الاثنين، أكتوبر 31، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر ... الشيوعية )) 12 حميد الشاكر


عندما طرح السيد الشهيد محمد باقرالصدر كتاب( فلسفتنا) في سنة 1959 ميلادية ليكون ردا وبحثا ونقدا ..... علميا وفلسفيا وفكريا لاطروحة الاشتراكية الشيوعية الجدلية الماركسية في العراق وفي العالم انتاب الكثير من التيارات الفكرية داخل العراق وخارجه الذهول والغرابة لهذه الظاهرةالفلسفية والفكرية للامام السيدالصدر الغير متوقعة للواقع العراقي بشكل خاص ، وللواقع العربي والاسلامي بشكل عام وكان ويبدو انه لم يزل سرّ الغرابة والذهول يتمحور حول النقاط الاتية :
اولا: في الخمسينات من القرن المنصرم كان المدّ الاشتراكي الشيوعي وخصوصا في العراق وكذا المدّ الاشتراكي القومي فيما بعد في العالم العربي والاسلامي في قمة اوجهما وطغيان جماهيريتهما الثورية المتهسترة ، مما يضع اي محاولة بحث او نقد او اي طرح مختلف عن هذه التوجهات الاشتراكية المادية مخاطرة لا يمكن ان يجرأ عليها انسان يريد لحياته الاستمرار ، والاستقرار في الحركة ، الا اذا كان هذا الانسان ممن يحمل هموم مشروع جماهير وامة كاملة وليس مجرد شخصية فردية تحاول صد طغيان بحار الاشتراكية الهائجة !!.
وهكذا كان بالفعل الامام الصدر ، عندما طرح فكره وفلسفته الاسلامية وشخصيته الانسانية الفردية ، لتتحول الى مشروع امة ، تحاول النهوض وصد الهجمة العاتية للاشتراكية الشيوعية في العراق على حساب وجودها الشخصي والفردي والعائلي والانساني !.
ثانيا: عندما دخلت الاشتراكية المادية الشيوعية للعراق في ثلاثينان القرن العشرين المنصرم لتتغول بابشع صورها في الخمسينات كان من اهم الاهداف التي رفعتها هذه الاطروحة المادية هوالقضاء على كل مايمت بصلة للدين وللمعنوية وللاخلاق الاسلامية ، وكان من ضمن بروبجندات المدّ الشيوعي الاشتراكي بهذا الصدد هو وسم الوجود الديني برجاله وبفكره وبتصوراته وبسلوكه ..... بانه مجرد حفنة من الخرافات والاساطير التي لاتؤمن بعلم ولاتدرك فلسفة ولاتتعامل بمنطق مع الحياة والتطورولهذا كان الاشتراكيون الشيوعيون العراقيون ينظرّون الى ان سبب تخلف الشعب العراقي وجموده هو الدين والاسلام ورجال الدين وحوزاتهم الدينية وغير ذالك وما من نهضة وتطوروتقدم للعراق (حسب الطرح الشيوعي العراقي) سيرى النور الا بالقضاء على كل الظاهرة الدينية واستئصال كل وجود لها متحرك داخل المجتمع وخارجه !!.
بهذه اللحظة بالذات من تاريخ العراق الذي كان يغلي تمرداوثورة وتهستراعلى كل ماهو ديني واسلامي واخلاقي ...الخ طبع السيد الصدر كتاب (( فلسفتنا )) لينزل للاسواق وهو يحمل عنوان انه : (( دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية وخاصة الفلسفة الاسلامية والمادية الديالكتيكية الماركسية )) !!.
عندها اسقط بيد الاشتراكيين الشيوعيين العراقيين كلهم لتلقف عصى السيد الصدر الاسلامية وفكره وفلسفته كل مايأفكه المدّ الاشتراكي الشيوعي العراقي ضد الدين ورجاله والاسلام والمعنوية في هذا الوطن !!.
اتهموا الدين والاسلام بانه افكاراسطورية فارغة من كل فلسفة منطقية واذا برجل الدين الشاب المنحدر من البيئة الدينية الحوزوية التقليدية وصاحب العقد الثاني من عمره السيد الصدر يطرح منطقا وفلسفة تهدم كل بنيانهم الفلسفي من القواعد !!.
وزعموا بان الاسلام والدين لايؤمن بالعلم ولا بالتطور واذا بالسيد الصدر صاحب العمامة الدينية والمنتمي بكل وجوده لهذا الاسلام والدين ينظرّفي اطروحته الفلسفية الاسلامية لفهم العلم والتطور ، ودعم هذا العلم وتقديسه ، بل وادراكه بصيغ علمية وليس بصيغ ايدلوجية مسيسةكالذي حاولته الاشتراكيةالمادية الشيوعية من استغلال مسمى العلم بينما هي لم تطرح في فلسفتها اي مسكة علم بامكانها ان تصمد امام مقررات العلم وسننه وقوانينه كما شرحه للعالم السيد الصدر في كتابه فلسفتنا !!.
وكذاعندما اعلنت الاشتراكية الشيوعية العراقية من ان الدين ورجاله ماهوالا افيون مغيب للعقل ، وللضمير البشري عن المطالبة بحقوقه الاجتماعية والانسانية ويجب التخلص منه لتتحرر الثورية الانسانية من اغلالها الراسمالية ، التي صنعت الدين ليكون سلاحا مخادعا لها في حربها لاستغلال الطبقة العاملة واستعباد البشر !!.
عندها وفي لحظة هذا الاعلان الاشتراكي الشيوعي بالضبط برز لهم رجل الاسلام والدين الاول السيد محمد باقر الصدر في ساحة الثورة ، والنضال للمطالبة بحقوق المظلومين والفقراء والمنهوبين والمستعبدين....الخ ليقلب الطاولة على رؤوس كل الاشتراكيين الشيوعيين وافتراءاتهم ، واكاذيبهم على الاسلام والدين وقادته وليعلن هو من جانبه وبشكل ((نظري وعملي)) ان الاسلام والدين هوصاحب الثورة ضد الظالمين وان قادته ورجاله هم الصف الاول من المطالبين والمنادين والثائرين في طريق الحق والعدل والحرية !!.
وبهذا كان الصدرظاهرة غريبة فعلاامام المدّالفكري والجماهيري الشيوعي و غير الشيوعي في العراق والعالم انذاك !!.
ثالثا : كانت ظاهرة الفكر الفلسفي للسيد محمد باقر الصدر كالصاعقة التي انفجرت في وجه المدّ الاشتراكي الشيوعي المستورد من الكتلة الشرقية السوفيتية انذاك في العراق عندما اعلنت هذه الصاعقة عن ولادة قطرة مطر اسلامية او عن ولادة امة تحمل مشروعا وفلسفة ورؤية مغايرة تماما للرؤية والفلسفة والمشروع الاشتراكي الشيوعي في العراق !!.
قبل السيدالصدر و فكره وفلسفته كان المشروع الاشتراكي هوالمهيمن على الشارع السياسي والفكري العراقي والعربي والاسلامي ...... وحتى العالمي وكانت الامة المقهورة الضعيفة المسلمة داخل العراق ، وخارجه في حيرة وتيه تحت وطأة هذا المدّ الفكري الاشتراكي المادي المهيمن تماما اعلاميا ونفسيا وروحيا .... وكونيا على عقل الانسان العراقي ومنافذ تفكيره وكل تصوراته للحياة والمجتمع والعالم !.
أما بعد ان طرح السيد الصدر فلسفته ليناقش من خلالها كل مفاصل واسس الفكر الاشتراكي الشيوعي وليبين في الحلقة الثانية في كتابه (( اقتصادنا )) كل عورات الاقتصاد الاشتراكي المخادع ، عندها تكونت نواة الامة العراقية الثورية ، وتنفست الصعداء بثقة على اساس انها امة تحمل فلسفة وفكرا ومشروعا يفهم العالم ويدرك الحياة وينظّرللمستقبل على نوروهداية عندئذ ولدت نواة الامة المسلمةداخل العراق وعندها ولد التيار الاسلامي الذي بدأ يتشكل طفلا صغيرا ينمو بصعوبة امام هذا الوحش الكبير المسمى بالاشتراكية الشيوعية !!.
وهنا يمكننا القول ان قبل طرح الامام الفيلسوف الصدر رض ، لفلسفته الاسلامية كان قوس الاشتراكية الشيوعية في العراق في تصاعد صاروخي مستمر ، اما بعد طرح السيد الصدر لفلسفته الاسلامية ، واردافها باقتصاده الاسلامي ، فأن عقارب ساعة الاشتراكية الشيوعية في داخل العراق بدأ عده التنازلي الفكري ، والسياسي بالفعل ، لينحصر شيئا فشيئا ولتحل محله الاطروحات الاشتراكية القومية في نهاية المطاف كتعويض فكري لابد منه لانحصار المد الشيوعي !!.
والحقيقة ان ما دفع بالفكر الاسلامي الذي طرحه السيد الصدر في فلسفته للنهوض على انقاض هبوط بنيان الفكر الاشتراكي داخل العراق ، هو ان فكر الامام الصدر كان فكرا عراقيا ذاتيا صنعته محركات الفكر العراقي الصدري ومن خلال انتاجه محلّيابحيث ان الامام الصدركان حاضرا فعليّافي طرح هذا الفكروالفلسفة الاسلامية ومتواجدا فكريا ، ليصدّ اي مستجدات او اشكالات تصدر ضد هذه الفلسفة والفكر الاسلامي العراقي الاصيل !!.
بينما كانت الاشتراكية الشيوعية ، وفكرها في العراق مستوردا من خارج العراق وجلّ المنتمين لفكرها من المقلدين ، والمنقادين بتبعية مطلقة لفكر القادة التاريخيين لهذا الفكر او قادة يقبعون في الاتحاد السوفيتي للتنظير لهذا الفكر وليس في العراق من هوقائداشتراكي شيوعي يرقى الى مستوى التنظيروالتفكيرالفلسفي الاشتراكي الشيوعي المبدع، والقادر على تجديد هذا الفكر وصدّ ما يطرأ عليه من مضادات فكرية ومناقضات فلسفيةولهذا لم نرى اي من الاشتراكيين الشيوعيين داخل العراق فضلا عن خارجه من تصدى لاطروحات الصدر الفلسفية بالمناقشة او على الاقل بالرد عليها على سبيل الدفاع عن الاشتراكية الشيوعية ، وما ذالك طبعا الا لافتقار الفكر الاشتراكي الشيوعي داخل العراق الى قيادات فكرية تتمكن اوهي على الاقل مهيئة فكريا وعلميا ، لاستيعاب الفكر ومناقشته والدفاع عنه بوعي وفلسفة وفكرية ولهذا ظلت فلسفة الصدر رض متصدرة ، للفكر العراقي وفي نمو مضطرد امام الفكر الاشتراكي الشيوعي العاجز عن الدفاع عن نفسه ، من خلال المنتمين له او الهاتفين عن جهل بشعاراته او ترميم ماهدمه الصدر من بنيانه المادي المخادع !!.
رابعا : كان السيد الصدر محمد باقر حقيقةً ، وما طرحه من فلسفة مناهضة للفكر الاشتراكي الشيوعي في العراق وفي زمن لاريب انه كان برمته للفكر الاشتراكي الشيوعي ، شيئ لايمكن قراءته بالمألوف من القراءات الاجتماعية التي تحاول فهم التكوين الاول لنواة الظواهر الاجتماعية ، والسياسية الكبرى داخل اي مجتمع !!.
فنحن هنا أمام شاب في النصف من العقد العشرين من عمره وينحدر تربويا لبيئة اجتماعية ، دينية حوزوية ، تقليدية وتنكب على دراسة العلوم الدينية بصورة تامة فحسب باعتبار ان مجال التفوق فيها والابداع هو الجانب الديني من الحياة وتبتعد تقليديا عن الاهتمام بالفلسفات والعلوم الاجتماعية او السياسية او العلمية ، واذا بنا نفاجأ بطرح فلسفي لهذا الشاب الحوزوي يناقش اكبر اطروحة بشرية فلسفية تحكم نصف العالم سياسيا ، وفكريا انذاك باسم ، وتحت عنوان هذه الفلسفة الاشتراكية الشيوعية العالمية !!.
طبعا السيد الصدر لم يكن يملك انذاك لاسلطة تسنده ولا جمهور شعبي عارم يرفع من منزلته ، ولا حتى مدّرس متخصص بالفلسفة يلهمه بعض مفاتيح الفكر الفلسفي الحديث ليعينه على كيفية فهمه بغض النظر عن وعيه ونقده والكتابه حوله بل كان لايملك السيد الصدر في حقيقة الامر سوى فكره وقلمه وحركته الشخصية التي تنم عن اقدام وشجاعة ادبية وفكرية لم تكن تتوفر في كل المحيطين به !!.
ليس من الشيئ اليسير طبعا ان تكون فكرة وفلسفة كالفلسفة الاشتراكية الشيوعية التي استعمرت في الخمسينات تقريبا التسعين بالمئة من العقل العراقي الجماهيري والثقافي والسياسي ان تدع مجالا لاي مفكر كان ان تكون له فسحة التفكير خارج سياقاتها الثقافية والاجتماعية والجماهيرية فضلا عن التفكير بوعيها اولا ثم نقدها ثانيا ثم وضع فلسفة اعلى منها منزلة ثالثا ، وهذا اليس سهلا ، ولا طبيعيا وغير منطقيا ... هو ما قام به السيد الصدر وهو شاب في العشرينات من عمره الشريف !!.
نعم ليس من السهل على شاب حوزوي في مقتبل العمران يتصدى لفكر الاشتراكية الشيوعية بهكذاجرأة ادبية تنم ان دلت على شيئ فانما تدل على اننا امام لغز محير في الفكر وفي التطلع وفي الرؤية للسيد الصدر فبالوجود العراقي كان هناك اكابر مراجع الدين والفقه والاصول والاسلام ممن يرون هذا التمدد الاشتراكي الشيوعي الماركس وهويبتلع بشراهة كل افراد المجتمع العراقي من خلال فكره وفلسفته وما يطرحه باسم التقدم والتطور والعلم والحتمية ....لكن كان جلّ المراجع الاسلاميين والفقهاء والاصوليين يقفون وقفة ذهول وتحير في كيفية معالجة هذا التمدد الفكري المادي الاشتراكي الالحادي الخطير في المجتمع العراقي ، والوافد من عبر الحدود ليكتسح من امامه كل من يحاول او يفكر ان يقف بطريقه وبوحشية منقطعة النظير !!.
عند هذا المفصل من تاريخ العراق الحديث وقف السيد الصدر متصديا بفكره وحده لهذا الفكروبكل جمهوره المتهسترسياسيا ليقول كلمته الفلسفية بلا خشية وبلا رعب او تردد ولوللحظة في مناقشة فكر اكل نصف العالم وهو في الطريق لاكل النصف الاخر !!.
هل كان يعتقد الامام الصدر رحمه الله تعالى ان في فكره وما سيطرحه من فلسفة اسلامية تحاول الانتصارعلى الفكرالماركسي الشيوعي الاشتراكي المادي من القوّة ما سيقف امام هذا الاخطبوط الشيوعي الاشتراكي العالمي الكبير ؟.
الجواب بالقطع نعم ، ولو لم يكن الامام الصدر على يقين بان فكره سينتصر على الفكر الاشتراكي الشيوعي لما اقدم السيد الصدر على الاقدام على مشروع صناعة فلسفة اسلامية تهدي النور لامة قابعة في ظلام دامس !!.
وهل كان يشك ولو للحظة الامام الصدر انه يحمل مسؤولية اعادة انتاج وبناء امة هرستها عجلات دبابات الشيوعية الاشتراكية في العراق ليطرح لها هووليس غيره فلسفة وفكرا ينتشلها من ظلام ومادية هذه الاشتراكية المخادعة ؟.
الجواب بالطبع كلاّ لم يشك الصدرولوللحظة انه الوحيدالذي انتخبته الارادة الالهية ليتحمل مسؤولية هذه الامة في بناءها فكريا على فلسفة اسلامية اصيلة تعيدها من الداخل لروحهاووعيها الاسلامي الاصيل من جهة وانه الوحيد الذي ينبغي ان يفكر على اساس انه ملك لمشروع امة ، لا يفكر بنفسه كشخص ابدا ، واذا تطلب الامر التضحية في سبيل استمرار وانتعاش حياة هذه الامة ، ونهوضها فيجب ان لايتردد الصدر في التضحية بشخصه كي تعيش الامة من بعده بدمه الطاهر !!.
وهذا الجواب هو بالفعل مايفسر لنا لماذا كان الشهيد الصدر حريصا في اخر ايامه ان يتوج حياته الشريفة بان يكون شهيدا بعدما كان اومرّبمرحلة كونه رقيبا ومفكرا وفيلسوفا واستاذا ومدرسا ومعلما ومذكرا لهذه الامة العراقية !!.
ان السيد الصدر وتناول فكره الفلسفي بالخصوص اذا اعيد دراسته حسب ظروفه الزمانية ، والمكانية الماضية سيتضح لنا بوضوح : اننا امام معجزة او لغز بشري محير بالفعل بحاجة الى اعادة دراسته فكرية لنقيم الصدر بصورته التي تاخذ حقها الطبيعي من التقييم !!.
اما ان اردنا ان نتناول الصدر اليوم ومن خلال فكره الفلسفي ايضا فيكفينا ان نعلم ان امتنا العراقية قد اكتفت تماما بفلسفة الصدر منذ ذالك الزمان وحتى اليوم ونحن لم نزل ننظرلكتاب فلسفتنا انه جاء ليبقى بدليل ان لافلسفةطرحت بعد فلسفة الصدر بامكانها ان تضيف او تنتقد او تسموا على ماطرحه الصدر من فلسفته ،وهذا يكفي على ان الصدر فلسفيا لم يزل بحاجة الى دراسات اوسع في هذا المضمار !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com

