الجمعة، يناير 30، 2009

ماذا يعني استهداف مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء ؟



ربما طرح ويطرح بعض الأخوة من المهتمين بالشأن العراقي السياسي وغير السياسي اليوم هذا التساؤل بنوع من البحث لكشف النوايا السياسية والدينية التي تدفع بأعداء العراق والإنسانية إلى ممارسة العنف والإرهاب بكل جوانبه اللاأخلاقية ضد الشعب العراقي وأصالته ومميزاته الأدبية والفنية والعقلية وكذا مزاراتها الدينية وتراثه الحضاري البشري ؟.
نعم لماذا مرقدي الإمامين العسكريين بالذات ؟.
ألانه مثلا الأقدر على تحريك المشاعر الدينية لدى المسلمين الشيعة ومن ثم لإثارتهم ضد إخوانهم العراقيين من أهل السنة ، أو جرهم لحرب طائفية تقلب الطاولة وتعيد المعادلة السياسية من جديد ليضمن المهمشون فيها الآن من أنصار الحقبة الصدامية الماضية بعض المكاسب الجديدة ؟.
أم لأن القائمين بهذه الأعمال اللاأخلاقية هم حفنة من بقايا السلفية الوهابية التي لا تعير أي اهتمام لرموز الأمة الإسلامية ومدى تحويلهم إلى رموز بشرية شاخصة في تشييد مراقدهم الشريفة ، لذا هم ومن هذه الذهنية المنغلقة التي اتخذها الشيطان مرتعا لصولاته وجولاته يوحي لأوليائه بوجوب التخلص من هذه الشواخص الإسلامية الكبيرة واعتبارها ضلالة وشرك وعبادة للأصنام البشرية وقاسمهم الشيطان باني لكم من الناصحين في هذه الفكرة؟.
الحقيقة ان التساؤل الأول له جنبة سياسية ، من خلال القول ان هناك مجموعة من المتورطين في الإجرام الصدامي ضد الشعب العراقي يحاولون من خلال إثارة الحرب الأهلية قلب المعادلة السياسية العراقية الجديدة وإعادة صياغتها بشكل يؤمن لهم مكاسب سياسية جديد ، ويهددون بإثارة هذه الحرب ان لم يتجاوب معهم العراق الجديد حسب هذه المطالب السياسية ، لذا هم وكلما دارت العجلة السياسية قليلا حاولوا الرجوع وممارسة (حرب المراقد والمساجد) كأحد العناوين القادرة على إثارة المشاعر الدينية هنا وهناك ؟!.
أما التساؤل الثاني فله جنبة عقدية لا دينية ، من خلال وجود مجموعات من طريدي الحضارة الإنسانية من وهابية سلفية يعيثون في الأرض فسادا ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أضلهم الضالون فاتخذهم الشيطان له أنصارا ، واستولى على كل وجودهم المسخ ليكون لهم العيون التي يرون بها والآذان التي يسمعون بها والعقول التي يفكرون بها ، فيعتقد هؤلاء الأنعام بل الأضل سبيلا ان معالم المراقد من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هي إلا منافاة لشريعة التوحيد التي يؤمنون بها والتي أوحى الشيطان لهم بها من خلال أقيسته الضالة وابتداعاته المتنافية فاقسموا بعزة الله -كشيطانهم عندما اقسم لله بعزته لأغوين أبناء آدم أجمعين إلا عباد الله المخلصين- ان لا يبقوا لمعالم الإسلام من مراقد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باقية فابتدئوا بأضرحتهم المقدسة في المدينة المنورة لمحو ذكر آل محمد ودينهم ليجدوا أنفسهم في العراق مهد الحضارة وناموس الإسلام وجمجمة العرب ، أمام المعالم الشامخة لعترة الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاطون بأفضل العناية ويعاملون بأكمل التوقير والإحياء والذكر لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فغاضهم المشهد وعادوا إلى سيرتهم الأولى في هدم بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ، بالإضافة إلى وجود هذه الزمر الضالة من السلفية إلى حواضن سياسية متعطشة لسفك الدماء العراقية من الصداميين الذين رحبوا بهذه الفرصة من الظلاميين ليشكل الشيطان وأعوانه محرقة العصر للإسلام وأهله !.
ان هذين البعدين الديني والسياسي هما المشهد البارز على اللوحة التي تتناول بالتحليل مقولة لماذية استهداف مراقد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في سامراء كلما تقدمت العملية السياسية العراقية في المضي ، بعد يريد مكاسب سياسية ، وبعد غريب يريد أدلجة هذه العمليات الإجرامية دينيا ليعطيها الغطاء الديني في هدم المراقد المقدسة لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رموز الإسلام وأئمة المسلمين وفكرهم الناضج وحوزتهم المنيعة !.
نعم هناك الأبعاد الأخرى السياسية التي لم يتعرض لها الكثير بالتحليل ، أو لم يصل إلى عقدة الوصل بين لماذا يراد إزاحة مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) من سامراء وبين مآرب الصداميين الحقيقية بهذا العمل الإجرامي وهذا ما سنحاول استقراءه الآن ، لنتساءل : لماذا وحتى في حقبة المقبور صدام حسين حاول هذا النظام وجلاوزته من التخلص من هذين المرقدين الإسلاميين الشريفين في سامراء ؟.
وماذا يعني وجود أئمة للمسلمين الشيعة في سامراء جغرافيا وسياسيا ؟.
الحقيقة ان أعداء الشعب العراقي يدركون ان منائر آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشاهد قبورهم الذهبية هي رمز سياسي وديني وثوري خطير جدا على الحالة الطاغوتية السياسية العراقية بالخصوص والعربية الإسلامية بالعموم !.
نعم ماذا يعني شموخ قباب ذهبية تعانق السماء بكل تألق لثوري هنا في سامراء وثوري هناك في كربلاء وآخر ثالث في إيران ، كانوا لا يمثلون إلا حالة الرفض للنظام الدكتاتوري القائم في زمانهم ؟.
هم ليسوا ملوكا ولا جبابرة ولا خلفاء سياسيون ، فماذا يعني ان يكون إماما تعتقد بإمامته ثلة من المسلمين الشيعة ، ينالون هذا التوقير العظيم وهذه المنزلة الرفيعة التي كلما مر الزمان ازدادت تألقا ومعانقة ولمعانا للبشرية ؟.
هل المقصود من القباب الذهبية العالية جدا والتي يقيمها شيعتهم الأبرار وبنائها حولا بعد حول ، ممارسة لنصرة الشعار والفكرة الداعية لرفض الطاغوت والظلم والتجبر السياسي القائم ، وإذا كانت الرمزية التقديسية هذا هو منشأها لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبارهم فتية امنوا بربهم فزادهم الله هدى ، فما هو موقف الطواغيت من هذه الرمزية جيلا بعد جيل ؟.
كيف كان يشعر يزيد بن معاوية بوجود الحسين بن علي (عليه السلام) في الحياة معه ؟.
كيف كان يشعر هارون اللارشيد وبجانبه العالم العابد الكاظم موسى ابن جعفر (عليه السلام) ؟.
كيف كان يشعر المتوكل وبجانبه الهادي علي بن محمد العسكري (عليه السلام) ؟.
كيف كان يشعر صدام حسين وهو يرى ويرقب قباب الحسين الثائر العملاق على الظلم والطاغوت وقد التفت حوله الملايين لزيارة موقفه الرافض للذل والرضوخ والاستسلام للطاغوت ؟.
كيف كان يشعر نظام المشنوق آنذاك بأمر العدالة العراقية صدام حسين ومن ثم أنصاره والراتعين بسحته سابقا ، عندما يرون قباب سامراء الذهبية عالية تعانق السماء كل صباح لتعلن لهم ان لا حياة للطاغوت ولا تقديس إلا للمقاومة ورفض العبودية والإذلال ؟.
نعم أينما وجد آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الامتداد الرائع لرسالة السماء الإسلامية الرافضة لكل ما هو رخيص وهابط ودنيوي وطاغوتي ....، وجدت المنائر الذهبية والتقديس وأفئدة من الناس تهوي إليهم لتجدد العهد والولاء والنصرة لموقف الرفض للظلم ومحاربة العبودية وشجب العدوان والطاغوت وعبادة غير الله سبحانه وتعالى ؟.
إذا هي ثورة مقامة على دعائم منارة ذهبية هنا وقبة نورانية هناك، تدعوا المعذبين في الأرض إلى راحة أفئدتها من تعب الطغاة ؟.
إذا هي مطالبة بالعدالة ورفض للتمييز ، تمتلئ أفئدة اللذين ظلموا منها رعبا ؟.
وهكذا كلما اطلّ طاغية صدامي صغير أو كبير ميت أو حي اليوم من شرفة داره في سامراء ليرى قباب آل محمد للهادي والعسكري (عليهما السلام) لامعة في بصره انقض مضجعه وملئ رعبا من القلوب التي ستهفو يوما لتحيط بهذا الرمز الكبير لرفض الطاغوت ؟.
ان الأهداف الحقيقية التي تدفع الصداميين من جهة والظلاميين الشيطانيين من الوهابيين السلفيين من جانب آخر للرعب من رموز مآذن وقباب آل محمد (عليهم السلام) أنها وعلى مدى التاريخ وحتى اليوم أينما وجدت ذكرّت بمعركة الحق والباطل والطاغوت والعدل ويزيد والحسين وعلي ومعاوية وفاطمة وطاغية قريش والكاظم وهارون والهادي والمتوكل .......، والمهدي المنتظر ودجالي العرب والمسلمين في المستقبل.
وهذه هي الكارثة بالنسبة لطغاة الحاضر والماضي والمستقبل في إقامة النصب التذكارية الممثلة ببيوت وقبور آل محمد ومساجدهم والارتفاع بها نحو السماء بقباب ذهبية لامعه ؟.
نعم خوف الصداميين من مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) سياسي بحت وشيطاني بامتياز ، لذالك هم يرون بوجود مرقدي إمامين من المؤمنين في جغرافية سامراء الطاهرة ستجلب حتما طال الزمان أو قصر تلك القلوب المولعة بحب العدالة والحق والطهارة التي يمثلها آل محمد (عليهم السلام) لذا فالصداميون مملوءون رعبا من المستقبل وما تحمله هذه القباب والمآذن من رمزية عالية القيمة الإسلامية واللاهوتية والقادرة على الجذب والتوطين من أقطار الأرض الواسعة ، فهم لذالك يستبقون المستقبل بإزالة معالم آل محمد (عليهم السلام) خشية من قدرتها العظيمة على نشر فكرة المساواة والعدالة في هذه الأرض !.
بلغة سياسية أكثر وضوحا نقول ان استهداف الصداميون وكذا التكفيريون لمراقد آل محمد (عليهم السلام) بالهدم ومحو الذكر لهم من خلال محاولة طمس معالمهم ما هي إلا محاولة للتخلص من الرمزية التي توحيها هذه المعالم الإسلامية للخط الآخر في الإسلام والذي يمثل حالة الرفض للطاغوت وللمستبد من خلفاء الجور وسلاطين الدنيا ، وعليه كان المخطط ولم يزل في عملية هدم الشواخص الإسلامية لقبور آل محمد (عليهم السلام) مستهدفا :
أولا : طمس معالم الرفض للطاغوت المتحكم برقاب البشر باسم الإسلام المزيف ، وهذا لا يتم ان كانت هناك معالم شاهقة تقدس الحسين بن علي أو علي الهادي (عليهم السلام) جميعا كرموز غير موالية لسلطة الحاكم المستبد في وقته وحتى اليوم .
ثانيا : التخلص من الرمزية التي توجدها هذه الأضرحة المقدسة عندما تكون نواة لجذب أنصار فكرة الحق والعدالة والمساواة مما يجعل عملية الجذب وبلا مخططات سياسية أو غير سياسية هي عامل تكتل جغرافي لأنصار الحسين بن علي (عليه السلام) بفكرته ، وكذا أنصار علي الهادي أو الحسن العسكري (عليهم السلام) حولهم مما يغير وتلقائيا من الصيغة السكانية لهذه الجغرافية أو تلك ؟.
نعم ما يرعب الصداميون ان أضرحة أئمة أهل البيت (عليه السلام) تحولت إلى بؤر لتجمع الثوريون والمحبون والولهون لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنهجهم الإسلامي مما يهيئ لهم خلق حلقات اجتماعية تلتف حول وجودهم الرمزي الذي يضفي على الجغرافية نوعا من الحركة والنشاط والإبداع الإنساني ، ومن هنا كان النظام السابق يتوجس خيفة من مرقدي الأماميين العسكريين في سامراء ، كما ان ذيوله اليوم تتوجس خيفة من وجود هذه الأضرحة المقدسة في سامراء العراقية الطاردة لكل طاغية بطبيعة مراقدها الشريفة ، والجاذبة لكل محب للعدالة والحق لها ؟.
غريبة هذه الأضرحة المقدسة لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أينما حلّت طردت الطغاة وجذبت العلم والعدالة ؟.
ضريح محمد رسول الله وممثل الإسلام الكبير طرد كل الطغاة من المدينة المنورة ليبعد كل المستبدين من أرضه الشريفة، وحاولوا باسم الإسلام قتل الإسلام في هدم ضريح محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنهم فشلوا ؟.
ضريح علي بن أبي طالب طرد طغاة بني العباس من الكوفة التي أسست لهم ملكهم وكانوا يعتقدون أنها أساس نصرتهم ، ولكن فجأة ومن غير أي خطة سياسية أو غير سياسية وجد بنو العباس أنفسهم يهربون إلى نقطة ليس فيها علي (عليه السلام) بعلمه وعدالته وزهده وحلمه وكل رمزيته الخطيرة على أصحاب الطغيان ؟.
وفي بغداد استقر الطغاة طويلا حتى استقدموا هم أنفسهم جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وبعده ولده الكاظم موسى ابن جعفر (عليه السلام) ليدفن في بغداد ، وما هي إلا غلوة من وقت حتى تحول ضريح موسى ابن جعفر الكاظم (عليه السلام) كابوس مرعب يقض مضاجع الطغاة من سلاطين الجور والطغيان ، موسى الكاظم (عليه السلام) بكل ما له من رمزية يمثلها ضريحه الشاخص إلى عنان السماء ، من تواضع وحلم وحكمة وعبادة وعلم نافس السلطان القائم في ملكه ليدفعه للهرب إلى سامراء بعيدا عن موسى الكاظم (عليه السلام) وما يقارنه الناس بين هذا الإمام وذاك السلطان الفاسد ؟.
وفي سامراء استقدم سلاطين الجور وعبّاد الدنيا علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ، ليكون تحت ذبالة سيوفهم المجرمة ، ولكن وكعادة التاريخ وسننه تحول الإمام العسكري (عليه السلام) إلى منافس للسلطان في حياته ، وطاردا له بعد مماته ، فشكل وتلقائيا وإلهيا ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) في سامراء ماكينة طرد لحكم الطغيان والاستبداد ، ليتراجع السلاطين شيئا فشيئا إلى ان انمحى ذكرهم تماما من هذه الدنيا ، وتصاعد ذكر الإمام وقبابه ومآذنه شيئا فشيئا إلى عنان السماء ليذكر مع كل مقولة الله اكبر من مآذن هذه الأضرحة المقدسة ؟.
هذا هو الفرق بين آل محمد (عليهم السلام) وأعدائهم ؟.
كما انه هذا هو الفرق بين أنصار آل محمد (عليهم السلام) وأنصار أعداء آل محمد في الوقت الحاضر والماضي والمستقبل ؟.
أنها قصة الحياة التي ينتصر فيها دائما قبر على حياة، آخرة على دنيا، تقوى على شر، وعدالة على استبداد !.
هل بعد ذالك يزول ضريح الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) من قلوب المؤمنين إذا أزيلت أضرحتهم المقدسة ؟.
وماذا عن الرمزية التي خلقتها هذه الثلة من آل محمد (عليهم السلام) في قلوب المؤمنين الرافضين للظلم والعبودية والإذلال ، فهل يمكن إزالتها وهدمها ومحو ذكرها من قلوب المؤمنين ؟.
عندما كان الصداميون والتكفيريون يقاتلون ويقتلون أتباع محمد وأهل بيته (عليهم السلام) كنت من المعتقدين ان البلاء سيطول قليلا !.
أما عندما تحوّل قتال الصداميون وتخريبهم وإرهابهم مع التكفيريين إلى مراقد وشواخص وأضرحة آل محمد (عليهم السلام) فتيقنت ان بقائهم كصداميين وكتكفيريين في العراق حتما سيزول من الوجود العراقي تماما وهذا ما علّمنا التاريخ به كسنّة: (ان شانئك هو الأبتر) صدق الله العظيم.
