الاثنين، مارس 09، 2009

(( الرؤوف الرحيم ..... محمد !.))


(( الرؤوف الرحيم ..... محمد !.)) حميد الشاكر ____________
( لقد جآءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ماعنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )
**********في طريق البحث عن محمد الرسول العظيم صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين ، يحتار الباحث والكاتب والطالب ... من اين يبدأ رحلته للتعرّف على شخصية هي من الضخامة بحيث انها اصبحت رسولا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله بأذنه وسراجا منيرا ... !.والحقيقة انا شخصيا لم أجد مدخلا من خلاله استطيع التعرّف على رسول الاسلام الاعظم محمد بن عبدالله ص مثل مدخل القرءان الكريم ، هذا الكتاب الالهي المُختلف بكل ابعاده عمّا نقرأه من كتب أخرى تأريخية وفلسفية وعقائدية واخلاقية وسياسية واقتصادية ونفسية .... كتبت حول حياة الرسول الاعظم محمد ص ، ليس لانه كتاب الله الكريم فحسب ، ولكنه ايضا لانه الكتاب الذي يحتوي على خلاصة علم المطلق سبحانه وتعالى الذي فيه تبيان كل شيئ لضرورات حياة البشر ، والذي احتوى على الكثير من الاشياء مالكة الخصوصية الشديدة ، ما يعني من جانب آخر ان هذا الكتاب الكريم هو الذي يهيئنا الى كيفية ان نعرف ونتعرّف على محمد الانسان ص من خلال الله سبحانه وتعالى ، كما اننا تعرفنا عن قرب على الله جلّت عظمته من خلال محمد رسول الله ص !.اي بمعنى : أنك تتعرف على محمد ص من خلال التواريخ والسير وكتب الاحاديث التي دونها المؤرخون شيئ عظيم وجيد ، حتى انك عندما تتعرف على محمد الرسول من خلال محمد الرسول نفسه ايضا شيئ غاية في السمو والرقي ، كما مثلا ورد عنه صلى الله عليه واله وسلم قوله عن نفسه :(( أنا سيّد ولد آدم ولافخر ، آدم فمن دونه تحت لوائي )) ولكنّ يبقى كل مانُقل حول الرسول الاعظم محمد في التواريخ والسير والاحاديث والدراسات ... هو عرضة للنقص والسهو البشري هنا وهناك ، او للغلو أوعدم معرفة منزلة وحق الرسول في احيان كثيرة ، أمّا القرءان الكريم كتاب الله العظيم ، فكل حرف وكلمة وجمله فيه بقدر ، وكل زاوية ولمسة ووصف ونعت فيه بميزان ، وكل اشارة وادارة وتوسعة واختصار فيه بحق ، ولهذا هو بالاضافة الى انه الوثيقة التي لايمكن الشك في مصداقيتها حول ما كُتب حول وفي الرسول الاعظم محمد ص ، فهو كذالك الكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ، وهو المحفوظ من غشّ الخلق من قبل الله سبحانه وتعالى ، ولهذا ورد عن أهل بيت الرسالة والنبوة قول الصادق جعفر بن محمد وكذا الباقر محمد بن علي زين العابدين عليهما السلام قولهم :(( ماجاءكم عنّا فاعرضوه على القرءان فماوافقه فخذوا به وما عارضه فهو زخرف من عمل الشيطان )) او في رواية أخرى :(( فاضربوا به عرض الجدار )) !.والى هنا نفهم ايضا مقالة الرسول الاعظم محمد ص المروية بهذا الصدد في قوله لعلي بن ابي طالب عليه السلام :(( ياعلي لايعرفني الا الله وانت ...)) اي لايعرف منزلتي وحقي وصفاتي وموقعي الا الله سبحانه وانت الذي تعرفتّ عليّ حق المعرفة من خلال وحي الله سبحانه في القرءان الكريم ، وليس فحسب معرفتك ليّ بسبب نسبي لك وبنوتي لطفولتك وقرابتي العضوية من لحمك ودمك !.