الجمعة، ديسمبر 24، 2010

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) - 4 - حميد الشاكر

حاجة المعجزة : - اقرأ


***************



اذا اراد اي مفكراو باحث ان يدرك لماذا وكيف وعلى اي اساس وباي مبررتحول الاعجازالسماوي من افاقه الكونية والطبيعية الى افاقه اللغوية والكلامية في القرآن الكريم فعليه ان يضع بحسابه الالتفات الى ثلاث محاور رئيسية في الفكر الاسلامي كلها تصب في النهاية في بحر وسر وعمق واعجاز كلمة ((اقرأ )) القرانية !!.

وهذه المحاور البحثية والفكرية الثلاثة وبغض النظر عن تراتبيتها هي :

اولا: محور اللغة الانسانية وكيف وجدت او خلقت او صُنعت ؟ ولماذا اُبتكرت؟ وما هي وظيفتها الانسانية التي ادتّها للبشرية قبل وجودها لتكون هي الاخطر في الصناعات او الابتكارات او الاكتشافات الخلقية البشرية ؟.

ثانيا : محور فلسفة الخلقة البشرية ؟ ، ولماذا خلق الله سبحانه العالم والانسان ؟ ، وماهي الغاية من وجود الانسان في هذا العالم ؟، وكيف ينبغي لنا فهم الوسائل التي توصل الانسان فكريا وعلميا لغاياته واهدافه في هذا العالم ؟.

ثالثا : محور التطور والتكامل والنمو الانساني ، ولماذا وكيف تطور هذا الانسان فكريا وماديا ونفسيا وروحيا ؟، ومادور هذا التطور وانعكاساته الجذرية على تطور الاديان ، ومعاجزها والافكار ومعالجاتها لظواهر التطور البشري ؟، وفي النهاية كيفية ان يكون التطور الانساني والتكامل البشري هوالذي يفرض معادلة انتفاء الاعجاز الكوني والطبيعي في الاديان وبقاء الاعجاز الكلامي والاقراءي فحسب ، كمعجزة تصوغ من وجود الانسان وفكره نفسه معجزة هي اعظم في تألقها من كل معاجز الكون والطبيعة والعالم ؟!!.

طبعا أُدرك ان من ليس له اطلاع كافي على مضامين وبحوث هذه المحاور الثلاثة فانه لايمكن له ان يدرك نتيجة هذه المحاور الثلاثة وكيفية اتصالها ببحرالكلمة القرآنية (اقرأ) ولكن من جانب اخر لايستطيع احدٌ ابدا ان يعي عمق واعجازية هذه الكلمة اذا لم يضع في فكره ان (اقرأ) القرانية ماهي الا ثمرة تطور بشري ، ولايمكن فهم محاورها المعرفية والفكرية الانسانية التي جعلت منها كلمة القران الاولى والخالدة بغير معرفة وادراك مسبق لطول الشوط التاريخي البشري وتنوعه الذي سبق انتاج اقرأ القرانية هذه !!.

نعم بالامكان البداية من فلسفة الوجود الانساني في الرؤية الاسلامية ، لنجيب على دفعات مركزة ومختصرة جدا على كل هذه المحاور الثلاثة لنقول وبشكل مباشر تماما :

إن غاية وهدف الوجود البشري في هذا العالم الكوني الكبير ، وحسب رؤية المدرسة القرانية هي غاية وهدف العبادة للخالق سبحانه وتعالى لقوله سبحانه :(( ماخلقت الجنّ والانس الا ليعبدون / 56 / الذاريات ))

أما ماهي حكمة هذه العبادة وفلسفتها ؟.

ولماذا جعلها الاسلام غاية وهدف الوجود الانساني ؟.

وهل عملية خلق الله للعالم والانسان كانت تحت دوافع الحاجة لله سبحانه ام تحت مبررات فيض الخير الالهي للمخلوقات ؟.

