السبت، يناير 26، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم العشرن

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم العشرن
حميد الشاكر
((الهجوم على الفلسفة ))
5
***********************
بعد ما ذكرناه في (القسم التاسع عشر) من بحوثنا هذه من تفاخر المرحوم ((علي الوردي)) بانتمائه للسفسطة كمنهج علمي ومدرسة فكرية وهجومه على الفلسفة باعتبارها خزعبلات وصاحبة منطق لايستحق الاحترام ، وبعد ان بينا إشكالية ان يكون مثقفا كعلي الوردي يطرح نفسه كعالم للاجتماع ، ثم هو في نفس الوقت يجاهر بكونه سفسطائيا لايعترف بحقيقة اجتماعية ولا بوجود اجتماعي او اي وجود اخر ....، واوضحنا ان هذا تناقض مضحك مبكي في الحقيقة في منهج تفكير المرحوم علي الوردي ، بين ان يكون علم الاجتماع نفسه قائم على وجود المجتمع ويدرس ظواهره وقوانينه الخارجية عن الانسان ، وبين ان تكون السفسطة كمنهج ومنطق فكر لاتعترف باي وجود واقعي خارج الانسان !!.
لكن مع ذالك ولعدم التفات المرحوم الوردي لهذه المهزلة الذي يطرحها حول السفسطة (( وطبعا ايضا باسم المنطق الجديد وعلم الاجتماع الحديث ، ونظريات العلم المعاصرة ..)) وتلميع صورتها ونفخ الكفاءة في منهجها وشعوره بالافتخار للانتماء اليها .....الخ بقي مستمرا من خلال التنظير الى كيفية : ان تكون السفسطة هي منطق العلم الجديد بينما الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي هي المنطق القديم ومجرد الخزعبلات الغير مفيدة !!.
هل كان حقا يدرك علي الوردي المدرسة السوفسطائية بجميع مبادئها الفكرية عندما كتب (( فصله التاسع)) من كتاب مهزلة العقل البشري : ماهي السفسطة ؟.
سؤال في الاجابة عليه ربما تحل الكثير من الاشكاليات في رؤية الوردي للسفسطة ولماذا هو يناصرها ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي القديم حسب راي المرحوم الوردي !!.
من قراءة فصل (( ماهي السفسطة )) للمرحوم علي الوردي يتضح لنا ان علي الوردي في بداية الفصل اشار الى مبدأين من مبادئ السفسطة كان يعتقد انهما من ارقى المبادئ الاجتماعية والعلمية للمدرسة السفسطائية وهما :
الاول : هو رؤية السفسطائيون للعدل الاجتماعي الذي اطاح بالرؤية الافلاطونية النظرية لهذا العدل حيث يقارن علي الوردي بين الرؤيتين قائلا :(( كان افلاطون يرى بان العدل عبارة عن فكرة مجردة يمكن الوصول اليها عن طريق التفكير السليم اما السوفسطائيون فكانوا على العكس من ذالك يرون العدل من صنع التاريخ ونتيجة من نتائج التفاعل الاجتماعي / 1 )) .
ثانيا : وهو مبدأ (( ان الانسان مقياس كل شيئ )) ثم يعقب علي الوردي على هذا المبدأ بالقول : (( وذهب السوفسطائيون الى ان الحقيقة هي تناقض ونزاع فكل انسان يرى الحقيقة حسبما تقتضيه مصالحه وشهواته ، وبتنازع هذه الحقائق الفردية تنبعث الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بوجه عام / 2 )) .
اما في المبدأ الاول الذي ذكره الوردي فنقول : للقارئ الكريم ان يرجع الى جميع المؤلفات العربية والانجليزية التي تناولت مبادئ المدرسة السفسطائية وتاريخها وان وجد هذا القارئ بما في ذالك المختصين منهم ان من مبادئ المدرسة السفسطائية هو الحديث عن ((العدالة ، وكيفية حركتها الاجتماعية )) ، فانا كفيل بالانحناء احتراما لكل ما طرحه علي الوردي من مهازل واكاذيب تخلط الحق بالباطل !!.
