ماتعنيه الشمالية من ترفه ، لا ليكون ابليس سيد الموقف ‏في ارض المعركة ، بل ليكون الانسان على حذر شديد ومن جميع الجهات الممكن ‏ولوج وهجوم ابليس منها على الانسان ، وهذا الحذر هو المثير الخارجي لابليس ‏القبيح والناقص والظالم ...، الذي سينعكس (( الحذر البشري )) بصورة غاية في ‏الجمال والكمال والعدالة الانسانية مع ان من اثاره هو ابليس القبيح هذا ، فهنا نحن ‏امام قبيح في النهاية انتج جمالا انسانيا على اي حال !.‏ان الوجود مجموعة متكاملة من التوافق ، ولكن من يستطيع ان يفهم التوافق اليا ‏ليقول : ان التوافق والتكامل هو بالضد او بالنقيض من التصادم والتفاعل بين اشياء ‏الوجود ؟.‏ولماذا لايكون التصادم والتفاعل هو جزء من قانون التكامل والتوافق الكوني ‏والوجودي والعالمي والانساني ايضا ؟.‏نعم خلق الله العالم والانسان والملائكة والارض والسماء .... بحالة من التكامل ‏غريبة عجيبة ، ولكنه سبحانه وتعالى خلق ابليس الشيطاني المتنافر مع هذا التالف ‏والتكامل والتجانس الجميل لتكتمل الصورة الكلية بكافة عناصرها الضرورية من كون ‏وخلقة مؤتلفة حتى ابليس وشيطان مختلف ومتنافر ليكون نفس التنافر سببا للآئتلاف ‏والتكامل سبحانه وتعالى ما اعظم تقديره !.‏ان القرءان الكريم يحدثنا عن الخلقة الابليسية واشكالياتها الفعلية على اساس انها ‏خلقة مختلفة عن الائتلاف الكوني ، بل انها خلقة متمردة ومتكبرة وناقصة ، لذا هي ‏شخصية معقدة طردت من الرحمة الالهية تماما ليكون موضعها الغضب والانتقام ‏الالهي ، مع ملاحظة ضرورة انتقالها وتواجدها على ساحة الفعل العالمية لتقوم ‏بوجودها الوظيفي الكبير في عالم الانسان وغيره ، ومن هنا وجب علينا معرفة ‏عدونا الاول والاخير ومن كل الجوانب والزواية للشخصية الابليسية هذه لادراك فيما ‏بعد ماهية من نحارب ، ولنبدأ اولا بدراسة الماهية الفكرية والنفسية والروحية لهذا ‏المخلوق المعقد ، ولنقول : ماهي مشكلة ابليس الشيطاني الحقيقية ؟.‏وهل ابليس استحق كل هذا القبح لشدة غباءه الفطري ام لشدة ذكائه الجوهري ؟.‏ماهي العملية التي حكمت على ابليس ان يطرد من الرحمة الالهية ويرجم ويلعن ‏وينتهي به المطاف الى هذه النهاية التي لايتمناها اي مخلوق في هذا العالم ؟.‏الحقيقة ان هناك مشهدا واحدايذكره القرءان العظيم على اساس انه المحور الاصيل ‏والقاعدة الجوهرية لكل الدراما الابليسية ، الا وهي مشهد قوله سبحانه وتعالى : ‏‏ ‏‏(( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا سويته ‏ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس ‏أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم أكن ‏لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم .../ ‏قرءان كريم )) .‏ويبدو بوضوح ان الكارثة او القصة بكل مشاهدها تكمن في جملة :(( لم أكن لأسجد ‏لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) !.‏وهكذا عندما يعاد صياغة المشهد من جديد نرى ان نفس المنطق الابليسي هو السائد ‏في العملية التي رسمت معالم الطريق لابليس الشيطاني هذا ، ففي النص القرءاني ‏اعادة لرسم الزاوية مرة اخرى للوصول الى جوهر المشكلة الابليسية في قوله ‏سبحانه وتعالى :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت ‏فيه من روحي فقعوا له سجدين ، فسجد الملئكة كلهم أجمعون ، ألا ابليس أستكبر ‏وكان من الكافرين ، قال ياءبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت ‏من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها ‏فاءنك رجيم ، وان عليك لعنتي الى يوم الدين ../ قرءان كريم )).‏ان هذا المشهد يختصر الاجابة على الماهية الحقيقية لاشكالية ابليس مع العالم ‏والانسان من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جانب اخر !.‏نعم ماذا نستفيد او نفهم او ندرك او نستوحي .... من جملة (( انا خير منه خلقتني ‏من نار وخلقته من طين )) التي تبدو وبوضوح انها سبب الكارثة الشيطانية في ‏جميع العوالم والتي هي نفسها التي ستقودنا الى مفاتيح الشخصية الابليسية المعقدة ‏لفتح رموزها واسرارها ؟.‏كنت انا المسكين الضعيف كاتب هذه السطور ولفترة طويلة انظر الى هذا المشهد ‏القرءاني من زاوية محددة ولاتساءل بكل صدق وانتباه حول : صحيح ماهو الفرق ‏بين الانسان الطيني ادم وبين النار الشيطانية لابليس ؟.‏وهل كان ابليس محقا في اعتراضه عندما قرر ان النار اكثر خيرية من الطين ؟.‏القرءان الكريم بنصه العظيم لايناقش هذا الاعتراض مطلقا في نصوصه المقدسة ، بل ‏ولايلتفت ايضا او يعير انتباه يذكر لهذه النقطة ، بل كل مايطرحه النص القرءاني هو ‏‏(( الحكم )) المباشر الذي اعقب هذه الجملة الابليسية فورا ليقرر:(( فاخرج منها ‏فاءنك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين )) مما تركني في حيرة من امري وضياع ‏لعدم التعرض لاجابة سؤالى في : هل كان ابليس محقا في ان النار اكثر خيرية من ‏الطين ؟. ولماذا فضل الطين على النار ؟. واشياء اخرى !.‏نعم ماهي الموضوعة ولماذا لم يجب النص على اعتراضية ابليس في الخيرية هنا ، ‏كما فعل في تساءلية الملائكة هناك عندما قالو :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك ‏الدماء ؟....)) فان النص وضح لماذا سوف يكون الانسان غير سفاك للدماء بضميمة ‏‏(( وعلم ادم الاسماء كلها )) وبنتيجة :(( ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني ‏باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم ‏الحكيم ، قال ياادم انبئهم باسماءهم فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم ....)) أما في ‏موضوعة ابليس فليس هناك اي جواب او ضميمة لقوله :(( انا خير منه خلقتني من ‏نار وخلقته من طين ))؟.‏بعد هذا بدأت في التفكير والاجتهاد الفكري لاقول واتساءل مع نفسي : ماهي الخيرية ‏الطينية على الجوهرية النارية ؟.‏النار مضيئة وخفيفة ورشيقه وجميلة ......الخ ، والطين ثقيل وقاتم ويخرج رائحة ‏وفيه نوعا ما فوائد صغيرة !.‏لكن هذا الجواب اشبه بالداعم لحجة ابليس منه لحجة الخيرية الطينية ، فصحيح ان ‏النار لاوزن لها الا انها تملئ المكان بسرعة مذهله وتحرق الظلام بصورة رائعة ، ‏كما انها مصدر النور ومعدن الرشاقة واللطافة ، أما الطين فلا اقل من كونه مترهل ‏يسقط نزولا بدلا من ارتفاعه صعودا في السماء كالنار ، والطين منفعل وليس كالنار ‏فاعلة ....الخ ؟!.‏اذن اين الخيرية في الامر ؟.‏النص القرءاني لالبس فيه ان جملة (( انا خير منه )) هي التي اطاحت بابليس ‏الشيطاني في حكومة الطرد واللعن ، والظاهر من المسألة ان مضمون (( الخيرية )) ‏بين النار والطين مسألة فيها نظر باعتبار ان المنطق الابليسي كان يرى : ان الطين ‏ليست اكثر خيرية من النار ؟. فعلى ماذا استحق ابليس هذا الطرد والرجم واللعن من ‏الرحمة والوجود والاحترام ؟.‏بعد فترة ليست بالقصيرة من زمن التفكير اعدت السؤال مرة ثانية على نفسي ‏الضعيفة لاقول : دعني انظر للمسألة من الزاوية الاخرى للموضوع ، فيبدوا انني ‏عندما اناقش الموضوعة من زاوية (( انا خير منه )) الابليسية فانني سوف لااكون ‏محايدا في الطرح والمناقشة ، ولكن لنبدأ من جديد بطرح (( انا خير منه )) من ‏الزاوية الالهية المقدسة صاحبت الحكم ، ولاتساءل : لماذا عندما اعترض ابليس على ‏الامر الالهي بالسجود لادم بقوله :(( انا خير منه )) كانت الحكومة الالهية قاطعة بان ‏هذا الاعتراض اكبر جريمة خلقية تستحق وبالفعل الطرد واللعن والرجم الالهي العظيم ‏لابليس الرجيم ؟.