فكل هذا بالامكان الاجابة عليه : بان العبادة من وجهة النظرالاسلامية هي الوسيلة المثلى والطريق الواضحة لوصول الانسان نفسه الى رقيه وكماله وتطوره من خلال هذه الوسيلة ، وما هدف العبادة باعتبارها وسيلة وليس غاية الا الوصول بالانسان وهو يطوي طريق تكامله وتطوره في هذه الحياة الى بارئه الله سبحانه وتعالى !!.

ومن هنا تكون العبادة وطلبها من قبل الله سبحانه وجعلها في القران الكريم على اساس انها غاية خلق الكون والبشرية ليس باعتبار حاجة الخالق سبحانه لها وانما لحاجة المخلوق الذي هو الانسان لها كوسيلة وطريق وخريطة توضح له المسار الى كماله الاعظم الذي خلق الله الانسان لغاية الوصول اليه ، فخير الانسان وتكامله هو الغرض من عبادة الله سبحانه ، وليس الغرض من العبادة منفعة ما تعود للغني الغير محتاج ابدا الله سبحانه وتعالى !!.

اذا ادركنا هذا المعنى الفلسفي لموضوعة الخلقة للانسان في الرؤية الاسلامية ، نسأل بعد ذالك : وما هي الوسائل التي يتصل من خلالها الله سبحانه وتعالى بالانسان ليوصل له برامج عبادته للبشر اجمعين ؟.

فنجيب ان الوسائل المعتادة التي يذكرها القرآن الكريم كلام الله سبحانه العظيم في ايصال رسالة الله الى خلقه هي وسيلتان : الاولى : هي انزال كتب من السماء تحمل افكارا وتصورات وفلسفات ورؤى واعمال ، للانسان ووجوده وكيفية عبادته لخالقه وطاعته له سبحانه !.

ثانيا:انتخاب واصطفاء رسل من قبل الناس ومن بينهم ليكونوا الصلة بين الله سبحانه من جهة وبين الناس جميعا من جانب اخر من خلال وحي الله لرسالته لهؤلاء الرسل وتبليغ الرسل رسالة الله سبحانه الى خلقه !!.

بعد ذالك نُشكل على هذه الرؤية بسؤال : وما الدليل الذي يثبت لنا كبشر ان موسى كان نبيا متصلا بالله سبحانه وكذا عيسى مثلا وابراهيم كذالك عليهم السلام جميعا ؟.

نجيب : لوجود معجزات كانت بين ايديهم مع رسالات الله سبحانه وتعالى تؤكد لنا انهم من الصادقين ، فضلا عن اننا كبشر تضطرنا عقولنا التي في رؤوسنا لتؤكد لنا اننا مخلوقون من قبل خالق وهذا الخالق لابد انه اراد حكمة من خلقنا ولانستطيع ادراك هذه الحكمة الا من خلال اما خطاب الله لنا جميعا كبشر ، وهذا متعذر لعدة اسباب قانونية ، واما ان يصطفي واحدا منا كبشر ليبلغنا فيما بعد مايريده هذا الحكيم الخالق منّا لخيرنا نحن ابنائه وعياله وخلقه وليس لحاجة هو يبتغيها !!.



يعود المُستشكل فيسأل : اذا كانت المعاجز الكونية والطبيعية هي لتثبيت مصداقية صلة الرسول بالله سبحانه فما تقولون بمن لايملك اي اعجاز كوني او طبيعي او مادي ليدعي ان معجزته كلامية لغوية فقط لاغير ؟.

فكيف لنا ان نؤمن بمصداقية رسول كالرسول محمد صلى الله عليه واله وهو لايملك غيرالكلمة القرآنية التي اصبحت المعجزة في نفس الوقت التي هي الرسالة الالهية كذالك !؟.

بمعنى اخر:فهمنا ان تكون الرسالة الالهية كظاهرة تاريخية انسانية تكررت على يد انبياء ورسل كثربانهاخارطة العمل الالهية المرسلة للانسان كي يطبقها في حياته لتصنع له طريق الرقي والتكامل في دنياه بالاضافة الى وجود معجزة كونية او طبيعية خارقة للعادة والمألوف البشري الى جانب الرسول ، لتكون مصداقا لرسالة هذا الرسول وصلته بقوة مطلقة وقادرة وعظيمة هي الله سبحانه وتعالى لكن مالم نفهمه حتى هذه اللحظة هو كيفية دمج الرسالة والمعجزة لتكون الرسالة نفسها هي المعجزة فهل يعقل ان تكون الكلمة معجزة من ضمن المعاجز الالهية العظيمة مع ادراكنا ان الكلمة كلغة ما هي الا فعل اختراع وابتكار انساني لاغير ؟.

ثم كيف ولماذا انتهى عصر المعاجز الكونية ، ليبدأ عصر الكلمة المقروءة لتصبح معجزة بل اعظم من معاجز الكون والطبيعة والمادة بالنسبة للبشرية كافة وليصبح فعل القراءة حصرا هي الوسيلة الموصلة لله سبحانه فقط ؟!.



والى هنا ربما وضعنا العناوين الرئيسية للمحور الاول الذي هو المحورالعبادي لننتقل الى المحور الثاني وهو المحور اللغوي للكلمة القرانية لنجيب على من يتسائل حول الكيفية التي من خلالها اصبحت اللغة والكلمة الانسانية المقروءة والمكتوبة هي المعجزة السماوية الخالدة للبشرية جمعاء ، ولنقول : هناك نظريتان في مجال اللغة الانسانية :

الاولى : وهي القائلة ان الانسان ولد في هذه الحياة وهو مزودا باللغة وناطقا للحرف ومتصلا مع غيره من البشر من خلال لغته التي خلقت معه لحظة بلحظة في وجوده في هذا العالم ، وهذه النظرية تذهب اليها الكثير من المدارس الفكرية والدينية واللسانية العالمية وجزءا من المدرسة الاسلامية كذالك !!.

الثانية : وهي النظرية التي تذهب الى ان الانسان احتاج لدورات كبيرة ، ليتدرج من خلال وجوده في هذا العالم قبل ان يتمكن من الوصول الى اكتشاف قدرته على النطق وكان جلّ اتصالاته في العالم ومع الانسان الاخر تكون من خلال الرسم والاشارة الى ان وصل في يوم من الايام الى ابتكار النطق وصناعة حروف الكتابة لتتطورحياته وصِلاته بالعالم والناس بصورة عجيبة غريبة ، وبعد ذالك اصبح الانسان ناطقا ثم كاتبا ثم قارئا ، وهذه النظرية يؤمن الكثير من الاصوليين في المدرسة الاسلامية بها ( ولكل من الفريقين ادلته على رؤيته ليس هنا مورد السرد ) والتي ترى ان اللغة فعل تطور انساني وليست فطرة خلقية ولدت مع الانسان منذ وجوده وحتى اليوم في هذه الحياة !!.

وهنا يدخل محور التطور الانساني والبشري ، ليندمج مع محور التاريخ اللغوي على خط تاريخ المسيرة الانسانية ، ليؤكد لنا فكريا وتاريخياوانسانيا وكذا اسلاميا : ان البشرية مرت بمراحل نمو وتطور وتدرج طويلة وعظيمة في تكاملها ورقيها وعلى جميع المستويات الفكرية العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والفردية النفسية ....وحتى منها الخلقية في الانسان عندما ولد طفلا لايستطيع النطق قبل ان يبلغ الرشد ويكتشف في داخله موهبة النطق والكلام !!.

السيد الفيلسوف الصدر محمد باقر يذهب الى تقسيم مراحل التطور الانسانية الى ثلاث مراحل حيوية في تاريخ البشرية حسب الرؤية او النظرية الاسلامية وهي ( دور الحضانة ، ودور الاختلاف ، ودور الوحدة ) ، مايعني اننا ملزمون امام هذه الرؤية التي ترى تاريخ البشرية على انه معمل لصناعة التغييرات الدائمية ان نسأل : وكيف تطورت ايضا الحياة اللغوية من كونها حياة لم يكن لها وجود في حياة الانسان الى كون اللغة هي من اعظم المميزات البشرية والانسانية اليوم !؟.

والحقيقة اذا ما اخذنا بالنظرية الاسلامية التي تذهب الى ان اللغة مبتكر ومكتشف انساني متخلف تاريخيا عن وجود الانسان الفعلي في هذه الحياة ،كان لزاما علينا ان ننظر للغة على اساس انها حاجة بشرية فرضتها بعض عوامل التطور في الكينونة الانسانية باعتبار انها اهم وسيلة استطاع اكتشافها الانسان في مواهبه الكثيرة المدفونة داخل خلقته ليحولها الى صلة تفاهم بينه وبين الانسان الاخر ووسيلة اتصال لايمكن تصور حركة للحياة البشرية بدونها بشكل طبيعي !!.

فبون شاسع بين انسان كان يتصل باخيه الانسان من خلال الاشارة مثلا، والرسم على الحجر فقط ليوصل له مراده ومايختلج بداخله من مطالب ومشاعر ، وبين انسان يستطيع بطرفة عين ان يجمع بين حرفين ليوصل صورة ومعنى الى اخيه الانسان الاخر الذي يجيبه بنفس السرعة والامكانية !!.

كذالك عندما تطورت الحياة البشرية لتصل الى مرحلة اكتشاف الحروف ، وصناعة المكتوب منها وترجمت الافكار والخطابات الانسانية الى شيئ مقروء ومفهوم وغير مختلف حوله فان هذه الخطوة من التطور الانساني لايمكن اعتبارها خطوة هامشية في تطور الحياة الانسانية وعلى ايضاجميع الصعد البشرية ففي هذه المرحلة الكتابية والاقرائية للانسان تغيرت معادلات حياة الانسان ككل ليدوّن افكاره وتاريخه ومعتقداته واملاكه ...... وليحتفظ بها كصكوك رسمية ومعترف بها بشريا له ولمستقبله وللتاريخ ايضا !!.

أما اليوم فقد اصبحت الكلمة المقروءة وبعد طي كل هذا التاريخ من التطور للبشريةوبعد ان جاء الاسلام ونزل القرآن كرسالة الاهية اخيرة للبشرية كلها قبل الف واربعمائة عام هجرية مضت هي معجزة الرسالات السماوية الخالدة !!.

فياترى كيف اصبحت (اقرأ) ككلمة لغوية معجزة سماوية مع انها ابتكار وصناعة بشرية حسب تاريخها المدوّن والمكتوب ؟.

وماهو مضمون كل هذا التطور التاريخي العميق ، الذي بدأ بانسان ابكم حتى وصوله الى انسان رسم وكتب معادلات انشطار الذرة النووية في عصرنا الحديث ؟.

في حديثنا حول محورالعبادة الاول اشرنا الى ان غاية خلق الانسان ووضع برنامج عبادي له هوفي كونه انسانا خُلق ليتكامل ويتطورمن خلال برنامج التعبد حتى يصل الى قمة رقيه البشري والانساني ((يايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه )) الذي اراده الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق ، وبهذا فهمنا منذ البداية ان الله سبحانه خلق خلقا لاليقف عند حد معين ليتجمد ويموت في نقطة سكون معينة ولا ليتخذ له صورة وشكل واحد في مسيرته نحو الله سبحانه وتعالى ،بل خُلق ليتحرك ليتطور ولينمو وليتكامل ابدا ، وعلى هذا الاساس نزلت كتب السماء وافكارها وعلى هذا المبنى ايضا كان اصطفاء الانبياء وانتخاب الرسل قائما ، ومتغيرا بين الفينة والاخرى من تاريخ الدورات البشرية وكلما تغيرت مرحلة من مراحل تطور الانسان في كل حياته تطورت معها رسالة السماء وخطابها ، وتجدد فيها اصطفاء نبي او رسول ، ليعيد صياغة تشكيل برنامج العبادة لحياة الانسان !!.

وهكذا الى ان وصلت البشرية الى محطة من محطاتها التاريخية قبل الف واربعمائة عام لنفاجئ بختم الرسالة والنبوة ولنجد بين ايدينا كلمة ((اقرأ)) وهي تعلن انها نهاية الرسالات من جهة ومعجزة المعجزات من جانب اخر وديمومة البرنامج العبادي للانسان على هذه الارض الى ان يرث الله الارض ومن عليها من زاوية ثالثة !!.

مامعنى ان تختم الرسالة والنبوة ليصبح القرآن بمشروع اقرأ هو اخر البرامج التي نزلت للبشرية من قبل الله سبحانه وتعالى بحيث انه ليس هناك امكانية لانتظار رسالة اخرى من السماء نازلة بعد القرآن ربما هناك من يسأل ؟.

وهل يعني هذا توقف حركة التطوروالتكامل الانسانية التي تفرض سنة تجدد الرسالات والانبياء فيما مضى من تاريخ على حد معين ولتاريخ محدد بحيث ان البشرية لاتحتاج بعد القرآن وبرنامجه الى اي شيئ جديد ؟.

أم يعني ان البرنامج الذي انزله الله سبحانه وتعالى ، متسمياً بالرسالة الاسلامية والتي بلغها العظيم محمد الرسول صلى الله عليه واله فيها الكفاية من طرق الاتصال بالله من جهة ، وطرق وبرامج عدم اعاقة التطور الانساني من جانب اخر وعلى هذا الاساس ختمت الرسالة ورفعت معادلة الاصطفاء والنبوة من الوجود الانساني بعد الاسلام ؟.

الواقع ان السؤال الثاني بما يختزله من جواب هو ماتذهب اليه المدرسة الاسلامية من ان الانسانية وفي زمن رسالة الاسلام الخالدة ونزول القرآن الكريم على قلب العظيم محمد ص لجميع البشرية قد وصلت الى مرحلة الفطام النهائية من الرعاية او الحضانة السماوية المباشرة ليقوم ويمارس الانسان دوره الراشد كعالم وفقيه ومفكر في المسير الى الله بدون رسل وانبياء ومعتمدا على نفسه في الاتكاء على برامج القرآن وماتركه من قواعد رسول الاسلام محمد ص واهل بيته الطاهرين في نهج هذا السبيل !!.

اي : ان الرؤية الاسلامية التي هي مختلفة كثيرا عن جميع الرؤى الدينية التي سبقته ترى ان التقدير الالهي لهذا الانسان في هذه الحياة قائما على ان الانسان كتب عليه في نهاية شوطه التكاملي ان يسير وحده الى الله سبحانه ، ومعتمدا على بلوغه الفكري ورشده العقلي الذي يستطيع هو وحده ان يسترشد الرسالة ويستضيئ بما تركه محمد الرسول واهل بيته من مفاهيم وبرامج ان يصل من خلالهما الى الله سبحانه وطاعته وعبادته في هذه الدنيا وهو في قمة تطوره وتكامله الانساني !!.



وصحيح ربما في مرحلة من مراحل البشرية الغابرة كانت غير مهيئة لمعرفة صدق الرسالة الا من خلال معاجز كونية مادية كبيرة تدفع بالانسان البدائي وبماديته وبقصور نضوجه الفكري والعقلي ان لايقبل شاهدا على صدق رسالات الرسل السابقين بدون ان يرى ماهواكبر ،واعظم مما في القدرة البشرية من معاجز كونية وطبيعية ومادية ليصدق الرسل ورسالاتهم لكن وفي مرحلة النضج الفكري والعقلي الانساني ، وفي مرحلة التطور والتكامل الذهني ، والعلمي البشري التراكمي الكمي والكيفي هل سيبقى الانسان جامدا في مخزونه الفكري والعقلي بحيث انه لايستطيع التمييز بين ماهو صادق من الرسالات وبين ماهو غير ذالك الا بحدوث انفلاق للبحر مثلا ؟!.