أذن بادئ ذي بدء نحن أمام شخصية أنسانية لها من الكمال البشري مايجعلنا في حالة عجز تام من ادراك سعة مواصفات هذه الشخصية الرسالية النبوية الربانية الالهية البشرية ، ولهذا نحن لجأنا الى البحث عن مصدر يقربّنا قليلا من معرفة العظيم محمد ص ، وبما ان الله سبحانه وتعالى هو اوثق مصدر واعظم معلم لنّا وافضل مربي يربّنا ، كان لنا في كتابه العزيز النافذة ، والتي من خلالها نطلّ (على سعة ومقدرة اطلاعنا وعلمنا ) على صفات وسمات وسجايا واخلاق وآفاق ومزايا الرحيم محمد ص !.ان من بين البحر الواسع لصفات واخلاق ومزايا وافاق .... محمد العظيم ص تبرز تلك الصفتان الجوهريتان في شخصية الكريم محمد كلؤلؤتين قرءانيتين يذكرهما الكتاب الكريم في حياة محمد ، وهما صفتا (( الرؤوف الرحيم )) كما ورد في قوله سبحانه وتعالى :(( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ومع ان هذا النص القرءاني العظيم يشير الى اكثر من صفة وأفق ومحور في شخصية محمد الرسول ص ، كالنفاسة والعزّة والحرص على المؤمنين ، الاّ ان كل هذه المواصفات العالية القيّمة اختصرتهما صفتا :(( الرؤوف الرحيم )) باعتبارهما القاعدة التي تُبنى عليهما الكثير من شخصية محمد الرسول ص القيادية والرسالية والابوية ... وغير ذالك بالنسبة لهذه الامة ، لاسيما ان فهمنا من طريق آخر ان فلسفة الرسالة الالهية برمتها ، والاسلام بخاتميته جاء على اعتبار انه رحمة للعالمين في قوله سبحانه :(( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )) فعندئذ كأنما تكون الرحمة الالهية المطلقة للبشرية هي الغاية البعيدة جدا من كل مشروع النبوة والرسالة وانزال الكتب وبعث خاتم الرسل للعالمين ، فهنا اذن نحن أمام رسالة الاهية خاتمة هي في الاساس موجهة لتكون نوع هدية رحمة اخيرة للبشرية ، مضافا لذالك ان رسالة الرحمة مرسلة بواسطة الرؤوف الرحيم محمد ص ، لتكون هناك انسجامة تلقائية بين غايات واهداف الرسالة الالهية العظيمة في ( الا رحمة للعالمين ) وبين حامل هذه الرسالة للبشر اجمعين في (( وما ارسلناك ) انت ، ولولا كون محمد الرسول رؤوف رحيم حسب هذا المفهوم لما كان لرسالة الرحمة الاسلامية للعالمين جميعا ان تأتي على يد غيره مطلقا !.نعم ماميّز العظيم محمد ص بالفعل ، وبنص الكتاب الكريم صفتا (( الرأفة والرحمة )) مع انه لايخفى ان لمحمد الرسول ص في القرءان الكريم مواصفات غير هاتين الصفتين الشيئ الكثير وفي جميع جوانب الحياة الاخرى ، كصفة القائد المحرّض والثوري في (( حرّض المؤمنين )) وصفة الهادي ، وكيف انه سراج منير لطريق البشرية ،وكذا النذير والبشير ، وكيف انه ص منطلق من الخوف الشديد والانفتاح العظيم على انسانية الانسانية ، ولهذا اصبح نذيرا للبشر ، وبشيرا بالخير لهم ..... وهكذا ، ولكنّ مع ذالك ولو اردنا حقا ان نرتّب اولويات الصفات المحمدية الرسالية العظيمة ، لأتت صفتا الرأفة والرحمة في المقدمة من حياة محمد ص ، والبوابة التي من خلالها يتم الدخول والبحث عن رسول الاسلام محمد ، فمحمد قبل ان يكون صاحب صفة الرحمة ، هو من الاساس وقبل ان يتصف باي صفة اخلاقية انسانية هو رحمة للعالمين !.أي كأنما النص القرءاني يريد ان يدفعنا الى معرفة محمد الرسول بشكل أعمق من مجرد المعرفة الشخصية لمحمد الرسول ، ليدخلنا الى حقيقة معرفة محمد الانسان ص ، ليقول لنا : أنّ محمداً هذا الذي أمامكم هو وجود رحمة وليس الرحمة صفة طارئة على شخصيته فافهموا ذالك ؟!.