‏هل الله سبحانه وتعالى عادل ام ظالم تقدس وجوده ؟.‏بالفعل ان الله سبحانه مطلق العدالة والفيض والجود والمحبة !.‏اذن هل كان في حكمه على ابليس الشيطاني بالطرد واللعن والرجم الكبير عادلا ؟.‏من البديهي ان صاحب الحق المطلق والعدالة الكاملة الله سبحانه وتعالى لايظلم مثقال ‏ذرة من خلقه ، وعليه ماهي الجريمة التي اقترفها ابليس المتهم في جملته :(( انا ‏خير منه ..)) ليستحق وبالفعل هذه الكارثة التي حكمت عليه بهذه الصيغة الغريبة ‏والعجيبة ؟.‏هنا وعندما نظرت للموظوعة الابليسية من الزاوية الاخرى تكشف لي اكثر من ‏جريمة بشعة لابليس المجرم وكل واحدة منها يستحق عليه الرجم والطرد بالفعل ، ‏بعكس عندما كنت اقترف اكبر جريمة بحق نفسي عندما كنت انظر للمسألة من ‏الزاوية الابليسية انذاك لاتساءل وبمنطق ابليس نفسه عن ماالفرق بين النار والطين ‏؟. ‏عندئذ تعلمت درسا غاية في الاهمية ونهاية في الحكمة يقول : ان اشياء العالم ‏الوجودية لها زاويتان للرؤية في هذا الوجود البشري الاولى : هي الزاوية الشيطانية ‏الابليسية ، والثانية هي الزاوية الالهية القرءانية الرسالية المحمدية العلوية نسبة ‏الى علي بن ابي طالب ، وفي كل شيئ من الاشياء العالمية لديك زاويتان للنظر ‏وللرؤية وفي كل شيئ ، ... في الاخبار وتحليلها في المواد وتناولها في الحياة ‏وفهمها ، في السياسة والعمل بها في الاقتصاد وتداولاته في الانسانية والنظر اليها ‏‏.... الخ ، كل هذه الاشياء تحدد الرؤية لها اذا حددنا زاوية النظر اليها فان النتائج ‏ستكون مختلفة جدا كما هي الرؤية ستكون حتما مختلفة ؟.‏ان اختلاف وجهات النظر الانسانية في الاشياء العالمية هو هذا منشأها في زاوية ‏الرؤية ، وكما كنت انظر للموضوعة الابليسية من الزاوية الابليسية كنت غارقا في ‏الفوضى والضياع وعدم الاجابة المقنعة ، أما عندما انتقلت الى النظر من الزاوية ‏الاخرى اختلفت المعادلة الفكرية تماما ، وبدأت انظر للموضوع من زاوية (( نور الله ‏‏ او ماشرحه الله بمحكم كتابه الكريم )) وليست من زاوية (( ظلام ابليس )) عندئذ ‏ادركت معنى كارثية :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) لافهم الاتي ‏من جرائم ابليس الوجودية :‏اولا: عندما يكون اي مخلوق امام خالقه وفي الحضرة الكاملة المقدسة ، وهو معلق ‏بمعلوليته الوهمية بحقيقة العلة الوجودية ويرى لنفسه وجودا نديا مع خالقه ، فانه ‏بذالك يبدأ اول حماقاته الروحية والنفسية والفكرية ، فليس من الاداب السياسية وانت ‏في حضرة ملك من ملوك الدنيا ان ترد على الامر الملكي الذي يصدر اليك بمقولة (( ‏انا )) باعتبار ان هذه الكلمة امرية ملكية ، وعندما يامر الملك وتقول (( انا ارى )) ‏فذالك يعتبر قمة الجرأة واساءة الادب في مخاطبة ملك دنيوي متعفن ، فما بالك عندما ‏تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى والذي يعتبر كل وجودك الوجودي هو مرهون ‏بارادته ومشيئته فهل يحق لك ان تذكر وجودك الوهمي وتغفل عن وجود خالقك ‏الحقيقي سبحانه وتعالى !.‏في العلوم الطبيعية هناك سبب ومسبب وعلة ومعلول ومقدمة ونتيجة ، ولايوجد ‏وجود حقيقي للمعلول او للسبب او للنتيجة اذا لم يوجد بالفعل المقدمة والمسبب ‏والعلة ، باعتبار ان لاوجود واقعي للنتيجة اذا لم توجدها المقدمة ولاوجود يذكر ‏وبالفعل للمعلول اذا لم توجده العلة الحقيقية كما انه ليس هناك اي وجود لسبب اذا لم ‏يسبقه المسبب ، وكذا الحال بين الله سبحانه خالق الوجود ومؤسسه وبين مخلوقاته ‏المعلولة بوجودها لهذا الخالق العظيم ، وليس من المنطق الجيد ان تكون امام ‏موجدك وخالقك وعلتك الحقيقية وتقول :(( انا )) تاكيدا لذاتيتك باعتبارها مستقلة ‏وناجزة والتي هي وبالفعل لاشيئ يذكر امام موجدها الحقيقي الله سبحانه وتعالى !.‏اي من الحماقة ان تلتفت لوجودك المعلول والصغير والتافه وتؤكد (( الانا والانية ‏والانانية )) وانت امام الوجود الاعظم والحقيقي والكامل (( الله سبحانه وتعالى )) ، ‏بسبب ان هذه الالتفاته الى الذات الصغيرة يشغلها تماما عن حصر الادراك الكامل ‏للذات والوجود الكبير والمقدس ، وهذه الشاغلية تعني فيما تعنيه انك ملتفت الى ‏الصغير المملوك وغافل عن الكبير المالك وهذه اهانه في عرف الملوك والعظماء ‏موجهة من الحقير الى الكبير !.‏ولكن مع ذالك ما الضير في ان يلتفت ابليس الشيطاني قليلا الى ذاتيته الصغيرة ‏بوجود الخالق المقدس ؟.‏ان الضير الحقيقي هو في النتيجة التي انتجتها هذه الالتفاتة القاتلة للذات والجوهر ‏الصغير الابليسي ، عندما غيبتها قبالة الالتفات الى الذات والجوهر الكبير والمقدسة ‏الالهية ، ليصبح الشاغل لابليس انانيتين وذاتين وجوهرين (( ذات الله سبحانه من ‏جهة وانانية ابليس الحقيرة من الجانب الاخر )) لنقسم الامر من والى الهين في نفس ‏اللحظة !؟.‏وهنا نتساءل : هل كان ابليس ينتبه الى الامر الالهي المقدس في السجود لادم أم انه ‏كان منتبها لامر الانانية الابليسية في هذه اللحظة ؟.‏من اين اخذ ابليس الشيطاني أمره من (( الانا الابليسية انا خير منه )) أم من الامر ‏الالهي المقدس ب (( اسجدوا لادم ))؟.‏يبدو وبكل وضوح : ان ابليس كان الى انانيته ماذا تأمر منتبها وليس ملتفتا تماما ‏الى الامر الالهي ، لذا قدم الامر والمطلب والمراد الاني (( انا خير منه )) وغاب عنه ‏تماما الامر والمطلب والمراد الالهي في (( اسجدوا لادم )) فكان ابليس وبحق مقدما ‏رغباته وتصوراته واحكامه الذاتية الانانية على والمطالب والاوامر الالهية المقدسة ، ‏لذالك جاءت (( انا )) لتؤكد هذه الحقيقة وهي حقيقة : ان ابليس الشيطاني كان لايعبد ‏الله في هذا الموقع بقدر عبادته لانانيته وذاته التي املت عليه تصور وامر (( انا خير ‏منه ..)) وجعلته يتجاهل تماما الامر الالهي في (( اسجدوا لادم )) عندئذ جاء الحكم ‏الالهي مباشرا وقاطعا وغير منتظر لشيئ اخر يصدر من ابليس هذا فقال :(( فاخرج ‏منها انك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين ))‏نعم في العرف الالهي المقدس : ان من يملك الخلق يملك الامر (( ألا له الخلق والامر ‏تبارك الله رب العالمين / قرءان كريم )) وفي لحظة تلقي ابليس امر الانانية والهوى ‏الشيطاني وغفلته عن الامر الالهي ، فكأنما يريد القول : انه ليس من الضروري ان ‏يكون صاحب الامر هو هو نفسه صاحب الخلق ، وبالامكان فصل الدين عن الخلق او ‏فصل القانون عن الوجود او فصل الله عن البشر !.‏لهذا جاءت وبرزت وتقدمت (( الانا )) الابليسية كآمرة له وكمملية عليه تصوراتها ‏التافهه لتقرر (( خيرية النار على الطين )) وهكذا بدون ان يكون لها حق الامر ‏والخلق ، عندهذا كان الحكم الالهي عادلا على هذه الانا التي تريد ان تكون شيئا يذكر ‏بينما هي لاتستحق ان يلتفت اليها باي احترام او تقدير يذكر!‏تمام : ان مفردة (( انا )) التي ذكرها القرءان عن لسان ابليس اظهرت وبوضوح ‏مدى فداحة الجرم الذي ارتكبه هذا المجرم الصغير ابليس ، لتدلل على غباءه الشديد ‏في معرفة ذاته واعتقاده انه مستقل الذاتية بينما هو مجرد مخلوق ومعلول وسبب ‏لسبب وخالق وعلة هي وحدها تملك صفة الاستقلالية في هذا الوجود (( الله سبحانه ‏وتعالى )) وكذا اظهرت هذه (( الانا )) الابليسية كيفية تحول هذه الانا من مجرد ‏وجود الى كتلة الاه يعبد من قبل ابليس نفسه ويؤخذ منها الامر والتوجه والرؤية ، ‏ليرد بأمرها على امر الله سبحانه وتعالى ، واخيرا لتؤكد هذه ال (( انا )) ان التركيبة ‏الابليسية الخلقية مركبة بشكل لايسمح لها ان تنخرط في منظومة الخلق الائتلافية مما ‏حرك الحكم بالطرد والرجم على اساس استحالة توافق هذا المخلوق المسمى ابليس ‏مع باقي العالم الاخر !.‏هذا اولا .‏ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد ‏‏.......‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية ‏- 4

