الأربعاء، ديسمبر 22، 2010

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) -3- حميد الشاكر

معجزة الحاجة : - اقرأ


***************





ماهي الحكمة من ان تكون الكلمة او المفردة القرآنية معجزة الاهية ؟.

ولماذا كانت هنا الكلمة معجزة خاتم الرسلات السماوية الاسلامية للانسان ، بينما كانت في المعاجز السابقة للانبياء والرسل تتبلوربشكل كسرا او خرقا لسيرورة العادة والمألوف الانساني كفلق البحرلموسى وانقلاب العصى لثعبان عظيم مثلا او معجزة فسلوجية عضوية كابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى باذن الله سبحانه وبلمسة يدوية ، كما حصل لمعاجز الرسول عيسى عليه السلام ؟؟.

وما هوالسرّ او الحكمة التي تغيرمن معادلة الاعجاز الرسالية الالهية الكبرى التي ابتدأت جنباالى جنب مع حياة الانسان على هذه الارض لتجعلها مرة في أطارالاعجازالكوني في خرق العادة والمألوف الانساني حوله وأخرى في الاطارالفسلجي الانساني وثالثة في الاطار الواقعي كغلبة قانون النار واحراقها بقانون تحويلها بردا وسلاما على خليل الله ورسوله ابراهيم ع او اخيرا في الاطار اللغوي العقلي والفكري والنفسي للكلام البشري المقروء ؟.



يروى ان ابن السكيت ( أبو يوسف يعقوب بن اسحاق ، أحد أئمة اللغة والادب والنحو في الحضارة العربية الاسلامية ورجل صاحب اختصاص في الكلمة ، قتله المتوكل سنة 244 هجرية لعدم نفاقه !!)) سأل الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام حول اختلاف معاجز الرسل ، وسبب ذالك بقوله : لماذا بعث الله موسى بن عمران ع بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى بآلة الطب وبعث محمدا ص بالكلام والخطب يابن رسول الله ؟.

فقال أبو الحسن عليه السلام : ((ان الله لما بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحرفأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم ،وان الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات (الامراض) واحتاج الناس الى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والابرص باذن الله واثبت به الحجةعليهم وان الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم ، واثبت به الحجة عليهم !!.

فقال ابن السكيت : تالله مارأيت مثلك قط ّ فما الحجة على الخلق اليوم ؟.

فقال الامام الرضا ع : العقل ، يُعرف به الصادق على الله فيصدّقه والكاذب على الله فيكذبه !!.

فقال ابن السكيت : هذا والله هو الجواب ؟.



طبعا بغض النظر عن ما حوته هذه المحاورة الراقية في الفكر الاسلامي من بحوث تتشعب الى اكثر من زاوية وبغض النظر ايضا عن المحاورالمتعددة ،التي اثارتها هذه اللفتات العميقة لموضوعة اسباب تغير معادلة الاعجاز اللاهوتية في رؤية الامام عليه السلام ولماذا انتقلت من الكونية الى الفسلجية لتنتهي رحلتهاعند ضفاف الكلمة القرآنية ؟ ...الخ.

بغض النظر عن ذالك كله لكن مايبدو انه محورالتأكيد من خلال هذا المنظور الاسلامي هو: ان المعادلة الاعجازية تكون دائما اومعظمها رهينة (الحاجة) الانسانية ومتطلباتها التي تفرض شروطها على ماهية المعجزة من جانب ، وكيف ينبغي ان تكون لتقوم بدور بهداية البشر الى الله سبحانه والمنوط بعملها الذي ينبغي ان تقوم به من جانب آخر !!.