بمعنى آخر كأنما هناك ايحاء قرءاني عندما اطلق صفتي (( رؤوف رحيم )) بالمؤمنين وبلا تقييد بنوع معين من الرأفة والرحمة ، كأنما هو يريد ان يشير الى رسوخ ذاتي كامل وواسع لهاتين الصفتين في كينونة وشخصية محمد الانسانية ، ولهذا فهناك من اهل التفسير والتأويل من ذهب للبحث حول هاتين الصفتين باعتبارهما صفتا جلالة الهية ، فهما من صفات الله سبحانه وتعالى ، وبأعتبار ان الانسان بأمكانه ان يتخلق باخلاق الله سبحانه كما ورد في الحديث النبوي الشريف :(( تخلّقوا بأخلاق الله )) فعندئذ بالامكان اعتبار الاخلاق والصفات المحمدية انها التجلّي الحقيقي والاية العظمى ، والمظهر الكامل ، لأخلاق الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة ، ولهذا ذكر الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، تفسيرا لاية البسملة العظيمة :(( بسم الله الرحمن الرحيم )) قوله :( ان هناك من يذهب الى ان المقصود بالرحمن الذي نبتدأ او نستعين به هي صفة لله سبحانه خاصة ، والمقصود بالرحيم هو المصطفى محمد ص من منطلق قوله سبحانه : بالمؤمنين رؤوف رحيم )) وعلى هذا المستوى من المعرفة بأمكاننا ان ندرك ماهية القول ان محمدا العظيم وجوده رحمة للعالمين ، وليس فقط من صفاته انه بالمؤمنين رؤوف رحيم !.في كثير من الاحيان وعندما نلتفت الى الوجود واشياءه ، ونتساءل عنها كوجود المطر ووجود الشمس ووجود الرياح ووجود الامل ووجود الرزق...... وهكذا في قوله سبحانه :(( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربيّ إذاً لأمسكتم خشية الانفاق ...)) نعلم ان كل هذه الاشياء في وجودها رحمة وليس في صفاتها وبعض عوارضها الخلقية ، فياترى هل الوجود المحمدي الذي ارسله الله رحمة للعالمين، وسراجا منيرا للمهتدين ، وبشيرا للمتطلعين ، ونذيرا للمسرفين ، هو من ضمن وجودية الرحمة أم من صفاتها المكتسبة ؟.لاريب ان وجود محمد ص باعتباره الانساني الذاتي كان ولم يزل رحمة وجودية ، ولم يكن محمدٌ العظيم انسانا عارضا حتى وصل الى صفة الرأفة والرحمة الانسانية بالمؤمنين ، فهو رحمة للوجود قبل ان يكون رحمة للعالمين مضافا اليها بالمؤمنين !.فهو ايضا رؤوف رحيم بالكافرين في :(( انك لاتهدي من احببت ...)) وفي :(( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ..)) فالحب نوع من الرحمة والاسف ايضا نوع من الرأفة والرحمة ، الا انها ليستا جميع الرأفة والرحمة التي وفرّها محمد العظيم للمؤمنين في وجوده ورسالته ، وايضا هذا ليس لانهم مؤمنين به فحسب ولكنهم اولا واخيرا بسبب ايمانهم بالله العظيم اولا ، الذي كان المعيار للرحمة المحمدية الكاملة هنا بالمؤمنين ، والناقصة هناك في حبه لانسانية الانسان الكافر واسفه عليها في اخر المطاف !.الخلاصة : انّ محمدا الرسول ص عظيما ليس فقط لكونه رسول ربّ العالمين فحسب ، وليس لانه رحمة الله للبشر اجمعين لاغير ، .... وانما عظمة محمد الرسول الكريم انه رحمة ورأفة وجودية ، واينما وجدتَ نهرا من الرحمة في الصفات الانسانية ، او جدولا من الرأفة هنا وهناك في الاخلاق البشرية ، فأعلم انها في الاخير تماما تتصل ببحر محمد العظيم ص الغير منتهي لصفتي الرحمة والرأفة ، وأما العكس في الغلظة والقسوة والعنف وعدم الرحمة .... وباقي صفات الشيطنة والانانية وحب الكراهية ، فهن ألسَنة نيران ممتدة على طول الطريق الذي يرتفع منه الوجود المحمدي ._________________
al_shaker@maktoob.com