كيف خلق ابليس ؟.‏وماعلاقته مع الانسان وماعلاقة الانسان معه ؟.‏عندما نفكر جميعا بعلاقة تقوم بين شيئين في عالمنا الانساني ، فاننا وبلا شعور ‏متردد نرى ان هناك عملية تقابل تقوم طبيعيا لهذه العلاقة المراد رصد فعالياتها في ‏هذه الحياة ، فهنا نحن امام مكانين ، ووجودين ، وحركتين .‏
هما من قاما بعملية انشاء تلك العلاقة المراد معرفتها هنا ، ومن ثم وبعد ذالك ومن ‏خلال ردات فعل كلا الطرفين نفهم ماهية هذه العلاقة وهل هي علاقة سلبية او ايجابية ‏‏.. متجانسة او متنافرة ،.. متناسقة او متضاربة ..... الخ ، وهذا كله نراه في حياتنا ‏الانسانية وحسب قوانينها الكونية والطبيعية !.‏لكن الامر مختلف نوعا ما في (( عالم الامر والخلقة )) الالهية المقدسة كما يسميه ‏المتدينون القائم على قانون (( كن فيكون )) الكلي ، حيث لا توجد هناك تراتبية ‏في الخلق ، ولاتقابلية حركية في علاقات الاشياء مع بعضها والبعض الاخر ، وليس ‏هناك عوامل ونواميس العالم الانساني الذي ندركه نحن البسطاء من بني ادم ، بل ‏هناك (( علاقة الوجود )) المباشر التي لاتبنى على الحركة بقدر بناءها على الوجود ‏الخلقي نفسه هذاوالذي يبلور عملية تسمى علاقة فيما بعد !؟.‏نعم تحدد علاقات اشياء العالم الخلقية في عالم الامر والخلقة الالهيين بمجرد ‏وجودها بقانون (( كن )) لتأخذ الاشياء صفاتها مباشرة من وجودها الفعلي الذي ‏يعطيها هذا الوجود ماهيتها وقابليتها وامكانياتها وعلاقاتها ...... مع الاخر الخلقي ‏الذي يتميز بنفس الصفات هنا ، وليكون نفس الوجود هو هو الماهية بنفس اللحظة ‏والهوية بنفس الوجود ، فالانسان وبمجرد وجوده الخلقي اكتسب هويته بالاضافة الى ‏علاقاته مع الاشياء الخلقية الاخرى ، وكذا باقي مخلوقات العالم الالهي العظيم من ‏ارض وسماء وجماد وحيوان وشيطان وملائكة ..... ومالاتعلمون ؟.‏في الفلسفة الوجودية (( لسارتر وغيره )) تدرّس موضوعة الوجود والماهية ‏للانسان وليطرح فيما بعد سؤال : هل الوجود الانساني هو من يخلق الماهية (( ‏الهوية )) الانسانية ؟.‏أم ان الماهية الانسانية سابقة للوجود الانساني وراسمة لملامحه وصفاته في هذا ‏العالم وما وجوده الا حركة ماشية على خطة الماهية هذه ؟.‏انه موضوع مختلف مما نحن بصدده لكنه متأثر بموضوعنا الاصلي الذي اشرنا اليه ‏في اختلاف القوانين بين ماهو الاهي وما هو عالمي انساني ، ولكنه يبقى في نفس ‏الرؤية التي ينبغي ان توضح بين ان يكون وجود الشيئ هو هو نفس ماهيته ، وبين ‏ان يخلق الشيئ وبعد فترة من الحركة والتطور تتبلور لديه الماهية والهوية والعلاقة ‏‏!.‏على اي حال : الرؤية الاسلامية وباعتبار ان عظمتها انها فكرة الاهية (( تتناول عالم ‏الامر والخلقة الاعلى في جانب من رؤيتها الكونية )) مصاغة بلغة وقانون انساني ، ‏تقول : ان العالم يخلق كدفعة واحدة بالقانون الموجود بين هذه ال ( ك .. و .. ن )) ‏سماء وارض وانسان وابليس وملائكة وحيوان ...... ومالاتعلمون ، وفي لحظة ‏الوجود هذه اخذ كل وجود موقعه من الماهية تماما وترتبت جميع علائق الخلقة (( ‏بواحدة كلمح بالبصر )) لتكون علاقة وجود ارض وسماء بانسان على اساس (( ‏التسخير: فقال لها وللارض أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين / 11/ فصلت )) ‏ولتكون علاقة ملائكة بادم (( اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ..)) وتكون علاقة ‏ابليس بانسان (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وهكذا باقي اعضاء ‏المجموعة الخلقية العالمية الاخرى بالنسبة لوجودها وبالنسبة لعلاقات بعضها مع ‏البعض الاخر ، وكل هذه الصورة قدمت لنا من خلال النص القرءاني المخاطب للعقل ‏البشري حسب قوانينه الفكرية والنفسية والانسانية ، لتترتب امام الانسان هذه الرؤية ‏القرءانية بشكل يفهم حيثياتها العلمية بصورة غير مهيئ لها اي شيئ اخر غير ‏القرءان الكريم ونصه المقدس العظيم هذا !.‏اذن : العلاقة التي يتحدث عنها القرءان بلغة الانسان وقانونه العالمي بين ابليس ‏والملائكة والانسان والارض والسماء ....الخ ، كل هذه وغيرها هي اتت على مبدأ (( ‏الوجود )) ولم تأتي على اسس ومبادئ وميكانيكة الطبيعة والكون وتراتبيته الزمانية ‏‏ المعروفة لدينا وهذه نقطة جوهرية لفهم عملية الخلق العامة وكيفية ابتدائها الفعلي ‏، ولنبتعد بعد ذالك في رؤيتنا للمشروع الخلقي او لنتخلص من الاغلال القانونية التي ‏تفرض على تصوراتنا نوع الحركة والمكانية التي تسيطر على انماط تفكيرنا الطبيعية ‏في هذه الحياة الانسانية ، فنحن هنا امام عالم مختلف عندما نريد التقاط لحظة الخلق ‏الاولى للاشياء العالمية ، لندرك من خلال الرؤية القرءانية : ان لاتراتبية مطلقا في ‏العملية الخلقية الكونية الاولى ، بل هناك (( دفعة )) موحدة (( سميه عملية انفجار ‏خلقي ليقترب المعنى لذهني وذهنك الانساني البطيئ )) هي التي ساهمت في ايجاد ‏العالم ككتلة موحدة من الخلق تضم داخل لوحتها كل الاسماء القرءانية المذكورة انفا ‏من انسان الى سماء ومن ملائكة الى شيطان ومن ارض الى حيوان ....الخ !.‏ان فهمنا جميعا هذه الرؤية ادركنا (( كيفية )) خلق ابليس وباقي الاشياء العالمية ‏الاخرى مضافا اليها نوع العلاقة التي ترتبت تلقائيا على هذا الوجود الكلي فيما بين ‏المخلوقات بعضها مع البعض الاخر !.‏صحيح : عندما يسرد لنا القرءان الكريم عملية الخلق الاولى فانه يتحدث بلغتنا ‏الانسانية وحسب مفهومنا الزماني والمكاني لنقرأ كل المشهد الخلقي على اساس لا ‏تنفر منه الذاكرة والعقل البشري ، ومن بعد ذالك تطرح الرؤية القرءانية العملية ‏بشكلها التراتبي الذي يضمن وضوح الصورة للانسان الخليفة من جهة ، وبلورة ‏القصة الى مشاهد مؤنسنة يستطيع الانسان الاستفادة منها اجتماعيا وانسانيا ايضا ، ‏لذالك جاءت لغة الايام في خلق السموات والارض :(( فقضهن سبع سموات في ‏يومين ...)) و :(( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين ...)) الخ . على ‏اعتبار تقريب وانسنة عملية الخلق الاولى التي تحرق عامل الزمان تماما بسرعة ‏مذهلة (( كلمح بالبصر )) ليصبح يوم العالم الامري الخلقي :(( ويوم عند ربك بالف ‏سنة مما تعدون )) وقوله سبحانه :(( ويوم عند ربك بخمسين الف سنة مما تعدون ‏‏)) فافهم ذالك بوضوح ليتسنى لك فهم الفاصله بين هذا العالم الامري الخلقي ‏المختلف بكلية قانونه الضوئي ، وبين فاصلة (( فاهبطوا منها جميعا / قرءان كريم ‏‏)) التي فصلت الانسان والارض والسماء وابليس والحيوان .... وباقي الاشياء ‏العالمية عن ذالك العالم الى عالمنا الانساني المعاش التي تتحكم فيه قوانين الزمان ‏والمكان ويوم الاربعة والعشرين ساعة المحدودة هذه !.