والحقيقة انا لااعلم من اين جاء الوردي بهذا المبدأ ولصقه للمدرسة السفسطائية ، التي من مهامها الرئيسية هو التاكيد على عدم وجود اي حقيقة فكرية سواء كانت فردية اواجتماعية قائمة او اي فكرة خارج الوجود الانساني سواء كانت فكرة الوجود او العدل او الاجتماع في واقع الحياة من جانب اخر !!.
بل انه لا علاقة اصلا للمدرسة السفسطائية اليونانية ، ولا الحديثة بمفاهيم المجتمع الوجودية او الاعتبارية وملابساته بغض النظرعن تناول موضوع العدل الاجتماعي بالبحث والتدقيق والدراسة من هذه المدرسة !!.
ولكن كعادته علي الوردي في استغفال الفكر العراقي الحديث عندما يطرح فكرة ويرجعها الى مصدر اجنبي ،كي يختلط الحابل بالنابل على الفكر العراقي الغير مختص بشؤون الفلسفة وتاريخها بصورة خاصة والقارئ العراقي البسيط بصورة عامة فعلي الوردي ومن اجل الدفاع عن ارائه اللاعلمية والسطحية مستعد لان يحشد كل الكذب وينمقه بشكل يظهر القبيح جميلا والجميل قبيحا بلا فرق ، والمهم عنده هو كيفية الانتصار لرؤاه الثقافية المتناقضة والاثارة لااكثر ولا اقل !!.
عند ديوانت ( مثلا ) كاتب قصة وتاريخ الحضارة منذ عصورها الحجرية حتى الثورة الفرنسية ، وهو كذالك فيلسوف مختص بشؤون الفلسفة وتاريخها القديم والحديث ، يذكر لنا ماذكرناه سابقا من مبادئ للمدرسة السوفسطائية وعلى لسان تلميذ (( بروتاغوراس / 451 ق م / 415 قام بزيارة لاثينا )) اشهر سوفسطائي يوناني على الاطلاق وهو (( غورغياس الليونتيني / ولد 483 ق م )) حيث يعدد مبادئ السفسطة بالاتي :
اولا : لاوجود لشيئ ما .
ثانيا : ولو ان شيئا وجد لكانت معرفته مستحيلة .
ثالثا : ولو ان شيئا كانت معرفته ممكنة فلما امكن نقل هذه المعرفة لانسان اخر / 3 .
وهكذا ما ذكره صاحب كتاب فلسفتنا حول ((غورغياس)) في كتابه (( اللاوجود )) حيث عدد ((الصدر محمد باقر )) ايضا المبادئ السوفسطائية الثلاثة المذكورة انفا لاغير / 4 .
ثم بعد ذالك لا ذكر لاعند (ديورانت) ولاعند غيره لمبدأ ((العدالة الاجتماعية)) الذي يتحدث عنه الوردي كاحد مبادئ المدرسة السفسطائية العتيدة !!.
اذا من اين اتى علي الوردي بهذا المبدأ الاجتماعي في العدالة ، لينسبه للمدرسة السفسطائية البعيدة عن اي بحوث لها علاقة بالمجتمع او بحركته او بمفاهيمه القيمية هذه ؟.
بمعنى اخر ليكون السؤال اكثر توجيها واصابة لحقيقة الوردي الفكرية عندما يحاول قلب الحقائق من خلال صناعة الاكاذيب وطرحها على انها حقائق مسلم بها ، وهو : لماذا طرح المرحوم الوردي مبدأ العدالة الاجتماعية في فصل (( ماهي السفسطة )) من كتابه مهزلة العقل البشري ولم يطرح المبادئ التاريخية المعروفة لهذه السفسطة كما طرحها ديورانت والصدر وبدوي ... وباقي المختصين بتاريخ وشؤون الفلسفة القديمة والحديثة ؟.
