السبت، يناير 26، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم العشرن

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم العشرن
حميد الشاكر
((الهجوم على الفلسفة ))
5
***********************
بعد ما ذكرناه في (القسم التاسع عشر) من بحوثنا هذه من تفاخر المرحوم ((علي الوردي)) بانتمائه للسفسطة كمنهج علمي ومدرسة فكرية وهجومه على الفلسفة باعتبارها خزعبلات وصاحبة منطق لايستحق الاحترام ، وبعد ان بينا إشكالية ان يكون مثقفا كعلي الوردي يطرح نفسه كعالم للاجتماع ، ثم هو في نفس الوقت يجاهر بكونه سفسطائيا لايعترف بحقيقة اجتماعية ولا بوجود اجتماعي او اي وجود اخر ....، واوضحنا ان هذا تناقض مضحك مبكي في الحقيقة في منهج تفكير المرحوم علي الوردي ، بين ان يكون علم الاجتماع نفسه قائم على وجود المجتمع ويدرس ظواهره وقوانينه الخارجية عن الانسان ، وبين ان تكون السفسطة كمنهج ومنطق فكر لاتعترف باي وجود واقعي خارج الانسان !!.
لكن مع ذالك ولعدم التفات المرحوم الوردي لهذه المهزلة الذي يطرحها حول السفسطة (( وطبعا ايضا باسم المنطق الجديد وعلم الاجتماع الحديث ، ونظريات العلم المعاصرة ..)) وتلميع صورتها ونفخ الكفاءة في منهجها وشعوره بالافتخار للانتماء اليها .....الخ بقي مستمرا من خلال التنظير الى كيفية : ان تكون السفسطة هي منطق العلم الجديد بينما الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي هي المنطق القديم ومجرد الخزعبلات الغير مفيدة !!.
هل كان حقا يدرك علي الوردي المدرسة السوفسطائية بجميع مبادئها الفكرية عندما كتب (( فصله التاسع)) من كتاب مهزلة العقل البشري : ماهي السفسطة ؟.
سؤال في الاجابة عليه ربما تحل الكثير من الاشكاليات في رؤية الوردي للسفسطة ولماذا هو يناصرها ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي القديم حسب راي المرحوم الوردي !!.
من قراءة فصل (( ماهي السفسطة )) للمرحوم علي الوردي يتضح لنا ان علي الوردي في بداية الفصل اشار الى مبدأين من مبادئ السفسطة كان يعتقد انهما من ارقى المبادئ الاجتماعية والعلمية للمدرسة السفسطائية وهما :
الاول : هو رؤية السفسطائيون للعدل الاجتماعي الذي اطاح بالرؤية الافلاطونية النظرية لهذا العدل حيث يقارن علي الوردي بين الرؤيتين قائلا :(( كان افلاطون يرى بان العدل عبارة عن فكرة مجردة يمكن الوصول اليها عن طريق التفكير السليم اما السوفسطائيون فكانوا على العكس من ذالك يرون العدل من صنع التاريخ ونتيجة من نتائج التفاعل الاجتماعي / 1 )) .
ثانيا : وهو مبدأ (( ان الانسان مقياس كل شيئ )) ثم يعقب علي الوردي على هذا المبدأ بالقول : (( وذهب السوفسطائيون الى ان الحقيقة هي تناقض ونزاع فكل انسان يرى الحقيقة حسبما تقتضيه مصالحه وشهواته ، وبتنازع هذه الحقائق الفردية تنبعث الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بوجه عام / 2 )) .
اما في المبدأ الاول الذي ذكره الوردي فنقول : للقارئ الكريم ان يرجع الى جميع المؤلفات العربية والانجليزية التي تناولت مبادئ المدرسة السفسطائية وتاريخها وان وجد هذا القارئ بما في ذالك المختصين منهم ان من مبادئ المدرسة السفسطائية هو الحديث عن ((العدالة ، وكيفية حركتها الاجتماعية )) ، فانا كفيل بالانحناء احتراما لكل ما طرحه علي الوردي من مهازل واكاذيب تخلط الحق بالباطل !!.
والحقيقة انا لااعلم من اين جاء الوردي بهذا المبدأ ولصقه للمدرسة السفسطائية ، التي من مهامها الرئيسية هو التاكيد على عدم وجود اي حقيقة فكرية سواء كانت فردية اواجتماعية قائمة او اي فكرة خارج الوجود الانساني سواء كانت فكرة الوجود او العدل او الاجتماع في واقع الحياة من جانب اخر !!.
بل انه لا علاقة اصلا للمدرسة السفسطائية اليونانية ، ولا الحديثة بمفاهيم المجتمع الوجودية او الاعتبارية وملابساته بغض النظرعن تناول موضوع العدل الاجتماعي بالبحث والتدقيق والدراسة من هذه المدرسة !!.
ولكن كعادته علي الوردي في استغفال الفكر العراقي الحديث عندما يطرح فكرة ويرجعها الى مصدر اجنبي ،كي يختلط الحابل بالنابل على الفكر العراقي الغير مختص بشؤون الفلسفة وتاريخها بصورة خاصة والقارئ العراقي البسيط بصورة عامة فعلي الوردي ومن اجل الدفاع عن ارائه اللاعلمية والسطحية مستعد لان يحشد كل الكذب وينمقه بشكل يظهر القبيح جميلا والجميل قبيحا بلا فرق ، والمهم عنده هو كيفية الانتصار لرؤاه الثقافية المتناقضة والاثارة لااكثر ولا اقل !!.
عند ديوانت ( مثلا ) كاتب قصة وتاريخ الحضارة منذ عصورها الحجرية حتى الثورة الفرنسية ، وهو كذالك فيلسوف مختص بشؤون الفلسفة وتاريخها القديم والحديث ، يذكر لنا ماذكرناه سابقا من مبادئ للمدرسة السوفسطائية وعلى لسان تلميذ (( بروتاغوراس / 451 ق م / 415 قام بزيارة لاثينا )) اشهر سوفسطائي يوناني على الاطلاق وهو (( غورغياس الليونتيني / ولد 483 ق م )) حيث يعدد مبادئ السفسطة بالاتي :
اولا : لاوجود لشيئ ما .
ثانيا : ولو ان شيئا وجد لكانت معرفته مستحيلة .
ثالثا : ولو ان شيئا كانت معرفته ممكنة فلما امكن نقل هذه المعرفة لانسان اخر / 3 .
وهكذا ما ذكره صاحب كتاب فلسفتنا حول ((غورغياس)) في كتابه (( اللاوجود )) حيث عدد ((الصدر محمد باقر )) ايضا المبادئ السوفسطائية الثلاثة المذكورة انفا لاغير / 4 .
ثم بعد ذالك لا ذكر لاعند (ديورانت) ولاعند غيره لمبدأ ((العدالة الاجتماعية)) الذي يتحدث عنه الوردي كاحد مبادئ المدرسة السفسطائية العتيدة !!.
اذا من اين اتى علي الوردي بهذا المبدأ الاجتماعي في العدالة ، لينسبه للمدرسة السفسطائية البعيدة عن اي بحوث لها علاقة بالمجتمع او بحركته او بمفاهيمه القيمية هذه ؟.
بمعنى اخر ليكون السؤال اكثر توجيها واصابة لحقيقة الوردي الفكرية عندما يحاول قلب الحقائق من خلال صناعة الاكاذيب وطرحها على انها حقائق مسلم بها ، وهو : لماذا طرح المرحوم الوردي مبدأ العدالة الاجتماعية في فصل (( ماهي السفسطة )) من كتابه مهزلة العقل البشري ولم يطرح المبادئ التاريخية المعروفة لهذه السفسطة كما طرحها ديورانت والصدر وبدوي ... وباقي المختصين بتاريخ وشؤون الفلسفة القديمة والحديثة ؟.
الجواب واضح تماما : وهو ان علي الوردي لو اراد ان يطرح (( ماهية السفسطة )) كما هي في حقيقتها ، وواقعها التاريخي لاصبح اضحوكة عندما يتفاخر بالانتماء الى فكرة تدميرية مجتمعيا بهذا الشكل فليس امامه اذن الا صناعة الكذب ونسبته الى مبادئ السفسطة لينتصر في معركته العبثية التي يريد الصعود من خلالها كاحد مفكري القرن العشرين الحديث !!.
نعم علي الوردي ذكر من ضمن مبادئ المدرسة السوفسطائية انها مدرسة تؤمن بمبدأ (( ان الانسان مقياس كل شيئ )) وهذا فعلا من مبادئ المدرسة السوفسطائية، ولكن بدلا من ان يفهم علي الوردي من هذا المبدأ انه كارثة على كل مجتمع يؤمن به كما فهمه مثلا (( ول ديورانت )) عندما ذكر انه :
(( لم يكن قولهم ان المعرفة شيئ نسبي سببا في حمل الناس على التواضع كما يجب ان يكون ، بل انه أغرى كل انسان بان يتخذ من نفسه معيارا يقدر به جميع الاشياء فاصبح كل شاب نابه يحس بانه خليق بان يحكم على القانون الاخلاقي ... وان يرفضه اذا لم يفهمه او يعجبه ... كان هذا الميل وتلك التفرقة عاملا في تقويض الدعائم القديمة للاخلاق اليونانية ../ 5 )).
بدلا من ان يدرك (الوردي) هذه الحقيقة التي تنعكس بسلبية تدميرية على استقرار وتماسك ووحدة المجتمع واحترام القانون من فكرة (( ان الانسان هو معيار اي حقيقة )) ذهب للاشادة بهذا المبدأ ، بل وجعله سبب في انبعاث : (( الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بوجه عام / 6 )) !!..
ماهي هذه الحقيقة الوسطى ؟.
وهل يفهم القارئ الكريم مايقصده المرحوم علي الوردي بمصطلح (الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بشكل عام) ؟.
وهل هناك مصطلح علمي او اجتماعي توافقت عليه البشرية تحت اسم الحقيقة الوسطى ؟. ... الخ .
انا شخصيا لم اقرأ في حياتي مصطلح (الحقيقة الوسطى)لا في الفكرالفلسفي اليوناني ولا الفكرالاسلامي ولا المادي الماركسي ولا الوجودي ولا حتى النفعي الراسمالي الفردي ... ، فماهي هذه الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني عندما يكون لكل فرد في المجتمع مقاييسه الفكرية الشخصية وقيمه الانانية التي تتناقض مع مقاييس ومعايير باقي افراد المجتمع ؟.
ثم كيف عندما تتناقض مقاييسي ، ومعاييري الاخلاقية والفكرية الشخصية مع الاخرين بحيث يصبح كل منا يعيش في مجتمع لايملك لاهدفا مشتركا لافراده ، ولا رؤية موحدة ولا مصالح منسجمة ، ولا غاية سامية ، ولا تعاونا متكاملا ..... وبعد ذالك كله سنصل جميعا الى الحقيقة الوسطى الاجتماعية المفيدة للنوع الانساني بشكل عام ؟؟؟؟.
على اي حال هذا الرجل مسكون بمتناقضاة عقلية وفكرية وحتى شخصية ،وهذا ما اشرنا اليه في ازدواجية الشخصية الفكرية للمرحوم علي الوردي في ((القسم العاشر)) من هذه السلسلة البحثية ، بل انه ومع الاسف يقرأ الفكر الانساني بصورة عامة بشكل (سطحي وقشري) تماما وبعقلية عامية ساذجة ولايدرك من ابعاده وانعكاساته الفكرية والعلمية اي بعد غير الانعكاسات السطحية التلقائية التي لاتدرك ماهية التحليل العلمي لكل مفردة في هذا الفكر الواسع ، ولهذا هو يحاول ان يفهم السفسطائية من خلال ماطرحته بعض المدارس الفكرية (( وخصوصا جناح متطرف من المدرسة المادية الماركسية ، التي ذهبت بعيدا في العداء للفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي من خلال الديالكتيك ، ورؤيته التناقضية )) التي لديها اشكالات فكرية مع الفلسفة ومشروعها الانساني العام ،ولكنه (المرحوم علي الوردي مع الاسف) يتورط دائما بكيفية الدفاع عن هذه الافكار التي يطرحها بدون امكانية فكرية لديه للدفاع عنها او التنظير الجديد لمحتواها المتناقض ، فيلجأ مرغما للتدليس والكذب والتمويه والخداع ونسبة ماهو ليس من الفكرة اليها ، كما رايناه ينسب فكرة ((العدالة الاجتماعية)) التي هي من مخترعات الفيلسوف اليوناني (( افلاطون 427 ق م / 348 ق م )) لينسبها للسفسطة وليهاجم على اثرها افلاطون صاحب ((الجمهورية)) واستاذ مؤسس منطق التفكير الانساني (( ارسطو)) .
بعد ذالك وفي نفس الفصل المشار اليه في كتاب مهزلة العقل البشري لعلي الوردي (( ماهي الفلسفة )) يترك كعادته الوردي الموضوع معلقا بدون بحث علمي او توضيح فلسفي لماهية (السفسطة) ليعزف على وتريات الخمسينيات العراقية المناهضة كانت اجتماعيا لرجال الدين ليطرح من وجه اخر المرحوم علي الوردي (( السفسطة )) على اساس انها المدرسة الاولى التي ناهضت الخرافات الدينية الاثينية اوانها النواة الثورية الاجتماعية التي حاولت بناء فكر نقدي لرجال الدين وخرافاتهم الوثنية الدينية ،ولذالك اصبح العداء مستفحلا من قبل العوام الغوغاء ورجال الدين الاثني لمشروع السفسطة باعتباره الحركة الثورية المتمردة على التقاليد والاعراف الدينية الوثنية الجامدة !!.
بل ان الوردي يذهب الى اكثر من ذالك اشادة بالسفسطة ،وطبعا لا ليطرح طرحا علميا وتاريخيا وبحثيا جديدا حول السفسطة بل ليثير السذج من رجال دين كانوا اشبه بالاميين فكريا على مثل هكذا طرح ،ليثير المرحوم الوردي على اثر ذالك زوبعة في فنجان يخرج من غبارها على اساس انه هو طارح ماهو جديد ومحرك للعقل العراقي الثقافي والديني والفكري الجامد ، ولهذا رايناه ينظر للسفسطة على انها :
اولا : (( ان السفسطة كانت فلسفة ذات اهمية اجتماعية لايستهان بها ومن سوء حظ البشرية انها غلبت وقتلت في مهدها / 7 )) .
ثانيا : (( ان السوفسطائيين كانوا يقومون في المجتمع الاغريقي بمثل الدور الذي قام به الحنفاء في مكة قبل البعثة المحمدية فكانوا يمهدون بشكوكهم طريق النبوة / 8 )) .
هنا من حقنا ان نتسائل بعلمية : لماذا دائما (( علي الوردي )) وفي كل مناقشاته الكتابية يترك صلب الموضوع تماما لينتقل بالموضوع ومحاوره من بحثه بكثافة علمية اكاديمية خالصة الى جعله في اطار تراثي او اجتماعي يحاكي مشاعر السذج من عوام الناس وجهلتهم ليتكئ على موروث الافراد الساذج الديني والاجتماعي ليصور ((المدرسة السوفسطائية )) على اساس انها مجموعة من الحنفاء الموحدين اللذين مهدوا لمحمد الرسول ارضية رسالته الاسلامية التوحيدية ؟.
هنا من سينبري لنا من المناصرين لفكر الوردي العبثي ليحدثنا عن عبقرية الوردي الاجتماعية وكيف انه يريد ان ينزل اعقد الافكار الفلسفية ليصيغها اجتماعيا ومن ثم ليفهمها للناس بصورة بسيطة وسهلة !!.
لانعدم هذا النوع من المدافعين عن فكر((الوردي)) السطحي والقشري ليصبح ماهو ساذج من الافكار في قمة العبقرية والعمق ولكننا لم نزل نبحث عن العلمي والفكري حقا في الفكر والعلم والفلسفة ، ولا ننساق خلف الفزعات الايدلوجية والحزبية هنا وهناك لفكر الوردي المطروح باسم العلم والفلسفة وعلم الاجتماع ، وهذا ما يدعونا لطرح هذا السؤال ايضا والمتصل بفكرة الوردي وترويجها للمدرسة السفسطائية المدمرة وهجومه على الفلسفة ومشروعها الانساني الكبير لنطرح من جانب اخر :
لماذا حاول المرحوم (الوردي) ان يطرح المشروع السفسطي على اساس انه مشروع الثورية غير التقليدية ، بل انه مشروع شبيه بالحنفية الدينية التي ينبغي ان يرحب بها اتباع محمد الرسول لا ان ينظروا اليها على انها عبث وفوضوية لاغير ؟.
بمعنى اخر : لماذا حاول ايضا المرحوم الوردي في كتاب اخر وهو كتاب (( خوارق اللاشعور / الفصل الثاني )) تحت مسمى (( المنطق الارسطوطاليسي )) ان يطرح نفس هذه السوفسطائية الغير مؤمنة باي وجود على اساس انها :(( منطق الطبقات الكادحة من عبيد وفقراء وعمال ............. بينما يطرح الفلسفة والمنطق الارسطي على اساس انه منطق السادة والاقطاع والراسماليين والتجار واصحاب الترف وعدم المشاكل والمحامين عن بقاء الوضع الاجتماعي على ماهو عليه / 9 )) ؟؟.
هل كان علي الوردي فعلا يدرس المدرسة السوفسطائية ،وكذا المدرسة الفلسفية من منطلقات اجتماعية تحليلية علمية تحاول ارجاع هذه الافكار الى منابعها الطبقية ، ولهذا استخدم هنا المرحوم الوردي المنهج الاجتماعي الماركسي الشيوعي في قراءة الافكار وانتماءاتها الطبقية ؟.
أم ان المرحوم الوردي (لاعب وبهلوان) سياسي وايدلوجي ممتاز استطاع فهم توجهات الشارع والفكر العراقي في خمسينات القرن المنصرم نحو الاشتراكية والعمالية والشيوعية الماركسية ، فاراد تحشيد هذه التوجهات الجماهيرية او خداعها بصورة اوضح ، واستغلال جهلها بالموضوع الفلسفي الفكري العميق لتحشيد هذا الكم الهائل جماهيريا وثقافيا عراقيا لمناصرة افكاره الفوضوية ومهما كانت لاعلمية ولافكرية ولا حتى ثقافية ؟.
حتى يكون جوابنا فكريا وعلميا وليس حزبيا او ايدلوجيا ينبغي ان نجيب على هذا السؤال ليتضح لنا : هل ان علي الوردي حقا وعلما كان منطلقا من منهجية اجتماعية علمية ماركسية في رؤيته الطبقية تلك للفكر السوفسطائي ؟ .
ام انه كان مجرد ((ضاحكا على الذقون )) ومستغلا لعواطف ومشاعر جماهير عراقية كانت تؤمن بالطبقية وتنتصر للكادحين وتعشق الفقراء والمساكين لكن بدون وعي لهذا الفكر الماركسي اوفهم لمبادئه وفلسفته الاجتماعية ولهذا حاكاهم الوردي بما يعشقون ليضمن دفاعهم عن افكاره لكن بما لايدركون ولا يحيطون به ، حتى لايلتفتوا لتدليس الوردي على فكرهم ومنهجهم ومنطقهم الماركسي العلمي الاجتماعي في هذه الموضوعة !!.
ومضمون السؤال هو : كيف نظرت المدرسة الماركسية المادية نفسها ،وباساطين مفكريها ومنظريها من العرب وغير العرب للمشروع الفلسفي ومنطقها الارسطي الاسلامي بصورة عامة ، وللسفسطة بصورة خاصة ؟.
وهل كان مفكري المدرسة الماركسية المادية ينظرون للفلسفة ومنطقها على اساس انها منطق المترفين والاسياد الطاغين ؟.
أم انهم كانوا ينظرون للفلسفة بشكل عام وللمنطق الارسطي بالذات بشكل خاص على انه النقلة الفكرية المعجزة التي وهبها التاريخ للبشرية كي تكون له عونا لفهم العالم والوجود والانسان ؟.
(( لينين )) كرب من ارباب الماركسية المادية الحديثة ، ومنظرها الاجتماعي العتيد كان يرى في ((دفاتره الفلسفية )) :(( ان ارسطو يبحث /في منطقه/ عن المحتوى الانتولوجي للعمليات المنطقية ،وانه يجمع دائما بين المنطق الذاتي / اسلوب التفكير العقلي / والمنطق الموضوعي / منطق الاشياء الخارجية / بحيث يتجلى عنده المنطق الموضوعي دائما / 10 )) .
وعندما انتقد هيجل (( شكلية المنطق الارسطي )) ثم بعد ذالك اثنى على هذا المنطق بقوله :(( ان منطقا لايعني بهذه المسألة لايمكنه في اقصى احتمال ان يدعي قيمة وصف طبيعي تاريخي لظاهرات الفكر )) علق لينين بالقول :(( بالضبط هذه مأثرة ارسطو الخالدة / 11 )) ,
وهذا ما يتعلق بالمنطق وقيمته العلمية لدى اساطين الفكر العالمي بصورة عامة وقادة الفكر الماركسي المادي بصورة خاصة !!.
اما ما يتعلق بمشروع الفلسفة ، كفلسفة فكرية بصورة عامة حاولت الكثير من اجل صناعة حضارة انسانية شاملة من عمق جماهير ثورية متطلعة للعدالة والحرية فيكفينا هنا ان نعتمد على ما لاحقه المفكر الماركسي المادي الكبير (( حسين مرّوة )) رحمه الله في كتابه (( النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية )) حيث يذهب وهو يقرأ مشروع (( الكندي الفلسفي )) باعتباره نواة الفلسفة العربية الاسلامية فيما بعد في المجلد الثاني ، من هذا المشروع الضخم لقراءة التراث الفلسفي العربي والاسلامي من الفصل الثاني الى فكرة مفادها :
ان الفلسفة لم تكن ظاهرة فكرية اجتماعية هبطت على العالم العربي ، والاسلامي من علي بلا مقدمات او تداخلات اجتماعية طبقية بل كانت الفلسفة هي نتاج ((ظاهرة تداخل مرحلتين من التطور الاجتماعي العربي الاسلامي )) الاولى كانت هي ظاهرة الاقطاع المتحالف مع رجال الدين التقليديين والذي على اثره جاءت ظاهرة((علم الكلام اللاهوتي الصرف)) التي تحصر موارد المعرفة الانسانية بمصدر الوحي واللاهوت لاغير !!.
والمرحلة الثانية ، وهي مرحلة الجماهير وتحرك ثورات الطبقات الكادحة ومطالبتها بالعدالة والحرية ،وهذه الظاهرة هي التي فرضت ولادة الفلسفة كتعبير حي عن تطلعات الطبقات الجماهيرية الكادحة التي كانت ترنوا للتطور والتقدم والتغيير في حركة العالم العربي الاسلامي ولهذا ولدت الفلسفة كمشروع لبناء ((مصدر معرفي جديد)) يشارك في بناء المعرفة العربية الاسلامية مع مصدر الدين الا وهو مصدر العقل / 12.
اذا حسب رؤية المختصين بالفكر الماركسي الطبقي لم تكن الفلسفة كما حاول المرحوم الوردي تصويرها من انها منتج طبقي اقطاعي او سيادي لاهوتي ينظر للمجتمع من علٍ اولا ولم يكن المنطق الارسطي جامدا او طوبائيا او تافها بلا فائدة كما يحب ان يصوره الوردي دائما مقابل المنطق الفوضوي السوفسطائي ، بل كانت الفلسفة ولم تزل نقلة نوعية منذ عهد اليونان القديم وحتى عصرنا الحاضر ، وهكذا منطقها الذي لم يدرك من ابعاده المرسوم الوردي الا منطقه (( الاستنباطي القياسي )) مع ان هذا المنطق ايضا وهب للفكر البشري المنطق الاستقرائي العلمي التجريبي ايضا ، وهو نفس المنطق الذي غير مجرى الحياة الانسانية العلمية واوصلها ماهي عليه الان !!.
لكن يبدو ان المرحوم الوردي لم يكن على اطلاع ابدا بماهية هذا المنطق فاعتقد انه منطق (( صوري شكلي )) لاغير ولا عمل له الا مناقشة الافكار الطوبائية فحسب !!.
على اي حال توضحت الان الصورة المخادعة للمرحوم علي الوردي الذي حاول من خلالها تشويه الفلسفة ومنطقها وتناولها ايدلوجيا باسم الطبقية والماركسية هذه المرة ،مع اننا راينا كيف ان الماركسية الطبقية نفسها كانت تنظر للامر بالعكس تماما وترى في الفلسفة انها منتج طبقي ثوري حاول ان يعبر عن طبقات الجماهير العاملة والفقيرة وليس العكس كما كان يوحيه الوردي ضد الفلسفة ومنطقها لتحشيدالراي العام الجماهيري الثقافي العراقي ضدها فقط وبدون وعي لحقيقة الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي العلمي الكبير !!.
نعم هكذا هو اسلوب الوردي في تناوله لكل الافكار في كتبه ومؤلفاته ، وهكذا هو امتهان فن قلب الحقائق وطرح السفيه من الافكار على انه العميق من العبقريةولكن ايضا باسلوب المكروالحيلة الذي يعتمد على عواطف الجمهور وتوجهاته الايدلوجية الانية على حساب الفكر والعلم والمنهج والتقدم فيه .... !.
______________________
1 : مهزلة العقل البشري / علي الوردي / الفصل التاسع / ص 155 .
2 : نفس المصدر / ص 155 .
3 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج7 / ص 215 .
4 : فلسفتنا / محمد باقر الصدر / ص 97/ دار التعارف / ط الرابعة عشر .
5 : ول ديرانت / نفس المصدر ص 218 .
6 : مهزلة العقل البشري / مصدر سابق / ص 155.
7 : مهزلة العقل البشري / ص 156 .
8 : نفس المصدر / ص 158 .
9 : خوارق اللاشعود / علي الوردي / ص 75 / ط الثانية دار الوراق لندن 1996م .
10 : نقلا عن حسين مروة / النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية / ج1 / ص 902 / دار الفارابي بيروت .
11 : نفس المصدر .
12 : نفس المصدر / ج2 / الفصل الثاني / الفلسفة العربية في تجلياتها الاولى / من ص 45 الى 118 / وهنا لابد الاشارة ان مروة كان يتحدث عن مشروع الفلسفة في تجلياتها العربية الاسلامية الاولى ، ولم يكن يتحدث باطلاق عن الفلسفة في مشروعها الانساني الطويل .
**********************
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/