الصفحة الرئيسية - القرآن وتحديات العصر - آفاق المشروع الشيعي - المؤمن المتمدن - حوارات - تقارير - أنشطة وبرامج
حقوق الطبع والنشر محفوظة © منتدى القرآن 2004-2009

موضوعة الارهاب ... قراءة تحليلية . حميد الشاكر


لانستطيع (حقيقة) ان نبحث ظاهرة الارهاب والعنف السياسي الذي اصبح اليوم ظاهرة دولية بارزة بدون ان نتسائل عن جذور هذه الموضوعة واسباب ولادتها ونموها بهذا الشكل الرهيب حتى لتكاد تكون اليوم مفردة من المفردات المتكررة على ارض الواقع السياسي الدولي والية من اليات الضغط ؟.كما انه ليس بالامكان ان تتخذ اجراءات دولية كبيرة لمعالجة (ظاهرة الارهاب) بدون ان تكون هناك دراسة واقعية مفصلة صريحة وشفافة لهذه الظاهرة المعاصرة والى ماذا تهدف ؟.الحقيقة ان هناك اشكالية دولية في هذا الشان المعقد وهناك بعض الموازين السياسية لدول كبرى لاترغب _ اساسا _ بان تفتح ملفات حيوية لبحث موضوعة العنف السياسي على المستوى الدولي ، او مناقشة بعض ملابساته ولماذا وجد وما هي الاسباب الواقعية لتحركه ......... ، ولذالك وضعت بعض الدول العظمى والتي تضررت كثيرا من موضوعة الارهاب بموضع تتجاذبه المتناقضات في المواقف السياسية فبما انها من الدول المتضررة من العنف السياسي العالمي لكنها في نفس الوقت غير قادرة او مهيئة لفتح الملفات التاريخية لجذور الارهاب الدولي ليتم دراستها ووضع المعالجات لمخاطرها المدمرة ؟. بل واكثر من ذالك تسعى هذه الدول المتضررة العظمى من موضوعة الارهاب الدولي الى عدم بحث اي مفردة من هذه الموضوعة بصورة حقيقية بما فيها مفردة وضع (تعريف) معتمد عالميا لمفهومة (الارهاب) لسبب تتداخل فيه بعض موازين القوى الدولية القائمة والمصالح الاستراتيجية الضاغطة على هذه الدول المتضررة ؟. (مثلا) : ان وضع اي تعريف لموضوعة الارهاب سيجعل من الرؤية السياسية العالمية اكثر وضوحا وتحديدا في معالجة هذه الظاهرة العالمية ، مما يستلزم (قانونيا) الاخذ بهذا التعريف واعتماده كميزان اممي للتحرك السياسي العالمي في مناهضة الارهاب ، ومعروف ان مفردة ( احتلال اراضي الغير ) تعتبر من صلب الارهاب الدولي اذا لم تكن من مموناته واسبابه ، فاذا أدخل مفهوم الاحتلال في التعريف المعتمد في التعريف ، قيتوجب عندئذ ان تدان دولة كدولة ( اسرائيل) المحتله ، وعليها تحت اطار هذا التعريف ، اما الانسحاب الفوري من الاراضي العربية المحتلة ، واما ادانتها عالميا كدولة تمارس (الارهاب) وتمونه وهذا المعنى مايدفع الولايات المتحدة الاميركية المتضرر رقم واحد من الارهاب الدولي المعاصر لمعارضة اي مشروع يستهدف وضع (تعريف) عالمي لموضوعة الارهاب ؟.وكذالك هناك اشكاليات اخرى وعلى نفس المستوى من التعقيد تحد من حركة العالم السياسية في مواجهة هذه الظاهرة منها :1 _ ان هناك ارادات دولية كبرى تسعى الى قراءة هذه الظاهرة حسب رؤيتها (النفعية) لتصنفها في مسارات ليست لها اي واقعية بظاهرة (العنف السياسي) العالمي مما يعيق اي اجراء سياسي او اقتصادي او امني او اجتماعي موحد يتخذ بصدد معالجة هذه الظاهرة ، ومن ثم الخروج بنتائج ملموسة في القضاء او تحجيم تفشي ظاهرة العنف السياسي العالمي بل على العكس بدلا من ان تاتي هذه التدابير المتناشزة لنتائج جيدة اتت بالنقيض من ذالك بنتائج عززت من نمو هذه الظاهرة وتوسيع دائرتها الحركية ؟.2 _ وهناك ارادات دولية اخرى غير مستعدة او مهيئة للدخول في عالم مابعد انتهاء الحرب الباردة وموت الكتلة الشرقية السوفيتية السابقة ، مما يضعها في موقع ( التحلل) من اي التزام اخلاقي او قانوني يفرض عليها الصدق في عملية التنسيق والتعاون الدولي الهادف الى القضاء على هذه الظاهرة المعيقة للهيمنة المطلقة لقوة عالمية واحدة ، وهذه الدول المنتفعة من ظاهرة العنف السياسي العالمي ، بدلا من ان تحاول قراءة موضوعة الارهاب الدولي هي تحاول تجيير او بلورة ظاهرة الارهاب لمصالحها السياسية وليس العكس ..؟.الحاضنات الاولية لم تكن ظاهرة الارهاب المعاصر لتبرز بهذا الشكل البارز فيما قبل سقوط الكتلة الشرقية السوفيتية السابقة ، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى ثمانينات القرن المنصرم كان وقع الحرب (الباردة) وارهابها العالمي هو المسيطر على الساحة الدولية ، وكان لانشطار العالم الى كتلتين متنافستين على النفوذ والهيمنه الوقع الاكبر على العقل السياسي العالمي انذاك ، وربما لانخطئ ان قررنا ان تلك الحقبة كانت الابواب مشرعة (لحركة الارهاب) الخفي في العالم ، ولكن دون ان تطرح موضوعة الارهاب على منضدة النقاش الدولي بهذه الاعلامية الخطيرة او كظاهرة اولى مهددة للامن والسلم الدوليين ؟.ان تلك الحقبة من (الحرب الباردة) مثلت بحق الحاضنات الطبيعية لتغذية البؤر المتناثرة عالميا بامصال الاعمال الارهابية كوسائل مشروعة في معادلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب ، وكان لهذه البؤر الصغيرة معادلاتها _ ايضا _ السياسية التي تبرر لها القيام بوظيفة تقديم الخدمات ، وتحمل اعباء النيابة في معادلة الصراع مقابل الدعم السياسي والاقتصادي من تلك الكتلة او هذه .... ، وسرعان ماتطورت هذه العلاقة بين بؤر الارهاب (النائمة) وبين الكتل السياسية العالمية الكبرى لتصبح علاقة عضوية ترتبط بكل وجودها بهذه الكتل ويتقرر كل مصيرها بحياة هذه الدول الكبرى ؟.ومن هذه الصورة العالمية المعقدة مع شبكات ومنظمات واحزاب ودول كانت لها علاقات مصيرية مع الدول الكبرى وداخلة في عملية صراع (الحرب الباردة) ولد مفهوم ( الجيوب الساخنة) التي كانت تمثل الرئة التي تتنفس منها الدول الكبرى في صراعها الكوني بين الشرق والغرب ، والتي تتحمل هذه الجيوب حرب الاستنزاف بالوكالة لكل من الكتلة الشرقية (السوفيتية) انذاك ضد الكتلة الغربية ( الامريكية) ؟.افغانستان ... كوبا .. نموذجاكان لموازين القوى العملاقة الموجودة في كلا الجبهتين العالميتين الشرقية والغربية (مفردة) الحسم في عملية نقل الصراع من داخل كلا الكتلتين الى الى خارج حدودهما الجغرافية ، ولا افضل من انتخاب (جيوب) تهديد مباشر في عملية الصراع والاستنزاف من جهة وعملية الارهاب في معادلة موازين القوى من جهة اخرى ، فكانت افغانستان الوعرة انتخاب طبيعي وارض صالحة ورئة حيوية لتنفس الكتلة الغربية (الاميركية) في عملية ادارة الصراع مع الاتحاد السوفيتي ، وكانت كوبا يد الاتحاد السوفيتي الضاربة في العمق الغربي وبؤرة الارهاب والازتنزاف للولايات المتحدة الاميركية ، لتكون معادلة (القلق) بين وبين متوازنة الكفة في العالم القديم ؟.ان عملية نقل الصراع بين هذه الكتل السياسية هو ما وفر المناخ الطبيعي لنمو المقاتلين بالوكالة ، وهو ما هيئ السبل امام هذه الجماعات لأن تطلع على اسرار اللعبة الدولية بكل تفاصيلها انذاك ، وهو _ ايضا _ من ساهم في اشتداد عود هذه المنظمات التي افلح بعضها للوصول الى السلطة _ كوبا_ واقامت دولة تابعة لهذه الكتلة او تلك ، واخفق الاخر لتبقى في حدود ( النضال والجهاد ) المستمر على امل الوصول الى الهدف ، وهو ايضا من منح الممارسة الطويلة في احتقار القانون الدولي واعتباره خدعة لاتشمل بفقراتها سوى الضعفاء في العالم اللذين بحاجة الى قانون يحمي حقوقهم ؟.تغيّر المعادلة لم يكن حدث (انهيار) الاتحاد السوفيتي السابق او سقوط الكتلة الشرقية ، انتصار للسلم والامن الدوليين _ كما اعتقد البعض في حينها _ بقدر ما كان بداية طريق لتشكيل عالم جديد تحكمه قوى عظمى واحدة ، مما يعني من جانب اخر الدخول (بحرب) جديدة ليست هي هذه المرة ( حرب باردة) وانما هي (حرب ساخنة) وقودها ( الاثار والمخلفات) التي ترتبت من زمن الحرب الباردة وتوازن القوى ، فهناك :1 _ الدول والمنظمات التي بنت اركان وجودها على عملية الصراع ذاك وارتبط مصيرها بالكتلة الشرقية المنهارة ؟.2 _ اعادة صياغة الاجندة العالمية السياسية والاقتصادية والامنية والاعلامية .... وانفتاح العالم على مصراعيه ؟.3 _ اشكالية القانون الدولي (القديم) ومعضلة تاهيله للتعامل مع (النظام العالمي الجديد) ؟.4 _ المنظمات والاحزاب والهيئات التي مولت من قبل الكتلة الغربية المنتصرة ووجوب التخلص من تبعاتها القتالية والحربية لانتفاء الحاجة لخدماتها؟.وكذالك هناك الكثير من التفاصيل العالمية المعقدة التي ولدت من رحم تغيّر المعادلة الدولية بانهيار( الدب الابيض) ، ولكن مابرز بشكل واضح بعد تغيير المعادلة هو موضوعة (الارهاب) الدولي بعكس ما تكيّف بصورة هادئة من الاشكاليات العالمية الاخرى ، فالدول التي كانت منضوية تحت الكتلة الشرقية السابقة سرعان ماتداركت المتغير لتكيف وجودها ومسار سياساتها مع النظام الدولي الجديد وان كانت بخطوات متعثرة وبطيئة ،وكذا يقال بالنسبة لاعادة الاجندة العالمية والانفتاح العالمي المربك في بعض مواقعه ، واما مايختص بالقانون الدولي وكيفية تاهيله فايضا سرعان ما لقح بمواد قانونية واتفاقيات دولية سياسية واقتصادية وامنية ... وفرت له الحركة المواكبة لعملية المتغير العالمي والتطور الدولي الجديد ؟.بقي لنا ان نشير الى الحلقة (الاضعف) في معادلة الصراع القديم ( المنظمات القتالية التي مولت من قبل الكتلتين الشرقية والغربية ) وهي التي بقت عائقا في وجه العالم (الجديد) الذي حمّل مسؤولية او عنوان (الارهاب) المعاصر ؟.والسؤال الذي يفرض نفسه بشان المعادلة العالمية الجديدة او الذي فرض نفسه بصدد هذه المنظمات (القتالية والجهادية والنضالية ....) القديمة هو : ماهو منشأ الارهاب السياسي المعاصر ؟.هل هو البحث من قبل الكتلة الغربية المنتصرة (الولايات المتحدة تحديدا) عن عدو جديد للعالم الغربي لينوب عما كان موجودا في الكتلة الشرقية انذاك؟.ام هو ردة فعل طبيعية من حركات ومنظمات كانت وقودا الصراع الغابر وفجأة وجدت نفسها محكومة بالاعدام من قبل النظام العالمي الجديد ؟واخيرا : لماذا ولد الارهاب او نسب الى اضعف (الحلقات) القديمة في الفعل السياسي والعسكري والاقتصادي ....؟.الارهاب على منضدة النقاشيبدو ان المنظمات والهيئات التي كانت تابعة للكتلة الشرقية سرعان ماتهاوت الوحدة تلو الاخرى بعد سقوط (ولي) النعمة في العقد الاخير من القرن المنصرم ، ولكن (ايتام) الكتلة الغربية من منظمات وهيئات واحزاب والتي كانت تنافح الكتلة الشرقية بالنيابة عن الغرب والتي _ايضا_ مثلت وقود الحرب الباردة كان سوء الطالع من نصيبها ، فسرعان ما ادركت هذه القوى الحربية ان امامها خياران لاثالث لهما : اما الاستسلام المطلق لمتطلبات العالم الجديد او الاعدام بموجب قوانين (النظام العالمي الجديد ) ؟.ان دفع مثل هذه المنظمات وخاصة المتمرسة منها بالعمل ( النضالي ، والقتالي ، والجهادي ..) الطويل الى زاوية الاستسلام المفاجأ او الاعدام الفوري ، ربما لم يكن هو انسب الاليات من قبل الكتلة الغربية (الولايات المتحدة تحديدا) لاستقبال (العصر الجديد) واعادة صياغته ؟.وربما كذالك ان هذه القوى والمنظمات التي ادمنت وظيفة القتال والنضال والجهاد .... غير مهيئة ابدا لاستقبال عالم جديد ، فبغض النظر عن ان الكتلة الغربية دفعتها لزاوية حرجة او لم تمارس اي نوع من التعرض لها ، فهي _ هذه المنظمات _ قد ركبت تركيبة قتالية تنمو وتزدهر بطبيعتها في حالة الصراع ، وتموت في اجواء السلم والاستقرار ، وعليه فهي في هذا المعنى تدافع عن مقومات وجودها ليس بسبب ان هناك قوى تستهدف تدميرها ، كلا وانما هي تدافع عن وجودها الذي ليس له مكان في تخطيط العالم (الامبريالي) الجديد ، مما يعني لهذه المنظمات (الحربية) وجوب ارجاع مقومات العالم القديم وذالك من خلال تفجير الساحة السياسية العالمية ب(حرب ساخنة) تعود بعقارب الساعة الغالمية الى ما كانت عليه من (حرب باردة) توفر المناخ الطبيعي لهذه الاحزاب والمنظمات السياسية ؟.ان احداث (ايلول / سبتمبر / 2001م ) كانت القشة التي قصمت ظهر البعير او الموسى التي قطعت الشعرة المتبقية بين هذه المنظمات والاحزاب الربيبة سابقا للكتلة الغربية وبين ولاة نعمتها السابقين فكل ما ترشح في تسعينات القرن الماضي من حرب دائرة بين تلك المنظمات والكتلة الغربية لم تكن اكثر من عملية صراع تقليدية كانت تمارس سابقا بين الشرق والغرب اما احداث ( سبتمبر / 2001م ) فقد نقلت المعركة الى قلب الامبراطورية الاميركية ، وهذا ما لم تسمح به الولايات المتحدة اثناء وجود الاتحاد السوفيتي السابق والقوة العظمى الثانية في العالم انذاك ؟.وعندئذ كان لمنضدة النقاش الاممي لون ورائحة اخرى في مسالة (الارهاب)تدابير لمعالجة الارهابفي موضوعة (معالجة) ظاهرة الارهاب الدولي والعنف السياسي ، تداخلت تعقيدات كثيرة في المناقشات التي جرت وتجري في اروقة الامم المتحدة ومجلس الامن والفروع العالمية الاخرى ، كالاتحاد الاوربي وجامعة الدول العربية ..... وكانت ولم تزل وجهات النظر العالمية متباينة تباينا شديدا جدا ، مما ينذر : ان هذه الظاهرة سيطول عمرها لامد طويل نسبيا ، ولكن ما كان موضع اجماع عالمي شكلي في معالجة ظاهرة الارهاب هو التالي :1 _ تعاون امني دولي 2 _ ضرب وخنق منابع الارهاب الاقتصادية 3 _ اتفاق دولي على عدم سماح اي دولة عضو بجعل اراضيها مسرحا لنمو المنظمات الارهابية 4 _ انشاء اتفاقيات للتعاون الدولي الاستخباراتي لجمع المعلومات وتبادلها 5 _ اتفاقيات بشان تسليم المشتيه بهم بتنظيم او تمويل او تخطيط لعمليات عنف سياسي ؟.اما ماكان موضع اختلاف وتباين في وجهات النظر العالمية بصدد هذه الموضوعة فهي :1 _ تعريف الارهاب 2 _ وضع دراسات لجذوره الحقيقية 3 _ كيفية المعالجة والاساليب التي بامكانها استئصال جذور هذه الظاهرة وعلى هذه الاشكالية المعقدة والرؤى الدولية المتناشزة بقي العالم الانساني رهين دوامة العنف السياسي والارهاب الدولي ، ويبدو هنا ان ليس في العالم منطقة بعيدة او مستثناة من خطر الارهاب وحربه الساخنة ، حتى ان رؤوس الاموال (الجبانة بطبعها) العملاقة باتت لاتجد لها مكانا امنا ( المسكيتة) تعيش وتنمو فيه بصورة طبيعية ، بغض النظر طبعا عن الانسان الذي اصبح وقود هذه الحرب الخبيثة ؟.التعصب والتطرفجاء في القرار (1373 / 2001 م) الذي اتخذه مجلس الامن في جلسته (4385) المعقود في _28 / ايلول/ سبتمبر / 2001 م _ : ان دوافع الارهاب وجذوره هي :( التعصب والتطرف)ولكن هل حقا هذه هي الجذور والاسباب الحقيقية لتنفس ظاهرة الارهاب السياسي في العالم اليوم فحسب ؟.ام ان الارهاب وليد ازدواجية المعايير في العالم الجديد وسوء استخدام سلطة القانون الدولي ؟.ولماذا لايكون الارهاب منتج طبيعي لتصفية حسابات سياسية عالقة من المرحلة القديمة ولاشان لا للتعصب ولاللتطرف في هذه المعادلة ؟.وهل يكفي (التعصب والتطرف) للقيام بمثل هذه الاعمال العالمية الكبيرة في فن ادارة المعركة وخلق الامكانيات العملاقة لتنفيذها ؟.نعم : بالامكان ان يكون (التعصب والتطرف) بؤرة ارهابية او حاضنة اولية لموضوعة العنف السياسي ، ولكن هل بامكان التعصب والتطرف _ الذي ولد من رحم العالم الاوربي) ان يتحول الى امبراطورية خفية تحرك العالم بقلق ، وبذهنيتها المتحجرة والمنغلقة عن العالم الاخر ؟.الاخير : من الذي خلق ومول ودفع وانتج (التعصب والتطرف) هل هو الدين _مثلا_ او العنصرية او الفقر او عدم التوازن العالمي .... كي يتسنى معالجة هذه الظاهرة من الجذور وليس من الراس ؟.واذا كانت واحدة من هذه العوامل _ لنقل الدين _ فلابد عندئذ من دراسة العوامل التي استطاعت تحويل هذه العناوين وبين ليلة وضحاها من مفاهيم ساهمت في استقرار العالم لقرون عديدة الى مفاهيم _ وبقدرة قادر مع سقوط الكتلة الشرقية _ تغذي العنف السياسي والارهاب الدولي ؟.شيئ مؤسف ان تستغفل العقلية العالمية بموضوعة الارهاب لتصادر كل اسبابه الواقعية وتحل محلها افكار عقلية التخلف والتطرف والعنصرية العصرية ؟( التحرك الارهابي ).... العراق اخيرا ؟لايمكن للارهاب وشبكاته المتحركة ان تبقى على قيد الحياة بدون ساحات (فارغة) من النظام والدولة ، وبهذا التصور يحق القول : ان الشبكات والمنظمات الارهابية تمتهن وظيفة الاستاذية في فن البحث عن ساحات لتصفية الحسابات السياسية ؟.وهذا مدلول طبيعي يرجع بجذوره للنشاة التاريخية لهذه الحركات والمنظمات الحربية وكيفية ولادتها في ساحات الفوضى السياسية ، وعليه فبقراءة متانية لحركات وتحركات هذه المنظمات (المفسدة) سيضع اناملنا على الاستراتيجية التي تتحرك فيها هذه الخلايا الارهابية لضرب اهدافها المطلوبة ( الولايات المتحدة وما يتبعها من خيوط دولية ) فخلال عقد التسعينات من القرن الماضي تدحرجت هذه المنظمات متنقلة من وسط اسيا الى افريقيا ثم الكمون في المناطق الاكثر بعدا من سيطرة الدولة والنظام في الجبال او الصحارى ........... ولكن القاعدة لهذا التحرك دائما كان يتمحور حول انتخاب الجغرافيه الاكثر فوضوية او غيابا للسلطة ؟.واخيرا كانت محطة هذه المنظمات المتشردة هي الساحة العراقية التي شهدت اعمالا ارهابية خطيرة في الاونة الاخيرة ؟.فالعراق اليوم وبالنسبة لهذه الشبكات الارهابية ساحة مهيئة تماما لنقل معركة تصفية الحسابات بين هذه المنظمات المحكومة بالاعدام دوليا وبين الولايات المتحدة الاميركية ولي النعمة والراعي القديم لهذه الشبكات المتمردة , واسباب انتخاب المنظمات الارهابية للساحة العراقية لا اعتقد انها غامضة فالانفلات السياسي وغياب الدولة واجهزتها الامنية ووجود انسان عراقي يلملم جراحه وغير متفرغ لمسؤولية الحفاظ على الامن الداخلي وهبوط مستوى المعيشة ................ كل هذا يجعل من الساحة العراقية جغرافية مهيئة تماما لاي عمل ارهابي بل ومكان امن لهذه المنظمات الطريدة من قبل العالم باسره ، وعليه فلا غرابة من القول ان الجغرافية العراقية ستبقى مرتع لتحركات هذه المنظمات المفسدة الى ان تتم عملية بناء الدولة ومساهمة المواطن في حماية الامن الداخلي لهذا الوطن ؟.ان اغرب ما بالمعادلة ان الدول التي انتجت منظمات العنف السياسي ( افغانستان نموذجا ) لم تعد ارضا صالحة لتحرك او تنفس هذه المنظمات المغضوب عليها عالميا ، بينما العراق الذي لم يشهد تاريخه القديم والحديث انتاج وتوزيع او تصدير هذه الموضوعة نجده اليوم يقع في قبضة هذه المنظمات المدمرة ، وعليه فيبدو عندئذ ان الحرب القائمة بين الولايات المتحدة تحديدا وبين هذه الحركات الارهابية تنتقل حسب ألية ( ساحة الفوضى السياسية) وتواجد مصالح اميركية اينما وجدت ؟.الخلاصة ان لظاهرة الارهاب جذورا وموضوعا وظروفا سياسية واصابع تتحرك من خلف الستار ...... وهذه الظاهرة اشكالية لايبدو ان صانعي القرار العالمي بصدد معالجتها بصورة جدية ، او ربما لم يحن الوقت بعد عالميا لوضع حد لهذه الظاهرة ، وعليه فهناك حلقة متحركة تسمى (الارهاب) يعتقد البعض من قادة العالم ان رميها في مناطق ضعيفة من العالم تمهد السبل لهيمنة سياسية واقتصادية ، ويرى البعض الاخر ان هذه الحلقة ستتحول الى كرة ثلج تكبر كلما تحركت ويجب ايقافها باسرع مايمكن ، وبين هذا وذاك يبقى العالم يتحرك نحو الافضل ؟..

