الخميس، يناير 07، 2010

(( طهرّوا العراق من رجس أم الخبائث ... دعوة لسنّ قوانين تجرّم الخمر ))


في يوم من ايام 1919 ميلادية اصدرت المحكمة الدستورية الامريكية تعديلا حول تجارة الخمور وصناعتها جاء مفاده : (تجريم تجارة الخمور وصناعتها في الولايات المتحدة الامريكية )، وكان ذالك بعد تمهيد اعلامي امريكي دام اكثر من خمسين سنة لاسباب اخلاقية واجتماعية !!.
فشلت تجربة القانون الامريكية في سنة 1933م وتم الغاء قانون تجريم الخمر في الولايات المتحدة الامريكية لاسباب رأسمالية تجارية في المقام الرئيس ولاسباب اخلاقية ايضا ومايتعلق بتركيبة المجتمع الامريكي الهشة اجتماعيا مما أطاح بتجربة تطهير هذا المجتمع من رجس أم الخبائث (حسب المصطلح الاسلامي ) ،ولترتفع من ثم الجريمة في هذا الوطن بصورة مرعبة حقا حتى وصول الاجتماع الامريكي الى اعلى نسبة محكومين في السجون العالمية ليس بسبب السياسة طبعا بل بسبب الجريمة ودوافعها التي تقف المخدرات والخمور ورائها في الطابور الاول !!.
لكنّ عندما نطالب ( ياترى ) لتطهير مجتمع اسلامي تقليدي اخلاقي كالمجتمع العراقي من رجس أم الخبائث الخمر هذه وندعوا المشرّع القانوني العراقي للتفكير الجّاد بسنّ القوانين التي تجرّم صناعة وتعاطي وتجارة ...الخمور والترويج لها اعلاميا داخل العراق فهل ستنتهي هذه الدعوة وهذا المطلب الى الفشل كما حصل بالضبط للتجربة الامريكية للقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ؟.
أم ان مثل الاجتماع والوطن العراقي هناك عدّة عوامل اخلاقية ودينية واجتماعية وصحية تدعمه بمشروع التطهير هذا وحتى اقتصادية تختلف تماما عن تناقضات الاجتماع الامريكي وهي ماتدعم وترشّح نجاح اي محاولة لتطهير المجتمع من نجاسة أم الخبائث تلك ، ونجاح فاعلية قوانينها بصورة تلقائية وبدون خمسين سنة اعلامية لتهيئة الارضية لنجاح مشروع حظر تداول الخمور والتجارة بها وصناعتها أو الترويج اعلاميا لسوقها وارباحها داخل العراق ؟.
في دول عربية واسلامية كثيرة مثل الخليج العربي الكويت والسعودية ....الخ قوانين الحظر على صناعة الخمور والاتجار بها ولدت مع ولادة هذه الدول العربية والاسلامية على ارض الواقع البشري ، ولم يزل بالخصوص النموذج الكويتي لقربه من العراق مثل دعوتنا في خصوصية حظر الخمور وبناء الخمارات والمقاصف الليلية والاتجار بها او صناعتها وتحريم كل ذالك او تجريمه باللغة القانونية من ضمن القوانين الراقية جدا في المجتمع الكويتي التي حافظت كثيرا على نقاء هذا المجتمع وانفتاح تجربته النظيفة اجتماعيا على العالم مما تدفع هذه التجربة الصغيرة في حجمها والكبيرة في معناها انطباعا اوليا ان محاولة تطهير مثل هذه المجتمعات العربية والاسلامية من رجس أم الخبائث هذه هو ليس بالامر المستحيل او الصعب او الذي يتحتم عليها الفشل كما حصل في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر ومابعده لاسيما ان من مميزات هذه المجتمعات العربية والاسلامية ومن ضمنها العراق بشعبه الاخلاقي التقليدي المحافظ ان الله سبحانه انعم عليها بمقدس ديني اسلامي هو من الاساس يدعم اي مشروع لتطهير وتنقية المجتمع من النجاسات والخبائث اللاخلاقية ودوافع الجرائم ومبرراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية ... وغير ذالك !!.