الجمعة، يناير 25، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع عشر

 
كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع عشر
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي / الانتصار للسفسطة والهجوم على الفلسفة ))
4
***********************************
تعرض ((مشروع الفلسفة العقلية)) الانسانية في تاريخه الطويل الى تنوعات متعددة من الهجمات العدوانية التي حاولت النيل من وجود الفلسفة ومنطقها الارسطي فيما بعد بالتحديد اولا ((تقريبا من 450 ق م / الى 300 ق م)) ومن مكانتها الفكرية والعلمية ثانيا وقد توزعت هذه التنوعات الهجومية تأريخيا وحتى وقتنا الحديث على الفلسفة ومشروعها بالتشكيلات التالية :
اولا : الهجوم من قبل المدرسة السوفسطائية .
ثانيا : الهجوم من قبل السلطة ورجال دينها الرسميين .
ثالثا : الهجوم من قبل الجاهلين بالفلسفة ومشروعها .
(1)
والحقيقة ان للسفسطة تاريخ يرتد بجذورها الى ما قبل بزوغ شمس المنطق الارسطي الذي جاء كرد على ما طرحته المدرسة السفسطائية بعد مرحلة من تاسيسها في عمق الحضارة الفكرية اليونانية ، ولم تكن السفسطة كما يعلم المطلعون مجرد افكار مشوشة ومتناثرة ومتناقضة ، بل كانت مدرسة جامعية منظمة ومهنية ومتنقلة وبكادر من اساتذة فن الجدل لايشق لهم غبار يعلّمون ويدرّسون مناهج الجدل ، وفن الدفاع عن الاراء مقابل مبالغ مالية ثقيلة تدفع لهم كأجر للتعليم والتدريس ، ومن اهم اساتذة فن السفسطة في العصر اليوناني (( بروتاغورس ، وغورغياس ، وبرودكس ...)) .
ثم ما ان لبثت السفسطة ان تحولت الى مادة تجارية اكثر منها مشروع علم وفن لتناول الحكمة ، ودخلت فيما بعد الى مرحلة العبث الفكري الذي يحاول تدمير ونفي كل تفكير سليم ، والتشكيك بكل حقيقة قائمة ، الى ان وصلت سفن عبثها الفكرية الى مراسي مبادئ شك فكرية ثلاثة وهي :
اولا : ان الانسان ومعاييره الذهنية اساس كل معرفة ولاوجود لشيئ واقعي خارج الانسان .
ثانيا : ولو ان شيئا وجد واقعيا وخارج الذهن الانساني لكانت معرفته مستحيلة .
ثالثا : وحتى ان امكن معرفة ماهو موجود لما امكن نقل هذه المعرفة من انسان لاخر / 1.
وما ان شاعت هذه الفوضى الفكرية بين الناس في العصراليوناني حتى دبت الخلافات الاجتماعية على اثرذالك واهتز التكاتف الشعبي لهذه الامة مما استدعى تدخل الدولة فيما بعد للحفاظ على وحدة ، وتماسك المجتمع الفكرية والروحية والعقدية لتمنع ((الدولة اليونانية)) من ثم فن التفكير الفلسفي والسفسطي من اساسه وتجرم العمل بالتفلسف مهما كان لونه وشكله ، وراح ضحية هذه المأساة الفكرية واحدا من اكابر فلاسفة هذا العصر من غير السفسطائيين العابثين وهو فيلسوف الحكمة اليونانية (( سقراط )) بتهمة افساد شباب اثينا !.
كانت السفسطة (باعتبار جعلها فكر الانسان الفرد معيارا لما هو حق او باطل) بالفعل كماعبر عنها احد الحكماء في الاجتماع من رجال دولة اثينا انذاك بانها : (( السبب الاصيل لتفتيت وحدة المجتمع واحترامه للقانون واجتماعه على حقيقة توحد من جهوده وتدفعه نحو هدف اجتماعي سياسي وعقدي موحد)) ولهذا ما ان استفحل امر السفسطة وآذن بخراب الاجتماع الاثيني اليوناني انذاك حتى انبرى لها حكماء من تلامذة سقراط (( افلاطون ثم ارسطو )) ليبينوا لهذه الامة زيف وشعبذة وخداع كل ما طرحته هذه السفسطة العبثية ، وليعيدوا من ثم للمعرفة والحكمة والفلسفة والمجتمع كل اعتباراته الفكرية من خلال ابتكار (( منطق فكري/منطق ارسطو)) يحصن من ذهن الامة الاثينية وفكرها ويرشدها الى سبل التفكير القويم الموصل الى الحقائق الثابتة والسليمة التي تكشف زيف وتلاعب السوفسطائيين واستغلالهم لجهل الناس لقيادتهم الى العبثية والضياع والتفتت !!.
وبهذا نشأت البغضاء والعداوة بين (( المدرسة السوفسطائية التجارية)) التي لاهدف لها سوى جني الارباح والتلاعب باذهان الناس وقيادهم الى التناحر والتفكك ، وبين الفلسفة ومنطقها الارسطي الذي وضع اسس العلم والحكمة الثابتة ، وابان طرق الحقيقة وكيفية الوصول اليها من خلال البراهين والادلة العقلية القاطعة والمستقرة ، فكان الانتصار ساحقا للفلسفة ومنطقها الارسطي القويم في باقي العهود اليونانية الذي ازدهر فيها العلم والاستقرار والحكمة والفن والتفوق ... ، لكن مع بقاء روح السفسطة ، والشك تنازع البقاء حتى عصورنا الحديثة حيث لم يزل هناك بروز لنتؤات فكرية هنا وهناك سميت مرة بالنسبية واخرى بالشكية وثالثة بالمثالية .....وحتى المادية المعاصرة وهي تعتمد على ما اسسته المدرسة السوفسطائية من منطلقات فكرية تنال من كفاءة الحس الانساني في اصابة الواقع من جهة ،وتنال من كفاءة العقل الانساني في الوصول الى حقائق هذا الواقع المتغير حسب توجهاتها من جانب اخر ، فقد اصيبت هي ايضا في نظريتها المعرفية ببعض من لوثة الشك والسفسطة تلك !.
(2)
ان من الاشكاليات (ايضا) التي جابهت الفلسفة ومنطقها في مشروعها الانساني العقلي الطويل نسبيا بعد السفسطة ورجالها هي (السلطة القائمة) وكذالك (وعاظها الرسميين من رجال دين لاهوتيين) كانوا اصحاب خدمة سياسية اولا ، وريبة فطرية من كل ماهو عقلي ومفكر خارج نطاقات وسياق الطاعة العمياء لاوامرهم المغلفة برداء الدين واللاهوت ثانيا !.
والحق ان الفلسفة ، ومنذ بزوغ شمسها على البشرية كانت احد اهم اسباب وعوامل القلق السياسية والدينية لمشروع الدولة المستبدة من جهة ومشروع الاديان المزيفة المتحالفة مع الاستبداد من جانب اخر ، وذالك لالسبب : ان الفلسفة ومشروعها بالضرورة قد تكون فوضوية وضد الدولة على طول الخط ،او تكون تحمل اساليب تفكير لاتنسجم مع الدين ومبادئه اللاهوتية السامية بل لكون الفلسفة ومشروعها دائما هي ضد الاستبداد السياسي والتخلف والانحراف الفكري الديني ، ومن هنا كانت ولم تزل الفلسفة المشروع النهضوي والثوري المرعب للاستبداد السياسي والديني معا !!.
ولهذا لم يكن (سقراط) هو اول واخر فيلسوف تناهضه (الدولة الديمقراطية اليونانية ورجال الدين الرسميين معها) ليحكموا عليه وعلى الفلسفة ومشروعها ظلما وعدوانا بالاعدام المشين ، بل وهكذا في كل تاريخ مشروع الفلسفة العقلية وما تحدثه من قفزات فكرية نوعية في كل دولة او دين ، كان الاستبداد السياسي والانحراف الديني المتحالف معه يقفون بالمرصاد لكل مشروع فلسفي فكري متحرر يحاول تطوير الواقع الفكري الانساني ودفعه الى الامام والحرية خطوة متقدمة !.
نعم ربما بسبب ان مشروع الفلسفة العقلية ومنذ بدايته من (( سقراط وافلاطون وارسطو ..... وحتى الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد ... الى روجر بيكون وفرنسيس بيكون وديكارت .... ، وحتى الطباطبائي ومطهري ومحمد باقر الصدر/ في العصر الحديث )) كان مشروعا يحمل هموم التنظير، والتفكير للدولة والقانون والحاكم الفيلسوف والعدالة وحرية الفكر ... ولهذا كان مشروعا مزعجا للسلطة المستبدة من جهة ورجال الدين من كنيسة وحتى شيوخ سلطة ووعاظ سلاطين من جانب اخر ، فالاستبداد السياسي نادرا مايقبل بفكر فلسفي يطرح مشروع الدولة ، وقانونها بشكله العقلي الحامل للحرية والعدالة لمشروع الدولة والحكم والمجتمع ، وكذا السائرين في ركاب هذا الحكم المستبد الذي يوظف عادة للمشاريع السياسية المستبدة ولكن باسم الدين ليناهض فكر الفلسفة الغير قابل لأستعباد الفكر الانساني وتدجينه بكل ماهو خرافي ويتعارض مع المنطق الفلسفي السليم الطارد لماهو غير عقلي من العقائد اللاهوتية الاسطورية والخرافية ، والمتجانس مع الانسنة الدينية التي تجعل من الدين مشروع الاهي حقيقي وصادق ونافع ومفيد ومع الانسان وكرامته وليس ضده !!.
وعلى هذا الاساس التاريخي بين اشكالية السلطة ودينها من جهة واشكالية الفلسفة ومنطقها وعقلها من جانب اخريمكننا ان ندرك الكثير من الحقائق التاريخية التي وضعت السلطة ودينها في اطار الهجوم على الفلسفة اولا ، ونعي لماذا دائما يتكرر الصدام وفي معظم الاحيان بين الفلسفة وفلاسفتها من جهة ، وبين السلطة المستبدة ووعاظ سلاطينها من جانب اخرثانيا ؟.
في التاريخ العربي والاسلامي ، بعد التاريخ اليوناني الفلسفي ، وما بعده ، وحتى في التاريخ الاوربي الكنسي الوسيط تتجلى ظاهرة الصدام بين الاستبداد السياسي ودينه الكنسي ، وبين الفلسفة ومواقفها السياسية والعقلية بشكل واضح وصارخ جدا لاسيما في العصور السياسية التي لاتصادف قادة سياسيون في بداية مشروعهم النهضوي الذي يتقرب لمشروع الفلسفة كي يكون منصة لانطلاق حضاري جديد ففي مثل هذه العصورالاستبداية التي يسودها الاستبداد والضعف وقمع الحريات والانغلاق تبرز حتمية ظاهرة الصدام تلك بشكل هجوم مزدوج من قبل السلطة ومن قبل رجال الدين الرسميين وباشكال متعددة !!.
وما ارهاب (المتوكل العباسي/ 232 هجرية)ومساندة اصحاب الحديث والسلف في ابادة المعتزلة وبعده (( الغزالي/ في تهافت الفلاسفة )) وارهابه ضد الفلسفة من خلال تحالفه مع السلطة القائمة وما قتل (السهروردي) وما فتوى ((ابن الصلاح / 643/ هجرية )) التي حكمت :(( بان الفلسفة شر مطلق )) وما فتوى (( ابن تيمية / 728 هجرية )) التي حرمت قراءة الفلسفة ورمي الشيخ الرئيس (ابن سينا) بالالحاد وما محنة فيلسوف قرطبة ( ابن رشد/ 520 ه / 595 هجرية) الا دلائل واشارات فيها ما يغنينا عن سرد الكثير من الامثلة لمحنة الفلسفة على يد الاستبداد السياسي ورجاله الدينيين المتحالفين معه !!.
اما في التاريخ الاوربي الوسيط وحتى عصر النهضة فلسنا بحاجة الى ذكر الادلة على هذه الهجمة السياسية والدينية الكنسية المستبدة ضد الفلسفة ومشروعها فهي ظاهرة اشهر من نار على علم ولم تزل حتى اليوم عظام فلاسفة الحكمة المنبوشة من قبورها لتحرق امام اعين الناس باسم الزندقة هناك شاهدة اثبات على عداء الاستبداد السياسي والتسلط الرجعي لرجال الدين مع الفلسفة .
(3)
وفي العصور الحديثة المتأخرة لاسيما من القرن الثامن عشر الميلادي حتى اليوم برزت مدارس فكرية وعلمية كثيرة تنال من وجود الفلسفة ومشروعها الفكري ومنطقها الارسطي بالتحديد لكن كانت ولم تزل اشرس هذه الافكار والمدارس هجوما على الفلسفة ومنطقها الارسطي ومن ثم الاسلامي هي تلك المدارس التي لم تدرك او تستوعب بشكل تام هذه الفلسفة ومشروعها العقلي والعلمي والانساني العام بل اعتمدت في كل هجومها النقدي على الفلسفة على افكار قشرية ، وتصورات قاصرة معرفيا وعاجزة فكريا عن فهم وادراك معنى الفلسفة ومشروعها الفكري الانساني الكبير !!.
وطبعا من ابرز ممثلي هذه المدرسة المناهضة للفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي في عصرنا الحديث (محليّا عراقيا ) كان هو المرحوم علي الوردي رحمه الله حيث شنّ حملة هجومية كبيرة وعنيفة ايضا على الفلسفة الارسطية الاسلامية ومن خلال معظم مؤلفاته وكتبه الفكرية 2/التي تناول فيها الكثيرمن المواضيع الفكرية التي تلامس جوهر مواضيع الفلسفة ومشروعها العقلي !.
والحقيقة ان مواقف واراء وتصورات (علي الوردي) نحو الفلسفة ومشروعها العقلي ومنطقها الارسطي الاسلامي من الغرابة بحيث اننا عندما نقرأ نقودات الوردي الفكرية ضد الفلسفة وهجومه العنيف على منطقها وبهذا الشكل الهستيري واللامنضبط واللاعلمي ... تبدأ تحيط بنا التساؤلات من كل جانب وتحاصرنا الاستفهامات من جميع الجهات ب :
اولا: كيف يطرح رجل يدعي العلمية ويحمل شهادة دكتوراه (يُقال لنا) انها في علم الاجتماع الحديث هكذا فكروهكذا تصورات ضد الفلسفة ومشروعها الارسطي الاسلامي الانساني الكبير بحيث انها تكون ابعد شيئ عن واقع الفلسفة ومشروعها الفكري الاصيل ؟.
ثانيا : بل وكيف يطرح علي الوردي هذا (التهريج السطحي) ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي في زمن كان مطروحا فيه (( فلسفتنا )) و (( اقتصادنا )) و(( الاسس المنطقية للاستقراء )) لفيلسوف العراق المعاصر محمد باقر الصدر ؟.
بمعنى آخر : كيف جرأ علي الوردي على مثل هكذا طرح ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي ، وهو طرح ابسط ما يقال فيه حتى اليوم انه طرح لايمت للفلسفة وفكرها وواقعها باي صلة علمية او مهنية واعية وقد كان امامه اساطين من اساتذة الفلسفة ومنطقها الارسطي ومن جميع الاتجاهات الفكرية ، اسلامية كانت كالصدر ومطهري وطباطبائي ... أو وجودية كعبد الرحمن بدوي ، أو ماركسية مادية ك((حسين مروّة )) في كتابه (( النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية )) وغيرهم من اكابر المتخصصين بالفكر الفلسفي القديم والحديث ومع ذالك يطرح الوردي هذا السطحي المخجل من نقده وهجومه على الفلسفة ومشروعها العقلي الكبير ؟.
ثالثا : لماذا ؟ ، وماهي الدوافع العلمية والفكرية الاكاديمية التي حتمت على علي الوردي ان يناصب العداء للفلسفة والهجوم على منطقها الارسطي الاسلامي من كل حدب وصوب حتى ، وان كانت موضوعاته : (( في الشعر او الادب او النحو العربي ....) لاتمت بصله للفلسفة ومشروعها وجدنا الوردي يرجع اسباب تخلف النحو (( الذي يعاني من الافتقار في فهمه والالتزام بقوانينه في الكتابة والالقاء)) الى المنطق الارسطي بالذات كما حصل في كتابه (اسطورة الادب الرفيع) في المقالة العشرون من كتابه المذكور ؟.
رابعا : كيف نفهم انحياز كاتب يقدم لثقافتنا العراقية على اساس انه (( مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث ))الى المدرسة والفلسفة السوفسطائية اليونانية القديمة والحديثة ، ولينصرها على الفلسفة ومنطقها الارسطي العلمي الرصين ، بل وليطرح مشروع السفسطة اليونانية على اساس انه مشروع العلم والتقدم من جهة ، وانه مشروع الطبقات الفقيرة ، الذي جاء بالضد من مشروع الفلسفة الذي هو مشروع الطبقة الراسمالية المستغلة من جانب اخر ؟؟.
بمعنى اخر : هل حقا كان مشروع الفلسفة الارسطية الاسلامية منتجا راسماليا وتابعا لمصالح الطبقة المستغلة في المجتمع اليوناني القديم وفي كل مجتمع يتحرك فيه مشروع الفلسفة بعكس السفسطة التي كانت منطق الفقراء والكادحين في الماضي ومنطق العلم في العصر الحديث كما يطرحه المرحوم الوردي ؟.
أم ان مثل هكذا سفه فكري لايطرحه حتى مبتدأ في تاريخ الفلسفة ومشروعها العقلي في مقابل السفسطةومشروعها التدميري المعروف ؟.
اذا ماهي الدوافع التي دفعت بالوردي ان يصادر موضوع الفلسفة علميا ليناقشه طبقيا ومن ثم ليطرح الفلسفة ايدلوجيا طبقيا كنوع من الهجوم ، وتشويه صورة الفلسفة ومشروعها العقلي ، وليطرح في الجانب الاخر المدرسة السوفسطائية على نفس الاساس لتلميع صورة السفسطة في مقابل تشويه صورة الفلسفة ايدلوجيا ؟.
دعونا نبدأ من المحور الرابع في الاجابة على مثل هكذا اسألة لنستبين موقف المرحوم الوردي من الفلسفةومشروعها ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر موقف الوردي من السفسطة ، ولنتساءل : ما هو موقف علي الوردي من المدرسة السفسطائية اليونانية اولا ؟.
ولماذا حاول علي الوردي ان يلبس الفلسفة لباس الطبقية الماركسي وينسبها الى طبقة المستغلين ،بعكس السفسطة التي هي منطق الكادحين حسب رؤية الوردي الاجتماعية ؟.
وهل فعلا ان الماركسية المادية نفسها كانت ترى هذا التصور حول الفلسفة ومنطقها الارسطي طبقيا ؟.
أم ان (( لينين نفسه ))، وباقي مفكري الماركسية الماديين التاريخيين انفسهم كانوا يروون ان الفلسفة ماهي الا نتاج حركة جماهيرية ثورية منتمية لطبقة الكادحين والعمال ، وليس العكس كما يخادع به الوردي ثانيا ؟.
في كتابه (( مهزلة العقل البشري )) يعلن علي الوردي صراحة في الفصل التاسع تحت عنوان (( ماهي السفسطة )) : بانه (( فخور من كونه سفسطائيا وعنده ان هذه السفسطة خير من هذه الخزعبلات المنطقية ، التي يتمشدق بها اصحاب المنطق القديم / 3 )) .
وطبعا يقصد المرحوم الوردي بالخزعبلات المنطق الارسطي الاسلامي المعروف !!.
والحقيقة ان اول سؤال يفرض علينا نفسه ونحن نقرأ ل(( مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث )) مثل هذا الاعلان الغريب والعجيب هو : كيف يجرأ عالم من علماء الاجتماع الحداثويين بل ويطرح نفسه كمؤسس لهذا العلم في العراق الحديث كيف يجرأ ان يطرح نفسه كسفسطائيا يفتخر بكونه من هذا الفصيل ومنتميا بعنف لمبادئ هذه المدرسة الفكرية المدمرة لكل ماهو اجتماعي اصلا ؟.
بمعنى آخر : ان اهم مبادئ الفلسفة السفسطائية هي كونها قائمة : اولا على المثالية اللاواقعية ، اي هي فكرة حتى ضد العلم في العصر القديم والحديث وضد الواقعية ولا تعترف بوجود شيئ خارج وجود الانسان ،وهذا يعني ان لاوجود لا لخارج مادي خارج الانسان ولا لواقع اجتماعي يمكن ان يدرسه الانسان او ان يقيم على اساسه علم وقوانين وبحث ......الخ فكيف انتمى عالمنا الاجتماعي الوردي لهذه المدرسة التي لاتعترف باي شيئ ليصبح عالما للاجتماع الذي لاوجود له في الفكر السفسطائي ؟. لا اعلم .
وثانيا هو ان من مبادئ السفسطة التي يتشرف الوردي بالانتماء اليها هو كون لامعايير ولا موازين ولا ظواهر ولا اخلاقيات ....... اجتماعية ولا خارجية واقعية لاي شيئ ، وما موجود هو معايير وموازين ذهنية انسانية فردية لاعلاقة لها باي اخر انساني او اجتماعي ،ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة عند السوفسطائيين القدماء والجدد هي حقيقة فردية ليس لها اي علاقة باي واقع او اي اجتماع انساني يذكرفعلى اي اساس بعد ذالك يريدالمرحوم الوردي وهوالسفسطائي العتيد اقامة علم للاجتماع من اهم مظاهره وظواهره ان يكون للمجتمع (( وجود اولا ووحدة فكر ووحدة قانون حركة ووحدة ظواهر اجتماعية اقتصادية او عرفية او سياسية ... )) وليس فردية خيالية ؟.
يبدو ان عالمنا لعلم الاجتماع الحديث علي الوردي لم يكن يدرك حتى انعكاسات فكر المدرسة السوفسطائية على علم الاجتماع الحديث ، او انه لم يدرك استحالة الحديث عن مجتمع وظواهر اجتماعية وقوانين اجتماعية ..... تحت اطار الايمان والانتماء للفكر السفسطائي القديم والحديث ،ولهذا هو يفتخر ان يكون سفسطائيا ، لانه لايدرك معنى المدرسة السفسطائية ولا انعكاس افكارها على علم الاجتماع الذي يبدو انه لم يدرك منه شيئا هو الاخر !!.
انا لاافهم لماذا لم يجرأ عالم من علماء الاجتماع منذ ابن خلدون الى اوجست كونت ... الى اخر القائمة ان يعلن افتخاره بانه ينتمي لمدرسة سفسطائية هي اساسا اقيمت لتدمير الفكر والمجتمع ووحدته وتماسكه وكل وجوده ، ثم بعد ذالك الله سبحانه يرزقنا في العراق عالما من علماء الاجتماع بل ومؤسسا لعلمنا الاجتماعي العراقي ينتمي ويفتخر بانه سفسطائيا يريد ان يقيم علما للاجتماع هو اساسا لاوجود له في فكره السفسطائي الغريب والعجيب ؟!.
اليس هذه مهزلة وردية فكرية بامتياز ان يطرح علي الوردي مثل هذا الفكرباسم العلم والمنطق الجديد وعلم الاجتماع الحديث ؟.
اليس اهانة للفكر العراقي الحديث ان يسمح لمثل طرح الوردي هذا ان يطرح في ساحة فكرية وثقافية وعلمية و... تقدر العلم والفكر وتحترم التخصص والكفاءة والاستيعاب ؟.
ثم ثانيا لم يكتفي المرحوم الوردي بطرح هذه المهزلة العقليةباسم مهزلة العقل البشري بل كان يرى الاخرين اللذين هم ليسوا سفسطائيين ، ويعترفون بالواقعية ووجود المجتمع ويحترمون المنطق ويقيمون علومهم بشكل متزن على الفلسفة والقانون .... يرى الوردي هؤلاء كلهم بانهم اهل خرافة وخزعبلات وتمشدق واصحاب منطق قديم وبرج عاجي ؟.
عجيب غريب هذا المنطق للمرحوم الوردي ؟.
هل هو حول فكري اصاب عالمنا الاجتماعي الكبير ؟.
ام انه فقر معرفي هو الذي جرأ المرحوم الوردي على مثل هكذا طرح يضحك الثكلى فعلا ؟.
________________________
1 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج 7 / الفصل الرابع السوفسطائيون / ص 211/ ترجمة محمد بدران / بيروت .
2 : انظر علي الوردي / مهزلة العقل البشري / عدة فصول من اهمها الفصل التاسع / ماهي السفسطة / و منطق ابن خلدون / الفصل الاول خصائص المنطق القديم / واسطورة الادب الرفيع / النحو والمنطق الارسطي .
3 : مهزلة العقل البشري / مصدر سابق / الفصل التاسع / ص 153.
 
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/
 

الأحد، يناير 20، 2013

((الخلط الفكري بين الدين والفلسفة والعلم لدى علي الوردي ))