Oct 2004

حسين أوباما محاولة جديدة لأستعادة الروح الامريكية الحرّة

حميد الشاكر ___________ لاأجامل ولا اغالي ان قلتُ انّ الروح الامريكية الاصيلة التي نعرفها جيداً هي وبالفعل من أعظم واكبر ارواح الشعوب التي تدرك وتفهم وتعي معنى الحرية الانسانية في هذا العالم البشري الصغير !. كما أنني سوف لن أكون عاطفيا إن قلت ان الشعب الامريكي من الشعوب الاصيلة النادرة التي تؤمن بالشعوب الاخرى وحقها في الحرية والسلام والحياة والامن والاحترام !.. لكننّي أجد نفسي مضطرا في المقابل للاشارة الى ان هذا الشعب الخلاّق ، وهذه الروح الجوهرية السامية للجمهور الاميركي ، وهذا الحُلم الانساني الفريد الذي يندر صياغته بهذا الشكل في عالم اليوم قد تعرض ومنذ زمن طويل الى خطفٍ لذاكرته الانسانية والى تهميش لروحه الديمقراطية والى لعب على مشاعره البشرية .... من قبل عصابة سياسية رأسمالية أستعمارية صهيومسيحية جشعة حاولت وهي تحاول حتى اليوم تحويل هذا الشعب المعطاء وهذه الامة المتجددة من روحيته الانسانية وتطلعاته النبيلة ومشاعره المليئة حبا للحياة والسلام والامن .... الى جمهورٍ وشعبٍ طارد للاخر وكاره لوجوده ومحب للاعتداء على مقدساته ، وخائف ومتوترا ... وباقي الازمات ، لالشيئ الا لسبب ان هذه الطغمة الرأسمالية الجشعة لاترى لمصالحها ومنافعها بقاءا الا في افتعال اجواء التوترات العالمية والحروب الاستعمارية والدسائس والمؤامرات الكونية لاغير !. واليوم وبعد ان استمعنا لخطاب الرئيس الرابع والاربعين للولايات المتحدة الامريكية باراك حسين اوباما ، وهو يصل الى البيت الابيض الامريكي من خلال انتفاضة وانتخاب الشعب الامريكي له ، وتذكيره للشعب الامريكي بالقيم الاصيلة لهذا الشعب الكبير ، الذي بنا في يوم من الايام أمة استطاعت ان تعطي للبشرية الكثير مع الامل ، استرجعتْ اذهاننا بالفعل ذاك الحلم الامريكي الذي كنّا نسمع عنه فيما مضى من( الحرية والامل والعدل والمساواة والقانون والفرصة .......) لكننا نبحث عنه في الواقع فلا نجد له اثرا على الاطلاق !. نعم نحن ندرك ان السياسة الامريكية الداخلية والخارجية تقوم على تخطيطها مؤسسات ثابتة ليس لها علاقة بمجيئ رئيس وذهاب آخر !. ونعم نحن نفهم ان ليس بمقدور الرئيس الامريكي الجديد حسين أوباما ان يصنع التغيير الغير مسبوق لحياة هذه الامة وهذه الدولة !. ونعيّ تماما ان هناك ثابت في السياسة الامريكية وآخر متغير في هذه السياسة !. لكننّا نشعر ان مجرد تصميم هذا الشعب وانتخابه لباراك حسين اوباما ابن الريف الافريقي وأب العائلة السمراء في هذا العالم وأطاحت هذه الامة الحيّة بتيار المستغلين القتلة مع مايملكون من امكانيات هائلة ودوائر اعلام عملاقة وخيوط عنكبوتية عالمية مشبوهة ...، ان مجرد هذا يكفي تماما لاعادة ثقتنا بهذه الامة التي ان ارادت التغيير فهي قادرة على صناعته ومهما كانت الدكتاتورية الراسمالية السياسية حاكمة بالفعل في الولايات المتحدة الامريكية !. بقي ان نشير الى نقطة جوهرية في ظاهرة تجديد الامل الامريكي في هذه الاربع سنوات القادمة من ادارة اوباما ،وهي انه حتى لو لم يستطع حسين اوباما ان يقدم اي جديد يحترم على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، او اي تغيير بارز في سياسته الداخلية في انعاش اقتصاد امته والعودة بمستوى معيشة شعبه الى الهدف المطلوب ، فانه يكفي لهذا الرئيس الاسمر الاول للولايات المتحدة انه استطاع ان يجدد الامل والروح والمشاعر لهذه الامة ، التي يحاول الكثيرون في الداخل الامريكي لاسيما من الطابور الخامس للصهيونية العالمية بدق اسفين الكراهية بين امل هذه الامة المنفتحة على شعوب العالم ، وبين باقي الشعوب الاخرى التي تحاول ايجاد لغة احترام مشتركة بيها وبين الامريكيين في الداخل

(( ظاهرة الرعب من التشيع هل هو ديني أم سياسي ؟.)) جدلية التحليل


حميد الشاكرربما يتساءل الكثيرون من امثالي عن ظاهرة (( الرعب والخوف المبالغ فيه من التشيع )) والتي نقرأها في الصحف ونسمعها في الاذاعات ونشاهدها وخاصة على الفضائيات العربية والاسلامية ، وهي تحاول تضخيم هذا المارد الذي انطلق وفجأة من قمقمه ليصبح بين ليلة وضحاها من طائفة او مذهب اسلامي بسيط وهادئ الى اسطورة وطلاسم واشباح وزواحف وتمددات ومخططات ........... الى اخر هذه المسميات المريبة فكريا واعلاميا وسياسيا ودينيا ؟.صحيح ماهذه الضجة الكبيرة جدا حول (( التمدد الشيعي )) او (( انتشار التشيع )) في المنطقة العربية والاسلامية ؟.وماهذه الحملة الكبيرة اعلاميا والضخمة سياسيا وفكريا في تسليط الاضواء وبشكل مباشر على هذه الموضوعة حتى كدنا نتلمس جوانبنا ونحن نجلس في بيوتنا لنرى هذا الزحف (( الشيعي )) والتمدد في (( التشيع )) هل وصل الى مقاعدنا أم لم نزل في طور الابتعاد عن هذه الجعجعة الرهيبة ؟!.نقرأ (( قرى كاملة في سورية قد تشيعت )) نسمع :(( مدن في الجزائر تعتنق التشيع وبصورة مفاجئة )) نشاهد :(( الاخوان المسلمون في الاردن يجرون تحقيقا لورود معلومات عن تشّيع قيادات في داخلها )) نشعر :(( قرى ومدن في تنزانيا والمغرب ولبنان والهند .... تعلن ولائها للتشيع )) نبصر :(( قرى ونجوع في غرب اوشرق او شمال او جنوب مصر تتشيع لال البيت )) نفاجأ :(( مظاهرات لفتح تتهم قيادات لحماس بالتشيع في فلسطين )) ....... الخ !!!!.هل هذا هو الواقع الحقيقي من الامر ، أم ان وراء الاكمة ماورائها في هذه الحملة الاعلامية والثقافية والسياسية من موضوعة (( التمدد الشيعي ))؟. وربما كانت هناك حقيقة ما وراء هذه المدافع من الاعلاميات التكنلوجية الحديثة الموصلة للخبر والناقلة للحدث بصورة رهيبة وعجيبة وسريعة ، فلماذا ومن اي شيئ هذا الاستنفار والرعب من ظاهرة (( التشيع )) سواء كان له تمدد أم لم يكن ؟.ما الشيئ الذي يجعل (( التشيع )) مرعب ومخيف لباقي العالم الاسلامي والعربي ؟.وماهو السرّ الذي يرشح التشيع كمذهب من مذاهب المدرسة الاسلامية لان يكون هو الوحيد المشكل قلقا للعالمين العربي والاسلامي ؟.وهل التشيع هو مختلف تماما عن التحنبل او المالكية او التحنفف او الشافعية او الزيدية او الاباضية ..... اوباقي مذاهب الاسلام العديدة ، حتى ندق نواقيس الخطر من تمدده وانتشاره بين المسلمين ؟.هل المتهسترين من التمدد الشيعي او الانتشار الشيعي في العالمين العربي والاسلامي ينظرون الى هذا التشيع على اساس انه دين غير الاسلام فهم لذالك خائفين من الردة على المسلمين - مثلا - فهم لذالك شديدي القلق من تمدد هذا المذهب وانتشاره بين مواطنيهم ؟.أم هم ينظرون لهذا المذهب وهذه الطائفة المسماة (( شيعة )) على اساس انها كباقي المذاهب الاسلامية مع اختلاف لايخرج من الملة بينها وبين باقي المذاهب الاسلامية الاخرى الموجودة في العالم الاسلامي والعربي اليوم ؟.اذا من اين جاء هذا الرعب البارز على صفحات الوجوه قبل الصحف وشاشات الفضائيات العربية والاسلامية ، من سياسيين ومفكرين ومثقفين وحتى مجانين ؟!. واذا كان هناك نشر للتشيع ، او تمدد طبيعي لهذا التشيع فماهي اللعبة او الضميمة التي تشكل نواة الرعب والخوف لهؤلاء البشر ؟.بل هناك الاغرب حقيقة في هذه الظاهرة الانفجارية في العالمين العربي والاسلامي والتي ولدت بين ليلة وضحاها ، لنرى وبقدرة قادر الناس تدخل افواجا للتشيّع وبدون اي حساب يذكر ، ان من لم يظهر تنديده بهذا التشيع من علماء ومفكرين وسياسيين ومثقفين فانه سيتهم وعلى الفور بأنه متشيع للتشيع ، مما جعل الكل من المسلمين في حالة رعب من السكوت او وقت للتفكير ، مما حمل الكلّ على اظهار براءته من التشيع وبالسان الممتلئ كي لاتكون هناك شبهة سكوت من قبل احد ؟.هل حقا انه مرجل في القلوب كان خامدا في المنطقة العربية والاسلامية بين التشيع وباقي مذاهب الاسلام ، وما ان اتيحت له فرصة التعبير حتى انفجر كالبركان العظيم ليعمي بدخانه المتصاعد فجأة وبلا مقدمات ظاهرية ملموسة جميع المتخاصمين مذهبيا ؟.أم ان القصة ومن البداية لها ابعاد اخرى مخدرة لوقت معين ، وعند ارادة اللعب فيها فبالامكان اخراجها من الدرج كخارطة طريق لمرحلة معينة من الزمن في عالم السياسة والادارة ، وسرعان ما تنتفي الحاجة اليها لتخديرها من جديد وارجاعها الى الملفات النائمة في المنطقة العربية والاسلامية ؟.أم ان التشيع حقا خطرا على المنطقة العربية والاسلامية ، وهو يشكل تناقضا صريحا بينه وبين باقي المذاهب الاسلامية الاخرى المتجهة اتجاه ديني اخر ، ولذالك كان مسكوتا عنه لضعفه في المنطقة ، اما عندما يرتفع ويشتد عوده فهو خطر وخطر حقيقي على العرب والمسلمين ؟.ولكن مانوع هذه الخطرية التي يشكلها هذا التشيع الفكري الاسلامي على المنطقة العربية والاسلامية ان كان حقا هو خطر واقعي ؟.هل هو خطر فكري ديني عقائدي ، كأن يكون للتشيع قدرة على التاثير على عقائد المسلمين ومذاهبهم العقائدية والفقهية ومن ثم نقلها (( لااريد ان اقول حرفها )) من فكر عقائدي الى اخر ديني مختلف ؟.أم ان التشيع يمتلك الخطرية السياسية على المنطقة العربية والاسلامية ، فهو (( التشيّع )) له قدرة على تغيير المعادلات الديمغرافية والجيوسياسية ....... الخ للمنطقة العربية والاسلامية فهو لذالك يجب ان يحجم وتسلط على اخطاره الاضواء الكاشفة لألاعيبه السياسية ؟.***********************************************************************************************************ان القول بأن خطر (( التمدد الشيعي )) او (( التشيع )) على المنطقة العربية والاسلامية يتقولب في قالب ديني هو وفي الحقيقة خدعة ما بعدها خدعة تذكر ، فالتشيع وبهذا المعنى لايشكل اختلافا جوهريا عن باقي المذاهب الاسلامية الموجودة في المنطقة العربية والاسلامية ، فهو ومن حيث الايمان بمبادئ الدين الاسلامي كباقي المذاهب الاسلامية ، يؤمن بكل مايؤمن به الحنبلي او الشافعي او الاباضي او الزيدي او الحنفي او المالكي ...، وما اختلافه مع باقي المذاهب الاسلامية الا كأختلاف باقي المذاهب تلك مع بعضها والبعض الاخر تماما ، فليس هناك الاه للشيعي هو مختلف عن الاله المعبود للحنفي من المذاهب الاسلامية ، وليس له نبي مختلف عن نبي الشافعي او الحنبلي ، كما ان قرءانه وقبلته ....... وباقي الامور الدينية الاساسية هي وبالضبط نفس مالدى المسلمين الاخرين من عقائد وايمانات دينية اخرى ، وعليه فليس هناك فارقة واقعية لنقول او نؤكد ان للتشيع منحى ديني مختلف عن باقي المسلمين عربا كانوا او عجما في هذا المنعطف !.نعم في الامور الفرعية المختلف عليها مذهبيا بين المسلمين ، كالجبر والتفويض في المناحي الاعتقادية ، او الامامة والخلافة في المناحي السياسية ، او الصحابة والقرابة في المناحي الاجتماعية او الخمس والزكاة في المناحي الاقتصادية او الولاء والبراء في المناحي النفسية .....، كل هذا فيه اخذ ورد اجتهادي بين المسلمين قديما وحديثا ، الا انه يبقى ومهما علت وتيرته من المواضيع الغير مخرجة للملة ، اي بمعنى ان المتشيع او غيره مهما انغمس في الاحتهادات الفكرية او الثقافية او الفلسفية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية .... فأنه داخل في اطار (( لااله الا الله محمد رسول الله )) المدخلة للاسلام وحتى ان كان ظاهريا فضلا عن الايمان والالتزام بالاسلام حرفيا ؟!.وعليه فلا سبيل واقعي للقول ان (( التشيع )) هو دين آخر غير دين الاسلام ، مما يضعنا وبلا اي شبهة امام حقيقة : ان التشيع لايشكل اي تهديد او خطر ديني حقيقي يذكر على المنطقة العربية او الاسلامية من الناحية الدينية ، وما هذه الهلوسات الطائفية التي تسمع من هنا او هناك (( من تكفيريين وغيرهم )) الا مجرد توظيف للمشاعر الدينية الساذجة في سبيل استحصال مكاسب سياسية فحسب وهذا مايدفعنا لنتساءل عن الخطر الشيعي وهل هو سياسي اكثر منه ديني على المنطقة العربية والاسلامية أم ان هناك بعد اخر ؟.نعم صحيح : هل التمدد الشيعي والانتشار التشيعي هو خطر سياسي على المنطقة العربية بالذات فهو لذالك مرعب وخطير بالنسبة للساسة بالمنطقة العربية والاسلامية ؟.واذا كان خطر التشيع سياسيا فكيف يكون هذا الخطر ؟.كيف يكون الفكر الشيعي خطرا سياسيا يهدد الانظمة العربية والاسلامية بالمنطقة ، ولذالك فأن هذه الانظمة شديدة التوجس من الفكر الشيعي ليس لانه ديني بل لانه سياسي في المقام الاول ، وماهذا الاعلام المسيس من قبل الانظمة العربية القائمة ضد التشيع بأسم (( التمدد الشيعي )) ماهو الا وسيلة لدرئ خطر الفكر الشيعي السياسي عنها ، وان اتخذت المعركة لونا دينيا او طائفيا بين هذه الانظمة والتشيع الا انه يبقى الخطر الحقيقي الذي استشعرته هذه الانظمة القائمة هو خطر سياسي بالدرجة الاولى وليس دينيا ؟.*************************************************************************************************************ان من الظواهر الملفتة للنظر في المنطقة العربية والمزمنة الفعل في هذه المنطقة الحيوية هي ظاهرة الدكتاتورية والتصلب السياسي الدائم بين الانظمة الحاكمة وشعوبها المغلوب على امرها ، وكانت ولم تزل المنطقة العربية تأريخيا وحديثا تعيش جدلية السياسي والديني في مراحلها المتحركة ، مما جعل لثنائية الدين والسياسة تلازم مصيري في الاجواء العربية الاسلامية ، والحقيقة في هذا التلازم الثنائي ترجع الى كون العامل السياسي هو دائم البحث عن الشرعية الفوق بشرية او اجتماعية انسانية ، لتتيح له هذه الشرعية الدينية او اللاهوتية استمرارية البقاء في ممارسة السلطة الزمنية والبشكل الذي ترتايه مصالحه الفئوية بعيدا عن رغبات الاجتماع الانساني والبشري المراد سياسته وقيادة دفته الاجتماعي ، ولذالك كان ولم يزل العامل السياسي ملاصقا للديني وباحثا عن الشرعي اللاهوتي ليس حبا او تطبيقا لمبادئ هذا الديني او ذاك اللاهوتي المقدس ، وانما طلبا للشرعية في الوجود السياسي بعد ان فقد السياسي الشرعية الانسانية والاجتماعية في وجوده السياسي والسلطاني لسياسة الامم !؟.وعليه ومن منطلق هذه (( الحقيقة )) التاريخية والمعاصرة في منطقتنا العربية وغير العربية ، مثل العامل الديني طوق النجاة للنظم الاستبدادية العربية وغير العربية ، وجاءت مفاهيم :(( اطاعة اولي الامر ، وحرمة الخروج على السلطان ....الخ )) في الفكر الاسلامي (( السني على الخصوص )) هدية ثمينة تقدم لهذه الفئات الطاغوتية من اهل السلطان والدولة لتجد نفسها محاطة وبشكل غير مسبوق بهالة من الدعم اللاهوتي المقدس لوجودها اللاشرعي ، مما جعل هذه النظم الاستبدادية ترحب كل الترحيب بهذا الدين الذي يضمن لها بقائها اللاشرعي انسانيا والى ابد الابدين ومن غير ان تكون هناك سلطة مناهضة لوجودها هذا غير سلطة الثورة والدعم والمشروعية الجماهيرية وهذه يراد لها كثير من الجهد لتنجح في الاطاحة بمثل هذه النظم الطاغوتية المستبدة ؟!.وفي مثل هذه الاجواء الممتلئة امتزاجا وتلازما بين ماهو طاغوتي سياسي وديني مشوه ، برز (( التشيع )) في القديم وفي الحديث كوجهة نظر اسلامية سياسية مغايرة لماهو موجود على الساحة العربية والاسلامية ، وبطبيعة الحال لفت نظر السلاطين واصحاب الدولة ووعاظ مجالسهم الدينيين هذه النظرية (( الشيعية )) السياسية في التاريخ وحتى يومنا هذا ، وما توجهة له انظار الساسة العرب قديما وحديثا لظاهرة (( التشيع والشيعة )) هو سؤال : هل في هذا المذهب المسمى تشيعا كوجهة نظر دينية اي اشارة ضمان دينية لوضع السلطة السياسية القائمة كضمان (( اطاعة ولي الامر وحرمة الخروج على سلطانه الظالم)) ؟.وسرعان ما اكتشفت هذه السلط الاستبدادية والطاغوتية وجهة النظر السياسية الاسلامية لمذهب التشيع الاسلامي والقائلة : بعدم وجود اي ضمان يذكر للسلطة الحاكمة الظالمة !.لا بل الانكى من ذالك ان المذهب الشيعي الاسلامي وامام انظار اهل السلطان والدولة ، ليس فحسب هو يختزل في داخله عدم ضمان لاهل السلطان والدولة ورفع الحصانة عنهم فحسب ، بل ان في داخله شرارة ورؤية ثورية وشرعية متكاملة للاطاحة ، بل وجوب الاطاحة بالسلطان الظالم ووجوب عدم طاعته او الخضوع لابتزازه الديني والدنيوي ، مما شكل حالة (( رعب )) حقيقية لاهل الدولة والسلطان وعلى طول الخط التاريخي العربي قديما وحديثا ؟!.ان شخصيات كعلي بن ابي طالب والحسين بن علي بن ابي طالب وباقي أئمة ال البيت الذين يعدّون وبلا ريب مراجع شرعية دينية واسلامية للفكر الشيعي العقائدي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ....، أؤلئك النماذج قد طرحوا رؤية مختلفة تماما للعملية السياسية التي ينبغي ان تقوم في ادارة الاجتماع الانساني الاسلامي وللاختصار نقول ان من اهم المبادئ السياسية التي تطرحها مدرسة اهل البيت ع للنظام السياسي الاسلامي هي :اولا : لاشرعية للنظام القائم سياسيا الا من خلال الرضا الجماعي للمجتمع ، كما انه لاسند شرعي اسلامي يمكن السلطة السياسية ان تتسلط بالقوة على ادارة المجتمع ، فبين الامة والامام يجب ان يكون هناك (( عقد )) سياسي بموجبه يكون الامام او الخليفة او الرئيس ، مخولا من قبل الامة في ادارة شأنها السياسي والاداري والاقتصادي ، وهذا بالفعل ما مارسه الامام امير المؤمنين أبان خلافته المباركة ، فهو لم يأتي من خلال صفقة فئوية مختصرة لاشخاص معينين ، مع ايمانه ان أمامته نصية ومن قبل الرسول المعظم محمد ص ، ولكنه ومع ذالك اراد وبكل صراحة ان يكون (( للعقد )) السياسي مشروعية اسلامية ظاهرة (( كان العقد يسمى بيعة )) تكون بين الامة والامام او الرئيس ، لذا كان جلّ اهتمامه انذاك في مقولة (( التمسوا غيري )) التثبت من الارادة الاجتماعية في الانتخاب ، وعندما تمت (( البيعة )) من قبل المجتمع كان لزاما على القائد ان يدافع وبكل قوة عن ارادة المجتمع فقاتل الخارجين عن سلطة المجتمع ّ.ان مثل هذه الفكرة للنظام السياسي الاسلامي لاتوفر اي حصانة لاستهتار السلطة والسلطان ان اراد ان يمارس اهوائه في ادارة المجتمع ، وليس ل (( اطاعة اولي الامر او حرمة الخروج على السلطان الظالم )) اي مشروعية في الفكر الشيعي ، باعتبار ان العقد يعقده المجتمع مع السلطة وله ان يفسخ العقد ويستبدل ولي الامر ان ظلم ، لذالك كان هذا الفكر ليس فقط انه غير صالح كاداة لاستغلال السلاطين فحسب ، بل هو اكثر من ذالك يعطي السلطان للمجتمع في اختيار قادته السياسيين وهذا ما لايرغب به اي طاغوت يذكر ، ولذالك كان الفكر الشيعي خطرا على وجود السلطان اللاشرعي ومن حق السلاطين حينئذ ان ترتعب من هذا الفكر الاسلامي السياسي الخطير على وجودها الفعلي ؟!.ثانيا : يتميز الفكر الشيعي السياسي بانه الفكر الاسلامي الوحيد الذي يوجب الخروج على السلطان المستهتر الغير مراعي لحقوق الدين والدنيا للاجتماع الاسلامي الانساني ومهما كان لونه وحتى ان كان مدعيا للتشيع لال البيت ع ، ومن هذه الفكرة جسد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب ع كمرجعية اسلامية مشروعية هذا الخروج ووجوبه ان تطلب الامر ذالك ، ومن ثم ليطيح بخدعة (( ولي الامر وحرمة الخروج على السلطان الظالم )) ليشيد مكانها رؤية الثورة الاسلامية على الظلم ومهما تزيا بزي ومسوح الدين والتقوى ليخاتل الناس ويستغفل مشاعرهم الدينية ، وليضع مكانها مشروعية التمرد على السلطان القائم ، ومن هنا مثل الفكر الشيعي هاجسا مرعبا لكل الانظمة التاريخية والحديثة السياسية في المنطقة العربية والاسلامية ، مما دفع هذه الانظمة لملاحقة هذا الفكر ونشر الدعايات والاعلام المضاد له وتشويهه مع معالمه الكريمة ليتخلص تماما من هذه النواة الثورية المقلقة على النظام القائم ، فاصبح التشيع في عرف السلاطين وانظمتهم القائمة هو العدو الاول والمعارض الخطير لوجودهم اللاشرعي ومن ثم انتقام هذه الزمر السلطوية من فكرة التشيع بان خلقوا لها الف فرية دينية (( سب الصحابة الكرام ، لهم قرءان غير القرءان ‘ يعبدون القبور ومشركين ، لديهم المتعة ، اهل تقية وكذب ومخاتلة ........ وهلم جرا )) ليقضوا على فكرتها السياسية الهيبة والمرعبة هذه ؟!.هذه نقطتان فقط للتنويه لما يمثله الفكر الشيعي السياسي من مخاطر حقيقية سياسية على الوضع السلطوي الدكتاتوري القائم في المنطقة العربية اليوم ، ويبقى ان الفكر الشيعي السياسي ليس فيه عملية تملك للسلطة ، فليس هناك كسروية في الاسلام الشيعي السياسي ، كما انه ليس هناك قيصرية لنعطي الملكيات القائمة في المنطقة العربية اليوم مشروعية اسلامية ، ومن هنا فالنظم الملكية دستورية كانت او غير دستوري (( وهنا نذكر اليوم الاردن والمملكة السعودية ومملكة المغرب العربي ........ الخ )) ليس لها اي غطاء شرعي في الفكر الشيعي السياسي الاسلامي ، مما يضعنا امام حقيقة (( رعب )) هذه الانظمة الملكية من التمدد الفكري للشيعة ، باعتبار ان نظمهم السياسية سوف تفقد شرعيتها الدينية بعد ان فقدت الشرعية الاجتماعية ان تسنى لهذا التمدد الشيعي الفكري والسياسي بالسير بصورة طبيعية ، مما يدفع هذه النظم الملكية من دق ناقوس الخطر من هذا التمدد والهلال الشيعي الزاحف ، ولحساسية الموقف السياسي وضعف هذه النظم ولاشرعيتها الدينية والاجتماعية لجأت هذه النظم الى اثارة النعرات الطائفية والدينية ضد التشيع واهله لتحويل المعركة من أطرها السياسية الى الاطر الدينية والطائفية للحفاظ على وجودها القائم سياسيا ومن ثم خلط الاوراق على الاجتماع الاسلامي البسيط والمحدود التفكير السياسي لدفعه لمواجهة مع التمدد الشيعي ؟!.هنا يمثل الفكر الاخر الاسلامي (( السلفي بالخصوص الوهابي بالاخص )) ضمانه سياسية ودينية ممتازة لهذه النظم الملكية السياسية القائمة اليوم ، فهي وبعكس الرؤية الشيعية السياسية ، فيها كل الضمانات الدينية والسياسية المطلوبة لحماية الوضع السياسي الملكي القائم ، فهناك التجربة (( الاموية )) والتي هيئت الارضية لتقديس السلف بعد تقديس الصحابية في الفكر الاسلامي ، لتكون هذه التجربة وبدعم من السلف الصالح هي التجربة الاسلامية الرائدة بدلا من التجربة العلوية والحسينية في العلم السياسي الاسلامي ذات الطبيعة الاجتماعية والثورية ، ولتأخذ الملكية او النظام الملكي السياسي (( الكسروي او القيصري على حد تعبير الاسلام المحمدي )) مشروعيته الدينية من الاسلام ، ومن ثم ليكون قبول السلف الصالح بهذا النظام الملكي وفكرة عدم وجود نظام سياسي معين في الاسلام قد اشار له الرسول محمد الاعظم ص ووجوب طاعة اولي الامر وحرمة الخروج على السلطان الجائر .....الخ ، كل هذه تجعل كرصيد محترم ومقبول من قبل الانظمة الملكية القائمة في التاريخ وحتى اليوم لدعم هذه الفكرة االلاسلامية والاشادة بمنجزاتها العملاقة في التاريخ وحتى اليوم !.هذا من ناحية النظم الملكية القائمة اليوم في المنطقة العربية وما تتوجسه من خيفة ورعب من التمدد الشيعي الفكري والبشري على وجودها السياسي ، اما من الناحية السياسية الاخرى والمتمثلة بهذه الجمهوريات التي تحولت الى كوابيس على منطقتنا العربية لتمارس الدكتاتورية وبشكل غير مسبوق على الاطلاق ، فان الحال هو الحال نفسه من حالة الرعب المستمرة من التمدد الفكري للتشيع في المنطقة العربية بالخصوص ، فنحن هنا امام سياسين علمانين جمهورين تحولوا وبشكل مفاجئ في الاونة الاخيرة الى اباطرة رومانيون وطائفيون دينيون ضد التمدد الشيعي الفكري والبشري وفجأة فماهي اللعبة ؟.اللعبة هي نفس اللعبة نحن امام نظام دكتاتوري مستبد يحاول وبكل الطرق الحفاظ على وضعه القائم ومن ثم تسليم الراية للورثة الشرعيين للنظام السياسي القائم في جمهوريات التملك السياسية ، وهناك فكرة ليس فيها اي غطاء ديني للدكتاتورية وبل فيها غطاء شرعي اسلامي للتمرد والثورة على الدكتاتورية القائمة ، وبما ان المدّ الاسلامي هو السائد في المنطقة العربية والاسلامية ، فليس هناك خطر اكبر من خطر الشرعية الدينية التي يوفرها النظام السياسي الاسلامي الشيعي للتمرد على الدكتاتورية ، وعليه فليس امام اباطرة اللحظة من رؤساء جمهوريات الدول العربية الحديثة الا الالتجاء للسلفية الاسلامية القديمة الحديثة للدفاع وباسم الشرع عن وجودهم القائم ، لذالك اتجهة هذه النظم وبالتفاف قوي (( النظام المصري والاخرين منهم نموذجا )) من وجهتها العلمانية الداعية لقتل الدين وعزله تماما عن الحياة السياسية الى استحضار الدين ودفعه لمواجهة الفكر السياسي الشيعي القادم بخطر التمرد والثورة على السلطة الدكتاتورية القائمة ، ولاشيئ سوف تخسره هذه النظم الدكتاتورية بهذه العملية الخطيرة ؟!.الى هنا يمكننا القول اننا وضحنا ماهية اللعبة الحقيقية بين هذه النظم السياسية القائمة في المنطقة العربية وبين موضوعة التمدد الشيعي والخطر الاسلامي الجديد المسمى بنشر التشيع في المنطقة العربية والاسلامية ، ولاحظنا ان تفكير هذه النظم كان منحصرا في التفكير في خطر هذا التشيع من الناحية السياسية وليس من الناحية الدينية فهذه النظم السياسية للمنطقة العربية بالخصوص هي ليس فحسب تمقت الدين وتزدري كل مظاهرة الرجعية فحسب بل وتسعى جاهدة للتخلص من كل ماهو ديني او طائفي او باقي العناوين التي تحد من رغباتها في التسلط وعدم المسؤولية والاشارة لمفاسدهم المستشرية والعفنة ، لنخرج بنتيجة مفادها : ان التشيع وتمدده المفتعل ماهو الا محاولة يائسة من النظم العربية الدكتاتورية القائمة للحفاظ على مكاسبها القائمة فحسب ، واي تهديد شيعي او سني او يهودي او مسيحي او رحماني او شيطاني ، ديمقراطي او دكتاتوري ....، سيجابه وبعنف وتطرف ودموية لانظير لها من قبل هذه النظم الملكية والجمهورية العربية القائمة في منطقتنا العربية والاسلامية ________________________________________al_shaker@maktoob.com

((دراسة تحليلية لتهستر الشيخ القرضاوي ضدّ التشيّع ... الدوافع والاسباب !))


( بقلم : حميد الشاكر )
منذ حملة العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي التي اثارها في ايام رمضان المبارك الماضي في احدى الصحف المصرية حول مصطلح (( التبشير او التمدد او الغزو .... الشيعي )) تلك لم تزل كرة الثلج التي حركها العلاّمة لاتريد الوقوف على حجم وثقل معين ، فالشيخ القرضاوي لم يزل على أصراره في اثارة نفس الموضوع بين الفينة والاخرة لادامة الدفع لهذة الكرة اكثر فاكثر من على منابر الاعلام المختلفة ، حتى أخرها وصل الى الصحف القطرية قبل ايام مما يدللّ على ان هناك اصرار واضح من قبل العلاّمة الشيخ على التمديد لحركة التشنج السنية الشيعية المزمنة ، أن لم نقل ان هناك ارادة واضحة لتفجير الخلاف والدفع به الى نهايته من الاحتقان الموّلد لكميات عددية بمتوالية هندسية الى الوصول للنقلة النوعية في عملية الصراع والجدل هذه !.
والحقيقة ان الاسألة وردود الافعال التي اثارتها تصريحات الشيخ القرضاوي حول ( التبشير الشيعي ) أتت متنوعة من جهة ، ومتضاربة او منسجمة من جهة اخرى ، فهي لم تستثر فقط الجانب الشيعي المستهدف علنّا بتصريحات الشيخ يوسف فحسب ، بل واثارت الكثير من المثقفين والعلماء والاحزاب والشخصيات الاسلامية ومن كافة الطوائف الاسلامية ، بردود افعال متنوعة منها مندّدة تارة ومبررة اخرى ، وشارحة ثالثة وداعمّة رابعة .... الى ان نصل الى سؤال مفاده : هل العملية التي ا ُريد لها ان تثور علنّا على انقاض مصطلح التمدد الشيعي هي عملية برمتها تدور بحلقة مفرغة ؟. ام ان لهذه الظاهرة الجديدة التي يحاول الشيخ القرضاوي قيادها ، لها بداية كما ان لها نهاية منظورة في الافق ؟.
في هذه الحالة من الاسألة والاجوبة لايمكننا القفز ونحن نريد تشخيص الدوافع والاسباب التي تقود الامام القرضاوي لقيادة حملته هذه من العودة والسير مع الشيخ من البداية ، ومن ثم لنحلل القرضاوي كظاهرة وليس كشخص يتحرك في الفراغ لنفهم فيما بعد حركة الامام القرضاوي بكل عقلانية وبعيدة عن الانفعالات المرتجلة هنا وهناك لنلقي الاتهامات جزافا ونوزع الوصفات مجانا على هذا الطرف او ذاك بمافيهم العلاّمة يوسف القرضاوي نفسه !.
نعم لنبدأ اولا بسؤال : ماهي الاسباب التي تدفع شخصية اسلاميا للصراخ العالي من ظاهرة التمدد الشيعي في العالم الاسلامي السني ، مع ان نفس هذه الشخصية لم تكن تُعير الاهتمام لمن كان يقول بتمدد شيعي او تقول بمصداقية لوجود مخطط يهدف الى تمدّد شيعي في المنطقة على حساب تقلّص سني في الماضي او في الحاضر ؟.الحقيقة وبغض النظر عما طرح من بعض المثقفين الاسلاميين المصريين ( الدكتور النبيل والشريف سليم العوا ) من سؤال هل هناك في الحقيقة ظاهرة تمدد اولا ؟.، وبغض النظر عما طرح من البعض الاخر ( راشد الغنوشي ) من انسياق اعمى لثورة ( كلنا قرضاوي ) على حساب الادراك لماهية المشكلة ؟.، وبغض النظر عما طرح ( العلامة السيد محمد حسين فضل الله ) من تحويل للموضوع برمته ليسأل عن :(( وماذا عن التبشير العلماني والمسيحي ؟.)) ؟.، وبغض النظر عما طرح في المقابل لتصريحات الشيخ القرضاوي المستفزة ( الاخوان المسلمين بمرشدهم العام مهدي عاكف ) من سؤال : (( هل التمدد الصهيوني أخطر ام التمدد الشيعي ))؟., بغض النظر عن كل ذالك لم يكن هناك تحليل مطروح بمنطقية للاجابة على سبب ولادة مثل هذه الظاهرة الهجومية للقرضاويي على الشيعة بهذا الشكل العلني غير ماطرحه النائب الاول للشيخ القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، الا وهو شيخ التقريب الاسلامي الشيخ (( التسخيري حفظه الله )) حيث ذكر في معرض التحليل والاسباب :(( ان هناك ضغوطا من التيارات السلفية التكقيرية هي التي ضغطت على الشيخ القرضاوي ليتبني موقفه هذا من الشيعة والتشيّع بصورة عامة ))!.
والآن هل حقا ان سبب توتر وانفعال وانزعاج الشيخ القرضاوي الانفجاري من الظاهرة الشيعية هو فحسب بسبب وجود ضغوطات سلفية تكفيرية تمارس على الامام القرضاوي فحسب كما ذهب اليه الامام التسخيري ؟.أم ان هناك اسبابا أخرى تستحق الطرح لدراسة ظاهرة الانقلاب الكبير لموقف الشيخ القرضاوي لكننا لم نسمع او نقرأ ان احدا طرحها من قبل ؟.
اولا لنتناول مفهوم (( الضغوط السلفية )) كمدخل لتحليل موقف القرضاوي هذا ولنسأل : ما المقصود لمقولة ضغوطات سلفية تكفيرية اجبرت الامام القرضاوي على الارتداد على مواقفه المعتدلة والوسطية في قضية المذاهب الاسلامية ؟.وثانيا : هل ان هناك وفعلا دوافع واسباب شخصية للشيخ القرضاوي داخلة بصورة مباشرة على لعبة الارتداد تلك ؟.واذا كانت هناك دوافع شخصية ونفسية وفردية للشيخ ، فماهي نوعية تلك الدوافع الغير مكتوب فيها ؟.*****
اولا :
(( الخليج قاعدة السلفية ))لاريب اننا ان اردنا ان ندرس سلوك ومواقف اي انسان في التاريخ وحتى اليوم ، فلايمكننا فعل ذالك بلا دراسة اولا لمحيطه الاجتماعي والجغرافي والثقافي والسياسي والاقتصادي ايضا ، باعتبار ان الانسان وليد ومرآة عاكسة لمحيطه الانساني ، ومن هنا فمن يريد فهم مواقف ومسالك وردّات فعل الشيخ القرضاوي فلا يمكنه في اي حال من الاحوال ان يدرس الحالة بعيدا عن محيطها المعاش ، وهذا مايشرح لنا عبقرية الامام التسخيري نائب الشيخ القرضاوي في اتحاد علماء المسلمين عندما ارجع الارتدادة الخطيرة في تصريحات الشيخ القرضاوي الى حضن الاجتماع الذي يعيش فيه القرضاوي واعتبار موقفه على اساس انه انعكاس :(( لضغوط سلفية تكفيرية في الواقع الخليجي هو الذي فرض على الشيخ القرضاوي تغيير مواقفه الاسلامية المعتدلة التي كانت عالقة به منذ نشأته في المجتمع المصري المتحضر )) وهذه الرؤية بالواقع هي الاقرب للعقلانية الاجتماعية في فهم تصريحات الشيخ القرضاوي ضد التشيّع الاخيرة !.
والحقيقة ان المحيط الاجتماعي السلفي الخليجي الذي قرر الشيخ القرضاوي الانتماء له بعد تجربته المريرة في مصر ، وطرده وسجنه وتعذيبه واهانته في واقعها السياسي ...، كل ذالك انعكس بشكل آخر على الشيخ القرضاوي عندما انتقل الى امارة قطر الخليجية ليجد ليس الرعاية والاحترام والتقدير والتقربة من العائلة الاميرية وغير ذالك فحسب ، بل ايضا منح الجنسية القطرية وهيئت له خزينة مالية بترولية وقناة فضائية ( الجزيرة ) يشرف عليها روحيا لتكون منطلقا له ولافكاره الاخوانّية التي تحاول الوصول الى قلوب المسلمين وعقولهم ولكن بلا جدوى ، وكل ذالك قدم للشيخ القرضاوي فرصة العمر الذي لاتعوّض باي حال من الاحوال ، وبالفعل كانت انطلاقة وشهرة الامام القرضاوي اليوم مدينة بالفضل الكبير لدولار البترول القطري ومنصة قناة الجزيرة القطرية الفضائية ، ولكنّ مافات ربما الشيخ القرضاوي والكثيرين من المتابعين لرحلته من عرش مصر الى قساوة البادية ان هناك ثمن ينبغي ان يدفع لهذا الحياة الجديدة التي خلقها المجتمع الخليجي للشيخ القرضاوي وفكره الاخواني الاسلامي ، الا وهو ثمن الولاء للسلفية الخليجية والتي هي الداعم الشرعي لنظم الامارات والملكيات الخليجية العربية !.نعم السلفية في الخليج العربي ليست مجرد مذهب ديني تعبدي يمارسه الانسان الخليجي في المسجد فحسب ، وانما السلفية مثلت ومنذ قيام امارات وملكيات دول البترول الخليجي الشرعية السياسية الدينية ايضا لهذه النظم ، وكان ولم يزل من يرغب بالعيش في امارات الخليج العربي عليه وبالضرورة ان يفهم هذه الصلة السياسية والدينية بين النظم السياسية الخليجية القائمة والنظام السلفي الديني الذي يمنح شرعيته الدينية لاستمرار هذه النظم السياسية بالاستمرار ، مما يتطلب وبكل صراحة على من يريد ان يعاشر القوم اكثر من اربعين يوما ان يكون منهم وحسب نمطية حركة حياتهم الفكرية والثقافية والسلوكية !.
