الاثنين، نوفمبر 09، 2009

(( البراءة من الشرك والمشركين في الحج الاكبر ؟!.)) حميد الشاكر


__________________
بسم الله الرحمن الرحيم :
(براءةٌ من الله ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين ، فسيحوا في الارض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين ، وأذان من الله ورسولهِ الى الناس يوم الحجّ الاكبر أن الله بريءٌ من المشركين ورسولهُ فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب اليم / سورة براءة ).
********************
لااعلم حقيقةً ماهي الصلة الحميمة والعضوية والنسبية والسببية بين المملكة السعودية ووعاظ سلاطينها من الوهابيين الدينيين ، وبين المشركين والكافرين والانجاس والجاهليين .... حتى تغتاظ المملكة السعودية ووعاظها كل هذا الغيظ والغضب من مراسيم المسلمين الشيعة في اعلان برائتهم من المشركين في يوم الحج الاكبر امتثالا لامر الله ورسوله والدين والاسلام ؟.
كما انني في حيرة من امر حكومة أمراء السعودية وموظفيها الدينيين وهذه الازدواجية في الفكر والممارسة والسلوك ، وكيفية منع وحضر هذه الحكومة لكل تفكير يمت بصلة لاقامة شعيرة البراءة من المشركين في الحج من جهة ، بينما من الجهة الاخرى للموضوع تعتبر المملكة السعودية وتحث وعاظها الدينيين وموظفيها الوهابيين على نشر ثقافة ان العالم كله مشرك وبما فيهم جميع طوائف المسلمين لاسيما المسلمين الشيعة فهم في الثقافة السعودية الدينية من اشرك المشركين الذي يتوجب البراءة منهم واعتبار انهم كفّار ويجب قتلهم
اينما ثقفوا من جانب اخر ؟.
فكيف تكون حكومة الامراء السعودية من انصار نشر ثقافة التكفير ورمي جميع المسلمين والعالم والبشرية بصفة الشرك واعتبار ان العائلة المالكة في السعودية فحسب هي فرقة التوحيد والاسلام حسب الثقافة الدينية الوهابية من جهة ، وفي نفس الوقت تغتاظ حنقا وتموت كمداً عندما يحاول المسلمون الشيعة ممارسة شعيرة البراءة من المشركين في الحج الاكبر من جانب اخر ؟.
هل الشيعة المسلمون على هذا المنحى وحسب ماترّوج له الثقافة السعودية الدينية هم المشركون فعلا وعبّاد القبور ووثنية الصالحين والاولياء المكرمين ؟.
أم ان المشركين بالفعل هم من يدافعون عن المشركين ويناضلون من اجل عدم اقامت مراسيم البراءة منهم والبراءة من جاهليتهم ونجاستهم ووثنيتهم على الحقيقة امام العالمين ؟.
المسلمون الشيعة لو كانوا مشركين فعلا فكيف يتبرئون من انفسهم ويلعنون مسلكهم في يوم الحج الاكبر وامام العالمين ؟.
وكذا السعوديون الوهابيون لوكانوا هم الموحدين على الحقيقة والمسلمين فقط على هذه الارض كما يدّعون وليس هم المشركين في الجوهر والمضمون ، فلماذا هذا الدفاع عن الشرك والمشركين والدفاع عن كراماتهم وصيانة قياماتهم ومنازلهم الهابطة من ان تناله ألسن وحناجر المسلمين الشيعة في البراءة منهم يوم الحج الاكبر وامام رب العالمين ؟.
كل سنة يفتعل النظام السعودي اشكالية عدم السماح لاقامة مراسيم البراءة من المشركين دعما لاسياده الاولين عند بيت الله الاعظم وفي حجه الاكبر ويمنع اي تعرض او حتى لفظ مفردة مشرك او شرك او البراءة منهم في ديار التوحيد وامام بيته العتيق بحجج واهية مثل عدم السماح للحج بالتسييس بينما امر البراءة من المشركين هو امر ديني اسلامي الاهي توحيدي عظيم الشأن والمنزلة وذكر في القرءان الكريم باعظم الذكر ولم يرد نسخا لحكمه الشريف ولارفعا لممارسته العظيمة في يوم الحج الاكبر ، فلماذا وماهو المبرر ؟، وماهي الدوافع والاسباب التي تدفع بحكومة الامراء السعودية بمساندة السلفية الوهابية الظلامية على منع التعرض للشرك والمشركين والبراءة منهم ومن ظلمهم كما امر الله سبحانه في كتابه العزيز وبلّغ به وصدع رسوله محمد ص العظيم ؟.
هل يوجد مثلا هناك صلة ما لاندركها نحن المسلمون بين عائلة الحكم السعودية الموجودة الان من جهة ، وجذور وانساب اؤلئك المشركين الذي يتبرأ منهم المسلمون اليوم وبجاهليتهم الجهلاء ودينهم الوثني الصنمي ... قبل بزوغ الاسلام ودين التوحيد وانتشاره يدفع هذه العائلة السعودية وبالتبع كوادر الموظفين الوهابيين لديهم للدفاع عن الشرك والمشركين والاستماتة من قبل ال سعود بعدم التعرض لشركهم ومن مات على ملتهم ووجوب الا يذكروا الا بكل خير وجميل اثناء في حج بيت الله العظيم ؟.
أم ان تلك الشعيرة الاسلامية العظيمة المسماة البراءة من المشركين وممارستها في يوم الحج الاكبر فيها من المعاني الغير مقيدة سياسيا ودينيا واجتماعيا وفكريا ثقافيا لابزمان ولابمكان هي التي تلقي الرعب في قلوب احفاد الشرك والمشركين والجاهلية والجاهلين اليوم في حكومة الامارة السعودية المسيطرة على اقدس مقدسات المسلمين بالسيف والارهاب والحديد والنار لمنع المسلمين على التعرّف لسرّ قوتهم العظيمة ومايختزنونه بشعائر حجهم من توحيد الكلمة ورفض الظلم والظالمين ؟.