ولهذا فمعجزةعيسى ع صاغت ماهيتهاحاجة الناس في زمنه للطب لانتشار الاوبئة والامراض المستعصية التطبيب والمعالجة من جهة واستثمار هذه الحاجة لصناعة المعجزة لهديهم بنفس الوقت واللحظة الى الله سبحانه وتعالى او الى فلسفة وجودهم في هذا العالم وحقيقة لماذا هم موجودين في هذه الدنيا او كمعجزة موسى ع في انقلاب العصى ثعبان واخراج اليد بيضاء او فلق البحر..الخ باعتبار ان المشهور انذاك بين الناس هي الاعيب السحر والتلاعب بالقوانين الكونية والطبيعية على يد خبراء فيزيائيين يتمكنون بادراكهم لبعض القوانين الغالبة لقوانين الكون الظاهرية ، ان يتلاعبوا بالكثير مما يقع تحت انظار الناس وعيونهم لا لشيئ الا لاضلال الناس والسيطرة عليهم من خلال الارهاب النفسي وتعبيدهم لسلطة فرعون القائمة، وهذا مادفع الاعجاز الالهي ليتبلور بشكل قريب مماهوموجود بين ايدي الناس لحاجتهم للانعتاق من العبودية الفرعونية البغيضة لوجود معجزة تفضح كل هذا السحر الذي كان يوظف لخدمة الطاغوت وسلطته الفرعونية !!.

كذالك لم يختلف الامركثيرا عندما تبلورت معجزة خاتمة الرسالات السماوية العظيمة للبشرية على يد الاسلام وتحويل معجزته الخالدة لتكون بشكل كلمةاوكلمات قرآنيةمن قبل الله سبحانه وتعالى اوحاهن الله لقوم كان المعروف والشائع بينهم هي الكلمة وانعكاساتها الفكرية والعلمية والقانونية والجمالية ، فاقتضت حاجتهم للهداية ( اي انهم قوم بحاجة الى كتاب وكلمة وقانون ورؤية وفكرة تقيم وحدة وجودهم الحضارية المشتتة من جهة فاتت المعجزة لتسد من هذه الحاجة وبنفس الوقت لتهديهم الى الله سبحانه وتعالى من جانب اخر ) ، ان تكون طريق المعجزة القاهرة اليهم هي نفس مابرعوا فيه وفهموا قوانينه واصوله من كلم وكيف يكون مرة بشريا نثريا وموسيقيا شعريا واخرى مافوق الصناعة البشرية !!.



وعلى العموم كانت الخلاصة تقول : ان معادلة الاعجاز اللاهوتية بُنيت حسب متطلبات ،وحاجات الاجتماع الانساني من وجه ومن الوجه الاخر اتت جميع المعاجز الالهية العظيمة في السابق وحتى المعجزة القرآنية الخاتمة للدين وللمعجز حسب ماهو متعارف بين الناس ومتعايش يوميا داخل اطرهم الاجتماعية ومايعانونه من مشاكل وتطلعات وهذا كله لتكون عملية الاصلاح الرسالية اللاهوتية اكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الاجتماع الانساني سواء كانت تلك المتطلبات فكرية عقدية ، او اقتصادية او سياسية او اجتماعية او نفسية روحية او حتى جسدية مادية ....الخ ؟ .



وعندهذا المحور من الرؤى الفكرية الاسلامية بموضوعة المعجزة من جهة وحاجةالبشرية من جانب آخرنجد انفسنا مدفوعين دفعا للسؤال حول هذه الرؤية ب : ماهو مضمون فكرة ان تكون الكلمة معجزة خاتم الرسالات السماوية ؟.

ولماذا انتهى عصرالمعجزات الكونيةالعجيبة التي تاتي بخرق لقوانين العادة والمألوف الانساني لترغم البشرية على الخضوع لعظمتها الالهية لتنتقل الى معجزة لغوية فكرية كلامية انسانية صنعها الانسان في عصر من الاعصار لاغير؟.

وهل يعني هذا انه في الوقت الذي تقررفي السماء ان تكون الكلمة القرآنية معجزة السماء الاخيرة فحتما من جانب اخر القول ان حاجات البشرية هي الاخرى مع تنوعها في السابق ، وتعدد حاجاتها فيما مضى من تاريخ هي ايضا قد توحدت في حاجة واحدة ، او تحولت فيما بعد المعجزة القرانية الى حاجة الكلمة لاغير ، ولهذا ختم الله سبحانه معاجزه بالقرآن ككلمات وليس كظواهر كونية وطبيعية وفسلجية ؟!.

أم ان الموضوعة فيها وجهات نظر اخرى من الصعب تصور اختصار الحاجات الانسانية كلها باطار حاجة واحدة فحسب ؟.

بمعنى اخر : اننا اذا قررنا الرؤية الاسلامية الانفة الذكر من ان معجزة الاسلام هي القرآن وان القرآن مجموع كلمات السماء للبشرية جمعاء وان العرب بما هم امة أمية كانوا بحاجة الى الكلمة المقروءة لهدايتهم وحاجتهم من جانب اخر فهل يعني هذا القول ان البشرية ايضا بعد ذالك انحصرت حاجتها بنفس هذه الكلمة لتكون معجزة السماء القرانية سادة لحاجة هذه البشرية وبكل تنوعاتها الانسانية من جهة ، ومن الجهة الاخرى لتستمر اعجازيتها العملية كذالك من جانب اخر ؟.

واذا ماكان هذا هو المعنى المستخلص من خاتمية الاعجاز السماوي بكلمة فماهي هذه الكلمة وكيف نفهم مضامينها باعتبار انها حاجة انسانية كانت وستبقى الى الابد هي كذالك ؟؟.

الحقيقة انه وقبل الاجابةعلى هذه الاسألة المتشعبة التي استخلصناها من الرؤية الاسلامية ولماذا كانت معجزة الاسلام الكلمة المقروءة بخلاف باقي معاجز الامم السابقة علينا التفريق بين جوابين لهذه الاسألة :

الجواب الاول : هو كيف كانت ولم تزل الكلمة القرآنية اقرأ حاجة اسلامية وعربية بالخصوص ومعجزة هداية بالعموم .

الجواب الثاني : كيف نفهم ان تكون الكلمة حاجة انسانية وبشرية عامة فيما تبقى من زمن للبشرية كلها ، وماهو مفهوم ان تكون نفس هذه الكلمة القرآنية معجزة عالمية تواكب تطور البشرية اليوم وغدا لنرضي ضميرنا البحثي بحكمة تحول معاجز السماء من خرقها للمألوف الانساني وعاداته الى تبلورها بابسط المفردات البشرية وهي الصناعة اللغوية ؟.

وطبعا هذا الطريق لايمكن طيه بدون الابتداء من بدايته تماما لندرك :

اولا : مفهوم الحاجة بصورة فكرية وبصيغة فلسفية وبطابع اجتماعي ايضا .

وثانيا : ادراك التنوع في هذه الحاجة ولماذا كانت فيما مضى حاجة لرؤية المعاجز الكونية العظيمة وانتهت عند اكتفاء نفس هذه الانسانية بحاجتها للاعتماد على فكرها وتصوراتها للكلمة المقروءة لاغير ؟؟!.



ان لمفهوم (الحاجة) فلسفة خطيرة في حياة الفرد والجماعة الانسانية كما انه مفهوم له اكثرمن بعد في حياة الانسان بصورة عامة تفرض عليه من هنا او من هناك الخضوع لمتطلبات ( الحاجة ) سواء كانت تلك المتطلبات نفسية روحية كحاجة ألأمن الاجتماعي ورفع مداميك الخوف وعدم الاستقرار للفرد او الجماعة ، أو كانت حاجات مادية كتوفّر الخبز والمسكن ...، وباقي متطلبات حاجات البشر الطبيعية ، او ربما تكون حاجات ضرورية كمالية ، كالتي تساعد على نهضة الامة حضاريا وعسكريا واقتصاديا ، كحاجات الامم للبرامج والخطط والنظرات والنظم ، التي تساعد هذه الامم على المسيرخطوة نحو التقدم والتكامل الانساني .....الخ !!.



وكذالك فان ( الحاجة ) كما انها مطلب فطري وطبيعي وتنظيمي واجتماعي ...الخ ، كذالك هي بُعدٌ حركي يستطيع ومن خلال ضغطه كمفهوم فلسفي ان يحرك الفرد والجماعة على التفكير والبحث والابداع والاستكشاف .....وباقي العناوين التي تهيئها او تفرضها الحاجة على الحياة الانسانية ، فحاجتنا لايجاد لغة لا تفنيها يد القدر مثلا ، هي التي دفعتنا لابتكار الرسم ومن ثم النحت ومن ثم الخط ، ومن ثم الكتابة ...، كلغة اخرى بامكانها ان توصلنا بالعالم الزماني والمكاني الآني والمستقبلي لحياة البشركما هي لغة تخاطب فكرية فرضتها حاجة التطلع لبقاء الفكر اكبر مدة على قيد الحياة زمانيا ومكانيا !!.

كذالك بالامكان القول هنا : ان معرفة وادراك مفاهيم الحاجة وقوانينها الانسانية ، وكيفية تحركها ، وماهية صورها من قبل اي فكر انساني يؤهل هذا الانسان لادراك ومعرفة (المحرك)الحقيقي او الدافع اوالممون الفعلي لحياة الفرد والاجتماع الانساني ومن ثم بالامكان استثماردوافع هذه المحركات الاجتماعية في الاغراض الايدلوجيةوالسياسية والاقتصادية والاجتماعية ...الخ كاستثمار الحاجة الاقتصادية مثلا ، لتشكيل فلسفة الطبقية الاجتماعية ،والثورية العمالية الكادحة ، او استثمار مفهوم الحرية كحاجة فكرية ونفسية وطبيعية واجتماعية ، وتجييرها لليبرالية الراسمالية في العالم الانساني العقائدي ،او استثمار الشعور بالكرامة والادمية كحاجة فطرية لمناهضة الاستعمار والاستغلال والاستعباد الاجنبي ، او كاستثمار الحاجة التعبدية واللاهوتية والدينية للوصول الى النظافة الاجتماعية والتسامي الروحي والنهوض الحضاري ، والانتصار على التقوقع والمادية !!.



كل ذاك وغيره هو داخل في صلب معادلة الحاجات الانسانية ، والتي هي ايضا المعادلة الحيوية للرسالة الاسلامية بمفاهيمها الفكرية والفلسفية والعقائدية المقدسة والتي هي ايضا فرضت اوافترضت ان اقرأ حاجة فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية واجتماعية وفردية وروحية ....، للعرب الذي ستحولهم الرسالة الى امة ستتحمل الرسالة اللاهوتية الخاتمة !!.



ان العرب قديما وابان تحرك بواكيرالولادة الاسلامية كانوا بحاجة حقيقية الى بعض المتطلبات الحضارية الضرورية التي توفر لهم مشروع نهوض انساني حقيقي ، فهم ومن خلال المُدرك من وضعهم الوجودي كانوا من الاقوام (الامية) اي الاقوام التي تضعف فيها او تنعدم اجتماعيا مكونات المقروء الحضاري بصورة ملفتة للنظرمما يعيق الاجتماع العربي من الانطلاق الفعلي لحركتهم الحضارية الانسانية الواسعة وبغض النظر عن الاسباب الفكرية او الاقتصادية او الاجتماعية او الجغرافية ...، التي ساهمت ببقاء هذا المجتمع على صورته الفطرية من الامية الكتابية بغض النظر عن ذالك كانت الكلمة القرانية ( اقرأ ) فاتحة الوحي الالهي لهذه الأمة الامية من خلال مخاطبة رسولها محمد العظيم صلى الله عليه واله الامي ايضا !!.



نعم كان لهذا الاجتماع العربي انذاك نوعا من الادراك الاولي والساذج للكلمة المكتوبة والمقروءة كما انه كان هناك من يتخذ من صناعة الكتابة والقراءة كمهنة تحتاجها الطبقة الرأسمالية العربية أقتصاديا في تثبيت الصادر والوارد والديون والرهانات والملكيات...الخ وهناك ايضا قرّاء للكتب السماوية الاخرى وصلوا الى هذه الجغرافية العربية للتبشير لاديانهم كما انه لايخفى ايضا ان هناك نوعا من الالتفات في هذا المجتمع الى ان الفعل الكتابي هو حاجة للحفاظ على بعض الثمائن الفنية والشعرية من الكلمات والحكم الفنية والموسيقية التصويرية العالية القيمة ، كالذي حصل بالفعل في شأن المعلقات والمذهبات الشعرية التي كانت تكتب يُقال بماء الذهب وتعلق عند الكعبة للحفاظ على مثل هذا التراث الثمين للكلمة المنظومة في المخيال العربي مما يدلل على سمو ورفعت واهمية ( الكلمة ) في هذا المخيال لاسيما ان كانت تلك الكلمة معبرة ولها وقع موسيقي قوي على الروح الانسانية العربية وما تعكسه من مشاعر وحكمة لهم من جهة ، وادراك هذا المجتمع ان الكتابة توفر الكثير من الحفظ للكلمة زمانيا من جانب اخر !.