عند هذا وفي أطار هذه الرؤية الاجتماعية الخليجية بالامكان فهم التغيرات الفكرية التي طرأت شيئا فشيئا على سلوكيات الشيخ القرضاوي الفكرية والنفسية ، وبالحق يقال ان الشيخ القرضاوي عندما يدرس اي باحث حياته الفكرية والنفسية السابقة سيجد ان هذا الرجل كان يعيش في حالة صراع مريرة بين مايحمله من فكر اسلامي اخواني مصري يتمتع بنوع من قبول الاخر الاسلامي ، وبين مايعيشه بالواقع الخليجي الذي يفرض حتمية العيش في نمطية سلفية موحدة من الفكر وعدم الترحيب بالفكر الاخر حتى وان كان اسلاميا ، وهذه الحالة هي مايشرح لنا ايضا لماذا عاش الشيخ القرضاوي شطرا من حياته داعية تقريب اسلامي ، وصاحب حوار ، وباني اسس لاتحاد مسلمين عالميين ، وفجأة يتحول هذا الرجل نفسه الى داعية انغلاق وطرد للاخر ، وصاحب مشروع احادي الاتجاه ... وباقي صفات السلفية الخليجية المعروفة !.
ان هذا الاستنتاج التحليلي الاجتماعي لسلوك الامام القرضاوي الفكري والنفسي الذي ظهر عليه مؤخرا في هجومه على التشيّع والشيعة الذي كان يرحب بهم فيما مضى ، يدلل من جانب اخر ان الامام القرضاوي قرر ايضا التخلص من حالة الانفصام الشخصي الذي كان يعيشه الشيخ القرضاوي بين فكر وعقيدة وروح ونفس تنتمي للعالم المصري الاخواني القديم الذي كان مضطرا للانفتاح على الاخر الاسلامي والديني القبطي ، وبين واقع الحياة الخليجية السلفية التي تؤمن بضرورة التوحد ولاتعترف بشرعية التعددية الفكرية ولاتقبل بالترحيب بالغريب الاجنبي عن فكر السلطة السلفي ، ومثل هذه القرارات ليس من الصعب ادراكها على الباحثين الذين يدركون معنى صعوبة ان يعيش الانسان بشخصيتين في حياة واحدة ، لاسيما ان اخذنا نموذج الشيخ القرضاوي وكيفية صراعه المرير بين التوفيق بين مايحمله من فكر ومايمارسه من سلوك سلفي ، وعندهذا ربما نستطيع فهم مدى المعاناة النفسية والفكرية التي كان يعيشها هذا الشيخ العجوز من ازدواجية الشخصية لايستطيع التخلص منها الا بقرار يخرجه من هذه الحالة ليجعل سفينته الروحية والنفسية والفكرية تستقر على جانب واحد وشخصية واحدة ومنهج واحد ، فكان اعلان الامام القرضاوي الاخير وتصريحاته الواضحة ضد الشيعة والتشيّع مؤشر لايقبل الشك ان الشيخ القرضاوي قد اتخذ قراره الاخير في الاستقرار على منهج وحياة ونمطية وتفكير واقع اهل الخليج العربي الذي بدوره يتخذ نفس الموقف المتشدد من قضية الشيعة والتشيّع والفكر الاخر والتعددية الفكرية ،مما يشير لنا وبكل وضوح ان موقف الامام القرضاوي الاخير ضد التشيّع لم يكن سوى اعلان الامام بضرورة الانصياع الى العقل الجمعي الخليجي السلفي فحسب !.
هذه هي الرؤية التي اشار لها الشيخ التسخيري في تحليله لموقف الشيخ القرضاوي الاخير عندما انتقل الشيخ من الاعتدال والقبول بالاخر الى التشددّ ووجوب طرد الاخر والخوف منه ، فوقع الاخر بثقله على التشيّع والشيعة في فكر الامام القرضاوي ليس لان الشيخ بالفعل قد تلمس خطرا وغزوا شيعيا على الحقيقة ، ولكن لأن الواقع السلفي الخليجي لايرى له خطرا غير التشيّع والشيعة وايران والعراق وباقي مواقع التشيّع العالمية من منطلق ان الفكرة السلفية في القديم وحتى الان بنيت على حرب التشيّع وتقديس السلف ووجوب اقامة الحرب من اجل الدفاع عنهم ، بينما نفس هذا الواقع الخليجي لايرى في اسرائيل او الولايات المتحدة او اي دولة استعمارية انها بؤرة خطر سياسية على نظم الخليج العربي ، ومن هنا كان موقف الامام القرضاوي ايضا وتبعا للنمطية الفكرية الخليجية السياسية والدينية السلفية رأى ان الشيعة والتشيّع هو من قام بالفعل بالتمدد والغزو وليس اسرائيل الغازية لفلسطين ولا امريكا المتمددة والغازية للعراق وافغانستان وهلم جرّا !.
نعم ايضا عندما يقال ان هناك ضغوطات سلفية تكفيرية خليجية مورست على الامام القرضاوي لتبنّي منهجية السلفية التكفيرية والايمان بحربها الداخلية بين سنة وشيعة فحسب ، فان هذا لايعني فقط ماذكرناه انفا ، بل يعني كذالك ان الامام القرضاوي حاول التملص عدة مرات من الانصياع لهذا الواقع السلفي الخطير ، وذهب الى مصر بزيارات كثيرة لتلمس الاجواء السياسية على امل ترحيب السلطة في مصر به وفتح المجال لمزاولة نشاطه الاسلامي في مصر بلده ، ولكنه اصيب بخيبة امل عظيمة عندما كانت السلطة المصرية غير مرحبة تماما باي نشاط للاخوان المسلمين داخل اطارها ، مما اضطره او دفعه لاتخاذ القرار الاخير بالاستقرار النهائي في الخليج العربي على امل دفنه في مصر اذا توفي حسب وصيته المكتوبة الان ، وهذا شيئ ايضا ينعكس بشكل خطر وضاغط على مواقف الامام القرضاوي الفكرية ، فهو بين نار الضغط السلفي الخليجي الذي لايقبل الا الخضوع التام لمنهجيته الفكرية الدينية ، وبين نار عدم وجود ملجأ اخر يرحب به ويهيئ له امكانيات اعلامية واخرى مالية ترفع من وجوده العلمي والشعبي !.
واخيرا هناك ضغوطات من نوع اخر مورست على الشيخ القرضاوي كذالك وهي ضغوطات شخصية وعلى الصعيد الفردي والاسري ايضا ، فهناك من تحدث عن تهديد مباشر لحياة الشيخ القرضاوي من قبل السلفية التكفيرية ، وهذا شيئ غير مستبعد على من خبر نمطية الفكر السلفي وكيفية اخضاع مناوئيها لها بالعنف والقوة ، كما ان الذي يدرك ماهية تكتلات الاجتماع السلفي الخليجي يكفيه ذالك معرفة بأن من يعيش وسط هذا المحيط من المستحيل له التفكير بغير مايعتقدونه صحيحا ، ولهذا تجد ان كتم الافكار وعدم التصريح بالمشاعر بحرية ، وميزة ظاهرة الصمت الطويل على افراد المجتمعات السلفية ..، كل هذه ظواهر منشأها الخوف المسيطر على دواخل وخوارج الانسان السلفي الذي يعيش داخل هذه المجتمعات المرعوبة من درّة الحاكم ودرّة الواعظ الديني ، ودرّة القدر الخفي ّ.
****
ثانيا :
(( الدوافع الشخصية ))
ذكرنا ان هناك بالاضافة للدوافع والاسباب الاجتماعية التي فرضت على الشيخ القرضاوي تحوله من الاعتدال الى التشدد في مواقفه الفكرية ، هناك ايضا دوافع شخصية اخرى ترفد موقف الدوافع والاسباب الاجتماعية تلك في تحوّل موقف الشيخ من قضية الشيعة والتشيّع والقبول بهم الى موقف الشيخ في الرفض المطلق لهم الا وهو موقف ( السيطرة وقيادة التيار السلفي بدلا من الوقوف بالضد منه )!.والواقع ان المتتبع لحياة الشيخ القرضاوي ومنذ زمن النضال الاخواني له في مصر ، سيدرك ان في شخصية الشيخ يوسف صفة لايمكن غض النظر عنها الا وهي صفة ( التميّز والقيادة ) وهذه الصفة القيادية لاي انسان بما فيهم الشيخ القرضاوي اذا سيطرت على انسان ما فانه ستخلب لبه بالمطلق ، مما تتحول مع الزمن وشيئا فشيئا من وسيلة يمتطيها اي انسان الى غاية توجه من حركة الانسان واساليب تفكيره الانسانية !.
فالكثير من القادة عندما تخلق في داخلهم صفة القيادة وطغيان هيمنتها اللارادية ، يصبح الانسان فارضا لوجوده الكاريزمي على المجتمع من جهة وعلى نفسه هو من جهة اخرى ايضا ، ولافرق في هذه الحسبة القيادية بين فرعون مصر وابراهيم العراق ع ، الا من حيث ان الانبياء يملكون صفات القيادة لكنهم يسيطرون على طغيانها ، بعكس فراعنة السياسة الذين يملكون صفات القيادة ولكنها تسيطر هي على وجودهم !.نعم نحن البشر العاديين منّا من يملك صفة وكاريزما القيادة ، ولكن الخوف كل الخوف هو في تضخم هذه الصفة التي يحملها اي انسان الى طاغوت داخلي يهيمن على وجود الانسان ويتحكم بحركته وشعوره وفكره ونفسه ايضا !.
ان الشيخ المحترم يوسف القرضاوي قيادي سابق في الاخوان المسلمين ، وبقيت صفة القيادة تنمو يوما بعد يوم لهذا الشيخ المحظوظ حتى وصوله الى قمة الازدهار والشهرة عندما استقر في دولة قطر ولعب الدهر لعبته في تهيئة قناة فضائية عربية قوية الامداد تحت تصرفه بالمطلق ، وبدت ان حياة الشيخ القرضاوي مهيئة تماما لريادة عالمية على المستوى الاسلامي فهو رئيس الاتحاد العالمي للمسلمين ، والذي اسسه شخصيا فماذا بعد ريادة علماء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها الا ممارسة السلطة ؟.
هنا وفي هذه القمة الفكرية للامام القرضاوي اعترضته مشكلتان رئيسيتان في العالم الاسلامي :الاولى : القيادة الاسلامية في ايران ودعوتها لولاية العالم او الفقيه .الثانية : التيار السلفي التكفيري الذي بدأ يرى في الشيخ القرضاوي نجما صاعدا ولكن ليس على المنهج السلفي !.وبالفعل حاول الامام القرضاوي التقرب من مواقع النفوذ العليا لجمهورية ايران الاسلامية ، ووصل الى قمة النفوذ الاسلامية في ايران الا انه وجد شيئا مختلفا تماما في تفكير القادة الايرانيين !.الايرانيون اناس بدمائهم بنو امبراطورية اسسها الامام الخميني الذي يرى لافرق يذكر بين موت او حياة ، مما يعني ان كل تضحياة الامام القرضاوي في سجون مصر المحروسة لاتعد شيئا يذكر امام من لايرى الموت الاسعادة ، والحياة مع الظالمين الا شقاء وتعاسة ، وهنا فحسب ادرك الشيخ ان الامامة المطلقة للعالم الاسلامي والذي يتوقع ان ينالها قريبا من المستحيل التحقق بوجود قيادات اسلامية شيعية بهذا التفكير من القوةّ ، كما انه ادرك انه وان كان رئيسا لاتحاد العلماء المسلمين بشكله النظري والفكري فما يكون هذا امام من ملك السلطان والامبراطورية في ايران وبعده العراق واردافه في لبنان واخضع امريكا وارعب اسرائيل بقوة !.ان من حضر المقابلة التي اجريت بين الرجل الثاني في جمهورية ايران الاسلامية والشيخ القرضاوي على قناة الجزيرة ، لابد انه ادرك او شعر كيفية الحاح الشيخ القرضاوي على ضرورة ايجاد شيئ مكتوب يقرر مايريده الامام القرضاوي من مذكرة تفاهم بين جناحي الامة !.كما انه لابد ادرك ايضا او شعر كيفية تملص الشيخ رفسنجاني من اعطاء هذه الريادة للعلامة القرضاوي ، او الاعتراف به كقيادة يجب التعامل معها برسمية !.
ومن هذا اللقاء ادركنا ان هناك شيئ يتغير في نمطية فكر وسلوك الشيخ القرضاوي تجاه الشيعة في العالم والتشيّع في المنطقة على وجه الخصوص ، والمتابع الجيد سيجد ان تصريحات الشيخ القرضاوي ضد التشيّع بدأت بالفعل تأخذ طريقا مختلف بعد هذا اللقاء المشهور بين الشيخ القرضاوي والشيخ رفسنجاني من على قتاة الجزيرة !.
الخلاصة : هو القول اننا نفهم من مجريات الامور ان الشيخ القرضاوي اراد ان يكون المعادلة الصعبة في العالم الاسلامي التي توصل رسالة للعالم الاسلامي الشيعي انه الوحيد القادر على مسك العصا من المنتصف ، وانه وباعتباره الزعيم الروحي الكبير لعلماء المسلمين في العالم فيجب على جمهورية ايران وماتمثله للتشيّع الاسلامي في العالم ان تتعامل معه كمحور للعالم السني ومايملكه من ثقل يؤهله الى لعب دور المتحدث الرسمي عن العالم السني الاسلامي ، ويجب في هذه الحالة ان يفرض شروطه اللائقة لصياغة معادلة اسلامية بين السنة والشيعة تكون له الريادة فيها !.
عند هذا الحد لم يكن من الشيعة الايرانيين غير الاعراض وعدم الاكتراث بمثل هذه المطالب الكبيرة من قبل الشيخ القرضاوي فكانت القطيعة ، وكان قرار الامام القرضاوي بالطلاق مع التشيّع ثلاثا !.نعم هناك المعادلة الاخرى في فكر الامام القرضاوي وهي معادلة (( السلفية التكفيرية )) التي ناهضت الشيخ القرضاوي كثيرا وكفرته ورمته بالضلال بسبب مواقفه المعتدلة اسلاميا في ما مضى من سنين مع الشيعة وغيرهم ، هي كذالك معادلة مستعصية على الحل باعتبار انه لايمكن الجمع بالنسبة للامام القرضاوي بين القبول بالشيعة المسلمين وقضية التشيّع عندهم ، وبين سلفية الخليج العربي وقبولهم بالطرف الاخر الاسلامي !.
ومن هنا نفهم ما العلاقة والارتباط في مواقف الشيخ القرضاوي بين يأسه من قيادة الشيعة ، او خضوع التشيّع للمطالب الكبيرة للشيخ القرضاوي ، وبين ارتماء تصريحات الشيخ القرضاوي الاخيرة في قضية (( الخطر الشيعي )) بتمدده وغزوه للعالم السني بالكلية في الاحضان السلفية ، فبعد ان ادرك العلامة القرضاوي استحالة السيطرة او قيادة الحركة الشيعية في العالم المعاصر ، اتجه بحركة التصريحات الى الجانب الاخر لكسبه بدلا من خسارته ايضا ، فكان الشيخ صريحا عندها بانه قرر ان لايخسر الجانبين !.
تمام كانت لردّة الفعل الغير متوقعة من الشيخ القرضاوي بعد تصريحاته المناهضة للتشيع في صحيفة المصري اليوم الاثر او القشة التي قصمت ظهر البعير ، فانبرى مجموعة من كبار علماء الشيعة لوضع حد لتصريحات الشيخ القرضاوي المتكررة ، مما اذهل الشيخ القرضاوي نفسه ، تبعها موقف شبه رسمي لجمهورية ايران الاسلامية من صحيفة مهر الايرانية اربكت الشيخ بقوة ، ودفعت برسالة شيعية شيه تيار حرّك الكثير من الاطراف ضد الامام القرضاوي ، مما اغلق الباب ونهائيا من امكانية عودة الامام القرضاوي عن توجهاته الجديدة ضد التشيّع !.وهذا ايضا مايوضح لماذية اصرار الشيخ القرضاوي على تكرار موقفه بين الفينة والاخرى في الصحف والاعلاميات العربية والاسلامية كلما هدئت الموجة ، باعتبار انه لاخيار بعد هذه الهوجة للشيخ القرضاوي من العودة للمربع الاول ، ولاامل بفتح حوار يضمن من جديد ماكانت تتميز به شخصية القرضاوي من قبل بالاعتدال والانفتاح على الاخر !.
نعم ان تفكير الشيخ القرضاوي بقيادة التيار السلفي العالمي بعد نكث يده من امكانية الرجوع مجددا لحضيرة الاعتدال الاسلامية ليس بالشيئ السيئ بالنسبة ليّ شخصيا على الاقل ، فهذا التيار السلفي التكفيري من احد مشاكله العظيمة انه تيار لارأس له ولامرجعية في التاريخ وحتى اليوم ، لذالك هو يجتهد دائما ويتضارب بشكل عجيب غريب مما يّوقعه بكوارث ودماء وتناقض وتضارب لامثيل لها في باقي التيارات والمذاهب الاسلامية الاخرى ، وماهذه الظاهرة في التيار السلفي الا بسبب عدم وجود القيادة الموحدة لهم ، وعدم اجتماع قياداتهم على رؤية تنسق من تحركهم المتشتت دائما بقدرة الله وحكمته ، وعند هذا عندما يأتي رائد كالشيخ القرضاوي بعلمه وحكمته المعروفة ليقود هذا التيار فعلى الاقل نحن نكون اكثر امانا من هلوسات هذا التيار اذا كان تحت قيادة من هو على الاقل معروف بالعلم الشرعي الاسلامي !.
لكنّ قبل ان نقررقيادة الامام لهذا التيار الصعب الاخلاق ، علينا ان نجيب عن سؤال : ماهو الشرط الاساس الذي تعتبره السلفية الاسلامية شرطا اساسيا لقيادتها الفعلية في العالم اليوم ؟.الجواب : ان الشرط الاساس هو تبني منهج وفكر السلفية التاريخية والحديثة بكل مبادئها المعروفة ، واول هذه المبادئ تقديس الصحابة وتكفير من ينتقدهم واظهار العداء الشديد للتشيّع باعتبارهم اهل ضلال وبدع !.وهذا بالضبط ماطرحه الامام القرضاوي في تصريحاته الاخيرة ضد المدّ الشيعي ، فهو تخوّف من الشيعة وطالب بعدم سبّ الصحابة ، وترك البدع واتهام الشيعة ..... بكل ماكانت السلفية التكفيرية ترفعه بوجه الشيعة والتشيع ويمتنع عن اعلانه الامام القرضاوي علنا في الماضي ، مما يشير وبكل قوة : ان الامام القرضاوي قرر تبني المبادئ السلفية ليعلن وبشكل صريح صلاحيته لقيادة التيار السلفي بالعالم بلا ادنى تحفظ من قبله على مبادئ افكارهم المعروفة !.
اذن من ضمن ادراكنا لتصريحات الشيخ الاخيرة نفهم ان هناك دافع وسبب( طمع ) الشيخ الامام القرضاوي بقيادة التيارات السلفية في العالم الاسلامي في لبنان وفي الخليج وفي مصر وفي المغرب العربي وباقي اقطار الدنيا ، من منطلق انتقاله بغير تحفظ الى تبني افكارهم ومبادئهم العقدية التي تتميز بلون خاص من الوان التفكير الاسلامي المنغلق ، وهذا كله لايتوفر بلا تهيئة الارضية التي تقنع السلفيين بلا ادنى ريب من ادانه للشيعة واتهامهم بالبدع والتمدد على حساب التسنن وقولهم بالقرءان .....الى اخر هذه العناوين المتكررة في ادبيات الفكر السلفي ضد الشيعة ، وهذا مافعله الامام بالتمام !.