نعم من ضمن المعاني المعروفة اسلاميا عن الشرك انه أصل لكل الظلم الكبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفردي ... الموجود بالامس وفي التاريخ واليوم في عالم الانسان والمسلمين بصورة عامة وخاصة وهذا احد معاني ظلم الشرك الكبير الذي على اساسه كان الاسلام في المقابل له دين التوحيد والعدل في المدرسة الاسلامية الجليلة صاحبة الرسالة الخاتمة للبشرية جمعاء والتي ترى ان كل ظلم في هذا العالم اصله الشرك بالله العلي القدير سواء كان هذا الشرك كبيرا كالشرك بالله والوثنية مع عبادته سبحانه مباشرة او كان صغيرا كظلم الانسان لنفسه بمعصية الله والحياد عن طاعته الرفيعة العالية ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم واصفا للشرك على لسان عبده الصالح الامين لقمان بالقول وهو يعظ ابنه :(( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لاتُشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ))ومن هذا لعله ترى المملكة السعودية ووعاظ سلاطينها المجرمين ان التعبير عن البراءة من الشرك والمشركين هو تعبيرا عن الاحتجاج والبراءة والرفض للظلم والظالمين ايضا مما دفعها وبكل ماتملك من سلطان وقوة وارهاب وقسوة لمنع التعرض للشرك والمشركين او البراءة منهم في يوم محفل المسلمين الاكبر والمقدس بين العالمين باعتبار ان أئمة الظلم في التاريخ وحتى اليوم هم اهل الشرك والمشركين وعليه وعلى هذا المعنى انبرى حكام السعودية للدفاع عن قادتهم من المشركين وزعاماتهم الروحيين في التاريخ وماضي السنين ولايلام ال سعود الحاكمين بالظلم والظالمين ان يفزعوالساداتهم وكبرائهم وقاداتهم ممن اسس للظلم بين العالمين وان يدافعوا عنهم ولايسمحوا لاهل الاسلام والتوحيد بالتعرض او البراءة من الشرك والمشركين !!!!.
إن المسلمين الشيعة وباعتبار ان رؤيتهم للاسلام انه حكومة ونظام وقانون لكل زمان ومكان في حياة المسلمين والناس اجمعين رأوا ان شعيرة البراءة من المشركين سارية المفعول القانوني في الاسلام الى يوم الدين ، وان هذه الشعيرة هي في اساسها تعبيرا لرفض ظلم الظالمين ومهما اختلف لونه السياسي او تغّير شكله الاقتصادي او الاجتماعي بين العالمين اولاورفض اصل الظلم في الشرك والمشركين في البراءة منهم في يوم حجهم الاكبر الذي انتبذهم اليه الله ورسوله كي يكون يوم حجهم الاكبر الذي يشهدوا فيه منافع لهم ويذكروا الله فيه كثيرا ثانيا ، فما الذي يضير حكومة ال سعود في براءة المسلمون من شرك الظالمين واصل الشرور على هذه الارض غير ان يكون هناك صلة شرك بين الحكومة السعودية واصل ظلم المشركين في وثنيتهم القديمة والجديدة هي التي تدفع هذه الحكومة بمنع الناس وعباد الله المتقين من البراءة من اسيادهم المشركين ؟؟.
هكذا بالامكان لنا ادراك وفهم لماذا حكومة ال سعود الوثنية لاتسمح بالبراءة من ابائهم الاولين من المشركين والجاهليين فيما مضى من حكم الجاهلين والذي قضى عليهم حكم الاسلام والمسلمين الموحدين والمتبرئين من الشرك والمشركين !!.
كما وبهذه الصيغة ندرك لماذا تتأزم الروح الشريرة للظالمين في حكومة الغدر الوهابيين من ذكر البراءة من المشركين لاسيما ان ادركنا ان البراءة من المشركين لها وجه عظيم اسلامي اخر في التاريخ وحتى اليوم عندما ارسل بها محمد رسول الله العظيم ص الى مكة بيد ابي بكر الصديق رض اولا ثم لينزل الوحي وجبرئل ليأمر بارسال علي بن ابي طالب ع ليبلّغ عن رسول الله ص البراءة من المشركين على اعتبار ان البراءة لايبلغها الا رسول الله ص او احد منه ومن نفسه ولحمه ودمه وليس من غيره من العالمين ، فمجرد اعادة احياء ذكر البراءة من المشركين من قبل المسلمين يذكّر العالمين بوصي رسول رب العالمين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي بلّغ البراءة ونصح للامة وكان عليها من الحافظين ، وعلي بن ابي طالب ع مجرد ذكره للوهابية المجرمين يشكل ازمة طاحنة لرؤوس المشركين والظالمين من الماضين وحتى الحاضرين !!!.
قال الله سبحانه ليربط بين الشرك والمشركين في عصر الجاهلين وبين الظلم والظالمين في عصر ال سعود والوهابيين في شعيرة البراءة من المشركين :(( يايها الذين ءامنوا لاتتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فأؤلئك هم الظالمون )) صدق الله العلي العظيم .
_____________________________
alshakerr@yahoo.com

(( تأملات حول المادة الثانية في الدستور العراقي : الاسلام دين الدولة !)) 2-2حميد الشاكر


هل للدولة ماهية وشخصية كي يُقال في المادة الثانية من دستور جمهورية العراق : الاسلام دين الدولة الرسمي ؟.
أم ان الدولة جهاز آلي لاروح له ولاشخصية ولااسم شأنه شأن اي جهاز اداري لخدمة المجتمع والدفاع عنه بحرفية وتقنية ليس الاّ ؟.
ثم كيف يُقال في الدستور ان دين الدولة الرسمي الاسلام بينما كان من المفروض ان تكون الدولة لمجتمعها جميعا بغض النظر عن اديانهم وقومياتهم وطوائفهم ولغاتهم المتنوعة ، فلماذا خصّ الاسلام من بين جميع الاديان ليكون دينا لدولة العراق الجديد ؟.
هل بسبب اكثرية ديانة الشعب العراقي مثلا الاسلامية اصبح دين الدولة هو الاسلام ؟.
أم ان للاسلام مميزات مختلفة موجودة في جوهره الفكري والعقدي هي التي رشحّت من الاسلام ليكون دين الدولة والمجتمع ؟.
بمعنى آخر لماذا لايُقال ان دين الدولة مثلا المسيحية في جمهورية العراق الجديد او يكون دين الدولة الصابئية كديانة معترف بها اسلاميا ولماذا فقط يحق ان يقال دين الدولة في جمهورية العراق اليوم هو الاسلام فحسب ؟.
