السبت، أكتوبر 01، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 6 حميد الشاكر


لايشكك الامام محمدباقرالصدرفي تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا بالنظام الديمقراطي الراسمالي وانه كان في يوم من الايام ، ولم يزل ربما عند كثير من المستفيدين من هذا النظام للحظة انه النظام الاصلح ، والامثل لادارة العالم الانساني كما ان الامام ( رحمه الله ) وفي معرض تقديمه للنظام الديمقراطي الراسمالي ايضا لا يشك انه النظام الاجتماعي الذي ناضل مريديه والمؤمنون به كثيرا من اجل الاطاحة بنوع من الظلم ، والدكتاتورية السياسية ، التي كانت جاثمة على قلب اوربا وانه النظام الذي حاول التخلص من الكابوس الكنسي الديني المتحجرالذي كان يكتم على انفاس المجتمعات المسيحية الاوربية وهوالنظام الذي اعلن الثورةعلى التخلف الاقتصادي ومستوى المعيشة المتدنية للفرد الاوربي ، وهو النظام الاجتماعي كذالك الذي بشرّ بالحرية والازدهار والتقدم والتطور والكرامة البشرية .... وغير ذالك !!.

كل هذا لم ينكره الامام الصدر ( رض ) في تمهيده الذي تناول النظام الديمقراطي الراسمالي الحديث عندما قال : (( ولنبدأ بالنظام الديمقراطي الراسمالي .هذا النظام الذي أطاح بلون من الظلم في الحياة الاقتصادية ، وبالحكم الدكتاتوري في الحياة السياسية ، وبجمود الكنيسة وما اليها في الحياة الفكرية ، وهيأ مقاليد الحكم والنفوذ لفئة حاكمة جديدة حلت محل السابقين ،وقامت بنفس دورهم الاجتماعي في اسلوب جديد )) . 1 .

ثم بعد ذالك يشرع الامام الصدر بطرح ابرز المعالم الفكرية ، للنظام الديمقراطي الراسمالي ، بل وقد طرح الامام الصدر في شرحه لاساس النظام الديمقراطي قبل ان يبدأ بنقد هذا النظام، والمذهب الاجتماعي الحجر الاساس الذي اعتمد عليه كل النظام الفكري والاجتماعي الراسمالي الديمقراطي الا وهو حجر ( الايمان بالفرد ) او الايمان بالفردية كحجر اساس لاثاني له ولاثالث في اقامة كل البناء المجتمعي الديمقراطي الراسمالي منذ قيام هذا النظام في العالم الاوربي الحديث وحتى اليوم !!.
اكثر من ذالك ، فان الامام باقرالصدر ( رض ) عندما اراد الابتداء بالحديث عن النظام الديمقراطي الراسمالي ، وماهية اسسه الفكرية ، وذكر الفردية كاساس اهم ووحيد بهذه المنظومة المذهبية للنظام الديمقراطي الراسمالي لم ينس ان يشير الى ايمان هذا النظام المطلق بالفردليس باعتباره اساس المذهب الاجتماعي الديمقراطي الراسمالي فحسب بل ولانه من الناحية الفكرية الاخرى للراسمالية ذاهبة لرؤية ان الفردهوالضامن الحقيقي لمصالح المجتمع باعتباران مصالح الفردالفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية....الخ هي نفسها الكفيل الوحيد الذي يسرّب الى مصالح المجتمع الكلية كذالك وبدون اي تناقض او تضارب او صراع بين الوجودين !!.
وعلى هذا الاساس الجوهري لفكرة النظام الاجتماعي الراسمالي الديمقراطي للفرد ومن خلال هذه الرؤية ، التي لاتجعل هناك اي فاصل بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع دعت الراسمالية الديمقراطية الدولة وكافة مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية لحماية الفرد ومصلحته وحريته ونشاطه ......الخ ، وان لاتكون الدولة كمؤسسة مالكة للسلطة والادارة الشكلية معيقة او مقيدة او متدخلة في نشاط الافراد وحرياتهم وتطلعاتهم داخل المجتمع الا بقدر حفظ النظام بين الافراد فحسب !!.

يقول الامام الصدر وهو يشرح لنا اسس النظام الاجتماعي الديمقراطي الراسمالي ونظرته للفرد ومصالحه ومايترتب على هذه النظرةالتقديسية للفردية داخل المجتمع وفي اطار ماينبغي على الدولة القيام به : ((وقد قامت الديمقراطية الرأسمالية على الايمان بالفرد إيمانا لاحد له ...... وبأن مصالحه الخاصة بنفسها تكفل – بصورة طبيعية – مصلحة المجتمع في مختلف الميادين ... وان فكرة الدولة إنما تستهدف حماية الافراد ومصالحهم الخاصة فلايجوز أن تتعدى حدود هذا الهدف في نشاطها ومجالات عملها .)) . 2 .