ولكن ومع ذالك وكما ذكرنا من قبل بقي الفعل ( اقرأ ) خارج أطار الاجتماع الجماهيري العام للمنظومة الاجتماعية لهذه الامة ولغيرها ايضا من الامم آنذاك ، وداخلة في أطار الاختصاص ومطلب الحاجة السياسية او الاقتصادية او الدينية لهذه الامة او لباقي الامم الاخرى .

وعلى هذا الاساس ياتي سؤال :كيف تخاطب السماء مجتمعا اميا برسالة ومشروع أقرأ القرانية مع ادراكها ان من يتمكن من حمل رسالة اقرأ الاسلامية الالهية لابدان يكون اجتماعا قارئاعلى الاقل ليتم له فهم المكتوب والمقروء قبل الايمان به والدفاع عن رسالته ؟.

فهل ارادت رسالة السماء سدّ حاجة هذا الاجتماع العربي الامية للقراءة ، بحيث انها تبدأ معهم من محو الامية بمشروع اقرأ وتنتقل بهم فيما بعد لحمل رسالة الهداية على اكتافهم للناس اجمعين ؟.

ام انها بصدد القول للعالم اجمع انه انظروا كيف استطاعت رسالة الاسلام وبحركة اعجازية صناعة امة قارئة للقران مع انها امة امية فيما قبل الاسلام ورسالته ولم تكن هناك قوة على هذه الارض بامكانها صناعة مثل هذه العجزة البشرية الظاهرة ؟.

ان اقرأ كخطاب لاهوتي مُدرك كان على وعي تام ان المجتمع والانسان الذي تخاطبه ويخاطبها كان مجتمعا يغلب عليه الطابع الفطري بالنسبة للكلمة المقروءة (مجتمع أمي = لم يزل على فطرة الامومة) كما ان ذالك الخطاب اللاهوتي واعي جدا لعملية انزال خطاب مقروء وهو بحاجة فعلية لأدراك عملية القراءة كي يتسنى للذين سيؤمنون به لاحقا من الالتصاق به وهو كذالك خطاب متفّهّم تماما انه لو لم تكن ألامة التي سوف تؤمن به أمة قارئة للكلمة فسوف (يتعذر) على هذه الامة من فهم مقاصده الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والنفسية ، وكل ذالك ( يبدو) انه كان واضحا بالنسبة للخطاب القراني او الكلمة القرانية (اقرأ) المدركة لتلك الابعاد الاجتماعية لأمية الاجتماع العربي الكتابية ولكن مع ذالك كانت الكلمة الموجهة والاعلان الاولي والبداية المشرقة للوحي الرسالي الاسلامي لهم كانت هي الكلمة ( آقرا ) ؟!!.

اذاً ماهي والحال هذه المناحي المعرفية والمقاصد التي استهدفتها هذه الكلمة القرانية الاولية من هبوطها على وجود اجتماعي هو بالاساس ليس له حظ كبير من حضارة الكتابة والقراءة ؟.

ذكرنا ان المشروع اللاهوتي السماوي دائماهو مشروع ينبني اساسا او يقوم في الاغلب الاعم على حاجات المجتمع الانساني ولا سيما الحاجات التي ان فقدت فستكون عائقا لنهوض اي امة يُراد لها ان تستمربالحياة والعطاء الانساني وهذه الميزة كما ستوفر للاجتماع الانساني سدّ حاجاته الضرورية كذالك هي ستعبر عن وجه من وجوه الصورة الرسالية التي ستتحرك ضمن برنامج الرسالة السماوية !!.