 
كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن عشر
حميد الشاكر
((الخلط الفكري بين الدين والفلسفة والعلم لدى علي الوردي ))
3
***********************
طبعا حسب المعطيات التي تفرض نفسها علينا من خلال قراءتنا لمنتوج وفكر ومؤلفات المرحوم علي الوردي فنحن ملزمون بالاقرار ان الوردي لم يكن في منهجه الفكري صاحب (( فصل او تخصص )) بين العلوم او منطق ومناهج الافكار الثلاثة في (( الدين ، الفلسفة ، العلم )) !.
وهذه الملاحظة في فكر ومنتوج ومؤلفات وكتب علي الوردي لاتحتاج الى كثير عناء لأي قارئ يتصفح هذا المنتوج او يقرأه بشكل عام فكتب ومؤلفات وافكار المرحوم الوردي طافحة بماهو فلسفي وماهو ديني وماهو علمي مدمج بعضه بالبعض الاخر تحت مسمى ((علم الاجتماع الحديث والنظريات الحديثة ، والمنطق الجديد ...)) ، ولعلنا هنا لانغالي ان قلنا ان بين كل ثلاثة اسطر في صفحة وفي اي كتاب من كتب المرحوم الوردي الفكرية سنجد ان بدايتها فكرة ومنطق علمي واوسطها فكرة ومنهج لاهوتي ديني ، واخرها رؤية او نظرية او فكرة فلسفية ايدلوجية ، او العكس ايضا صحيح !!.
وهذا الاسلوب في الواقع للمرحوم الوردي يكاد يكون هو السمة الاساس لمعظم كتب المرحوم الوردي حيث اذا وردت فيها اي فكرة للمناقشة ((فكرة المدنية مثلا او فكرة المنطق الارسطي او فكرة السفسطة او الادب او فكرة الاجتماع ...)) فاننا سنجد المرحوم علي الوردي وبلا شعور منه او بشعور وقصد قد ادخل قوانين علمية ، ليناقش على ضوئها افكارا فلسفية ، ومن ثم ليقارنها بفكر لاهوتي ديني .... وهكذا !!.
وهذا ان دل على شيئ فانما يدل على ماذهبنا اليه من ان علي الوردي رجل مسكون ب((اللاتخصص واللافصل)) والفوضوية بالطرح الفكري بين مناهج العلوم والافكار المتنوعة !!.
نعم ذكرنا بالقسم ((السابع عشر)) من هذه السلسلة كيف ان رواد العلم والفلسفة ومؤسسي علم التجريب الاوربي الحديث قد ناضلوا من اجل هذا (( التخصص والفصل )) بين مناهج الافكار والمعارف والعلوم المتنوعة ، وذكرنا ان عملاقي فلسفة العلم الاوربي الوسيط ، ومابعد النهضة (( روجر بيكن ، وفرنسيس بيكون )) قد دابوا على الاشارة الى ان منطق العلم مختلف في منطلقاته والياته الفكرية عن منطق الفلسفة واللاهوت وهذا لايعني ضرورة التناقض والضدية بين هذه المناهج الفكرية ، بل يعني ضرورة الفصل والتخصص فيما بينها والبين الاخر ، لنفهم اخيرا : ان الحقيقة الدينية مختلفة منطلقا ومنهجا فكريا عن الحقيقة والمنطق الفلسفي ، وكذا العلم ومنطقه التجريبي وعلى هذا الاساس ميز هؤلاء الرواد بين منطق واخر وحذروا بشدة من الدمج بين هذه المناهج والاساليب الفكرية ، وان في مثل هذا الدمج ضرر يلحق بكل المناهج ، واساليبها الفكرية من جهة وصراع لابد من الوقوع بين براثنه في حال ارادة محاكمة ما هو فلسفي ، بماهو منهج ومنطق علمي ، فضلا عن ذالك طبعا الوصول الى نتائج ((مرقعة )) لكل بحث يقوم على هذا الخلط ستكون لاهي علمية ولاهي فلسفية ولاهي لاهوتية !!.
ولكن مع ذالك وجدنا المرحوم علي الوردي في معظم طرحه الفكري رجل لاعلاقة له بكل هذا التاريخ الفكري والفلسفي وبكل مناهج التخصص العلمية او الدعوات للتخصص في مناهج التفكير الانسانية ، ويطرح رغم انف القرن التاسع عشر والعشرين المنصرم ( باعتبار انه عصر التخصصات العلمية ) كل افكاره وتصوراته وكتبه ومؤلفاته تحت وطأة محرقة الفوضى الفكرية العارمة ، حينما يطحن اي فكرة بين رحى منطق الفلسفة من جهة ومنطق العلم واللاهوت من جانب آخر !!.
فمثلا موضوعة فلسفية ، كموضوعة (( الحقيقة )) يتناولها المرحوم الوردي في كتابه (( مهزلة العقل البشري / تحت الفصل الثامن / المعنون : بمهزلة العقل البشري / ص 132 )) بشكل ما انزل الله ولا العقل الفلسفي ولا المنطق التجريبي به من سلطان ، فبينما المعروف منهجيا وفكريا ان مفهوم (( الحقيقة )) له معنى واتجاه مختلف في الفلسفة الارسطية عن اي معنى علمي ، او لاهوتي او اجتماعي او ..(( وهذا ما اشار له بيكون فرنسيس حول الحقيقة الدينية المختلفة عن الحقيقة الفلسفية / ذكرناه في القسم السابع عشر )) راينا وقرأنا للمرحوم الوردي وهو يتناول (( الحقيقة )) بمنطلقاتها الفلسفية بشكل غريب وعجيب وبعيد عن اي مسكة وعي مفاده :
(( ان من مزايا هذا العصر الذي نعيش فيه هو ان الحقيقة المطلقة فقدت قيمتها واخذ يحل محلها سلطان النسبية ،فماهو حق في نظرك قد يكون باطلا في نظر غيرك وما كان جميلا بالامس قد ينقلب قبيحا عندك اليوم ، كل ذالك يجري بعقلك وانت ساه عنه كأن الامر لايعنيك /1)) .
والحقيقة ان مثل هذا الطرح ينم عن جهل مطبق بمبادئ ، ومنطلقات الفلسفة ورؤيتها وادلتها وبراهينها ... لمفهوم الحقيقة من جهة وخلط بين العلوم والاتجاهات بشكل تشمئز منه الذائقة العلمية والفكرية الواعية من جانب آخر فمعروف هنا ان علي الوردي عندما يطرح هذا المفصل من رؤيته حول ((الحقيقة )) فانه يقصد الاتي :
اولا : ان العصرالذي يتحدث عنه علي الوردي بانه عصر (فقدان الحقيقة المطلقة قيمتها) فيه هوعصر العلم وبطبيعة المنهج والمنطق العلمي (( الذي لم يدركه الوردي ليفرق بينه وبين باقي المناهج العلمية )) فانه لايؤمن (( بحقائق او قوالب فكرية جاهزة )) وذالك بسبب : ((لان هذا المنهج العلمي التجريبي يعتمد في مسيرته على الملاحظة والتجربة)) ولهذا هو علم يعتمد على المنطق الاستقرائي اولا وعلى مفهوم (الاحتمالات)ثانيا وعلى نسبية النتائج العلميةليتاح فرصة اعادة التجريب واكتشاف المزيد من العلوم والقوانين ثالثا كي لايقع العلم في الوهم العلمي كما كان يعتقد من ان الارض مركز الكون !.
ومن هذا المنطلق عندما يذكر علي الوردي نفسه نسبية ((اينشتاين)) فانها نسبية لانها قائمة على منطق العلم الاحتمالي فلا يمكن للعلم ان يجزم بنتيجة علمية لان طبيعة العلم لاتقبل الاطلاق ابدا ومن هنا كان ، ومازال المنهج العلمي لايؤمن بحقائق مطلقة وهذه هي سمة عصرنا العلمي التجريبي الحاضر الذي يتحدث عنها الوردي في بداية سطره للجملة !!.
ثانيا : هذا المنطق العلمي النسبي الاستقرائي الاحتمالي مختلف عن منطق الفلسفة ، وسير فكرها الارسطي والاسلامي حول مفهوم ((الحقيقة )) وكيف انها مطلقة ؟ ، فالحقيقة في المفاهيم الفلسفية هي (( مطابقة الادراك الانساني للواقع الخارجي )) وهذا المفهوم الفلسفي نوقش بكثافة معمقة عند الفلاسفة الارسطيين ، بحيث انهم قد ردّوا بفكرية عملاقة على شبهة الماديين المعاصرة التي تقول : بكيفية ان يكون الواقع الخارجي الانساني متغيرا مع بقاء مفاهيم الادراك البشري كحقائق مطلقة وغير متغيرة وثابتة ؟.
والحق ان الفلاسفة الارسطيين قد شرحوا براهينهم على ان (عمل الادراك والذهن البشري) ليس بالضرورة ان يكون بصياغة مفاهيمه تابعا للواقع الخارجي المادي المتغيربل ان من مميزات وخصائص الادراك الانساني وصياغة مفاهيمه انه يكون ثابتا ليقرر الحقائق وبكل اعتباراتها الواقعية والتاريخية وغير ذالك فمثلا حقيقة مثل (( ارسطو كان تلميذا لافلاطون )) تعتبر من ضمن الحقائق التاريخية المطلقة التي وان يكن الواقع الخارجي لها كان يتحدث عن اربعمئة سنة قبل الميلاد لكن هذه الحقيقة لم تبلى ولن تبلى ابدا وهي حقيقة فكرية ثابتة مهما تغير الواقع الخارجي تاريخيا من حولها !!.
وهكذا حتى ان اردنا مجارات الماديين في فكرهم القاصر واعتبار ان ((الفكروالادراك الانساني ماهو الا انعكاس لواقع الانسان الخارجي )) وان هذا الواقع هو متغير بطبيعته فقد اجاب الفلاسفة الارسطيون ايضا على ذالك بان في نفس هذا الواقع مفاهيم ثابتة وغير متغيرة مطلقا كمفوم (( الحركة والتغيير )) الذي تؤمن به المادية الحديثة ، فهذا المفهوم لايمكن طروء النسبية على حقيقته او حركته بحيث يكون اليوم هو حقيقة وغدا يتبين انه ليس بحقيقة بل هو وهم وخرافة وكذب !!.
وهكذا تعتبر الفلسفة ان هناك مفاهيم فكرية وواقعية تعتبر (( حقائق )) لايطرأ التغيير عليها ، لانها غير مرتبطة في صياغة ادراكاتها بالواقع الخارجي الذي ايضا تؤمن الفلسفة بحركته وتغيره في كل لحظة ،كما تؤمن الفلسفة ان هذه الحقائق الفكرية يجب ان تكون ثابتة لاستنادكل المعرفة البشريةعليها فبغيرثبات هذه الحقائق لايتمكن الانسان من صياغة اي معرفة لاتاريخية ولا واقعية ولاغير ذالك في ادراكاته البشري !.
ثالثا : الغريب العجيب ان علي الوردي لم يكتفي بدمج منطق الفلسفة ، مع منطق العلم في مقطوعته الفكرية تلك فحسب بل هو كذالك ادخل ايضا ودمج كذالك المفاهيم ((الاعتبارية الاجتماعية))على الخط ليستشهد بها على صواب فكرته المهترئة التي يريد ان يؤكد بها (( نسبية الحقائق المطلقة )) فختم بقوله :(( فما هو حق في نظرك قد يكون باطلا في نظر غيرك وما كان جميلا امس قد ينقلب قبيحا عندك اليوم ...)) !!.
وطبعا الوردي هنا يتحدث حول (( المفاهيم الاجتماعية الاعتبارية )) التي عادة يقال في تناولها انها من الاساس لاتخضع لا لقانون المنطق العلمي ، ولا لقانون المنطق الفلسفي بل هي ((اعراف اجتماعية )) يخلقها المجتمع حسب متطلباته الروحية والفكرية والاسرية والاجتماعية ... وهي متغيرة بطبيعتها بين مجتمع واخر في نفس الزمن فضلا عن انها متغيرة من تاريخ لاخر ، وعلى هذا الاساس فان هذه الاعتباريات الاجتماعية في تذوق الجمال والحسن ، وفي الرؤية للصواب والخطا الاخلاقي الاجتماعي لايمكن اتخاذها قانونا او دليلا على عدم (ثبات الحقيقة واطلاقها) في المفاهيم الفلسفية فمفهوم الفلسفة للحقيقة ليس فضاءه الاعتباريات الاجتماعية ولا فضاءه الاحتمالات العلمية لينسب لها المرحوم الوردي كل هذه المهزلة الفكرية التي يطرحها المرحوم الوردي تحت مسمى ((مهزلة العقل البشري)) وهو غافلا ان ما يطرحه هو المهزلة بالفعل وليس ما تطرحه الفلسفة او العلم او الاجتماع /2 ...من افكار وتصورات بنيت على التخصص الفكري الذي يدرك التمييز بين المفاهيم الفكرية ويدرك كيفية التناول العلمي الدقيق لهذه المصطلحات والافكار بدون خلط ولاخبط عشواء كالذي يقوم به المرحوم الوردي في طرحه الفكري الذي لايستند على منهج علمي متخصص في بابه !!.
اذا نعود ونسأل لتعميق الفكرة اكثر حول فوضوية المرحوم الوردي الفكرية : بلماذا طرح رجل اكاديمي ( حسب ما يقدم لنا ) كان المفروض انه يدرك تماما معنى التخصص العلمي ، والمنهجي كل هذا الكم الهائل من الافكار ، بشكل لاعلاقة له باي فكر متخصص او مناهج علم واعية لمعنى المنهج العلمي المميز عن الاخر الفلسفي واللاهوتي او الاجتماعي ؟.
هذا سؤال يثير جوابه الحيرة فعلا ، فإما ان يكون علي الوردي رجل ليس له صلة باي اكاديمية وعلمية واعية لمعنى وتاريخ ومناهج التخصص العلمية التي دعى لها روجر بيكون حتى فرنسيس بيكون الى اوجست كونت !!.
او ان يكون المرحوم علي الوردي واعيا لمعنى التخصص العلمي ، ولكنه اراد استغفال العقل العلمي والثقافي العراقي بطرح خليط غير متجانس من الايدلوجي والعلمي والديني ليدخل هذا الفكر العراقي في متاهة لها اول ولكن ليس لها اخر ؟.
من وجهة نظرنا الشخصية نحن نميل الى جواب الفرض الاول وهوكون المرحوم علي الوردي بالفعل كان رجلا ((اميًّا)) تماما في موضوعة ((التخصص والفصل)) العلمية في مناهج التفكير الانسانية ،بل ويمكننا هنا الاضافة ايضا : ان المرحوم الوردي ومن خلال قراءتنا لمنتجه الفكري ، والعلمي رجل لايمتلك (( القدرات والقابليات الذهنية المعرفية )) التي تؤهله لادراك معنى الفصل بين ماهو علمي وبين ماهو فلسفي على التحديد !!.
اي وبمعنى اخر : يلاحظ كل من ادرك مفهوم المنطق العلمي واختلافه عن المنطق الفلسفي :ان اشكالية الوردي الفكرية قبالة تخصص المناهج المعرفية انه مثقف لم يستطع التمييز بين ما تعنيه مناهج البحث العلمية ، وماتهدف اليه في عملها العلمي الاستقرائي التجريبي ، وبين مايعنيه المنطق الفلسفي الايدلوجي ، واهداف وغايات عمله للوصول الى حقائقه الفلسفية الكلية !!.
وعدم الادراك ، والمعرفة هذه عند المرحوم الوردي لاختلاف انماط المناهج الفكرية للعلم والفلسفة هو الذي دفعه لتناول علم الاجتماع (( الكونتي الوضعي التجريبي )) بمنطلقات وعلى اسس ايدلوجية فلسفية (هيجلية) وهوكذالك الذي دفعه نقد المنطق الارسطي من خلال منطق الاستقراء التجريبي العلمي الحديث ليخرج بنتيجة تسفيه المنطق الارسطي اخيرا ، وهو الذي دفعه لمحاكمة الفلسفة وفلاسفتها العقليين الاسلاميين من خلال النظريات العلمية الحديثة .... ليصل الى نتائج ليس لها اي مسكة علم او منطق او نتائج واقعية !.
والان ما هوالفرق الذي لم يدركه علي الوردي بين منطق ومنهج الفلسفة من جهة ومنطق ومنهج العلم من جانب اخر والذي جعل من افكار المرحوم الوردي واطروحاته النظرية اطروحات هشة وهزيلة ولم تستطع الصمود امام التطور والزمن ؟.
الحقيقة ان الفرق بين منطق ومنهج العلم الاستقرائي الحديث ، وبين منطق ومنهج الفلسفة الارسطي القديم الجديد هو :
اولا : في المسارات والمنطلقات الفكرية .
ثانيا : في الاهداف والمواضيع والغايات العملية .
ففي المسار الفكري العلمي التجريبي ينتهج الفكر العلمي ((المسار الاستقرائي)) الصاعد من الجزئيات الوجودية الى اكتشاف القوانين العملية ، فعمل العلم تجاه الطبيعة (مثلا) هو الملاحظة ، التي تقود العلم العلمي الى رصد الظواهر الطبيعية اولا ، ثم اخضاع هذه الظاهرة الطبيعية للعملية التجريبية المتكررة للوصول الى عللها ، واسبابها القانونية ، التي تنتج هذه الظاهرة ، فظاهرة سقوط التفاحة الى الارض وملاحظتها هي التي دفعت للسؤال عن : السبب ؟ ، وهي التي اوصلتنا من خلال التجربة ان قانون الجاذبية هوالعلة الاصيلة والواقعية وراء سقوط الاشياء الى الارض وليس الثقل اوكثافته المادية هو السبب لسقوط الاشياء الطبيعية الى الارض ، كما كان يعتقده علماء الطبيعة التقليديون ، وعلى هذا الاساس (رتب المنطق العلمي) على هذا القانون الكثير من الاكتشافات الكونية ومن اهمها كيفية التخلص من الجاذبية للصعود الى فضاء لايحكمه قانون الجاذبية !!.
القصد هو القول : ان منطق وقانون العلم التجريبي يسير في مناهجه الفكرية من ملاحظات جزئية منفصلة عن باقي الاجزاء واخضاعها تجريبيا لربط بين سبب ومسبب او علة ومعلول للوصول الى القانون الذي يقبع خلف هذه الظاهرة او في عمقها ليهبها هذا التكرار والحتمية في التراتبية ،ومن ثم يتم اكتشاف القوانين الكونية والطبيعية والاجتماعية من خلال هذا المنطق والمنهج الفكري العلمي السليم ، باعتبار ان هذه الاكتشافات لهذه القوانين هي الهدف وهي الغاية التي يسير نحوها المنطق العلمي التجريبي والاستقرائي الحديث ليترك اخيرا باب الاحتمالات العلمية مفتوحا ولايجزم باكتشاف حقيقة مطلقة !.
طبعا القارئ الكريم يدرك لماذا ينتهج المنطق العلمي التجريبي (منهج الاحتمالات) وعدم اصدار الاحكام القطعية الثابتة عندما يكتشف اسرار قانون جديد ، فهو لايريد ان يقع في نفس اخطاء العلماء التجريبيين الذين سبقوا عندما كانوا يقطعون بقانون ما ( مثل قانون الارض مركز الحركة الكونية او قانون البصريات .......الخ )) ثم يتبين لهم عوار المقدمات التي انتجت هذه القوانين ، ولهذا من مميزات المنطق العلمي الحديث اعتماده على الباب المفتوحة في قضايا اكتشاف القوانين واسبابها !.
اما في المسار الفكري والمنطق الفلسفي فالامر معكوس تماما عما كان عليه مسار الفكر العلمي الاستقرائي التجريبي فبينما كان المنطق العلمي يسيرمن الجزئي المفكك كونيا وطبيعيا واجتماعيا ليصل الى القوانين واكتشافها ومن ثم البناء عليها يبدأ الفلسفي دائما من الكلي الفكري العام ، لينزل بنتائجه الى الجزئي ليطبق عليه احكامه الكلية ، وهذا لالشيئ خاطئ في تركيبة مسار الفكر والمنطق الفلسفي عن العلمي ، بل لكون (( الموضوع ، والغاية )) للمسار الفكري والمنطقي الفلسفي اختلفت في المنطق والفكر الفلسفي عن موضوع وفكر ومنطق العلم ، فتغير اسلوب التفكير بين العلمين لتغير الغايات والاهداف !!.
بمعنى اخر : ان الفلسفة ومنطقها لاتبحث وليس غايتها اكتشاف قوانين الكون والطبيعة والانسان الجزئية لتفهم كيفية عمل قوانين الفسلجة العضوية داخل الانسان مثلا ، بل هي تبحث عن القوانين (( الذهنية )) والعقلية العامة التي تطرح او تبتغي او تهدف للوصول الى ( قوانين وجودية مختلفة ) عن قوانين الطبيعة والكون الجزئية ، بل انها قوانين ولها احكام صارمة ويمكن البناء عليها معرفيا ايضا ، لكنها قوانين بطبيعتها وغاياتها واهدافها وموضوعها ، مختلفة عن قوانين العلم التجريبية الاستقرائية !!.
فمثلا عندما تدرس الفلسفة ، وكذا منطقها الارسطي العام ومدرستها الفلسفية الممتدة حتى اليوم مفاهيم من قبيل (( الوجوب والامكان والامتناع )) فان هذه المفاهيم لايمكن دراستها حسب المنطق العلمي الاستقرائي التجريبي ، لانها مختلفة الموضوع والفضاء عن مواضيع العلم التجريبي الحديث بل انها مواضيع وفضاءات معرفية مختصة بالمنطق والفكرالفلسفي لاغير وهي نفسها بعد تعريفها وبحثها تعطي لنا الكليات المعرفية التي من خلالها ندرك : لماذا هناك واجب للوجود ؟ وهناك ماهو ممتنع الوجود ؟ ، وماهو ممكن الوجود ؟،ولهذا لايمكن ان تصل الفلسفة ومنطقها لحكم كلي يفرض (مثلا) امتناع وجود ما ثم ياتي علم اخر بخلاف ذالك ، لان هذه المفاهيم من مواضيع الفلسفة ومنطقها الخالص ، وليست هي مفاهيم مادية او طبيعية ليفتي فيها المنهج والمنطق العلمي التجريبي الذي فضاءه وساحته وموضوعة هو هذا العالم المادي لاغير ،اما عالم الذهن والوجود الكلي والمفاهيم التي لاسبيل لاذرع التجريب عليها والتي لاتخضع بطبيعتها لادوات الملاحظة والتجريب العلمي ، فالفلسفة ومنطقها كفيل بمناقشتها وبحثها والبت في احكامها العقلية والفلسفية !!.
عندئذ ندرك ما هو القصد عندما نقول ان غايات الفلسفة وقوانينها هي مختلفة بطبيعتها عن غايات العلم ومنطقه وقوانينه !!.
ان ما لم يدركها المرحوم ((علي الوردي)) بالفعل قبل ان يكتب مؤلفاته ، ومن ثم ليطرحها باسم العلم والفكر والاجتماع هي هذه المنهجيات العلمية ، التي ينبغي لاي كاتب او مفكر او عالم او مثقف ان يدرسها ويدركها ويستوعبها قبل ان يطرح كلمة واحدة باسم العلم والفلسفة واللاهوت كي لايصيبه ما اصاب المرحوم علي الوردي عندما كتب كثيرا لكنه لم يثمر زهرة حتى اليوم !!.
______________________
المصادر
1 : علي الوردي / مهزلة العقل البشري / ص 134/ بلا طبعة .
2 : انظر اسس الفلسفة والمذهب الواقعي / محمد حسين الطباطبائي / تعليق مرتضى مطهري / دار التعارف / المقالة الرابعة / ص 159 / ج 1 .
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/
 