طبعا توجد هناك اشكاليات اخرى مطروحة ثقافيا وفكريا وسياسيا على موضوعة ( الدين والدولة ) في العراق الجديد لكن ماذكرناه فيه غنىً عن غيره من الاشكاليات لاسيما ان كل هذا الذي طُرح حول اسلامية دين الدولة العراقية هو يهدف فقط لاسقاط مقولة ان للدولة دين اسمه الاسلام لاغير ، وعليه كان الجدل مع هكذا اشكاليات فكرية ليس من منطلق أقناع اصحاب الاشكاليات العلمنية على ديانة الدولة او عدمها بقدر ماهي شرح وجهة نظر في صلبها اسلامية للاجابة على : لماذا الاسلام دين الدولة الرسمي في دستور العراق الجديد ؟!.
نعم في الرؤية الاسلامية للدولة يرى الاسلام ان الدولة كيان اعتباري وقانوني حيّ ينطلق من حياة الناس ومشاعرهم ومشاكلهم وتوافقاتهم وافكارهم وعقائدهم ورؤاهم ..... وغير ذالك ليشكل هذا المجموع البشري الانساني الاجتماعي كله بحركته باحتكاكاته بمشاكله وبحلوله وبأمنه وعيشه واقتصاده دائرة عهد وموثق ورباط بين افراد المجتمع يتوافقون فيما بينهم لصناعة هيئة الحكم بعقد
يبرم تلقائيا فيما بينهم والبين الاخرلصناعة الدولة !!.
اي ان هيئة واعتبارية ووجود الدولة على راس الهرم الاجتماعي حسب الرؤية الاسلامية هو عبارة عن توافق وعقد اجتماعي من خلاله يكون للدولة شرعية ادارة المجتمع والدفاع عنه وحمايته والحكم والقضاء فيما ينشب بينه من احتكاكات واعتداءات وغير ذالك من تجاوزات حقوقية وقانونية !!.
وعلى هذا المنظور فالدولة ليس شيئا غريبا عن تركيبة الاجتماع الانساني وبعيدة عن روحه وافكاره وتطلعاته ليُقال بضرورة حيادية توجهات هذه الدولة او تلك في الاطروحات العلمنية ، كما ان الدولة وبهذا المنظور القانوني والاعتباري هي ليس جسما ميتا وآليا ليُطالب هذا الطرف او ذاك بوجوب سلخ الدولة عن اي هوية او مسمى يضاف لها ولوجودها الاعتباري لتكون دولة فقط من اجل الدولة ، بل الدولة هيئة اعتبارية اصلا انبثقت من عمق المجتمع وحسب توافقاته ومن خلال العقد المبرم فيما بينه وبين البعض الاخر منه اولا ، وفيما بينه ككل اجتماعي وبين هيئة الدولة باعتبار الدولة الطرف الاخر في هذا العقد مع المجتمع في الجانب الثاني ، كما إن الدولة ممثل عن المجتمع ايضا وهذا التمثيل بحد ذاته يهب الهوية والشخصية لاي دولة تريد ان تمارس تمثيلها بواقعية ومن خلال مايعكسه المجتمع على وجهها وداخل سياساتها وفي رؤى مخططاتها ومتبنياتها وغير ذالك ، فليس من المعقول على هذا الاساس ان تكون للدولة توجهات بعيدة عن توجهات مجتمعها داخل قاعدة الهرم ، كما انه ليس من المنطق السياسي ان تكون الدولة ملحدة وميتة وبلا دين او مسمى بينما مجتمعها وصاحب مشروعها والذي قام على صناعتها الا وهو المجتمع هيئة اجتماعية له دين ومعتقد واعتزاز واحترام بكينونته ولهو معلم وعلم وصفة اعتبارية تميزه عن باقي الامم والشعوب والاعراق وباقي التلونات الموجودة في هذا العالم وهذه الحياة !!!.
صحيح من جانب اخر ان الرؤية الاسلامية للدولة تكون اكثر حميمية وصلة بين الدولة والمجتمع منها عن الرؤية العلمنية القائمة على العقد الاجتماعي الغربي بحيث ترى ان للدولة مشروع بالاضافة لوظائفه السياسية والادارية والخدمية والعسكرية ...... هي كذالك صاحبت مشروع ( اي الدولة في الاسلام ) تربوي وقيمومة اخلاقية ابوية وتزكية وتطهير للمجتمع في قوله سبحانه :
(( كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم ءاياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون / 151/ البقرة )) !.
وهذا طبعا باعتبار ان النبوة في الاسلام تمثل راس القمة في الدولة ، وان للدولة مشروع ووظيفة في هذه الحياة اوسع بكثير من مجرد كونها جهاز خدمي قائم على عقد اقتصادي او قضائي او عسكري فقط !!.
وعلى هذا فإن فكرة ان تكون للدولة هوية وشخصية اعتبارية منعكسة تمثيليا لواقع وحركة وتطلعات المجتمع ..هي بالاضافة لكونها فكرة يفرضها المنطق السياسي والاجتماعي ايضا ، هي كذالك فكرة اسلامية ترتقي الى ابعد من كون العلاقة بين الدولة والمجتمع مجرد عقد اقتصادي الى كونها تمثل حالة العقد العقدي والاخلاقي والاجتماعي والانساني كذالك بين المجتمع والدولة ، أما من يحاول ان يوجد دولة ميتة وبلا روح وبلا هوية ولاشخصية ومنزوية كما نقرأه هذه الايام من دعوات تناضل من اجل صناعة الصنمية في الدولة وتسميتها باسم الدولة كي تكون هذه الدولة بلا مشاعر ولاافكار ولاتفاعل مع اي شيئ يختص بخصائص مجتمعها الانساني ، مثل هذه الدعوات ليست هي فقط دعوات فارغة من المضمون والرؤية فحسب بل انها دعوات تحاول ايضا ان تسلخ الدولة من تمثيل المجتمع فيها او انها متصلة بهذا المجتمع ومعبرة عنه وعقده بكل مافيه من تلاوين واشكاليات وتطلعات لتكون دولة وقمة جبل وراس هرم ولكن بلا قاعدة متصلة اجتماعيا بهذه الهيئة المسماة دولة !!.
وهذا اولا للاجابة على سؤال : هل للدولة ماهية وشخصية كي يُقال في المادة الثانية من دستور جمهورية العراق : الاسلام دين الدولة الرسمي ؟.
ثانيا : نعم لماذا قيل في دستور جمهورية العراق الجديد ان دين هذه الدولة الاسلام بينما المفروض ان تكون هذه الدولة لجميع مجتمعها بغض النظر عن اديانهم وطوائفهم وتوجهاتهم القومية او المذهبية ؟.