وعلى هذا الاساس وبغض النظر ان مجتمعنا العراقي هو من الجذور قابل لفكرة تطهير المجتمع من رذائل الخمور ومفاسدها ، ومهيئ نفسيا وروحيا ودينيا للترحيب باي احكام قانونية تنسجم مع روح الشريعة الاسلامية واخلاقياتها السامية نقول بغض النظر عن ذالك فأن موضوعة الخمور وماتسببه من انتكاسات صحية على الفرد والمجتمع ، وماتصنعه من مشاكل اسرية وتدمير كامل لنواة الطفولة ان قدر لهذه الافة ان تهيمن على الاب في الاسرة او الام مما يخلق وطبيعيا طفولة قابلة بالتربية للانحراف السلوكي وكذا ما يخلقه هذا الخبث من ظواهر اجتماعية تزري بالكرامة الانسانية وما تشيعه من فاحشة وجريمة والغاء كامل لضرورات المحافظة على عقل الانسان وتفوقه وسلامته وسحق تام لادمية الانسان ...الخ كل ذالك عوامل وظواهر ومؤشرات بل وحقائق تحتم على دولة كالدولة العراقية ومجتمع كالمجتمع العراقي ان يطالب وبقوةّ واليوم وليس غدا بضرورة سنّ التشريعات القانونية التي تجرّم الخمور والاتجار بها وتعاطيها بشكل عام ، او الترويج الاعلامي لها ، او استيرادها او صناعتها في داخل الوطن العراقي ففي ذالك وكما يعلم الجميع بالبداهة تطهير لهذا المجتمع من اخطر آفة عدوانية ادخلها الاستعمار الغربي عليه بشكلها الجديد الذي خلط بين ماهو حضاري وماهو خبث ونجاسة اجتماعية حتى اصبح الكثير من ابناء مجتمعنا (مع الاسف) ينظر للمقاصف الليلية وممارسة ارتياد اماكن بيع الخمور ، والمتاجرة فيها وتعاطيها كانها من الامور الطبيعية في مجتمع اسلامي يحرّم الاسلام فيه الخمور وعربي واخلاقي وتقليدي كالعراق !!.
نعم باسم طفولة عراقية كي تعيش حياة تربوية صحية بعيدا عن رائحة وجنون ونجاسة ام الخبائث هذه وهي تغزو بيوتنا وتدمرهابكل قسوة وعنف كما تدّمر قيمنا الاسرية وتوازننا السلوكي الاجتماعي ، وباسم الانسان العراقي الذي يحاول الجميع منّا اعادة الجسم السليم له والعقل السليم لذاكرته ، وباسم صناعة ظواهر اجتماعية ليس فيها مترنح في اخر الليل او ملقى على الطريق كميت والمارة تعبر جسده كجثة منتنة الكلّ يبتعد عن نجاستهااو كمجرم يفقد انسانيته مع تناول اول جرعة كحولية تحوّل الانسان الى حيوان هائج ومفترس وباسم المرأة العراقية التي يقع عليها العبئ الاعظم من خبث ونجاسة وعنف هذه الخمور التي يحتسيها الرجال عادة في مجتمعنا العراقي لتتحمل النساء كل اجرام ام الخبائث هذه وانعكاساتها الاخلاقية الاسرية التدميرية الخطيرة على المراة العراقية في هذا المجتمع .... باسم العراق النظيف ندعوا لسنّ قوانين تجرّم الخمور وتمنع تداولها او الاتجار بها او الاعلان والترويج لموادها السامة القاتلة !!.

(( ثقافة نقد السلطة وفلسفة ممارسة الحكم في العراق الجديد ))


ماعمرُ ظاهرة نقد السلطة ومعارضة الدولة في وطن كالوطن العراقي وعند شعب حضاري وجمهور فسيفسائي متنوع يملك من العمر الآف السنين المتطاولة ؟.