السبت، أكتوبر 22، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 11 حميد الشاكر


لايمكن لنا ونحن نغادرالنظام الراسمالي في فكرالسيد محمد باقر الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا أن لانتعرض لفكرة طرحها الصدرحول هذاالنظام الراسمالي الديمقراطي بالبحث باعتبارها من اهم النقاط والافكار الراسمالية ونعني بذالك طبعا فكرة (الحرية) التي تعتبر ركن اساس من اركان القواعد المذهبية ، التي بُنى عليها هذا النظام الراسمالي مشروعه الاجتماعي والسياسي من البداية مع الفردية وحتى النهاية !!.

وكما طرحنا بعض الاسئلة آنذاك حول الفردية ، ومفاهيمها واصولها ومرجعياتها الفكرية والفلسفية ، فكذالك الآن نود الدخول ، لبحث مفصل الحرية في الراسمالية وحسب ماطرحه الامام الصدررحمه الله في تمهيده الفلسفي بهذه الاسئلة الجوهرية ولنقول :
ماهي الخلفيات الفكرية والفلسفية ، التي هيئت الراسمالية كنظام ومذهب اجتماعي لاعتماد الحرية كفكرة للفرد بالتحديد وليس لمسمى المجتمع لتكون احد المنطلقات الاساسية والبُنى الجوهرية في هذا المذهب الراسمالي الذي يعلن ان حرية الافراد الطبيعية خط احمر لا يمكن اغفاله ، او تجاوزه في اي مفردة من مفردات النظام الراسمالي الديمقراطي ؟.
وهل عندما نظرّت الراسمالية للحرية الفردية ، كحق مطلق للفرد كانت تنطلق من مستند فكري متين يهيئ لهذه الدعوة نوعامن المصداقية القادرةعلى صناعة الايمان داخل اي انسان يقرأ او يسمع عن الحرية الفردية في الفكر الراسمالي ؟.
أم ان الراسمالية عندما طرحت حرية الافراد المطلقة ، فقد طرحتها على عواهنها كحرية يشعر بها الانسان فطريا ، وبلا حاجة منه لفكر ينّظر له مقومات وخلفيات هذه الحرية ، ليجيب من ثم على سؤال : لماذا ينبغي علينا ان ننظر لحرية الانسان الفردية على اساس انها حرية مقدسة ، وانها من ضمن حقوقه الطبيعية والقانونية والشرعية والانسانية ... التي لايسمح بالتعرض لها ، او الاعتداء عليها او تحجيم مفاعيلها الاجتماعية تحت اي مسمى ومبرر وعنوان ؟.

السيد الفيلسوف الصدر (( رضوان الله عليه )) كما هو مُدرك لم يطرح في تمهيده الفلسفي ، ولافي غيره مما كتبه من فكر حول الراسمالية ، هذا الُبعُد من موضوع الحرية ومن الاساس ، مع انه كان رائعا جداً لو فعل الامام الصدر وتناول الابعاد الفلسفية والفكرية لجذور موضوعة الحرية في الراسمالية الديمقراطية ليتعامل مع فكرة الحرية والحريات الاربعة فيما بعد من القواعد وليتم نقد الاساس النظري او بحث مفهوم الحرية المطلقة للراسمالية من البداية ليصمد اوينهار كل البناء الفوقي الفكري المذهبي للراسمالية الديمقراطية في موضوع الحرية !!.

لكن مع ذالك تناول السيدالصدرمفهوم الحرية الراسمالية من جانب اخرلايقل اهمية عن جانب التأسيس النظري الفلسفي لموضوع الحرية واقصد به جانب (( الحرية الشكلية والحرية الجوهرية )) ليطرح لنا السيدالصدر مفهوما (فيما اعتقد) لم يسبقه اليه احد ممن تناول الحرية ، وماهيتها ، وكيفية ان تكون حقيقية جوهرية ، او انها شكلية مفرّغة المضمون الحقيقي والمعنى ، وهذا ما سنتناوله في فكر الصدر حول الحرية الراسمالية ولكن بعد ان نجيب على الرؤية الراسمالية لمفهوم وحق الحرية للافراد لنسأل :

ماهي الجذور الفكرية التي اعتمدعليها النظام الراسمالي في رؤيته للحرية الانسانية بصورة عامة والحرية الفردية بصورة خاصة ؟.
وهل عندما اراد ان يعتنق ويؤمن بالحرية ، للفرد داخل مجتمعيته الانسانية اعتمد على الرؤية الليبرالية المادية الغربية ، التي ترى : ان الحرية منتج منحته الطبيعة المادية التي تحيط بالبشر من كل جهة للانسان فحسب ؟.
أم ان الرأسمالية آمنت بالحرية باعتبار انها مكتسب مضاف للانسان حسب الرؤية اللاهوتية الاخلاقية الدينية التي ترى الحرية بانهامنحة الاهية مقدسة قدمتها الاديان لهذا الانسان باعتبار انها كرامة بشرية وميزة انسانية لاغير ؟.
أو ان الراسمالية لم تؤمن بالحرية لا من خلال الرؤية الطبيعية ولا من خلال انها رؤية دينية اخلاقية بل ان الراسمالية آمنت بالحرية لانهامنحة اجتماعية وحضارية يوفرها المجتمع للفرد بعد ان تستقر الحياة ، وتطغى مطالب الترف والتحضر على المجتمع فيقدم المجتمع هباته الحضارية الراقية والتي من بينها حريات الافراد ؟!!.

طبعا ان الكثير ممن قرأ فكر الصدر حول مفهوم الحرية ولاسيما ما طرحه السيد الصدر بالتحديد في كتابه (( اقتصادنا )) ، باعتبار انه الحلقة الثانية في سلسلة فكر الصدر بعد كتاب (( فلسفتنا )) ليبحث فيه الحرية من عدة جوانب فكرية ، ومذهبية سيدرك ماهية الحرية اوهويتها التي آمنت بها الراسمالية وبنت مذهبها الاجتماعي على اساسه ، ومما لاريب فيه ان كلمات الصدر ومفرداته كانت ذاهبة : الى ان الحرية التي تتحدث عنها الراسمالية ، كحق للافراد ماهي الا (الحرية الطبيعية ) المادية الليبرالية الغربية التي بُنيت فكرياقبل قرون من ولادة العالم الصناعي للقرن الثامن والتاسع عشر فيما بعد !!.
وهذا المبنى يبرز واضحا في فكر الا مام الصدرعندما فرّق في بحثه عن الحرية بين الحرية الطبيعية ، والحرية الاجتماعية وضرورة ان لايخلط بينهما او يعطى احدهما خصائص الاخر بالقول :
(( ويجب أن نشير-قبل كل شيئ – الى ان هناك لونين من الحرية وهما : الحرية الطبيعية ، والحرية الاجتماعية ، فالحرية الطبيعية : هي الحرية الممنوحة من قبل الطبيعة نفسها. والحرية الاجتماعية هي : الحرية ، التي يمنحها النظام الاجتماعي ويكفلها المجتمع لافراده ولكل من هاتين الحريتين طابعها الخاص فلابد لنا- ونحن ندرس مفاهيم الراسمالية عن الحرية – ان نميز احدى هاتين الحريتين عن الاخرى .)) 1 .
ومن خلال هذا النص الصريح للسيد الصدر ندرك نوعية الحرية ، التي آمنت بها الراسمالية الديمقراطية لافرادها ، واعطت بموجبها لهم كل هذه الحريات المطلقة والصلاحيات والامتيازات القانونية والسياسية والفكرية والشخصية ... التي ذابت امامها تماما شخصية المجتمع وحقوقه وحرياته الطبيعية !!.

أما ماهي هذه الحرية الطبيعية ؟.
وكيف نظر لها الفكر الليبرالي المادي الغربي ؟.
وعلى اي اساس اصبحت الطبيعة واهبة للحرية لجميع افرادها بالتساوي ؟.

فهذه قصة ترجع بافكارها الفلسفية ، والسياسية الى القرن الخامس عشر الميلادي وما بعده عندما انبرى مجموعة من فلاسفة القرون الوسطى الاوربية للتنظير الى (( العقد الاجتماعي )) والتفكير بكيفية استحصال الانسان لحقوقه الطبيعية ومن ثم السياسية والاقتصادية والفكرية .... أمثال الفيلسوف الفرنسي ((جان جاك روسو)) والفيلسوف الهولندي (( سبينوزا )) صاحب كتاب رسالة في اللاهوت ، والسياسة والفيلسوف الانجليزي (( جون لوك )) ، وغيرهم ولعل خيرمن يحدثنا عن الطبيعة وهبتها الحرية للانسان ، هو الفيلسوف الانجليزي جون لوك / 1632م / 1704م الذي ناضل نضال كبيرا من اجل العقد الاجتماعي وليقول :
(( ان العالم تحكمه قوانين طبيعية ، تتفق مع العقل ، وهي قوانين أزلية ، تتحرك بحرية كاملة ، يمارس فيها الناس اعمالهم ويتصرفون في ذواتهم وممتلكاتهم على مايرونه ملائما لهم ، لايستأذنون فيها انسانا ، ولايعتمدون على احد ، وهي حرية تسودها المساواة ، فليس لانسان ان ينال اكثر مما يناله الاخر ....، فحيث يتساوى افراد النوع الواحد في الانتفاع بكل ماتمنحه الطبيعة وبنفس المواهب فمن حقهم ان يتساووا تمامامع بعضهم البعض وهي حرية ايضايحكمها القانون الطبيعي واحكامه ملزمة ... فليس لاحد منهم الاعتداء على الاخر.. وعلى كل منهم ان يصون قانون الطبيعة )) 2.
وهكذا هي ايضا رؤية الفيلسوف الهولندي اليهودي سبينوزا في رسالة في اللاهوت والسياسة 3 ، والفرنسي جان جاك روسوا كذالك 4 فكل هؤلاء هم من نظّر للحق الطبيعي للانسان والذي على اساسه بنت الفلسفة الغربية رؤيتهافي العقد الاجتماعي من جهة والحرية الفردية الطبيعية من جانب آخر !!.
وعلى هذا الاساس كذالك ، جاءت الحرية ومفهومها في منظومة الفكر الراسمالي الديمقراطي مابعد العالم الصناعي لتنظّر للافراد ، وحقوقهم الطبيعية او التي تهبها الطبيعة المادية لهم ، بعيدا عن اي سلطة دينية او سياسية او اجتماعية او اخلاقية معنوية لها الولاية على هذه الحرية او تحجيم فوضويتها الجامحة !!.
ويمكننا هنا وفي هذا المفصل من مفهوم الحرية الطبيعية الفردية بالتحديد ان نفتح قوصَ نقاشٍ عريض مع هذه الحرية الطبيعية والمادية الراسمالية الديمقراطية فيما بعد ، لكن يكفي الآن ان نشير الى محورين من النقاش مع هذه الحرية الطبيعية :

الاول: هو لماذا عزفت المادية الليبراليةالفردية الغربية عن ارجاع الحرية لمناشئها الاجتماعية ، او السياسية او الاخلاقية الدينية ، واكتفت بمسمى الطبيعة لتكون هي والدة حق الافراد في الحرية ؟.
الثاني:وهو محورهل فعلا تمتلك هذه الطبيعة ماتعطيه من حقوق وحريات للانسان ووجوده ، مايضطرنا نحن البشر للنظر الى هذه العطايا بكل تقديس واحترام ؟.
أم ان الطبيعة جماد ميت لا تشعر، ولاتهب ولاتأخذ حقوقا او تعطي واجبات وعلى هذا الاساس لايمكن بناء مذهب اجتماعي او تشريع قانوني اورؤية ادارية سياسية على هذه الخيالات الوهمية بين الطبيعة والانسان ؟.

في البدء لابد من الاشارة ان منحى هذه الحرية الطبيعية مما لاشك فيه انها حرية مادية صرفة أُخذت مقطوعة عن كل مايتصل بالاخلاق ، او المعنوية او المجتمع او اي صلة اخرى تمثل الضابط الواقعي لمسائل هذه الحرية ، وعلى هذا الاساس نحن ننظر الى ان فلاسفة الليبرال الماديين الغربيين باعتبارهم كانواعلى ادراك تام لهذا الفصل بين حريتهم الطبيعية المزعومة ، وبين اي ضوابط تسلط الضوء على حدود ، وخلفيات هذه الحرية ، ولهذا انتخب فلاسفة الحرية الطبيعية ، كما انتخب الراسماليون الديمقراطيون هذا النوع من (الحرية) وغرضهم وهدفهم هو التضليل والخداع بالاغرار من البشر ، والعاشقين لمسمى الحرية والتطلع اليها بعنف ليكون هؤلاء المساكين وقود حرب معركة الماديين من راسماليين وليبراليين في معاركهم السياسية والاقتصادية الكبيرة ، ضد كل من يقف امام مشروعهم القديم والجديد الا وهي المادية ، والاّ الماديون الغربيون وكذا الراسماليون الديمقراطيون انفسهم على وعي تام ان هذه الطبيعة هي مجرد وعاء لا ينطق ولايعطي ، ولايوحي ولايمنح ولايمنع اي شيئ للانسان يرتقي ليكون اساسا لبناء نظام ومذهب اجتماعي حقيقي ولهذا هم حوّلوا اخطر موضوعة للبشرية جمعاء ، الا وهي حرية الانسان لمصدر ابكم اسموه الطبيعة ليكون هو وثيقة فكرهم الفلسفية ومصداق ادعاءاتهم الايدلوجية وليقولوا في نهاية المطاف، بما معناه : من كان عنده شك ، فيما نطرح من حرية وحقوق للافراد فليرجع الى الطبيعة ويسألها على المستويين في الطبيعة الجغرافية والاخرى الانسانية بهل حقا انت من منح الانسان قانونه وحريته وكل ما استحصله من تشريعات وقوانين ؟.
أم ان الانسان ولد مفتقرا لهذه الحرية فاستحصلها من غير الطبيعة نفسها ؟!!.