الحقيقة ليس لانه اكثرية الشعب العراقي من المسلمين وعلى هذا الاساس استحق الاسلام ان يكون دينا للدولة بصورة عامة ودين دولة العراق وفي دستوره بصورة خاصة من منطلق التمثيل الطبيعي لهذه الدولة لمجتمعها فحسب ، فهناك الكثير من الدول تكون اكثرية مجتمعها من دين معين لكن لايُقال ان دين الدولة هو المسيحية مثلا او اليهودبة !!.
صحيح اليهود في الارض الفلسطينية العربية الاسلامية المحتلة اليوم يحاولون انتزاع اعتراف اسم اليهودية لدولة الاحتلال الصهيونية لكنّ العالم يرفض رفضا مطلقا هذا المطلب اليهودي ليهودية دولة الصهاينة لاسباب جوهرية وفكرية وسياسية وعقدية ايضا من اهمها عدم صلاحية اليهودية لادارة الدولة ، وهذا ان دلّ على شيئ فانه يدلّ على انه ليس الاكثرية هي التي تصنع وتهيئ الدين ليكون هوية للدولة اي دولة ، وانما هناك البعد الذاتي لهذا الدين او ذالك من الاديان البشرية هي التي تكوّن القاعدة لهذا الدين ليصلح ان يكون صنوا للدولة او لايصلح مطلقا !!!.
بمعنى اكثر وضوحا وقربا من السؤال الانف الذكر نقول : ان الاسلام بذاته المرنة وباعتبار انه الدين الوحيد في هذا العالم الذي يعترف بجميع اديان البشرية ، والقابل لهم داخل دائرته العقدية والمعترف بوجودهم الديني والمقدس ، هذا الاسلام وهذا الدين هو بذاته يقبل داخل اطاره الشامل ان تتحرك جميع الاديان داخل دوائرهم الدينية بحرية ومرونة وبلا اي مشاكل تذكرفاليهودية داخل اطار الاسلام تتمتع باعتراف كامل بها وبحق الانسان اليهودي ان يمارس ديانته اليهودية داخل المجتمع الاسلامي بلا مشاكل ، وهكذا المسيحية داخل الاطار الاسلامي ايضا فهي ديانة مقدسة ومحترمة داخل اطار المجتمع الاسلامي ، وكلّ هذا مؤسس على اساس ان ذات الاسلام نفسها ذات محتضنة ومعترفة بهذه الاديان وبصلتها بالسماء وشرعية وجودها الديني في هذه الحياة وهذا بعكس اليهودية التي لاترى في الاخر الاسلامي الديني او غيره المسيحي اي شرعية عقدية دينية ، وهكذا المسيحية كدين لايرى في الاخر الاسلامي شرعية دينية مقدسة واجبة الاحترام والاعتراف بكينونتها الدينية الاسلامية الدينية ، وعلى هذا فعندما يقال دين الدولة اليهودي فبهذا نكون قد الغينا اولا مشروع الدولة الذي ينبغي ان يكون لكل المجتمع بالتساوي ، وثانيا هذا الدين لايعترف بالاخر فكيف سيكون الاخر مواطنا وله حقوق وشرعية معترف بها بينما دين دولته اليهودي لايعترف بوجوده كاخر محترم ومقدس بنفس منزلة دين الدولة الرسمي والقائم بالفعل ؟؟؟!.
وهكذا في الجانب الكنسي المسيحي اذا اردنا اضافته لمشروع الدولة وهو لايعترف بالاخر الانساني والعقدي فهنا نحن حتما سنصطدم بتناقض بين مشروع الدولة الذي يجب ان يكون لجميع مواطنيه ، وبين دين لايعترف بالشرعية الا لنفسها باعتبار انه المخلص في هذا العالم لاغير !!!.
وهذا كما يرى القارئ مختلف تماما عندما يقال دين الدولة الاسلام ، فالاسلام في ذاته مركب تركيبة دولة حضارية تتسع لجميع تلاوين واطياف الديانات الانسانية الاخرى ، وليس له اشكالية وجودية مع الاخر حتى وان اختلف بالراي والمعتقد معه ، فمع إن الاسلام لايقرّ للاخر امتلاكه للحقيقة ، ولكن مع ذالك اقرّ للاخر حقوق اختياره في هذه الحياة وحقوق تمتعه بممارسة قناعاته العقدية ، وحقوق بقائه في الحياة على هذا الاختيار ....الخ ، ومن هنا عندما نقول دولة ينبغي ان تكون لجميع مواطنيها فسوف لن نقع في تناقض ان اظفنا الى هذه الدولة اسم الاسلام لنقولد دين الدولة الاسلام ، لان الاسلام نفسه هو ايضا لكل البشرية وليس فحسب للمسلمين لاغير ، ومثلما ان الاسلام يحافظ على حقوق المسلمين داخل اطاره فهو ايضا حافظ على حقوق غير المسلمين في داخله ايضا !!.
وبهذا نعلم ان جوهرية الاسلام المختلفة عن باقي الاديان والمسميات الدينية هي التي اولا : اهلّت الاسلام كي يكون انسجاما مع مشروع ووظائف الدولة في هذه الحياة ، وثانيا هي التي اسقطت اشكاليات اسألة لماذا لاتكون المسيحية مثلا او اليهودية دينا للدولة كذالك ، وثالثا : هي التي حطمت وهم ان الاسلام دين للمسلمين وحدهم ولهذا ماذنب غير المسلمين داخل دولة الاسلام ان يخضعوا لدولة اسلامية ، وهذا من منطلق ذِكرنا وشرِحنا الدائم ان الاسلام جاء للبشرية جمعاء وليس للمسلمين وحدهم ولهذا هو الدين الشامل الذي يعترف بجميع الاديان حتى وان لم تعترف به باقي الاديان كدين خاتم وهو مع ذالك لم يسعى لفرض اسلامه مطلقا على الاخرين او اجبارهم على اعتناقه كحقيقة مطلقة !!
ورابعا : هو الدين الوحيد الذي لايعيق لامن مشروع الدولة في هذه الحياة ولافي نظرتها لجميع مواطنيها بالتساوي وبالعدل المطلق !!.