‏ان الكثير منا ربما يتساءل عن سر التشنج المبكر في العلاقة الادمية الانسانية من ‏جهة والعلاقة الابليسية الشيطانية من جهة اخرى وحسب ماتطرحه الرؤية القرءانية ‏بالخصوص ، وليقول : لماذا وبمجرد وجود هذا الانسان في العالم انهالت عليه ‏النظرات السلبية من اكثر من جانب ، وليتهم من الوجود الملائكي انه مخلوق (( فاسد ‏وسفاك دماء )) وليعترض عليه من الوجود الابليسي انه انسان (( طيني )) لاخير ‏فيه ولاميزة تذكر ليوجد بهذه الصفة ؟.‏ولماذا عندما أتت الحكومة الالهية على هذه العلاقة كان نصيب ابليس الطرد واللعن ‏والغضب الالهي المطلق عليه ، بينما رأينا الكيفية التي اتى بها الحكم الالهي حنونا ‏على اسألة الملائكة حول الوجود الانساني هنا ؟.‏ان العلاقة التي قامت بين ابليس والانسان بصورة خاصة وكما ذكرناه انفا ، هي ‏ليست علاقة حركة ، وانما انحصرت فقط بعلاقة الوجود اي ان وجود الكائن ‏المسمى انسانا ، وتزامنه اللحظي الكلي مع الوجود الابليسي الشيطاني بلور العلاقة ‏الجوهرية على اساس الرفض المطلق من قبل ابليس للمخلوق الاخر المسمى ادم او ‏انسان ، فكانت الذاتية والجوهرية الابليسية وبخلقتها الاصلية (( النارية )) جوهرية ‏وذاتية بالنقيض تماما مع جوهرية وذاتية المخلوق الاخر المسمى انسانا ، فانتجت ‏هذه الضدية الذاتية علاقة :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) اما ‏العلاقة التي رسمها الوجود الملائكي مع الوجود الانساني فكانت علاقة وظيفية ‏وليست علاقة ذاتية ، لذالك جاءت العلاقة ليست تقريرية حكميا متنافرة ..، بل جاءت ‏تساءلية استفهامية استشعارية تعارفية تقاربية بين الملائكة والمخلوق المسمى ‏انسانا :(( قال اني جاعل في الارض خليفة ، قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك ‏الدماء ونحن بهذا السؤال نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) عند هذا تبينت ملامح ‏العلاقة الاولية بين الانسان من جهة وبين باقي الموجودات الكونية من الجهة ‏الاخرى ، علاقة توتر ورفض ومناقضة شديدة بين الوجود الابليسي الشيطاني من ‏جهة والوجود الانساني من الجهة الاخرة ، وعلاقة تعارف واستفهام وتسخير ‏وتجاوب .... بين الوجود الانساني وباقي الوجود الكوني والعالمي من الجهة الاخرى ‏‏!.‏انها علاقة يبنيها وجود الشيئ وليس حركته وردة فعله كما نحن نألفه في عالمنا ‏الانساني المعاش هنا في عالم الميكانيكة والطبيعة والزمان والمكان والقانون !.‏انها علاقة رسمتها يد الخلقة الالهية في لحظة ايجاد العالم الكلي ، عندما قررت ان ‏ترسم لوحة يكون الانسان سيد الوانها الرحمانية وليكون الاخر العالمي جزءا متمما ‏لهذا الوجود الخلقي الكامل !.‏نعم : يعرف جميع المؤمنين بالاسلام والقرءان ان لله سبحانه الخالق المبدع صفات ‏كمالية لاتحصى ولاتعد لهذا الاله الكامل ، لكنهم ايضا يعرفون ان لهذا الاله العظيم ‏تسع وتسعين صفة هذه لتقريب المعنى الى الذهن البشري فحسب كانت ولم تزل ‏هي صفاته الكمالية والجمالية ...الخ ، ومن خلالها نتعرف بشيئ بسيط على صفات ‏خالقنا العظيم سبحانه وتعالى ، ومن ثم ندرك مفاهيم ان يكون (( خالقا )) على اساس ‏ان وجوده المقدس هو الخلق والابداع والانشاء والعطاء والفيض الاكثر من كثير ، ‏وعليه فعندما اتساءل عن خالقي ب : لماذا هو يخلق هذا ؟. فانني ادرك ضآلة ‏تفكيري وسذاجته عندما تخبرني صفته (( الخالق )) بانه هو الخالق ولو لم يخلق لما ‏استحق صفة الخالق هذه !.‏تمام : ان الله سبحانه وجوده فيض وعطاء وخلق دائم ودائم ولحظي وكلي ....الخ ، ‏وكما ان عالمي الانساني هذا المكون من العالم الكلي هو جزء بسيط جدا من عملية ‏الخلق والانشاء والابداع الالهية الغير منتهية او محدودة الزمان والمكان ، كذالك ‏خلق عالمي هو قطرة وربما اصغر في بحر وربما اكبر خلق الله سبحانه وتعالى لما ‏لانعلم من خلق واسع وواسع جدا !؟.‏هذه الصفات الالهية المقدسة والتي يحدثنا عنها القرءان هي هوية تعارف بين الله ‏سبحانه والانسان ، كما انها وبنفس اللحظة الوان اللوحة الخلقية العامة ، فصفة ‏العلم والتنزيه هي لون الملائكة ، وصفة الرحمة والرأفة والعفو هي لون الانسان ، ‏وصفة الغضب والانتقام والشدة هي لون ابليس الشيطاني !.‏بكل تأكيد ان ابليس خلقا من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ، ولكن بكل تأكيد ايضا ان ‏هذا المخلوق رسم وجوده بريشة صفة الغضب والانتقام والشدة ... وباقي الصفات ‏الالهية الجبارة والجليلة ، ليصبح وجود ابليس بحد ذاته وجوهريته الحيوية هي ‏القسوة والتكبر والتمرد والغضب والانتقام ، مما انعكس بعلاقة لاتوافقية مع المخلوق ‏الطيني الانساني الذي وجد من فوهات صفات الله سبحانه الرحمانية الرؤفة الرحيمة ‏العفوة التائبة .... وباقي صفات الجمال والرحمة الالهية ، وهنا لابد من الاستنتاج ان ‏العلاقة الابليسية الانسانية ستؤول حتما الى التناقض والندية والتوتر فيما بين ذاتية ‏الصفات الالهية الرحمانية التي انتجت الانسان مع صفات الذات المقدسة الغضبية ‏والانتقامية التي انتجت ابليس الشيطان ، والله سبحانه مع انه الرحمان الرحيم الا ‏انه وبنفس اللحظة المنتقم الجبار سبحانه والذي يعاقب بالنار الابليسية الحارقة !؟.‏يذكر في علم العرفان الاسلامي ، ان الانسان الذي يتخذ الشيطان ابليس وليّا من دون ‏الله سبحانه لايحتاج الى عقاب ليعذبه ولكن كفاية جدا عليه العذاب الذي يشعر به ‏وهو مع علاقة مع ابليس الشيطاني هذا باعتبار ان وجود ابليس نفسه هو حالة ‏تعذيب للانسان مستمرة او هو ممارسه فعلية لغضب الله وانتقامه على الانسان ‏بمجرد ولايته للشيطان ، وهذا صحيح !.‏كذا عندما يغضب الله على المخلوق الابليسي المخلوق هو بالاساس من صفة الغضب ‏والانتقام الالهي ، فماهي العملية الا غضب على غضب وانتقام على انتقام ، وليست ‏هي عملية غضب على رحمة او انتقام على علم ونظافة ، وهنا تتبين ربما الصورة ‏لفهم الاتي :‏ان ابليس خلق بوجود قابل ومستقبل للطرد واللعن والغضب والانتقام منه ، لتعتدل ‏كفة الميزان في لوحة الخلقة الكونية ، وما وجوده الا غضب محض وانتقام صافي ‏وتكبر جوهري وذاتي ووجودي فحسب ، لذا كانت الحكومة الالهية بالطرد عادلة ‏تماما عندما حكمت على المخلوق الناري ابليس بالطرد المطلق من الرحمة الالهية ، ‏باعتبار انها حاكمت الجوهر والوجود والذات الابليسية المتمردة التي ليست لوجودها ‏اصلاح يرتجى ، وهذا بعكس الحكومة الالهية على تساؤل الملائكة واستفهامهم عن ‏الانسان في (( اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء )) !؟.‏تمام : ان خلقة وجود الانسان اثارت الوجود الابليسي وابرزت كل صفاته وماهيته ‏الوجودية لتتبلور بشكل عدم انصياعه للامر الالهي بالسجود لادم عندما قال الله ‏سبحانه :(( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا ‏سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ‏ابليس أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم ‏أكن لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم ‏‏.../ قرءان كريم ))‏هي الذاتية والوجود ..