تمام كانت هناك دوافع نفسية واخرى شخصية وراء حركة وتصريحات الشيخ القرضاوي الاخيرة تختصر كل ما استهدفه الشيخ القرضاوي من انقلابه الكبير على الاعتدال فيه ، كما انه كانت هناك دوافع واسباب اجتماعية ايضا ذكرناها على تعقيبنا لمقالة الشيخ التسخيري بوجود ضغوطات سلفية تكفيرية على الشيخ دفعته للتحول من رحمة الاعتدال الى جحيم وألم التشددّ والعصبية !.*******
الحقيقة انه بامكاننا ايضا من خلال هذه الدراسة ان نبحث في ماهية الشروط التي وضعها الشيخ القرضاوي للتقريب مرّة اخرى بين السنة والشيعة لاسيما شرط (( عدم التعرض للصحابة بسوء )) وكيفية ان هذا الشرط منطلق من ذهنية دين السلطة وليس سلطة الدين ، لندلل على ان مثل هذه الشروط التي يطرحها الشيخ القرضاوي لعملية التقريب بين المذاهب ، ماهي الا وجه اخر من وجوه عدم ادراك الواقع الشيعي واختلافه عن الواقع السلطوي السني ، فالشيخ القرضاوي وباعتباره ينتمي الى دين السلطة السني التاريخي يعتقد ان التشيع والشيعة هم ايضا اناس خاضعين لدين السلطة الشيعية ومن هنا اعتقد ان قرارا سياسيا مكتوبا بعدم التعرض للصحابة الكرام ينهي مشكلة سب الصحابة عند الشيعة باعتبار ان السلطة ستعاقب من يتعرض للصحابة الكرام بسوء !.لكنّ الحقيقة الشيعية التي لم يستطع فهمها العلامة القرضاوي غير ذالك تماما ، فالتركيبة الاجتماعية والفكرية الشيعية تؤمن بحرية الفرد بالعقيدة ، كما ايمانها بان السلطة الفعلية للدين وليس للدولة والحكومة حتى تكون هناك امكانية للحجر على التفكير وعقول الناس والتعبير عن مافي داخلهم عقليا ، ومن هنا فمن المستحيل في الاجتماع والتركيبة الشيعية ان تكون هناك سلطة للدولة على افكار الناس ومقرراتهم الايمانية ، وحرية العقيدة والتفكير في المعتقد الشيعي مكفولة دينيا وليس حكوميا ، فمن حق المؤمن الشيعي ، بل وحرام عليه ان يقلد في الاصول الدينية غير اجتهاده الشخصي ومهما كان بسيطا ، بمعنى ان الامامة مثلا وهي السلطة الدينيا والسياسية العليا بعد النبوة يجب ان يدركها الفرد الشيعي ويؤمن بها من خلال اجتهاده الشخصي الخاص ولايقلد فيها سلطان او عالم ، ومثل هذا الفكر وهذا الايمان لايمكن الحجر عليه او وضع شروط تقيد من انطلاقه في البحث والنقد والتقييم وهذا مالم يفهمه الشيخ القرضاوي عن تركيبة المذهب الشيعي الفكرية والعقدية والاجتماعية ، لذالك هو طالب بوجوب وضع شرط يجرّم سب الصحابة لعملية التقارب المذهبية وهذا مستحيل في العرف الشيعي !.نعم بامكاننا تناول الكثير مما اثاره الشيخ القرضاوي من زوبعته الاخيرة ضد التشيع ولكن مخافة الاطالة اكتفينا بذكر الدوافع والاسباب فحسب ونرحب بكل انتقاداتكم ومقترحاتكم وافكاركم التي ترى ابعاد اخرى غير ماذكر عن هذه الظاهرة التي خلقت القرضاوي ولم يخلقها هو مع الاسف !.

(( يوم الثورة على خليفة الشورى عثمان بن عفان .... دراسة تاريخية ))


بقلم : حميد الشاكر )
لاريب ان اليوم الذي قتل فيه خليفة الشورى الثالث عثمان بن عفان من سنة خمس وثلاثين للهجرة النبوية المطهرة ، هو من الايام التي تستحق الوقوف عندها طويلا لاخذ العبرة واسباغ التأمل واجالة النظر في هذا اليوم الخطير بتبعاته فيما بعد على تاريخ المسلمين واسلامهم الى يومنا هذا ، فهو اليوم الذي اختصر قصة خليفة بكاملها بدأت مسيرته الاسلامية الطويلة مع رسول الاسلام محمد صلى الله عليه واله ، وهو شاب من عائلة أموية ثريّة كانت تناصب العداء للرسول الجديد وصاحبة سلطة عليا في قريش لها مالها مع نبي الاسلام محمد ص ودينه الحنيف من حروب وتطاحن وقتال بين جاهلية اموية بأمتياز واسلام هاشمي بكل ما للكلمة من معنى .... ، الى ان تنتهي حياته في غرفة بيته في المدينة وقد تناوشته ايدي الثوار المسلمين يمينا وشمالا لتمزق مابقي من بدنه طعنا بالرماح وضربا بالجلاميد ونغزا بالسهام وشفرا بالسيوف ... وهو ابن الثانية والثمانين من عمره المتهيئ للرحيل لاخرته التي تنتظره !.وحقا انه اليوم الذي يستحق ان نسأل فيه السؤال الذي يكشف لنا اهمية فهم التاريخ واعادة قراءته كل يوم بالفعل في حياة البشرية وهو سؤال : لماذا ؟.نعم لماذا ُقتل عثمان بن عفان بسيوف المسلمين التي كانت من المفروض ان تتجه لقتال اعداء الدين وكفّار الملّة والاسلام في غابر الازمان ؟.ثم لماذا قام المسلمون من اقطار الاسلام المتفرقة بهذا الفعل الجمهوري الثوري الذي قلب المعادلة في الاسلام رأسا على عقب ، وبدلا من النظر للخليفة على اساس انه ظل الله سبحانه في الارض وباسط العدل بين المسلمين ، أصبح الخليفة هدفا لرجم الشيطان وتوجيه الحراب لصدره للتخلص منه ؟.وماهي العوامل التي دعت جمهور المسلمين من ، مصر ، والكوفة ، والبصرة ، والمدينة ، كي تنتفض على سلطانها عثمان بن عفان لتنهي قصته بهذه الثورة التي اطاحت بعرشه الفردي لتبدأ فيما بعد حقبة تارخية جديدة من بعده افضت الى انقلاب الخلافة الى ملك عضوض على يد اسرته الاموية المنتقمة من الماضي والحاضر بكل افكارها التي طرأت على تركيبة الجزيرة العربية سياسيا بعد الاسلام؟.من هو عثمان بن عفان ؟.وماهي مؤهلاته الفكرية والسياسية والدينية كي يكون خليفة للمسلمين ؟.ثم ماهي نكبته الزمنية والسياسية التي رافقت خلافته صاحبت الاثنا عشر عاما من الحكم ؟.وعلى اي اساس تشكلت نواة الثورة الاسلامية ضده ؟.ومن هم قادة الثورة ضد عثمان بن عفان ؟.وهل هم اسياد قومهم من زعماء قبليين وصحابة وتابعين لهم باع في العزة والشرف كما يذكر اهل التاريخ ؟.أم انهم مجرد رعاع وحائكي فتن كما يصورهم التاريخ الموالي للبيت السياسي الاموي في الاسلام ؟.وماكانت الشعارات والحجج الدينية والشرعية لهؤلاء الثوار بالاطاحة بنظام عثمان السياسي ؟.وكيف تقبل كبار الصحابة في المدينة النبوية الاسلامية موضوعة الثورة ضد عثمان ؟.ولماذا لم يقف بجانب خليفة المسلمين عثمان بن عفان كلهم الا بعض اللذين اذاهم عثمان في وجودهم المعنوي كعلي بن ابي طالب وابناءه بينما المنتفعون من عائلته الاموية اول من تخلى عن نصرته واول من تركه الى مصيره المحتوم بلا ناصر ولامغيث لفترة اربعين يوما دام فيها حصار بيته في المدينة المنورة من قبل الثوار ؟.ثم اين ذهب دهاء ابن عمه معاوية بن ابي سفيان في سياسة الملك ؟.وكيف سمح معاوية بن ابي سفيان ان يتسع الخرق على عثمان بلا ان يذكر لنا التاريخ نصيحة سياسية واحدة من معاوية الى عثمان الغارق في الفوضى السياسية في حكمه ؟.وهل يعتبر فعل المسلمين ذاك وثورتهم على عثمان هي وبالحق اول ثورة اسلامية داخلية على الخليفة الظالم ؟.أم انها كانت مجرد انتفاضة مرتدين على الاسلام لتكون هي الردّة الثانية بعدما حصل بعد موت الرسول الاعظم محمد ص في الارتدادة الاسلامية الاولى ؟.وماذا اراد ثوار العالم الاسلامي من مصر والبصرة والكوفة من عثمان بن عفان في بادئ الامر ؟.وهل فعلا ارادوا تنحيته من خلافة المسلمين فحسب وانتخاب من هو اكفأ منه للقيادة ؟.ام انهم كانوا مقررين لتصفيته جسديا بعدما بدا لهم ان الخليفة وصل الى مرحلة النهاية معهم ؟............الخ . كل هذه الاسألة وغيرها اختصرها يوم الثورة على عثمان بن عفان ليجيب عليها بطريقته الثورية والسريعة وليحسم كل الاجوبة بأول ضربة نزلت على رأس سلطان المسلمين في بيته في اواخر سنة خمس وثلاثين للهجرة بعد مضي اثنتا عشرة سنة لحكمه العائلي ، ليكون مابعدها تاريخ المسلمين منشطر الى سماطين : الاول : دعاة ثورة ضد الظلم ومطالبة بمساواة .والثاني : دعاة طاعة للسلطان بلا اي مسؤولية .********
1: عثمان بن عفان
هو ابو عبدالله عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس .. ، وأمه أروى بنت كريز بن جابر بن حبيب بن عبد شمس ...، اسلم بعد تأثره باسلام ابي بكر ودعوة ابو بكر له للاسلام مع مجموعة من اهل قريش منهم عبد الرحمن بن عوف ( انظر :1ج/ السيرة النبوية / بن هشام ص 250 ) صاحبه في الهجرة للحبشة والعودة منها ،حتى تسليم عبد الرحمن بن عوف الخلافة له في حادثة الشورى سنة ثلاث وعشرين للهجرة التي تركها عمر بن الخطاب بعد مقتله ، ثم اختلف عبد الرحمن بن عوف مع عثمان بن عفان على امور نقمها عليه كما نقمها باقي المسلمين الثوار على عثمان !.نشأ عثمان بن عفان في عائلة أموية ثرية مترفة ، وكان من خلال ثرائه هذا يمدّ الحركة الاسلامية الناشئة لدعوة الرسول الاعظم محمد ص حتى انه جهز نصف جيش العسرة من ماله الخاص ،... تزوج من ربائب الرسول الاعظم ص تعاقبا ( أم كلثوم ورقية ) وهاجر الى الحبشة الهجرة الاولى ولكنه عاد تحت وطأة اشاعة أسلام اهل مكة التي بدرها كفّار قريش انذاك ، وبقي فيها حتى الهجرة النبوية المباركة ،... لم يكن من اهل الحرب والتجربة بل هو الى الموادعة اقرب في فترته مع الرسول الاعظم محمد ص في المدينة ، وحتى شهادة الرسول محمد ص وانتقال الخلافة الى ابي بكر ومن ثم الى عمر لم يوّل عثمان شيئا من أمور المسلمين لتختمر عقليته للقيادة ولاهو ممن وهبه الله الحكمة ورباطة الجأش ليكون قادرا على قيادة المسلمين بعدالة ورياضة وسياسة !.
*******
2: ولاية عثمان للخلافة
تولى عثمان بن عفان الخلافة سنة ثلاث وعشرين للهجرة بعد تقديم عبد الرحمن بن عوف له في الشورى على عليّ بن ابي طالب ( ابن الاثير/ الكامل في التاريخ )، ومنذ تلك الساعة تغلّب عليه اهل عصبته من ال امية ، بسبب ضعف شخصيته وعدم كفائته في ادارة شؤون الحكم فكان الحاكم الفعلي على الحقيقة هم قطبي ال امية مروان بن الحكم في المدينة ومعاوية بن ابي سفيان في الشام وكذالك قطبهم الثالث سعيد بن العاص والي الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي اخبره رسول الله انه من اهل النار كما ذكر المسعودي في تاريخه !.ويتبين ضعف عثمان بن عفان في ادارة الحكم والخلافة من خلال انفاذ امر هؤلاء النفر من ال امية ومواليهم بحيث انه لايتمكن من القطع بشيئ اذا لم يرجع لمعاوية بن ابي سفيان مثلا عندما اشتكى اهل الكوفة من ظلم وتعجرف واهانات واليهم سعيد بن العاص انذاك بحيث سير اشراف الكوفة الى معاوية في الشام ليرى رأيه فيهم ، وبالفعل كتب معاوية برسالة ليس فيها رائحة النصيحة ( سنناقش هذه الرسالة فيما بعد وكيف انها غاشّة لعثمان ) والصدق والذكاء المعهود من معاوية الى عثمان بن عفان يخبره عن المسرحين له من الكوفة الى الشام بالقول :(( انه قدم عليّ قوم ليست لهم عقول ولاأديان أضجرهم العدل لايريدون الله بشيئ ولايتكلمون بحجة انما همهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الا كثر ممن له شعب ونكير/ تاريخ الطبري/ ج2 ص 635 )) ثم اعادهم الى الكوفة !.وكذا عندما تأتي الوفود الى المدينة من اقطار المسلمين من البصرة ومصر والكوفة لتشتكي ولاتها وظلمهم وجورهم وفسقهم وخروجهم عن اخلاق الاسلام ، فقد كان لعثمان بن عفان رأي واحد هو العودة لولاته من اهل عشيرته ليسألهم رأيهم في العمل مع القوم ، حتى انه روي :(( لما كانت سنة خمس وثلاثين سار اهل مصر في ستمائة رجل ( سنذكر رواية اخرى تقول بالفي رجل من اهل مصر في نهاية الدراسةوعليهم بالقيادة ابو حرب ) واهل الكوفة بمائتي رجل واهل البصرة بقيادة الصحابي عبد الرحمن بن عديس البلوي من اصحاب بيعة الشجرة كما يذكره الواقدي في تاريخه بمائة رجل الى المدينة لرفع شكايتهم للخليفة عثمان وايجاد حل لاستهتار ولاته عليهم ، ولما علم عثمان فزع من الامر وطلب من علي بن ابي طالب الانقاذ وان يسكّن القوم ويعطيهم عهدا وموثقا : ان الخليفة سينزل عند مطالبهم ويضمن لهم كل مايريدون من العدل وحسن السيرة ؟.وبالفعل قام علي بن ابي طالب بدوره وسكن ثائرة الناس وهدئ من خواطرهم ، واعادهم الى ديارهم ، ولكن ماهي الا لفتة حتى اشار مروان على عثمان بارسال رسالة او هو قام من نفسه من غير الرجوع للخليفة بارسال رسالة الى واليّ مصر لقتل الراجعين من المدينة ، وماهو الا طريق العودة للثوار حتى عثر اهل مصر وهم في طريق عودتهم الى ديارهم على غلام لعثمان بن عفان وهو يحمل بريدا من عثمان وبختمه الى واليّ مصر عبدالله بن ابي سرح يأمره فيه : بقتل من رجع من المدينة والتنكيل بهم ( / راجع المسعودي / مروج الذهب /ج2/ ص361) فعاد الثوار للمدينة تحت وطأة الشعور بالخيانة وقتلوا سلطانهم بعد ان خيروه بين القتل والتنازل عن الخلافة !.
**********
3: الاسباب الواقعية للثورة على عثمان
لاشك ان ماذكرناه من فساد بطانه عثمان بن عفان ، واجتراءهم على ظلم الرعية بل والنظر اليهم على اساس انهم عبيد لمملكة ال امية العثمانية ،مضافا اليه مااظهره عثمان بن عفان من ضعف على ردع فساد اسرته وولاته واعتبار المسلمين هذا تواطئا منه على الجريمة ...، كل هذه كانت عوامل تتراكم مع الزمن ضد رصيد عثمان بن عفان في الحكم ، فهذا الرجل ابتلي بعدة ابتلاءات قاتلة لرجل اي دولة في هذه الدنيا ان كان مكانه ، فهو مضافا الى الكثير من الهنات الشخصية والسياسية ابتلي بثلاث ابتلاءات عظيمة ايضا هنّ :*********اولا :( مقارنته بالخلفاء من قبله )
فأن عثمان جاء بعد خلافة الشيخين ابو بكر وعمر الذي كانت تتسم خلافتهم بالتحفظ الشديد من مراقبة المسلمين لهم في تصرفاتهم السياسية والدينية ، فهم على اي حال يريدون ان يأخذوا مكان محمد الرسول وحكمه ص ولابدّ لهم بالالتزام قدر المستطاع بسنة حكمه وعدله بين الرعية والرحمة والرأفة بهم والتأسي به ، مضافا لذالك حسن السياسة لقوم جلّهم من اعراب البوادي وداخلي الاسلام تحت فتح السيف والقوّة ، وبالفعل كان ابو بكر دائما يكرر مقولته :(( وليّت عليكم ولست بافضلكم )) او مقولته :(( ان رايتم فيّ اعوجاجا فقوموني .. )) وهاتان الكلمتان من السياسة والحكمة الكبيرة التي كانت تراعي بشدة فرط حساسية القبائل العربية بالعموم من قضية الزعامة عليهم ، وقريش بالخصوص لما اشتهر عنها من الحسد فيما بينهم والبين الاخر ، فكانت سياسة (( وليت عليكم ولستُ بافضلكم )) هي سياسة الحبل الرابط التي تجر وترخي بين قريش لعدم شعور احدهم بما فيهم الخليفة ابو بكر بالافضلية عليهم ، ولهذا مدحت سيرة الرجل فيهم باعتبار انه لم يكن احدا يشعر بتمايز فاحش بينه وبين خليفة المسلمين في القدر وفي المنزلة ولم يكن احدا منهم ليتردد بقول الحق والمشورة له وعليه !.بينما عندما نذهب لسيرة عثمان بن عفان كمقارنة له بسابقه ابو بكر ، وصبره على سماع كلمة الحق من اقرانه من صحابة رسول الله ص ، فاننا سنجد ان البون شاسع لهذا الرجل عن ابي بكر فيما مضى ، فهو لم يستطع تحمل اصدق لهجة على هذه الارض كما قال رسول الله ص لابي ذر الغفاري رض :(( ماأظلت الخضراء ولاأقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من ابي ذرّ )) لالسبب الا لان ابي ذر نهر منافقا من منافقي اليهود وهو كعب الاحبار كان يفتي ارضاءا للسلطان ، عندما سأل عثمان من بحضرته :(( أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه ؟. فقال كعب : لابأس بذالك ، فرفع ابو ذر العصا فدفع بها صدر كعب وقال : يابن اليهودي ماأجرأك على القول في ديننا !. فقال له عثمان : ما اكثر اذاك لي !. غيّب وجهك عني فقد آذيتنا .. فغرّب ابا ذرّ الى الشام / مروج الذهب / المصدر السابق/ وكذا اليعقوبي ج 2 ص 68 / وهكذا الطبري / احداث سنة ثلاث وثلاثين )) . وكذالك سيرة عمر بن الخطاب التقشفية التي كانت لاتسمح مطلقا باستغلال السلطة للترف العائلي او الاعتداء الاخلاقي من قبل عائلة الخليفة على غيرهم ، بحيث ان عمر كان من الحساسية تجاه المسلمين في هذا الامر بشكل مفرط حتى انه لايتورع من قود ابنه او احد عشيرته او اي انسان بلغه عنه انه اساء للرعية ، حتى لايقال : ان عمر مال في الحكم الاسلامي لهواه او لعشيرته !.ويذكر ان اهل الكوفة كما يروي المسعودي في تاريخه المجلد الثاني وهو يتحدث عن الثروات التي تكدست ايام عثمان شكوا واليهم في خلافته سعد بن ابي وقاص وذالك في سنة احدى وعشرين من الهجرة فبعث عمربن الخطاب محمد بن مسلمة الانصاري فحرّق عليه باب قصره وسحبه في مساجد الكوفة يعرضه على المسلمين هناك ليتعرّف شكايتهم عليه ، ومن بعد ذالك امر عمر بن الخطاب بعزله من ولاية الكوفة وبعث بعمار بن ياسر على الثغر وعثمان بن حنيف على الخراج وعبدالله بن مسعود على بيت المال وأمره ان يعلم الناس القرءان ويفقههم في الدين !.فاين هذا الفعل في ذاكرة المسلمين التي لم تزل حية بعدُ في زمن عثمان بن عفان من ولاة عثمان ومافعلوه من اباحة لاحكام الاسلام واعتداء على حقوق المسلمين وكراماتهم وتواطئ عثمان معهم وثرائهم الفاحش على حساب العدل والانصاف وفقراء المسلمين ؟.تصوّر ايها القارئ اللبيب كيف ان والي الكوفه الوليد بن عقبة بن ابي معيط وهو ابن خال عثمان في زمن عثمان بن عفان يعاقر الخمر حتى الصباح تحت طنين اصوات المغنين والفجور والفسق ، وليخرج عند الفجر بلباس النوم ليصلي بالمسلمين بالكوفة صلاة الفجر اربع ركعات ثم ليتقيئ على منبر رسول الله ص وهو يلتفت للمصلين من خلفه ويقول لهم : هل ازيدكم بعدُ ؟!. ( انظر تاريخ اليعقوبي /ج2/ ص 59 ) .ويذهب ثلة من المؤمنين من الكوفة الى المدينة للشكاية على الوليد بن عقبة وليشهدوا عليه عند خليفة المسلمين لشربه للخمر وكيف انهم نزعوا خاتم الامارة منه وهو سكران ...فما يكون من عثمان بن عفان الا ان نهرهم ودفع في صدورهم وقال لقادتهم : تنحيا عني لابي زينب عوف الازدي وجندب بن زهير الازدي !.فخرجا فاتيا علي بن ابي طالب للشكاية اليه مما يفعل ولاة عثمان وكيف طردهم عثمان عندما طالبوه باقامة حدّ شارب الخمر على الوليد بن عقبة ، فماكان من علي بن ابي طالب الا ان ذهب لعثمان وطلب منه احضار الوليد وسؤاله واقامة الحجة عليه ومن ثم ان ثبتت التهمة اقيم الحدّ عليه ؟.وعندما احضر الوليد بن عقبة لم يجرأ احد من المسلمين اقامة الحد عليه خوفا من عثمان وقرابة الوليد وحبه له ، الى ان قام امير المؤمنين علي بن ابي طالب بنفسه ( حسب رواية ابن ابي الحديد المعتزلي ) لاقامة الحد على شارب الخمر هذا وعثمان يصرخ باعلى صوته لعلي بن ابي طالب : ليس لك ان تفعل به هذا !!!.اين هذا من فعل عمر وعدله ؟.وكيف للمسلمين ان يقارنوا بين خليفة سابق كعمر بن الخطاب بحزمه وشدته على ولاته واضاءا لرعيته ، وخليفة لاحق كعثمان بن عفان ؟.والغريب ان هذا الوليد بن عقبة كان واليا لاعمال عمربن الخطاب ايضا لكنّ لأن الحاكم كان عادلا كان لايجرأ الوليد ولا غيره على الاعتداء على حقوق الرعية ، بينما العكس حصل في زمن عثمان الذي افسد حتى الصالح !.ومن هنا كانت نكبة المسلمين في تصرفات عثمان بن عفان وتساهله وتواطئه في اقامة الحدود واعراضه عن محاسبة ولاته من عشيرته ومايفعلون كبيرا على المسلمين من جهة ، وكبيرا على عثمان نفسه من جهة اخرى عند مقارنته باسلافه من الخلفاء !.********ثانيا :( سوء نوايا بطانة عثمان السياسية )