الجواب واضح تماما : وهو ان علي الوردي لو اراد ان يطرح (( ماهية السفسطة )) كما هي في حقيقتها ، وواقعها التاريخي لاصبح اضحوكة عندما يتفاخر بالانتماء الى فكرة تدميرية مجتمعيا بهذا الشكل فليس امامه اذن الا صناعة الكذب ونسبته الى مبادئ السفسطة لينتصر في معركته العبثية التي يريد الصعود من خلالها كاحد مفكري القرن العشرين الحديث !!.
نعم علي الوردي ذكر من ضمن مبادئ المدرسة السوفسطائية انها مدرسة تؤمن بمبدأ (( ان الانسان مقياس كل شيئ )) وهذا فعلا من مبادئ المدرسة السوفسطائية، ولكن بدلا من ان يفهم علي الوردي من هذا المبدأ انه كارثة على كل مجتمع يؤمن به كما فهمه مثلا (( ول ديورانت )) عندما ذكر انه :
(( لم يكن قولهم ان المعرفة شيئ نسبي سببا في حمل الناس على التواضع كما يجب ان يكون ، بل انه أغرى كل انسان بان يتخذ من نفسه معيارا يقدر به جميع الاشياء فاصبح كل شاب نابه يحس بانه خليق بان يحكم على القانون الاخلاقي ... وان يرفضه اذا لم يفهمه او يعجبه ... كان هذا الميل وتلك التفرقة عاملا في تقويض الدعائم القديمة للاخلاق اليونانية ../ 5 )).
بدلا من ان يدرك (الوردي) هذه الحقيقة التي تنعكس بسلبية تدميرية على استقرار وتماسك ووحدة المجتمع واحترام القانون من فكرة (( ان الانسان هو معيار اي حقيقة )) ذهب للاشادة بهذا المبدأ ، بل وجعله سبب في انبعاث : (( الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بوجه عام / 6 )) !!..
ماهي هذه الحقيقة الوسطى ؟.
وهل يفهم القارئ الكريم مايقصده المرحوم علي الوردي بمصطلح (الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني بشكل عام) ؟.
وهل هناك مصطلح علمي او اجتماعي توافقت عليه البشرية تحت اسم الحقيقة الوسطى ؟. ... الخ .
انا شخصيا لم اقرأ في حياتي مصطلح (الحقيقة الوسطى)لا في الفكرالفلسفي اليوناني ولا الفكرالاسلامي ولا المادي الماركسي ولا الوجودي ولا حتى النفعي الراسمالي الفردي ... ، فماهي هذه الحقيقة الوسطى التي تنفع النوع الانساني عندما يكون لكل فرد في المجتمع مقاييسه الفكرية الشخصية وقيمه الانانية التي تتناقض مع مقاييس ومعايير باقي افراد المجتمع ؟.
ثم كيف عندما تتناقض مقاييسي ، ومعاييري الاخلاقية والفكرية الشخصية مع الاخرين بحيث يصبح كل منا يعيش في مجتمع لايملك لاهدفا مشتركا لافراده ، ولا رؤية موحدة ولا مصالح منسجمة ، ولا غاية سامية ، ولا تعاونا متكاملا ..... وبعد ذالك كله سنصل جميعا الى الحقيقة الوسطى الاجتماعية المفيدة للنوع الانساني بشكل عام ؟؟؟؟.