ثم ماعمر ثقافة ممارسة السلطة لهذا الوطن وعند هذا الجمهور العراقي ليرى نفسه صانعا ومنتجا للسلطة والدولة وليس مستهلكا لها ومعتصرا حياتها وطالبا لازهاق انفاسها ؟.
سوف لن اذهب بعيدا غائرا في التاريخ عندما خُلقت اول قرية اجتماعية بشرية في جامو الشمالية العراقية قبل اكثر من عشرة الاف سنة عندما اكتشف الانسان عملية تدجين الحيوان منزليا وزراعة الارض ،ولا ارجع بمتوالية هندسية لسبعة الاف سنة عندما اتضحت رؤية ظاهرة السلطة والدولة ، في مقابل الشعب والمجتمع في ممالك اور ، او سومر ، او مابعد ذالك لاكتشف علاقة الدولة مع المجتمع العراقي وما انبثق منها من ظواهر جدلية وكيف تبلورت رؤية المجتمع العراقي للسلطة والدولة وكيف كانت ردّة فعل الدولة والسلطة على هذا العنف الاجتماعي والسياسي المتبادل !!.
لكنّ دعوني ابدأ منذ الف واربعمائة عام منذ بزوغ شمس الاسلام العظيم على هذا العالم بصورة عامة ،وعلى الوطن العراقي ، بصورة خاصة لأتحسس نوع العلاقة الناشئة مابين الدولة والسلطة في الاسلام ومنذ فجره ،ومابين الشعب والجمهور العراقي منذ ان تلاقى مع الدول والسُلط السياسية التي تشكلت في ظلّ الاسلام ، وتبعا له فيما بعد حتى يوم الناس الحاضر لاسأل: هل كانت الدولة والسلطة في ظلّ الاسلام وفي يوم من الايام صديقة ومحبة ،وعادلة مع هذا الشعب العراقي الذي يمتد عمره لفجر السلالة الادمية البشرية العاقلة على هذه الارض ليكوّن حول الدولة والسلطة رؤية ايجابية ؟.
أم ان الشعب والجمهور العراقي في هذا الوطن الجغرافي قد تلاقى مع دُول الاسلام ، التي ورثت دول الحضارات القديمة في هذا الوطن العراقي بعلاقة اقلّ مايقال عنها ان الشعب العراقي حاول تقويم العلاقة مع الدولة ، والسياسة ، وطبقة الحكم فيها ، لكن دون جدوى وكلما حاول الشعب العراقي الالتفاف والتعبير عن نفسه بسلمية داخل السلطة والدولة ، كلما ابتُلي بطغاة وفراعنة يحاولون ترويض العراقيين للعبودية وليس لأدارة المجتمع بالسياسة والتنمية والاصلاح لهم ولمداركهم المعيشية الدينية والدنيوية ؟؟.
الحقيقة ان الشعب العراقي بجغرافيته هذه من الشعوب التي كانت فيه مركزية الدولة ، وقوّة بطشها تمثل منزلة الروح من الجسد وتُعبّر عن ظاهرة تاريخية تراكمية طبيعية لاسيما ان هناك عدة عوامل سياسية واخرى اقتصادية ومنها ايضا الجغرافية والشئ الاخير اجتماعية تجعل من المركزية للدولة وضرورة قوتها في بلد كالعراق وجغرافيته وموقعه وماله من ثقل تاريخي..... امر لامناص منه في بقعة جغرافية وتاريخيا كانت ممرا لحروب متنقلة وفتوحات وتوسعات امبراطورية تاريخية وحتى اليوم لاترى لها سلطان ، وسلطة على الدنيا كلها اذا لم تطأ ارض العراق وتهيمن على الشعب والجمهور فيه وتحكمه بقبضة من حديد وكل هذا على اساس انه ارض يمثل اولا واخيرا ارض معركة قبل ان يكون هذا الوطن ارض جمهور وعمران وبناء وحضارة واستقرار.... ولهذا كان ولم يزل العراق مرهونا وجوديا سياسيا بوجود قوّة الدولة ومركزيتها الحتمية الشديدة من جرّاء مايتعرض له هذا الوطن الحيوي من اطماع خارجية من جهة ،ومن ما ينعكس عليه في الداخل من مؤامرات تحاول اضعافه من الداخل مما يدفع الدولة والسلطة وطبقة الحكم فيه دائما الى ضرورة اليقضة ، والحذر والاشتباه والشك ....في كل فرد من افراد هذا الشعب ، والجمهور العراقي في داخل هذا الوطن باعتبار انهم عرضة طبيعية للاختراق الخارجي ، ونواة لايمكن الركون سياسيا لهدوئها من هنا او هناك !!.