الأربعاء، يناير 16، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم السابع عشر / مثلث : الدين ، الفلسفة ، العلم

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم السابع عشر
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي / مثلث : الدين ، الفلسفة ، العلم ))
2
***********************************
يذهب (اوجست كونت) مؤسس علم الاجتماع الحديث في نظريته الفلسفية الوضعية الى ان الفكرالانساني هو المحرك الحقيقي لكل تقلبات وتطورات التاريخ البشري القديم والحديث ، ودراسة تاريخ هذا الفكر وتقلباته وتطوراته والعوامل التي اثرت في نموه وتكاملاته ...الخ هي الكفيلة بالمعرفة الحقيقية ورسم الصورة الواقعية التي تطورت فيها الحياة الانسانية بمجملها من عصر تفكير اللاهوت والغيب الى عصر تفكير التجريد والفلسفة الى عهد تفكير العلم والتجربة !!.
وعلى هذا الاساس بنى (كونت) رؤيته حول (( قانون الاداوار الثلاثة )) التي سار فيها العقل والفكر الانساني من :
اولا : الدور اللاهوتي الديني الغيبي .
ثانيا : الدور الميتافيزيقي التجريدي / الفلسفي .
ثالثا : الدور الوضعي والعلمي / التجريبي .
ويعرّف بطبيعة الحال ( كونت ) هذه الادوار التاريخية وماهية عمل العقل والفكر الانساني فيها على اساس :
اولا : الدور اللاهوتي حيث ساد نمط التفكير الديني الغيبي الذي يفسر جميع الظواهر الكونية والانسانية والطبيعية والحيوانية والنباتية ..... الخ من منطلقات ومبادئ وقواعد ( حسب رؤية كونت ) اللاهوت والارواح والشياطين والجن وعالم ماوراء الطبيعيات .. وبهذا فعندما كانت الانسانية تحاول معرفة اي ظاهرة من ظواهرالكون والحياة او معرفة ظاهرة نمو النبات مثلا ، فانها كانت ترجع هذه الظواهر النباتية الى روح الله او الى روح الالهة او الى النجوم .... التي تمكن النبات من النمو !.
ثانيا : وهكذا في الدوروالمرحلة التاريخية والزمنية الميتافيزيقية التجريدية التي عاش فيها الانسان مع حياته العقلية الجديدة حيث ساد النمط الفكري والعقلي التجريدي على تفسير جميع هذه الظواهر الكونية والانسانية الاجتماعية وغيرالانسانية بنمط مختلف قليلا عن نمط التفكير اللاهوتي وهو نمط التفكير الميتافيزيقي العقلي التجريدي بدلا من ذالك ، ليذهب في تفسير هذه الظواهر على اساس (معاني تجريدية ) وخيالية او علل اولية ( فوق طبيعية ) لايمكن اثبات براهينها وادلتها واقعيا !.
ثالثا : وهو الدور ، الذي جاء بعد دوري اللاهوت ، والميتافيزيقا ليستمر حتى عصرنا الحاضر ، وهو (( دور التفكير العلمي والوضعي )) الذي غير من نمط واساليب التفكير الانسانية ليقلبها راسا على عقب من منطقها التجريدي القياسي الاستنباطي الفلسفي المشغول بالكليات التجريدية ، التي لاتخضع بطبيعتها لاي مقياس تجريبي ، او ملاحظاتي الى منطق استقرائي يعتمد التجربة والحس والملاحظة كاحد دعائم التفكير الانساني السليم ، والقابل للتجريب والمؤدي الى حقائق علمية لالبس في فهم علل ظواهر الكون والحياة والانسان والعالم فيها !!.
فظاهرة طبيعية ، كظاهرة النمو النباتي اليوم تدرس حسب انماط واساليب التفكير العلمية من منطلق عللها المادية والطبيعية الواقعية وقوانينها النباتية لندرك ان سبب نمو النبات وقوانينه الطبيعية ترجع الى عوامل التربة الطبيعية والكيميائية المؤلفة لها ولا دخل لعلل كلية او ارواح غيبية في عمل هذا النمو !!.
وبهذا بين او رتب (كونت) التاريخ الانساني الطويل نسبيا من خلال انماط واساليب الفكر الانساني ، وليجعل من ثم هذا الفكر وعمله على انه القانون الاعمق لمعرفة تقلبات وتطورات الحياة الانسانية العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغير ذالك !!.
طبعا الى هنا لاينتهي موضوع مثلث (( الدين ، الفلسفة ، العلم )) باعتبار ان رؤية (الادوار الثلاثة) قد حسمت العلاقة نهائيا بين زوايا هذا المثلث الانساني الغريب والعجيب في انماط التفكير البشرية ، بل بقيت هناك الاسألة الكبيرة التي تتولد من هذه الرؤية الفلسفية الوضعية لتاريخ العقل والفكر البشري ، والتي هي بالفعل موجودة فكريا واوربيا حتى قبل ان يطرح (( كونت )) فلسفته الوضعية في تاريخ اوربا الحديث ومن اهمها :
اولا : هل تعني رؤية قوانين الادوار الثلاثة التي يطرحها ((كونت)) ان هناك ضرورة ((قطيعة عقلية وفكرية )) بين كل دور وما تلاه من ادوار فكرية وعقلية مختلفة ؟.
أم ان فكرة ورؤية (( الادوار الثلاثة الكونتية )) لم تهدف الى ابراز حالة او ضرورة حالة القطيعة الفكرية والعقلية هذه بقدر ما كانت تهدف الى القول ان هناك حالة تكامل وتخصصية ينبغي ان تؤخذ بنظر الاعتبار عندما نقسم العلوم ونمط التفكير في داخلها كي لايخلط نمط التفكير العلمي مع موضوع نمط التفكير الفلسفي او اللاهوتي ؟.
بمعنى اخر هل يمكننا كباحثين ودارسين للفكرالانساني بصورة عامة ولموضوع بحثنا هنا في الفكر الاوربي الوسيط والحديث بصورة خاصة ان نستلهم من رؤية (( اوجست كونت )) في ادوارها الثلاثة تلك : ان كونت والفكر الفلسفي والعقلي والعلمي الاوربي من عصورها الوسطى حتى عصرالنهضة الى العصرالحديث الصناعي كان يرى ضرورة القطع بين نمط تفكير لاهوتي كان يصلح فقط للعصور القديمة والحجرية ، وينبغي ان يطرد ويدفن ويمحى من ذاكرة التفكير البشرية اليوم ، وكذا بالنسبة لنمطية التفكير التجريدية الميتافيزيقية الفلسفية التي نهضت على اعقاب الفكر اللاهوتي التي كانت ايضا تصلح لفترة تاريخية انسانية يونانية واسلامية فيما بعد ، ينبغي ايضا ان نمارس القطيعة ، والالغاء والدفن والتدمير لكل اساليب انماطها الفكرية والعقلية لترسوا اخيرا انماطنا الفكرية والعقلية على مرساة ونمط التفكير العلمي والتجريبي فقط لاغير ؟؟.
أم ان ((كونت)) وماقبله من فلاسفة العصور الاوربية الوسطى حتى عصر النهضة صاحب التاسيس للثورة الفرنسية الحديثة كانوا يطرحون الاشكالية بين مثلث (( الدين ، الفلسفة ، العلم ))على اساس ضرورة ((التخصص)) لكل مجال فكري او علمي في موضوعاته المحددة بحيث ان للدين موضوع الايمان والعقيدة ، وللفلسفة موضوع الوجود الكلي والذهن البشري ، وللعلم اكتشاف قوانين الكون والحياة والمجتمع والانسان .. واقامة التجربة وممارسة الملاحظة الفكرية بداخلها بعيدا عن موضوعة صناعة الحرب بين الدين والفلسفة والعلم ؟؟!.
يبدو من القراءة التاريخية المتأنية لمسار تاريخ اللاهوت والفلسفة والعلم في الفكر والعقل الانساني ان الرعيل الاول ولاسيما رعيل فلاسفة وعلماء ومفكري (القرون الاوربية الوسطى) ، باعتبارهم نواة وبذرة الفكر العلمي التجريبي الحديث (كما يعتقده بعض من نقلوا لنا التاريخ الاوربي الوسيط ) كانوا على اعتقاد راسخ ، وايمان كبير بأنه لابد من اعادة انتاج (معادلة فكرية) جديدة (تفصل) بين نمط واسلوب ومنطق تفكير لاهوتي يختص بالايمان والعقيدة ، ونمط واسلوب ومنطق تفكير فلسفي يعمل على الكليات والوجود واسلوب ومنطق تفكيرعلمي يقوم على الملاحظة والتجريب المادي ولم يكن في وارد اؤلئك الرواد من ((روجر بيكن / 1214م / 1294م )) الى ((فرنسيس بيكون / 1561م / 1626م)) ما بعد عصر النهضة وحتى (( اوجست كونت / 1798م/1857م)) من منطلق كونه وريث فكر النهضة الاوربية الحديثة ،ان تكون هناك حالة قطيعة وصدام او حرب والغاء بين هذه الادوار النمطية الفكرية والعقلية الانسانية !!.
بل ما تؤكده لنا هذه الاطلالة التاريخية على تاريخ (الدين والفلسفة والعلم) في اوربا الوسطى هو: ان هناك دعوات مبكرة في هذا العالم الى ضرورة اللجوء (للتخصص او الفصل) الفكري والعقلي في هذه المجالات وضرورة الالتفات الى ان نمط ومنطق واسلوب التفكير اللاهوتي ، لايصلح مطلقا للفلسفة ، وكذا اسلوب ومنطق تفكير الفلسفة لايصلح بتاتا للاسلوب الجديد (انذاك ) العلمي الذي ينتهج الاسلوب الاستقرائي التجريبي ،الذي يلاحظ الكون والعالم والطبيعة والانسان بمنظاره العلمي والتجريبي الخاص ، والمختلف بطبيعته عن اسلوب ومنطق تفكير الفلسفة الكلي والعقلي ، وهذا لا يعني بالضرورة ان ليس هناك تلاقي في بعض موارد انماط هذه الافكار والعلوم العقلية والعقدية تتقاطع فيها مرة مع بعضها البعض وتتلاقي فيها مرة اخرى !!.
نعم انتقد بشدة ((روجر بيكن )) المنطق الارسطي الاستنباطي القياسي وفلسفة ارسطو في زمنه بل واعلن صراحة (( انه لو أوتي السلطة الكافية لأحرق جميع كتب هذا الفيلسوف / 1)) لكنه لم يعلن ذالك لصناعة حرب بين الفلسفة والعلم ، او منطق الفلسفة ومنطق العلم في زمنه ،بل بسبب ان في هذه العصور الاوربية الوسطى بالذات وبعد ان دخلت كتب ارسطو بشروحها الاسلامية الرشدية ((نسبة الى ابن رشد )) للعالم الاوربي ، وما احدثته هذه الكتب والافكار والمنطق الارسطي والاسلامي من هزة فكرية عنيفة للعالم الاوربي وما اخذته من سطوة وهيبة في قلوب المفكرين الاوربيين آنذاك حتى ان اي مسألة عقدية او فلسفية فكرية او علمية .... كانت اذا لم توافق منطق وفلسفة ارسطوا وشروح ابن رشد فانها كانت ترفض على اساس انها خاطئة بالقطع وفي هذه الاجواء الفكرية التقديسية لارسطو ومنطقه كان يناضل ((روجربيكن)) من اجل وضع منطق واسلوب تفكير جديد للعلم ، اعتبره الكثير من فلاسفة ومفكري اوربا الوسطى المنتمين والمؤمنين بمنطق وفلسفة ارسطو على اساس انه النقيض لمنطق ارسطوا والمناهض لمساراته وقوانينه الاستنباطية المحكمة !!.
وهنا يمكننا فهم ما كان يعانيه (( بيكن )) وما يعنيه حرفياعندما يرى هذه القداسية لفكر وفلسفة ومنطق ارسطوا على عقول معظم فلاسفة وعلماء اوربا الوسطى باسرها وعدم سماحهم بوجود اي منطق ،واسلوب تفكير يخالف اسلوب ومنطق ارسطوا الفلسفي ، عندئذ لاسبيل امام (( روجر )) وغيره من العلماء الذين يدركون معنى ان ينفتح العقل والفكر الانساني على منطق واساليب تفكير جديدة لايصلح العلم التجريبي بغيرها وهو المنطق الاستقرائي !!.
ولهذا كان ( روجر بيكن ) فضلا عن انه رجل دين ملتزم ومدافع متحمس لايمانه وعقائده ، هو ايضا فيلسوفا ارسطيا بامتياز وكانت كتبه (( بل بين كل سطرين منها اسم او فكرة لارسطوا مجال بحث ومناقشة فيها / 2)) ،وهكذا فان ((بيكن )) لايخفي ما للفلسفة الارسطية ، والاسلامية بالخصوص من فضل على الفلسفة والعلم في اوربا الوسطى كلها ، وبما في ذالك المنطق الاستقرائي العلمي الذي آمن به (( بيكن )) ودعا وتحمس له واعلن ثورة من اجل تقديمه كمنهج فكر ومنطق تفكير وتقديسة ايضا ، ف( بيكن) يعترف بلا لبس : (( ان التجربة في العلوم الطبيعية هي البرهان الذي لابرهان غيره وان هذه الفكرة ليست جديدة اتى بها من عنده بل يعتقد ان ارسطوا وجالينوس وبطليموس والعلماء المسلمين .. قاموا بالتجارب العلمية وامتدحوها / 3 )) .
وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل ان اكبر فلاسفة العلم في العصور الاوربية الوسطى (روجر بيكن ) ، وغيره كانوا على وعي لموضوعة ((الفصل والتخصص)) بين مجالات التفكير اللاهوتية والفلسفية والعلمية ولم تكن دعوتهم في يوم من الايام قائمة لوضع العلم ومناهجه في مناهضة الفلسفة ومنطقها او الدين ومعتقداته !!.
اما ((فرنسيس بيكون)) سمي رفيقه الانجليزي (روجر بيكون) فهو الاخر ممن يعدون من دعاة واكابر فلاسفة العلم في عصر ما بعد النهضة الاوربية الذين دعوا والفوا وكتبوا ... من اجل ايجاد واتباع اسلوب ونظام ومنطق جديد للفكر الانساني يكون فيه الاستقراء العلمي التجريبي للطبيعة ذاتها وعن طريق الخبرة والتجربة فحسب !!.