على اي حال هذا الرجل مسكون بمتناقضاة عقلية وفكرية وحتى شخصية ،وهذا ما اشرنا اليه في ازدواجية الشخصية الفكرية للمرحوم علي الوردي في ((القسم العاشر)) من هذه السلسلة البحثية ، بل انه ومع الاسف يقرأ الفكر الانساني بصورة عامة بشكل (سطحي وقشري) تماما وبعقلية عامية ساذجة ولايدرك من ابعاده وانعكاساته الفكرية والعلمية اي بعد غير الانعكاسات السطحية التلقائية التي لاتدرك ماهية التحليل العلمي لكل مفردة في هذا الفكر الواسع ، ولهذا هو يحاول ان يفهم السفسطائية من خلال ماطرحته بعض المدارس الفكرية (( وخصوصا جناح متطرف من المدرسة المادية الماركسية ، التي ذهبت بعيدا في العداء للفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي من خلال الديالكتيك ، ورؤيته التناقضية )) التي لديها اشكالات فكرية مع الفلسفة ومشروعها الانساني العام ،ولكنه (المرحوم علي الوردي مع الاسف) يتورط دائما بكيفية الدفاع عن هذه الافكار التي يطرحها بدون امكانية فكرية لديه للدفاع عنها او التنظير الجديد لمحتواها المتناقض ، فيلجأ مرغما للتدليس والكذب والتمويه والخداع ونسبة ماهو ليس من الفكرة اليها ، كما رايناه ينسب فكرة ((العدالة الاجتماعية)) التي هي من مخترعات الفيلسوف اليوناني (( افلاطون 427 ق م / 348 ق م )) لينسبها للسفسطة وليهاجم على اثرها افلاطون صاحب ((الجمهورية)) واستاذ مؤسس منطق التفكير الانساني (( ارسطو)) .
بعد ذالك وفي نفس الفصل المشار اليه في كتاب مهزلة العقل البشري لعلي الوردي (( ماهي الفلسفة )) يترك كعادته الوردي الموضوع معلقا بدون بحث علمي او توضيح فلسفي لماهية (السفسطة) ليعزف على وتريات الخمسينيات العراقية المناهضة كانت اجتماعيا لرجال الدين ليطرح من وجه اخر المرحوم علي الوردي (( السفسطة )) على اساس انها المدرسة الاولى التي ناهضت الخرافات الدينية الاثينية اوانها النواة الثورية الاجتماعية التي حاولت بناء فكر نقدي لرجال الدين وخرافاتهم الوثنية الدينية ،ولذالك اصبح العداء مستفحلا من قبل العوام الغوغاء ورجال الدين الاثني لمشروع السفسطة باعتباره الحركة الثورية المتمردة على التقاليد والاعراف الدينية الوثنية الجامدة !!.
بل ان الوردي يذهب الى اكثر من ذالك اشادة بالسفسطة ،وطبعا لا ليطرح طرحا علميا وتاريخيا وبحثيا جديدا حول السفسطة بل ليثير السذج من رجال دين كانوا اشبه بالاميين فكريا على مثل هكذا طرح ،ليثير المرحوم الوردي على اثر ذالك زوبعة في فنجان يخرج من غبارها على اساس انه هو طارح ماهو جديد ومحرك للعقل العراقي الثقافي والديني والفكري الجامد ، ولهذا رايناه ينظر للسفسطة على انها :
اولا : (( ان السفسطة كانت فلسفة ذات اهمية اجتماعية لايستهان بها ومن سوء حظ البشرية انها غلبت وقتلت في مهدها / 7 )) .
ثانيا : (( ان السوفسطائيين كانوا يقومون في المجتمع الاغريقي بمثل الدور الذي قام به الحنفاء في مكة قبل البعثة المحمدية فكانوا يمهدون بشكوكهم طريق النبوة / 8 )) .
هنا من حقنا ان نتسائل بعلمية : لماذا دائما (( علي الوردي )) وفي كل مناقشاته الكتابية يترك صلب الموضوع تماما لينتقل بالموضوع ومحاوره من بحثه بكثافة علمية اكاديمية خالصة الى جعله في اطار تراثي او اجتماعي يحاكي مشاعر السذج من عوام الناس وجهلتهم ليتكئ على موروث الافراد الساذج الديني والاجتماعي ليصور ((المدرسة السوفسطائية )) على اساس انها مجموعة من الحنفاء الموحدين اللذين مهدوا لمحمد الرسول ارضية رسالته الاسلامية التوحيدية ؟.