وهكذا كانت للعوامل الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية ... وكل ذالك مدخلية مباشرة في صياغة نوع العلاقة واشكالياتها بين الدولة والسلطة والحكم في العراق وبين الجمهور والشعب داخل هذا الوطن ، واذا اضفنا لكل تلك العوامل الطبيعية عامل تسلط الطغاة على مدى قرون متواصلة على هذا الجمهورفحتما اننا سنصل الى نتيجة مركبة ومعقدة مفادها(ان الشعب العراقي وفي تاريخه الطويل لم يمارس الحياة مع السلطة والدولة الا بشكلها المتصادم والمتشنج والمناهض دوما للدولة ومسارات حكمها التي في معظم الاحيان تكون خادمة لطبقة الحكم في هذا الوطن على حساب مصلحة الشعب وامكانية التعبير عن نفسه داخل الدولة )!. وعلى اساس هذه النتيجة نكون قد وقفنا وجها لوجه أمام جواب سؤال ماعمرُ ظاهرة نقد السلطة ومعارضة الدولة في وطن كالوطن العراقي وعند شعب حضاري وجمهور فسيفسائي متنوع ومعقد ومتضارب المصالح يملك من العمر الآف السنين المتطاولة من جهة ؟.
ومن جهة اخرى نكون قد اشرنا الى انه : لماذا تتوتر هذه العلاقة تلقائيا وما اسباب ذالك وكيف ان للجغرافية ايضا وللموقع التاريخي كذالك مدخلية في فرض معادلة مركزية الدولة والسلطة القوية في بلد كالعراق وضرورتها الحتمية من جانب وما لهذه الحتمية الطبيعية من انعكاسات سلبية تلقائية على العلاقة بالمجتمع العراقي الذي كلما حاول ان يعبر عن نفسه سياسيا بحريةكلما اصطدم بجدار مركزية الدولة القوية وعدم تمكنها من التنازل قليلا عن هيمنتها السياسية والامنيةليتنفس المجتمع الحرية خوفا من انفلات الوضع وتهافت بنيانه من الداخل من الجانب الاخر ،مما يجعل عملية الشدّ والجذب بصورة مستمرة وديناميكية بين الجمهور العراقي ، والسلطة القائمة امرا فيه شبه كبير من عملية الحالة الطبيعية جدا في قوانين الحكم والادارة اولا(صناعة الادارة اي الدولة عندما تريد ان تدير المجتمع بغض النظر عن رؤية المجتمع لكيفية الادارة الصالحة ) اكثر منه محكوم بقانون الصراع بين السلطة والمجتمع ثانيا !!.