ثم ان عثمان بن عفان ابتلي ايضا بسوء نية بطانته السياسية من عشيرته كلها مع ضعف في شخصيته اصلا ، وحتى ان اقرب عشيرته اليه اقتضت مصالحهم السياسية ان يخرج عثمان من هذه الدنيا باي وسيلة سوى ان يموت على فراشه ؟.ولكن لماذا نحن هنا نقول ان مصالح بطانه عثمان السياسية وابناء عشيرته اقتضت ان لايموت عثمان على فراشه ، بل كانت مصالحهم تقتضي ان يدفع عثمان دفعا للتصادم مع الامة ليحصل له ماحصل من ثورة ، ومن ثم قتل له في هذه الثورة ؟.انظر معي عزيزي القارئ وتفكر بدقة بسؤال : لو لم يقتل عثمان بن عفان ليخرج على اثره معاوية بن ابي سفيان ليطالب بالخلافة ثأرا لمقتل عثمان فهل ستسير امور الخلافة بما سارت عليه بعد مقتله ؟.بمعنى اخر: هل كان ليتوقع احد وصول معاوية بن ابي سفيان لخلافة المسلمين اذا قدّر لعثمان بن عفان ان يموت على فراشه بلا مشاكل ثورية تذكر ؟.بالطبع معاوية بن ابي سفيان لايملك اي رصيد اسلامي يؤهله للتطلّع الى الخلافة باعتبار انه ليس من السابقين في الاسلام ، وهذه كانت اهم ميزة لمن يترشح لخلافة المسلمين في عرف صحابة رسول الله محمد ص كما انها هي التي قدمت ابا بكر للخلافة وكما انها نفس مافعل به ابو بكر وعمر ، وليس معاوية بن ابي سفيان هو ايضا من اهل الفضل والعلم والجهاد في الاسلام ليتمكن من التقدم للخلافة ، بل هو ممن دخل الاسلام عام الفتح واطلق عليهم ابناء الطلقاء عند المسلمين لعفو رسول الله ص عنهم واطلاق سراحهم بعدما رجع الامر له ص في محاكماتهم بعد الفتح !.اذن من هي الشخصية المرشحة اسلاميا وجماهيريا ان تخلف عثمان بن عفان لوقدّر له الموت الطبيعي على فراشه وبلا مشاكل تذكر ؟.المقدّر ان يخلف عثمان بعد وفاته شخص واحد لاغير : هو علي بن ابي طالب بلا منازع سوى الزبير بن العوام كاحد اصحاب الشورى الذي اختارهم عمر بن الخطاب ، او طلحة بن عبيد الله !.فلو قيل ان لا الزبير يتقدم اذا تقدم علي بن ابي طالب للخلافة بعد عثمان ولا طلحة له من الجماهيرية الاسلامية مايتمتع به علي بن ابي طالب ، اذن هل بقي من منافس لعلي بن ابي طالب للخلافة بعد عثمان بن عفان ان مات على فراشه وبلا افتعال قلاقل تذكر ؟!.واذا كان التفكير المنطقي والسياسي والديني والاجتماعي لعصر مابعد عثمان بن عفان يقول بهذه النتيجة الطبيعية التي ستؤول اليها الخلافة من بعد موت عثمان بن عفان ، فهل يعقل ان يكون موت عثمان بصورة طبيعية هو لصالح العائلة الاموية عندما تنتقل الخلافة لغيرهم ؟.ان عثمان رجل له من العمر اثنين وثمانين سنة ، اي انه من المعمرين بالنسبة لباقي اعمار من سبقوه في الخلافة ، ومنتظر منه ان يموت باي لحظة ، مما يعني ان الخطر الحقيقي على مصالح العائلة الاموية لايكمن في شيئ قدر كمونه في موت عثمان بشكل طبيعي !.ومن هنا قلنا ان بطانة وعشيرة عثمان بن عفان هي الخاسر الوحيد من موت عثمان ان قدّر على فراشه ، من منطلق ان العائلة الاموية من العوائل الغير مرشحة بالمطلق لخلافة عثمان في الحكم القرشي للمسلمين في بادئ الامر ، او انه ليس هناك شخصية اموية اخرى مثل عثمان وله سابقته في الاسلام ومن اهل الشورى ليقدمه المسلمون كخليفة بعد عثمان بن عفان ان مات على فراشه ، بل ان الانظار كانت تتجه الى البيت الهاشمي وبالخصوص الى علي بن ابي طالب بعد موت عثمان بن عفان المتوقع بين الفينة والاخرى !.وهنا لابد ان العائلة الاموية العثمانية الحاكمة في زمن عثمان كمعاوية بن ابي سفيان وسعيد بن العاص وعبدالله بن عامر والوليد بن عقبة بن ابي معيط ومروان بن الحكم ...... قد طرحوا هذا السؤال على انفسهم كرجال دولة يفكروا لمستقبل نفوذهم السياسي في الحكم : وماذا بعد ان يموت عثمان ويأتي المتوقع والظاهر من الاحداث انه المرشخ لخلافته علي بن ابي طالب ؟.هل سيبقي امثال علي بن ابي طالب عمّال ال امية في مناصبهم ان وصل لخلافة المسلمين بشكل طبيعي ؟.وهل علي بن ابي طالب من المسلمين الذين يقبلون بمروان بن الحكم والوليد بن عقبة بن ابي معيط وسعيد ابن العاص وعبدالله بن ابي سرح .... واضرابهم ممن لعنهم رسول الله وطردهم ودعى عليهم بالنار كالطريد الحكم بن العاص او يكونوا ولاته على الامصار ؟.قطعا لا ، فليس مثل علي بن ابي طالب من يولّي شارب خمر او طالب دنيا او ساعي الى شهرة او هو ممن يحمل ضغينة على المسلمين ...... لولاية الدين ، بل المتوقع والطبيعي ان يكون حكم علي بن ابي طالب حمل على المحجة البضاء كما قال عمر لعلي ورجوع الى حكم محمد رسول الله ص ، وهذا يعتبر في عرف العائلة الاموية دمار شامل لوجودهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي استحصلوه في خلافة عثمان بن عفان ، والذي هم غير مستعدين بالمطلق التنازل عنه !.عندئذ ماهي الطريقة الوحيدة لخلط الاوراق واستباق حدث موت عثمان الطبيعي كي لاتقع الكارثة على ال امية بالجملة ؟.لايوجد طريق غير التخلص من عثمان باي شكل ليثير فتنة من بعده تمنع وصول الخلافة للخليفة الطبيعي المنتظر !.وهذا ماحصل بالفعل في قتل عثمان بن عفان ابّان الثورة عليه في سنة خمس وثلاثين للهجرة !.نعم المتضرر الوحيد من قتل عثمان بن عفان هو البيت الهاشمي الذي كان يستعد لاستلام الخلافة بعد موت عثمان الطبيعي ، بينما المستفيد الوحيد من قتل عثمان بن عفان هو العائلة الاموية التي استطاعت رفع شعار الثار لدم المظلوم عثمان للاستيلاء والاحتفاظ بالسلطة الى مالانهاية وتحويل الخلافة الى ملك عضوض !.والان وبعد ان ادركنا المستفيد والخاسر من قتل الخليفة عثمان بن عفان ، نتساءل كيف استطاع ال امية من التخلص من عثمان بن عفان وايصاله الى هذه النهاية المؤسفة ؟.بمعنى اخر انه نحن ندرك ان ال امية لم تقدم على قتل عثمان مباشرة بايديها لتتخلص من كابوس موته على فراشه ، فكيف اذا اوصل بني امية عثمان لهذا المصير بايدي اعدائهم الثوريين ؟.هنا يبرز دهاء امثال معاوية بن ابي سفيان ومكرهم وعمق تخطيطهم السياسي للوصول الى اهدافهم ولكن بايدي اعدائهم انفسهم ، لاسيما ان كان هذا العدو ساذجا او مندفعا بالعاطفة اكثر من العقل او خاضعا لتوهان الظلم وتخطيطه ، او غير متأملا بلماذية انتهاج السياسيين الظلمة هذا المنهج من الحكم !.نعم عندما يزداد ولاة ال امية في خلافة عثمان بن عفان ظلما ودكتاتورية وفسادا واهانة للمسلمين في امصارهم يوما بعد يوم ، فلم يكن ذالك مجرد غريزة فطرية اجرامية مغروزة في دماغ هذه العائلة التي مارست الجاهلية في الحكم بابشع صورها ولكن بغطاء اسلامي ، وانما هي انتهجت هذا الاسلوب من القمع الغير المبرر للمسلمين حسب منهجية مدروسة كان الغرض منها : ايصال المسلمين الى مرحلة من الغليان الثوري ومن ثم الانفجار الفوضوي الذي يتيح الفرصة لتصفية عثمان بن عفان الخليفة جسديا لتقلب الطاولة فيما بعد على راس خلافة وحكم المسلمين انفسهم ؟.بمعنى اخر : انني اعتقد وحسب رؤيتي لتحليل الحدث التاريخي الاموي ان ولاة بني امية في دولة عثمان بن عفان كانوا على ادراك ووعي لما يقومون به من انتهاكات اخلاقية وسياسية دينية ضد المجتمع الاسلامي ، وانهم لم تكن الغريزة الفطرية فحسب هي التي تحركهم لممارسة الرذيلة في الحكم ، بل كان هناك التدبير من وراء ذالك والتخطيط له ، لاستفزاز جميع المشاعر الاسلامية والاخرى الدينية والثالثة السياسية ضد حكم عثمان بن عفان ليدفع المجتمع الاسلامي في الاخر للانتفاض على حكمه واشاعة الفوضى التي تسهل اغتيال الخليفة عثمان بن عفان ،لاسيما ان عثمان نفسه اعان عائلته الاموية على هذا التفكير ببساطته وسذاجة تفكيره وحبه وميله لعائلته عاطفيا بشكل يهيئ لهذه العائلة فعل ماتريد وماتخطط له ليكون من بعد ذالك العصيان في الشام والمطالبة بدم المظلوم عثمان بن عفان والاستيلاء على الخلافة بالقوة وتحويلها الى ملك عضوض جاهلي لايمت للاسلام بصلة او شرعية فكرية ؟!.والدليل على ان هذا التفكير الاموي هو السائد كمخطط لتأليب الراي العام الاسلامي على حكم عثمان ومن ثم الثورة عليه وقتله ، هو ان هذه العائلة الحاكمة مارست الظلم في جميع امصار المسلمين وتواجدهم في مصر وفي الكوفة وفي البصرة وفي المدينة وفي اليمن ..... ماعدى ولاية الشام التي كانت تحت حكم معاوية بن ابي سفيان التي كان فيها مسلمين بلا اسلام ، اي انها من المدن التي لايدرك اهلها ابّان حكم معاوية لها من الاسلام الا انه معاوية بن ابي سفيان ، حتى ان هذا الجمهور الشامي لايعرف من هم الصحابة السابقون ولاماهو الاسلام كفكر وعلم ورسالة .... مما جعل الامويون يتخذون من الشام قاعدة رجوع وانطلاق لحكمهم الاموي ، ومن هنا كانت الشام من بين جميع الاقطار والجمهور الاسلامي تتمتع باحترام وعدل لانظير له في حكم الامويين العثمانيين من منطلق تهيئت الشام لتكون هي الوحيدة قاعدة الانطلاق بعد عثمان للاستيلاء على الحكم والخلافة وتحويله الى ملك يعرفه اهل الشام ولايعرفون من حكم الاسلام الشوري اي شيئ يذكر !.فهل استوعب القارئ الكريم ماذا تعنيه ظاهرة انتشار الظلم الاموي العثماني في جميع اقطار الاسلام ماعدى الشام ؟.وهل فهم اللبيب المتابع ماالحكمة والغاية من اشاعة الظلم في جميع اقطار الاسلام التي تفهم الاسلام جيدا ، بينما تتمتع الشام بالعدل والانصاف في حكم ال عثمان الامويين ؟.نعم ادرك اللبيب ان اشاعة الظلم في امصار المسلمين لدفعهم للثورة على عثمان قبل وفاته على فراشه ، واشاعة العدل في الشام لتكون قاعدة انطلاق لال امية من سلاطين للطلب فيما بعد بدم المظلوم عثمان الخليفة ومن بعده الاستيلاء على السلطة والحكم والخلافة وقلبها الى ملك عضوض !.والآن لنذكر بعض الامثلة التاريخية التي تشير الى غشّ ولاة عثمان بن عفان الامويين لخليفتهم وكيف انهم استطاعوا تأليب الراي العام الاسلامي عليه وعلى خلافته الى ان اطيح به وقتل ليخلوا الطريق لورثة عثمان بن عفان معاوية بن ابي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ..... وغيرهم ان يرثوا ثمار دمه الذي سفك في المدينة على ايديهم ومن تحت منابع خططهم الجهنمية !. يذكر ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج المجلد الاول ص 105 : ان آخر لقاء لمعاوية مع عثمان بن عفان كان في اخر سني خلافته حيث تكاثرت الشكاية من جميع اقطار المسلمين على ولاة عثمان ، فارسل عثمان لولاته ليتداول الامر معهم ، فجاء معاوية بن ابي سفيان من الشام ، وسعيد بن العاص من الكوفة ، وعبدالله بن سعد بن ابي سرح من مصر ، وعبد الله بن عامر بن كريز من البصرة مضافا اليهم مروان بن الحكم في المدينة وعمرو بن العاص الاموي ايضا ليستطلع رأيهم ، والكل بالفعل ادلى برأيه ، فمنهم من قال باستخدام الارهاب والسيف لكل من يظهر الشكاية وهذا كان راي سعيد بن العاص والي الكوفة ، ومنهم من قال تسريح كل من يظهر الشكاية من العرب للجهاد وشغلهم بالقتال ليشتغل كل واحد منهم بوسخه وقمله على رأسه خارج البلدان ، وهذا كان راي عبد الله بن ابي سرح والي مصر ، ومنهم من قال بالمال ، وهذا راي عبد الله بن عامر ، ومنهم من قال بعزل بعض الولاة وهذا رأي عمرو بن العاص ، واخرهم قال معاوية بن ابي سفيان كلمة واحدة : الادب خير !. ثم قفل راجعا الى الشام .ماذا تعني هذه الكلمة من فم معاوية بن ابي سفيان لخليفة المسلمين الذي يشعر بان ثورة الامة على الابواب ؟.هل يعني ان معاوية غافل عن ما يجري في قلوب الامة كلها من غليان على خلافة عثمان وولاته ولذالك اشار بالادب فقط ؟.ام انه عاجز عن اعطاء الراي السياسي السديد الذي ينقذ عثمان من الورطة ؟.بالطبع لا ؟.ان معاوية عندما القى هذه الكلمة وخرج من مجلس عثمان راجعا للشام مرّ على سادة قريش وكبار الصحابة بما فيهم علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعمار وابو ذر والمقداد .... وغيرهم ليقول لهم وبصراحة تنبئ عن ذكاء الرجل وانه مدرك لما سيحصل لعثمان فيما بعد قال : استودعكم شيخنا هذا العجوز ان لم يمت على فراشه فبيني وبينكم السيف ؟.اعلم ياعمار ويابا ذر وياطلحة .... ان لي في الشام مئات الالوف من الرجال ومثلهم ابنائهم ومثلهم عبيدهم ، لاتعرف علي وفضله ولاطلحة وتضحياته ولاالزبير ...ولا ولا الاسلام ومايعني .... الخ فان حدث حادث فلا خلافة لكم !.ان هذا الكلام من معاوية ينبئ عن ان الرجل كان يخطط منذ زمن بعيد للاستيلاء على الخلافة بالقوة ، حتى ان طغام واعراب اهل الشام الذي هيئهم لهذه المهمة لايدركون من الاسلام ورجاله الا معاوية بن ابي سفيان فحسب ، وحتى رسول الله ص محمد لم يكن يدرك هؤلاء الاعجام والاعراب الشاميين اي شيئ عنه ، وحتى عندما سير ابا ذرّ للشام من قبل عثمان وجلس ابو ذر لتفقيه الناس هناك بالدين ارسل معاوية لعثمان رسالة يقول فيها : أدرك الشام قبل ان يفسدها عليك ابو ذر !.فالرجل يريد قطع صلة الشام واهلها نهائيا عن الاسلام واهله ليعدّهم للحرب القادمة ، والتي وحسب رؤيته السياسية انها واقعة لامحالة ، ومعاوية يدرك عجز عثمان عن ادارة الدولة والناس ، بل انه كان يعين على اشعال فتيل التمرد عليه ، بحيث ان الحادثة التي ذكرناها فيما مضى من مسيرة اهل الكوفة اليه ، وارجاعهم والكتاب الذي كتبه لعثمان عنهم ، ينبئ هذا الكتاب عن غش لعثمان من قبل معاوية واضح عندما كتب له :((انه قدم عليّ قوم ليست لهم عقول ولاأديان أضجرهم العدل لايريدون الله بشيئ ولايتكلمون بحجة انما همهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الا كثر ممن له شعب ونكير )) والحقيقة ان قوله :( وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الاكثر ..) هذا الكلام فيه غش لعثمان بن عفان الخليفة من منطلق ان هؤلاء القوم هم الذين اصبحوا فيما بعد قادة للثورة على عثمان في الكوفة ، بل وحتى قوله : وليسوا الاكثر ممن له شعب ؟. ايضا فيه غش اخر لعثمان باعتبار ان معاوية مدرك ان هؤلاء القوم هم قادة اهل الكوفة وقبائلها !.فكيف ولماذا حاول معاوية تخدير مشاعر عثمان وعدم نيته لفت انظار عثمان لخطر هؤلاء الناس في كتابه ؟.الحقيقة لاجواب لهذا الا كون معاوية واضرابه من بني امية مروان بن الحكم وغيرهم قد كانوا يخططون للاطاحة بهذا الشيخ العجوز من خلال اثارة المسلمين عليه لتكون لهم الذريعة في العصيان والتمرد على الخليفة القادم من بعده ، ولهذا وجدنا ال امية كلهم على قلب رجل واحد لدفع عثمان بن عفان للمزيد والمزيد من الضغط على المسلمين واثارة حفائظهم واحتقار مطالبهم العادلة كلما سنحت الفرصة !.************
ثالثا :( سوء ادارة عثمان السياسية والاقتصادية والاجتماعية )