، الخلقة والكيان الابليسي لاتسمح له لاتقبل منه ان يسجد لادم ‏يحيه يرحب به ، او يقيم العلاقة التوافقية معه :(( لم أكن لاسجد لبشر خلقته من ‏صلصل من حمأ مسنون )) لم يكن ليفكر او لم يكن ليستطيع ان يغير وجوده الغضبي ‏المتكبر بان يسجد لبشر او ليرحب به او ليحيه في وجوده الجديد الانساني ، مع ان ‏الكون كله والعالم برمته حيا بعضه البعض بميلاد خلق جديد اسمه العالم والانسان ‏والملائكة والارض وابليس والارض والسماء .... ولكنه ومع ذالك انفردت الذاتية ‏الوجودية لابليس بان لاتتوافق مع مخلوقات العالم الجديد لاسيما ادم او الانسان ‏الطيني الذي يبدو ان عنصره لم يكن ليعجب ذوق ابليس وفاعليته الطينية المسنونة ‏اذت من الوجود الابليسي هذا ؟.‏شيئ جميل جدا ان تطرد صفة الانتقام والغضب والتكبر والحقد من الخلقة العالمية ‏اليس كذالك ؟.‏ولكن طرد هذه الصفات المرعبة لايعني الغاء وجودها من العالم ، ونعم ربما يكفي ان ‏نحذر من هذه الصفات وندعى الى اجتناب الوقوع في شباكها ، ونؤمن ان (( التكبر ‏رداء الله سبحانه ملعون من لبسه غير الله تعالى )) باعتبار ان الدعوة الى التواضع ‏هي دعوة الى التوافق بين مخلوقات العالم الكونية ، والله سبحانه خلق العالم ليتوافق ‏ويتعايش ويتجانس ويتخادم ويتحاب ... فيما بينه والبن الاخر ، اما ان وجد مخلوق ‏يعشق صفة التمرد ويمارس لعبة التكبر على المخلوقات الاخرى التي لاتفرق عن ‏خلقته شيئ ، فنحن مدعوون جميعا لطرد هذا المخلوق ولعنه ورجمه كي لايفسد ‏علينا مملكة التاخي والتوافق العالمية هذه ؟.‏ان علاقة الانسان وكما يرسمها القرءان الكريم مع الاخر الكوني والعالمي ، ‏باستثناء ابليس الشيطاني المعقد كانت علاقة ودية وسلسة وتوافقية ، وسرعان ما ‏انعكس وجود الانسان على الوجود الكوني والعالمي الاخر بصورة ايجابية تماما ، ‏وحتى العلاقة الابتدائية التي رسمت لنا قرءانيا على اساس انها استفهام ملائكي (( ‏اتجعل فيها من يفسد ...)) حتى هذه سرعان ما تحولت الى علاقة ودية تماما عندما ‏اكد الخالق سبحانه وتعالى للملائكة : ان الانسان هذا وجد بضميمةانه يملك (( ‏الاسماء كلها )) ولم يحلق مجردا بنزواته وصفاته الضعيفة كي يماري الفساد وسفك ‏الدماء على طول الخط !.‏لا ... انما الانسان بوجوده الجيد يصبح جيدا ورحمانيا وفاعلا عندما يلتزن بخطة ‏العمل المخلوقة معه من شرائع واتباع للرسل والانبياء والائمة والكتب والشرائع ‏السماوية ، عندئذ يكون الانسان بدلا من ان يكون مفسدا يكون مصلحا ، وبدلا من ان ‏يكون قاتلا يكون محييا للنفس والارض والسماء ومعمرا للعالم ، وصحيح عندما نأخذ ‏الوجود الانساني منفصلا عن وجوده الشرعي القرءاني الارشادي الاخلاقي المحمدي ‏العلوي .....الخ يكون وجودا اجراميا مفسدا ، اما ان اخذنا وجود الانسان مع الاسماء ‏التي علمها الله له واكتسبها بمجهوده الانساني عندئذ سيكون وجود الانسان عظيما ‏حقا ، وهنا تبلورت العلاقة الملائكية مع الانسان بعد فهم هذه الحقيقة الانسانية ‏بقولهم (( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )) والفرق ضوئي بين ‏‏(( انا خير منه )) وبين (( فسجد الملاءكة كلهم اجمعون )) بلا ادنى تردد من الخلقة ‏او الفطرة او الوجود القابل للطاعة الالهية والتعايش السلمي مع العالم بكل ودية !.‏الخلاصة : هي ان العلاقة التي اقيمت بين ابليس اللعين من جهة وبين الله سبحانه ‏والانسان من جهة اخرى ، علاقة خلقها الوجود الذاتي لهذا المخلوق المعقد المسمى ‏ابليس والمخلوق البسيط المسمى انسانا ، وبالتاكيد نحن نفهم مغزى الروايات ‏والنصوص التي تؤنسن هذه العلاقة لترتقي بها الى نوع من الحكاية الاجتماعية ‏لتصبح درسا من ضمن الدروس الكثيرة التي يستفيد منها الانسان في حياته الفردية ‏والاسرية والاجتماعية هذه ، كالتي تروى لعبادة ابليس لالاف من السنين ووصوله ‏الى مرتبة الملائكة في العبادة وغير ذالك الكثير ، ولكننا نفهم من خلال رؤيتنا ‏المتواضعة هذه ان الحكاية اعمق من ذالك وانها ترجع بجذورها الى لغة الوجود اكثر ‏من رجوعها الى لغة الاجتماع الانساني لذا تقرر ان نرى الزاوية الفعلية للعملية ‏الخلقية وليست الزاوية الاجتماعية الانسانية المؤنسنة فحسب والتي سوف ندخل ‏اليها بسؤال : ماهي الخطيئة التي تضمنت مقولة ابليس العلائقية مع ادم في قوله :(( ‏انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ؟.‏وسوف نتناول محاور عشرة انشاء الله تعالى تدلل على فساد عقيدة هذا المخلوق ‏المسمى ابليس وفساد وجوده وفساد نظرته وعدم قابلية انسجامها واتلافها مع ‏الوجود الكوني والعالمي ككل ، لنصل الى نتيجة : ان من عظم رحمة الله بالعالم ‏والانسان انه طرد ولعن ابليس تماما وجعله من المرجومين الى الابد !.‏

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية - 3

لماذا خلق ابليس ؟. وماهي علاقته مع الانسان ؟.وماعلاقة الانسان به ؟. ماهي مشكلة هذا المخلوق المعقد مع الله سبحانه ومع الانسان ؟.كثيرا مايتسائل العقل الانساني عن ماهية الخلق العامة
في هذا الكون والعالم والانسان ، وربما وفي كثير من الاحيان ايضا يحاول الفكر الانساني ان يتلمس الاجابة على تساؤلاته تلك في جزئيات تعابير اللوحة الخلقية هذه مما يسبب له الكثير من الاضطراب في الرؤية وفي الاجابة كذالك ، فيبدأ بالتساؤل حول الجزئيات الخلقية وليست الكليات العمومية ليقول : لماذا خلق الله سبحانه الشيطان المسمى دينيا بابليس ؟.الحقيقة ان الاشكالية في مثل هذه التساؤلات المشروعة انها تنظر الى جزء من اللوحة فحسب ، او هي ولعدم معرفتها بالفن الخلقي الرائع تنظر الى لون واحد من الالوان الكثيرة الموجودة في اللوحة الخلقية ، ولتعترض فيما بعد مثلا على اللون الاسود المستعمل في هذه اللوحة الفنية ، وتتسائل : لماذا وجد هذا اللون الاسود في اسفل او اعلى هذه اللوحة ؟.نعم الفنان الرائع والمبدع لايسال عن وجود اللون في لوحته بلماذا ؟.، وانما يلتفت في سؤاله الى الجانب الاعمق في المسألة وليتسائل : هل ان وجود هذا اللون اوذاك في هذه الزاوية او تلك هو الاكثر انسجاما وجمالية لروعة اللوحة ؟. وهل ينبغي ان يوضع اللون بخطوطه في هذه الزاوية او تلك ؟.هنا المسألة مختلفة تماما بين الهاوي لفن التسائل عن الفن وقوانينه وبين الفنان المدرك لقوانين الفن واساليبه !.الاول يسأل حول : لماذا وجد هذا اللون في اللوحة ؟.أما الثاني فيدرك : ان وجود الالوان المتعددة من ضرورات وجود اي لوحة فنية جميلة ، ولذالك هو يسأل عن مواقع تواجد هذه الالوان ومدى انسجامها مع المنظر ، ولايسأل عن لماذا يوجد هذا اللون او ذاك في صلب كيانية اللوحة ، باعتبار ان استخدام الالوان في اي لوحة هو من الضروريات الفنية التي لاينبغي التساؤل حول وجودها في اللوحة ، بل ويعتبر اي فنان ان السؤال عن تواجد الالوان المتعددة في اي لوحة فنية هو ضرب من السفه الفني لاغير !؟.تمام : في مثل هذه الاجابة عن : لماذا خلق او وجد ابليس في لوحة الخلقة العالمية ؟. نكون امام تسائل هو شبيه بمن يسأل عن اللون الاسود في اللوحة الفنية تلك ، ولماذا هو وجد في هذه اللوحة ، وربما ان اردنا الاجابة على مثل هذا السؤال الغير عميق لقلنا : لتكتمل جمالية الصورة واللوحة الفنية العامة لمشروع الخلقة الكونية والعالمية والانسانية !.اذ من غير الجميل ان نقوم بصناعة لوحة لوجه فتاة جميلة ، ونسقط حاجبها من المنظر او انفها او عينها لتكون اكثر جمالا !.