الجمعة، يونيو 05، 2009

(( أزمة أميركا الكبرى : عقل رأسمالي وشعارات ديمقراطية !!.))


(( أزمة أميركا الكبرى : عقل رأسمالي وشعارات ديمقراطية !!.)) حميد الشاكر
_________________________

هل تتمكن الولايات المتحدة الاميركية في يوم من الايام من التوفيق بين مصالحها الحيوية في منطقتنا العربية والاسلامية ، وبين شعاراتها الديمقراطية التي تعتبر من ضمن التقاليد الامريكية لقيام هذه الدولة ؟.
أم ان المصالح من جهة ، وشعارات الديمقراطية من جهة أخرى هي قاعدة الازدواجية في الشخصية الامريكية التي لاتتمكن من العيش في هذه الحياة بدونها مما يرسي أخيرا قاعدة : إن أميركا ستبقى متذبذبة بين مطرقة المصالح وسندان الديمقراطية الى مالانهاية في هذه الحياة الدنيا ؟.
بمعنى آخر : معروف عن الولايات المتحدة الامريكية انها أهم قلعة من قلاع الرأسمالية الغربية البراجماتية النفعية المصلحية التي تقدّم المصالح المادية على اي شيئ آخر في حسابات العقل الراسمالي في العالم الحديث بلا منازع ، كما انه معروف لدى الجميع ان الولايات المتحدة الامريكية ككيان دولي قائم هي ايضا أهم قلعة شعاراتية منادية بضرورة تصدير الديمقراطية للعالم الغيرالديمقراطي اليوم بالاضافة الى حثّ هذه الدول الغير ديمقراطية ومطالبتها برعاية اسس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وغير ذالك ، فهل ياتُرى بالفعل لدى الولايات المتحدة القدرة على التوازن بين عقل راسمالي ربحي نفعي لايعترف باي اخلاقية أمام المنفعة والمصالح ، وبين الاخلاقية الديمقراطية التي في الكثير من مفاصل الحياة تصطدم مع المنافع والمصالح السياسية والاقتصادية لامحالة ؟.
أم ان أسطورة أو كذبة التآخي بين العقل الرأسمالي من جهة ، وعناوين الدمقرطة وحقوق الانسان من جهة أخرى مستحيل لها ان تتوافق فيما بينها للتناقض الحاد بين الاخلاقية الديمقراطية والنفعية البراجماتية في هذه الحياة الانسانية المعاشة ؟.
هذه الاسألة وغيرها تأتي على انقاض او من وحي خطاب الرئيس الاميركا باراك حسين اوباما في القاهرة مؤخرا بعد ان اختتم زيارته اولا للمملكة العربية السعودية باعتبارها محطته الاولى قبل خطابه التصالحي مع العالم العربي والاسلامي الذي القاه من على منبر احد جامعات مصر العتيدة !.
نعم لم يجد باراك اوباما أمامه من اصدقاء اميركا المخلصين في منطقتنا العربية غير اعتى نظامين عربيين في انتهاك حقوق الانسان والابتعاد المطلق عن الديمقراطية التي تنادي بها أميركا لتصديرها للعالم غير الديمقراطي لتكونا محطته التي ينطلق منها ليبشر بعالم أميركا الديمقراطي الجديد !!!.
طبعا ليس الذنب ذنب الرئيس الاميركي حسين اوباما ، ولاحتى ذنب الديمقراطية الامريكية الجميلة ان لايكون خطابها موزعا على العالم العربي والاسلامي الا من خلال منبرهو في الاساس من المنابر المصرية التي تصرخ من جور الدكتاتورية للنظام المصري الذي دخل سنته الثلاثين في حكم الجنرال الرئيس حسني مبارك لهذا البلد الذي تنتهك فيه الديمقراطية بلا رحمة !!.
كما ان الذنب ليس ذنب أحد ان تكون المملكة العربية السعودية حاضنة الارهاب وثقافته التكفيرية الوهابية في العالم ومصدرّة التخلف والرجعية للكون باسره هي بالتحديد الحليف الاستراتيجي الذي يأخذ اوباما رئيس الولايات المتحدة النصائح والحكمة من ملوكها الاميين بالذات ليتعلم اكثر واكثر من حكمة المملكة السعودية في كيفية احترام حقوق الانسان والمرأة والديمقراطية وكيفية نشرها في الشرق .... وهكذا ؟!!.
وأنما الذنب ذنب التركيبة الامريكية الفريدة بين عقل راسمالي وبنية ديمقراطية منذ النشأة وحتى يوم الناس هذا !.
الان ربما بدى واضحا ضرورة اسألتنا الانفة الذكر بين العقل الراسمالي الامريكي النفعي الذي يرى في السعودية البترولية ومصر الامنية قاعدتي الحكمة والبصيرة والانسانية والديمقراطية التي ينبغي ان تنطلق كل هذه المفاهيم من مصر والسعودية كأول محطتي لقاء بين الرئيس الامريكي والعالم العربي والاسلامي !!؟.
وبين العقل الديمقراطي الاخلاقي الامريكي الذي يعلم جيدا : ان حلفاء اميركا في منطقتنا العربية كالنظام المصري وكذا السعودي هما من أسس في الواقع لفكرة الارهاب والاقصاء والاستهزاء بحقوق الانسان في منطقتنا العربية ، وهما آخر نظامين سياسيين في هذا العالم بالامكان اعتبارهما صالحين لمجرد فقط مسمى الديمقراطية بله تطبيقها او احترامها او الدعوة لها كما جاء في تقرير منظمات حقوق الانسان المدنية تعقيبا على زيارة اوباما للسعودية والقاهرة !.
أذن كيف لأميركا الديمقراطية ان يكون جلّ حلفائها من الدكتاتوريين والطغاة والرجعيين .... بحيث انها عندما ارادت الاختيار لمخاطبة العالم العربي والاسلامي كان الخيار الوحيد الذي امامها السعودية لتتعلّم الحكمة واحترام حقوق الانسان منها ومصر لتقدم أميركا النموذج الديمقراطي لهذا العالم من على منصتها الذي استمرت رئاسة رئيسها الى اكثر من ثلاثين سنة من جهة ؟.
وأن تكون شعارات اميركا في خطابها للعالم ضرور احترام الديمقراطية وحقوق الانسان وممارسة المشاركة واقامت العلاقات السياسية حسب قربها او بعدها من هذه الحقوق البشرية من جانب آخر ؟.
هناك الكثير عندما يطرحون مثل هذه المفارقات يذهبون بعيدا في ظلم الولايات المتحدة عندما يتهمون النموذج الديمقراطي الامريكي انه نموذج منافق يعمل بشيئ قريبا جدا من مخططات العقل الراسمالي النفعي الذي يتزلف للظلم والدكتاتورية والفساد والرجعية في سبيل استحصال مصالح سياسية واقتصادية على حساب الاخلاقية الديمقراطية التي ترفض ذالك ، وينادي بشيئ ديمقراطي معنوي حقوقي واخلاقي مناقض تماما للسلوك البراجماتي النفعي ذاك من جانب آخر !.
وهذا الاتهام بالازدواجية او النفاق للنموذج الامريكي في الحقيقة ناتج من عدم ادراك معادلة العمود الفقري الذي تقوم عليه الولايات المتحدة ومنذ نشأتها بين العقل الرأسمالي الذي يرى بوصلته اينما وجد البترول والمصالح والمنافع والاستثمار والاسواق ...، وبين الشعار الاخلاقي الديمقراطي الذي تتجه بوصلته للناحية الاخرى ولكنها التي لاتطعم خبزا للولايات المتحدة ولاتضخ بترولا ولا تبني اقتصادا على الاطلاق وانما تخلق مبررا اخلاقيا يجعل من الولايات المتحدة نموذجا في الحرية والمطالبة بها يحتذى لمظلومي العالم !.
نعم نحن نقول ان شعارات الديمقراطية جزء اصيل من بنية الولايات المتحدة القائمة وثقافتها الفكرية ايضا لكنه الجزء والمظهر الخارجي لهذه البنية الامريكية لاغير ، أمّا الجوهر والروح والعقل لهذا الكيان المسمى ولايات متحدة فهو قائم على شركة اقتصادية عملاقة تتعامل فقط مع الارقام في الصادر من التصنيع والوارد من الارباح لاغير ، وماهذه التناقضات الصارخة التي نراها نحن اليوم ويراها العالم في تصرفات الادارات الامريكية السياسية المتلاحقة الا عمليات صراع طبيعية تفرضها معادلات العقل الراسمالي من جهة والبنية الديمقراطية الثقافية من جهة اخرى ، وهذا في الحقيقة مايفسرّ لنا كل هذه التناقضات الطبيعية التي نراها في شعارات الولايات المتحدة الامريكية في الديمقراطية وتشديدها القوي على ضرورة احترام حقوق الانسان من جانب ، وحلفها المقدس مع نظم الدكتاتورية السياسية والجريمة المنظمة ضد حقوق الانسان والديمقراطية كالذي هو حاصل في المملكة السعودية ونظام مصر البوليسي العسكري الذي لم يزل يفرض قوانين الطوارئ على هذا البلد منذ اكثر من ثمانية وعشرين عاما لا لشيئ الا لمجرد حفظ استمراره في الحكم من جانب اخر !.
أن أميركا كانت لتبدو اكثر وضوحا وجمالا وتألقا بالفعل لو انها انتهجت احد الطريقين أما الراسمالي النفعي الذي يبرر اخلاقيا مثل هذه التحالفات السياسية القائمة على المصالح مع نظم الدكتاتورية والرجعية القائمة في العالم ، وأما انتهاج طريق الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان والمطالبة بالعدالة والمساواة ، وفي هذه الحالة على الولايات المتحدة ان تقطع علاقاتها اللاخلاقية مع مثل هذه النظم اللاأنسانية واللاأخلاقية واللاديمقراطية في واقع حياة البشر !.
أما في حال ارادت الولايات المتحدة الدمج بين هذا وذاك فهو أمر من الصعب جدا تحققه ، لاسيما ان الدمج القسري لمفهومين فكريين متناقضين جدا ، هو كصناعة وجه فتاة بلاستيكي جميل ليوضع على وجه عجوز شمطاء كلما حاولت لبس القناع على وجهها سقط لعدم تجانس قسمات كلا الوجهين !.
___________________________

alshakerr@yahoo.com
al_shaker@maktoob.com