إن من اهم المميزات التي جعلت من الاسلام دينا للدولة والمجتمع والفرد بنفس الوقت واللحظة وبدون اي تناقض او ازدواجية او تصادم بين الدولة والدين ، إنه دين العدل على هذه الارض قبل ان يكون دين العبادة والمعتقد وامتلاك الحقيقة المطلقة !!.
اي ان القرءان عندما يقول :(( ان الدين عند الله الاسلام )) فكأنما يريد ان يوحي ان الاسلان اعلى من الدين نفسه وما الاديان المتعددة في هذا العالم وخصوصياتها المحدودة الا انهر متعددة لبحر الاسلام العظيم الذي جاء رحمة للعالمين كل العالمين ، ولهذا عندما يقال اسلام يُقال لجميع البشر بلا استثناء ، وعندما نريد فهم اسلام لجميع البشر فلابد ان نلاحظ الجنبة العامة وليست الخاصة في دين الاسلام المختصة بالمسلمين فحسب ، وعلى هذا طرح الاسلام جنبته البشرية العامة المتمثلة (( بالعدالة )) كي يكون الاسلام دين العدالة البشرية اولا واخرا التي هي قانون البشرية العام داخل الاسلام الذي شمل بغطاءه المسلمين وغير المسلمين بهذا الدين العظيم وبهذا القانون العادل !!.
بمعنى اخر اكثر وضوحا للفكرة : إن مفهوم العدالة الذي تميزت به المدرسة الاسلامية الالهية العقدية عن باقي المدارس والافكار الدينية وغير الدينية هو المفهوم العام في الحكومة الاسلامية الذي هيئ الاسلام كي يكون صنوا للدولة ومساعدا لها في ادارتها ووظيفتها بهذه الحياة الانسانية ، وهو المفهوم الذي طرحه الاسلام وحده على اساس انه هو الغاية العظمى والهدف الاسمى من بعثة الرسل وانزال الكتب المقدسة لعالم الانسان هذا مع غاية وهدف معرفة الله وعبادته ايضا حيث يقول سبحانه وتعالى :
(( لقد ارسلنا رسُلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ../ 25 / الحديد )) .
فقيام الناس بالقسط والعدل حسب المفاهيم الاسلامية هي الغاية الاعلى والهدف الاسمى من ارسال رسل للبشر وانزال كتب مقدسة لهم من السماء كقوانين لتنظيم حياتهم وادارة شأنهم العام ، والعدل حسب هذا المفهوم الاسلامي قانون انساني شامل لاينظر للانسان وموقعه من المعتقد او الطبقة او المرتبة او غير ذالك ، وانما هو القانون الذي يشمل جميع الناس لمجرد انسانيتهم ولايفرق بين انسان وانسان حتى وان اختلف هذا الانسان بانه مسلم والاخر بانه على غير ملة ودين ، ولمثل هذا قال الله سبحانه وتعالى مخاطبا بالذات المؤمنين به والمسلمين بالخصوص :
(( يأيها الذين ءامنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولايجرمّنكم شنئان قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى وأتقوا الله إن الله خبير بماتعملون / 8 / المائدة )).
وبمثل هذا بنى الاسلام الضمانات الكاملة لجميع مواطنيه وبلا ادنى تمييز بينهم وبين غيرهم من باقي الطوائف والاديان والاتجاهات ان يتمتعوا اولا بجميع حقوقهم الفكرية وممارساتهم الاجتماعية الاسلامية او غير الاسلامية من جهة ، وان يكون المسلم وغير المسلم امام قانون العدالة على قدم المساواة في دولة العدالة الاسلامية ، بل غير المسلم يعامل بقانون العدل فقط داخل دولة الاسلام ، بينما يُعامل المسلم داخل هذه الدولة بالعدل من جهة وبالدين والتزاماته الاخلاقية الاسلامية من جانب اخر !!.
نعم لم يوجد دين في هذه الحياة يرى في الالتزام بالعدالة مع الاخر عبادة وتقوى لله سبحانه وتعالى غير الاسلام في هذه الارض !!.
كما انه لاتوجد مدرسة فكرية ولاايدلوجيا فلسفية نظّرت للعدل ونشره والالتزام به وجعله دين البشرية الاسلامي الاخر كالمدرسة الاسلامية الخاتمة هذه بحيث نظرت لجميع البشرية على اساس نوعهم الانساني وان العدالة حقهم الطبيعي داخل اطار الاسلام ودولته التي لو قامت بحق لكان غير المسلم اسعد بعدالتها من المسلم نفسه !!.
ومن اجل هذا كان الاسلام دين دولة العراق الجديد ، ليس لانه دين الاكثرية من الشعب العراقي فحسب وانه واجهة تمثيل لدولة العراقيين اليوم ، بل وكذالك لان الاسلام مهيئ ذاتيا ليقوم مع الدولة بوظائفها الانسانية ، ولانه ضمانة حقيقية لعدم انحراف الدولة عن العدل بين الرعية ، ولانه دين الانسان بصورة عامة قبل ان يكون دين المسلمين فحسب ليُقال ظلمت باقي الاديان والطوائف تحت ضلّ الاسلام وديانته الوارفة !!.
إذن : المشرّع العراقي عندما صاغ المادة الثانية من دستورنا العراقي والتي تقول :(( الاسلام دين الدولة الرسمي )) فانه كان على وعي تام بالفلسفة التي تقف وراء كون الاسلام صالحا ليكون روح الدولة واسمها الطبيعي ، وانه الدين الجامع لجميع البشر العراقيين بغض النظر عن اختلاف اديانهم وتوجهاتهم العقدية ، وهكذا وعي مشرّعنا الدستوري المحترم عندما اكد ان اي قانون يسنّ ضد الاسلام او ضد ثابت من ثوابته الدينية هو خروج على روح العدالة التي يمثلها الاسلام وروح المجتمع العراقي وروح القسط والرشد العقلي الانساني الذي يمنع اي خروج على احكام تضمن العدل والقسط من جهة وتضمن الرقي والتساوي والتقدم في المجتمع من جانب اخر!.