هنا من سينبري لنا من المناصرين لفكر الوردي العبثي ليحدثنا عن عبقرية الوردي الاجتماعية وكيف انه يريد ان ينزل اعقد الافكار الفلسفية ليصيغها اجتماعيا ومن ثم ليفهمها للناس بصورة بسيطة وسهلة !!.
لانعدم هذا النوع من المدافعين عن فكر((الوردي)) السطحي والقشري ليصبح ماهو ساذج من الافكار في قمة العبقرية والعمق ولكننا لم نزل نبحث عن العلمي والفكري حقا في الفكر والعلم والفلسفة ، ولا ننساق خلف الفزعات الايدلوجية والحزبية هنا وهناك لفكر الوردي المطروح باسم العلم والفلسفة وعلم الاجتماع ، وهذا ما يدعونا لطرح هذا السؤال ايضا والمتصل بفكرة الوردي وترويجها للمدرسة السفسطائية المدمرة وهجومه على الفلسفة ومشروعها الانساني الكبير لنطرح من جانب اخر :
لماذا حاول المرحوم (الوردي) ان يطرح المشروع السفسطي على اساس انه مشروع الثورية غير التقليدية ، بل انه مشروع شبيه بالحنفية الدينية التي ينبغي ان يرحب بها اتباع محمد الرسول لا ان ينظروا اليها على انها عبث وفوضوية لاغير ؟.
بمعنى اخر : لماذا حاول ايضا المرحوم الوردي في كتاب اخر وهو كتاب (( خوارق اللاشعور / الفصل الثاني )) تحت مسمى (( المنطق الارسطوطاليسي )) ان يطرح نفس هذه السوفسطائية الغير مؤمنة باي وجود على اساس انها :(( منطق الطبقات الكادحة من عبيد وفقراء وعمال ............. بينما يطرح الفلسفة والمنطق الارسطي على اساس انه منطق السادة والاقطاع والراسماليين والتجار واصحاب الترف وعدم المشاكل والمحامين عن بقاء الوضع الاجتماعي على ماهو عليه / 9 )) ؟؟.
هل كان علي الوردي فعلا يدرس المدرسة السوفسطائية ،وكذا المدرسة الفلسفية من منطلقات اجتماعية تحليلية علمية تحاول ارجاع هذه الافكار الى منابعها الطبقية ، ولهذا استخدم هنا المرحوم الوردي المنهج الاجتماعي الماركسي الشيوعي في قراءة الافكار وانتماءاتها الطبقية ؟.
أم ان المرحوم الوردي (لاعب وبهلوان) سياسي وايدلوجي ممتاز استطاع فهم توجهات الشارع والفكر العراقي في خمسينات القرن المنصرم نحو الاشتراكية والعمالية والشيوعية الماركسية ، فاراد تحشيد هذه التوجهات الجماهيرية او خداعها بصورة اوضح ، واستغلال جهلها بالموضوع الفلسفي الفكري العميق لتحشيد هذا الكم الهائل جماهيريا وثقافيا عراقيا لمناصرة افكاره الفوضوية ومهما كانت لاعلمية ولافكرية ولا حتى ثقافية ؟.
حتى يكون جوابنا فكريا وعلميا وليس حزبيا او ايدلوجيا ينبغي ان نجيب على هذا السؤال ليتضح لنا : هل ان علي الوردي حقا وعلما كان منطلقا من منهجية اجتماعية علمية ماركسية في رؤيته الطبقية تلك للفكر السوفسطائي ؟ .
ام انه كان مجرد ((ضاحكا على الذقون )) ومستغلا لعواطف ومشاعر جماهير عراقية كانت تؤمن بالطبقية وتنتصر للكادحين وتعشق الفقراء والمساكين لكن بدون وعي لهذا الفكر الماركسي اوفهم لمبادئه وفلسفته الاجتماعية ولهذا حاكاهم الوردي بما يعشقون ليضمن دفاعهم عن افكاره لكن بما لايدركون ولا يحيطون به ، حتى لايلتفتوا لتدليس الوردي على فكرهم ومنهجهم ومنطقهم الماركسي العلمي الاجتماعي في هذه الموضوعة !!.
