الأربعاء، أغسطس 05، 2009

(( قوّة المسلمين الشيعة أين تكمن .... بحث فكري ؟ )). حميد الشاكر


(( قوّة المسلمين الشيعة أين تكمن .... بحث فكري ؟ )). حميد الشاكر
_____________________________
هناك الكثير وخاصة في هذه الايام مَن يضنيه البحث يمينا وشمالا عن أسرار قوّة التشيّع الاسلامي والمسلمين الشيعة ، وماهية قوّة مدّهم الانساني ؟، وكيفية توسع نفوذهم الفكري والروحي بين عامة المسلمين ولماذية هذه السطوة المعنوية التي وانفجاريا ظهرت للمشهد البشري بشكل واضح هذه الايام ؟!.
كما ان هناك من المسلمين مَن تساءل بغرابة بعد اكثر من الف واربعمائة سنة من هجرة رسول الاسلام الاعظم محمد ص عن الفرق بين الشيوعية التي كانت موجودة في العالم وبين الشيعة كمذهب اسلامي في هذه الحياة !!!.
وهناك فئة أخرى لم تزل تشك بوجود مسلمين شيعة في هذا العالم ، وهي مصممة على انه لاوجود لمسلمين أسمهم شيعة !!.
على اي حال تردد الباحثون والمتأملون والمفكرون في اسباب قوّة المسلمين الشيعة ونفوذهم الانساني في هذا العصر بين عدة رؤى ونظرات وتفسيرات وتحليلات متباينة وفي بعض الاحيان منسجمة ، فمنهم من قال :
اولا : بسبب حيازة المسلمين الشيعة لسلطان دولتين اسلاميتين عظيمتين في منطقة الشرق الاوسط هما العراق وايران جعل من التشيّع قوّة لايستهان بها عربيا واسلاميا وعالميا ايضا ، مما انعكس بشكل ايجابي وقوي جدا على الوجود الشيعي وضخّ له الكثير من النشاط والحيوية بين الشعوب والامم !.
ثانيا : قال لا ليس فقط بسبب حيازة المسلمين الشيعة لسلطان دولتين هو العامل الذي اخرج الشيعة والتشيّع الاسلامي من ظلمات الخوف واغلال التخفي ، الى نور الافصاح عن الشخصية وطرح العنوان بقوّة ، بل هناك عامل حيازة الشيعة على اسباب القوة العسكرية التي تنتجها اليوم جمهورية ايران الاسلامية ، مما دفع بالمعادلة للتغيير والميل الى توازن القوى في الاطار الاسلامي العام ، ما صنع من المسلمين الشيعة والتشيّع الرسالي تيارا ليصبح فيما بعد رقما ووزنا معتدا فيه داخل اطار هذه المعادلة الاسلامية التي كانت ولسنين طويلة تسير برجل واحدة ، وتحت ضغط كفة الميزان الراجحة بحجر الغش والقسوة والظلم والدكتاتورية السياسية التي تقمع المسلمين الشيعة لمطالبتهم بالعدالة الاجتماعية تحت بند سيادة السلطة للمسلمين السنة في هذا العالم الاسلامي !!.
ثالثا : قال ان سبب نفوذ المسلمين الشيعة ، ومدّهم المعنوي والروحي والايدلوجي في العالم الاسلامي كان ولم يزل منطلقا من حيثية ان علماء الشيعة ومفكريهم وكذا مثقفيهم ، وبالعموم مدرسة التشيّع الاسلامي قد نجحت وبالفعل من تحصين وتخريج طوابير كاملة من المسلمين الشيعة وهم يحملون فكرا جدليا مع الاخر الاسلامي المختلف عنهم والاخر الانساني المتباين عن فكرهم ، بحيث انك تجد ان ابسط مسلما شيعيا في الحياة العامة يحمل في داخله حججا وتصورات وافكارا... اسلامية لايمتلكها الاخر الاسلامي الذي يسمى عالما في المذاهب الاسلامية الاخرى ، ولهذا فمن الصعب على اساس هذه المعادلة ان يستطيع اي فطحل من علماء باقي المذاهب الاسلامية ان يخترق النسيج الفكري الاسلامي الشيعي لبسطاء وعامة المسلمين الشيعة فضلا عن مفكريهم او علمائهم او مثقفيهم على الجملة ، بعكس ما لو وضعت عاميا بين علماء اسلاميين على غير المذهب الاسلامي الشيعي فستجد شيئا مختلفا !!!.