مضافا الى البلايا الخطيرة التي ابتلي فيها هذا الخليفة المسكين من وقوعه وراء خليفتين كابو بكر وعمر ، مضافا الى بلائه بسوء بطانته وعشيرته من ال امية التي كانت تضمر له الشرّ بلا وعي منه لذالك ، كذالك هناك البعد الثالث في بليته وهي بلية سوء الادارة التي هي اصلا ورثها وهي سيئة من الخلفاء السابقين له ، فقد ورث عثمان بن عفان ثقلا عظيما من اعباء الخلافة الاسلامية بعد عمر بن الخطاب مع مافي هذه الخلافة من منحنيات بحاجة الى عبقرية سياسية مع الاسف لم توجد ابدا في عثمان بن عفان ومنها على سبيل المثال وبشكل عناوين فحسب بحاجة الى بحوث مطولة نذكرها كأمثلة هنا لاعطاء الفكرة ابعادها فقط اولا : فهناك العطايا الاقتصادية الاسلامية التي شرعها الاسلام ووضع لها ضوابط وقوانين حساسة جدا لم يلتفت عثمان لمبادئها الاسلامية ، بحيث انه زاد في اعطيات قوم الاقتصادية وحرم اخرين بشكل غير مدروس ولايخضع لاي ضوابط اسلامية او سياسية مما اثار عليه جلّ الصحابة وزاد في نقمتهم على سياسته المالية والادارية للمجتمع ، ومنها على سبيل المثال تعديل عطايا ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر ومساواتها بقريناتها من ازواج الرسول ص مما اثار حفيظتها بحيث انها كانت تتميز بالعطاء الاوفر في زمن عمر بن الخطاب على قريناتها ، وهذا السبب هو ماجعل ام المؤمنين تنظم الى المحرضين على التخلص من عثمان يوم الثورة !.وكذا ما انتهجه الخليفة عثمان بن عفان بشكل غير مسبوق في توزيع الثروة الاسلامية بحيث انه وفي جلسة اريحية يهب مروان بن الحكم خراج ولاية افريقيا كلها ويبقى فقراء المسلمين بلا عشاء لاطفالهم !.ثانيا : هناك التغييرات الاجتماعية والسكانية والديمغرافية التي دخلت في الاسلام بلا شعور من الخليفة الجديد بعد عمر بن الخطاب عثمان بن عفان ولاعلم منه في الكيفية العلمية التي من خلالها يتعامل من هذا المتغير الاجتماعي الداخل في الاسلام جديدا !.ان عثمان بن عفان ورث نظاما اجتماعيا مغلقا في زمن عمر بن الخطاب ، بحيث ان الصحابة في زمن عمر بن الخطاب كانوا يخضعون الى نظام شبيه بالاقامة الجبرية في المدينة ، وغير مسموح لاحد منهم مغادرة المدينة المنورة او عاصمة الدولة الاسلامية بغير اذن الخليفة عمر انذاك ، وكذا لايسمح لاحد بالدخول والسكنى في العاصمة الاسلامية المدينة المنورة من الخارج سواء كان عربيا او خصوصا ان كان اعجميا ، فغير مسموح مطلقا دخول اي عنصر غريب من خارج المدينة واهلها للسكن داخل المدينة ، وحتى ابو لؤلؤة قاتل عمر كان غلاما للمغيرة ابن شعبة لم يسمح له عمر بالدخول والعيش في المدينة الا بعد كفالة المغيرة له والحاح منه !.هذه السياسة الاجتماعية انفجرت وانهارت بعد مقتل عمر وانتقال الخلافة لعثمان بن عفان ، الا ان عثمان لم يدرك هذا التغيير الديمغرافي والاجتماعي الذي حصل ، وما يتطلبه من سياسات اجتماعية جديدة ينبغي ان يتعامل بها عثمان في خلافته ، ولهذا فان الدارسين لحقبة الخليفة الثالث عثمان سيجدون ان هناك تخبط اجتماعي واضح في سياسة عثمان الاجتماعية سببت له المشاكل التي يراها ولكنه لايفهم من اين هي متأتية والكيفية التي ينبغي معالجاتها من خلالها ، فكان هناك تمايز طبقي فاحش يستفحل في المجتمع بين عرب مسلمين واخرين مسلمين غير عرب دخلوا الاسلام بعد الفتوحات ، وكذا برزت هناك الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطرة جدا لم يلتفت اليها عثمان مطلقا ليس هنا موضع بحثها !.ثالثا : وهناك ايضا سوء بالادارة السياسية لعثمان من خلال عزل الولاة وتعيين غيرهم على حسب الميول العاطفية لعثمان بن عفان ، وهذا ايضا سبب الكثير من الاضطرابات السياسية للخلافة كما ألب الكثير من الصحابة الكبار عليه مثل غضب عمرو بن العاص على عثمان لعزله من ولاية مصر وتوليه عبدالله بن ابي سرح ، فهذا كان مثل صارخ على الكيفية التي من خلالها كان عمرو بن العاص من المتحاملين على الادارة السياسية لعثمان حتى انه وقف في يوم الثورة ليمدح عثمان فذمه بشكل زاد من نار الثورة عليه !.وكذا الموضوعة عندما لايولى طلحة بن عبيد الله واضرابه من الصحابة الذين يشعرون انهم ضحوا كثيرا من اجل الدين والاسلام بينما يولّى شارب خمر كالوليد بن عقبة مثلا او سعيد بن العاص لا لشيئ الا كونهم من عشيرة الخليفة واقربائه !. ****************
رابعا : ( من هم الثوار ضد عثمان )
لايستطيع رذيل في قومه ان يقود ثورة جماهيرية ضد حكومة قائمة ، ومهما قيل لتشويه صورة من يريد ان يغير دولة وسياسة ، فيبقى هذا الانسان اكبر بكثير ممن يريد ان ينتقص من همته !.نعم الثوار الذين ذكرهم لنا التاريخ والذين شاركوا بالاطاحة بحكومة عثمان بن عفان وبوجوده ايضا ، ومع ربما اختلافنا معهم في توجهاتهم الفكرية والدينية الا انهم من سادة الاقوام في مجتمعاتهم القبلية والدينية ، وهذه الحقيقة يظهرها التاريخ من خلال ذكر اسمائهم ومايمثلوه في مجتمعاتهم ومالعبوه على الساحة السياسية التاريخية الاسلامية فيما بعد !.وعلى اي حال ، وكما ذكرنا سابقا ان الثوار انطلقوا من ثلاث امصار اسلامية كبيرة الثقل للخلافة الاسلامية انذا وهي كالاتي :اولا : مصر وقادة الثورة فيها. 1 : عبد الرحمن بن عديس البلوي .2:كنانة بن بشير الليثي .3: سوران بن حمران السكوني .4: وقثيرة بن وهب السكسكي .5 : قائدهم ( ابو حرب الغافقي ).وكان هؤلاء القوّاد في الفين من انصارهم عندما خرجوا للمدينة .ثانيا : الكوفة وقادة الثوار فيها .1: زيد بن صوحان العبدي .2: مالك الاشتر النخعي .3: زياد بن النظر الحارثي .4: عبدالله بن الاصم الغامدي .وكان هؤلاء القوّاد قد خرجوا للمدينة بالفي رجل ايضا .ثالثا : البصرة وقادة الثوار فيها .1: حكيم بن جبلة العبدي .2:حرقوص بن زهير الاسدي / قائد ثوّار البصرة .****ان هذه الفصائل الثورية الجماهيرية الثلاثة وحسب مايذكره ارباب السير يبدو ان لها تنظيم سياسي عالي الكفاءة والتنسيق ، بحيث ان توقيت الخروج لهم من امصارهم في سنة خمس وثلاثين للهجرة في وقت واحد وحجة واحدة وهي الحج لبيت الله الحرام لم يكن حدثا عبثيا ولاتنسيق فيه ، وانما هو يؤشر الى ان هناك تنسيق ما بين هذه الجموع الثورية الاسلامية وامر للخروج لها صدر من قيادة عليا واحدة ايضا !.نعم المتتبع لميول الثوار الفكرية وصلاتهم السياسية لقادة الصحابة المتواجدين في المدينة المنّور عاصمة الخلافة الاسلامية انذاك سيكتشف ان هناك ثلاث صلات واضحة لاهل الثورة موزعة كالاتي اولا : أهل البصرة ولهم صلات واضحة بالصحابي طلحة بن عبيد الله في ذالك الزمان ، والذي كان له زيارات متكررة لها وتجارة رائجة في هذا المصر ، كما ان البصرة وللتدليل على التاثير السياسي لهذه الشخصية الصحابية المتنفذة عليها هي اصبحت فيما بعد القاعدة التي اعتصم بها الزبير وطلحة وام المؤمنين عائش عند نكثهم لبيعة علي بن ابي طالب ابّان خلافته فيما بعدُ، مما يؤكد الى مانذهب اليه من ان ثوّار البصرة كان لهم تنسيق واضح بالقيادة الطلحاوية هذه وكذا ثوار الكوفة ايضا فلطلحة كذالك دارا كبيرة في الكوفة المعروفة بدار الطلحيين مما يدعم مقولة صلاته بالثوار من اهل البصرة واهل الكوفة في المدينة في يوم الثورة على عثمان من سنة خمس وثلاثين للهجرة ، كما ان هناك من يروي تأريخيا : ان طلحة كان يوجه الثوّار داخل المدينة نفسها وكان عثمان يدرك ذالك !.ثانيا : اهل الكوفة .ويذكر اهل التاريخ ان هوى ثوارها كان مع الزبير بن العوام ، كما انه كان للزبير بعض الصلات الاجتماعية والتجارية ايضا في البصرة كذالك ربما تكون هي المساهم في اقامة العلاقة هذه بين الزبير والكوفة والبصرة معا ، مع ان الميول الاجتماعية لاهل الكوفة كانت تقول غير ذالك وقد تغيرت بالكامل بعد مقتل عثمان وانتخاب علي بن ابي طالب للخلافة ، بحيث ان اهل الكوفة كان اول من اطاع الخليفة الجديد علي بن ابي طالب في حرب الجمل التي ابادة عصاة البصرة بما فيهم الزبير بن العوام غدرا !.ثالثا : أهل مصر .ويذكر ان هواهم كان مع علي بن ابي طالب ، ولم يذكر اهل التاريخ ماهية الصلات التي كانت لعلي بن ابي طالب مع اهل مصر ، وكيف نشأت ، لكن من المحتمل انه ومن خلال ربيب علي بن ابي طالب محمد بن ابي بكر انشأ محمد هذه الصلة ونظم لجريانها لعلي بن ابي طالب لتصب في حب اهل مصر لابن عم رسول الله ص !.********
خامسا :( مطالب الثوار وانتماءاتهم السياسية )
مما تقدم من هويات واسماء ومناطق الثوار يتبين لنا ان ليس هناك توجه موحد مئة بالمئة اوقيادة موحدة ومشخصة لهذه الاصناف المختلفة من الثوريين على عثمان في حكمه ، بل هناك عوامل سياسية هي التي وحدّت الجمهور الاسلامي على المطالبة بعزل ولاة عثمان من الامصار ثم تطوّرت هذه المطالب لعزل عثمان بن عفان نفسه من الخلافة بسبب الجور والظلم اللاحق بهذه الامة !.اي وبمعنى اكثر وضوحا ان الظلم وحدّ الجمهور الاسلامي على المطالبة بالتغيير في السياسة المنتهجه للخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان ، ولاريب ان مطالبات الثوار الاسلاميين هذه كانت تعبّر عن مطالب قادة الصحابة في المدينة المنوّرة بالقرب من عثمان ، الا انها لم تستطع الظهور بشكل علني للملأ لتعبر عن ارادتها سياسيا ، فهنا الكثير مما يشير الى ان مارفعه ثوار مصر من مطالب هي نفس ماكانت تنقمه صحابة رسول الله ص على سياسة عثمان في خلافته ، ولهذا قلنا ان التعبير الظاهري جاء على لسان ثوار الامصار الاسلامية صراحة وبشكل ثوري بينما ان نفس هذه المطالب بالمضمون كانت تعبر عن توجهات سياسية لجلّ الصحابة الناقمين على عثمان بن عفان في حكمه !.ومن هنا نفهم ان هناك اكثر من جهة كانت تغذي من ثورة النقمة على عثمان واكثر من عامل ساهم في تفجير الثورة في هذا الوقت بالذات ، فهناك عوامل الظلم المستشري على يد ولاة بني امية في الامصار والذي يحاول الدفع بشكل مخطط له لثورة الامة على عثمان والاطاحة به قتلا باعتبار ان فكرة التنازل كما سنتناوله غير واردة على ذهن عثمان بن عفان مطلقا حتى وهو تحت السيف !.وهناك توجيهات معظم الصحابة لاثارة الناس على عثمان والتخلص من حكمه والانتقال الى مرحلة جديدة !.لكن هناك توجها واحدا في المدينة كان يفهم كل خيوط اللعبة ومداخلها ومخارجها الاموية منها وغير الاموية ، وهو التوجه الهاشمي بقيادة علي بن ابي طالب الذي بالغ كثيرة بالنصح لعثمان وساهم بشكل اساسي بعدم انفجار الثورة وقتل عثمان فيما بعد ، حتى انه خاطر بولديه الحسن والحسين للدفاع عن حياة عثمان التي يُراد لها ان تزهق من اكثر من طرف ، ودفع بابنيه لحراسة بيت عثمان شخصيا لحراسته من الغيلة ، وكذا دفع علي بن ابي طالب وشجبه للثورة في هذا الوقت بالذات ، من منطلق ادراكه ان الثورة على عثمان ماهي الا حفرة لايقاع الامة المسلمة فيها او دفعها اليها لتخلط الاوراق على المستقبل القادم لخلافته هو ، ولهذا كان حريصا ان تتفجر الاوضاع الاسلامية الى حد الفوضى التي يقتل فيها عثمان بن عفان وان كان هو من الناقمين على افعاله التي تسببت بكل ماحصل للامة !.سئل مرّة علي بن ابي طالب في تقييمه لما حصل يوم مقتل عثمان ومارايه بكل الحدث من عثمان الى الثوار فقال عليه السلام : أستأثر فأساء الاثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ( انظر نهج البلاغة / شرح محمد عبده ) !.اي بمعنى ان عثمان وصل بالاثرة والتجاوز الى الحد الذي لايطاق من خلال عمّاله ، ولكنّ ومع ان لكم الحق ايها الثوار بان تجزعوا من هذه المصيبة ولكنكم اسأتم الجزع عندما فقدتم الصبر لتفقدوا معه توازنكم الفكري ولم تلتفتوا الى مايحيكه ال امية من مخطط لبعد مقتل عثمان على ايديكم فوقع ماقدره الله سبحانه وتعالى !.نعم كان مطالب الثوار محددة في ان يعزل عثمان بن عفان عماله عن امصار المسلمين مصر والبصرة والكوفة بسبب فقدان هؤلاء الولاة لابسط قواعد العدالة واحترام المجتمع والوازع الاخلاقي الديني !.وهذا المطلب لم يكن بدعا في الدين ولاهو كفرّا بالاسلام ، وانما هو مطلب اسلامي من حق المجتمع الاسلامي ان يمارسه على خليفته ، كما ان من حق الخليفة على المسلمين بعد اشاعة العدل والمساواة بينهم ان يسمعوا ويطيعوا ، وهذه كانت سياسة ابو بكر وعمر من قبل عثمان فكثيرا ماعزل عمر بن الخطاب ولاّة بسبب عدم موافقة الرعية بسياستهم ، ولهذا دام عمر ودامت سياسته على احسن حال ، بينما انتهج خليفة المسلمين الثالث عكس هذا السياسة فاصبح عثمان بن عفان رهين ولاته التي تطلب الامة عزلهم فلايستطيع مع ذالك سبيلا !.********
سادسا :( رؤية عثمان للثورة ورؤية الثوار للشرع )
كان عثمان بن عفان ممن يؤكدون على ان منصب الخلافة منصب الاهي يضعه الله في ظله على الارض وهو الخليفة ، وربما اذا قرأنا جميع التواريخ الاسلامية التي تذكر رؤية عثمان بن عفان لمنصب خلافة المسلمين فاننا سنجد ان للرجل رؤية مفادها : ان الخليفة ماهو الا خليفة الله في الارض له حق الادارة الالهية في هذه الخلافة يفعل بها كيفما شاء بلا حق راجع للامة في تقييده !.وهذه الرؤية هي رؤية الامويين الاسلامية او التي روّج لها الامويون ابّان سلطانهم الملكي على المسلمين ، ومن ثم ليقنعوا خليفتهم العائلي عثمان بهذه الرؤية للخلافة حتى انه وفي اخر ساعة من حياته يقول له احد الثوار :(( انزع نفسك منها )) فيقول له الخليفة عثمان :(( ماكنت لانزع قميصا البسنيه الله سبحانه وتعالى ))؟!.ماذا تعني هذه الرؤية لعثمان بن عفان ؟.تعني ان لعثمان بن عفان رؤية خاصة لموضوعة منصب الخلافة اقنعها به وبلا شك معاوية بن ابي سفيان الذي كان دائم المقول لاطلاق صفة خليفة الله على السلطان ، وكذا مال الله على اموال المسلمين !.ان ابا ذر كان احد الذي جلس في فترة نفيه للشام في مساجد اهل الشام ليفقه الشاميين على القول :(( مال المسلمين وليس مال الله سبحانه ؟.)) ايعلم القارئ الكريم لماذا ؟.لان اهل الشام وسياسة بني امية في رعيتهم كانوا ينشرون ثقافة ان هذا المال هو مال الله سبحانه وضعه الله بيد خليفته من سلطان المسلمين ينفقه كيفما رأى !.بينما ماكان يفهمه الصحابة كلهم من رسول الله ص ومن الاسلام هو التاكيد على : ان المال لله سبحانه ولكن وضعه لحقوق المسلمين يصرف عليهم بالعدل والسوية !.وهنا يبدو الفرق واضح بين مال فيه حق للمسلمين لاينبغي سرقته ووضعه في غير مواضعه المعروفة اسلاميا ؟.وبين مال لله ولكن ليس فيه حق لاحد غير خليفة المسلمين يضعه حيثما شاء !.هذا هو الفرق ايضا في رؤية عثمان للخلافة ورؤية عمر وعلي وابو بكر وباقي الصحابة للخلافة ، فبينما يمتنع ابو بكر من تسميته خليفة لله سبحانه ويفضل اسم خليفة رسول الله ص ، ويمتنع عمر بن الخطاب من تسميته حتى خليفة خليفة رسول الله ويكتفي بامرة المؤمنين ... ياتي عثمان ليرى انه خليفة الله مباشرة مما اثر على تفكيره السياسي ونظرته لمطالب الامة العادلة !؟.في يوم احاطة الثوار ببيت عثمان بن عفان يروي ( الطبري والمسعودي وابن ابي الحديد ....الخ ) من المؤرخين الكبار ان عثمان بن عفان تدلّى براسه على الثوار من سطح داره ليسألهم بقوله :(( بم تستحلون قتلي وقد سمعت رسول الله ص يقول : لايحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث ، كفر بعد ايمان ، اوزنى بعد احصان ، اوقتل نفس بغير نفس ؟!.)).ان عثمان هنا لايبدوا انه شاعرا بالمطلق ماعليه وماله عندما يكون خليفة للمسلمين ، من ما له او عليه عندما يكون من عامة المسلمين !.ولهذا جاء عثمان بهذه الرؤية التي تدلل على ان الرجل لايمتلك فقه الحاكم والدولة في الاسلام وماعليه مما له !.بينما اهل الثورة من الجمهور الاسلامي كانت حجتهم الاسلامية غير ذالك بالتمام عندما اجابوا عثمان بالقول :(( أما قولك لايحل دم الا باحدى ثلاث ، فانا نجد في كتاب الله أباحة دم غير الثلاثة ، دمّ من سعى في الارض بالفساد ، ودم من بغا ثم قاتل على بغيه ، ودم من حال دون شيئ من الحق ومنعه وقاتل دونه ، وقد بغيت ومنعت الحق وحلت دونه وكابرت عليه ولم تقد من نفسك من ظلمك ولامن عمالك وقد تمسكت بالامارة علينا والذين يقومون دونك ويمنعونك انما يمنعونك ويقاتلوننا لتسميتك بالامارة فلوا خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك !)).فهؤلاء الثوار يفهمون جيدا ان الاسلام وضع لهم حقوقا يجب ان تحترم ، وان لهم الحق في انتخاب حاكمهم ، كما ان عليهم السمع والطاعة في مقابل عدل الحاكم ورضاهم عنه ؟.فاين هذا الفهم الاسلامي لشؤون الحكم من فهم الخليفة عثمان الذي لايرى له اي جريرة في هذه الملحمة الاموية العظيمة التي دخل فيها من غير ان يدرك عدوه من صديقه فيها ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم .