الجمعة، أغسطس 20، 2010

(( الدين كمشروع لتحرير الانسان .... رؤية أسلامية )) حميد الشاكر

لم يختلف الفكرالانساني في شئ من الاشياء كأختلافه حول الدين ومشروعه في هذه الحياة الانسانية الممتدة تأريخيا منذ وجود الانسان المفكر على هذه الارض وحتى يومنا القائم !!.


ولعل هناك الكثيرمن العوامل الايدلوجية ، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية ....الخ هي التي ساهمت في القديم والحديث في تنويع رؤية الافراد والجماعات نحو الدين ومشروعه ،ولذالك وجدنا الرؤية نحو هذا الشئ المسمى ( دينا )مختلفة بصورة حادة ، وربما متناقضة وفي القليل من الاحيان منسجمة وطبيعية ،في رؤيتها البشرية النسبية نحو الدين ونحو مشروعه وهي تبحث في المعاني الاتية :



ماهو الدين ؟.

وماهي منابعه الواقعية ؟.

وهل هو مشروع توبيا خرافية لااكثر ولا اقلّ ؟.

أم انه مشروع واقعية وانسانية واجتماعية لاصلاح الحياة ؟.

هل الدين صناعة راسمالية صرفة ابتكرهااصحاب النفوذ والسلطة للهيمنة على المجتمع وبقاء تركيبته الطبقية على ماهي عليه كما يذهب له كارل مردوخ ماركس في شيوعيته الالحادية الراديكالية ؟.

أم انه ابتكارطبقات مسحوقة وجماهير مُدّمرة بالاساس ،كمادة تعويض فكرية لظاهرة الحرمان التي تعيشها البشرية في الماضي وحتى الحاضر كما يذهب اليه الفيلسوف الالماني نيتشة ؟.

أوإن الامر لاهذا ولاذاك وانماالدين ظاهرة لاهوتية ووحي منزل مما وراء المحسوس ولها صلة بالعقيدة التي تنظّر لعالم مختلف في اهدافه وغاياته عن عالم الماديين والملحدين والراسماليين والمعقدين وغير ذالك ؟؟.

هل المشروع الديني ظاهرة بالنقيض لظاهر الاستبداد والاستغلال والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في تاريخها الطويل ؟.

أم انها ظاهرة هي من خلق الاستبداد والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في هذه الدنيا ؟.



ماهو مشروع الدين الحق في هذا العالم بالنسبة الى الانسان ؟؟.

وهل هو اختطاف الانسان من الواقع ورميه في أتون الغيب والغيبوية عن الناس والمجتمع والعالم ؟.

أم انه مشروع لاستعباد الانسان لطاقة غير مرئية فحسب ، لصناعة مخلوق يؤمن بالاستذلال والاستعباد لجميع الكوائن الخارقة ومن ثم المستبدة والمهيمنة الطاغوتية على هذه الارض ؟.

أوإن الامر ليس كذالك مطلقا في كلا المتناقضين من الاسئلة ، وانما الدين مشروع اصيل لتحريرالانسان في هذا العالم لصناعة انسان حرّ ومختار وقادر وفاعل وممتلك لدماغه وقراره وصياغة رؤيته بنفسه بقوة واقتدار فحسب ؟؟.



واذا مافرضنا الدين هذا او ذاك ،فكيف لنا فهم الحقيقة الدينية التي تتمكن من تحرير الانسان وليس تدجينه واخضاعه للطاغوت والاستبداد والاستغلال ... ؟؟.

وهل الماهية الدينية التي تتحدث عن تحريرالانسان ، وليس استعباده لاغير ، هي ماهية موجودة بكل مايطلق عليه دين في هذه الحياة الاجتماعية الانسانية العالمية وبمختلف اديان البشرية المتناقضة وربما الخرافية كذالك ؟.

أم ان الحقيقة الدينية ، وحسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية ،عنوان مختصر فقط على خاتم الاديان على الحقيقة الا وهو الاسلام باعتبار انه الدين الرسمي اللاهوتي ( المعترف به غيبيا )انه الدين الحق لقوله سبحانه : (( إن الدين عند الله الاسلام / 19 / ال عمران / )) ومن هنا لايمكننا اطلاق الصفة الدينية على اي فكرة غير الاسلام ليتحمل تبعات الرؤية الدينية امام البشر ؟؟.



ثم اذا كان الاسلام كدين صاحب مشروع تحريرالانسان من هيمنة الطاغوت في هذه الارض ، فماهو الطاغوت الذي كافحه الدين اولا وما هي الكيفية الفكرية والعملية التي رأى فيها الاسلام انها الطريقة المثلى لتحرير هذا الكائن من الاستعباد ثانيا ؟.

وهل تحرير الانسان حسب الرؤية الاسلامية تبدأ من رفع جميع الضوابط القانونية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية التي تقف عائقا امام انفلات الحرية البشرية الفكرية والسلوكية وانغماسها بكامل سعة الفضاء المفتوح امامها لتلعب كيفما اشتهت ؟.

أم ان مشروع التحرّرالاسلامي للانسان مشروع واقعي ومختلف ومدروس ومنظم ...... بحيث يبدأ بتحريرالانسان من الداخل ثم لينتقل الى الخارج ليقلّم اظافر العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرض على الانسان الهيمنة والاستنزاف لطاقته وتكبيل حريته الحقيقية من التعبير عن ذاتها بشكل تلقائي وبلا قيود مرئية وغير مرئية ؟.....الخ .



إن اهمية البحث حول المشروع الديني وماهيته وجميع متعلقاته الفكرية وغير الفكرية ،تكمن في كون الدين كائن ملتصق بحياة الانسانية بشكل عميق جدا ولايمكن لنا ولالغيرنا عندما نريد تناول البحث في الانسان ان نهمل اهم العوامل الداخلة على حياته الا وهو الدين ليس باعتباره فقط المقدس في حياة الانسان وشؤونه القانونية والاجتماعية ... بل وباعتباره الاكبر الا وهو: (إن الدين هو الموّجه الحقيقي لحياة البشرية بصورة شعبية عامة منذ خلقت ،وحتى اليوم شئنا ذالك ام ابينا وكفرنا بهذه الحقيقة أم آمنا بها ) !!.



وعلى هذا الاساس لايتسنى لفيلسوف ولا لمفكر ولا لصاحب العلم الاقتصادي ،ولا لحامل القلم الاجتماعي او الطبيب النفسي أو صاحب السلطة والسياسي ، او ..الخ ، ان يمرّ على مبحث فهم الانسان وحركته ومسيرته بدون الالتفات للعامل القداسي الديني في داخل حياة هذه الامة او ذالك الفرد القابع او المتحرك في حيز الحياة ، فالمفتاح يبدو انه دائما يبدأ من (الدين) وينتهي عنده لنفهم الانسان ومسيرته وهدفه وغاية وجوده في هذه الحياة بصورة اعمق واوسع واشمل واكثر وضوحا !!.



لا وبل يمكننا الجزم قائلين : انه لايمكننا ايضا فهم دورة التاريخ البشرية سلبا أوايجابا ولماذا هي هنا مترديةوهي هناك صاعدة ومتطورة ؟ اذا لم نرجع بالتحليل النهائي الى رؤية هذه الامة او تلك الدينية وماتحمل هذه الرؤية من افكارومشاريع قداسية مرّة تصلح لان تكون مطوّرة للحياة الاجتماعية وأخرى تكون مدمرّة ومعيقة لهذا التطور والنهوض ، كالذي حصل (مثلا) مع الديانة والكهنوت الكنسي الاوربي ( نسميها دين باعتبارها مقدس لدى المؤمنين بها ولكن حسب الرؤية الاسلامية لادين سوى الاسلام عند الله ) الذي كان عاملا مقيدا لتطور تلك الامم العلمي والفكري والمادي... ولم تستطع هذه الشعوب الانعتاق من ربقة التخلف والاستبداد الا عندما تخلصت من اغلال المشروع الكنسي اللاهوتي الذي كان يجثم على صدرهذه الشعوب والامم الاوربية لقريب من العصروهذا طبعا ليس بسبب غامض غير سبب :ان المشروع الديني الكهنوتي الكنسي وباعتبارانه مقدس وصاحب مشروع ميّت ولايهب الحياةالانسانيةاي اليات لتطويرالواقع والدفع به نحو الانفتاح على العلم وسنن الحياةجعل من هذا الدين ومشروعه في العالم متحولا الى صخرة عمياء في طريق تطور هذه الامم ولم تستطع ان تنهض هذه الامم الا بعد ان اتخذت القرار الصائب في الثورة على الاغلال الدينية الكنسية الكهنوتية ، وتنحيته تماماعن الحياة باعتبار انه مشروع لايصلح مطلقا للتدخل في حياة الانسان فضلا عن تطويرها او تقديم الحرية لها ولكن ومع ذالك لايخفى اليوم عودة الروح الدينية لهذا العالم الذي يدرك انه امام اغلال قداسية باسم الدين من جانب ،ولكن من الجانب الاخر يدرك ايضا انه لايمكن للحياة الاستمرار بلا دين يهب الحياة المعنى والاكثر من الغايات المادية في هذا العمران العالمي !!.



وهذه الحقيقة مختلفة تماما عن حقيقة الدين ومشروعه في الرؤية الاسلامية الذي جاء لا ليعيق تطورالحياة ولاليساند الاستبداد والدكتاتورية ولا ليفرض القيود والاغلال على الفكر والحركة والبناء الانسانية بل وكما قال الاسلام نفسه عن مشروعه الديني انه جاء ل((يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .../ 157/ الاعراف ))



أي وبمعنى اكثر وضوحا : إن الدين الحق الذي يُنزله الله ليقوم الناسُ بالقسط وليقود حياتهم وينظمها بشكل يؤّمن لها الحرية الحقيقية ، ويزيل عن طريقها كل أغلال الطاغوت والاستغلال لايمكن ان يكون هو نفسه سببا في استغلالهم وتسليط الطواغيت عليهم ، او إعاقة تطورهم واعمارهم وبنائهم لهذه الحياة !!!.



نعم صحيح من الجانب الاخر للرؤية الاسلامية حول (الدين ومشروعه) تقرّ الاطروحة الاسلامية بأن هناك ماكنة وعملية صراع ازلية بين الطاغوت والاستبداد والتفرعن والدكتاتورية من جهة ، وبين الدين ومشروعه التحرري من جانب آخر كما ان الرؤية الاسلامية تجزم بأنه ليس هناك قوّة على هذه الارض بامكانها ان تنتصر على الدين ومشروعه التحرري القويم :(( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون )) إلاّ في حالة واحدة لاغير ،وهي اذا استطاعت قوى الطاغوت والاستبداد والتفرعن ان تناورفي عملية الصراع تلك لتتحايل على الدين ومشروعه وبدلا من المواجهة مع الدين وضد مشروعه بصورة مباشرة تنتهج استراتيجية الصراع معه من خلال الالتفاف عليه وتبني قداسته زيفا واستبداداوعلوا في الارض ليصبح الدين ومشروعه ،اذا قبل التحريف والتزييف عندئذ ، بدلا من كونه محررا للعبيد من البشر مساهما ( مع الاسف ) بهذا الاستعباد والاستغلال والتفرعن .... ، وليتحول فيما بعد الى مادة اعاقة لنهضة البشرية ورقيها المنشود ، وهذا هو واقع الاديان المزيفة او المحرّفة التي تحولت من كونها اليات تحرر وانعتاق من ذلّ الطاغوت والدكتاتورية ،الى كونها اديان ( مدّجنة ) لهذا الطاغوت وقابعة تحت عباءته ومعلنة الولاء والخدمة له باسم المقدس في حياة البشر !!.



أما الدين الذي خرج للوجود الانساني بهيئة محصنة من اختراق الطاغوت، والاستغلال والاستبداد له ، كالذي هو واقعا موجودا بالنسبة للاسلام المحمدي الاصيل ، والذي نزل معتمدا على قادة معصومين عن الزلل ( حسب الرؤية الامامية الاسلامية الشيعية التي تذهب الى : ان كفتي ميزان الاسلام هما القرآن واهل البيت ع المعصومين ) فإن مثل هذا الدين لايمكن لاي طاغوت في هذا العالم ان يخترق بنيانه التحرري البشري المتين ، اذا اعتصم المؤمنون بالاسلام ومبادئه القويمة بالقرآن والعترة الطاهرة الذي اوصى بهما رسول الاسلام العظيم محمد ص من بعده ، واعتبرهما ضمان بقاء الاسلام نقيا من التدليس والتحريف وابتعدوا عن كل فكرة استطاعت ان تجيّر الدين للطاغوت والسلطان ، بدلا من ان يكون السلطان والطاغوت تحت حوافر الدين ومشروعه!!.



والحقيقة ان اشكالية الدين القويم ومشروعه التحرري من جهة ، مع الطاغوت والتفرعن ومشروعه الاستغلالي من جانب اخر في التاريخ البشري القديم وحتى عصرنا القائم ملخصةً في فكرة بسيطة وواضحة جدا مفادها :(ان الطاغوت كان ولم يزل ينظر الى الدين ومشروعه على اساس انه الندّ الحقيقي والعائق الكبير جدا امام مشروعه التسلطي على البشرية جمعاء ، وادارة هذه البشرية سياسيا كيفما ترتأيه مصالح الطاغوت والهيمنة ايدلوجيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ايضا !!!.).



اي وبمعنى اخر اكثر صراحة : ان الصراع الازلي القائم بين الطاغوت والاستبداد والانحلال والتفرعن ( حسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية القرآنية ) وبين الدين والرسل ومشروع التحرر الالهي للبشرية مازال ولم يزل على قيادة هذه البشرية وكيفية ادارتها حسب مشروع مدروس ومقنن بقوانين عقدية وسياسية واقتصادية واجتماعية !!.



وبينما ينظر المشروع الديني للانسان انه كائن مخلوق لغاية وهدف اسمى من وجوده الآني الدنيوي القصير ولهذا جاء التنظير الديني وكل مشروعه الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي مرتبطابهذه الغايات ينظرالمشروع الطاغوتي ان الانسان كائن متحرك داخل شركة او معمل او مملكة لاغيرمنقطعا تماماعن غايات لاتتصل بغايات خدمة الطاغوت والاستبداد والتفرعن وعليه ان يساهم بخدمة هذه المملكة او الانتاج في ذالك المعمل ، او بذل الجهد لتضخيم هذه الشركة لصاحب راس المال والسلطة شاء ذالك ام ابى وعند هذا المفصل يتضارب كلاالمشروعين الديني والطاغوتي على(الفوز) بالانسان فكرا وسلوكا وعلى جميع الصعد والمستويات لاسيما منها المستويات التالية كساحات للصراع بين المشروع الديني والاخر الطاغوتي وهن :



اولا : المستوي الفكرية العقدي



ففي هذه الساحة الانسانية الذهنية المفتوحة تكون حلبة الصراع على اشدّها بين المشروع الديني الذي يحاول زرع فكرة الغائية في الفكر والعقيدة الانسانية لوجود هذا الانسان وربطها تلقائيا بفكرة (الله) سبحانه وتعالى الذي لم يخلق هذا العالم عبثا وانما خلقه لحكمة ومن ثم توحيده سبحانه الذي يوجب على الانسان ان ينظر لمشروعه الخلقي على اساس انه مشروع ممتد من دنيا الى اخرة او من عيش في حياة ماديةالى عيش وانتقال لحياة معنوية ليس لها انقطاع زمني ابدامما يفرض على الانسان الايمان ومن ثم الارتباط والانتماء لاطروحة (ترسم له الطريق) وتضع له القوانين وتبني اليه السلوك والاخلاق التي ينبغي ان يسلكها للوصول الى تلك الغاية العظمى من وجوده كانسان خلق لهدف وغاية وحكمة !!.

بينما وفي النقيض من ذالك يرى الطاغوت والاستبداد والاستغلال في هذه الارض ان انتماء فكر الانسان وانخراطه بمشروع هو بعيدا عن مشروع الطاغوت ورؤيته لادارة الحياة الانسانية بالشكل ، الذي يضمن القدرة والقوةّ والاستمرارية لسلطة وملك هذا الطاغوت او ذاك ..يرى في مثل ذاك الايمان اللاهوتي لاي انسان وفي ذالك المشروع الديني الذي يؤسس لاخلاقية العمل الصالح والابتعاد عن الاعمال المختصرة غاياتها على الشؤون المادية الدنيوية فحسب ...كل ذالك يراه اي طاغوت انه الصخرة الحقيقية التي تقف امام اي مشروع يحاول :( اختطاف الانسان ) ودماغه ، واللعب بفكره ليقطعه نهائيا عن العوامل الاخلاقية والسلوكية الايمانية في حياته التي ترتبط بمصدر الامر غير مصادر الاوامر الاستبدادية والاستغلالية والطاغوتية على هذه الارض !!.



وبالفعل في مرحلة من مراحل الصراع ، بين المشروع الديني والمشروع الطاغوتي حاول الطاغوت السفسطة والتشكيك بالفكرة العقدية اللاهوتية الدينية ، لاسقاط مفاعيلها ومؤثراتها القداسية عن طريقه، وبعد صراع مرير عاد الطاغوت ليناور في معاركه المستمرة مع الدين ومشروعه ولكن ليس بصورة مباشرة ،ليدخل الطاغوت نفسه لداخل الدين ويتبنى مشروعه زورا وليمارس الفرعنه والتألة واستعباد البشر للطاغوت باسم الدين نفسه عدوه الازلي (( ظاهرة الشرك بالله سبحانه كمنتج طاغوتي صنمي وثني من اختراع فراعنة وطواغيت العصور القديمة باعتبار ان الفراعنة ابناء لله او هم الوسيلة اليه)) وهذا كان تاريخيا طرح الطاغوت في فترة من فترات صراعه مع الدين لتفريغ الدين وفكره ومحتواه من مشروعه الاصيل في مناهضة الاستبداد واعلان الثورة على طاعتهم المستبدة ، ومقاومة الطاغوت وتحرير الانسان من هيمنة الاستعباد لسلطة المستكبرين والمستبدين في هذا العالم من راسماليين وماديين ودكتاتوريين !!.



وكذالك في العصر الحديث ، ولادراك قوى التغوّل الاستبدادية ، ان الدين ومشروعه هو اكبر عائق امام اختطافهم للانسان ورسم معالمه كيفما ترتأى ماكنة الطاغوت العالميةحاولت قوى الاستغلال البشرية ان تطرح فكرا مناقضا لفكر الانتماء والايمان الديني للانسان لتفريغ ذاكرته من فكرةالغاية والهدف وضرورة الالتزام من قبل ذهنه العقدي وسحبه لفكرة اللامنتمي فطرحت الليبرالية الغربية الراسمالية الحديثة مفهوم الحرية باعتبارها الميزان والمقياس الاعلى لحياة الانسان والحاكم لكل كيانه الفكري والعقدي ايضا في سبيل الوصول الى فك عقد حبال الاتصال بين الانسان ومشروعه الديني وارتباطه بهذا المشروع الذي يؤّمن للانسان ملامح طريق واضحة للوصول الى حريته الحقيقية !!.

نعم في الجانب الاخر طرحت فلسفةً مادية اشتراكية دكتاتورية ،ونظرية معرفة تقف عند حدود كل ماهو مادي لتقطع الطريق من الجانب الاخر على الانسان في طريقه الصاعد الى الله والدين ومشروعه ولتصنع في مصانعها المادية انسان خالي من كل ماهو متصل دينيا ، اواخلاقيا بهذه المشروع او ذاك الديني ، وليصبح الانسان في مدارسها هذه ، اطوع من طينة ميتة يوجهها الطغاة والمستبدين اينما رأوا وكيفما اقتضت مصالحهم السياسية للهيمنة على الانسان ومقدراته وخيراته حيثما كانت !!.



ثانيا : المستوى الاقتصادي



إن ساحة الصراع المفتوحة بين المشروع الديني وكذا المشروع الاستغلالي المستبدلم تقف عند ساحة الصراع الفكرية والعقدية لاغير مع ان تلك الساحة الفكرية والعقدية هي اهم ساحات المعارك ، بين الدين واعداءه من المستغلين والظلمة باعتبار ان قياد الانسان واخضاعه والسيطرة عليه .... تبدأ من دماغه وعقله واذا استطاع الطغاة اللعب في دماغ الانسان نحو الدين ومشروعه سقطت عندئذ القداسات من جميع كيانه وفكره وتوجهه ممايسهّل قياد الانسان وتوجيهه ،واللعب فيه كيفما ارتأت ماكنة الاعلام الطاغوتية والسياسية وكذا الاقتصادية لصالح مشاريعهم الاستعبادية للناس جميعا !!.

فمعلوم ان فلسفةً كالفلسفة الليبرالية الغربية ، وإن كانت غاياتها الحقيقية هي الهيمنة الرأسمالية الاقتصادية ، إلا انها مع ذالك لم تطرح في بداية مشروعها الاقتصادي غير الاسس الفلسفية للايدلوجية النفعية ل (( جيرمي بنتام ، وجون ستويرت مل ....) وغيرهم من اساطين الفلسفية النفعية الذين مهدوا الارضية لرؤية كل شيئ في العالم على اسسها النفعية لاغير ، وحتى الدين واخلاقه وكل افكاره ومشاريعه في الفكر النفعي الراسمالي الليبرالي كان ولم يزل ينظر اليه على اساسه النفعي وليس القداسي بالنسبة لهذه المدرسة وبحيث ان الدين فيه منافع مادية واجتماعية للواقع الطاغوتي القائم فانه مرحب به ومدعوم من الماكنة الطاغوتية مادام هو يتحرك في اطار المنفعة للوضع الاستغلالي القائم اما اذا اراد الدين او مشروعه ان يخرج من دائرة النفعية الراسمالية القائمة ،وليتحول الى مناهض للاستغلال النفعي والراسمالي فانه وعلى الفور سيناهظ ويحارب ويباد باعتى الوسائل واشنع الاجندات التي تبدأ برمي الدين بالتخلف ولتنتهي عند وسمه بالارهاب والاعتداء على حرية الافراد المقدسة !!.



إن الفلسفة الليبرالية كلها التي قامت وقدست فلسفيا الحريات البشرية الاربعة (الفكرية والسياسية ،والاقتصادية ، والشخصية ) لم تكن عينها الاخرى ، الا متوجهة لفتح الطريق لماهو الاهم والغاية من فلسفة الحرية الانسانية وتقديس وجودها الى هذا الحد المفرط بالمشاريع الاستغلالية والطاغوتية ، الا وهي : (( غاية الوصول الى فتح الطريق على مصراعيه لجيوب الافراد واسواق الجماعات والشعوب والبلدان العالمية كافة))ولهذا بدأت الفلسفة الليبرالية بتقديس الحرية كالاه مقدس لايمكن السماح بالوقوف بوجهه او الاعتداء على حركته باعتبار ان الانسان خلقه الله ووهبه الحرية او وهبته الطبيعة هذه الحرية ولايمكن لمؤسسة او قانون الوقوف بوجه هذه الحرية لتنتهي كل العملية بالمطالبة ب(( تحرير التجارة العالميةورفع التعرفة الجمركية وفتح الاسواق لسلع الانتاج الراسمالية المهولة في عالم العولمة الراسمالية العملاقة اليوم !!)).



وبهذا ضمن الطاغوت الراسمالي الاقتصادي ومن خلال الفلسفة الليبرالية وما اهاله من قداسة على الحرية المطلقة ،ان يلجم اي فم يريد الحديث عن حرية الانسان الحقيقية وكيفية ضمانها بلا ضغوطات سياسية واقتصادية مفتعلة !!.



أما الدين ومشروعه التحرري فهو يناضل في الجانب الاقتصادي الاخر لتحرير الانسان من براثن الهيمنة الاقتصادية الراسمالية اليوم ، وكما خاض معركة الفكر والعقيدة مع الطغاة لتحرير دماغ الانسان من هيمنة الفكر الاستغلالي له كذالك هنا وفي الساحة الاقتصادية حاول ولم يزل الدين يطرح مشاريعه التحررية التي تعري استغلال الراسمال الحديث للانسان ، وتفضح كل مخططاته واغلاله التي تحيط بالانسان من كل جهة لتوهمه اخيرا بشعار الحرية وانه حرّ وقادر ومختار لصناعة حياته كيفما شاء !!.



إن الدين ومشروعه يؤمن بان الانسان اذا لم يستطع ان ينتصر على حاجاته المادية الاقتصادية بشكل معقول فانه من المستحيل عليه ان يكون حرّا حقيقيا وقادرا على صناعة قراراته بشكل طبيعي وممتاز ،أمام ماكنة اقتصادية عملاقة تملك على الانسان كل حاجاته الاقتصادية والمادية ، ولهذا قرر الدين منذ البداية :(ان الانسان عبدٌ لجاجته) واينما تكون السلطة على حاجات الانسان لاسيما الاقتصادية يكون ولائه وانتمائه مقرونا الى هذه الجهة ، وعلى هذا الاساس كثف المشروع الديني من افكار كيفية تحرير الانسان ( من الداخل )من حاجاته المادية الاقتصادية والتصاقه وارتهانه لها بشكل عميق من خلال اطروحات(( الزهد في الترف وعدم الانقياد للشهوات الجنسية والمادية ، والتحرز من الشره وحب الدنيا والتكالب عليها ...الخ))وكل هذه الافكار والارشادات الدينية كانت ولم تزل هدفها الاول والاخيرهو كيفية صناعة انسان قادر على تحرير نفسه من اغراءات المادة في هذا العالم ومن ثم ليتحرر بالفعل من هيمنة الطاغوت الاقتصادي في الخارج والانتصار على استعبادة لارادة الانسان وحريته !!.



في هذا المضمار يُذكر كلمة ، لتلميذ الدين ومشروع الاسلام علي بن ابي طالب ع ،تختصر كل اهداف المشروع الديني التحررية للانسان وهي مقولته عليه السلام التي تقول :(( لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّا ))وطبيعي ان كون الله خلق وجعل الانسان حرّا لابسبب غيبي فحسب وانما بسبب واقعي اجتماعي انساني ايضا ، مفاده ان تعاليم الله سبحانه وتعالى والدين وافكار العقائد

هي وحدها التي تصنع منك انسانا حرّا على الحقيقة ، فهذه التوجيهات والافكار الدينية هي التي تهيئ السبل لصناعتك اولا من الداخل وتحرر طاقاتك وحاجاتك الطبيعية ان تكون العوبة بيد صاحب ومالك الحاجات الاقتصادية العملاقة الخارجية ، وثانيا هذا الدين ومشروعه هووحده من يقف شوكة امام افكار الاحتكار والاستغلال والاستعباد التي يريد اصحاب الراس مال الطاغوتي ان تهيمن على اسواقك وحاجاتك الطبيعية ،ومن هنا حكم الدين بتحريم وتجريم الاحتكار لحاجاتك الطبيعية الاقتصادية كي لايتلاعب بالاسعار حسب العرض والطلب في السوق الحرّة وليضمن للانسان استقراره الاقتصادي المعقول لاستمرار حياته بحرية وبدون ارهاب ورعب الاسواق الراسمالية الحرّة التي تتاجر باستقرارالبشر النفسي الاقتصادي والطبيعي المادي كيفما ارتأت مصالحهم الاستغلالية التي لاتدرك سوى كيفية جني الارباح والابتعاد عن الخسائر ؟؟.



إن هذا الواقع الديني ومشروعه التحرري الانساني هو مايقلق اصحاب رؤوس الاموال والشركات العملاقة التي ترى في حاجات الانسان الفكرية والنفسية والمادية والجنسية ......الخ ،مادتها وسوقها الاساس التي من خلالها تهيمن على مافي جيوب الناس وقدراتهم الشرائية وكون يأتي مشروعا دينيا يريد ان يحرر الانسان من ضغط حاجاته المادية من جهة ويحاول ان يطرح افكارا من قبيل تجريم الاحتكار ولعنة التبذير والترف وتوفير المعيشة واستقرارالسعر الاقتصادي للانسان كاحد اعمدة الاقتصاد الديني في الاسلام من جانب اخر من دون ان يرى الطاغوت الراسمالي خطرا عليه من هذا الدين ومشروعه ؟!!.

فذالك شيئ صعب الادراك لتناقض كلا المشروعين الديني والراسمالي الطاغوتي ،فالراسمال الاقتصادي الطاغوتي لم يرفع شعار الحرية للانسان الا وغايته فتح الاسواق لبضائعه وسلعه التجارية وتحرير اسعارها وضمان مميزات الاحتكار له ولسلعه القيمة ومن ثم التلاعب بحاجات الانسان الضروريةوالترفية لسلب الانسان ارادته امام الاغراءات الاعلامية العملاقة التي تختطف ارادة الانسان امامها اقتصادياوعندما يأتي الدين ليدمر كل هذا المخطط للاستيلاء على الانسان ومايملك باسم حريةالتملك والاستهلاك في الراسمالية ،فحتما سيكون الدين ومشروعه التحرري هو الكابوس الذي يقلق اصحاب رؤوس الاموال التجارية العملاقة التي تريد لسلعها اسواقا ولانتاجها افواها ،....الخ ثم يأتي الدين وبلمسة بسيطة اسمها (تجريم وتحريم التبذير) ليغلق جميع محلات الخردة من السلع التي ضخت للسوق لتجنى الارباح لالتعود بالخسارة لمصانعها التجارية !!.



وهكذا يصطدم المشروع الديني التحرري بالمشروع الطاغوتي الفكري والاقتصادي والسياسي ، وبمستوياته الاخرى الاجتماعية والاسرية والفردية والنفسية ....الخ ، ليحقق بعد الدراسة والبحث والتأمل في داخله وخارجه غرض واحد في مشروعه الثوري هذا لاغير وهو مشروع تحرير الانسان مما حوله من صناعة الطغاة والمتفرعنين والظلمة !!.



والخلاصة : ان مشروع تحرير الانسان في الرؤية الاسلامية من كل المؤثرات الطاغوتية الخارجية والداخلية التي تمارس عليه هو مشروع يصب في دائرة الفلسفة الاسلامية الكبرى لوجودالانسان كخليفة على هذه الارض فالانسان خلق حرّاومختارا ليختار طريقه الى الله او العكس بكامل ارادته وحريته الطبيعية وبدون ضغوط ودكتاتوريات تمارس عليه باسم الاقتصاد او السياسة او الاجتماع او حتى باسم الحرية ، التي تريد استعباد الانسان للرأسمال الطاغوتي الحديث وعلى هذا المنطلق اخذ الدين ومشروعه الالهي على عاتقه ان يهيئ الطريق للانسان ويحرر داخله وخارجه من المؤثرات التي تعيق او تزيف من حرية الانسان وارادته لانتخاب طريقه في هذه الحياة :(( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )).

________________________



alshakerr@yahoo.co

للمزيد من البحوث والدراسات الاسلامية : مدونة حميد الشاكر .

الثلاثاء، أغسطس 03، 2010

(( عيسى والمهدي ... في ثنائية القطبية لقيادة دولة العدالة العالمية !)) حميد الشاكر

لاريب ان الفكرة او العقيدة المهدوية في الاطروحة الاسلامية ، هي من العقائد التي قيل فيها ، ولم يزل يقال عنها الكثير الكثيربدءا من عقيديتها الاسلامية الواجب الايمان بها وانتهاء بهذه أوتلك من المحاورالبحثية التي استعرضها علماء الامة بصورة عامة ، وعلماء مدرسة اهل البيت ع بصورة خاصة ، من حيث ماهية الفكرة وواقعيتها الدينية ومداركها الاسلامية الشرعية وهوية المنقذ والمخلص والمنتظرومن هو ؟، ومانسبه ؟وفلسفة غيبته وكيفية ظهوره وملامح بيعته وصفات دولته ومجموعة قيادته ومستشاريه ؟، .......... الى الوصول الى غاية مشروعه الالهي الا وهو : ان يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا !!.




والحقيقة مالفت نظري بصورةخاصة في المشروع الاسلامي المهدوي ولم يزل يشدّني فكريا بعنف وقوة كلما أعدت قراءة النصوص الاسلاميةالتي تتحدث عن هذه الثورة العالمية ، والانسانية الكبرى هو مشهدي وعنواني ومحوري ((المهدي المنتظر الاسلامي وعيسى روح الله وكلمته)) من جهة ومشهد وعنوان ومحور(يملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا) من جانب آخر لاتساءل في زوايا غير المبحوث فيها فكريا :



ما الصلة الفكرية ، التي جمعت بين روح الله ابن مريم عيسى عليه السلام ،الذي رفع للسماء قبل الفي سنة ميلادية وبين صاحب الطلعة الدرّية في الاسلام المهدي المنتظرعجل الله مخرجه الشريف الذي شاءالله ان يكون خاتم الائمة من اهل البيت ع ، وغالق عالم الظلم والجور والطغيان على هذه الارض في اخر الزمان ؟؟



وهل فلسفة رفع عيسى عليه السلام ، التي يتحدث عنها القرآن الكريم ، قبل اكثر من الفي سنة لها علاقة عضوية بفكرة اخر الزمان وغياب المهدي المنتظر امام المسلمين ، وظهوره وعودته للعالم ليملأ كلا القطبين الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ؟؟

أم انه لاعلاقة عقدية تذكر بين الغيبتين العيسوية السابقة والمهدوية اللاحقة في عالم العقائد والاديان ؟؟



ثم لماذا عيسى عليه السلام روح الله ،وكلمته التي القاها الى القديسة الطاهرة مريم ، والذي طورد من قبل شياطين اليهودية في العالم القديم والحديث وتعرّض لمحاولة صلب شنيعة ....الخ ، هو بالذات وليس غيره من يصلح ليكون القطب الاخر لقيادة العالم مع الامام الحجة المنتظر المهدي محمد بن الحسن لينزله الله سبحانه ويكون ردفا وسندا لامام الامة الاسلامية في اخر الزمان وليأتم به ويكون طوع امره واشارته ؟؟.



هل بسبب ان عيسى عليه السلام لم يأخذ فرصته القيادية البشرية فيما مضى من عالم فتحاول فكرة نزول عيسى مع المهدي المنتظر لقيادة العالم في المستقبل التعويض لعيسى ع عن ما مضى من قرون خذل بها وقمع مثلا ؟؟.



أم ان انتخاب عيسى لرفد قيادة دولة المهدي المنتظرالعالمية متصلٌ فلسفتها بالمستقبل في العالم المسيحي وماوجود عيسى ونزوله لاسناد الدولة المهدوية العالمية في المستقبل ، وحتى من قبل فلسفة رفعه للسماء والاحتفاظ به غيبيا الا ليوم يظهر في المستقبل يختص بالعالم المسيحي وليس الاسلامي في قابل الايام ؟؟.



ثم وقريبا من محور عيسى عليه السلام والمهدي المنتظر صلوات ربي عليه وفلسفة الاقتران المستقبلية هذه بينهما كقطبي من عالم جغرافي مختلف ما مفهومية وفكرية التركيز في الاطروحة المهدوية على مفردتي (( القسط والعدل في مقابل الظلم والجور )) التي سوف تعالجها الدولة المهدوية العالمية التي تبدو انها ثنائية القطبية ،وليست احادية القيادة كما يشير له الكثير من الباحثين في مشهد الدولة المهدوية في المستقبل ؟؟.



اعني لماذا لم تؤكد الاطروحة المهدوية على مفهومة (( يملأ الارض اسلاما وتدينا كما ملئت ضلالا وكفرا )) لتعطي لنا تصورا او على الاقل انطباعا ب :ان العالم سيتوحد دينيا تحت راية الاسلام الحنيف، وانما اكدت بشكل لالبس فيه على انه عليه السلام س((يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا )) فقط لاغير ؟؟



أي وبمعنى لالبس فيه ماهي الفلسفة الفكرية الاسلامية التي تقف خلف عنوان الدولة المهدوية العالمية ، ووصفها بانها دولة (( العدل الذي لاجور فيهاودولة القسط الذي لايشوبه اي ظلامة وظلم)) بينما لانجد تقريبا ولانصّا صريحا يتحدث عن الدولة المهدوية بوصفا العقائدي الاسلامي او الديني الضيق ، الذي يصفها بانها التي سوف تملأ الارض اسلاما وتدينا وتوحيدا بعدما ملئت ضلالا وكفرا وشركا ،مع ادراكنا انها الدولة التي ستقيم الحكم الاسلامي المحمدي داخل الجغرافية الاسلامية بلا ريب ولكن حديثنا حول العالم ككل وليس فقط حول الجغرافية الاسلامية الضيقة ؟؟؟.



وهل يعني هذا ان مفهوم الدولة في الاسلام يختلف عن مشروع الرسالة والشريعة التي هي اوسع من حدود الدولة واعلى من راس السياسة والادارة في الملك وادارة الشعوب ، ولهذا وصفت دولة المهدي المنتظر بالعدل والقسط

باعتبار انها التي ستحكم جميع العالم ومهما اختلفت اديانه وشرائعه وكتبه بعدل الاسلام لاغير ، بينما ابداً لاتفرض هذه الدولة دينها وشريعتها على باقي البشرية بالقهر والقوّة ؟.

أم ان هناك رؤية اخرى لهذه الدولة التي وكما تسع الاخرين من البشرية بعدلها ، فهي ايضا ستسع باقي الانسانية بدينها وشريعتها ليصبح العالم كله موحدا لله مؤمنا بشريعة الاسلام الحنيفية السمحة ؟؟.



إن امثال هذه الاسألة البحثية ، وغيرها الكثير مما آثرنا عدم طرحه مخافة التطويل على القارئ الكريم ، هي الكفيلة بتوسيع دائرة التفكير المنهجية والثقافية والعلمية ، حول موضوعة الدولة المهدوية العالمية المباركة ، لافقط لنبّشر بقدومها الحتمي لعالم المستقبل بل ولنستشف من ملامحها بعض الافكارالتي توضح لنا ايضا فكرة الدولة في الاسلام وكيف انها مختلفة عن فكرة العقيدة ، والشريعة ايضا في اليات العمل لكليهما ؟ ، وفي ان الدين والعقيدة في الرؤية الاسلامية بالخصوص تصلح لعمل المراقبة للدولة والتوجيه والارشاد لها وضبط حركتها ....الخ ، بينما يكون للدولة عمل الرعاية للمجتمع وبسط العدل والقسط بينه لاغير، وليس على اساس الفروق البشرية ومهما تعددت انواع هذه الفروق الدينية أوالعنصرية او القومية او الطائفية ..... وغير ذالك ؟!!!.



والان لنبدأ الجواب من حيث انتهت اسألتنا حول موضوعة الدولة المهدوية ، ولنتناول موضوعة (يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا) ، ولنسأل : لماذا ستتوجه الدولة المهدوية العالمية القادمة الى ترسيخ مفهومي العدل والقسط بين العالمين ، بينما لم نكد نرى بروز ظاهر لمفهومي الاسلمة او التوحيد والتدين في شعارات الامام الحجة المنتظر في دولته المباركة القادمة ؟.

وهل يعني ان هناك تباعد بين مفهومي الدين والعدل في دولة الامام المهدي المنتظر (عج) ولهذا تقدم شعار العدل والقسط على شعارالدين والعقيدة والتوحيد ؟؟.

أم ان مفهوم الدولة في الاسلام اساسا مختلف عن مفهوم الدين والعقيدة في هذا المضمار ،ولهذا اصبح الحديث في المهدوية حول الدولة واليات ممارستها البشرية مختلفة تماما عن الدين والعقيدة واليات حركته في هذه الحياة ؟.

اخيرا هل العدالة مشروع مختلف عن الرسالة والاسلام والعقيدة والايمان ؟.

أم ان العدل والقسط وشجب الظلم .... جزء من مشروع الرسالة الالهية ، ولكن ليس كلها على الاطلاق ؟؟.



الحقيقة ان الفكر القرآني الاسلامي بالخصوص يؤكد بشكل لالبس فيه ، ان ( العدل والقسط )هما الغايتان العظيمتان لابتعاث كل الرسل والانبياء الالهيين لهذا العالم ومنذ ادم ابي البشرية ع وحتى خاتم الانبياء والرسل الرسول العظيم محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وكذالك تؤكد الاطروحة الاسلامية ايضا ان انزال الكتب السماوية ايضا كان هدفها ولم يزل هو تطبيق العدل وتثبيت اركان القسط بين الناس والمجتمعات على هذه الارض ، ولهذا قال الله سبحانه في محكم كتابه العزيز القرآن الكريم : (( لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقومَ الناسُ بالقسط / 25/ الحديد )) !.



وبهذا تأكد ان العدل والقسط قرينان متلازمان في المشروع مع الرسالات الالهية ، والدين والعقيدة وقوانين الشرائع السماوية ، بل واكثر من ذالك ندرك من خلال التأمل البسيط في النصوص القرآنية : (( ان القسط والعدل بين الناس هما الغايتان العظيمتان للرسالات والرسل والكتب الالهية والقوانين الشرعية في هذه الحياةالدنيا))مما يعطينا انطباعا صادقا ان العدل هو الغاية من ارسال رسل وانزال كتب الاهية وفي حال افترضنا (مثلا) انتفاء العدل والقسط من اي رسالة دينية او اطروحة عقدية حسب الاطروحة الاسلامية القرآنية فهذا يعني انتفاء (الغاية) الحقيقية من وجود هذا الدين وتلك العقيدة ومشروع ذاك الذي يدعي الرسالة والنبوة ،ويصبح حال العقيدة بلا عدالة حال الخلقة الكونية بلا غاية العبادة في قوله سبحانه وتعالى :(( وما خلقتُ الجنّ والانس الا ليعبدون / 56/ الذاريات ))



ومن هذا المنطلق ايضا اصبح ( العدل ) واصبحت العدالة والقسط بين الناس اصل من الاصول الدينية في المدرسة الفكرية الاسلامية الامامية الاثني عشرية الشيعية ،الذي يأتي ترتيبه بعد التوحيد في الاصول العقدية الاسلامية وقبل النبوة والرسالة كذالك باعتباره صنو التوحيد الالهي من جهة وهدف وغاية من الغايات الرسالية العظمى من الجانب الاخر !!!.



نعم الآن بالامكان ان يأتي دورالسؤال ، الذي يفرق بين الحق والباطل في موضوعتنا هذه لاسيما في ماهية الفروق بين المشروع الرسالي العقدي الالهي وبين العدل والقسط باعتبارهما هدفي الرسالات وغايتي انزال الكتب السماوية لنقول ولنسأل بانتباه عالي جدا : بلماذا اكدت الشرائع السماوية المنزلة ،والرسالات النبوية المرسلة حسب المنطوق القرآني العظيم على فكرة القسط والعدل كغاية للقيام بين الناس بالتحديد ؟؟

وماهي الفلسفة العقدية الالهية والرسالية والشرعية التي تقف خلف انتخاب مفهوم العدل والقسط ليكون هو الغاية العظمى من ارسال الرسل ، وانزال البينات والكتب ، للناس في هذه الحياة ،بينما كان المنطق ينبغي ان تكون العبادة وتوحيد الله سبحانه هي الغاية الكبرى لارسال رسل وانزال الكتب السماوية ،مثلما قرر القرآن في غاية الخلقة بقوله سبحانه ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ؟.

ماهي الفروق الجوهرية بين مشروع العدل في هذه الحياة ومشروع العبادة ؟؟.



اولا: إنّ اول فرق يطالعنا في موضوعة العدل والعبادةهو ان العدل مطلب انساني لاتتعدد فيه الرؤى البشرية ومهما اختلفت فيهم رؤاهم الاجتماعية ، التي تتعدد فيها الاتجاهات الفلسفية والفكرية والاجتهادية...بينما يكون الدين عادة بمشروعه العبادي ، ومع فطريته البشرية هو صاحب رؤى وراثية واسعة وقابلة للتمدد النوعي لّتكون بداخلها تعدد الاتجاهات داخله كحالة طبيعية !.



ثانيا : في العدل واقامة القسط ، نحن بحاجة الى قوّة تقف خلف هذه المفاهيم الانسانية والاجتماعية لحماية وجودها بين المجتمع من جهةوتطبيقها على جميع افراد الناس بغض النظر عن اختلاف طبقاتهم ومراكز تواجدهم من جانب اخر بينما نحن في الدين والعبادة والعقيدة(حسب المفاهيم الاسلامية) لسنا بحاجة الى القوة اواستخدامها لدفع الناس والمجتمع للايمان بها او الخضوع لمقرراتها العقدية وهذا من واقع : ان مشاريع الاديان تستهدف الايمان من داخل الانسان وبمحض ارادته وقناعته ، ولاتستهدف فرض التعاليم بالقوّة على الافراد ليكونوا مؤمنين !!.



ثالثا:لم يزل العدل والقسط ولحاجتهما للقوّة لحمايتهما وتطبيقهما على وجود وحركةالمجتمع الى يد السلطان وهيمنة السلطة باعتبار أن هذه السلطة أوهذه الدولة وذاك الحكم ، هي أعلى وسيلة داخل المجتمعات البشرية لأمتلاك القوّة وأقامة العدل والقسط بين الناس ، او العكس في الظلم والجور،عندما تتحول الدولة ،او القوّة داخلها او السلطة الى ممارس للتمييز بين المجتمع وفرض الظلم عليه ومن هنا كانت وسيلة العدل اوالقسط في تحققه على ارض الانسان هي القوة والسلطة والحكم والدولة ، بعكس الدين والعبادة والعقيدة التي ترفض القوّة بطبيعتها الايمانية ،ولاتقبل الا الدعوة والوعظ بالتي هي احسن كوسيلة ،لايصالها الى قلب الانسان وروحه وعقله وفكره ليؤمن بها وليس ليخضع لمقرراتها القانونية كما رايناها في مفهومة العدل والقسط القانونية بين الناس !!.



نعم عند هذه الفروق بين مشروع العدالة والقسط من جهة وبين مشروع العقيدة والدين من جانب اخر يمكننا تلمس اهم الروابط والقواسم المشتركة التي تقوم بين العدالةوآليات وجودهااجتماعيا وانسانيا وقانونيا وسياسيا وبين الدين وآليات دعوته السلمية والاجتماعية والعقدية والغير سياسية ، او عنفية من جانب اخر واهم هذه القواسم المشتركة على الاطلاق ، والذي جعل من مشروع العدل والقسط ان يكون غاية لارسال الرسل ، وانزال البينّات والكتب والذي دمج ماهو سياسي بما هو ديني عقدي هو القاسم المشترك الذي مفاده :

(( تأمين العدالة في المجتمع لتهيئ الارضية الاجتماعية لتحّرك الدين والعقيدة بحرية وأمان ))!!!.



ان العدل والقسط وباعتبار انهما بحاجة الى قوّة السلطة والدولة والقانون ، للتحرّك وادارة المجتمع بصورة تضمن العدالة للناس جميعا كانت ولم تزل (هذه العدالة) ترى في القوّة يدها التي لاغنى عنها في المشروع ولهذا وباعتبار ان الدولة هي رأس القوّةوالسلطة والحكم في اي مجتمع انساني كانت العدالةولم تزل على اي حال ترى في السلطة ظرفها الطبيعي للتطبيق وغايتها الكبرى في تحقيق العدالة في اي مجتمع انساني مظلوم او يعاني من الجور والقهر فسعى العدل ، والقسط وبكل ما اوتيا من قوة للوصول الى مكمن القوّة والسلطة الحقيقية المتمثل بالحكم والدولة أمر يبدومنطقي وطبيعي ايضا لتعبّرالعدالة عن نفسها من خلال وسيلة الحكم والسلطة والقوة ولتقيم دولة القانون والعدل في المجتم الانساني اينما كان وكيفما وجد !!.



وعلى نفس هذه الفكرة في العدالة وارتباط حاجتها العضوية الطبيعية بالقوّة ،والسلطة والحكم والدولة رأت العقيدة والدين ان وسيلتهاالعظمى على هذه الارض والتي تهيئ للدين حريته في الحركةوالوصول الى الانسان بشكل طبيعي انما تتجسد حتما بالقسط والعدال ،ولهذا شرَع الدين في نقل القسط والعدل من كونه وسيلة لاغنى عنها للدين لتهيئة الارضية السياسية اليه ليتمتع بقسط العدل في الحكم والدولة والسلطة .....الى جعل القسط والعدل الغاية الكبرى من ارسال الرسل وانزال البينات والكتب ليقول :(( لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقومَ الناسُ بالقسط / 25/ الحديد )) !.



والحقيقة ان الغاية العظمى للاديان هي ربط الانسان بخالقه ،ولكن وبما ان الاديان تدرك تماما انه بعدم وجود الحكم العادل ، او بعدم توفر دولة القسط التي لاتميل لجانب بشري على اخر ، ولادراك الاديان ايضا ان الدولة هي مصدر القوّة والهيمنة والسيطرة الفعلية على ادارة اي مجتمع ،ولادراك الدين ايضا ان دولة الظلم او حكومة الجور لايمكن ان تكون ارضيتها الا مناهظة للاديان ، التي تحاول (تحرير الانسان من عبودية الطغيان لعبودية الله وحده ) ومانعة للدعوة فيها باعتبار ان الاديان تتحرك بالعدل والحرية وتختنق بالظلم والجور .......الخ ، كل هذه المفاهيم هي التي فرضت على الدين والاسلام والعقيدة ان يكون العدل والقسط غاية من غاياتها اللاهوتية التي هي بالاساس الوسيلة الوحيدة لحرية حركة ودعوى الاديان وهي نفسها المفاهيم التي دفعت الانبياء للمطالبة بالعدالة بل واعتبارها الغاية العظمى للرسالات الالهية ، واقامت الحكومة الالهية التي توفر العدل للناس جميعا كوسيلة للحكم والادارة من جانب ولاتفرض الدين بنفس وسيلة الحكم والقوّة من جانب اخر (( لااكراه في الدين )) !!.



ان دين الدولة دائما كان في منطوق الانبياء والرسل هو العدل والقسط ، ولم تكن الدولة وسلطتها في يوم من الايام ذراع لنشر العقيدة والدين ،لان العقيدة والدين مشروعها الايمان والحجة والبرهان والعقل والضمير والاقتناع وربط الانسان بخالقه ، وغايته في هذا الوجود بحرية واختيارذاتي وجداني وبدون السماح مطلقا لفرض السلطة والاكراه والعنف والقوة على ايمان الناس ومعتقداتهم بينما كانت العدالة والقسط ولم تزل دوما تبتغي القوّة والسلطة والحكم لتدير المجتمع حسب القانون والعدل ، وتردع الظلم والاعتداء ، وتحمي الضعيف ،وتنصف المظلوم وتقيم القسطاس المستقيم بين الناس اجمعين !!.



وصحيح ان الاديان رفدت العدل بل وهي التي شرعنته في الوجود الانساني ، وهي التي أول من اسس لهذا القسط والعدل بين الناس جميعا ، ولكنها مع ذالك ، عندما ارادت الحكم بين الناس جميعا ، وعلى اختلاف مشاربهم العقدية والفكرية والفلسفية لم تحكم بالشريعة التي تؤمن بها هي بشكل مطلق ومن خلال وسيلة الحكم والسلطة على جميع الناس بل راعت التنوعات الدينية داخل اطارها الاجتماعي ، وحكمت على مواطنيها بالعدل والقسط الذي يوفر حرية المعتقد والدين للاخر غير المتدين بدين السلطة بعكس حكم الشريعة الاسلامية على المنتمين ، والمؤمنين بها فانها حكمت بينهم بمايؤمنون به ، بينما حكمت على غيرهم بالعدل فقط لتقول :(واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل / 58/ النساء))!!.

ولتقول اسلاميا قرآنيا :(وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين / 42/ المائدة)كحكم لغير المسلمين داخل الدولة في الاسلام ، ليؤكد على ان لحكم الدولة العدل ، ولحكم الدين الشريعة والايمان !!.

نعم لماذا لم يقل الاسلام كدين والقرأن ككتاب منزل من السماء ليقوم الناسُ بالقسط ب :((واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالدين او الاسلام على الاقل ؟؟)).



يبدو ان الجواب بسيطا جدا وهو : انه بغض النظر ان النص القرآني يتحدث عن حكم الناس جميعا ،وليس حكم فئة المؤمنين بالاسلام من المسلمين ، بغض النظر عن ذالك ، فان الاسلام وبما انه مدرك للتنوع الانساني العقدي وبما انه دين ختم الاديان كلها ، وانه الدين الذي صلح لكل زمان ومكان ، وبما انه الدين الكامل والتامّ ،والذي يأخذ بنظر اعتباره انه لايصلح ان يفرض الدين عقديا بايمانه على الاخرين وبما ان الاسلام يدرك ان الاكراه لايصلح ان يكون وسيلة من وسائل زرع الايمان في قلوب الناس وانه يدرك ان الاكراه في فرض الايمان بالاديان على الناس يسلبهم حرية الاختيار التي خلقها الله لهم ليؤمن الانسان من خلال ارادته وليس من خلال سلب هذه الارادة ليسقط التكليف وبما ان الاسلام اصلا دين العدل والقسط ....الخ بعد هذا كله فالاسلام في حكمه لادارة الدولة يفصل بين حكم الدولة ودينها الذي هو العدل ، وبين الشريعة والدعوة التي طريقها الحجة والبرهان والاقناع والايمان !!!.



والى هنا وبعد سرد هذه المعطيات الفكرية والاسلامية ، يتضح لنا بجلاء لماذا سيكون شعار دولة الامام المهدي في اخر الزمان هو (( القسط والعدل )) ، وليس هو العقيدة والتوحيد والدين فحسب ؟؟.

وما معنى ان تبنى الدولة العالمية الاخيرة على المبادئ الانسانية التي تعيش تحت اطار الحكم الاسلامي الرشيد ؟!!.



ففي دولة الامام المهدوية ومن منطلق انها الدولة العالمية التي سوف تحكم العالم كله تقريبا باسم الاسلام تظهر لنا هذه المعالم الرئيسية في هذه الدولة المباركة :



اولا : انه حكم الدولة في الاسلام الذي يقوم على القسط والعدل ، بغض النظر عن المعتقد والديانة لادارة العالم !.

ثانيا:ان هذه الدولة وبما انها تحكم بالعدل والقسط تحت الرعاية الاسلامية فانها ستأخذ بنظراعتبارها التنوع العالمي الديني والاثني والعقدي وغير ذالك من تنوعات انسانيةوستطرح العدالة للجميع وبلا تمايز بين معتقد واخراو فلسفة واخرى ، وبما فيها الاسلامية نفسها ، حتى يتنفس العالم كله ، عمق العدالة في هذه الدولة المباركة وهذا هو معنى ((سيملأ الارض قسطا وعدلا )) فهي الدولة التي ستشبع العالم عدلا ، حتى لايبقى تمايزا بين ضعيف واخر !.

ثالثا :ستوفر الحرية الدينية في هذه الدولة لكل الاديان البشرية وترعى الدولة المهدوية بعدالتها كل الاديان الانسانية ولايفرض باسم السلطة ، او القانون او الدولة اي دين على الاديان الاخرى ، فالعدل هو الحاكم على الدين في دولة الامام المهدي المنتظر ، وليس الدين هو مقوّم العدل الوحيد ولهذا سيكون في دولة المهدي تنوعا دينيا بشريا طبيعيا يدخل للاسلام من خلال العدل وليس من خلال العنف والاكراه وسلطة الدولة !!.

رابعا : الامام المهدي في اعلان دولته المباركةوثورته العالمية الكبرى سيكون العدل سيفه ومظلومي العالم البشري انصاره مهما تغيرت اديانهم وتعددت مشاربهم الفكرية والفلسفية ،ولاتضارب بين انصار المهدي من قيادات الاسلام الرشيدة وبين مستضعفي العالم كله ومن كل الاديان والقوميات والاتجاهات الانسانية ؟!.

خامسا : كما ان اعداء الدولة المهدوية سيتكتلون عالميا تحت شعار(الظلم والجور)كذالك اعداء هذه الدولة المباركة سيكونون من مختلف الاديان والقوميات ،والاتجاهات الفكرية والفلسفية ، وكما اننا سنرى من هو من انصار الدولة المهدوية من باقي الاديان غير الاسلامية كالمسيحية واليهودية وغير ذالك ،كذالك سنرى اعداء هذه الدولة المباركة متنوعي الاتجاهات وبما فيهم جماعات من العالم المسلم نفسه تجمعهم الكراهية للعدل والقسط لدولةالمهدي المنتظر كما جمعت العدالةوالقسط غير المسلمين على الانتصارلدولة العدالة المهدوية وحبها والتضحية ربما في سبيلها فهذه الدولة ستستقطب البشرية من خلال ايدلوجية عدالتها البشرية وليس من خلال اي عنوان اخر !!.



ان هذه المعالم المختصرة لدولة الامام المهدي في آخر الزمان اذا وعينا مضامينها بشكل جيد ، فانها هي ايضا التي ستهدينا الى فلسفة نزول عيسى عليه السلام ،وهي التي تأخذ بايدينا لادراك سؤال : لماذا عيسى ابن مريم روح الله وكلمته بالذات هو المنتخب من بين المبشرين والرسل لينزل من السماء ( كما تشير الروايات ) ليكون رفدا وسندا ومُنتصرا لدولة العدالة الاسلامية المهدوية الكبرى ؟؟!.



فلاريب والحال هذه في دولة سيكون شعارها العدالة والقسط ودثارها الاسلام وعقيدة التوحيد ، انها الاقرب لتحقيق عدالة الانبياء والرسل جميعا على وفي هذه الارض كما انها الاكثر انفتاحا بمبادئها الالهية ليس على دين دون اخر بل على الانسانية برمتها بلااستثناء كمااشرنا الى انصارها من انهم طلاّب العدالة في العالم بغض النظر عن اديانهم ومشاربهم الاخرى !!!.



وعيسى كلمة الله وابن مريم القديسة سيكون اول الملتحقين بدولة العدالة المهدوية ، كمسيحي من العالم الاخر الذي يؤمن ان العدالة اساس الاديان والرسالات ، ومهما اختلفت الاديان والعقائد على ايدي الناس في هذه الحياة !!.



ان عيسى ابن مريم بغض النظر من انه الرسول الذي قاسى كثيرا في زمنه ، وانه الرسول والنبي والكلمة التي لم تتح له الفرصة لعب الدور المطلوب منه ان يلعبه على الساحة الانسانية لخدمة الرسالة الالهية ، وبغض النظر انه كان سببا ولو من خلال استغلال اسمه زورا وكذبا وبهتانا ليكون (الاها) يعبد من دون الله بدلا من ان يكون شخصه منارة تهدي الى الله سبحانه الواحد الاحد الذي ليس كمثله شيئ والذي لم يلد ولم يولد .... بغض النظر عن كل ذالك فهو حمل عناوين كثيرة ، تكاد تكون قريبة جدا من المهدي المنتظر ، الذي يبني دولة العدالة في اخر الزمان والذي يحتاج هذا المهدي لامثال عيسى ابن مريم في بناء دولته العتيدة من جهة ،وليكون له برهانا وسندا في ظهوره اخر الزمان من جانب آخر !!.



ان مايقارب بين الحالة المهدوية وعيسى ابن مريم في وحدة الهدف وتعدد الادوار في الدولة المهدوية اشياء كثيرة جدا ولكن من اهمها هو الاتي :



اولا : معروف ان الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف ) في المدرسة الاسلامية الشيعية الامامية الاثني عشرية هو امام مولود وغائب عن الانظار بامر الله سبحانه وتعالى وانه سيظهر بعدغيبته ليقيم دولة العدالة الالهية في اخر الزمان وهذه الحالة مشابهة ورديفة تماما لرفع الله سبحانه وتعالى لعيسى ابن مريم ع اليه او الادق القول لغيبة عيسى ابن مريم ورفعه الى الله بعدما حاول الطغاة قتله وصلبه وكون عودة عيسى من رحلةالغيبة الالهية هي بحد ذاتها عملا الاهيا اعجازيا ، فستكون حتما ردفا وسندا لفكرة الامام المهدي الغائب عند ظهوره وكيف ان عيسى سيشهد لحق غيبة الامام المهدي كما سيشهد لغيبته السماوية وظهوره او عودته من جديد ، وهذا يعتبر من المعاجز الالهية التي سيحققها الله سبحانه وتعالى في دولة المهدي ، التي ستشهد للمهدي بالصدق والحق في غيبته وعودته وظهوره من جديد !!.



ثانيا : وكما اسلفنا ان دولة المهدي المنتظر عليه السلام ماهي الا دولة العدالة الالهية للبشرية جمعاء ،وانها ستضم تحت اطارهاالعالمي جميع التنوعات الدينيةالطالبة للقسط والعدل ضد الظلم والجورولاسيما منها المسيحية الموجودة الان وبكل ما للعالم اليوم ، وغدا من تطور تكنلوجي وعلمي فائق عن الخيال ، ولكن وبما ان الدولة المهدوية ستقر البشرية على اديانهاوتوفر لهم حرية الاعتقاد والعدالةوالقسط في الادارة والحكم يتبقى هناك بعض المصالح العالمية والاستراتيجية التي تقف عائقا عملاقاامام نهضة الامام المهدي ودولته العالمية لاسيما من القطب الحاكم للعالم اليوم وربما غدا في العالم المسيحي بالذات ، لاسيما ان الظلم والجور سيكون مشتركا ، بين هذا العالم والعالم الاخر الذي سيظهر به الامام المهدي المنتظر ، وهنا ربما نستطيع فهم :لماذا عيسى ابن مريم المسيحي الحقيقي بالذات لابد ان يكون هو مع الامام المهدي وداخل دولته وليس غيره من الرسل والانبياء الاخرين !!.



لاريب ان معادلة عيسى روح الله عليه السلام داخل الدولة المهدوية لا اقل من كونها المعادلة التي ربما سوف تحيّد العالم المسيحي من الاصطدام المباشر مع امتدادات دولة الامام المهدي القادمة ،والزاحفة لاسيما ان ادركنا ان فكرة عودة السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام الى الحياة والعالم ، ونزوله اسلاميا الى الدنيا ، فكرة لاتختص بها المدرسة الاسلامية فحسب بل وهناك من بقايا المدرسة المسيحية العالميةاليوم وجود لفكرةعودة المخلص المسيحي الى الارض ايضا ، مما يهيئ الارضية العقدية المسيحية نفسها لقبول فكرة المنقذ المسيحي وليس الاسلامي بطبيعة الحال ، وهذا يدفعنا للاعتقاد ان عيسى عليه السلام سيكون هو غصن السلام الاخضر في دولة المهدي الذي سوف يفتح الله على يديه قلوب العالم المسيحي للعدل والقسط المهدوي قبل جغرافيتهاللدبابات والمدافع والصواريخ وقنابل الحروب المدمرة ، ليكون عيسى قائدا للجانب الغربي للعالم مع المهدي المنتظر الذي سيقود العالم من قلبه الشرقي في دولته المباركة ، ومن ثم ليتقاسم سلطة العدل والقسط على العالم بمجمله ، قطبي العالم الثنائي عيسى والمهدي المنتظر كل حسب تنوعه ولكن بعدالة الاهية عامة وشاملة !!.



والى هنا ينتهي بحثنا في عدالة الدولة المهدوية وثنائية قطبيتها في حكم العالم بين المنتظر وعيسى عليهم صلوات ربي وسلامه ابدا مابقي ليل ونهار !.

________________________________



alshakerr@yahoo.com

للمزيد من البحوث والدراسات الاسلامية : مدونة حميد الشاكر .