او انه ودليل على تطوره وتكامله ونموه العقلي والفكري والنفسي والصناعي والاجتماعي التاريخي سيصل الى مرحلة الفطام والاعتماد على فكره وفلسفته وتجربته وعلمه الذاتي ليحكم على الاشياء من خلال اجتهاده وقراءته !!.



نعم من خلال الرؤية الاسلامية نجد ان الله سبحانه وتعالى عندما قرر خلق الانسان فانه اراد بذالك ان يخلق صورة غاية في الجمال والعظمة التي تعكس قدرة الحكيم وعظمته وجلاله وعطائه اللامتناهي للوجودفخلق الانسان ليكون (حرّا) في خياراته وفي مسيرته وفي اجتهاده وفي ايمانه فسأل من سأل :((اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.....)) ولكن في مراحل الطفولة والحضانة البشرية لايمكن ترك السماء لهذا الانسان وهو قاصرالادراك والتجربة ان يقطع الطريق لوحده ولهذا كانت يد السماء تدعم ضعفه بالايمان والتصديق والتصورات بمايلائم ضعفه من معاجز كونية او طبيعية تؤكد له صدق النبوات والرسل باعتبارعدم قدرته للوصول وللاستنتاج بين ماهوصادق ممن هو كاذب وفي التاريخ نجد الكثير من البشرية قدخدعوا لسذاجتهم بالاعيب الطغاة والفراعنة وباسم حتى الدين والمقدس بحيث ان البشرية كثيرا ما كانت تتوهم انذاك بين الرسول الذي يتصل بالسماء حقا وبين المتفرعن الذي يستخدم السحر والشعبذات لتعبده الناس بدلا من الله الخالق العظيم فكان حتما والحال هذه ان يكون لله سبحانه لطفا بعباده ان ينزل عليهم معاجز وخوارق كونية وطبيعية لتدعم الصادق من الرسل وتفضح الساحر وسحره وكيده وطاغوته لسد ثغرة البساطة والسذاجة الفكرية والعقلية التي كانت تعيشها البشرية في بداية الطريق ومنتصفه !!.

لكن وكمايرى القارئ اللبيب ان فعل الاعجاز الكوني والطبيعي الذي كان يلطف به الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين مع انه كان يشكل وثيقة الآهية لدعم السماء للرسول ورسالته ، لكنها من الجانب الاخر تتعارض مع حرية الانسان واستعمال عقله وطاقته الفكرية في الوصول الى الايمان بدون مؤثرات خارجية طبيعية تضغط او ترغم الانسان على الايمان وتصديق الرسالة والرسول ،وهذا الارغام او الضغط الخارجي على ايمان الانسان يعتبر في وجهة النظر الاسلامية المتكاملة انه نوع من اعاقة حرية الانسان بتفعيل طاقاتها الغير متعرضة لضغط العوامل الخارجية الاعجازية الكونية او اعاقة الانسان الحرّ للوصول الى قمة تكامله الانساني الذي خلقه الله من اجله بنفسه وفكره وعقله وتجربته ، من غير اي عوامل مؤثرة على قراراته الايمانية سواء كانت معجزة ليؤمن بصدق رسالة الرسول او اي ضغوطات اخرى ليصل اخيرا الى ساحة :(( لا اكراه في الدين ..)) و(( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) و (( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا / 3/ الانسان )).

بهذا المعنى شاء الله سبحانه للمعاجز الكونية والطبيعية بسبب احتكاكها وضغطها على حرية عقيدة الانسان ان تتوقف وبدء مرحلة معاجز (( اقرأ )) القرانية ان تتحرك بدلا عنها ، لتكون هي معجزة الرسالة الخاتمة وخاتمة لصدق نبوة العظيم محمد الرسول صلى الله عليه واله ايضا !!!.



إن اقرأ القرأنية وباعتبار انها لغة ابتكرها الانسان في مرحلة من مراحل تطوره الانسانية ستكون اعظم اعجازيا اذا شاء الله سبحانه ان تكون معجزة الاسلام الخالدة ، هي من ادوات مبتكرات الانسانية ، بدلا من فرض اي نموذج اعجازي خارجي على الانسان سواء كان كونيا او طبيعيا ليؤمن بصدق رسالة السماء الخالدة !!.

فهنا ( التحدي ) :(( .. فاتوا بسورة من مثله ان كنتم صادقين ..)) سيكون اكثر تاثيرا للانسان مما اذا كانت المعجزة خارجة عن اطار القدرة البشرية على العموم ، كأن يفلق البحر الرسول العظيم محمد ص للدليل على انه متصل بالسماء وحاملا منها خطابا ، فربما في قابل الايان نكتشف سر قوانين المعاجز الكونية والطبيعية في خلية من خلايا القوانين الكونية والطبيعية المعقدة ليتسائل العالم هل كانت معاجز الانبياء فعلا معاجز الاهية ام انها اكتشافات قانونية استطاع احد البشرية ان يستغلها ليدعي انه متصل بالسماء ؟؟!.

لكن عندما تكون معجزة السماء ومنذ البداية صريحة بانها من مبتكرات البشرية انفسهم وان اعجازها ليس في خرق العادة والمألوف الانساني وانما معجزتها باطروحة الرؤية والنظام والقانون والتصورات والافكار التي لايمكن للبشرية مجتمعة على الاتيان بمثلها !!.

عندئذ يكون التحدي للبشرية مهينا جدا بسبب ان الاعجاز جاء من خلال ابسط ادواتهم المستخدمة يوميا وهي اللغة ومع ذالك تقف جميع البشرية عاجزة عن الانيان بمثل هذا القرآن او بمثل مفردة من مفرداته التي هي اقرأ !!.

كذالك من الجانب الاخر فان معجزة السماء عندما تكون بفعل (( اقرأ )) التي هي من مميزات الانسان وخصائصه عن باقي الموجودات ومن داخل طاقته البشرية وحيزه الانساني ، فلايمكن تصور انسان تضغط عليه المعجزات الكونية ليؤمن بالرسالة الخاتمة الخالدة من خلال الارهاب النفسي او الروحي له بخارق خارجي كوني او طبيعي ، كرفع جبل فوق راسه ليطلب منه اما الايمان او الموت ، او كمثل ابراء مشارف على الموت بمرض ثم بلمسة من يدك يُشفى فطبيعي انه يؤمن !!.

بل الانسان امام الكلمة القرآنية ( اقرأ ) يتمتع بكامل حريته امام الرسالة والمقدس والله سبحانه والرسول ص ليؤمن ان شاء باختياره وارادته ، ويكفر ان شاء بارادته وباختياره وبدون اي ضغوط خارجية تدفعه للايمان اصلا ، وهنا تتجلى ارقى معاني الايمان البشري الحرّ ، الذي اراده الله سبحانه وتعالى من عباده الكاملين والذي على اساسه شك من شك بالسؤال : هل فعلا الانسان الكامل في نهاية المطاف والمسيرة يتمكن من الايمان بالله وتسبيحه وتقديسه بكامل حريته واختياره وارادته وبدون تدخل اي عوامل ضغط خارجية او لاهوتية ؟.