______________________
alshakerr@yahoo.com

(( تأملات حول المادة الثانية في الدستور العراقي : الاسلام دين الدولة !)) 1-2حميد الشاكر


لاريب ان مشرّع المادة الثانية من الدستور العراقي المحترم كان على وعي تام بماهية قول : ان يكون دين الدولة او للدولة هوية وشخصية اعتبارية هي الاسلام العظيم !، فمنذ غزو ثقافة التغريب لعقولنا العراقية على يد بعض الحركات العلموية السياسية التي أُدخلت للعراق تحت مسميات مشاريع استعمارية عالمية وحتى اليوم خضع الانسان العراقي لعملية انسلاخ كاملة من ارضية ثقافته العراقية والعربية والاسلامية المحلية تماما حتى اصبح مجرد ثقافة بلاجذور وايدلوجيا بلا ارض تقف عليها مما سبب وبصورة تلقائية لهذا الانسان العراقي الحديث نوعا من الشزفرينية الثقافية او نوعا من الازدواجية الفكرية التي حلّقت مع ثقافة تغريبه في بدايات القرن العشرين المنصرم بصورة حادة من التطرف قُبالة كل ماهو موروث وسلوك وتقاليد وعادات وثقافات عراقية وعربية واسلامية محلية ، ومنها طبعا موضوعة (صلة الدولة بالدين وصلة الاسلام بهوية النظام السياسي بصورة شاملة ) حتى بدى وكأن الانسان العراقي يعيش حياتين مختلفتين تماما ومتناقضتين بالمطلق في حياته اليومية وهما :
الاولى:الحياة الثقافية والفكرية التي تشبّع بها عقل الانسان العراقي فيما مضى وآمن بكل تصوراتها التي هي بالاساس استعمارية غربية غريبة على واقعه كالشيوعية والعلموية اليبرالية والوجودية ....الخ !.
والثانية : حياته الواقعية الاجتماعية التقليدية الوراثية الاسرية والنفسية التي تخضع لمنظومة ثقافية وتربوية مختلفة تماما عن كل ماهو ثقافي غربي غريب على البيئة العراقية !.
ومن هنا كان لبعض المصطلحات التي استخدمها علي الوردي وغيره من كتّاب الاجتماع العراقي الحديث بصورة منكوسة مثل ( الازدواجية في شخصية الفرد العراقي ) وغيرها انعكاسها الطبيعي لما ذكرناه في حياة الانسان العراقي وكيف انه خضع للعيش بين حياتين متناقضتين الاولى فكرية والثانية تربوية واقعية تقليدية وغير ذالك ، لكن الفرق بين رؤيتنا ورؤية الاجتماعي علي الوردي ان ازدواجيته كانت منصبة على الجانب الديني بينما الازدواجية التي نشير لها فهي فكرية ثقافية علموية دخلت على خط حياة الانسان العراقي مع استعمار الجيوش والافكار الغربية والتغريبية لوطننا العراق فيما مضى من ازمان ليؤمن بها وبتفوقها وببريقها الغربي الاخاذ للابصار وضرورة ان تسود الحياة كلها بصورة متطرفة من جهة ، مع بقاء كل ماتبقى لهذا الانسان العراقي من سلوك وقوانين وتربية وتقاليد واعراف وممارسات ومناهج تدريس وطقوس....الخ منشدّة ومرتبطة بكل حزم الى واقع هذا الانسان العراقي المحلي الى النهاية ، فانفجر صاعق الصراع والازدواجية في حياة هذا الانسان البائس والمسكين بين ثقافته وحياته العملية !!!.
نعم في حقبة انسياق الانسان العراقي مع المستورد الغربي الثقافي الذي ادخلته حركات التطرف الايدلوجية للعراق طُرح على ساحة الثقافة العراقية وامام فضائها العقلي والفكري عدة اشكاليات تستهدف بشكل مباشر قضية الدولة والدين بالذات باعتبارها اشكالية او قضية إن حُسمت فيها المعركة مع عقلية الانسان العراقي لصالح المشروع الغربي الاستعماري فسيكون الانتصار ساحقا لهجمة غزو الثقافة الغربية المستوردة للعراق وللعالمين العربي والاسلامي ابّان حقب الاستعمار العسكري الحديثة لهذه الاوطان العربية والاسلامية وبما فيها العراق طبعاومن هنا طُرح فيما مضى ثقافيا عدة اشكاليات فكرية ولم تزل هي هي نفس الاشكاليات الايدلوجية التي تعتمد عليها تلك الحركات العراقية التغريبية الثقافية في مسألة الدولة والدين هذه الايام ايضا مع فارق ان في الماضي كانت آلة الاستعمار العسكرية مساندة بشكل مباشر فكر التغريب العلموي الغربي بينما اليوم وبعد ان طردت آلة الاستعمار العسكرية من هذه البلدان بشكل ظاهري بقيت الفكرة مع مساندة سياسية ضاغطة من البعيد الغربي تناضل من موقعها الثقافي لاغير على امل ان تعيد التوازن لفكرة التغريب تلك على حساب نمو ونهضة ثقافة العراق العربية والاسلامية والمحلية الانتاج والنشأة والصناعة !!!.
إن من اهم الاشكاليات التغريبية التي طُرحت على الساحة العراقية ولم تزل حتى اليوم هي إشكالية العلاقة بين الدين والدولة ولاسيما منها فكرة ( فصل الدين عن الدولة ) باعتبارها الاسّ الذي تقوم عليه فكرة التغريب الاستعمارية الثقافية القديمة والجديدة ايضا والتي يُراد لها ان تكون هي الاسطوانة التي تتحكم بثقافة الانسان العراقي بصورة خاصة والانسان العربي والاسلامي بصورة عامة في هذه الموضوعة بالذات !!.
