الأربعاء، سبتمبر 14، 2011

(( الفوضوية ثقافة سياسية شيوعية اصيلة في العراق )) حميد الشاكر


عندما تقرأ للحقبة الملكية في العراق وتطلع على وجهات نظر الساسة العراقيين انذاك من نوري سعيد باشا ، وحتى توفيق السويدي في الشأن العراقي السياسي بصورة عامة فحتما انك ستواجه مصطلح (الفوضوية) وهو يتردد على اكثر من لسان من ألسنة الساسةالعراقيين انذاك وفي كتاباتهم ايضا التي ارخت لمذكراتهم الشخصية من جهةوارخت لحقب تاريخية مخصوصة من تاريخ السياسة العراقية الحديثة من جانب آخر !!.

الفوضويةمصطلح سياسي كثيرا ماكان يشير به ساسةالعراق الاوائل والمؤسسين لهذه الدولة العراقيةمابعدالاحتلال البريطاني الى حركة اليساروالشيوعية العراقية التي تأسست في العشرينات من تاريخ العراق الحديث ونمت وترعرت وتصادمت مع الدولة العراقية في الاربعينات ، وهللت لانقلاب الجنرال قاسم (رحمه الله) بعد التهليل لانقلاب الكيلاني في الخمسينات وتحالفت مع البعث وحكمه في السبعينات وانقرضت في الثمانينات من القرن المنصرم !!.

اما ماهي الفوضوية التي كان يصف بها رجال العهد الملكي السياسي في العراق اليسار والشيوعية العراقية ؟.
وماهي الانعكاسات الثقافية التي تركتها هذه الفوضوية على استقرار العراق شعبا ودولة ؟.
ولماذا كان يُوصف الشيوعيون بالفوضوية من قبل حكماء السياسة في العراق ؟.
وعلى اي اساس ، بنى رجال الفكر السياسي العراقي رؤيتهم للفوضوية والحاقها بالثقافة والفكر الشيوعي العراقي ؟..... الخ .

فكل هذابحاجة الى اجوبة تحتاج الى فضاءاوسع من هكذا مقالات مختصرة نكتبها نحن اليوم لطرح حرف او مفردة من موضوع امام القارئ العراقي المحترم !.

نعم بالامكان ان نجيب فقط على سؤالين باختصار لحصر الصورة وطرح الفكرة حول : لماذا وصفت الشيوعية واليسارفي العراق على انها فكرة وثقافة فوضوية في المصطلحات السياسية ؟.
وماهي التأثيرات السلبية على الثقافةالمجتمعية العراقية الكارثية التي تسببت بها هذه الفوضوية حتى صنعت ، وانبتت الدكتاتوريةلعراق مابعد الانقراض الشيوعي وصعود نجم الدكتاتورية البعثية على انقاضها ؟.

وطبعا الغاية من طرحناهذا لموضوعةالفوضويةالسياسية هي كي يتخلص الشعب العراقي افرادا وجماعات من هذا الوباء الثقافي والسياسي الفوضوي الذي خلفته لهم ثقافة اليسارالعراقي ولم تزل بقايا هذه الفوضوية ضاربت الاطناب مع الاسف داخل مخيلة الثقافة العراقية السياسية ، والتي كلما اراد الشعب العراقي النهوض لبناء الدولة والديمقراطيةواحترام القانون كلما عاودت الفوضوية الاطلال برأسها من جديد لتدمر الحرية باسم الفوضوية ، وليجد نفسه ، الشعب العراقي في نهاية المطاف واقعا ، اومضطرا للمطالبة والهتاف للدكتاتورية والدكتاتور لتخليصه من جحيم الفوضى والفوضوية السياسية المهلكة !!.

في البدء لابد ان يدرك القارئ الكريم ماهية الرؤية اليسارية الشيوعية العالمية بصورة عامة والعراقية بصورة خاصة حول الدولة ونشأتها والاسباب التي تقف خلف قيام الدولة ، ووظائف هذه الدولة.... ليدرك من ثم لماذا كان ساسة العراق في القديم وحتى اليوم ينظرون للشيوعية العراقية على اساس انهاثقافة فوضوية مدمرة ومهشمة للوجود الاجتماعي المتماسك سياسيا ، وبأختصار نقول :

تختلف الرؤية الماركسية الشيوعيةعن قريناتها من الرؤى الفكرية ولاسيما منها الرؤية الاسلامية في قضية الدولة ومشروعها ونشأتها ووظيفتها وغير ذالك !.

فبينما ( مثلا ) تنظر الرؤية الاسلامية ، التي يطرحها امثال الفيلسوف محمد باقر الصدر في كتيبه المسمى (لاسلام يقود الحياة) حول الدولة ليصل الى اطروحة ان الدولة هي ظاهرة اجتماعية اصيلة في البناء المجتمعي الانساني وانها من بنات افكار الانبياء والرسل في التاريخ ، وحتى اليوم وان اول من بنى وانشأ مؤسسة ومشروع الدولة داخل المجتمع تاريخيا ، هو الوحي الالهي والرسل الكرام عليهم السلام وان وظيفتها جاءت لتصل الانسان بربه من جانب ولتكون القاضي النزيه والحاكم المعتدل ، الذي يحكم بين الناس بالعدل ليرسي قواعد المساواة القانونية بين البشر .....الخ !!.

نجدفي الجانب الماركسي الشيوعي الاخررؤية غايةفي التناقض والتناشز الفكرية والسياسية لهذه الرؤية الاسلامية حول الدولة ومشروعها ووظائفها وكيف نشأت وعلى اي اساس بنيت !!.