ومضمون السؤال هو : كيف نظرت المدرسة الماركسية المادية نفسها ،وباساطين مفكريها ومنظريها من العرب وغير العرب للمشروع الفلسفي ومنطقها الارسطي الاسلامي بصورة عامة ، وللسفسطة بصورة خاصة ؟.
وهل كان مفكري المدرسة الماركسية المادية ينظرون للفلسفة ومنطقها على اساس انها منطق المترفين والاسياد الطاغين ؟.
أم انهم كانوا ينظرون للفلسفة بشكل عام وللمنطق الارسطي بالذات بشكل خاص على انه النقلة الفكرية المعجزة التي وهبها التاريخ للبشرية كي تكون له عونا لفهم العالم والوجود والانسان ؟.
(( لينين )) كرب من ارباب الماركسية المادية الحديثة ، ومنظرها الاجتماعي العتيد كان يرى في ((دفاتره الفلسفية )) :(( ان ارسطو يبحث /في منطقه/ عن المحتوى الانتولوجي للعمليات المنطقية ،وانه يجمع دائما بين المنطق الذاتي / اسلوب التفكير العقلي / والمنطق الموضوعي / منطق الاشياء الخارجية / بحيث يتجلى عنده المنطق الموضوعي دائما / 10 )) .
وعندما انتقد هيجل (( شكلية المنطق الارسطي )) ثم بعد ذالك اثنى على هذا المنطق بقوله :(( ان منطقا لايعني بهذه المسألة لايمكنه في اقصى احتمال ان يدعي قيمة وصف طبيعي تاريخي لظاهرات الفكر )) علق لينين بالقول :(( بالضبط هذه مأثرة ارسطو الخالدة / 11 )) ,
وهذا ما يتعلق بالمنطق وقيمته العلمية لدى اساطين الفكر العالمي بصورة عامة وقادة الفكر الماركسي المادي بصورة خاصة !!.
اما ما يتعلق بمشروع الفلسفة ، كفلسفة فكرية بصورة عامة حاولت الكثير من اجل صناعة حضارة انسانية شاملة من عمق جماهير ثورية متطلعة للعدالة والحرية فيكفينا هنا ان نعتمد على ما لاحقه المفكر الماركسي المادي الكبير (( حسين مرّوة )) رحمه الله في كتابه (( النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية )) حيث يذهب وهو يقرأ مشروع (( الكندي الفلسفي )) باعتباره نواة الفلسفة العربية الاسلامية فيما بعد في المجلد الثاني ، من هذا المشروع الضخم لقراءة التراث الفلسفي العربي والاسلامي من الفصل الثاني الى فكرة مفادها :
ان الفلسفة لم تكن ظاهرة فكرية اجتماعية هبطت على العالم العربي ، والاسلامي من علي بلا مقدمات او تداخلات اجتماعية طبقية بل كانت الفلسفة هي نتاج ((ظاهرة تداخل مرحلتين من التطور الاجتماعي العربي الاسلامي )) الاولى كانت هي ظاهرة الاقطاع المتحالف مع رجال الدين التقليديين والذي على اثره جاءت ظاهرة((علم الكلام اللاهوتي الصرف)) التي تحصر موارد المعرفة الانسانية بمصدر الوحي واللاهوت لاغير !!.
والمرحلة الثانية ، وهي مرحلة الجماهير وتحرك ثورات الطبقات الكادحة ومطالبتها بالعدالة والحرية ،وهذه الظاهرة هي التي فرضت ولادة الفلسفة كتعبير حي عن تطلعات الطبقات الجماهيرية الكادحة التي كانت ترنوا للتطور والتقدم والتغيير في حركة العالم العربي الاسلامي ولهذا ولدت الفلسفة كمشروع لبناء ((مصدر معرفي جديد)) يشارك في بناء المعرفة العربية الاسلامية مع مصدر الدين الا وهو مصدر العقل / 12.