وفي الحقيقة ان فكرة ( فصل الدين عن الدولة ) هي منتج ثقافي غربي بامتياز يعبّر بصورة مباشرة عن فاعليات الصراع الطبيعية التي قامت في المجتمعات الغربية بين دين الكنيسة الكهنوتي الظلامي والمتحجر والرجعي بامتياز وبين العقلية الفلسفية العلمية الغربية المادية الصناعية المتطلعة الى روح الانتاج والابداع والتقدم والتطور في هذه الحياة البشرية المعاشة في حقب القرون الوسطى وماتلاها ، ومن هنا فعندما يقدّم العقل الثقافي الغربي موضوعة ( فصل الدين عن الدولة ) باعتبارها المخلص الحقيقي لشعوب العالم البشرية قاطبة فانه يعبّر بشكل حيّ وصارخ وصريح عن ما عاناه هذا العقل الغربي من صراع مع الكنيسة واللاهوت والدين من جهة ، ويعبر ايضا عن واقعه الذي عايشه بمرارة قاسية جدا من تجربة دمج الكنيسة مع الدولة وتحالف هذا الدين الرجعي مع الاقطاع وقوى التخلف والظلم السياسية ابّان حياة الظلام الغربية الماضية كلها ليس الا من جانب اخر ، وما انتجه هذا الدمج السياسي بين الدين الكنسي والدولة من انعكاسات سلبية على حياة المجتمع الغربي السياسية والاقتصادية والعلمية والتطورية والانفتاحية وغير ذالك ايضا ، ويكفي بهذا الصدد ذكر ان الكنيسة فيما مضى وباعتبارها دين الدولة المسيحية الرسمي والمسيطر على شؤونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية انذاك كانت هي السبب المباشر بكل الاغلال التي كانت تعتقل الحياة الغربية من الانطلاق والتطور والعيش بانسانية في هذه الحياة ومن هنا كان قرار فصل الدين عن الدولة في العالم الغربي ككل من احكم وانبل واشجع وانهض القرارات الانسانية العالية القيمة التي وفرّت الارضية السياسية لانطلاق الفرد والمجتمع الغربي من ظلمة الكنيسة وكهنوتها الديني الرجعي الى نور العلم والتقدم والصناعة والقوة والشعور بالحرية والانسانية !!!.
لكنّ هذا الواقع الديني الكنسي الغربي مع الدولة وكيفية انعكاسات الدمج السلبية بينهما هو واقع مختلف بدرجة مئة بالمئة عن واقع تجربة الاسلام مع الدولة في الشرق وفي عالمنا العربي العام ومن ثم العراقي الخاص ، والاسلام هو في صورته الجوهرية كدين هو اول من نظّر وقبل الغربيين انفسهم الى كون الديانة الكنسية هي مجرد اغلال وقيود ومعتقلات لاتصلح لادارة حياة المجتمع فضلا عن تدخل هذه الكنيسة بشؤون الدولة ومحاولة السيطرة عليها واعاقة مشروعها النهضوي والتقدمي في هذه الحياة ، وبهذه الصورة ايضا طرح الاسلام نفسه على اساس انه مخلص ومحرّر للانسان الغربي بصورة خاصة والانسان بصورة عامة من اغلال وقيود كنيسته الظلامية في هذه الحياة ومن كل الاغلال والقيود الاخرى التي تغلّ حركة البشر والانسان من الانطلاق الى فضائها التقدمي في هذه الحياة ،وعلى هذا قال الله سبحانه وتعالى قبل اربعة عشر قرنا من الزمان في محكم كتابه الكريم العظيم مقررا حقيقة اغلال الكنيسة والكهنوت وتحرير الاسلام والدين والرسالة الخاتمة للبشر ية جمعاء من هذه الاغلال قوله :
(( الذين يتبّعون النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ..../ 157، الاعراف )) .
اي ان الاسلام جاء ليضع الاغلال وثقلها عن كاهل الانسان المثقل بإصر وقيود الانجيل كقانون كنسي يعيق نهضة وتطّور الانسان المؤمن به ، وكذا جاء الاسلام كثورة تحرير لهذا الانسان من معتقلات التوراة ككتاب مقدس لدى اليهود لايصلح ابدا لسياسة العباد في هذه الحياة باعتباره كتاب جاء لحقبة بدائية في التاريخ عندما كانت القبيلة هي نواة المجتمع الجامعة وليس كالآن عندما اصبحت الدولة هي جامعة الشعوب والامم داخل اطارها الحضاري !!!.
ومن هذه الرؤية الاسلامية للاسلام نفسه ( حقيقةً ) لم يشعر الانسان المسلم ولافي يوم من الايام ان الاسلام يحمل في داخله اي اغلال وقيود على حركته الانسانية المتطورة داخل المجتمع بل كان دوما الانسان داخل الدين الاسلامي يشعر ان هذا الاسلام هو اكبر ثورة انزلت للبشرية من السماء كي تكون له عونا للتمرد ضد اي حالة ظلم سياسية او حالة جمود وتخلف دينية وحتى ان كانت تتسمى بالاسلامية والاسلام منها براء كالحركات الرجعية السلفية اوحالة اهانة متعمدة لحقوق الانسان وكرامته والعدالة في حياته الاجتماعية العامة ، ولهذا ومنذ ايمان الانسان العراقي والعربي والاسلامي بهذا الاسلام حتى اليوم لم يشعر الانسان العراقي بضعف وانتشار ظلم وتخلّف في حياته الا عندما ( فصلت الدولة عن الاسلام ) فصلا قسريا استعماريا وعادت عقارب الساعة فيه الى الجاهلية في قرونها الحديثة الجارية اليوم باسم العلمانية المفروضة عليه فرضا استبداديا لاغير ، مما دفع تصورا واضحا لدى اي انسان عراقي مسلم ان في إسلامه سرٌّ لقوته وتطوره في هذه الحياة ، وان في اسلامه سرُّاقتداره وحريته وثوريته على الاغلال والمعتقلات والتخلف في هذه الحياة ، وهذا طبعا بعكس التصور لدى الانسان الغربي نحو دينه وبالنقيض منه عندما شعر ان سرّ تقدمه وتطوره وكرامته كأنسان عندما يطيح بالكنيسة ودينها وكهنوتها صاحب الاغلال والتخلف والظلامية والانحدار في هذه الحياة !!.
وهنا هنا فحسب يدرك القارئ الفارق الشاسع بين نظرة الانسان العراقي الى اسلامه كدين يقود الحياة والدولة والمجتمع ، وبين رؤية ونظرة الانسان الاوربي والغربي للدين باعتبار تجربته مع الكنيسة وكيف انه وباء واغلال وتخلف وضد العلم ويجب عزله عن الحياة والدولة وادارة المجتمع !!.
إنّ هذه هي الحقيقة التي تجعلنا ندرك كقرّاء جيدين لتاريخ العالم الغربي من جهة وتاريخ العالم الاسلامي من جانب اخر كيفية ان قرار ( فصل الدين عن الدولة ) في العالم الغربي كان قرارا اجتماعيا حرّا ولم يكن قرارا سياسيا قسريا من الاساس باعتبار ان الفرد الانساني الغربي وصل الى قناعة بان دينه ومقدسه لايصلح ان يكون مديرا لحياته الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية ولهذا قرر المجتمع الغربي اولا وكل المجتمع الغربي بضرورة فصل الدين عن الدولة وعن الحياة وعن المجتمع ودفعه للانزواء بعيدا في حياة الفرد الشخصية ليجعل الايمان الديني حرية فردية لاتتصل باي حال من الاحوال بحياة المجتمع او بحياة الدولة والسياسة ، ليضمن هذا الانسان الغربي في المقابل تطور حياته ونمو حريته واستقرار كرامته بعيدا عن اغلال الكنيسة واستهتارها اللااخلاقي بكل ماهو داخل الحياة الانسانية الطبيعية !!!!.