ومن هنا يعترف هذا الفريق من المسلمين غير الشيعة (( منهم الشيخ السلفي يوسف القرضاوي )) بان الاطار الشيعي استطاع ان يصنع انسانا محصنا من الاختراق وقادرا على الجدل الفكري الذي يهيئ له التمدد على الاخر عقديا بلا تفكير منه ان يكون للاخر الاسلامي وغير الاسلامي ان يتمدد على حسابه !!.
رابعا : وهو فريق رأى في بعض الانجازات السياسية والعسكرية التي تحققت مؤخرا على يد احزاب ودول اسلامية شيعية الاثر الاكبر في تمدد المسلمين الشيعة وحراكية نفوذهم المعنوي على العالم الاسلامي وغيره ، مثل حرب الثلاثة والثلاثين يوما بين اسرائيل وحزب الله اللبناني الذي خرجت منها اسرائيل منهزمة منكسرة ومتهسترة ايضا على يد ثلة من ابناء المقاومة اللبنانية ، مما دفع عامة المسلمين للتساؤل عن ماهية وسبب وسرّ انتصار حزب اسلامي في لبنان على اعتى قوّة عسكرية محتلة في الشرق الاوسط اسرائيل ؟. ولماذا دول عربية بجيوشها وخزائنها ونظمها وشعوبها لم تستطع تحريك شعرة من جلد هذا الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين فيما مضى وحتى اليوم ، بينما بضعة مئات من الشباب المخلص الاسلامي ابكى ترسانة العدو العسكرية بالكامل ؟.
وعلى هذا الاساس انبرى هذا الفريق ، وحرصا منه لتدمير فكرة النفوذ الاسلامية الشيعية هذه ، وتجفيف منابعها المؤثرة والحقيقية كما يعتقد الى القول : انه ليس هناك اي انجاز عسكري حصل بين اسرائيل ولبنان ، وان وهم انتصار حزب شيعي مجرد خرافة ، وعلى المسلمين ان لاينخدعوا بالترويج الشيعي الاسلامي لهذا الانتصار ، وعليهم ان لايتوهموا ان هناك اي مميز يميز بين المسلمين الشيعة وغيرهم في داخل الاطار الاسلامي العام .....الخ !!.
وهكذا حاول هذا الفريق بطرح موضوعة المسلمين الشيعة ونفوذهم ولماذيته وكيفية معالجة هذا النفوذ من وجهة نظره في سياق واحد ليقول : سبب النفوذ هو بعض الانجازات العسكرية التي حققها المسلمون الشيعة على اسرائيل وكفى !!.
طبعا كل هذه المحاور التي ذكرناها في مسألة (( النفوذ الاسلامي الشيعي )) وكذا في امتداداته العصرية ، وهكذا من يرى لماذية واسباب واسرار هذه الظاهرة الاسلامية الجديدة في تغيّر معادلة الموازين الاسلامية من الداخل اتجهت الى القول بصورة عامة : الى ان هناك عوامل منها دولية ( وجود العراق وايران ) او عسكرية ( امتلاك تقنية وصناعة السلاح في ايران الاسلامية ) اوثقافية ( تثقيف الفرد الشيعي عقديا ) او كارزمية ( انتصار المقاومة في لبنان على اسرائيل ) هي التي ساهمت في بروز نفوذ المدّ الاسلامي الشيعي والتعبير عن وجوده بشكل واضح وصريح وقوي في هذا العصر الجديد ، وتقريبا كل تلك الاتجاهات التحليلية ترى في العوامل المادية الظاهرية على اساس ان لها الاثر الاكبر في تنفس صبح التشيّع الاسلامي والاذان بقيامته الجديدة !!.
والحقيقة انه بالفعل فأن هذه العوامل المادية لاشك انها لعبت دورا حيويا في تقدم المسار الاسلامي الشيعي ، وطرح اجندته الفكرية والعقدية والايدلوجية بشكل اكثر تنظيما وتعبيرا عن الذات والشخصية الاسلامية الشيعية المعاصرة ، ولكن الحقيقة التي هي اعمق من كل هذه الحقائق المادية التي تُذكر اسلاميا في فهم وادراك ظاهرة التجدد في الحياة الشيعية اليوم هي حقيقة لايحب او لايرغب الباحث الاسلامي الاخر ذكرها للظاهرة الاسلامية الشيعية في العالم اليوم ، وهي حقيقة : ان قوة المسلمين الشيعة في العصر الحديث هي في ((فكرهم )) وليس في سلطانهم الجديد !!!.