ومعروف بهذا الصدد موقف (( فرنسيس بيكون )) من اللاهوت ومنطق تفكيره ، ومن الفلسفة ومنطقها الارسطي الاستنباطي ومع ان بيكون يواخذ الفلسفة الارسطية ومنطقها على اساس انها فلسفة يغلب على منطقها الانحياز للمنطق الاستنباطي ، الا انه مع ذالك يعترف (( بيكون الثاني )) :(( ان ارسطوا عرف الاستقراء ايضا / 4 )) .
نعم في موقف ((بيكون)) نحو الدين واعلانه :(( ان الدين يحد من كل الوان المعرفة /5)) فان هذا الموقف ايضا لايمكن اخذه وسلخه من سياقاته التاريخية والاجتماعية التي كان يعيش بداخلها بيكون ،والتي هي محيطات اجتماعية وفكرية كانت غارقة في الخرافيات والاساطير باسم الدين والعقيدة ، والتي كانت ترى اي نظرة علمية او اي نظرية كونية او اي تجربة طبية .... او اي عملية كيميائية تتمكن من تحويل العناصر ، او صناعة التفاعلات الطبيعية بين مواد هذه الطبيعة على اساس انها من اساليب السحر والشعبذة والدجل ... ، والى ما هنالك ومثل هذه الافكار والتصورات والعقائد المتحجرة اذا نسبت للدين فعندئذ من حق ((بيكون)) وغيره من باقي عقلاء البشرية ان يعلنوا على رؤوس الاشهاد:(( ان الدين يحد بطبيعته ومنطقه واسلوب تفكيره من كل لون من الوان العلم والمعرفة )) !!.
ومع ذالك وجدنا (( فرنسيس بيكون )) وفي اكثر من موضع من مواضع فكره الفلسفي والاجتماعي والعلمي والسياسي .... يؤكد على ان منهجه الفكري العلمي الجديد قائم على : ((ضرورة التمييز بين الحقيقة الللاهوتية والحقيقة الفلسفية فقد يمسك الدين بمعتقدات لايجد العلم والفلسفة عليهما دليلا ولكن الفلسفة يجب ان تعتمد على العقل فقط كما ان العلم ينبغي ان يلتمس تفسيرات دنيوية صرفة على اساس سبب ونتيجة ماديتين / 6 )) .
والى هذا المستوى من الفكر والفصل والتخصص في العلوم والافكار والعقائد.. في مجالاتها المتنوعة لايوجد خلاف ابدا حتى بين اللاهوتيين والفلاسفة وعلماء التجريب !!.
جاء بعد اولئك الفلاسفة والعلماء (( اوجست كونت )) ليواصل مسيرة العلم ومنطقه ومنهجه الفكري المميز ، وليعلن هو من جانبه كوريث لهذا الارث الفكري والعلمي الذي لم يزل بحاجة الى امداد ثوري ليستمر ويثمر وينتصر ... في النهاية او ليأخذ حيزه الطبيعي ضمن اساليب الفكر البشري الحديث ، ليعلن رؤيته ونظريته في (( قانون الادوار الثلاثة )) وليتزعم هو بدوره (( تأسيس علم انساني جديد اسماه علم الاجتماع الحديث / سيسولوجي )) حسب رؤيته الوضعية المادية !!.
اوجست كونت ( في الحقيقة ) كان فيلسوفا ، قبل ان يكون عالما من علماء الاجتماع التجريبي من جهة ، وكان ايضا منطقيا ارسطيا وداعيا الى تأسيس منهجية علمية ،وضعية حسية مادية من جهة اخرى مئة بالمئة تتعامل مع العلوم ومناهجها بهذه الوضعية التجريبية لاغير ، واخذ على عاتقه بهذا الصدد ((صناعة علم)) يتناول المجتمع بظواهره وقوانينه وسننه وتطوراته وحركته وركوده وسكناته .... من هذه المنطلقات العلمية الوضعية !!.
نعم واضح ان الاسلوب والمنطق الفكري الذي اعتمده كونت لصناعة ((علم الاجتماع )) كان هو المنطق الارسطي الاستنباطي الاستقرائي التام فلهذا المنطق الفضل في صناعة كل العلوم البشرية وليس اخيراعلم الاجتماع فحسب ولكنه في علم الاجتماع بدى واضحا جدا حيث اقام (( اوجست كونت )) المعادلة في فهمه للظواهر الاجتماعية التي هي موضوع العلم بهذا الشكل :
(( يشترط في الظاهرة الاجتماعية ، كي تكون مادة لدراسة المنهج الوضعي ان تكون هذه الظواهر خاضعة لقوانين ثابتة وهذا شرط متوفر في الظاهرة الاجتماعية ، /كون المجتمع جزء من الطبيعة الكلية / والطبيعة خاضعة بدورها لقوانين ثابتة يمكن الوصول اليها / ، وعلى هذا الاساس يمكن الجزم ايضا ان للمجتمع قوانين ثابتة يمكن الوصول لاكتشلفها / 7 )).
وهذا الترتيب القانوني والطبيعي للمجتمع وظواهره من جهة وللطبيعة وقوانينها من جانب اخر يمكن ببساطة اعادته للمنطق الاستنباطي الارسطي ،والفلسفي الاسلامي الذي هاجمه كونت ايضا بعنف وشراسة ، فمعادلة (كونت) التي استنبط منها علمه الاجتماعي تترتب على المقدمات الاستنباطية والارسطية التي تكون عادة النتيجة فيها اصغر من المقدمات او مساوية لها في المنطق الاستقرائي الارسطي التام / 8 / كالتالي :
المجتمع جزء من الطبيعة / حد اكبر .
والطبيعة خاضعة للقانون / حد اوسط .
اذا المجتمع ايضا يخضع للطبيعة وقانونها / حد اصغر !.
اي ان المحمول ثبت للموضوع (( حسب المصطلحات المنطقية الارسطية )) او ان الحد الاكبر (( المجتمع جزء من الطبيعة )) ثبت للحد الاصغر (( المجتمع خاضع لقانون الطبيعة )) من خلال الحد الاوسط والذي هو (( والطبيعة خاضعة للقانون )) فبهذا المنطق الارسطي اشاد (اوجست كونت) علمه الاجتماعي الجديد الذي فرض اولا انه من ضمن الطبيعة وموادها المادية ليصل ثانيا الى حد اوسط يثبت له اويفرض عليه القول ان الطبيعة خاضعة للقانون ، لينتهي الى نتيجة ان المجتمع الانساني بالضرورة تحكمه قوانين الطبيعة !!.
وبهذا ندرك ماهية الفلسفة ومنطقها الاستنباطي ، او الاستقرائي التام في عملية صناعة العلوم ولماذا لايمكن لكونت او غيره نسيان فضل الفلسفة وفكرها على العلم من جهة ، ولماذا حتى من اسس للمناهج الاستقرائية العلمية التجريبية الجديدة كانوا يحترمون ويذهبون الى فكرة التخصص والفصل فقط بين مناهج العلم المادية والفلسفية والعقدية الدينية ، ولم يرد في ذهنهم صناعة حرب مناهج فكرية بين الدين والفلسفة والعلم ؟.
يتبقى مع ذالك جواب سؤال : اذا من اين جاءت هذه الافكار التي تدعوا الى مناهضة الفكر والمنطق الفلسفي من جهة والفكر والمنطق الديني اللاهوتي من جانب آخر باسم منطق العلم ومناهجه الفكرية ؟؟.
بمعنى اخر نحن نقرأ اليوم الكثير من المفكرين ، سواء كانوا مفكرين ايدلوجيين او اجتماعيين او علماء تجريب ...الخ الذين يطرحون موضوع العلم والفلسفة والدين ، ومناهج واساليب التفكير لكل منها على اساس الصراع والجدلية الطاردة للمناهج والمنطق الاخر في التفكير والاستنتاج وليس ببعيد عنا اؤلئك الذين يطرحون بوضوح وحتمية اقصائية : (( بان نهاية عصر المنطق والتفكيرالديني ينبغي ان تكون هي بداية عصرالمنطق والتفكير الفلسفي وكذا ينبغي ان تكون نهاية الفلسفة والمنطق الارسطي والاسلامي ببداية منطق العلم والتجريب والحس والوضعية ، ليصبح اليوم العالم فقط يحكمه منطق العلم والتجريب والمادية والوضعية لاغير ؟؟.
بشكل اوضح من اعادة صياغة السؤال ليعيدنا الى موضوعنا الام لنقول : من اين استقى (مثلا ) المرحوم علي الوردي رؤيته الاقصائية لمناهج الفلسفة من جهة ومناهج المنطق والتفكير اللاهوتي من جانب اخرفي كل كتبه ومؤلفاته وتصوراته ودعواه ... ، ليطرح لنا ((مشروع الكراهية )) والحرب وضرورة الصراع والابادة بين المناهج الثلاثة البشرية المتوارثة ؟.
ومن اين استقى هذا المرحوم الذي كتب كل ما كتبه باسم العلم ، ومناهجه هذه الرؤية الاحادية الجانب ، التي لم تدع منهجية او منطق لارسطو او للفلسفة بصورة عامة او للاهوت وانماط تفكيره لم يستهزء بها هذا الكاتب المسكين ؟.
ومن الذي اوحى له بضرورة ان يقود العقل البشري كله منطق فكري علمي واحد ،ويطاح من ثم بباقي مناهج العلوم الفلسفية واللاهوتية وغير ذالك ؟.
هل اعتمد المرحوم علي الوردي على ما اسسه رواد العلم التجريبي القديم قبل ((روجر بيكون)) حتى ((فرنسيس بيكون))فيما بعد عصر النهضة العقلية والعلمية الى عصر اوجست كونت مؤسس علم الاجتماع الحديث ؟.
ام انه ليس له اي علاقة بهذه السلسلة العظيمة من تاريخ الفلسفة والدين والعلم ، وليس له اي علاقة بروجر ولا بفرنسيس ولا باوجست كونت .... وما كانوا يسعون له من تاسيس منظومة تخصص فقط لمناهج التفكير الانساني ، تدعم موقف العلم وانجازاته الهائلة التي توصلت لها الانسانية اليوم من اختراعات ، بل اكتفى فقط على اراء فئة شاذة وطارئة حتى على العلم ومشروعه الانساني الكبير ،ليتخذ منها المرحوم الوردي كل منطلقاته الفكرية الهزيلة في مهاجمة ومناهضة المنطق والفلسفة الارسطية والاسلامية ؟؟.
الحقيقة ان الجواب على مثل هذه الاسألة بصورة عامة وعلى المرحوم ((علي الوردي)) ومنهجه الاقصائي اللاعلمي بصورة خاصة ، نترك اجابته ل((ول ديورانت / صاحب قصة الحضارة )) ليجيب عليها من جهة ، وعلى لسان رائد النهضة العلمية التجريبية الحديثة والمؤسس للثورة الفرنسية ومن ثم العلمية الحديثة لاوربا (( فرنسيس بيكون )) من جانب اخر ، ليقولوا لنا من اين اتت هذه النزعات اللاعلمية واللاعقلية واللافكرية التي حاولت صناعة الحرب لاغير بين الفلسفة والعلم والدين او حاولت استغلال مسمى العلم ومناهجه ومنطقه لابادة العقل والروح الانسانية المتوازنة او مناهضة الايمان والتفكير لاغير ؟.
يقول (( ول ديورانت )) :(( كما ان بيكون لم يقل مثل فلاسفة القرن الثامن عشر ، بان العقل عدو الدين او انه بديل عنه انه افسح لكل منهما مجالا في الفلسفة وفي الحياة .../ 9 )).
اذا هم اؤلئك الفلاسفة المتأخرون من فلاسفة القرن الثامن عشر وما بعده هم الذين اسسوا فعليا لهذه الصراعات الفكرية التي اتخذت من مناهج اللاهوت والفلسفة والعلم مادة لصراعاتها الايدلوجية البعيدة عن روح العلم وتخصصاته الفكرية والمنهجية والمنطقية !!.
وهذه الحقيقة ايضا يؤكد عليها اصحاب (( الموسوعة الفلسفية المختصرة )) حيث يذكرون ان مفهوم ومصطلح ( التجريبية ) العلمية لم يبقى على نقائه الفكري والعلمي الذي اسس له رواد العلم الحديث ، بل تحول الى اتجاهات مادية متطرفة كانت تنظر للفسلفة خصوصا على انها : (( تحليل للمدركات العقلية والقضايا فقط )) ، مما زاد في العداء المتزايد للفلسفة التأملية الميتافيزيقية بصفة خاصة ، وهو عداء لقي اقصى تعبير عنه في (( الوضعية المنطقية )) وهي الحركة التي دعا اليها بصفة خاصة في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن لفيف من الفلاسفة يعرفون باسم جماعة فينا / 10)) !.
اذاً مفهوم (الصراع بين المنطق الارسطي الفلسفي ومناهج ومنطق العلم التجريبي ) لم تكن قديمة قدم التاسيس لمناهج العلم وانفتاح مناهج ومنطق الفلسفة عليها ، بل هو صراع افتعلته قوى ايدلوجية مادية متطرفة كتبت ودعت ونظّرت الى حالة من العداء والكراهية لمنطق الفلسفة من جهة ومنطق اللاهوت من جانب اخر !!.
وهذا في المحصلة هو ما يضع اناملنا على الموارد التي استقى منها المرحوم (( علي الوردي )) كل اصوله الفكرية والنقدية التي اعتمد عليها في رؤيته للفلسفة الاسلامية بصورة عامة وللمنطق الارسطي الاستنباطي بصورة خاصة ؟!.
__________________________
المصادر :
1 : ول ديورانت / قصة الحضارة / ج 17 / 209 ص / دار الجيل بيروت / ترجمة محمد بدران .
2 : نفس المصدر /ص 209.
3 : نفس المصدر / ص 212.
4 : نفس المصدر / ج 28 / بداية عصر العلم / ترجمة محمد علي ابو درة / مراجعة علي أدهم .
5 : نفس المصدر / ج28 / ص 266.
6 : نفس المصدر / 266.
7 : انظر الموجز في النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة / د . اكرم حجازي / ج 1 .
8 : الاسس المنطقية للاستقراء / محمد باقر الصدر / ص 15 / دار التعارف للمطبوعات / ط الثالثة .
9 : ول ديورانت / قصة الحضارة / ج 28/ مصدر سابق / ص 275.
10 : الموسوعة الفلسفية المختصرة / لفيف من المختصين / راجعها زكي نجيب محمود / ص 153/ ت.
**************
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/

الخميس، يناير 10، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم السادس عشر

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم السادس عشر


حميد الشاكر



(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي ))

1



***********************



(( رجائي من النقاد أن يبحثوا عما في كتبي من اخطاء تاريخية واجتماعية / علي الوردي /لمحات من تاريخ العراق الحديث / مقدمة ج 4 ص 5 ))

من الاخطاء الاجتماعية التي تتصل بمنهجية علم الاجتماع الحديث بصورة عامة لدى المرحوم علي الوردي هي دمجه بصورة قصدية ، او لاقصدية ((اي عن جهل)) بين ماهو فلسفي ايدلوجي ، ويدخل في العلم الفلسفي من مصطلحات ورؤى وتوجهات وافكار .. ، وبين ما هو اجتماعي وينتمي لعلم الاجتماع او الذي ينبغي ان ينتمي لهذا العلم بصورة خاصة وبعملية تخصصية اكتسبها العلم الاجتماعي الحديث بعد تاسيسه على يد صاحب الفلسفة الحسية المادية الوضعية اوجست كونت !!.

وهذا الدمج ، او الخلط في فكر المرحوم علي الوردي هو ما سلطنا الاضواء عليه من خلال الاقسام البحثية المكثفة وابرزناه على اساس انه عورة من عورات الفكر الوردي المطروح باسم علم الاجتماع من جهة والذي يتكئ وينطلق من اسس وقواعد فلسفية وايدلوجية (( فكرة الصراع الهيجلية مثلا / او فكرة المنفعة الراسمالية لوليم جيمس او ..... الخ )) ليس لها علاقة بمنطلقات علم الاجتماع الحديث من جانب آخر !.



نعم ماهو اعمق اشكالية ايضا من هذا الدمج المنهجي اوالخلط الفكري للمرحوم علي الوردي بين ماهو اجتماعي او ينبغي ان ينتمي لعلم الاجتماع وبين ماهو بعيدا عن علم الاجتماع وهو الايدلوجي الفلسفي كان (القصور المعرفي الاجتماعي) للمرحوم الوردي في مفاهيم ومصطلحات واهداف وغايات .. العلم الاجتماعي الحديث ، مما اورثه تحليلات اجتماعية غاية في السذاجة والتصنع ( = اي صناعة التحليلات وتركيب مصطلحاتها ) للمجتمع العراقي بصورة خاصة ، والمجتمع العربي بصورة عامة والبعد عن اي منهج علمي اجتماعي معروف وهذا ما اسميناه في كل بحوثنا السابقة ب (( الفوضوية الفكرية )) التي اعتمد عليها المرحوم الوردي في كل رؤاه وتصوراته الشخصية المطروحة في مؤلفاته ومدوناته !!.



طبعا لايشكل على قارئنا المحترم اننا هنا وفي هذه البحوث المطولة تناولنا فكر المرحوم (علي الوردي ) فقط من زاوية العلم الاجتماعي الحديث ، ولم نتناوله كمؤرخ تاريخي كي نسلط الاضواء على كتبه ومنهجيته التاريخية في تناول الحدث وقراءته وتحليله وهكذا نحن لم نتناول المرحوم الوردي من زاوية (علم النفس الحديث) ليكون لنا وقفات وجولات حول كتبه النفسية او التي كتبت في علم النفس الحديث كمنطلقات وقواعد في فهم ((شخصية الفرد والمجتمع في العراق)) بل اكدنا ومنذ البداية اننا نتناول الوردي اجتماعيا باعتبار انه يطرح نفسه كعالم ومتخصص من متخصصي العلم الاجتماعي الحديث ، ولهذا قارنا بين افكار المرحوم علي الوردي ، التي ينسبها لعلم الاجتماع وبين علم الاجتماع الحديث نفسه بمؤسسيه الفعليين (( كونت ، دوركايم ، سبنسر ...)) ومناهجه وتاسيساته ومنطلقاته ومصطلحاته وافكاره فقط لنصل الى نتائج غاية في الخطورة الفكرية من جهة وغاية في الامتهان للفكر والثقافة العراقية الحديثة ، التي كان يحاورها الوردي باسم العلم الاجتماعي الحديث من جانب اخر بينما لاعلاقة حقيقية للعلم الاجتماعي الحديث بكل طرح المرحوم علي الوردي ، الذي اسماه بالاجتماعي ، وهذا اذا كان يعني شيئا فكريا وعلميا واخلاقيا انما يعني احد امرين :

اولا : اما ان يكون حدود فهم وادراك المرحوم علي الوردي للعلم الاجتماعي الحديث قاصرا تماما ولذا هوانطلق من منطلقات ليست لها علاقة بالعلم الاجتماعي واتكئ على قواعد غاية في البعد عن كل ما التزم به واسس له العلم الاجتماعي الحديث !.

ثانيا : واما ان يكون المرحوم الوردي صاحب مشروع ايدلوجي فلسفي اراد اقناع او خداع الثقافة والفكر العراقي الحديث به فاستغل او جيّر او استخدم...اسم العلم الاجتماعي الحديث ليمرر انتمائه الايدلوجي ويطرحه على اساس انه الممثل وصاحب الاسس والمنطلقات العلمية للعلم الاجتماعي الحديث !!.



في الاحتمال الاول طرحنا ماتقدم من اقسام تثبت (القصور المعرفي الاجتماعي لعلي الوردي ) وانه رجل بالفعل ليس له علاقة علمية اكاديمية مختصة بالعلم الاجتماعي الحديث وتاريخ تاسيسه وقواعده ومنطلقاته ومناهجه التطبيقية او تعريفاته الفكرية وهذا ما قدمناه للقارئ المحترم بالادلةالواقعية العلمية من افتقاركل اطروحات الوردي ومؤلفاته لمجرد تعريف للعلم الاجتماعي او للمجتمع .... ، حتى غياب المنهج من هذه المؤلفات الى غياب المنطلقات ... الخ !!.

اما حول المحور الثاني وهو : الايدلوجي الفلسفي في منطلقات علي الوردي الفكرية فنقول :

ان الباحث فيما طرحه المرحوم الوردي حول الفكر الفلسفي والايدلوجي في كتبه ومدوناته ومخطوطاته سيلحظ بلا ادنى ريب او غموض كثافة الافكاروالرؤى والتصورات الفلسفية والايدلوجية التي طرحها وتناولها المرحوم الوردي بالنقد مرات ومرات وبالاشادة ايضا مرات ومرات ، لاسيما ماطرحه في كتابه ((مهزلة العقل البشري)) ، وكتاب ((منطق ابن خلدون)) لكن ماهو بارز في نقد المرحوم الوردي للفكر الفلسفي بصورة خاصة هو ميله وايمانه ودفاعه المستميت عن كل ماهو ايدلوجي فلسفي مادي ، او حسي غربي بالخصوص باعتبار انه هو العلمي لا غير من وجهة نظر المرحوم الوردي ، وانتقاصه من كل ماهو فلسفي عقلي وفكري وارسطي وعربي واسلامي بالخصوص من جانب اخر باعتبار انه هو الخرافي ، وغير النافع والطوبائي والعاجي ... الخ !!.

والحقيقة ان هذه الملاحظة لمتناولات علي الوردي الفلسفية والايدلوجية لاتدلل بالضرورة ان منهج المرحوم علي الوردي كان منهجا ماديا او حسيا او وضعيا وينتمي لهذه الفلسفة سواء كانت ماركسية او غير ماركسية مادية تاريخية ، وهذا في الواقع ما تناولناه في قسم (( تركيبة الشخصية الفكرية لعلي الوردي )) ، فالمرحوم الوردي لم يكن صاحب منهجية علمية ثابتة في كل متناولاته الفكرية وعلى تنوعها الغريب والعجيب ، بل كان (وهذا ما اثبتناه علميا ) صاحب (( شخصية فكرية مزدوجة )) تدمج بين ماهو مادي علمي فلسفي من جهة وبين ماهو خرافي ميتافيزيكي واسطوري من جانب اخر وهذا ما اشرنا اليه في كتابه (( خوارق اللاشعور )) ، الذي هو عبارة عن سباحة في عالم الخيال ، والاسطورة والخرافة وارجاع كل حركة الانسان ووعيه ووجوده وابداعه وطاقته ... لهذا العالم الغارق بالدروشة والتصوف وباقي الغيبيات ولكن ايضا على عادة الوردي في الباس افكاره وتصوره رداء او صورة العلمي والمنطقي والجديد والمنتمي للعلم الاجتماعي الحديث ....الخ !!.



والآن : لماذا كان المرحوم الوردي في مؤلفاته وكتبه ورؤاه غارقا بين ماهو ايدلوجي فلسفي وينتمي لعلم ومصطلحات عالم الفلسفة والادلجة ، وبين ماهو علمي والذي كان ينبغي ومن الضروري ان يكون صاحب الية تفكير ومنهجية عمل وموضوع مختلف تماما عن الفلسفي واتجاهاته العقلية ؟.

بمعنى آخر هذا الخلط او الدمج في فكر المرحوم الوردي بين ماهو فلسفي ايدلوجي كالانتماء مثلا لنظرية (( الصراع الهيجلية )) كمنطلق لتحليل المجتمع ، ومعرفة تراكيبه وحركته وتعقيداته ، او كالانتماء للنظرية (( النفعية الجيمسية / كما اشرنا اليه في القسم الثالث عشر )) ، وبين ماهو علمي او ينبغي ان ينتمي للعلم تخصصا وموضوعا ومناهج كالعلم الاجتماعي الحديث هل كان من خلال ((وعي علمي)) تام من قبل المرحوم الوردي بحيث انه كان مدركا لماهو فلسفي وما هو علمي في العصر الحديث ، ولذالك اخترع منهجية جديدة تسمح بالدمج بين ماهو فلسفي ايدلوجي وآخر علمي وتخصصي ؟.

أم ان المرحوم علي الوردي اصلا ومن الاساس والقواعد الفكرية التي كان يملكها كان لايدرك ماهو الفرق المنهجي والعلمي بين مواضيع الفلسفة وابوابها المعقدة ، وبين العلوم ومواضيعها وتخصصاتها الدقيقة ،فلذالك اعتقد هذا المرحوم انه بامكانه استخدام الافكار والنظريات الفلسفية المعقدة داخل اطر العلوم الطبيعية او الفيزيائية او الاجتماعية ؟.

هذا اولا !!.



ثانيا : عندما دمج المرحوم الوردي في فكره ومناهجه ورؤاه وكتبه ومؤلفاته بين ماهوعلمي وماهو فلسفي فهل كان المرحوم الوردي مستوعبا وواعيا وملما ومحيطا ... فعلا بما تعنيه افكار وتصورات عالم الفلسفة ، وما تعنيه وتهدف اليه افكار علم الاجتماع الحديث ، ولهذا هو طرح هذا الدمج بعد وعي والمام واحاطة حقيقية بكلا هذين العلمين ؟.

أم ان المرحوم الوردي كان قاصرا تماما في فهم المفردات الاولية في عالم الفلسفة العميق ، كما رايناه واكدنا عليه وبحثناه واستدللنا حوله في عالم ((علم الاجتماع )) الذي كان القصور المعرفي الاجتماعي للمرحوم الوردي فاضحا في ساحته وعالمه ومصطلحاته ومفرداته كما ادركناه سابقا ؟.



ثالثا : لو فرضنا ان المرحوم الوردي ومن خلال ما طرحه فكريا وتصوريا تاليفا وكتابة ، ومن خلال ما سوف ندرسه ونبحثه من فكره حول الفلسفة ومناهجها وغاياتها واهدافها ...، انه رجل ليس له علاقة علمية او تخصصية حقيقية لا بالفلسفة ولا بعلومها ولا بتعقيداتها التاريخية او مفاهيمها الفكرية او انعكاس اطروحاتها على المجتمع والفكر الانساني بصورة عامة فهل يعني هذا ان المرحوم الوردي كان مجرد قشري وانسان بسيط وسطحي بالنسبة للفلسفة فضلا عن نقده لها او نقده لاساطين مفكريها وقادتها ومؤسسيها منذ سقراط وافلاطون وارسطوا حتى الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد .... الخ ؟.

أم ان المرحوم الوردي عندما ينتقد ((المنطق الاستنباطي الارسطي/ تقريبا لايخلوا كتاب من كتب الوردي الفكرية لايشير فيه الى المنطق الاستنباطي وخرافيته من مهزلة العقل البشري حتى منطق ابن خلدون الى اسطورة الادب الرفيع ..الخ )) بصورة لايصدقها عقل انسان ((متزن علميا )) وعندما ينتقد الفارابي في (( المدينة الفاضلة )) وعندما يستهزء بابن طفيل الفيلسوف والطبيب والرياضي والفيزيائي والفلكي والمجتهد والقاضي وصاحب نظرية (( التربية الطبيعية )) والذي عرف غربيا برائعته ((حي بن بقظان )) التي سبقت (( روبنسن كروز )) ويعتبرها منتج خرافي لاغير وعندما ينتقد ابن رشد .... الخ اقول عندما ينتقد المرحوم علي الوردي كل هذا التراث الفلسفي العقلي التاريخي الضخم بصورة اقرب للاستهزاء منها للمنهج العلمي فهل هذا رجل احاط فعلا بكل هذا التراث ، وادرك معانيه وغاياته وناقش ادلته وبراهينه ..... ولهذا هو توصل الى نتيجة ضرورة هي صرّ كل هذا التراث الفلسفي ورميه في سلة المهملات لعدم جدواه او نفعه للبشرية والعلم الحديث ؟.

أم ان هذا الرجل بالفعل مهووس بكل ما طرحه الغربيون حول هذه الفلسفة ومنطقها الاستنباطي ،وهو ببغائيا تماما ونقل نقدا غربيا لهذه الفلسفة ومنطقها لاعلم له بمنطلقاته ، ولا اختصاص له بماهيته ولا اطلاع علمي كافي له على موضوعاته ؟.



رابعا : ماذا يعني هجوم المرحوم علي الوردي الغيرمسبوق عراقيا / باعتبار ان الفكرالعراقي في الحضارة العباسية هو اول من اعاد انتاج الفلسفة الارسطية وصنعهاعقليا عربيا واسلاميا وانشأ قواعدها للحضارة والعالم العربي والاسلامي والانساني كذالك في القرون السالفة وحتى اليوم / اقول ماذا يعني هذا الهجوم من قبل الوردي وفي معظم مؤلفاته على الفلسفة وخاصة منها الفلسفة العقلية الارسطية العربية والاسلامية ، ودفاعه في المقابل عن محاور واتجاهات فكرية اسلامية صوفية وسلفية حجرية ورجعية دينية مشهورة في التاريخ العربي والاسلامي القديم والحديث بانها هي من دمر الحضارة العربية والاسلامية في النتيجة وجعلها فكريا وحضاريا وانتاجيا وحتى اليوم في خلفيات الامم والشعوب المتحضرة ؟.

بمعنى اخر كيف يعجب المرحوم الوردي ، ويدافع بشراسة عن (( ابن تيمية)) مثلا ومنهجه الفكري السلفي التكفيري الحجري المنغلق والطارد لكل فكر حر ومنفتح ومستقبليوبناء ... وكذا يدافع بعمق عن (( الغزالي )) ومنهجه الصوفي الباطني الغيبي والانعزالي والفردي .. (( انظر الفصل الثاني / من منطق ابن خلدون / المنطق الارسطي في الاسلام )) بينما هو يشن حملة شعواء على كل الفلاسفة العقليين من الفارابي الى ابن سينا الى ابن طفيل الى ابن رشد .....الخ الذين بنوا الحضارة العربية والاسلامية فكريا وبنيويا ونفسيا واخلاقيا وروحيا وانفتاحا عقليا من الداخل على الاخر المختلف وبنوها وبنوا معها الانسان من الخارج ، بل وملؤوها طبا وفلكا وفيزياءا وهندسة وبناءا وعمرانا وكيمياءا ورياضيات وقضاءا واجتهادا وقانونا وسياسة .... الخ حتى وصلت الى ما نحن اليوم نفتخر به حتى اللحظة امام جميع الامم ؟؟!.

اقول كانت الهندسة والرياضيات والطب والقانون والكيمياء والعمارة والاجتهاد والسياسة ... الخ منتج من منتجات الفلسفة العقلية ، وفلاسفتها العقليون الارسطيون في حضارتنا العربية والاسلامية ، فما من فيلسوف الا وكان برفسورا في عدة علوم طبيعية او طبية او هندسية او رياضية او قانونية .. ومن ثم العلوم الطبيعية والمادية والحسية ، فابن باجة وابن طفيل وابن رشد في الاندلس لهم الفضل في تطور الفلك والهندسة والطب والرياضيات والقانون والاجتهاد.. وحتى قضايا حقوق الانسان والمراءة في العالم والحضارة العربية والاسلامية بصورة خاصة والعالم الغربي فيما بعد بصورة عامة بل ان هؤلاء الفلاسفة لهم الفضل حتى في بناء وتطور وتقدم الحضارة العربية والاسلامية التي امتد تطورها وتقدمها لتستفاد اليوم الحضارة والعقل الغربي منه ، فكيف وعلى اي اسس فكرية او منطقية او علمية فرضت على المرحوم علي الوردي ان يقدم على هؤلاء (( ابن تيمية والغزالي )) في منهجية التفكير واصابة الحقيقة ليصبح من لم يقدم للبشرية والعلم غير الدمار ، والخراب والانطوائية والرجعية والانغلاق والدعوة الى السلفية والرجوع الى الخلف ورؤية العقل والعلم على اساس انهما الزندقة لاغير يقدم هؤلاء على الفلاسفة والبنائين والمعماريين والقانونيين والاطباء والعقليين ........ واعتبارهم ما هم الا طوبائيون وساكنون ولا متحركون ولا متحررون ولا مفكرون ؟.



هذا ما سنتناول الاجابة عليه فلسفيا هذه المرّة في القسم القادم انشاء الله باعتبار ان الحيز الفلسفي في فكر ومؤلفات وكتب المرحوم الوردي اكثر بكثير من الحيز الاجتماعي العلمي !!.