أم انه سيفشل ليكفر بالحرية الممنوحة له ويفسد ويسفك الدماء لاسيما انه يعيش في حياة مزاحمة ستدفعه للاختيار الصعب بين الله سبحانه وطريقه من خلال عقله وايمان فكره الحرّ ، وبين الشيطان ونفسه المنحدرة صاحبة الشهوات وظلم الاخرين والاعتداء عليهم ؟؟!.

إن القراءة وكما هو المعروف بشريا ابُتكرت في عالم الانسان بعد الكتابة ،لتكون اساسا او لتقوم بعدة وظائف جوهرية للحياة البشرية ومن اهمها :

اولا : باعتبارها اداة لتواصل انساني فكري وحضاري عام بين الانسان واخيه الانسان .

ثانيا : باعتبارها وسيلة حفظ ووثيقة تصلح لكونها غير مقيدة بزمان تاريخي او بمكان جغرافي !!.

وعلى هذا الاساس فان القراءة وكما هو المعروف من شأنها الانساني وليس اللاهوتي فقط ، انها اداة ووسيلة وصله ، ومن عمق هذه الوظائف العظيمة لفعلي القراءة والكتابة باعتبار انهما وجهان لعملة واحدة اختارت يد القدرة السماوية ان تكون آخر رسائلها للبشرية بصيغة الكتابة والقراءة البشرية لتضمن :

اولا:الحفظ لوثيقتها الرسالية الخاتمة واستمراريتها الدائمية مع استمرار الحياة البشرية وبالاداة التي صنعتها البشرية نفسها لنفسها ، وهذا طبعا بحد ذاته فعلا اعجازيا من جهة (انا نحن نزلنا الذكر وانا له حافظون ) ومن جهة اخرى دليلا على بلوغ الفكر الانساني الى مرحلة هيئته لاستقبال الرسالة الالهية بشكل مقروء ويمكن الاحتفاظ والحفاظ عليه !!.

ثانيا :لاتصال السماء الدائم مع الانسانية من خلال برنامجها المكتوب الذي لايحتكر لجهة دون جهة اي لجهة كهنوتية فحسب دون جهة الجمهوروالشعب الانساني كما كان يحصل في السابق من الاديان والرسالات التي يحتكركهنتهاوقساوستها الاشراف على الرسالة الدينية وتبليغها كلاّ بل رسالة السماء الاسلامية الخاتمة هي ملك لجمهورالانسانية القارئة واينما وجدت وكيفما وجدت وحيثما قبعت !!.

وفي الاول والثاني من الضمانات استطاعت الرسالة الاسلامية الخاتمة ومن خلال مشروع (( اقرأ )) ان تنقل كل فكرة النبوة والوحي والرسالة والاتصال بالسماء من حيزها التاريخي الضيق والشبه منغلق وبدائي وفطري وساذج انذاك الى حيز التطور والتكامل الانساني والنمو العقلي والتجريبي لهذا الانسان ليصبح كل انسان في هذا الوجود وبفضل مشروع (( اقرأ )) القرآني رسولا ونبيالنفسه ومُخاطبا من قبل الله سبحانه وتعالى مباشرة وبدون صلة رسل وانبياء ووسائل ووسائط ينقلون له رسالة الله وخطابه ووحيه وبرامجه الى ارضه البشرية !!.

وكل هذا لم يكن ليحصل بين الله والانسان اذا لم تتوسط اقرأ بين الله والانسان لتكون هي الرسول الجديد الذي لايسري عليه قانون الموت والحياة في (( انك ميت وانهم ميتون )) ولتكون اقرأ الاسلامية هي المعجزة الخالدة التي تحافظ على الانسان حرّا بلا معاجز كونية رهيبة لاخضاع الانسان للايمان بالقوة من جهة ، وتكون اقرأ مواكبة لعصر التطور والتكامل البشري الذي انيط على عاتقه اليوم البحث عن الحقيقة ليتحمل مسؤولياته بدلا من احضار الحقيقة اليه بشكل معجزة !!.

_____________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877