إن مايميز طرح الفيلسوف الصدر رحمه الله لمبادئ النظام الديمقراطي الراسمالي واسسه وقواعد منطلقاته الفكرية ، سواء كان في تمهيده الفلسفي هذا لكتاب فلسفتنا او ماتناوله بشكل اوسع في كتابه اقتصادنا انه طرح وللمطلعين بشكل دقيق للفكر التاسيسي للنظام الراسمالي فاق حتى طرح اؤلئك المؤمنين بهذا النظام الراسمالي نفسه في روعة التنسيق واناقة العبارة ووضوح المقاصد !!.

اي ان الملتفت لما طرحه الاباء المؤسسين اسلوباورشاقة للكلمةووصولا الى الغاية بشكل لاتعقيد فيه لفكر النظام الراسمالي الديمقراطي الحديث من (أدم سميث) والى (ريكاردو) وحتى (بنتام) و (جيم ستوارت ميل)....الخ وغيرهم من فلاسفة نظروا للاقتصاد الراسمالي الكلاسيكي وتحدثوا عن فكرة الفردية والفلسفة النفعية كرديف مساند للاطروحة الراسمالية الديمقراطية ، يجد ان في طرح الفيلسوف الصدر امام ما طرحه هؤلاء المفكرين الاقتصاديين وغيرهم من الفلاسفة الراسماليين النفعيين طرحا يتميز بالوضوح ولملمت مابعثره ( ريكاردو ) او ما حاول ايصاله ماركس حول الاقتصاد الديمقراطي الراسمالي نقدا الا انه تعثر في ذالك !!.

اما اسلوب الامام الصدر الذي صاغ لنا فكرة النظام الديمقراطي الراسمالي وقدمها بشكلها البسيط والواضح والغير معقدبمفردات الفلسفة ودعاة التقعيرفي الفكروكذالك ما لملمه الامام الصدرمن شتات هذا الفكر وصياغته بقالب يتمتع بالاختصار الكبير وبنفس الوقت بالطرح الشامل تقريبا لمفاصل النظام الديمقراطي الراسمالي العامة فكل هذا تميز به اسلوب الامام الصدرفي طرحه الفكري العام ، ليس فقط للنظام الراسمالي الديمقراطي فحسب ، بل انه مُميز بارز في كل فكر الامام الصدر الذي ناقش اكثر من نظام ونظام اجتماعي ، واكثر من مفردة فلسفية ، واخرى اجتماعية على هذا الصعيد ، وكأنما يبدو لكل قارئ لشرح الصدر وطرحه وهو يتناول النظم الاجتماعية ، ومنها النظام الراسمالي الديمقراطي الحديث ، انه أمام مفكر استوعب بشكل تام دقائق ، وجميع مفاصل الفكر الذي يتحدث عنه بالاضافة لشعور القارئ وهويقرأ للامام الصدرللوهلة الاولى وفي مقدمات شرحه لاي فكرةاونظام اجتماعي انه امام انسان مؤمن بهذا النظام الذي يطرحه شرحا ، او من المدافعين المتحمسين عن فكره وقواعده واسسه ومنطلقاته !!.

وهذا ان دلّ على شيئ فانه يدل على ان الامام الصدر ، ليس فقط انه من مميزاته الكثيرة ، انه فيلسوف احدث مايشبه الطفرة الفكرية ، للمدرسة العراقية الاسلامية المعروفة بالتقليدية العميقة ، بل انه مفكر تمكن من التفوق على فكر الاخرين الذي لاينتمي له ، بنفس القدرة التي تمكن من خلالها في فكره الاسلامي الذي هو مؤمن به ويدعوا اليه وينظر له كمخلص لهذه البشرية الغارقة في الضياع !!.

نعم قرأنا للكثير ممن حاول ان يشرح لنا الراسمالية باسسها ومداخلاتها وتعليلاتها وكذا اهدافها وغاياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية ،لكننا لم نصادف من يختصر الراسمالية الديمقراطية بخطوطها العامة بوريقات معدودة ليوصل للامة ماهية هذه الراسمالية الديمقراطية ، وكيفية لعبها على متناقضات فكرية ، لا تظهر في الوهلة الاولى الا لذوي الفكر الثاقب والقريحة الفكرية الناقدة والبصيرة !!.

وهذا بالفعل ماقام به الامام الصدر تجاه الراسمالية الجشعة التي تاجرت بالمفاهيم الانسانية الراقية كالحرية والديمقراطية كمتاجرتها بالسلع وترويج قوانين السوق وطرحها للخلاص البشري بصورة مخادعة وكاذبة !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13.
2: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13 .