__________________________________________



alshakerr@yahoo,com

مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد

http://7araa.blogspot.com/













الجمعة، يناير 04، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الخامس عشر

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الخامس عشر
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الاجتماعي لعلي الوردي ))
4
***********************************
خامسا : عرّف ((اوجست كونت)) المجتمع على انه ((وحدة حيّة ومركب معقد اهم مظاهره التعاون والتضامن / انظر الموجز في النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة / ج1/ د . أكرم حجازي )) !.
والحقيقة فان ((كونت)) عندما طرح لنا تعريفا للمجتمع باعتباره ((المادة)) او ((الساحة)) او (( المجال )) ، الذي يعمل عليه ملاحظةً وتجريباً وتحليلا واكتشافا للقوانين من الداخل...علم الاجتماع الحديث فانه من جانب وضع لنا اول لبنة (( لموضوع )) العلم الاجتماعي الحديث الا وهو (المجتمع) وعرّف لنا هذا الموضوع من جانب آخر وذالك باعتبار انه (لاعلم بلاموضوع ولا موضوع بلا تعريف ) !!.
وعلى هذا الاساس اصبح للمجتمع علمٌ مختص بدراسة هيئته وظواهره وتركيبته القائمة وله شخصية مستقلة بالامكان وضع تعريف محدد لماهيتهاووجودها قبالة وجود وماهيات باقي الظواهرالعلمية الفكرية اوالطبيعية الاخرى التي تندرج تحت مسمى العلوم الممكن اقامة الدراسات والابحاث حولها !!.
طبعا بعد ما عرّف ((اوجست كونت)) نظريته الوضعية حول العلم الاجتماعي ، ووضع التعريف لهذا المجتمع شرع في طرح (ماهية الوجود الاجتماعي) ومن ثم تراكيبه المادية والاخلاقية وهكذا قوانينه الثابتة والمتغيرة المتحكمة بهذا الوجود وماهية المناهج الوضعية والعلمية التي تدخل في مناهج البحث الاجتماعي من ملاحظة وتجريب ، وماهية النظم المساعدة في عملية او مبدأ التعاون الاجتماعي ....الخ ، لكن يبقى التأسيس في تعريف المجتمع ، باعتباره موضوع العلم هو المقدم وهو المحدد لوجهة النظر الاجتماعية العلمية وهو الموجه لمناهج البحث وهو المقنن للاساليب الفكرية والقانونية من ثم وكيفية تعاملها مع هذا الوجود الاجتماعي !!.
ومن هنا لابد من دراسة وبحث البداية ، والتوقف مع هذا التعريف الكونتي للمجتمع لندرك توجهات مدرسة ((كونت)) العلمية الاجتماعية التي التزم بها تلامذته والمنتمين لمدرسته (( دوركايم سبنسر تالكوت كوهين ...)) من بعده وكذا رؤيته النظرية والفكرية لماهية المجتمع او شخصيته اذا جاز التعبير الاجتماعي او وجوده حسب التعبيرات والمصطلحات الفلسفية للمجتمع وكينونته ، ولنسأل :
ما الذي يقصده (( كونت )) مؤسس علم الاجتماع الحديث عندما عرّف المجتمع على اساس انه (( وحدة حية )) ؟.
وهل يختلف هذا التعريف الكونتي في منطلقاته وقواعده ورؤاه .... للمجتمع وما يترتب على هذا التعريف من بناءات فكرية وعلمية عن ملاحظة تعريفات اخرى لنفس هذا المجتمع ولكن من خارج سياقات المدرسة الاجتماعية الكونتية تعتبره (( وحدة اعتبارية مركبة )) او (( وحدة صناعية )) او (( وحدة اقتصادية )) ؟.
ام ان تعريفات المجتمع لاقيمة علمية وفكرية ومنهجية .. لها في مجمل العلم الاجتماعي سواء كانت تعريفات كونتية ام كانت تعريفات هيجلية او نفعية جيمسية او غير ذالك ؟؟.
بمعنى اخر : عندما طرح (اوجست كونت) من ضمن تعريفه للمجتمع على اساس ان ((اهم مظاهر هذا المجتمع الحي والمعقد هو التعاون والتضامن)) فهل لهذا المنطلق في تعريف المجتمع ومركباته ومظاهره ، دلالات علمية وانعكاسات منهجية تختلف حتما ، وبطبيعة التأسيس عن منطلق وتعريف ((هيجل / مثلا)) ومن بعده لمركب المجتمع عندما يعرّف المجتمع على اساس انه مركب قائم على قانون الديالكتيك واهم مظهر من مظاهره الاجتماعية هو الصراع الطبقي حسب الفهم الماركسي للمجتمع وقوانينه الداخلية ، او حسب مدرسة الصراع الاجتماعية الامريكية ؟.
أم انه لاقيمة لاعلمية ولامنهجية ولااستنتاجية ومن ثم لادلالات فكرية ونتائج عملية لهذا الاختلاف في التاسيس وفي التعريف وفي المنطلقات ؟.
اولا : المجتمع وحدة حيّة .
في منطلقاته الفكرية الفلسفية الوضعية وكذا الاجتماعية العلمية يرى (كونت): ان للمجتمع كينونة مستقلة حية عن الفرد وان الفرد داخل المجتمع لا كما يعتقده البعض من المفكرين : ان له الاصالة قبالة اعتبارية المجتمع لاغير ، بل لاوجود لشيئ في الخارج او الداخل الاجتماعي اسمه ( فرد) مقابل المجتمع ، بل فقط ماهو موجود هو المجتمع فحسب ، ولهذا المجتمع حياة ومشاعر وتوجهات وميول وتطلعات وموت وولادة .... !!.
بمعنى اخر اوضح : طرح قبل ((اوجست كونت )) وبعده في الابحاث الاجتماعية القديمة والحديثة التي تتناول وجود المجتمع وهيئته وشخصيته .. اربع نظريات قيمة في مجال الاصالة والاعتبارية بين الفرد والمجتمع مفادها :
ان هناك اربع نظريات في هذا الحيز المنقسم بين الفرد والمجتمع وهي :
اولا : النظرية القائلة بالاصالة المطلقة للفرد وان المجتمع او ما يسمى بالمجتمع ماهو الاامر اعتباري ليس له وجود حقيقي ولا قانون ولا سنة ولا حياة ولا شعور ولا دراسة .... انما ماهو موجود فعلا وحقيقة هو الفرد ، وهو منفصل ومستقل عن شؤون الاخرين !!.
ثانيا : النظرية التي تقول ايضا باصالة الفرد على المجتمع في الوجود والفعل ، لكنها تعتبر للمجتمع نوعَ مركبٍ ( فيزيائي ) او (غائي) يعتبر ان الغايات التي يتمكن المجموع من الوصول اليها لايمكن للفرد الوصول اليها في هذه الحياة بمفرده ولهذا تبقى الاصالة للفرد ولكن للمجتمع مركب ثانوي او غائي !!.
ثالثا : النظرية التي تذهب الى اصالة الفرد والمجتمع وتقول ان للمجتمع وجودا مستقلا وكذا سيرا وحياة وشعورا وشخصية مستقلة عن الافراد لكن لا على اساس اعتبارية الفرد قبالة هذه الاصالة للمجتمع بل ايضا للافراد اصالتهم ووجودهم المستقل داخل دائرة المجتمع ، ولكل من المجتمع ، والفرد اصالته ووجوده المختلف عن الاخر ، فبينما يكون جانب الافكار والنفسيات والعواطف والميول والارادات والثقافات ... والمصير المشترك حيز الاصالة فيه للمجتمع تبقى الجزئيات الفردية ايضا لاعبة دورا اصيلا قبالة تركيبة المجتمع فكل مواهب الافراد وميولهم ومناشئهم وابداعهم وثرواتهم..... تبقى هي الجزئيات المكونة للكل الاجتماعي وما بين المجتمع وافراده من تفاعلات الا كما بين اي الاجزاء الاصيلة وكلياتهما من مركبات وكما ان لا كلية الا بمركباتها الجزئية ،كذا لاجزئيات بدون مركباتها الكلية ، فبينما مواهب وقدرات وفاعليات الافراد متنوعة وهي التي تخلق روح المجتمع وثقافته وشخصيته وحياته ، كذا هو المركب الاجتماعي الذي يصنع الافراد وميولهم وتوجهاتهم ...الخ ، الفرق هنا في هذه النظرية انه ربما يموت الفرد لكن روح المجتمع باقية ،وكذا ربما يموت المجتمع وشخصيته وفعله وتاثيره ويبقى الافراد بماديتهم وجنسياتهم وتمتعهم بقدراتهم الفردية على حالها !!.
رابعا : وهي النظرية التي تقول بالاصالة المطلقة والكلية للمجتمع ، وما الفرد الا جزء ليس له اي وجود او حيثية او كينونة او حياة او واقع او انسانية ... بدون المركب الاجتماعي ، فالفرد ينحل تماما كالانحلال الكيميائي او التغير الكيفي بعد التراكم الكمي في مركب المجتمع ليكون هناك المجتمع وحده بحياته بهيئته هو الوجود الواقعي والحقيقي لاغير !!.
فالفرد في هذه النظرية لاوجود حقيقي اذا لم ينخرط في الكلي الاجتماعي ليهبه شخصيته وكينونته وشعوره بوجوده الانساني كما ان الفرد الانساني في هذه النظرية كله هو مجرد (روح حيوانية محضة) فقط لها (قوة القابلية) لتتلبس بالروح الجماعية لاغير !!.
اي ان الانسان الفرد قبل الاندراج في سلك المجتمع ليست له هوية انسانية ، بل هو استعداد محض له قابلية التلبس بالروح الاجتماعية فهو انسان بالقوة وتبرزانسانيته وشعوره بهذه الانسانية وفعلية الفكر الانساني والعواطف البشرية وكل المميزات الانسانية عندما تندرج تحت اطار الروح الاجتماعية ،فالمجتمع هو من يجعل من شخصية الافراد شخصية انسانية ولها ميول ووجود انساني واقعي ، والفرد بغير المجتمع لايمكن قبول اعتباره شيئا وجوديا حقيقيا فضلا عن ان تكون له اصالة وواقعية ووجودا انسانيا معترفا بادميته !!.
والحقيقة ان هذه النظرية الرابعة هي ما اسس لها مؤسس العلم الاجتماعي الحديث (اوجست كونت ) في مدرسته الاجتماعية ومع اننا نميل مع رؤية المدرسة الاسلامية في رؤيتها الاجتماعية لتبني توجهات النظرية الثالثة في ((اصالة الفرد والمجتمع )) ونختلف كثيرا في بعض التوجهات الاجتماعية العلمية لرؤية (كونت) هذه، لكن تبقى مدرسة كونت الاجتماعية هي صاحبة التأسيس للعلم الاجتماعي الحديث وهي التي استطاعت ان تصوغ النظرية الاجتماعية الحديثة ولها قدم السبق الذي تاتي بعده كل النظريات الاجتماعية كعيال على هذا النهر العلمي الكبير الذي شقه (كونت) في علم الاجتماع !!.
نعم الآن يمكننا فهم وادراك ابعاد تعريف (كونت) للمجتمع ولماذا طرح على اساس انه (( وحدة حية )) وماهية هذا التعريف ومنطلقاته النظرية واختلافه الجذري عن باقي التعريفات الاخرى في باقي مدارس الاجتماع الباقية !!.
فالمجتمع (( وحدة حية )) بهذا المنظور الذي يؤسس لرؤية ليس فيها الا الوجود الاجتماعي لاغير وهو منظور مختلف تماما عن المنظورالفردي والذي يرى في الفرد انه اصيل في الوجود وما المجتمع الا كائن اعتباري انتزاعي ذهني لاغير والاختلاف (في الحقيقة) في هذه الرؤى حول الفرد والمجتمع لاتقف فقط عند الرؤى النظرية للمجتمع والفرد او للعلم الاجتماعي بصورة خاصة ، بل انها اختلافات (( تأسيسية )) في البناء الاجتماعي القائم ، يعتمد عليها فيما بعد البناءات القانونية والاقتصادية والتربوية والسياسية كذالك !!.
اي ان القانون (مثلا) عندما يعتمد على رؤية تؤمن بان الاصالة والوجود الحقيقي هو للمجتمع وحده ، فانه لايمكن ان يشرّع اي مادة قانونية تحاول تنظيم ادارة المجتمع تخالف في توجهاتها وماهياتها مصالح المجتمع وتوجهاته العامة ، وهذا بخلاف ما اذا اعتمد القانون (مثلا) على نظرية اجتماعية تؤمن بالاصالة والحياة للفرد على حساب اعتبارية المجتمع ،كما هو حاصل في الرؤى الليبرالية الراسمالية الحديثة التي تؤمن باصالة الفرد على حساب اعتبارية المجتمع ،فان القانون وهيئاته الشرعية والاقتصاد وبناءاته التخطيطية والتربية وتطبيقاتها التعليمية والسياسات واذرعها التنفيذية .... ستتجه بكل ثقلها لدعم الفرد واصالته على حساب المجتمع ووجوده !!.
ومن هنا ولادراك (( كونت )) تبعات التأسيس في الفكر والعلم الاجتماعي ، ولايمانه المطلق بالمجتمع ك((وحدة حية )) لها وجودها المستقل ، ولها مصيرها ولها كينونتها المستقلة حذر بشدة وقوة في اطروحته الاجتماعية على : ان اكبر جريمة لا اخلاقية يقترفها اي مفكر او مقنن او مشرع او منظر ... هو ان يعتقد بشئ اسمه فرد مقابل الاجتماع !!.
فكونت لم يكن يرى في هذا العالم الانساني الا (( وحدة حية )) واحده هي المجتمع ، وما افراده الا جزئيات ان انفصلت عن وحدتها الاجتماعية فسترتد حتما الى حيوانيتها القابلة فقط ، وما الوجود الانساني والعقلي والثقافي والمشاعري للانسان الا بناء اجتماعي لاغير يهبه الاجتماع لهذا الفرد والجزئي القابل !!.
اي بمعنى اكثرعلمية اجتماعية ينعكس على المنهجية الوظيفية لعلم الاجتماع كما كان يراها (تالكوت) هو: ان النظر للمجتمع ينبغي ان يكون بكلية حتى في مناهج البحث الوظيفية في علم الاجتماع ، فمن الخطأ تفسير ظةاهر الكل الاجتماعي من خلال دراسة ظواهر جزئية ، او اسرية بداخله ، بل المفروض هو العكس في اخذ الكل الاجتماعي بظواهره العامة ، لتفسير وتحليل وقراءة الجزئيات بداخله !!.
ثانيا : مركب معقد اهم مظاهره التعاون والتضامن
كما ان (( اوجست كونت )) كان يعرّف المجتمع على اساس انه (( وحدة حية )) فانه كذالك كان يرى هوومن بعده من الاباء الحقيقيين للعلم الاجتماعي الحديث (دوركايم سبنسر تالكوت ..) على ان هذه الوحدة الاجتماعية الحية تقوم على مبدأ وقاعدة (( التعاون والتضامن )) والتعاون والتضامن ايضا هو اهم ظاهرة من ظواهر المجتمع بصورة عامة والحديث بصورة خاصة !!.
والتعاون والتضامن للوحدة الاجتماعية في فكرمؤسس علم الاجتماع الحديث ليس هو مفهوماوعظيا ناتجا من فراغ وطوبائية لاغير بل انه مبدأ قائم على فكرة :(( تقسيم العمل وتوزيع الوظائف الاجتماعية )) التي تفرضها متطلبات اي (( مجتمع معقد ومركب)) لاسيما المجتمع مابعدالصناعي الذي دخلته الماكنة الصناعية والعلوم التكنلوجية الحديثة التي غيرت من نمط الحياة الاقتصادية والتجارية والسياية ومن ثم المفاهيمية والقانونية والتخطيطية للمجتمع ،فالمجتمع بعد الصناعة ليس هو المجتمع الزراعي ماقبل الحداثة والصناعة في فكر (( كونت ودوركايم وسبنسر ...)) كما ان المجتمع ان اريد له ان يأخذ دورته بحالة ديناميكية متطورة فلابد ان ينطلق ويرجع لقاعدة (تقسيم العمل وتوزيع الوظائف) باعتبار انها اهم مظهر من مظاهر المجتمع الحي عند (كونت) او باعتبار ان ((التعاون والتضامن = تقسيم العمل وتوزيع الوظائف )) حسب رؤية كونت او (( التجانس )) حسب مصطلح ((دوركايم)) الاجتماعي هو ((الرابطة المكونة للوجود الاجتماعي)) وبغير هذه الرابطة ينفرط عقد المجتمع وينزلق الى حالة صراع مدمرة للوجود الاجتماعي !!.
نعم بعدما طرح ((كونت )) تاسيسه للعلم الاجتماعي الحديث وضمنه رؤيته الكاملة نحو المجتمع ككل جاءت من بعده فلسفات ورؤى ، وتوجهات اجتماعية نسجت على غير الرؤى والقواعد الاجتماعية التي اسس لها اباء علم الاجتماع الحديث ، فبرزت رؤى وتوجهات اجتماعية تتبنى قاعدة (( الصراع الاجتماعي )) باعتباره اهم ظاهرة من ظواهر المجتمع المركب والحديث !!.
وفي هذا الصدد برزت الفلسفة ((الهيجلية )) في الديالكتيك كممون اصيل لرؤى وتصورات هذه المدارس الاجتماعية التي من اهمها طبعا المدرسة المادية الماركسية التي رأت : ان القاعدة الاساسية للبناء الاجتماعي هي العامل الاقتصادي وان الظاهرة الاهم للمجتمع هي ظاهرة الصراع الطبقي القائم بين القوى العاملة من جهة والقوى الراسمالية من جانب اخر !!.
بل ورأت او قررت هذه المدرسة المادية الماركسية : ان هذه الظاهرة هي الاساس الفعلي لحركة وتطور وديناميكية المجتمع ، ولا تطور ولا ديناميكية للمجتمع الا من خلال عملية الصراع هذه !!.
بعد ذالك كان لعالم الاجتماع الالماني (رالف داهرندوف) وظيفة التنظير لرؤية اجتماعية قائمة على(نظرية الصراع الاجتماعي ) ، وسرعان ما انتقلت هذه الرؤية الاجتماعية لتسيطر (( وهذا من غرائب الامور )) على المدرسة الاجتماعية الامريكية من الخمسينات حتى نهاية السبعينيات التي انغمست اكثرفاكثرلدعم هذه التوجهات الاجتماعية ومناهجها العلمية ومناهضة مناهج علم الاجتماع الكونتية والدوركامية في المنهج الوظيفي للظاهرة الاجتماعية !!.
ثالثا : علي الوردي ينتمي لمدرسة الصراع على التعاون الكونتية .
في قسمنا الرابع عشر طرحنا ، وبالدليل العلمي ان المرحوم علي الوردي اختار الانتماء الى مدرسة (( الصراع الاجتماعية / انظر مهزلة العقل البشري / الفصل الاول / طبيعة المدنية)) وذكرنا كيفية استشهاد المرحوم الوردي نفسه ب(هيجل) ونظرية الصراع (الديالكتيك) باعتبارها النظرية الحديثة والمنطق الجديد الذي لاوجود لمنطق وعلم حديث غيره لفهم المجتمع وتحليل ظواهره ومنطلقاته وتراكيبه !!.
وابرزنا هناك عوار تبني المرحوم الوردي لهذا المنطق ، والمنهج التحليلي للمجتمع ليس باعتبار خلط المرحوم الوردي بين ماهو فلسفي ميتافيزيقي هيجلي وبين ماهو اجتماعي فحسب ، بل وكذالك باعتبار ان المرحوم الوردي يقدم لنا نفسه باعتباره عالم من علماءالاجتماع واحد المنتمين للمنظومة العلمية الاجتماعية الحديثة التي اسس لها (( كونت دوركايم سبنسر تالكوت .... وغيرهم )) لكن وجدنا المرحوم الوردي يطيح بكل المنتج العلمي الاجتماعي التقليدي والحديث ليطرح لنا مفاهيم ومناهج فلسفية ويتخذها على اساس انها قواعد ومنطلقات ومبادء اجتماعية تعبر عن علم الاجتماع الحديث لاغير !!.
ماهو السبب العلمي والمنطقي الذي جعل المرحوم (علي الوردي) يطرح فكرا ايدلوجيا فلسفيا في فكرة ((الصراع الاجتماعي)) وينتمي لدائرة الايدلوجي اكثر من انتمائه لدائرة العلمي الاجتماعي ، ليناهض فكرة وقاعدة (( التعاون والانسجام الاجتماعي )) التي طرحها علم الاجتماع ومؤسسيه الفعليين ؟.
يبدو ان الجواب يكمن فيما ذكرناه انفا من سيطرة الرؤية (المادية الماركسية) على مدرسة علم الاجتماع الامريكية من بداية الخمسينات حتى السبعينات ، وهي التي جعلت من المرحوم ((علي الوردي )) قارئا فوضويا للعلم الاجتماعي الحديث باعتبار ان علي الوردي كان في هذه الفترة دارسا في الولايات المتحدة الامريكية لعلم الاجتماع !!.
ومن هنا ربما نفهم قليلا هذه الفوضوية التي غرق فيها المرحوم الوردي فكريا واغرقنا فيها نحن ايضا ،ونفهم وندرك غياب المنهجية العلمية في فكر المرحوم الوردي ايضا ، ونعي لماذا كان المرحوم علي الوردي دائم الحديث باسم علم الاجتماع مع انه لم يلتزم باي منهج او قواعد او منطلقات لهذا العلم الاجتماعي الحديث الذي جاءنا عبر مؤسسي هذا العلم ورواده واباءه الحقيقيون ؟!!.
كذالك هذه الاطلالة على السبب الواقعي لكل فوضوية المرحوم علي الوردي الفكريةفي العلم الاجتماعي ستقدم لنا جواب سؤال : لماذا لم نعثر على تعريف علمي للمجتمع ولعلم الاجتماع في كل مؤلفات ومدونات المرحوم الوردي المنشورة ؟!!.
ذالك ربما لانه درس علم الاجتماع (( كما يطرح لنا محازبيا واعلاميا مع اننا نشكك بدراسة المرحوم الوردي للعلم الاجتماعي الحديث )) بصورة لاتمت بصلة علمية واقعية للعلم الاجتماعي الحديث ولا تنتمي للجذور العلمية للعلم الاجتماعي الذي اسس له (كونت ) ومن بعده من تلامذته والمنتمين لمدرسته !!.
وحتى على فرض دراسة المرحوم علي الوردي للعلم الاجتماعي الحديث الذي اسس له (( كونت )) ، وقعّد من قواعده واسس لمنطلقاته ورؤاه فان السؤال سوف يبقى قائما ايضا بالنسبة للمرحوم علي الوردي وهو : لماذا؟ وماهي المبررات التي دفعت بالمرحوم علي الوردي علميا وفكريا أنتخاب ، والانتماء للمدرسة الايدلوجية الفلسفية التي تتبنى قوانين ونظرية (( الصراع الاجتماعية )) ، وترك ، بل ومناهضة المدرسة العلمية الاجتماعية بمؤسسيها الفعليين ، التي تتبنى نظرية التعاون والتضامن الاجتماعيين والذي انطلقت من منطلقات مختلفة عن نظريات الصراع واستنتجت نتائج اجتماعية متناقضة مع هذه النظريات المدمرة ؟؟.
______________________
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/