أما مايتعلق بالمحورالثاني الذي يتساءل عن الطبيعة واعطاءها وهبتهاماهي مفتقرة اليه من حرية للانسان فقد تنبه ايضا الكثير من الفلاسفة والمفكرين لخداع وتضليل هذه المدرسة الطبيعية ومن ثم المادية في موضوعة الحرية الانسانية الطبيعية فمن المعاصرين مثلا لجون لوك وروسوا وكذا سبينوزا الفيلسوف الانجليزي (( توماس هوبز ))/ 1588م / 1679م / ، والذي هو لايقلّ شأنا في المساهمة في بناء الفكر السياسي الاوربي الحديث لكن مع ذالك اختلف الرجل جذريا حول الرؤية للطبيعة الانسانية ماقبل قيام الكيان السياسي ورأى بخلاف فلاسفة حرية الطبيعة ان قوانين الطبيعة بالعكس كانت قوانين متوحشة ويغلب عليها الصراع والتصادم والارهاب والخوف من كل شيئ ....الخ ،وعلى هذا الاساس لم تكن الطبيعة في حياة الانسان في يوم من الايام مانحة ((لقانون الحرية والمساواة)) بين البشر ليعتمد مثل فلاسفة الحرية الطبيعية على الطبيعة لتكون هي مصدر المساواة بين البشر وقانون الحرية في داخلها ، وليبنوا من ثم منظومتهم المذهبية ، والقانونية داخل المجتمع على هذا الاساس !!.

وهكذا من المعاصرين الذين لهم باع طويل في تورخة القصة الانسانية الحضارية على وفي هذا العالم ، من يذهب الى نفس المنحى الذي اتجه نحوه (( هوبز )) في رؤيته للطبيعة وصلاحها ، او عدمه ، لاعطاء مستند الحرية للانسان ، فهذا (( ول ديورانت )) الامريكي الاصل وصاحب موسوعة ((قصة الحضارة)) التي جاوزت الاربعين مجلدا في التورخة ، للبشرية ومنذ عصورها الحجرية حتى قيام الصناعة الغربية ، فهو يؤمن ايضابان الطبيعة لاتهب ولاتأخذوانما المجتمع وحده بشخصيته وهويته هو وحده من يقرر اعطاء الافراد بداخله نوعا من الحرية مطلقة او مقيدة ليتمتع من ثم الانسان بهذه الحرية من خلال اقرار الدولة ، واعترافها له بالحقوق وعلى هذا الاساس ردّ ديورانت على اصحاب نظرية الحرية الطبيعية بالقول :
(( إن الحقوق لا تأتينا من الطبيعة ، لأن الطبيعة لاتعرف من الحقوق الا الدهاء والقوة ، انما الحقوق مزايا منحتها الجماعة للأفراد على اعتبار انها تؤدي الى الخير العام ، ولذا فالحرية ترف اقتضاه اطمئنان الحياة ، والفرد الحر ثمرة أنتجتها المدنية وعلامة تميزها .)) 5 .

إذاً موضوعة الحرية وارتباطها بالطبيعة واخذ الطبيعة كمصدر فلسفي لرفد رصيد الحرية في الراسمالية الديمقراطية الفردية الحديثةلايمكن اعتبارهذا المنحى الفكري جديرا بالاحترام القانوني والتشريعي والاخلاقي لمفهوم الحرية الفردية التي تدعونا الراسمالية لاحترامها ، وتقديسها في مذهبها الاجتماعي المزعوم ، لاوبل اكثر من ذالك ، (ومن وجهة نظرنا ) ان هذه الحرية الطبيعية الراسمالية وبهذه التصورات المادية الفارغة من اي نوع اخلاقي ، او رباط معنوي او اجتماعي هي من حولت اليوم وبعد كل هذه التجارب الانسانية للحرية الراسماليةالحياة كلها الى غابة ارتدت بالحياة الانسانية الى جذورها المنفلتة المتوحشة ليأكل الانسان اخيه الانسان سياسيا واقتصاديا بضمير مرتاح وهو يعتقد ان القوانين الطبيعية التي هي مصدر القوانين والتشريعات المدنية قاضيابهذا الصراع الذي يحتم البقاء للاقوى اقتصاديا وللافضل عنصريا وشيطانيا !!.

نعم الامام السيد الفيلسوف الصدر عندما فرّق بحثه للحرية الى حرية طبيعية ليقول بوجودها لم يعني انها الحرية الصالحة لتكون هي مصدر تنظيم الحياة الاجتماعية ، ولهذا هو رحمه الله لم ينفي وجود هذه الحرية الطبيعية لكنه انكر ان تكون هذه الحرية اصلا صالحة لتنظيم حياة البشر الاجتماعية ، ولهذا اشار قدس الله روحه الشريفة بالقول :
(( ومن الواضح ان الحرية بهذا المعنى - معناها الطبيعي – خارجة عن نطاق البحث المذهبي وليس لها اي طابع مذهبي لانها منحة الله للانسان ، وليست منحة مذهب معين دون مذهب ، لتدرس على اساس مذهبي )). 6 .
اي ان هذه المنحة الطبيعية التي اتت بتناغم بين الطبيعة والانسان لتعطيه الحياة وتعطيه الارادة وتعطيه الحركة هي اولا منحة الاهية متصلة بخالق هذه الطبيعة وهذا الانسان ، ومن ثم جميع مايتمتع به الانسان والطبيعة ايضا من مميزات هي منح مقدسة ليس لانها مادية منقطعة الى الطبيعة فحسب بل لانها متصلة ومنحة من قبل الله للانسان ، وبهذا يحق بل يجب علينا احترام كرامة الانسان ونقدس حريته لانها منحة وهبها الله مالك كل شيئ لهذا الانسان !!.
ثم هي بعد ذالك حرية يشترك فيها الانسان مع الطبيعة بجمادها ونباتها وحيوانها بتفاوت ذكره الامام الصدر في شرحه للحرية الطبيعية ، وعلى هذا الاساس هي حرية بحاجة الى منظم من جهة ، وحيزها مختلف ، عن حيز حرية الانسان داخل المجتمع ، وعندما ينخرط في عملية تبادل علاقات ، بين افراد المجتمع مع بعضهم والبعض الاخر من جانب اخر ،وهذا الحيز الاجتماعي هو ما يعطي او يهب الفرد داخل المجتمع هويته وهو مايهب او يمنع او ينظم حريات الافراد داخل اي مجتمع من وجهة النظر الفلسفية للسيد الصدر !!.

وهنا ، وفي هذا المفصل بالذات يطرح الامام الصدر مفهومه عن الحرية الحقيقية التي لاتوفرها الراسمالية الديمقراطية لافرادها لتخادع وتضلل باسم الحرية الشكلية التي توهم الانسان بجوهريتها بينما هي مجرد وهم يعيش بداخله اي مغفل !!.

يشرح السيد الصدر مفهومه الاسلامي للحرية الجوهرية التي ينبغي توفيرها لجميع افراد المجتمع بقوله :
((اما الحرية الاجتماعية الجوهرية : فهي القدرة التي يكتسبها الانسان من المجتمع على القيام بفعل شيئ معين وتعني هذه القدرة :ان المجتمع يوفر للفرد كل الوسائل والشروط التي يتطلبها القيام بذالك الفعل فاذا كفل لك المجتمع ان تملك ثمن سلعة معينة ، ووفر هذه السلعة في السوق ، ولم يسمح لاي شخص اخر بالحصول علي حق احتكارها في شراء السلعة ...... فانت عندئذ حرّ في شراء السلعة لأنك تتمتع اجتماعيا بكل الشروط التي يتوقف عليها شراء تلك السلعة ، واما اذا كان المجتمع لايوفر لك ملكية الثمن ، او عرض السلعة في السوق ، او يمنح لغيرك وحده الحق في شرائها ... فليس لديك في الواقع حرية جوهرية ، او قدرة حقيقية على الشراء )) . 7 .
اي ان النظام الاجتماعي ، او المذهب الاجتماعي الذي يستمد شرعيته من المجتمع ويتكئ على عقده الاجتماعي بين الدولة والقانون من جهةوالمجتمع من جهة اخرى هو الكفيل بوضع الضمانات الفكرية والسياسية ومن ثم الاهم الاقتصادية والتربوية الاخلاقية الاجتماعية التي تضمن للفرد او للافراد داخل المجتمع ان يملكوا القدرة القانونية والواقعية والجقيقية على ممارسة الحرية الجوهرية داخل المجتمع !!.
اما ونحن امام نظام راسمالي فردي ، يقنن القوانين للاحتكار الاقتصادي ، ويترك المجتمع في قانون الغابة ماقبل النظام السياسي ، لينتصر فيها القوي على الضعيف باسم حماية الحرية الطبيعية ، ويجير الدولة بكل قوتها لحماية هذه القوى المتوحشة ويمنح الضمانات الاقتصادية للاحتكار الاقتصادي الذي يعجز الاخرين عن امتلاك القدرة او على الاقل وجودالسلعة في الاسواق كحق مكفول لجميع الافراد الحصول عليها بدون ان يكون هذا الحق للقوي دون الضعيف.... فمثل هذا المذهب والنظام الاجتماعي لايعتبر مطلقا انه يحمي الحرية الطبيعية للفرد او المجتمع ، بقدر ماهو مذهب ، ونظام متوحش يدعم سلب القدرة من الضعفاء ليضعها بيد الاقوياء حسب شريعة الغاب ، التي يبقى فيها الاقوى ليأكل او يستعبد الضعفاء باسم حماية حرية الافراد الطبيعية المقدسة لاغير !!.

هذه هي الكارثة التي كشف نقابها السيد الفيلسوف الصدر عندما وضع اصبعه على خداع الحرية الراسمالية الشكلية المخادعة ، التي اوهمت ولم تزل توهم الابرياء من بني البشر انها النظام الديمقراطي الوحيد في العالم الذي يوفر كرامة وحرية البشر للمنتمين لها ، بينما هي ، وفي واقع امرها ماهي الا مخطط راسمالي بغيض لسلب قدرة الحرية ، وممارستها اصلا في هذه الحياة ، اقتصاديا ، ومن ثم سياسيا وهكذا فكريا وشخصيا في نهاية النفق !!.
القدرة التي اشار لها الصدر(( رحمه الله )) عندما يتدخل القانون والدولة بين افراد المجتمع ليقيم القانون والتشريع بقوة الدولة ميزان العدل بين افراد المجتمع وليضع المحرمات التي تمنع اكل القوي للضعيف في هذا المجتمع من جهة وتحفظ التوازن والفرص المتساوية في الحياة لكل من يريد ان يمارس الحياة وهو مدعوما بالقانون ومحميا بالدولة من الاحتكار وضربات الحظ من جانب اخر !!.

1: إقتصادنا / للسيد محمد باقر الصدر / ص 280/ دار التعارف للمطبوعات / الطبعة السابعة عشر /
2: تراث الانسانية / 6/ ج 4/ الدار المصرية للتآليف / عن الحرية لجون ستيوارت مل / بقلم د حسين فوزي النجار .
3: رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / ص 380/ دار الطليعة / ترجمة د حسن حنفي .
4: راجع تاريخ الفلسفة الحديثة / يوسف كرم / دار القلم / ص 202.
5: ول ديورانت / قصة الحضارة / ج 1/ ص 54 / دار الجيل / ترجمة د زكي نجيب محمود / ط 1408 هجرية .
6: اقتصادنا / مصدر سابق / ص 282 .
7: اقتصادنا / ص 283 .
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com

الاثنين، أكتوبر 17، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 10 حميد الشاكر


كما استنبط السيدالصدر رحمه الله في تمهيده الفلسفي مادية النظام الراسمالي الديمقراطي الفردي ، وإلحادية افكاره المذهبية من افتقار هذا المذهب لوجود قواعد فكرية بداخله تشرح مسائله الواقعية ، كذالك عندما تناول السيد محمد باقرالصدر رحمه الله ، موضوع الحريات الاربع في الراسمالية الديمقراطية فانه ايضا استوحى من شكل ولون ورائحة ...هذه الحريات الاربع الممنوحة للفرد لا أخلاقية هذه الراسمالية الديمقراطية التي تنفصل بالانسان تماما عن واقعية هذه الحياة الاجتماعية الاخلاقية للانسان ومسائلها الفردية والاجتماعية داخل هذا المجتمع !!.

ولهذا تناول السيد الشهيد رحمه الله الراسمالية ببحثين بعد ان شرح حريات الديمقراطية الراسمالية الاربعة المزعومة وهما :
الاول : بحث الاتجاه المادي في هذه الراسمالية .
الثاني : هوبحث موضع الاخلاق من الراسمالية وكيفية اقصائها من حسابات هذه الراسمالية واحلال المنفعة واللذةالشخصية مكانها كبديل اخلاقي راسمالي نفعي عن معنوية الاخلاق الانسانية السامية .

يتبقى ان نقول ان السيد الشهيد لم يكتفي طبعافي تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا فقط بالاشارة الى مادية ولا أخلاقية هذه الراسمالية بافكارها المذهبية فحسب بل ، انه نزل الى عمق المسألة الفكرية الراسمالية في بحث (( مآسي النظام الراسمالي))ايضا ليناقش في هذا البحث حقيقة الراسمالية الديمقراطية الفكرية الجشعة ، وكيف انها في نهاية المطاف ستؤول حتما الى الدكتاتورية والظلم والاستبداد والكارثية ... كنتيجة طبيعية لمقدمات الراسمالية المادية وحريتها الاقتصادية المطلقة !!.

طبعا في الرؤية اليونانية الافلاطونية وربما هذا لتلاقي النتائج الحتمية ايضا ينتهي افلاطون في بحثه للنظام الديمقراطي الى نفس النتيجة ، التي يطرحها الامام الصدر في ( مآسي النظام الراسمالي ) الديمقراطي عندما يقرر حتمية انزلاق الديمقراطية الراسمالية للدكتاتورية بنهاية المطاف لكن فلاسفة اليونان انذاك (( سقراط وتلميذه افلاطون )) يختلفون طبعا في تناول موضوع النظام الديمقراطي بشكل عام ويختلفون ايضا بفهم ماهية الاسباب التي سينتهي اليها هذا النظام ليتحول تلقائيا الى الدكتاتورية !!.

ومعروف على هذا الصعيدالبحثي للديمقراطية اليونانية انهاديمقراطية مختلفة تماما في تفاصيلها وماهيتها عن الديمقراطية الراسمالية الغربية الحديثة التي ولدت ما بعد دخول الصناعة للعالم الانساني ، ويُخادع ويُضلل من ينسب ديمقراطية الراسمال اليوم لديمقراطية التراث اليوناني القديم ونحن قد ذكرنا فيما مضى بعض ملامح الديمقراطية اليونانية انذاك ، وانها آتية بالمنزلة بعد حكم الراسمال الجركي الاقتصادي المبغوض يونانيا ، وانها ايضا ديمقراطية الفقراء وحكم العامة وليس ديمقراطية (حكم الراسمال والتجار) كما هي اليوم الديمقراطية الراسمالية الغربية ، وبهذا اختلفت ديمقراطية اليونان القديمة عن خداع ، وتضليل ديمقراطية الراسمال اليوم ، وان هذه الديمقراطية الراسمالية اليوم هي : خليط غيرمتجانس (حسب التصورات الافلاطونية اليونانية ) بين حكم الراسمال على الحقيقة وحكم عامة الشعب من الفقراء صوريا واين هذا من ذاك !!.

نعم كذالك في الاسباب التي ستنتهي بالنظام الديمقراطي للزوال بعد ان تحوله لديكتاتورية مدمرة ، فايضا هنا يختلف التناول ، وشرح الاسباب المودية بهذا النظام الى الزوال ، بين الامام الصدر رحمه الله في تمهيده الفلسفي ، وبين ماتناوله التراث الفلسفي اليوناني انذاك بهذا الصددفبينما اتفق أفلاطون يونانيا مع استاذه سقراط ان الفوضوية المفرطة في الحرية حتماستدفع بهذا المجتمع الذي تحكمه الديمقراطية ، للتفسخ والانحلال والتهشم من الداخل ، وليتسنى لاصحاب الراسمال التجاري من ثم الهيمنة على الحكم وممارسة الدكتاتورية والافضاء الى الاقصاء والحكم بالقوة ، اوعلى حد تعبيرافلاطون : (( وكما ان السعي الجنوني وراء المال يقضي على الحكم الالجركي ، كذالك يقضي على الديمقراطية التطرف في الحرية )) 1 . ، كنتيجة سببية سياسية طبيعية او ربما حتمية ايضا لزوال النظام الديمقراطي !! .

أما سيدنا الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا ، فقد تناول الاسباب التي ستدفع بالنظام الديمقراطي الراسمالي الى الدكتاتورية ، ومن ثم الزوال بشكل مختلف عن ما طرحته المدرسة الفلسفية السياسية اليونانية ، لانهيار النظام الديمقراطي ، فهو يذهب رحمه الله الى تناول (مآسي الراسمالية ) وكوارثها من زاويتين :

الاولى: الزاوية التقليدية في بحث الديمقراطية باعتبارانها حكم الاكثرية الذي سيهمش مصالح الاقلية .
الثانية : الزاوية الاقتصادية الطاردة للحرية ولمعنى الديمقراطية الحقيقية .

ففي الزاوية الاولى يبدو الصدر محمد باقر ، وكأنه تقليديا او ربما يونانيا في مناقشة سلبيات الحكم الديمقراطي القائم على حكم الاكثرية في مقابل الاقلية ونرى في هذه الزاوية الامام الصدر واقفا الى جانب تلك الاقلية التي تحكمها الاكثرية في النظام الديمقراطي الراسمالي المادي واللاأخلاقي ، الذي حتما سيميل مع هذه الاكثرية ومصالحها وتطلعاتها ، التي ستهمل وتتجاوز وتطأ بكل ثقلها على مصالح وحقوق تلك الاقلية اوالاقليات المحكومة قهرا والتابعة قانونا لهذه الاكثرية !! .

لكن وفي الزاوية الاخرى من مناقشة الامام الصدر لمآسي النظام الديمقراطي الاقتصادية يعتدل ميزان المناقشة الفكرية في داخله ليناقش هذا النظام بحقيقته الراسمالية الواقعية وليس بتأملات الديمقراطية الشعاراتية التي تفترض حكم الاكثرية للاقلية ليصل الى حقيقة مَن يحكم هذا النظام الديمقراطي المزعوم في الواقع ؟.
وهل ان اكثريةالشعب هي التي تحكم بالفعل هذاالنظام الديمقراطي الراسمالي المادي ؟.
أم ان حفنة صغيرة ممن استولواعلى النفوذ والقوة هم من يحكم على الحقيقة كاقلية تُخضع اكثرية الشعب لسلطانها ونفوذها واستيلائها على مقدرات البشر وقوتهم لينتهي الحكم الديمقراطي الافلاطوني القديم ، وليبدأ حكم الدكتاتورية الجركية الراسمالية على انقاضه ؟.

هنا الامام الصدر في تمهيده الفلسفي يطرح الراسمالية الديمقراطية بمراحلها الانتقالية الطبيعية ، التي تترتب مرحلة على مرحلة بعدها ليصل الى النتائج التي لالبس فيها في حتمية دكتاتورية الراسمال في النهاية وحكم الاقلية على الاكثرية وليس العكس فيطرح :

اولا : التناقض الواضح بين الديمقراطية كحكم للشعب ، وحرية قرار لسيادته وبين الراسمالية كمنحى تسلط ولاغي لارادة الامة بقوله :
(( بل ان الامر تفاقم واشتد حين برزت المسألة الاقتصادية في هذا النظام بعد ذالك ، فقررت الحرية الاقتصادية على النحو ، الذي عرضناه سابقا وأجازت مختلف أساليب الثراء والوانه مهما كان فاحشا ........ فانكشف الميدان عن ثراء فاحش من جانب الاقلية من افراد الامة مما أتاحت لهم فرص وسائل الانتاج الحديث وزودتهم الحريات الراسمالية غير المحدودة بضمانات كافية لاستثمارهاواستغلالها الى ابعد حد والقضاء بها على كثيرمن فئات الامة التي اكتسحت الالة البخارية صناعتها وزعزعت حياتها ، ولم تجد سبيلا للصمود في وجه التيار ما دام ارباب الصناعات الحديثة مسلحين بالحرية الاقتصادية وبحقوق والحريات المقدسة كلها وهكذا خلا الميدان ، الا من تلك الصفوة من ارباب الصناعة والانتاج وتضاء لت الفئة الوسطى ، واقتربيت الى المستوى العام المنخفض وصارت هذه الاكثرية المحطمة ، تحت رحمة تلك الصفوة التي لاتفكر ولاتحسب الا على الطريقة الديمقراطية الراسمالية ....الخ )) 2 .

وهكذا يضع الصدر رحمه الله انمله على معقد التناقض الحقيقي داخل ادعاء هذا النظام الراسمالي بالحرية لجميع الافراد ، وضمانها داخل مجتمعه بينما هو في الجانب الاخر قد اقام حياته الاقتصادية والقانونية والتشريعية على كل ماهو ضامن للاستغلال ، لفئة راسمالية صناعية صغيرة بالنتيجة ستكون هي الفاعل الحقيقي والمقرر الاوحد لحياة عامة الناس عندما تمتلك قوتهم وعملهم وحياتهم ووجودهم .... الخ ، ليرهن ويجير هذا الوجود العام في كل مايصب في مصالح هذه الفئة الراسمالية ومنافعها الشخصية والفئوية لاغير !.

ثانيا : مصادرة الراسمالية لحق الامة الديمقراطي السياسي .
ويشير الامام الصدر رحمه الله في هذه النقطة من بحثه في : (( مآسي النظام الراسمالي )) الى الواقعية في طرح الراسمالية ، ومؤثراتها السياسية الحقيقية على ارادة الامة والجمهور وكيفية رؤية الراسمال لضرورة سلب هذه الارادة من المجتمع ، وتركيزها بيد الراسمال ومصالحه الاقتصادية بشكل حتمي ؟، فيقول :
(( وهنا يتبلورالحق السياسي للامة من جديد بشكل آخر فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين ، وان لم تمح من سجل النظام غير انها لم تعد بعد هذه الزعازع ( سيطرة الراسمال على مقدرات الشعب وقوته ) الا خيالا وتفكيراخالصا فان الحرية الاقتصادية حين تسجل ماعرضناه من نتائج تنتهي الى الانقسام الفضيع الذي مر في العرض وتكون هي المسيطرة على الموقف والماسكة بالزمام ، وتقهر الحرية السياسية أمامها . فان الفئة الراسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية وتمكنها من شراء الانصار والاعوان ..... تهيمن على تقاليد الحكم في الامة وتتسلم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على ماربها ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعا لسيطرة رأس المال ، بعد ان كان من المفروض في المفاهيم الديمقراطية ، أنه حق الامة جمعاء . وهكذا تعود الديمقراطية الراسمالية في نهاية المطاف حكما تستأثر به الاقلية ، وسلطانا يحمي به عدة من الافراد كيانهم على حساب الاخرين ، بالعقلية النفعية التي يستوحونها من الثقافة الديمقراطية الراسمالية )) . 2 .

ثالثا : طغيان الراس مال الديمقراطي الفردي ، ودكتاتوريته الزاحفة عندما تتجاوز الحدود الداخلية والجغرافية للامة ، ولتبحث لها عن اسواق وثروات خارج حدودها للنهب والسيطرة !!.

وفي هذا المحور من بحث الامام الصدر في تمهيده الفلسفي (( لمآسي النظام الراسمالي)) يطرح السيدالمفكر الصدررض نظرته الشمولية لمبادئ ومفاهيم الراسمالية الديمقراطية الحديثة لا ليرها طبعا بشكل نظام او مذهب اجتماعي محلي فحسب ، بل ليراها ويبحثها وينقدها كمصانع واذرع الات انتاج عالمية ونظام يتطلع للكونية ويدعولتجربته المذهبية على اساس انها التجربة الوحيدة التي بامكانها ان تنقذالعالم من العبودية وتوفر له الكرامة والاستقلال والحرية بينما في الحقيقة والواقع تمارس على الشعوب والامم اسوأ انواع الاستغلال والعبودية والتجهيل والاستنزاف والتبعية !!.

وهنا فحسب يرتقي الامام الصدر بخطابه الفكري والنقدي للراسمالية ليطرح وجهها العالمي القبيح ، والمشوه والمخادع على اصوله الحقيقية ، ومن خلال معادلة اشبه ماتكون بالرياضية الغير قابلة في نتائجها للخطأ فيقول :

(( ونصل هنا الى افضع حلقات المأساة ، التي يمثلها هذا النظام ، فان هؤلاء السادة الذين وضع النظام الديمقراطي الراسمالي في ايديهم كل نفوذ وزودهم بكل قوة وطاقة سوف يمدون انظارهم للافاق ... لسببين )) 3 . :

الاول : ان وفرة الانتاج تتوقف على مدى توفر المواد الاولية وكثرتها وهذه المواد منتشرة في بلاد الله العريضة واذا كان من الواجب الحصول على هذه المواد فاللازم ايضا السيطرة على البلاد ، التي تمتلك المواد ، وامتصاصها واستنغلالها .
ثانيا : كثرة الانتاج ووفرته ، التي تكون هدف اي راسمالي يحاول الحصول على كثرة الدخل والارباح بالصورة الاساس تخلق نوعا من اختناق الاسواق المحلية الغير قادرة على اسيعاب هذه الكمية الضخمة من الانتاج مما يدفع باصحاب رؤوس الاموال الصناعية والتجارية العملاقة ، للبحث عن اسواق خارجية تستوعب هذه المنتجات لامتصاص الوفرة والفائض في الانتاج من جهة ولتزيد الدخول والارباح لجيوب اصحاب الراسمال من جانب اخر !!.

وبهذا تفتح اسواق الدول والشعوب الاخرى عنوة وتحت مسميات ما انزل الله بها من سلطان ، كالعولمة اليوم ، او تحرير التجارة العالمية ، لتغرق اسواق المستهلكين البائسين في الارض ، ببضائع الديمقراطيين الصناعيين القادمين من وراء البحار، لتصريف بضائعهم ، وليزداد من ثم اهل الثراء ثروة واهل الشقاء شقوة وهذا طبعا سيستلزم في نهاية المطاف ان يفكر اصحاب رؤوس الاموال : في الكيفية التي تجعل من اسواق ، وشعوب هذه الدول المستهلكة مستهلكة على الدوام ومنهوبة الموارد الخام دوما ولاتفكرابدا ان ترتقي لتكون مصنعة او منتجة لاي سلعة يحتكرها اصحاب المصانع والتكنلوجيا المتقدمة !!.
نعم هذا ما طرحه الامام الصدر رحمه الله في بحثه التمهيدي الفلسفي لمآسي النظام الراسمالي العالمي الجديد ، وهي مآسي لم تكتفي باطرها وجغرافيتها المحلية ، لتنتهي الحكاية عند شعب يحوله راس المال الديمقراطي الى اذرع مكائن لصناعة الراسمال لجيوب السادة فحسب ، بل وامتد شره للافاق ليرى في كل بقعة ارض تضم بعضا من موارد الانتاج الخام انها المغنم الذي لابد من السيطرة عليه لمصانعها العملاقة وجيوبها الواسعة كي تملأ وتتحرك تلك المصانع ، وتنتج وكل هذا مع الاسف يسحق امامه ملايين الملايين من البشر دمارا واستعبادا وحروبا وظلما وقهرا ....الخ !!.

ولمَ لا والديمقراطية الراسمالية مادية العقيدة ولا اخلاقيةالوسائل في الوصول الى جمع الثروة وكنزها واشباع النفعية والمصالح الشخصية لاغير ؟!.
فمثل هكذا نظام وهكذا مذهب اجتماعي يسمى بالنظام الديمقراطي الراسمالي الفردي لايكتفي ان يحفز المنتمين والمؤمنين بمبادئه ، كي يكونوا من عتاة المجرمين فحسب ، بل انه النظام الذي يتمكن من قتل فطرة اي انسان ليحول رؤيته لكل ماهو قبيح وغير اخلاقي في هذا العالم الى ماهو جميل في ثقافة الديمقراطية الراسمالية !!.



http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج 7/ ص 483/ ترجمة محمد بدران / دار الجيل / بيروت .
2 : فلسفتنا / السيد الصد محمد باقر / ص 21 / مصدر سابق
3 : فلسفتنا / ص 22 / نفس المصدر .

الثلاثاء، أكتوبر 11، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 9 حميد الشاكر


يأخذ السيد الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا مؤاخذة فلسفية وفكرية اساسية على النظام الديمقراطي الراسمالي الفردي ويعتبر هذه المؤاخذة انها المدخل الذي من خلاله ندرك قصور المذهب الراسمالي الديمقراطي وكيفية ان يكون او لايكون بمصاف المدارس الفكرية الكاملة ، التي من حقها التحدث بشكل مذهب ، او نظام اجتماعي من جهة ومن جهة اخرى يتكئ محمدباقرالصدرعلى هذه المؤاخذة بالذات ليستنتج (( مادية المذهب الديمقراطي الراسمالي ، او الحاديته الفكرية )) في نهاية المطاف !!.
فياترى ماهي هذه المؤاخذة ، التي كشفت ظهر المذهب الراسمالي الديمقراطي بهذا الشكل الفاضح وجردته من ادعاء المذهبية وفضحت ماديته التي حاول هذا النظام الراسمالي الفردي المخادع بشتى الطرق التنكر لها او الهروب منها ؟.
اولا : ماهي هذه المؤاخذة ؟.
ثانيا:كيف ولماذا كانت هذه النقطة دليلاعلى مادية الاطروحة الراسمالية الاقتصادية الديمقراطية والحادية توجهاتها الفكرية ؟.

ان هذه المؤاخذة كما عبرعنها السيدالفيلسوف الصدرهي افتقار المذهب الديمقراطي الراسمالي للقاعدة المركزية الفكرية ، التي تستطيع شرح الحياة وواقعها وحدودها ووجودها وغاياتها واهدافها ، او كما عبر الامام السيد الصدر رصي الله عنه بقلمه الشريف بالقول : (( إن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة ولاتتبلور في شكل صحيح ، إلا اذا أقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة ، وواقعها وحدودها والنظام الراسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل او على عجلة وقلة اناة حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسالة الاجتماعية منفصلةعنها مع ان قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته ، منذ البداية الى واقع الحياة التي تمون المجتمع بالمادة الاجتماعية وهي العلاقات المتبادلة بين الناس وطريقة فهمه لها واكتشاف اسرارها وقيمها ...)) . 1 .

أما أسئلة :
لماذا لاتتبلور الحياة في شكلها الصحيح ، الا اذا اقيمت على قاعدة مركزية تشرح هذه الحياة وواقعيتها وحدودها اولا ؟.
ولماذا فقد النظام الراسمالي الديمقراطي الفردي هذه القاعدة المركزية ، ليشرح لنا رؤيته للحياة قبل ان يدعونا لمذهبه الاجتماعي القائم على ماينبغي فعله ؟.
وهل بالفعل كانت دوافع هذا النظام الراسمالي بعدم ذكره لقواعده الفكرية والفلسفية لشرح الحياة تتأرجح بين الخداع او قصور الفهم لاهمية القاعدة الفكرية للمذهب ؟.
أم ان هذا النظام المادي على وعي تام لخطواته المذهبية وانه تعمدعدم ذكرقواعده الفكرية لادراكه تماما انه لايمكن لمذهب اجتماعي يقوم بدون قاعدة فكرية تسنده وتقيد من توجهه ، ولهذا السبب بالتحديد وهروبا من القيد لم يذكر اي قاعدة لمذهبه كي لايتقيد باي قاعدة فكرية تفضح من خداعه وتضليله وماديته المفضوحة ؟.
ولماذا يرى السيد الشهيد محمد باقر الصدر فكريا استحالة تجميد المسألة الواقعية للحياة ودراسة هذه الحياة منفصلة عنها ؟.
وكيف نفهم مقولة الامام السيد (رض) ان قوام الميزان الفكري لاي نظام اجتماعي يتحدد بنظرته لواقع الحياة منذ البداية ؟.
ولماذا ينبغي على النظام الاجتماعي ان يكون مدركا لماهية وقيم واسرار العلاقات الاجتماعية قبل ان يضع حجرعلى حجر في بناءه الاجتماعي القانوني اوالتشريعي او السياسي او الاداري او غير ذالك ؟.

كل هذه الاسئلة بحاجة الى وقفة واجابة وشرح لنفهم ما قصده السيد الصدر بافتقار الراسمالية لقاعدة فكرية من جهة ، واستنتاجه لمادية والحادية الافكار الراسمالية المذهبية التي تناولت الحياة الاجتماعية وهي بعيدة عن مبادئها وغاياتها من جانب اخر !!.

نعم عندمايُقال لابد للنظام اولاي مذهب اجتماعي من رؤية لواقع الحياة الاجتماعية او واقع الحياة بصورة عامة فأنما يُراد من ذالك أمران :

الاول : هوالطرح والرؤية الاسلامية العامة لواقعية الحياة !.
وهذا ما طرحه السيد الصدر في تمهيده الفلسفي في معرض جواب اعتراضه على فقدان الراسمالية لهذه الرؤية ، التي تمثل القاعدة للمذهب وللنظام الاجتماعي وكان جوابه ذاهبا لطرح المسألة الواقعية للحياة بصورة عامة ليقول : (( وأيضا فان هذه الحياة المحدودة إن كانت بداية الشوط ، لحياة خالدة تنبثق عنها ، وتتلون بطابعها وتتوقف موازينها على مدى اعتدال الحياة الاولى ونزاهتها فمن الطبيعي أن تنظم الحياة الحاضرة ، بما هي بداية الشوط ، لحياة لا فناء فيها ، وتقام على اسس القيم المعنوية والمادية معا )) . 2 .
اي ان المفكر الصدر رحمه الله ، يطرح مسألة الحياة بشموليتها ، وعنوانهاالاصيل والوجودي ، لكل شيئ داخل في هذه الحياة العامة ، وليقررمن ثم المسألة بطرحها العقلي والفطري البسيط ليقول : ان كان لهذه الحياة او للانسان خالقا مدبرا مهيمنا قائما على توجيهه ...... فمن الطبيعي ان تكون رؤيتنا وقاعدتنا الفكرية التقيمية والنظرية والقانونية ، لهذه الحياة التي ترتبط بحياة اخرى بعدها وهذا الانسان الذي له نوع ارتباط بخالقه (( مختلفة )) عما لو كنا ننظر للانسان منفصلا عن هذا الآله والايمان به وتدخله بشؤون الانسان والحياة !!.
واختلاف نظرتنا هذه لمسألة الحياة او الانسان مرتبطا بالحتم بقاعدتنا الفكرية التي ننظر من خلالها للانسان والحياة ، فإن كانت نظرتنا للانسان ، والحياة معتمدة منذ البداية على الايمان بوجود خالق لهذه الحياة وبوجود رابط اخر لحياتنا المادية هذه وبوجود صلة بين الانسان وخالقه اعمق من مجرد الايجاد فقط ليصل الى الايجاد والاشراف والتوجيه لهذا الانسان .... يصبح لزاما علينا وقبل اي تعريف للانسان او للحياة ان نضع في حساباتنا الفكرية هذه الوقائع ، وننظر للحياة ونظمها ونضع قوانينها ونزن حركتها .... بالشكل الذي ينسجم مع هذه الوقائع والحقائق المعنوية والمادية والفكرية للحياة وللانسان !!.
أما اذاوجدنا اي طرح مذهبي لاي نظام اجتماعي يأخذالمسألة الاجتماعيةاو المسألة الانسانية او الحياة بصورة عامة منفصلة تماما عن شرح واقعها وحقائقها الفكرية وان يدعونا لمذهب او نظام ليس فيه اي رائحة رؤية تدل على وجود قاعدة بهذه المسائل الواقعية للحياة واشيائها ، بل ووجدنا ان المذهب الاجتماعي يدعي للانسان ارادة انسانية فردية ، غير مرتبطة لابخالق ولابمخلوق فمثل هذا النظام الذي يقنن القوانين لهذه الحياة وهو غير ملتفت تماما ، ولا معترف اطلاقا بوجود حياة اخرى لهذه الحياة ، او ان لهذه الحياة ووجودها غايات واهداف ترتبط بها ..... كل ذالك سيحتم علينا اصدارقرار الحكم الفكري بمادية هذا النظام ومادية هذا المذهب بدون تردد او تشكيك وهذا ما ذهب اليه الامام الصدر، عندما فرّق بين مادية والحادية هذا المذهب الراسمالي المخادع وبين المذهب المادي الماركسي في مسألة النظام والمجتمع فإن الماركسية الاشتراكية والشيوعية بنظر السيد الصدرقد اعلنت ماديتها والحاديتها في رؤيتها لواقعية الحياة بشفافية ، من خلال قاعدة المادية الفكرية كما نظرّت لكيفية مادية الحياة ؟، ولماذا ينبغي علينا ان نأخذ الحياة ، والانسان منقطعا عن فكرة الله والغيب والايمان واليوم الاخر...من خلال غلق دائرة نظرية المعرفة في المدرسة الفكرية الماركسية !!.
وهذا بخلاف الراسمالية الديمقراطية الفردية ، التي اخذت الانسان والحياة منفصلة عن واقعيتها ، ووجودها وكل شؤونها المعنوية بدون ان تطرح لنا ماديتها الفكرية او تعلن على رؤوس الاشهاد كفرها بكل القيم المعنوية وغير المعنوية ، لهذا العالم وهذا ما دفع السيد الصدر ليستنتج مادية والحادية النظام الراسمالي الديمقراطي في توجهاته وتنظيراته وتأملاته المذهبية لنظام المجتمع عندما فصل بين واقعية الحياة ومسألتها الاجتماعية بشكل مخادع !!.

الثاني : هو الامر الاجتماعي الخاص في المسألة الاجتماعية !.
وهو الامر الذي نفهمه وندركه من استحالة الفصل فكريا بين واقع الحياة ونظامها ومجتمعيتها بصورة خاصة وضرورة ان يكون هذا الربط بين واقعية الحياة وبين ماهية اسرار وقيم علاقات المجتمع فيما بينه والبين الاخر !!.

بمعنى : انه لايمكن لنا ان نضع اي تشريع قانوني لادارة المجتمع ، ولايمكننا ان نقيّم ماهية المجتمع ، او التخطيط لحركته ، او هندسة واستثمار تطلعاته ، او القيام بتوجيهه ، ووضع المناهج التربوية او المعالم الاقتصادية لتطويره او الحديث عن حقوقه وواجباته او ..... ما لم ننتهي اولا وقبل كل شيئ من صياغة مفهوم لوجود المجتمع وماهيته وندرك منذ ماقبل الخطوة الاولى جواب ألاسئلة التالية :

ماهو المجتمع ؟.
وماهي تراكيبه الاساسية ؟.
وهل الانسان في داخل هذا المجتمع انتماءه بالطبع والفطرة ؟.
أم انه انسان اجتماعي ايضا لكن اجتماعيته بالصناعة والمنفعة لاغير ؟.
وهل تركيبة الاجتماع الانساني تكون الاصالة الواقعية فيها للفرد ، وما المجتمع الا أمرانتزاعي اعتباري ليس له اي قيمة واقعية حقيقية مؤثرة في صلب حركة الحياة والافراد ؟.
أم ان الاصالة الواقعية للمجتمع وما الفرد الا امر انتزاعي لاينبغي ان يؤخذ دوره واهميته بعين الاعتبار عند النظر للمجتمع وحركته العامة ؟ .....الخ . 3 .

فكل هذه الاسئلة واجوبتها في الحقيقة داخلة في صيرورة التعامل مع هذا المجتمع والاحتكاك المباشر بحياته ومن دون معرفة ماهية المجتمع او وضع تعريف محدد وواضح لماهيته ، لا يمكن لنا ان نتعامل مذهبيا مع هذا المجتمع ، وبدون تعاريف محددة كما فعلت الراسمالية الفردية عندما اعلنت اصالة الفرد بدون حتى ان تضع لنا تعريفا اوليا لماهية وشخصية وهوية المجتمع القائمة ؟.
وكذا لايمكن لاي مشرّع قانوني ، او تربوي اخلاقي او سياسي محنك ان يضع اي تخطيط سياسي اواداري او اقتصادي لادارةالمجتمع والتطلع الى تطويره والنهوض به اذا لم يفهم ومنذ ما قبل اللحظة الاولى لمن هي الاصالة في هذا الوجود المسمى بالمجتمع ليحددعلى ضوء هذا الفهم موقفه من المجتمع وحياته فإن كانت الاصالة ثابتة فكريا وفلسفيا وعلميا للفرداقام كل وجوده الاجتماعي على هذاالاساس وشرع بتوجيه الدولة والحكم ، وسن التشريعات والقوانين ، وهندسة الاقتصاد على اساس هذه الفردية ، وفي خدمتها وحماية اصالتها ، بدون الالتفات بقوة ، لوجود منظومة المجتمع الوهمية !!.
أما اذا كانت الاصالة للمجتمع ، وما الفردية ومصطلحها الا وهم مخترع راسمالي فتحتم على القانوني المشرّع ، والاقتصادي المخطط والسياسي الاداري والتربوي الاخلاقي داخل هذا المجتمع ان يبذل مابوسعه من اجتهاد ، وجد في سبيل النهوض بهذا المجتمع واعطائه حقوقه كاملة ، والنظراليه كمحرك للنهضة وصانعا لحاضر ومستقبل الامة ، والاعراض عن مصالح الافراد الانية وتذويبها قانونيا وتشريعيا واداريا وتربويا في خدمة المجتمع !!.

وهكذا اذا امتلكنا رؤية ، كالرؤية الاسلامية الاجتماعية التي تذهب في نظريتها الى القول باصالة الفردوالمجتمع معا لتطرح لنا هذه المدرسة الدلائل الاسلامية القاطعة بان للفرد داخل المجتمع اصالة ودور وماهية وشخصية معتبرة ، كما ان للمجتمع وجود وماهية واصالة ومسؤولية وشخصية معتبرة ايضا ، فعندئذ حتما ستتغير كل تركيبتنا الاجتماعية وتقنينها القانوني ، وترتيبها الاداري ، والتعامل معها اقتصاديا وسياسيا وتربويا وفكريا واخلاقيا واجتماعيا ونفسيا... بشكل يختلف بتفاصيل دقيقة لمن ينتمي لاصالة المجتمع على الافراد او اصالة الفرد على المجتمع !!. 3 .

ان المعروف بحثيا ان النظام الراسمالي الديمقراطي قد تبنى الفردية باعتبار ان لها الاصالة المطلقة قُبال المجتمع بدون ان يرتكز على رؤية فلسفيا او رؤية علمية او فكرية تذكر وليشرح لنا من ثم ماهية هذه الاصالة الفردية ولماذا اعطت الراسمالية الاصالة للفرد على المجتمع بحيث غلّبت مصالحه على مصالح مفهوم المجتمع ؟.
ودعتنا فيما بعدوكأننا حفنة من البله والمغفلين لاغيرلتبّني موقفها بحرارة باعتباره الموقف الذي فيه نجاة البشرية وكرامتها وخلاصها السعيد !!.

ومعروف ايضا ان هذا الخداع الراسمالي المفضوح ، هو مادفع النظام الاشتراكي الماركسي المادي وكردة فعل صنعتها وحشية النظام الراسمالي الفردي لتبنّي الضد الفكري النوعي ، لهذه الاطروحة وليعلن هو من جانبه الاخر انتماءه وتبنيه لفكرة اصالة المجتمع قُبالة وهم مصطلح الوجود الفردي ،وخرافة حقوقه الطبيعية في الحريةالتي وهبته اياه الطبيعة كمانظرّت لها المدرسةالليبراليةالراسمالية الاقتصادية الاوربية القديمة والحديثة !!.
الخلاصة هي القول : ان الراسمالية الديمقراطية ، وبكل طرحها المذهبي ونظامها الاجتماعي الفردي ماهي ، الا محاولة راسمالية اقتصادية مخادعة صرفة حاولت ولم تزل طرح نفسها على اساس فكري ولكنها فشلت فشلا ذريعا في ميدان الفكر والعلم والفلسفةعلى ايدي امثال الفيلسوف الصدروغيره من مفكري العالم والبشرية ثم هي حتى الان في مدرستها الاقتصادية المادية بالاساس تحاول طرح المفردات والمفاهيم والمصطلحات الاخلاقية ، والانسانية كالحرية والكرامة البشرية والسعادة والاستقرار ....الخ وغير ذالك وليس عينها في الحقيقة الا على اتخاذ هذه العناوين الاخلاقية والفطرية كواجهة ، للوصول في واقع الامر لجيوب الزبائن ومايمتلكونه من نقد ، وانتاج واستهلاك في هذه الحياة ، وما اسطوانة الحرية داخل الديمقراطية الراسمالية الفردية ، ودفاعها المستميت عن هذه الحرية البشرية الا الخطوة الاولى حسب ماتراه وتخطط له هذه المدرسة الراسمالية للوصل الحقيقي لحرية الاقتصاد والتجارة العالمية التي تهيئ بدورها الاسواق لبضائع المنتجين الراسماليين الضخمة التي لم تزل تبحث عن فتح اسواق جديدة وتبحث عن جيوب تنهب تبدأ باسم حرية الانسان الفردية لتنتهي عند فرض حرية التجارة العالمية على البشرية جمعاء !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13.
2: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13 .
3 : للاطلاع على وجهة النظر الاسلامية الاجتماعية بهذا الصدد راجع / المجتمع والتاريخ / للمفكر الاسلامي الشيخ الشهيد مرتضى المطهري / دار المرتضى / ج1/ ص 19 / الطبعة 1408 هجرية .

السبت، أكتوبر 08، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 8 حميد الشاكر


ما الذي قصده الامام الصدررضوان الله عليه عندما وصف النظام الراسمالي (بالانطواء على الخداع والتضليل) في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا وخاصة في مصطلح الفردية لهذا النظام . 1 . ؟.
وكيف لنا ان نصل الى جذور الخداع الراسمالي الفردي الديمقراطي الفكري لنكتشف الكيفية التي مارس بها هذا المذهب الاجتماعي عملية التضليل بابشع صورها الفكرية ؟.

في البداية :
عندما يحاول اي باحث او دارس ان يتناول مصطلح (( الفردية )) في النظام الديمقراطي الراسمالي ، فلابد ان يتداعي الى ذهنه محاولة اولا : ضرورة تفكيك هذه المصطلحات الثلاثة الاساسية (الفردية ،الديمقراطية ، الراسمالية) في هذا النظام بعضهاعن البعض الاخر كخطوة اولى ثم ثانيا : ان يعود بهذه المصطلحات الى جذورها الفكرية والسياسية التاريخية ، ليدرك مدى الترابط الواقعي والفكري والسياسي بين هذه المصطلحات المعقدة !!.
وطبيعي والحال هذه ، ان تُرتب هذه المصطلحات ، وحسب ما طرحه النظام الديمقراطي الراسمالي نفسه وبانتظام اولوياته بالشكل الاتي :
اولا : الفردية .
ثانيا : الديمقراطية .
ثالثا : الراسمالية .
لكن اذا اردنا ترتيب هذه المصطلحات الثلاثة تاريخياومنطقيا وفكريا وسياسيا وواقعيا وحسب التسلسل الزمني البحثي والدراسي لهذه المصطلحات فينبغي علينا بالضرورة ان نرتبها بالشكل الاتي الصحيح وليس المخادع كما تطرحه الراسمالية الديمقراطية ليكون بهذه الصيغة :
اولا : الرأسمالية .
ثانيا : الديمقراطية .
ثالثا : الفردية .
ولعلّ ما يضطرنا كباحثين لهذا التفكيك ، والترتيب للمصطلحات ، هو الواقع التاريخي والفكري ، لهذه المصطلحات الثلاثة التي بدأت بنظم متفرقة حسب ما طرحته الفلسفة اليونانية الافلاطونية ، ومن ثم الارسطية ، لتراتبية النظم السياسية ، التي تتدرج سياسيا ، وفلسفيا من الاعلى الى الاسفل ، ليكون نظام الحكم ((الجركي)) الراسمالي التجاري ادون مرتبة سياسية وقيمية من الحكم الارستقراطي المعتمد على النبلاء والاشراف في ادارته ومن ثم تأتي مرتبة النظام الديمقراطي بعد الراسمالي التجاري الجركي بالتسلسل الاخير لتراتبية الفلسفة السياسية اليونانية لتكون الديمقراطية السياسية عبارة عن دمار شامل (حسب الرؤية الفلسفية والسياسية اليونانية) انذاك لمنظومة المجتمع وترابطها وتواجدها الطبيعي والفطري !!. 2 .

أما مصطلح ((الفردية)) وانخراطه في نظام اجتماعي سياسي فله قصة فريدة وغريبة تستحق منا التوقف عندها بتأمل !!.

لم تكن البشرية في الحقيقة والواقع لتفكرفي يوم من الايام ان تخلق مصطلحا اسمه (( الفردية )) منذ نشأ مايسمى بالنظام الاجتماعي السياسي وحتى اليوم وتجعل منه محورنظامٍ اجتماعي قائم ، وحتى أفلاطون وارسطوعندما تحدثوا عن (الديمقراطية)فانهم تحدثواعن نظام اجتماعي يعيش بداخله اناس يتمتعون بنوع من الفوضوية والفردية العامة وتحكمه الطبقات الشعبية لكن ان تصبح هذه الفردية غاية النظام الديمقراطي ومحوره ، كما بشرّ به النظام الراسمالي الديمقراطي الحديث وليس النظام الديمقراطي غاية للفردية فهذا الانقلاب في المفاهيم السياسية ، والفكرية لم تعرفه البشرية منذ ان وجدت ، حتى تاريخ 1840م ، عندما طرحه ((الكسيس دي توكفيل)) في كتابه (( الديمقراطية في اميركا )) كأول اطلاله لمصطلح الفردية على قواميس السياسة البشرية !!.

وبعدها تطور مصطلح الفردية ليلتقي هو والديمقراطية والراسمالية في بوتقة واحدة ، وبخلطة تلفيقية بين الراسمال ، والديمقراطية من جهة ، والفردية من جانب اخرليكوّنوا نظاما اجتماعيا غزى اوربا بسحر كلماته الخلابة وبوعوده في الحرية ، والتقدم والازدهار ... للبشرية جمعاء امام الدكتاتورية والكنسية والغيبوية ...القاتلة التي كانت جاثمة على قلوب العباد والبلاد في اوربا ماقبل الصناعة !!.

كيف نشأت هذه الفردية ؟.
وماهي الجذور ، والعوامل الحقيقية ، التي كانت الرحم الحاضنة لهذه الفردية قبل ولادتها للعالم البشري ؟.
ولماذا اصبحت في العصرالصناعي الاوربي الفردية ضرورة من ضرورات الراسمال من جانب والديمقراطية من جانب آخر ؟.

ففي الجواب الكثير من النظريات لكن اهم ماقيل بهذا الصدد ، والذي ينتمي بالقرب لتحليلنا الشخصي هوما احدثته النقلة الصناعية النوعية في اوربا التي تحولت بهذا العالم من عالم الزراعة ، والرعي الى عالم الصناعة والتطور الصناعي في القرن الثامن عشر ، وما تلاه مما انتج هذا التطور نقلة كونية وفي جميع المجالات الفكرية والاخلاقية والنفسية والدينية ، والفلسفية ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية !!.

عالم الصناعة وما احدثته الآلة واذرعهاودخول المككنة كمنتج وصانع لراس المال هو الذي فرض على العالم الاوربي ، بمجتمعاته الانسانية ان ينتقل الى فكرة ( اهمية الراسمال) لهذه الصناعة كخطوة اولى ، وهو الذي فرض على الفكر البشري الاوربي اعادة انتاج تصوراته لكل شيئ ، بما في ذالك اعادة انتاج تصوراته حول المجتمع ، ليسأل : هل فعلا الاصالة تكون للمجتمع في تركيبة اي نظام اجتماعي وقانوني لهذه البشريةالصاعدة علمياوتقنيا وصناعيا واقتصاديا ؟.
أم انه من المفروض ان تكون الاصالة الحقيقية للفرد داخل منظومة المجتمع ليكون هو محور وغاية الوجود الاجتماعي ومطوره والناهض به الى الرقي وليس العكس ؟.

ان مثل هكذا اسألة فكرية واجتماعية ، وفلسفية لم تكن لتوجد او تخطر على الذهن البشري الانساني لولادخول الالة الصناعية في حياة هذه الانسانية التي وجدت نفسهاوجه لوجه مع الآت تتحرك بروح سحرية غريبة وعجيبة وتنتج وتصنع حياة مختلفة ، وسريعة ، ومحكمة وبدون حاجتها الى الانسان وطاقته الطبيعية العضلية بشكل مباشر ، لتغير من معادلة الانتاج ومن ثم الاستهلاك فيما بعد في حياة البشرية !!.

والرابط بين هذه الصناعة والانقلاب الفكري لاوربا مابعد الاقطاعية الكنسية المتخلفة هو ان الصناعة وما تنتجه من تطور تجريبي وعلمي وكذا اقتصادي وما تشيده هذه الصناعة من بناء مجتمعي مختلف عن بناء المجتمع الزراعي بالاضافة لما تنتجه من سيطرة ، وقوة وكذا ما تفرزه : من انتقال في الفكر وتصوراته (لاسلوب الادارة ) داخل المجتمع الاقتصادي الصناعي المختلف جذريا عن ادارة المجتمع الزراعي الطبيعي والفطري البسيط ...الخ !!.

كل هذا طبعا يجعل من ((رؤية الحكم)) ايضا للمجتمع وادارته رؤية مختلفة تماما عن ما كانت عليه في السابق ، فنحن هنا امام قوة اقتصادية راسمالية صناعية برزت على السطح الاجتماعي الاوربي لتمارس السلطة الاقتصادية من خلال تكوين منظومات اجتماعية جديدة ، داخل شركات صناعية تحتاج اولا:لمهارة الصناعيين اكثرمن حاجتها لمهارة مجتمع زراعي وهذا يستدعي بالمنطق الطبيعي ان ينتظم المجتمع على شكل يقسم فيه العمل داخل المجتمع وهنا برزت فكرة (( تقسيم العمل في داخل المجتمع )) بشكل منظم وصناعي ثم ثانيا : بعد ذالك يأتي دور ادارة هذه المصانع الآلية التي من ادارياتها ان تستقبل الافراد العاملين بهوياتهم الفردية وبغض النظرعن اي ابعاد اجتماعية لهم سواء كانت طبقية او فكرية او عقدية او ايدلوجية ... او غير ذالك ليكون العامل داخل المصنع والمتجر بفرديته ، ومهاراته الصناعية لاغير وعندها تأسست اول فكرة اقتصادية ، لأهمية الفرد بما هو فرد داخل مجتمع المصانع والمتاجر الراسمالية معزولا تماما عن دائرته الاجتماعية الطبيعية والفطرية الاخرى والتي تنتمي لعالم مختلف عن ما كونته المصانع الراسمالية الجديدة من مجتمع انذاك داخل العالم الاوربي القديم !!.

وبهذا التصور الراسمالي التجاري ، والصناعي للعامل داخل اي مصنع او متجر او شركة اقتصادية ، تكونت فكرة الفرد معزولا عن عالمه الاجتماعي الانساني تماما ، لكنه منتم بشكل كبير الى عالمه الصناعي ، المرتبط بالالة والعمل بشكل جذري ومحكم !!.

وهكذا عندما اصبح في اوربا للقوى الاقتصادية الصناعية تعبيرها السياسي الطبيعي والصريح في شؤون الحكم والادارة السياسية العامة ، انتقل مع هذا التعبير السياسي للاقتصاد الراسمال الصناعي رؤية الراسمال لافراد المجتمع العام على اساس انهم افراد داخل شركة صناعية ، او تجارية لاغير ، وليس افرادا داخل مجتمع مكون من اناس وارواح وعادات وتقاليد واخلاق وافكار ...مختلفة عن الالات واذرع المصانع وانهم يجب ان يعاملوا كأفراد منفصل بعضهم عن البعض الاخر وليس بينهم اي رابط غيررابط المصالح الانتاجية والاستهلاكية والمنافع الشخصية الاقتصادية المشتركة فحسب !!.

بمعنى اخر : إن هذه (( الفردية )) التي نراها طاغية في النظام الديمقراطي الراسمالي الاوربي ، والعالمي الحديث : هي في حقيقتها ليست منتج فلسفة ليبرالية حاولت التنظير أيام سبينوزا وغيره ، لاهمية الفردية واصالتها داخل المجتمع الديمقراطي وان لها الاصالة الطبيعية الواقعية داخل هذه المجتمعات بعكس الرؤية التي كانت ترى الاصاله في جانب المجتمع وليس الفرد ؟.

كما ان هذه الفردية ايضا ليست هي منتج ديمقراطية افلاطونية حقيقية حاولت فهم الحرية ، وحمايتها للافراد واعطت الحكم للشعب ، وعامته وفقراءه من سطوة المجتمع الاستقراطي النبيل ، او الجركي الراسمالي التجاري وهيمنته لذالك تفتقت قريحة الديمقراطية الراسمالية الفرديةالحديثةعن اكتشاف الفردية وحمايتهاكي تكون هي المنصة والقاعدة التي يتمتع فيها الانسان بكامل حريته وخصوصيته الشخصية والفكرية والسياسية والاقتصادية !!.

وانما واقع هذه الفردية المعاشة منذ مائتي عام وحتى اليوم في العالم الاوربي وجذورها وانتمائها الواقعي عائد لتلك النظرة الراسمالية الصناعية التي تنظر لافراد المجتمع الانساني ، كما كانت تنظر لعمّالها داخل مصانعها الراسمالية على اساس انهم افراد منفصلين ومجردين ومعزولين ...عن كل ماحولهم من افكار او ارتباطات او انتماءات او ولاءات وان محركهم الاول والاخير هي منافعهم الشخصية والاقتصادية فحسب وانما هم افراد دخلوا الى هذا المصنع الكبير او هذه الشركة العملاقة التي تسمى بالمجتمع لينخرطوا فيما بعدبصفقة تعاقدفيمابينهم والبين الاخرلينتظم معاشهم داخل هذه الشركة وليقوموا بوظيفة واحدة لاغير: هي الانتاج والاستهلاك في اشباع رغباتهم ومنافعهم الشخصية داخل هذ المصنع فحسب !!.

بهذا المعنى ايضا تحولت الرؤية للمجتمع وماهيته ووجوده ووظيفته ...عندما حكم الراسمال الصناعي الاوربي المجتمع ، ودفع بافكاره الاقتصادية ورؤيته لاصالة الافراد وانفصالهم عن المجتمع للتنظير لها فلسفيا ، ومن ثم للتأسيس الى رؤية تنظر للمجتمع على اساس انه اجتماع صناعي فقط وليس فطريا او طبيعيا على الاطلاق ، وان التقاءه البشري ، ما هو الا التقاء داخل شركة او مصنع تحكم افراده القوانين ، وتحركه المصالح والكسب والخسارة والمنفعة الشخصية لاغير ، اما القول : ان هناك روابط اخلاقية داخل هذا المجتمع او ان هناك علائق انتماء اجتماعية او روابط فوق المادية ...الخ ، فكل هذا من وجهة نظر الراسمالية الديمقراطية ماهو ، الا اغلال تحاول فرض قيود باسم المجتمع على افراد من المفروض انهم يعيشون داخل اجتماع صناعي تنتفي فيه كل المصطلحات المعنوية والاخلاقية ماعدى مصطلح المنفعة والمصلحة المتبادلة لافراده فقط !!.

بهذا التحليل ، وهذه الرؤية فقط (للفردية الراسمالية الديمقراطية ) يمكننا فهم اصرار هذه الراسمالية الديمقراطية على الفردية وعلى كونها الاساس الاول والاخير في مرتكزات نظامها الاجتماعي الراسمالي الديمقراطي ويمكننا من جانب اخر فهم رؤية هذا النظام للمجتمع ، وماهيته وكيف ينبغي لنا ان نفكك عرى مايربط افراده لنحوله من اجتماع فطري طبيعي وسياسي وانساني الى اجتماع اقتصادي نفعي فحسب !! .

في ما مضى من فكر انساني قبل حلول وحكم الراسمالية الديمقراطية لعالمنا اليوم كان اول تعريف يعرّف به الانسان كفرد انه(حيوان اجتماعي بالطبع)!.
اي : ان الانسان مخلوق بالفطرة ان يكون اجتماعيا ، لينتمي الى مجتمع وان انسانيته لاتبرز الا في اطارها الاجتماعي الطبيعي الفطري هذا !!.

لكن وفجأة ، وعلى حين غرّة من البشرية استطاعت الراسمالية ان تعيد انتاج التعريف للانسان بكل وجوده ليصبح الانسان ( حيوان فردي بالمنفعة ) !!.
وهذا في الحقيقة انقلاب قيمي ، وفكري كبير جدا ، لتعريف الانسان ووجوده وعلاقته بما حوله من الاشياء ، والعالم والانسان ، ولايعتقدن احد ابدا ان هذا الانقلاب القيمي للتعريف الانساني في الراسمالية الحديثة ليست له انعكاسات كبيرة وخطيرة على مسيرة الحياة ، والانسان بصورة عامة فكرية واخلاقية واجتماعية وتربوية وحتى سياسية واقتصادية ايضا !!.

في الراسمالية وصل الخداع ، والسفه الفكري الى مستويات غير مسبوقة ابدا فيما مضى عندما حاولت هذه الراسمالية التروج للفردية وطرحها ليس على اساس انها منتهى الانحراف عن الفطرة ، والطبيعة الانسانية القويمة بل على اساس انهامنتهى امال البشرية في تطلعها للحرية والكمال والتطور والانعتاق من اغلال الافكار الاجتماعية الشمولية !!.

بل ان هذا الانقلاب ، الذي احدثه العقل الراسمالي الصناعي المادي لتعريف الانسان وصياغته بشكل فردي اقتصادي لاغير ، ليس هو فقط ضد الطبيعة الانسانية الفطرية فحسب عندما كان تعريف الانسان (( انه مخلوق اجتماعي بالطبع )) ليتحول الى انه مخلوق فردي بالمنفعة لاغير بل وكذالك انه انقلاب ضد سنن قوانين الاجتماع الانسانية التي ركبت على اساس ان للمجتمع وحدة متماسكة في الوجود ، وان تفكيك هذه الوحدة باسم الحرية او باسم الفردية او باي اسم ومصطلح اخر سيودي بالمجتمع في نهاية الطريق بالانهيار الشامل وانتاج الديكتاتورية فيما بعد على انقاض هذا الانهيار الكبير !!.

نعم ان الفردية التي طرحها الراسمال خدمة لمصالحه الاقتصادية في تحويل الافراد داخل المجتمعات الى مجرد ارقام (انتاج واستهلاك ) من جهة فحسب واضعاف هذا المجتمع بتهشيم روابطه الاخلاقية كي يسهل قياد هذا المجتمع وتوجيهه فقط للانتاج الاقتصادي ، لاصحاب رؤوس الاموال العملاقة وداخل مصانعهم من جانب اخر ، مثل هذه الفردية لايمكن لها ان تكون انسانية او منتج من منتجات الانسانية وتطلعاتهاالمشروعة في بناءالحياة الاكرم الافضل لها جميعا !!.

كما ان هذه الفردية مخادعة وكاذبة كذالك عندما تدعيّ انها ستوفر للمجتمع رفاهه وسعادته وحريته عندما يوفرالقانون والدولة لها الحماية بشكلها المطلق فخداعها هنا انها تتخذ من سعادة المجتمع ذريعة لخداع المجتمع نفسه وبينما هي لاتذر للمجتمع حجر يقف على حجر ، عندما تعلن فرديتها وان الاصالة لها في الوجود ، وان ما وجود المجتمع الا كذبة لاغير ...... تعلن الفردية الراسمالية من جانب مخادع اخر انها الضامن والكفيل لسعادة المجتمع الذي لاتعترف ، باي وجود حقيقي له ، ولهذا الكيان المسمى بالمجتمع ومنظومته وروحه ووجوده !!.
فاي خداع واي تضليل بعد هذا الخداع والتضليل في الراسمالية الفردية !!.

وهكذا عندما تخادع الفردية الراسمالية فكريا لتزيّف كل شيئ حولها وبما في ذالك خداعهاوتزييفها لمفهوم الدولة ووظائفها القانونية والسياسية والاقتصادية وحتى التربوية داخل المجتمع ومنظومته الانسانية فلم يسلم ايضامفهوم الدولة من تضليل ، وخداع الراسمالية وفرديتها المزعومة ، عندما اعلنت مذهبيا : (( على ان الدولة ينبغي ان تكون ، هي الحامية للفردية داخل المجتمع وهي المدافعة عن حريات هذه الفردية وهي المقتنعة على ان وظيفتها تقتصر على بقائها على مسافة واحدة من التدخل في حريات الافراد ، وحياتهم الشخصية والفكرية والاقتصادية والسياسية ، وقمع اي تحرك للمجتمع تجاه هذه الفردية المسيطرة اقتصاديا )) !!.


فهذه ايضا حلقة من سلسلة الخداع الراسمالية الفكرية في تزييف مفهوم الدولة ووجودها ووظائفها ، فبينما المعروف تاريخيا وفكريا وفلسفيا وقانونيا وحتى ليبراليا اوربيا : ان الدولة اقيمت عندما قرر المجتمع بمجموعه وبشخصيته وبهويته وبأصالته ....الخ التنازل عن بعض حقوقه الطبيعية ، لهيئة سياسية تقوم على فض النزاعات بينهم وادارة شؤونهم بالسلم والحرب وان شرعيتها مستندة على ارادة المجتمع ، فجأة ايضا وجدنا الراسمالية الفردية الديمقراطية تجيّرهذه الدولة التي كل وجوده وشرعيتها وكيانها ....الخ منبثق من المجتمع لمصالحها الفردية ، لتصبح الدولة في خدمة الفرد ضد مصالح المجتمع وكما زعمت الراسمالية ضد تدخلاته وسطوته وطاغوته ..... والى ما هنالك من مفردات الخداع والتزييف الراسمالية المعروفة !!.

نعم هكذا هو الخداع الراسمالي ، الذي اراد ان ينظر ، لكل شيئ من منظاره الراسمالي الاقتصادي النفعي ومن ثم ليفكربكيفية تجييره لمصالحه الراسمالية المشوهة ، وحتى الحرية ، كقسم ثاني من مسلسل الخداع الراسمالي لم تسلم من رؤية الراسمالية لها على اساس انها سلعة كباقي السلع ليفكر من ثم العقل المادي الراسمالي الديمقراطي : بكيفية تسويقها تجاريا للعقل الاوربي لبيعها للمغفلين على اساس انها بضاعة ديمقراطية راسمالية ، توجد فحسب في هذا النظام النفعي الفردي لاغير !!.

وهذا انشاء الله ما سنتناوله في الحلقة القادمة بعد ان ننتهي من مناقشة هل ان الاصالة في اي تركيبة انسانية مجتمعية هي للفردحسب ما تطرحه الراسمالية المادية ؟.
أم ان الاصالة الحقيقية لتركيبة اي مجتمع بشري هي للمجتمعية باعتبار انها هي المكون الحقيقي والواقعي لوجود هذه البشرية ؟.

أو ان الفكرة الادق بين المجتمعية ، والفردية هي لا هذه الراسمالسة ولاتلك الاشتراكية الشيوعية الماركسية ، وانما هي فكرة ترى للفرد اصالة وللمجتمع اصالة اخرى حسب ما طرحه النظام الاسلامي الكبير ؟.



مدونتي http://7araa.blogspot.com/

alshakerr@yahoo.com

1: فلسفتنا : للسيد محمد باقر الصدر / مصدر سابق / ص 18 .
2: قصة الحضارة / ول ديورانت / ج 7 / ص 484 .

الثلاثاء، أكتوبر 04، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 7 حميد الشاكر


بعد ان يذكر الامام الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا أهم الاسس والمرتكزات المذهبية للنظام الراسمالي الديمقراطي ليلخصها :
اولا : بالفردية .
ليبني على هذا الاساس اوالمرتكز تابعين اصيلين يترتبان على فكرةالفردية داخل النظام الاجتماعي الراسمالي الديمقراطي وهما :
أ : تابع ان الفردية هي الضامن والكافل بصورة طبيعية مصالح المجتمع .
ب : وتابع ان على الدولة ان تكون هي المبادر لحماية الفرد ومصالحه وحرياته وليس العكس .


ينتقل مباشرة لذكر القاعدة ، والاساس الثاني من توابع ، ايضا هذه الفكرة ولكن ابرازها بشكل اقرب للاصالة منه للتوابع وكقاعدة من قواعد مذهبية النظام الراسمالي الديمقراطي الا وهي قاعدة :
ثانيا : الحرية الفردية !!.
ومعلوم ان الامام الصدر رحمه الله ، قد طرح فكرة الحريات الاربعة للفرد باعتبارها من اساسيات الفردية في المذهبية الراسمالية من جهة وباعتبار ان ( الحرية) فكرة اصيلة داخل النظام الراسمالي من جانب اخر وعلى هذا الاساس بنيت مقولة الحريات الاربعة عندالامام الصدر في الفكر الراسمالي والتي هي :


أ : الحرية السياسية وهي عبارة ان يكون لكل فرد رأيا محترما في تقرير مصير الحياة السياسية للمجتمع باعتباران النظام الاجتماعي ومسألة الحكم داخله وتتصل اتصالا مباشرا بحياة كل فردمن افراد هذا النظام وعليه تقرر له حق المشاركة في صياغة الحكم !.

ب : الحرية الاقتصادية باعتباران هناك قوانين اقتصادية صارمة ان تهيئت لها حرية الافراد ، ستعمل بنفسها على ضبط السوق ، والانطلاق بها نحو الازدهار والنمو والتقدم .

ج:الحرية الفكرية وهي حرية ينبغي ان تترك للافراد حرية التفكيروالايمان وصياغة العقيدة الدينية منها والايدلوجية ، والانتماء الى ماتشتهيه عقلية الافراد ، وترغب به من افكار .
د : والحرية الشخصية ، وهي عبارة ان افساح المجال للساحة الشخصية للافراد واسعة يُمارسون بها حياتهم وسلوكهم الخاص كيفمايرتأونه وبدون اعاقة من احد او جهة او مؤسسة !.

ثم بعد هذا يختم السيد الصدر في تمهيده الفلسفي طرحه للخطوط الرئيسية للنظام الراسمالي الديمقراطي بالقول : (( هذه هي الديمقراطية الراسمالية في ركائزها الاساسية ، التي قامت من اجلها جملة من الثورات وجاهد في سبيلها كثير من الشعوب ، والامم في ظل قادة كانوا حين يعبرون عن هذا النظام الجديد ، ويعدونهم بمحاسنه يصفون الجنة في نعيمها وسعادتها وما تحفل به من انطلاق وهناء وكرامة وثراء وقد اجريت عليها بعد ذالك عدة من التعديلات غير انها لم تمس جوهرها بالصميم ..)) 1 .

أما على مستوى المعالجة والمناقشة للامام السيد الصدر رضوان الله تعالى عليه لركائز النظام الراسمالي الديمقراطي فما يلفت النظر بهذ ا الصدد :

اولا : لم يناقش او يبحث السيد الشهيد الصدر فكرة (( الفردية )) التي قام عليها كل النظام او المذهب الراسمالي الديمقراطي بشكلها التام وبصورة معمقة بحيث يعطي لهذا الاساس الراسمالي ما يستحقه من نقد فكري يأتي عليه من القواعد ، ليهدم من ثم كل البناء المذهبي للراسمالية الديمقراطية وانما اكتفى الامام الصدر في تناول اساس (الفردية) داخل هذا النظام بالنقد والبحث ، والمناقشة على مستواه الاقتصادي فحسب في سؤال هل ان فعلا الفردية تصلح لان تكون ضمان ، وكفيل لمصالح المجتمع وسعادته ورقيه كذالك ؟.
أم ان هناك وبطبيعة الفردية ، التي تطرحها الراسمالية الديمقراطية تناشزا فطريا وفكريا ونفسيا... بين ان يكون محرك الفرد هي مصلحته الشخصية وبين القول المخادع للراسمالية من ان مصلحة المجتمع وسعادته ستنبثق من مصلحة الفرد الانانية النفعية نفسها بصورة طبيعية ؟.

ثانيا : ربما كان عدم مناقشة وبحث الامام الصدر ((للفردية)) بشكل موسع وجذري بسبب ماذكره مرارا الامام الصدررحمه الله للراسمالية الديمقراطية المذهبية في كتابيه فلسفتنا واقتصادنا من ان هذا النظام يفتقر الى الرؤية الفلسفية الشاملة التي تصلح لان تكون الجدارية الفلسفية اوالعلمية لتغطية ودعم الافكار الراسمالية التي تطرح على عواهنها وبدون اي مستند فكري فلسفي ، او علمي ايدلوجي يدعم هذه التوجهات في النظام الراسمالي كما هو حاصل (مثلا) للماركسية الاشتراكية التي عندماتطرح فكرة في نظامها المذهبي ، ترجعه (بالتداعي) الى رؤيتها العلمية ، او الفلسفية في الحتمية التاريخية او الايدلوجية الديالكتيكية العلمية التي تكون رافدا وداعما لافكار المذهب الاشتراكي ، وهذا غير موجود ، مع الاسف في المذهب الراسمالي !!.
ولهذا ذكر الامام الصدر في تمهيده الفلسفي ، وبوضوح نقطة افتقار النظام الراسمالي للفسلفة الفكرية اونقص هذه المدرسة للجانب الايدلوجي العلمي لافكارها الارتجالية ليرجع من ثم هذه الظاهرة للراسمالية لعاملين :

الاول : الخداع والتضليل اي خداع البسطاء من بني البشروالتضليل عليهم بنفخ المصطلحات الفارغة بدون اي مستندات فكرية او علمية !!.

ثانيا:العجلة وقلة الاناة ، اي سفاهة فكرالمذهب الراسمالي في طرح الافكار بدون روية فكرية ، او علمية تدعم هذه الافكار و تتمكن من شرح واقعية هذه الافكار المذهبية !!.

ولهذا قال السيد الامام الصدر وهو يتعرض للمسألة الاجتماعية ، وحاجتها الضرورية لقاعدة مركزية فلسفية او علمية تشرح ما يطرحه المذهب مما ينبغي اولاينبغي الايمان به وافتقارالراسمالية لذالك ((ان المسأة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياةولا تتبلور بشكل صحيح الا اذا اقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة وواقعها وحدودهاوالنظام الراسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل أوعلى عجلة وقلة اناة حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها )) . 2 .

بمعنى اخر ان الراسمالية عندما تنتخب الفردية لنظامها الاجتماعي هي لم تشرح لنامبدأيا فلسفيا وعلميا رؤيتها للحياة الاجتماعية الانسانية وابعادها الفكرية ، لتجيب قبل ان تقرر ان الفردية هي الامثل للحياة الاجتماعية او هي الاسوأ لهذه الحياة على سؤال:هل ان لهذه الحياة ابعادا معنوية مضافا لابعادها المادية ؟.
أم ان هذه الحياة ليس لها علاقة باي بعد معنوي مرتبط بالسماءاو الارض يحتم رؤيتها بشكل مختلف ؟.
وهكذا اذا اردنا ان نفهم او ندرك مبررات انتخاب النظام الفردي للراسمالية الديمقراطية ودعوتهالهذا النظام واعتباره النظام الاصلح للحياة الاجتماعية فعلى الراسمالية قبل ان تقرر كل هذه المقررات المذهبية عليها ان تشرح لنا قاعدتها الفكرية او العلمية او الفلسفيةفي فهم تركيبة المجتمع الانسانية وهل ان الاصالة فيها للفرد ام للمجتمع ؟.

واذاكانت الاصالة للفرد في تركيبةالاجتماع الانساني فعلى اي اساس علمي او فلسفي انتخبت الراسمالية هذا الانتماءلتبشر من ثم بالدعوة اليه وتدعي انه النظام الاصلح للمجتمع ؟.

كل هذه الاسألة هي ما قصده الامام الصدر(رض)عندما اشار لافتقار النظام الراسمالي لقاعدة الاجابة عليهافالنظام الراسمالي على هذا الاساس لايمتلك اي قواعد علمية او فكرية ، تمكن الباحث من الرجوع ومناقشة ما تطرحه مما هو كائن قبل ان تطرح مذهبيا ماينبغي ان يكون مذهبيا ، ولعلّ هذا هو سبب عدم بحث الامام الصدر ، لفكرة الفردية ، بصورة معمقة في المذهب الراسمالي ، واكتفاءه بالقول حول المذهبية الراسمالية انها مذهبية تنتهج الخداع والتضليل من جهة ،وتنتهج الجهل وقلة الوعي والادراك من جانب اخر !!.

ثالثا : نعم هناك بالنسبة ، لرأيي الشخصي مبررا اخر ، لعدم مناقشة الامام الصدررضوان الله عليه ل(لفردية) في النظام الراسمالي بشكل معمق ونافذ الى جذور هذه الفكرة ، ومنطلقاتها الهشة في الفكر الراسمالي باعتبار انه لايمكن لباحث مثل الفيلسوف الصدر ان يتناول المذهب الراسمالي بدون ان يعقد فصلا مستقلا لبحث ومناقشة ونقد اهم ركن او اساس في هذا المذهب الا وهو اساس (الفردية) على الاقل من جانبها الاجتماعي والفلسفي وهذا المبرر حسب ما اعتقده هوان الامام الصدرقد ارجأ هذا البحث لما ذكره في مقدمة الطبعة الاولى من كتابه اقتصادنا عندما اشار الى ان كتاب (فلسفتنا ) هو الحلقة الاولى من دراساته الاسلامية التي تتناول فيهاالقواعد الفكرية للمدرسة الاسلامية ويتلوها بعد ذالك دراسة (مجتمعنا) 3 ، التي قدر الامام انها ستكون الحلقة الثانية لتناول البناء الفوقي للمدرسة الاسلامية الشاملة ولكن قدر استشهاد الامام على يد طاغية العراق المقبور صدام حسين افقد المسلمين ثروة فكرية عظيمة كان الامام يخطط لطرحها باسم ( مجتمعنا ) ليشرح للامةوللعالم الاسلامي تصوره حول بناءوتراكيب المجتمع الاسلامي وكيفية القيام به ؟، وماهية هندسته ؟،وكيف هي رؤية المدرسة الاسلامية في مقابل الراسمالية والاشتراكية لهذا الاجتماع !!.

ولهذا وجدنا الامام الصدر عزف في تمهيده الفلسفي ، لكتاب فلسفتنا عن تناول الفردية بصورة معمقة واكتفى بالاشارة الى مادية النظام الراسمالي مع انه كان من المفروض ان لايترك هذا الاصل في المذهب الراسمالي الا اذا كان هناك مشروع اوسع ، للصدر يبتغي ان يتناول الفردية داخل النظام الراسمالي ومن خلاله بشكل يعطيه حقه من النقدالكامل وهذاما كان ينتظره قرّاء الصدر في العالم الاسلامي بشكل عام ، وقراءه رضوان الله عليه في العراق بشكل خاص في اطروحته التي كانت منتظرة في كتاب ((مجتمعنا)) لاسيما ان تناول الفرديةالراسمالية في اطارهاالاجتماعي ينسجم بشكل اكثر مع البحوث الاجتماعية منها داخل البحوث الفلسفيةلكن ذهب الصدر شهيدا الى ربه وذهب معه مشروع مجتمعنا الاسلامي وما كان ليثريه هذا الطرح من منفعة اسلامية لاتقدر بثمن !!.

رابعا : مع اننا فقدنا ثروة فكرية هائلة عندما فقدنا مشروع الامام الصدر في كتاب ( مجتمعنا ) لاسيما ان هذا المشروع كان حتما سيتناول التراكيب الاجتماعية ونظرياتها الفكرية والعلمية والفلسفية بشكل عميق مضافا الى ادراكنا للرؤية الاسلامية والعلمية والفكرية ... تجاه الفردية الراسمالية في نظامها الاجتماعي ، لكن هذا لايعني اننا فقدنا رؤية الصدر ، والى الابد في مناقشة الفرديةالراسماليةوتاثيراتها المدمرةعلى النظام الاجتماعي وسعادته وحريته الحقيقية من منطلق انه ، لايمكن مناقشة الراسمالية بدون مناقشة قاعدتها الاساسية في الفردية وتهديم كل مدعياتها المخادعة !!.

فهناك من تناول هذه الفرديةداخل اطار البحث الاجتماعي الاسلامي الاصيل بفكر ، واسلوب وتناول نعتقد شخصيا انه لا يختلف ابدا عن عمق واصالة وجدارة ...فكر الامام الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه لو كان بالفعل تناول هذا الموضوع من خلال طرحه الشخصي !!.

ونقصد بذالك ما تناوله الشهيد السعيد مرتضى مطهري رحمه الله في كتابه ( المجتمع والتاريخ ) ، الذي حاول فيه هذ ا المفكر الكبير مناقشة تراكيب المجتمع واساسياته الفردية والاجتماعية ، بتحليل فكري وعلمي ، وفلسفي لايقال عنه الا انه لم يسبقه اليه احدبهذا الاسلوب والتوجه ونمطية التفكير ..غير قرينه في التوجه والتفكير الامام السيد الفيلسوف محمد باقر الصدر !!.

نعم ربما غير معروف في الاوساط الفكرية ، والمجامع العلمية مدى انتماء الشهيدين السيد الصدروالشهيد الشيخ مرتضى مطهري الى نفس المدرسة والاسلوب والتوجهات العلمية والفكرية التي كانت تجمع بين العلمين على اكثر من صعيد ما يهيئ لنا الحكم بالقول ان هناك اكثرمن نافذة كانت تجمع بين المفكرين هي ، التي تسمح لنا بالقول ان فكر الامامين الصدرومطهري كانابالحق فكرين متكاملين وينبعان من مصدر واحد ، بل ولانغالي ان قلنا : ((انهما اجتمعا تحت سقف فكر واحد في المناقشة والمدارسة ، وان كان احدهما جغرافيا بعيدا عن الاخر ،لكن شدة التقارب بين ما طرحه المفكرين لاسيما السيد الصدر في المدرسة القرانية والشهيد المطهري في المجتمع والتاريخ يؤكد لنا ان هناك خط اتصال وثيق كان يربط بين المفكرين على موجة بحث واحدة في قضايا الاسلام وفكره المعاصر )) !!.

ومن هناوعلى هذا الاساس سنطرح بعض الاسألة حول الفردية الراسمالية ليجيب عليها الفيلسوف الشهيد مرتضى مطهري من خلال فكره الذي نعتقد انه نفس فكر الامام الصدر ، وقرينه الذي ليس بينهما اي فواصل متناشزة او قواطع متباعدة ، ولنسد بعد ذالك ، فجوة مناقشة الفردية في تساؤلات الامام الصدر التي افتقدناها في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا ، ولندرك ثم مفهوم الفردية ومنشأها وخداعها وجهلها في المذهبية الراسمالية ، وكيف انها فكرة ليست بعلمية ولاهي قائمة على اساس فكري او قاعدة علمية بل انها فكرة ومن وجه النظر الاسلامية اقرب الى (الانا) الشخصية الشيطانية حسب ما تطرحه الرؤية الاسلامية ، منها ان تكون فردية ملائكية !!.


مدونتي http://7araa.blogspot.com/

alshakerr@yahoo.com

1: فلسفتنا : للسيد محمد باقر الصدر / مصدر سابق / ص 16.
2: فلسفتنا / ص 18 .
3 : اقتصادنا : السيد الصدر / مصدر سابق / ص 27 / كلمة المؤلف .

السبت، أكتوبر 01، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 6 حميد الشاكر


لايشكك الامام محمدباقرالصدرفي تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا بالنظام الديمقراطي الراسمالي وانه كان في يوم من الايام ، ولم يزل ربما عند كثير من المستفيدين من هذا النظام للحظة انه النظام الاصلح ، والامثل لادارة العالم الانساني كما ان الامام ( رحمه الله ) وفي معرض تقديمه للنظام الديمقراطي الراسمالي ايضا لا يشك انه النظام الاجتماعي الذي ناضل مريديه والمؤمنون به كثيرا من اجل الاطاحة بنوع من الظلم ، والدكتاتورية السياسية ، التي كانت جاثمة على قلب اوربا وانه النظام الذي حاول التخلص من الكابوس الكنسي الديني المتحجرالذي كان يكتم على انفاس المجتمعات المسيحية الاوربية وهوالنظام الذي اعلن الثورةعلى التخلف الاقتصادي ومستوى المعيشة المتدنية للفرد الاوربي ، وهو النظام الاجتماعي كذالك الذي بشرّ بالحرية والازدهار والتقدم والتطور والكرامة البشرية .... وغير ذالك !!.

كل هذا لم ينكره الامام الصدر ( رض ) في تمهيده الذي تناول النظام الديمقراطي الراسمالي الحديث عندما قال : (( ولنبدأ بالنظام الديمقراطي الراسمالي .هذا النظام الذي أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية ، وبالحكم الدكتاتوري في الحياة السياسية ، وبجمود الكنيسة وما اليها في الحياة الفكرية ، وهيأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلت محل السابقين ،وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في اسلوب جديد )) . 1 .

ثم بعد ذالك يشرع الامام الصدر بطرح ابرز المعالم الفكرية ، للنظام الديمقراطي الراسمالي ، بل وقد طرح الامام الصدر في شرحه لاساس النظام الديمقراطي قبل ان يبدأ بنقد هذا النظام، والمذهب الاجتماعي الحجر الاساس الذي اعتمد عليه كل النظام الفكري والاجتماعي الراسمالي الديمقراطي الا وهو حجر ( الايمان بالفرد ) او الايمان بالفردية كحجر اساس لاثاني له ولاثالث في اقامة كل البناء المجتمعي الديمقراطي الراسمالي منذ قيام هذا النظام في العالم الاوربي الحديث وحتى اليوم !!.
اكثر من ذالك ، فان الامام باقرالصدر ( رض ) عندما اراد الابتداء بالحديث عن النظام الديمقراطي الراسمالي ، وماهية اسسه الفكرية ، وذكر الفردية كاساس اهم ووحيد بهذه المنظومة المذهبية للنظام الديمقراطي الراسمالي لم ينس ان يشير الى ايمان هذا النظام المطلق بالفردليس باعتباره اساس المذهب الاجتماعي الديمقراطي الراسمالي فحسب بل ولانه من الناحية الفكرية الاخرى للراسمالية ذاهبة لرؤية ان الفردهوالضامن الحقيقي لمصالح المجتمع باعتباران مصالح الفردالفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية....الخ هي نفسها الكفيل الوحيد الذي يسرّب الى مصالح المجتمع الكلية كذالك وبدون اي تناقض او تضارب او صراع بين الوجودين !!.
وعلى هذا الاساس الجوهري لفكرة النظام الاجتماعي الراسمالي الديمقراطي للفرد ومن خلال هذه الرؤية ، التي لاتجعل هناك اي فاصل بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع دعت الراسمالية الديمقراطية الدولة وكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية لحماية الفرد ومصلحته وحريته ونشاطه ......الخ ، وان لاتكون الدولة كمؤسسة مالكة للسلطة والادارة الشكلية معيقة او مقيدة او متدخلة في نشاط الافراد وحرياتهم وتطلعاتهم داخل المجتمع الا بقدر حفظ النظام بين الافراد فحسب !!.

يقول الامام الصدر وهو يشرح لنا اسس النظام الاجتماعي الديمقراطي الراسمالي ونظرته للفرد ومصالحه ومايترتب على هذه النظرةالتقديسية للفردية داخل المجتمع وفي اطار ماينبغي على الدولة القيام به : ((وقد قامت الديمقراطية الرأسمالية على الايمان بالفرد إيمانا لاحد له ...... وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل – بصورة طبيعية – مصلحة المجتمع في مختلف الميادين ... وان فكرة الدولة إنما تستهدف حماية الافراد ومصالحهم الخاصة فلايجوز أن تتعدى حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها .)) . 2 .

إن مايميز طرح الفيلسوف الصدر رحمه الله لمبادئ النظام الديمقراطي الراسمالي واسسه وقواعد منطلقاته الفكرية ، سواء كان في تمهيده الفلسفي هذا لكتاب فلسفتنا او ماتناوله بشكل اوسع في كتابه اقتصادنا انه طرح وللمطلعين بشكل دقيق للفكر التاسيسي للنظام الراسمالي فاق حتى طرح اؤلئك المؤمنين بهذا النظام الراسمالي نفسه في روعة التنسيق واناقة العبارة ووضوح المقاصد !!.

اي ان الملتفت لما طرحه الاباء المؤسسين اسلوباورشاقة للكلمةووصولا الى الغاية بشكل لاتعقيد فيه لفكر النظام الراسمالي الديمقراطي الحديث من (أدم سميث) والى (ريكاردو) وحتى (بنتام) و (جيم ستوارت ميل)....الخ وغيرهم من فلاسفة نظروا للاقتصاد الراسمالي الكلاسيكي وتحدثوا عن فكرة الفردية والفلسفة النفعية كرديف مساند للاطروحة الراسمالية الديمقراطية ، يجد ان في طرح الفيلسوف الصدر امام ما طرحه هؤلاء المفكرين الاقتصاديين وغيرهم من الفلاسفة الراسماليين النفعيين طرحا يتميز بالوضوح ولملمت مابعثره ( ريكاردو ) او ما حاول ايصاله ماركس حول الاقتصاد الديمقراطي الراسمالي نقدا الا انه تعثر في ذالك !!.

اما اسلوب الامام الصدر الذي صاغ لنا فكرة النظام الديمقراطي الراسمالي وقدمها بشكلها البسيط والواضح والغير معقدبمفردات الفلسفة ودعاة التقعيرفي الفكروكذالك ما لملمه الامام الصدرمن شتات هذا الفكر وصياغته بقالب يتمتع بالاختصار الكبير وبنفس الوقت بالطرح الشامل تقريبا لمفاصل النظام الديمقراطي الراسمالي العامة فكل هذا تميز به اسلوب الامام الصدرفي طرحه الفكري العام ، ليس فقط للنظام الراسمالي الديمقراطي فحسب ، بل انه مُميز بارز في كل فكر الامام الصدر الذي ناقش اكثر من نظام ونظام اجتماعي ، واكثر من مفردة فلسفية ، واخرى اجتماعية على هذا الصعيد ، وكأنما يبدو لكل قارئ لشرح الصدر وطرحه وهو يتناول النظم الاجتماعية ، ومنها النظام الراسمالي الديمقراطي الحديث ، انه أمام مفكر استوعب بشكل تام دقائق ، وجميع مفاصل الفكر الذي يتحدث عنه بالاضافة لشعور القارئ وهويقرأ للامام الصدرللوهلة الاولى وفي مقدمات شرحه لاي فكرةاونظام اجتماعي انه امام انسان مؤمن بهذا النظام الذي يطرحه شرحا ، او من المدافعين المتحمسين عن فكره وقواعده واسسه ومنطلقاته !!.

وهذا ان دلّ على شيئ فانه يدل على ان الامام الصدر ، ليس فقط انه من مميزاته الكثيرة ، انه فيلسوف احدث مايشبه الطفرة الفكرية ، للمدرسة العراقية الاسلامية المعروفة بالتقليدية العميقة ، بل انه مفكر تمكن من التفوق على فكر الاخرين الذي لاينتمي له ، بنفس القدرة التي تمكن من خلالها في فكره الاسلامي الذي هو مؤمن به ويدعوا اليه وينظر له كمخلص لهذه البشرية الغارقة في الضياع !!.

نعم قرأنا للكثير ممن حاول ان يشرح لنا الراسمالية باسسها ومداخلاتها وتعليلاتها وكذا اهدافها وغاياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ،لكننا لم نصادف من يختصر الراسمالية الديمقراطية بخطوطها العامة بوريقات معدودة ليوصل للامة ماهية هذه الراسمالية الديمقراطية ، وكيفية لعبها على متناقضات فكرية ، لا تظهر في الوهلة الاولى الا لذوي الفكر الثاقب والقريحة الفكرية الناقدة والبصيرة !!.

وهذا بالفعل ماقام به الامام الصدر تجاه الراسمالية الجشعة التي تاجرت بالمفاهيم الانسانية الراقية كالحرية والديمقراطية كمتاجرتها بالسلع وترويج قوانين السوق وطرحها للخلاص البشري بصورة مخادعة وكاذبة !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13.
2: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13 .