بل المفروض ان تكتمل الصورة بكل جماليتها المتكاملة ان وجدت جميع عناصر اللوحة الانسانية لتكون :(( العين والحاجب والانف ... وكل شيئ في مكانه جميل )) كما قال احد الحكماء في رؤيته الفلسفية هذه ، والعكس صحيح ايضا ان حاولنا اسقاط جزء من اللوحة او رفعه من معادلة اللوحة الكلية فاننا سوف لن نجني سوى صورة ولوحة مشوهة تماما وغير جميلة بالمرة باعتبار ان رفع جزء من اللوحة اثّر بشكل سلبي على جمال وكمال اللوحة الفنية ككل متكامل ومتجانس ايضا ، وهكذا هي المسألة او قريبة من هذا عندما نريد اخذ لون (( ابليس )) في الخلقة العالمية لنسأل حوله بلماذا هو موجود هنا ؟. او لماذا لم يرفع من اللوحة لتكون اكثر جمالا وبهاء عندئذ ؟.لا .. ربما عند رفع اللون الاسود لابليس من مجمل اللوحة ستتحول الى لوحة مشوهة تماما وغير ذات طعم وذوق جيد تستسيغها المزاجية الفنية للانسان المعقد !؟.اذن : سؤال لماذا خلق ابليس في هذا العالم هو شبيه بسؤال لماذا خلق هذا اللون في هذه اللوحة او هو قريب لسؤال لماذا لايرفع هذا اللون من هذه الرائعة الفنية للخلقة العالمية ؟., وربما وفي كلا الحالتين ستكون الاجابة تعنيفية لمن يسأل مثل هذه الاسألة ، ولا اقل من الاجابة عن الاول : بأن خلقة ابليس ضرورة فنية لوجود اللوحة الخلقية العالمية ؟!. وعن الثاني بأن يقال : لاتوجد لوحة بلا الوان مختلفة ؟!.ان الكثير منا ومع الاسف عندما يريدون ان يقيموا اللوحة الفنية الكبيرة للخلقة العالمية فانهم ينظرون الى الجزء الكبير او الصغير من هذه اللوحة ليتساءلوا حوله ، ولربما اخذوا موضوعة معينة من هذه الخلقة ليتساءلوا حولها ولتكن الزاوية المظلمة من اللوحة الخلقية المتعلقة ب (( ابليس )) او الشيطان ، ليركزوا بعد ذالك كل رؤيتهم وادراكهم حول هذه الجزئية وليعلنوا بكثير من الغضب بالقول : لماذا خلق الله هذا المخلوق الذي هو سبب كل الشرور والمآسي في العالم الانساني ؟.وهل الله هو بحاجة لهذه الخلقة المسماة ابليسا ؟.ولماذا لم يكتفي الله سبحانه برسم اللوحة بعيدا عن خطوطها الرمادية لتكون الصورة كلها مشرقة وجميلة ؟.وأليس سوف تكون الخلقة اكثر جمالا عندما نرفع هذا المخلوق المعقد من اللوحة ، ولتكون الخلقة بلا ابليس اصلا ؟.نعم عندما ينظر الانسان الى اي شيئ من هذه الزاوية فانه ينظر بعين طبيعته العقلية والذهنية والنفسية للاشياء العالمية ، فالانسان المفكر محكوم بقوانين الزمان والمكان الكونية ، وقوانين التراتبية والنظام الطبيعية ، ولايستطيع عندئذ الا نادرا ان يتخلص من هذه الاغلال الكونية والطبيعية القانونية التي تسيطر على رؤيته وفكره للاشياء العالمية ، لينظر الى العالم بعيدا عن اغلاله ومن ثم ليرى العالم ككل متكامل لايتجزأ في تركيبته وخلقته الموجودة هذه !.صحيح : ان الانسان لايتمكن من رؤية الاشياء العالمية والكونية الا حسب قوانينها الميكانيكية الطبيعية ، وقوانينها الزمانية والمكانية ايضا ، فكل شيئ حوله يسير وفقا للزمان والمكان ، فهذا الشيئ من العالم ياتي بعد هذا زمانيا او مكانيا ، وهذا السبب سيلد ذاك حتما بعلاقة ميكانيكية لاتتخلف عن المقدمة والنتيجة ..... وهكذا ، هو انسان محكوم بقوانين تحيطه من كل جانب لتنظم له حركته في هذا العالم الكوني والطبيعي ، فلا غرابة عندئذ ان نظر الانسان الى باقي اشياء العالم الخلقية على هذه النمطية ليعتقد ان نواميس الخلقة الالهية هي هي على نفس النمطية الميكانيكية التي تحيط به ، وليعتقد فيما بعد : ان الله ايضا عندما خلق الانسان والسماء والارض والحيوان والملائكة وابليس ....وباقي اشياء الكون الانسانية الفكرية والمادية هي اتت على نفس النمطية الزمانية والمكانية ، ليعتقد هذا الانسان بضرورة بداية ونهاية الخلقة الالهية ايضا ، ليرى مشروع الخلقة وحسب طبيعته الانسانية انها بدأت اولا بخلق السماء وبعد ذالك الارض ومن ثم الملائكة وبعد ذالك ......الخ ، وهي محكومة بنفس القانون الانساني التراتبي الذي يقسم الاشياء العالمية زمانيا ومكانيا الى متقدم ومتأخر في الخلقة هذه !.نعم ان قلنا ان كل جزء من اشياء العالم الكونية والانسانية والمعنوية مرّت بعملية جزئية من الخلق نكون قد جزأنا الخلقة الى قطع متفرقة لتكتمل لدينا الصورة الخلقية بأن ننظر الى كل جزء من اجزاء العالم على اساس انه عالم متكامل بوحدة منفصلة عن باقي الاجزاء ، وفي مثل هذه الرؤية من حقنا ان ننظر الى عوالم متعددة يسمح لنا عندئذ العقل البشري الساذج ان نقول او نرى عالم ابليس مختلف عن عالم الانسان وعنه عن عالم الحيوان والجماد ....الخ ،لنصل الى نتيجة فكرية تعتقد بامكانية دراسة كل عالم كوحدة قائمة بذاتها ، وبعد ذالك من حقنا القول : لماذا خلق الله سبحانه العالم الابليسي الشرير ؟.ولماذا لم يكتفي بالعوالم الاخرى من الخلقة الكونية ؟.وما حاجة الخالق سبحانه وتعالى لهذا العالم القاتم الالوان الخلقية هذه ؟.أما ان نظرنا الى الخلقة الكونية والعالمية والانسانية على اساس انها وحدة متكاملة ولوحة منسجمة غير قابلة للتجزيئ او التفرقة ، وادركنا ان عملية الخلق الالهية الربانية هي عملية كلية لعالم واحد متجانس ومتكامل ، فهمنا مقاصد قوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم :((وما أمرنا الا واحدة كلمح البصر / 50/ القمر )) وادركنا اننا امام عالم واحد فحسب هو عالم الانسان والكون والطبيعة والملائكة والحيوان والشيطان ، وعندئذ تضيق امامنا مساحة التفكير المتجزئة للعالم الخلقي هذا لتكون امامنا اللوحة ككتلة واحدة بقانون واحد تحت ظل (( كن فيكون )) الالهية المقدسة ، وحينئذ يصعب تماما التفكير بالسؤال عن جزء من اللوحة والصورة (( ابليس )) لنعترض بلماذا هو خلق اصلا ؟.لا ... لانستطيع في هذه الصورة اخذ الجزء منفصلا عن الكل للدراسة ، بل ينبغي النظر للصورة بكل الوانها وخطوطها الصاعدة والنازلة ، ونحكم بعد ذالك على العالم وهل هو مركب بصورة محكمة وغاية في الروعة ام انها صورة ناقصة لبعض العناصر الاخرى ام هي صورة فيها الكثير من الزيادات الخارجة عن نطاق الفن الجميل هنا ؟.والان : هل من الضروري خلق ابليس في هذا العالم المعقد ؟.وماهية العملية الخلقية العامة الغير خاضعة لنواميس الميكانيكة الطبيعية ؟.كيف خلق ابليس ؟.للحديث بقية

ابليس ذالك المخلوق المعقد ... رؤية قرءانية من اجل ثقافة دينية ‏ج 2


هل فكرة ابليس جيدة وايجابية للحياة الانسانية ؟.‏ أم هي وبالعكس سيئة ومضرة لهذا الوجود البشري في العالم ؟.‏ كثيرا وعندما يتناول الفكر الديني بصورة عامة موضوعة اساس الشرور ومصدره ‏الاعمق في هذا العالم (( ابليس او الشيطان )) فان التناول يميل الى زاوية الانقباض ‏والتمترس عن هذه الفكرة ، ودفع فكرة (( ابليس )) الى الزاوية المظلمة تماما‏
ليحوّل فيما بعد هذا الابليس الى رمزية غامضة تستحق وبالفعل تجنب كل كيانها ‏والابتعاد حتى عن التفكير بها او تناول الاحساس بوجودها السيئ ، ومن ثم تكون ‏الاستعاذة بالله العلي العظيم من شرورها القاتلة فحسب هي الطريق الاسلم للانسان ‏المؤمن وغير المؤمن في هذه الحياة المليئة بالاخطار الشيطانية !.‏صحيح : هل الكيفية الصحية بالتعامل مع فكرة (( ابليس الشيطاني هذا )) هي ‏الاستعاذة واللعن والطرد من حياتنا الفكرية والشعورية فحسب، حتى نصل الى مرحلة ‏عدم التفكير ونهائيا بهذا العدو الخطير ؟.‏أم ان الطريقة الاسلم والاكثر واقعية هو التعرّف على ملامح وصفات وسمات ‏العدوالاول للانسانية كي تكون لدينا الارضية التي من خلالها نفهم عدونا لنتجنبه ‏بوعي وبلا خوف او خشية من تسلطه الوهمي ، مع اضافة الاستعاذة بالله بعد ذالك ‏؟.‏في المدرسة الاسلامية رؤية خاصة ترى او تقول : بوجوب التعرف على العدو مهما ‏يكن هذا العدو حاملا من معنى او ماهية للتمكن من الاحتراز من مكائده وشروره ، ‏لاسيما ان هذا العدو وبالخصوص ان كان (( ابليس )) الشيطاني المرصود فكريا ‏اسلاميا ونصيا قرءانيا على اساس انه العدو الذي ان فهمت اساليب وانماط افكاره ‏وسلوكياته ومخططاته الشريرة فانه سيصبح من الاعداء الضعفاء جدا امام الانسان ‏الواعي بكافة حيثيات وجوده الشيطاني هذا ، يقول القرءان موضحا هذا المعنى حول ‏الشيطان :(( ان كيد الشيطان كان ضعيفا / 76/ النساء ))‏هذه الرؤية القرءانية بعكس باقي الرؤى الدينية الاخرى التي ترى وتعطي لابليس ‏الشيطاني قوى وصفات ترتقي بسلطته لان تكون قاهرة للقوة الانسانية ومتسلطة ‏عليها ، كالذي نجده ونراه كثيرا في المسيحية واليهودية والثنوية التي طغت في ‏الفكرة الى ان اوصلت قوى الشر الشيطانية لان تكون الاها اخر يحرك العالم بشره ‏مع الاه الخير المطلق في الثنوية ، وكذا مانراه في ابليس الانجيل الذي له هيمنة على ‏الصحة الانسانية العقلية والنفسية وغير ذالك ، بحيث ان هذا الابليس الشيطاني ‏بامكانه الدخول الى العالم الانساني الجسدي والعبث به كيفما شاء ، ليحول الانسان ‏فيما بعد الى جثة هامدة وضعيفة ومنهزمة امام السلطة الابليسية هذه ، مما يتطلب ‏ارسال رسول او نبي او ابنا لله سبحانه ليشفي مرضى وضحايا ابليس اللعين ، بان ‏يشفي كل من تلبسه ابليس ليسلب عقله او ليهيمن على صحته النفسية او الجسدية ‏كما تروي لنا اناجيل المسيحية الاربعة حول معجزات ابن الله وحربه العالمية على ‏السلطة الشيطانية هنا !.‏كذا الحال اكثر غموضا فكريا في الديانة اليهودية التي ترى لابليس الشيطاني هذا ‏مكانة ندية مع الله سبحانه وتعالى ، بل ولابليس ربما في بعض المواضع التوراتية (( ‏قصة ايوب مثالا في العهد القديم )) حيل ومكائد وخروقات ترتقي لان تصل الى ‏مرحلة اللعب مع الاله المطلق الله سبحانه وتعالى ليوقع انبياء عظاما في شباك حيله ‏الشيطانية تلك !.‏ولايقل الحال سوءا بالنسبة لنا على الاقل عندما نقرأ ونسمع عن الديانة الايزيدية ‏ايضا عندما وصلت الى مرحلة الايمان بضرورة اتقاء شرور ابليس الكبيرة بأقامة ‏علاقة ودية معه وربما الارتقاء بهذه العلاقة الى كتابة معاهدة سلام ابدية تضمن ‏عدم غضب ابليس علينا نحن البشر الضعفاء والمساكين امام قوة وهيمنة طاووس ‏الملائكة كما تعتقدة الايزيدية هذه !. ‏وعليه ندرك ان فكرة : الخوف والرعب وضرورة تجنب وعدم التفكير ....الخ ، ‏بابليس المخلوق المعقد والاكتفاء بالاستعاذة والهروب من الشعور به .....الخ ، كل ‏هذه الافكار والتصورات المضطربة قد تسللت الى العقل الاسلامي من خلال هيمنة ‏العقل الديني الاخر على منابع التفكير الاسلامي اليوم ، ودفع فكرة ابليس وبناءها ‏على الاسس الدينية الاخرى التي تجعل من سلطة هذا المخلوق شيئا فوق التصور ‏البشري ، هو مادفع بالعقل الاسلامي للاستسلام لفكرة الاكتفاء بالاستعاذة من ابليس ‏اللعين فحسب ، والهروب من التفكير به والتعرف عليه بدلا من ذالك !.‏نعم الطرح القرءاني يرى : ان هذا المخلوق المسمى ابليسا والموصوف بالشيطان ‏الرجيم ، هو كباقي المخلوقات العالمية الاخرى ، لايمتلك من الامر الانساني او ‏الكوني العالمي اي شيئ يذكر سوى ما ملكه الله سبحانه وتعالى من خلال ما ارتضاه ‏الشيطان نفسه من وظيفة لكيانه ، ونعم له سلطة ضعيفة على الجانب المعنوي ‏الفكري للانسان باعتبار انه (( ابليس )) يملك فن (( التزيين )) والدعوة والاغراء ‏والتمنيات ، وهذه بحد ذاتها لاتختص بالملكية الابليسية بقدر ما هي طبائع ركبت في ‏الفرد الانساني خلقيا ، ومن ثم ليستغل مفاعيلها الروحية والنفسية والفكرية ، ابليس ‏الماكر ليوظفها لصالح الجانب السلبي للحياة الانسانية والذي يراه ابليس انه عدوه ‏الاول والاخير في هذا الوجود العالمي ، قال الله سبحانه في محكم كتابه العظيم ‏القرءان الكريم :(( يعدهم ابليس ويمنيهم ومايعدهم الشيطان الا غرورا / قرءان ‏كريم )) !.‏وتمام تتضخم السلطة الابليسية وتتمكن قوتها القاهرة ، وتظهر بشكل ملفت للنظر ‏على اتباعه واولياءه كما يذكره القرءان العظيم ، عندما يقع الانسان تحت هيمنة ‏السلطة الابليسية ليصبح ابليس حاكما فعليا وامرا وناهيا ومتحكما تماما في حياة ‏الانسان الذي استسلم الى شهواته الشيطانية ، أما في الجانب الاخر من البشرية ‏والتي ادركت ان قوة الانسان في السيطرة على رغباته المعنوية والمادية ، وان ‏تحرره في ان يكون انسانا متساميا على غواية الجريمة وحب الاعتداء على الحقوق ‏، فمثل هذا الانسان هو الاقوى في معادلة حكومة ابليس الذي تمرد عليها هذا ‏الانسان واستهزأ بكل سلطتها وقوانينها المجحفة ، عندئذ يمكننا القول :(( ان كيد ‏الشيطان كان ضعيفا )) ولم يزل ضعيفا هذا ؟!.‏ومن هنا نفهم التصور الاسلامي القرءاني لأبليس ومدى اختلافه عن باقي التصورات ‏الاخرى الدينية لنفس هذا المخلوق الغامض ، ونعتبر ان الرؤية القرءانية رؤية ‏تدعوا الى اقتحام عقبة الخوف من ابليس ، وضرورة التعرف من خلال الطرح ‏القرءاني لها على عوالمه الفكرية والمعنوية والسلوكية ايضا ليتسنى لخليفة الله ‏سبحانه الانسان ان يدخل معركته المصيرية مع ابليس وهو واع ومدرك ومخطط ‏بشكل جيد لسير واساليب ومحاور المعركة بينه وبين ابليس هذا ، والذي هو مرة ‏حالة معنوية واخرى حالة مؤنسنة بشرية ايضا .‏ولكن ومع هذه الرؤية الاسلامية الواقعية للمخلوق النفسي والمعنوي والمادي ابليس ‏الشيطاني هنا ، فهل من فائدة تذكر على المستوى الفكري العام لفكرة ابليس هذا ؟.‏نعم ربما يتساءل البعض صحيح ان فكرة (( التعرف )) الفكرية على مخلوق ‏يسمى في الفكر الديني (( ابليس )) وفي علم النفس الاخلاقي (( امراض نفسية ‏وخلقية )) تكون جيدة في جوانبها الروحية الاخلاقية والنفسية للانسان وحياته ‏الفردية والاسرية والاجتماعية ، ولكن وعلى المستوى العام للفكرة (( فكرة ابليس ‏والشيطان ومصدر الشرور في هذا العالم )) هل هي ضرورية وجيدة لفكر الانسان ‏ومشاعره في هذه الحياة ؟.‏أم انها فكرة سيئة او غير ذات قيمة واقعية على مستوى الحياة الانسانية ، ولذالك ان ‏بقيت هذه الفكرة او الغيت فسيان في معادلة النفس البشرية ، وربما لانغالي ان قلنا ‏ان رفع الفكرة من الاساس واعتبارها مجرد اسطورة دينية فحسب تكون اكثر فائدة ‏من ان لو قلنا انها فكرة واقعية وتملك رصيدا من الحقيقة العلمية هنا ؟.‏هل فكرة (( ابليس )) الدينية وخصوصا الاسلامية هي فكرة ايجابية على الحياة ‏الانسانية ؟.‏واذا رفعت هذه الفكرة ماهي سلبيات ومنعكسات هذا الرفع نفسيا او روحيا او ماديا ‏على الحياة الانسانية ؟.‏الحقيقة ان فهم ايجابية فكرة (( ابليس )) الدينية هذه على الحياة الروحية والفكرية ‏والنفسية على الانسان ، هو ماسوف يهيئ معرفة لماذا هذا الاهتمام المبالغ فيه من ‏قبل الاديان بفكرة (( ابليس )) الشيطاني ووجوده السلبي الذي سيلد الوجود الايجابي ‏للحياة الانسانية هنا !.‏هل حقا ان فكرة الاسلام الفلسفية الكبيرة التي تقول : ان الخير موجود في باطن ‏الشر وان الشرّ موجود في باطن الخير !. هي فكرة لها من الواقعية الشيئ الكثير ، ‏لنصل الى ادراك الكيفية التي يكون فيها :(( ان مع العسر يسرا )) وكذا ان مع ‏الوجود الشيطاني خيرا للانسان هي ايضا فكرة واقعية ؟.‏وما واقعية هذه الخيرية التي تاتي من قبالة الابليسي الشيطاني هنا ؟.‏ان فرضية رفع الفكرة (( فكرة الشيطان وابليس او مصدر الشرور العالمية ...الخ )) ‏‏ من قواميس حياتنا الانسانية ، سيدفعنا كبشر مفكرين الى التساؤل حول مصدر هذه ‏الشرور العالمية الانسانية من جديد ان رفعت مصدريته الدينية الممثلة بابليس ‏وشياطينه ، لنبحث مرّة اخرى بهذا السؤال : اذا لم يكن ابليس هو مصدر الشر ‏الموجود في حياتنا الانسانية ، او هو على الاقل عامل مهم من العوامل المساعدة ‏على وجود الشرور في عالمنا الانساني ، اذن من اين تاتي هذه الشرور التي ‏يمارسها الانسان كل لحظة من لحظات حياته البشرية ؟.‏في معرض الجواب نحن امام خيارين :‏الاول : هو ان الانسان بخلقته وبفطرته الطبيعية مخلوق على اساس انه مخلوق ‏شرير وبالفطرة وبالطبع ولذالك هو المصدر الاول والاخير لكل الشرور العالمية !.‏والثاني : هو ان نعود ونبحث من جديد على مصادر اخرى تقاسم الانسان بمصادر ‏الشرور الموجودة عنه ، ولنسمها باي مبررات وتسميات اخرى غير التسميات ‏الدينية كابليس او الشيطان او اي شيئ اخر !.‏الخيار الثاني يعود ولايضيف شيئا جديدا للمعادلة الدينية بصورة عامة ، الا اختلاف ‏التسميات بين ماهو ديني واخر غير ديني !.‏أما الخيار الاول فانه سينعكس سلبيا على رؤية الانسان لنفسه وروحه ووجوده ، مما ‏يدخله في انفاق مظلمة وخطيرة ليتساءل عن عدالة القانون الانساني والالهي ايضا ‏الذي سوف يساءله عن جرائمه التي هي موجودة معه وفي خلقته ومن ضمن فطرته ‏الانسانية ، ليصل اخيرا بالكفر بكل عدالة او قانون او موازين تريد ان تحاسبه ‏وتساءله على اخطاءه الطبيعية والفطرية هنا !.‏بكل تأكيد ان رفعنا فكرة (( ابليس او الشيطان )) من الحياة الفكرية والانسانية ‏والروحية والمعنوية من الوجود البشري فلا يتبقى امامه سوى اتهام ذاته الانسانية ‏بانها مولّدة الشرور العالمية ووالدة الجرائم الشيطانية والاخلاقية ، مما يدفع الانسان ‏اخيرا الى القبول بالجريمة والشرّ على اساس انها قوانين من ضمن القوانين ‏الانسانية الطبيعية مما يدفعه فيما بعد لاعادة النظر في القوانين والدساتير ‏والاخلاقيات الفطرية التي تجرم الجريمة بحد ذاتها ورفع هذه الاشكالية بان يقبل ‏الانسان بالجريمة والذنب والكوارث على اساس انها قوانين السيكلوجيا والفسلجة ‏البشرية الطبيعية التي لاينبغي تجريمها باعتبارها من ضمن القوانين الطبيعية لحياة ‏البشر !.‏أما ان قلنا ان الفطرة الانسانية فطرة اخلاقية ونظيفة وبريئة ولاتقبل على الشرور ‏والجرائم البشعة الا بمساعدة العوامل الخارجية والداخلية والتي من اهمها ابليس ‏الشيطاني المذكور بالقوانين الدينية والاساطير الانسانية .....الخ ، عندئذ من حق ‏البشرية الانسانية ان تحترم القانون وتقدس الاخلاق وتدعوا للعدالة والقصاص ، ‏باعتبار كل ذالك : ان الفطرة البشرية فطرة لاتقبل الاجرام والشر بالطبيعة الانسانية ‏هذه ، وعليه هي ليست مولدة ومنتجة للشر والجريمة بالخلقة والفطرة ، وانما هناك ‏العوامل التي بالامكان التغلب عليها انسانيا هي التي انتجت الشرور والجريمة في ‏عالم الانسان ، ومن هنا يرحب الانسان بالقوانين والعدالة والدساتير والحقوق ...الخ ‏، عندما يدرك ان طبيعته وفطرته وجبلّته وكينونته ولدت على الفطرة الاخلاقية التي ‏لاتقبل ان يعتدي انسان على اخر ، وان اعتدى انسان على حقوق الاخرين او سلب ‏حياتهم او مارس الاجرام بحقهم او ......الخ ، كل ذالك هو خارج نطاق الفطرة ‏والخلقة الانسانية مما يتطلب العقاب والردع للروح الشيطانية الشريرة التي تهيمن ‏على داخل وخارج الانسان المجرم هذا !.‏هنا تتبين وبوضوح مدى ايجابية فكرة (( ابليس الشيطاني )) على الحياة الفكرية ‏والنفسية للانسان بصورة عامة ، لاسيما ان اخذنا زاوية : ان الانسان يشعر مع هذه ‏الفكرة ان الشرور البشرية منتج من خارج الطبيعة الانسانية وليس من داخل هذه ‏الفطرة البشرية ، واذا اضفنا الرؤية الاسلامية القرءانية لهذه الرؤية الانسانية العامة ‏، وثبتنا مبدأ :(( مامن مولود الا ويولد على الفطرة .../ محمد رسول الله ص )) فقد ‏اضفنا له البعد النظري الذي يساعده على فهم ان يكون الانسان انسانا وبالخلقة هو ‏انسان جيد ومعتدل وطيب ...الخ ، ولكن بعض العوامل الخارجية اقصد الخارجة ‏عن النفس والطبيعة والفطرة الانسانية هي التي تساهم في خلق الانسان الشرير ‏والمجرم والمنحرف ، ثم ياتي بعد ذالك دور (( ابليس والشيطان ومصدر الشر ‏العالمي الكبير )) ليعمق من عزلة الانسان عن ذاته وفطرته وليبعده اكثر فاكثر عن ‏نفسه هنا تفهم سيادتكم عزيزي القارئ مضمون معنى الحديث المشهور : من ‏عرف نفسه فقد عرف ربه ، ومن ثم لسيتولي على وجوده وطاقته ولينظمه الى ‏حزبه ومن ضمن رعايا دولة الشيطان الاكبر ليتحول الانسان شيئا فشيئا من ولاية ‏الله والانسانية والاخلاق والانبياء والائمة الاطهار ...، الى ولاية الشيطان واللعب ‏على حبائله الخبيثة :(( ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ‏‏/ قرءان كريم ))‏صحيح : ان اخذنا فكرة (( ابليس )) من زاوية انه المصدر الاكبر لغواية الانسان ، ‏ودعوته للضلال ، وتشجيعه على فعل الاجرام وعدم احترام القانون ....الخ ، فان ‏الفكرة هنا توحي لنا بان الوجود (( وليس الفكرة بحد ذاتها )) الابليسي هو من اسوأ ‏الوجودات العالمية للوجود والعالم الانساني الادمي ، وهذا صحيح تماما باعتبار ان ‏العدو الاول للبشر هو ابليس اللعين ، ولكن كون ابليس الشيطاني هو العدو الاول ‏للانسانية لاينفي ان تكون فكرته تحمل نواة الفائدة والايجابية للوجود الانساني من ‏جوانبها الاخرى ، لاسيما ماذكرناه من منعكسات ايجابية روحية وفكرية ونفسية على ‏الرؤية الانسانية من هذه الفكرة ، وكذا ان اضفنا لها الابعاد الفلسفية العميقة ايضا ‏للخلقة الالهية العظيمة التي تخلق كل ماهو جميل في هذا العالم ، لنصل الى نسبة ‏جمال الفكرة الابليسية التي تنعكس على تبرئة الحياة الانسانية من فطرية الجريمة ‏والذنب والخطيئة والشر ، لنرى اللوحة ومن قبلنا الانسانية من زاويتها الجميلة في ‏الخلقة الالهية وليس من جانبها المظلم والسيئ فحسب !.‏النتيجة : ان فكرة (( ابليس الشيطاني )) وحسب الطرح القرءاني الاسلامي ، ومن ‏زاويتها الغير مسبوقة لرؤية اشياء العالم الخلقية الجمالية ، هي فكرة ايجابية بصورة ‏عامة على الفكر والنفس والروح الانسانية ، وذالك باعتبار انها بعكس الرؤية ‏الانجيلية لخطيئة الانسان الفطرية برأة الفطرة والخلقة الانسانية تماما من لوثة ‏فطرية الشرّ للكينونة البشرية ، ورمي هذا الشر على المصدر الخارجي المسمى ‏ابليسا او شيطانا باعتباره من اهم المصادر الخلقية للشر العالمي الموجود في الحياة ‏الانسانية ، مما يجعل الباب مفتوحا تماما امام الانسان الشرير للعودة والانخراط في ‏الحياة الانسانية النظيفة من الهيمنة والسلطة الشيطانية تسمى العملية دينيا اسلاميا ‏بالتوبة كما انها فرعت الكثير من التشريعات الفكرية والقانونية لمصلحة الحياة ‏البشرية ايضا .‏