نعم ربما لسبب او آخر طائفي او سياسي او اقتصادي او تربوي او ثقافي ........الخ يحاول الاخر الاسلامي الباحث والمحلل والمتأمل في ظاهرة الانتعاش الشيعية الاسلامية في العصر الحديث عدم ذكر هذا العامل الحيوي والحقيقة الازلية التي تجعل من التشيّع الاسلامي مدرسة تقبل الضعف الا انها لاتقبل الموت ابدا !!!.
ان هذا العامل (( قوّة فكر التشيّع )) هو في الحقيقة الروح التي تميز المسلمين الشيعة عن غيرهم داخل الاطار الاسلامي العام ، بل انها الحقيقة التي صنعت من التشيّع الاسلامي وعلى مدار الف واربعمائة عام هجرية من تاريخ الاسلام العظيم حوزة منيعة تستقطب الكثيرين من المسلمين حتى مع انتفاء جميع عوامل القوّة المادية الظاهرية التي تحدثنا عنها في الاتجاهات الاربعة السابقة ، فمعلوم على هذا الاساس ان المسلمين الشيعة كانوا يفتقدون لكل شيئ من عوامل القوّة المادية في تاريخ المسلمين الحافل بالتناقضات السياسية والاضطرابات الفكرية ، فلم يكن لهم سلطان سياسي دولي يلتجئون اليه بصورة مستمرة ، ولايملكون قوى عسكرية تؤهلهم للعب دور حيوي وفعّال على الاخر الاسلامي ، ولاكانت لديهم تلك الانتصارات العسكرية الدائمية على اعداء كاسرائيل اليوم وغير ذالك ، ولكن مع هذا استطاع الفكر الاسلامي الشيعي ولوحده وهو يقف عاريا من جميع عوامل القوّة السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ان يثبت وجوده في الساحة الاسلامية وينمو ولو كان بشكل بطيئ الا انه ثابت ومتوالي ومستمر حتى وصل اليوم لعصرنا الحديث وهو يشكل تيارات جماهيرية اجتماعية بلا سلطان ولاحكم ولاحديد ولانار !!.
نعم لو اردنا ان ندرك كارزمية المدرسة الشيعية الاسلامية وعلى مدى عصور متلاحقة ، فلايمكننا ان نصل إلاّ الى نتيجة مقنعة ومنطقية وعقلية واحدة وهي :ان هذه المدرسة الفكرية وهذا الانسان الذي استمرّ في الحياة مع كل هذه الضغوطات والابادات المتكررة لوجوده الانساني والعقدي ، وبشكل نامي ومتحرك وفعّال ومتكاثر وليس العكس ، ومع فقده لجميع عناصر وعوامل القوّة المادية الداخلية والخارجية ، لاريب انها مدرسة وانه انسان يمتلك حقيقة فكرية تلهمه الحياة والبقاء فيها بقوّة على رغم كل حملات الابادة التي استهدفته تكفيريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا .... وغير ذالك الكثير الكثير !!!.
الآن ماهو هذا الفكر الذي اختصر حقيقة وقوّة الوجود الاسلامي الشيعي في التاريخ وحتى عصرنا الحديث ؟.
هذا سؤال ليس هنا طرحه ومناقشته ، بل ما اردنا بحثه في هذه الاطلالة فقط هو سؤال : اين تكمن قوّة الوجود الاسلامي الشيعي في العصر الحديث ؟.
هل في سلطانه السياسي ؟.
أم في تقدمه العسكري ؟.
او في كارزميته القتالية وشجاعته العلوية المعروفة ؟.
وكيف استطاع ان يتطوّر من كونه وجودا متقوقعا على ذاته للحفاظ عليها من الابادة ، الى كونه وجودا متمددا خارج اطاره وباسطا جناحيه على عالم واسع وشغوف بالتعرف عليه اكثر فاكثر ؟.
____________________________________________

alshakerr@yahoo.com