أمّا فيما جرى في عالمنا العربي والاسلامي وقبلها العراقي في موضوعة ( فصل الدين عن الدولة ) فهو شيئ بالنقيض تماما لما حصل في العالم الغربي تماما حيث فصل الاسلام عن الدولة في ديارنا الاسلامية بقوة السلاح والاستعمار اولا ، ثم بعدم رغبة المجتمع الاسلامي كله بهذا الفصل ثانيامما جعل قرار فصل الاسلام كدين عن الدولة خطوة سياسية قسرية رجعية كانت بالضد من رغبة الامة وتطلعاتها ونظرتها لاسلامها العظيم ، وهذا مايكشف لنا جميعا لماذا فشل مشروع ( فصل الدين عن الدولة ) في عالمنا الاسلامي بصورة رهيبة جدا بينما نجح في العالم الغربي الكنسي بصورة كبيرة جدا !!.
نعم ان قرار اي فصل بين الدين والدولة اذا لم يكن من خلال قناعة اجتماعية وميثاق وعهد وايمان جماهيري بهذا الفصل فمن الطبيعي جدا ان لاتساهم هذه الامة باي مشروع للتقدم والنهضة اذا كانت تشعر ان اختيارها وحريتها قد تصادرت بشكل مستفز من قبل فرض نموذج فصل الدين عن الدولة في حياتها التي ترى في هذا الدين الضمانة الحقيقية لحريتها وكرامتها وعدالة مشروعها السياسي في هذه الحياة !!.
إن الانسان العراقي المسلم كان ولم يزل يرى في دينه واسلامه مشروعا تحرريا ثوريا تقدميا علميا في هذه الحياة ، ولم ينظر له كمقدس ولا لاصحابه وقادته الثوريين الرساليين ابتداءا بالعظيم الرسول محمد ص ومرورا بعلي بن ابي طالب وحتى الحسين بن علي ثائرَ الحرية والعدالة الانسانية والاسلامية لم ينظر لمثل هذا المشروع ولايوما من الايام على اساس انه اغلال ليتبرأ منه ويطالب فيما بعد بعزله عن حياته وحياة مجتمعه العراقي كما ان هذا الانسان لم ينظر لدينه ولايوما من الايام على اساس انه مصنع لانتاج الدكتاتوريات السياسية وفقدان العدالة الاجتماعية وحبال السحب الرجعية الى الخلف كالكنيسة والكهنوت والتوراتيين العنصريين القبليين القتلة ...ليطالب بفصل الدين عن الدولة ثم ليفرض عليه فيما بعد النموذج الغربي المستورد ثقافيا عبر البحار ولُيقال له ان حياة امتك لاتتطور الا اذا فصلنا الدين عن السياسة والدولة بسبب ان هذا الدين هو المعيق الحقيقي لنهضتك ؟!!!.
كلا بالطبع : بل على العكس من ذالك تماما فلم يزل الانسان العراقي يرى في دينه انه الضمانة السياسية الوحيدة في حياته التي تقيد من اي حالة ظلم سياسية تريد ان تمارسها الدولة ضد حياته السياسية ومن هنا هو ومن خلال التجربة التاريخية له والتي مارستها امته فعلا في واقع الحياة التاريخية يرى ان الاسلام قانونَ عدالةٍ ومساواةٍ في حياته المعيشية بل ان الاسلام ميزان ومقياس وقانون من خلاله يقيس الانسان العراقي مدى التزام هذا الحاكم وهذا النظام السياسي وهذه الدولة بموازين العدالة والتقدم او الميل للظلم والتطرف باعتبار ان الاسلام قانونا ومقياسا ومقدسا اعلى للالتزام بالعدالة ، ولهذا يرى الانسان العراقي ان فقدان اسلامه عن الحياة السياسية بالذات وعن روح الدولة بالخصوص هو اهم سبب من اسباب انتشار الظلم واندحار العدالة والمساواة ، بل اكثر من ذالك اليوم الانسان العراقي بصورة عامة هو صاحب مشروع ( دمج الدولة بالدين الاسلامي ) باعتباره الدمج الذي يوفرّ ارضية العدالة السياسية ويدفع بالمجتمع نحو النهضة والتطور والثورية والتقدمية والتكاتف والوحدة الى الامام !!.
فكيف بعد هذه الرؤية كلها بين الانسان العراقي والاسلام يُطالب هذا الفرد بالانسلاخ عن دينه والانتماء والايمان بفكرة فصل الدين عن الدولة الغربية والتغريبية والغريبة بالاساس عنه وعن ثقافته واسلامه ودينه وأن يعتقد رغم انفه ان هذا الفصل هو الضمان الطريق او الطريق الوحيد لنيل هذا الانسان عدالته وحريته وتقدمه وتطوره !!!!؟.
كل هذا كان حاضرا في دماغ المشرّع العراقي الجديد عندما اشار الى ان :(( الاسلام دين الدولة الرسمي )) من منطلق ادراك هذا المشرّع الفارق الكبير بين :
اولا : بين الاسلام كدين نهضة ودولة والكنيسة الغربية كدين رجعية وتخلف !.
وثانيا : بين الاسلام كرؤية تحرر من اغلال وبين كنيسة غربية تعزز من روح الاغلال !.
وثالثا : بين الاسلام كادارة ناجحة مع الدولة للمجتمع من خلال التجربة ، وبين دين كنيسة تدمج مع الدولة فينفجر الفشل حتى في كينونتها الفردية كدين شخصي للاافراد !.
ورابعا : بين ان للدولة روح ومعنوية واعتبارية بالمفهوم الاسلامي للعراقيين وبين رؤية علمنية ترى ان الدولة جهاز ميت لايملك روحا ولاعنوانا ولااسما ولارسما !!.
وهذه النقطة الرابعة ماسوف نبدأ بنقاشه في الحلقة التالية مع نقاش مجموعة من الاسألة الاخرى حول الدين والدولة في الاسلام !.
_____________________________
alshakerr@yahoo.com