نعم مفهوم الدولة كما يطرحه ( لينين ) في مقاله للموسوعة الفلسفية المختصرة وعلى اساس الرؤية الماركسية الشيوعية ، لهذه الدولة : ان الدولة كيان طارئ على المجتمعية الانسانيةوان ليس لها من الاصالة في الوجود الاجتماعي الا على اساس الكذبة التي صنعتها اليد الطبقية الراسمالية السارقة لتكون اداة من ادوات القمع والنهب والسرقة لطبقة العاملين لاغير !!.
وعلى هذاالاساس يعرّف لينين الدولة:بانها لجنة من الطبقة الحاكمة لقهر الطبقة الدنيا ؟.
اما وظيفة الدولةودورها في الحياة الاجتماعيةفماهي في الفكرالشيوعي الا عائق حقيقي للتطور البروليتاري الثوري البشري الذي يحاول فقط الحفاظ على مصالح الطبقة الرجعية الراسمالية !!.
وحول مستقبل الدولة ((في الرؤية الشيوعية الماركسية)) التي تنظر للدولة على اساس انها اداة قمع فحسب ، فان الزوال والاختفاء مصير محتوم للدولة على يد الثورية البروليتارية التي ان قامت فلا تحتاج للدولة ومؤسساتها ابدا !!.

ومن هذه الرؤيةالطوباويةاستشف المفكرون والسياسيون في العالم بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة : ان الفكرة الشيوعية الماركسية هي رؤية طوباوية فوضويةتحاول الاطاحةبالاستقرارالاجتماعي الذي توفره الدولةاينما وجدت لتطرح بعض الافكاراللاعلمية ، واللاواقعية باسم المجتمع الثوري البروليتاري الشيوعي الذي يقوم وليس فيه اي سلطة او قانون اعلى ينظم ويحكم ويفصل بين المجتمع وتدافعاته الطبيعية الانسانية !!.
ومن هذه الرؤية ايضا نظر المفكر والسياسي العراقي للفكر اليساري الشيوعي الذي وفد للعراق على اساس انه فكر وثقافة وممارسة فوضوية لاتنسجم مع فكرة النظام والسلطة والدولة والقانون والمجتمع السياسي المنسجم !!.

اما الاثار الفكرية والثقافية والسياسية المدمرة لمثل هكذا فكر فوضوي ، فلاريب ان اي مجتمع ، او فرد لايؤمن بالدولة ، ويرى فيها انها مجرد لجنة من السرّاق والخونة وانهاقائمة فقط في سبيل خنقه ، واعاقة تطوره ووصوله الى مجتمعه الاشتراكي الملائكي العظيم ، وانه لايمكن له ان يرى في الدولة انها وجدت من اجله وان مشروعه منفصل عن مشروع الدولة ، وان الدولة كيان غير اصيل في المجتمع وبالامكان الاطاحة به والاستغناء عنه....الخ ، فكل هذه الافكار وغيرها ثقافيا وسياسيا لابد ان تترك اثارا سلوكية ، واخلاقية مدمرة على استقرارالفرد والجماعة في اي مجتمع كان ولابد ايضا ان من ضمن سلبيات هكذا فكر فوضوي انه يخلق فردا او جماعة غيرمنسجمة اجتماعيا وانعزالية وعدوانية بشكل رهيب على معادلة استقرار المجتمع الذي تمثله الدولة ، فهذا الفرد وتلك الجماعة بعد ان عُبأت فكرياوسياسيا بكل هذا الفكر المناهض للدولة فحتما انه سوف لن يكون هناك اي نوع من التعاون والانسجام البنّاء بين الدولة والمجتمع وهذا فضلا ان هذه الجماعة ستبقى معارضة الى الدولة باعتبارها دولة لاغير ، والى مشروعها داخل المجتمع الى مالانهاية مما يضطر الدولة من الجانب الاخر وحماية للمجتمع وفكره وسلوكه واخلاقه ...من قمع هذه النزعات الفوضوية التي تحاول المساس بوظائف ووجود الدولة داخل اي مجتمع !!.
نعم في النهاية ومن ضمن اعمق سلبيات هذه الفوضى الفكرية والسياسية التي تخلقها هكذا ايدلوجيات مدمرة لاستقرار المجتمع ونموه وتطوره هي ما سوف تقوم به هذه الفوضوية من خلق ودفع للدولة لانتهاج الدكتاتورية وانتاجها كحل وحيد بامكانه ان يتعامل مع الفكر والفلسفة الفوضوية الماركسية والشيوعية !!.

فالدولة على اي حال ان رأت تطورا لمثل هذا الفكر المعارض لوجود الدولة والداعي للنقد والتهديم من اجل النقد والتهديم فحسب ستجد نفسها مضطرا لمغادرة كل مشاريعها في ارساء العدل واقامة القانون والالتفات للاعمار والبناء المجتمعي ، وللتفرغ من ثمّ لمعالجة هذا الفكر الذي يحاول نسف وجود الدولة من الاساس ولتنتهج مضطرة سياسة القمع والدكتاتورية والاستئصال كي تحافظ على هيبتها ووجودها داخل المجتمع ، وبهذا يكون الفكر الفوضوي هو من انتج الدكتاتورية بالقطع ولم يكن من وظائف او مشاريع الدولة الطبيعية ان تكون قائمة على العنف والدكتاتورية ، وهذا مع الاسف هو اخطر ما انتجه الفكر الفوضوي الشيوعي السياسي في العراق والذي لم يزل ينشط عندما تحاول الدولة اعطاء الحرية للمجتمع ليستغل الحرية في اسقاط الدولة ولايستقر الا عندما تتحول الدولة الى دكتاتور يحكم بالحديد والنار عندئذ ترجع الفوضوية راسها لتختبئ محافظة على راسها من الانشطار على حساب امة كاملة ستفقد حريتها وكرامتها ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم !!.



http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com