ولهذا فان الرسالة الاسلامية المقروءة قرانيا وكبرنامج فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني هي ماكان يحتاجه فعلا العرب في ابان أميتهم الكارثية ، فهم على اي حال تجمع قبلي كان يفتقد الى عنصر ( الاجماع ) الفكري الذي يوحد من رؤية المجتمع العقدية التوحيدية والفلسفية الكونية وكذا هم كانوا يفتقدون لعنصر ( الاجتماع ) القانوني الذي يوفر للمجتمع تنظيم كامل ورؤية موحدة للمصالح والمفاسد الاجتماعية ..، وكذالك هم كانوا يفتقدون لعنصر ( الاجتماع ) الاقتصادي .....الى اخر هذه القائمة التي تعبر عن حاجة الاجتماع القبلي العربي انذاك من جهة وتعبر عن عملية تشكيل واعادة هيكلة للمجتمع وبناء منظومته الحضارية الجديدة التي قامت بعمله وفعله وصناعته الرسالة الاسلامية المقروءة التي جاء بها العظيم محمد لقومه ومثل هذه الهيكلة والبناء العظيم هو بحاجة الى تقنين حضاري ينطلق ويعود للكلمة المكتوبة والمقروءة ؟



نعم كانت ( اقرأ ) اول مفردة نزلت من وحي السماء لهذه الامة التي كانت قبل ان تنزل اليهم اقرأ مجرد شتات قبلي وتفرق قومي وضياع اجتماعي وتفكك اسري وتمرد نفسي وروحي وتقاتل عصبوي لايمكن ان يوصف الا بالهمجية التي تدمر نفسها بنفسها !!.

فجاءت اقرأ لتشخص الداء ، ولتعلن ثورة كبرى باسم الحرف لتعيد صناعة خردوات بشرية لتقيم منهم امة عظيمة متماسكة صلبة وقوية ومنفتحة تقرأ وتكتب وتدون العلوم والدواوين وتضبط الاداب وتؤسس للدولة الجامعةوتتطلع للفتوحات والتوسع وتقرأ فلسفات الامم وتواريخهم وقصصهم .....الخ لتدرك افق ابعد من افق عصبية القبيلة وكيفية الغزو والنهب لاغير !!.



تصور اخي القارئ لو بقي هذا الاجتماع العربي اميا لايقرأ ولايكتب ، ولم ياتيه وحي السماء بمشروع (اقرأ) الرسالي القرآني فهل كان ليتمكن هذا الانسان العربي البدوي من النظر الى الافق الواسع لتواريخ البشريةوفلسفاتهم وتنوع عقائدهم وتقاليدهم وادابهم ؟.

أم انه كان ليبقى رهي محبسي القبيلة والعصبة الى ان ينقرض بنيران احقادها من الوجود ؟.

بل تصوّر لو كانت اقرأ لم تصاغ رساليا باعتبارها وحي السماء الخالد لهذا الانسان الطريد فهل كان يتوقع من هذا الجلف العربي ان يتوحد بفكر ويخضع لقانون ويصنع دولة ويشكل حكومة ويغير من اليات عمل السوق الاقتصادية ، ويكتب الاداب ويحترم المرأة ، ويمتلك منظومة تربوية لناشئة الاطفال وينظّر ويساهم بالفلسفات العالمية الاخرى ؟.

الجواب يبدو واضحا انه لولا اقرأ القرانية ومشروعها الرسالي العظيم وما سدّته من حاجة لهذا الاجتماع العربي وما صنعته من امة تمكنت من حمل رسالة السماء لهداية البشرية جمعاء الى الله سبحانه وتعالى ، لكان الانسان العربي ربما لم يزل اذا لم ينقرض تماما يجلس تحت معاطن الابل كاحد اضحوكات البشرية التي تحضرت بفضل القراءة والكتابة !!.



وهذا كله فقط لنوضح كيف ان معجزة الحاجة وليس حاجة المعجزة هي التي ردمت هوتها الكلمة القرانية اقرا لهذه الامة ويتبقى علينا ان نفهم كيف ان اقرأ هي ذاتها التي بنت امة كانت بحاجة الى البناء بقت وستظل هي هي حاجة البشرية اليوم وغدا باعتبار انها المشروع الرسالي الذي بدونه سوف لن يكتب هداية لبشرية ابدا ولا اتصال بالله سبحانه من اي اتصال بطريق اخر ؟!.

_________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877