اذا حسب رؤية المختصين بالفكر الماركسي الطبقي لم تكن الفلسفة كما حاول المرحوم الوردي تصويرها من انها منتج طبقي اقطاعي او سيادي لاهوتي ينظر للمجتمع من علٍ اولا ولم يكن المنطق الارسطي جامدا او طوبائيا او تافها بلا فائدة كما يحب ان يصوره الوردي دائما مقابل المنطق الفوضوي السوفسطائي ، بل كانت الفلسفة ولم تزل نقلة نوعية منذ عهد اليونان القديم وحتى عصرنا الحاضر ، وهكذا منطقها الذي لم يدرك من ابعاده المرسوم الوردي الا منطقه (( الاستنباطي القياسي )) مع ان هذا المنطق ايضا وهب للفكر البشري المنطق الاستقرائي العلمي التجريبي ايضا ، وهو نفس المنطق الذي غير مجرى الحياة الانسانية العلمية واوصلها ماهي عليه الان !!.
لكن يبدو ان المرحوم الوردي لم يكن على اطلاع ابدا بماهية هذا المنطق فاعتقد انه منطق (( صوري شكلي )) لاغير ولا عمل له الا مناقشة الافكار الطوبائية فحسب !!.
على اي حال توضحت الان الصورة المخادعة للمرحوم علي الوردي الذي حاول من خلالها تشويه الفلسفة ومنطقها وتناولها ايدلوجيا باسم الطبقية والماركسية هذه المرة ،مع اننا راينا كيف ان الماركسية الطبقية نفسها كانت تنظر للامر بالعكس تماما وترى في الفلسفة انها منتج طبقي ثوري حاول ان يعبر عن طبقات الجماهير العاملة والفقيرة وليس العكس كما كان يوحيه الوردي ضد الفلسفة ومنطقها لتحشيدالراي العام الجماهيري الثقافي العراقي ضدها فقط وبدون وعي لحقيقة الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي العلمي الكبير !!.
نعم هكذا هو اسلوب الوردي في تناوله لكل الافكار في كتبه ومؤلفاته ، وهكذا هو امتهان فن قلب الحقائق وطرح السفيه من الافكار على انه العميق من العبقريةولكن ايضا باسلوب المكروالحيلة الذي يعتمد على عواطف الجمهور وتوجهاته الايدلوجية الانية على حساب الفكر والعلم والمنهج والتقدم فيه .... !.
______________________
1 : مهزلة العقل البشري / علي الوردي / الفصل التاسع / ص 155 .
2 : نفس المصدر / ص 155 .
3 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج7 / ص 215 .
4 : فلسفتنا / محمد باقر الصدر / ص 97/ دار التعارف / ط الرابعة عشر .
5 : ول ديرانت / نفس المصدر ص 218 .
6 : مهزلة العقل البشري / مصدر سابق / ص 155.
7 : مهزلة العقل البشري / ص 156 .
8 : نفس المصدر / ص 158 .
9 : خوارق اللاشعود / علي الوردي / ص 75 / ط الثانية دار الوراق لندن 1996م .
10 : نقلا عن حسين مروة / النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية / ج1 / ص 902 / دار الفارابي بيروت .
11 : نفس المصدر .
12 : نفس المصدر / ج2 / الفصل الثاني / الفلسفة العربية في تجلياتها الاولى / من ص 45 الى 118 / وهنا لابد الاشارة ان مروة كان يتحدث عن مشروع الفلسفة في تجلياتها العربية الاسلامية الاولى ، ولم يكن يتحدث باطلاق عن الفلسفة في مشروعها الانساني الطويل .
**********************
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/