نعم ثقافة نقد السلطة ومعارضة الدولة في مجتمع كالمجتمع العراقي ظاهرة لم تولد قبل الف او الفي سنة فحسب ، بل انها ثقافة فرضتها الجغرافية السياسية العراقية والتاريخية منذ فجر التاريخ على هذا الوطن ، لتعمق من تجذرها سياسة الطغيان والاستبداد ....ثم تطورت الى شكل طبيعي لتتحول في كثير من مفاصل التاريخ الحديث الى عملية ادمان تصل الى حدّ الفوضوية المطلقة بحيث ان حركة سياسية فوضوية حديثة (مثلا) كالحركة الشيوعية العالمية ، عندما وصلت الى ثقافة الجمهور العراقي وهو يعيش اقصى الوان الضغط السياسي للدولة في محاولتها لترويضه على العيش في الحياة النظامية السياسية الجديدة بعد اندحار الامبراطورية العثمانية وقيام الدولة الملكية في العراق الحديث ، تلك الحركة السياسية وعلى الرغم من اختلافها الجذري اخلاقيا ومعتقديا وذوقيا واجتماعيا ....مع وجود الشعب العراقي لكنها استطاعت ان تستهوي بفوضويتها السياسية الثورية ، ودعوتها للتمرد على السلطة ،ومعارضة الدولة كل كيان الشعب العراقي ووجوده من منطلق : (( ان هذه الحركة قد لامست بُعدا ثقافيا متجّذرا داخل تركيبة المجتمع العراقي السياسية التي ترى ان الدولة والسلطة ماهي الاخلطة اسمنتية ومنذ قديم الازل اُريد منها ان تحكمه بالقهر والعنف وتخنق من حريته وحركته وتطوره لاغير)) وعلى هذا الاساس فعندما أتت دعوة تنادي بالثورة على الدولة ، والتخلص من السلطة ، وتدمير طبقة الحكم في العراق فقد صادفت استعدادا فطريا سياسيا تحمله جينات الانسان العراقي تاريخيا ضد ثقافة مشروعية الدولة وانسانية السلطة وقانونية الحكم التي ومنذ القدم لم يكن معها الجمهور العراقي على توافق حميم يذكرلاسيما ما عاناه الاجتماع العراقي من دول الجور وسياسة الطغيان والتفرعن وحكومات القتل والعنف والطائفية ..فكان ان تحوّل كل العراق الى شيوعية ليعبر من خلال فوضويتها ومناهضتها للسلطة والدولة عن مكامن روحه الثقافية المكبوتة من قبل قوّة مركزية الدولة واخذ السلطة له بالشدة في الادارة والحكم !!.
ان مثل هذه الظاهرة العراقية السياسية ، وبعد ان تيقنا ان فلسفة نقد السلطة في المجتمع العراقي قد عجنت عجنا مع جيناته الثقافية لترتقي الى مستوى الادمان التاريخي الذي من الصعب التخلص منه بسهولة تستطيع(هذه الظاهرة)خلق كارثة اجتماعية عراقية واحدة لاغير ، وهي كارثة تتجسد بحالة صراع ولادة سؤال ، يريد ان يقلب المعادلة التاريخية الاجتماعية العراقية الثقافية السياسية رأسا على عقب في يومنا الحالي وهو : بعد ان تمكن الاجتماع العراقي السياسي ولالآف من السنين اتقان مهنة فن نقد السلطة والتمرد ومعارضة الدولة والتخطيط لاسقاطها وتدميرها ....، فهل ياترى بامكان هذا الشعب والجمهور العراقي ان قدّر له القدر ان يعيد صياغة معادلة الحكم في العراق (ديمقراطيا ) من ممارسة السلطة وانتاجها والرؤية لها بايجابية بدلا من نقدها ومحاولة تدميرها لاغير ؟.
أم ان حالة الادمان الثقافية التاريخية في ممارسة نقد السلطة ، ومحاولة التمرد على الدولة ،أعجزت هذا الانسان تماما من رؤية نفسه في موقع ممارسة السلطة وصناعة الدولة وانتاج الحكم بدلا من تدميره فحسب ؟.
بمعنى اخر: اننا عندما ابرزنا ظاهرة نقد السلطة في وعي ، وثقافة الاجتماع العراقي واعطيناها تلك الابعاد التاريخية والسياسية لم نشأ القول :ان هذا الفعل السياسي الثقافي العراقي هو نتيجة غريزة غير واعية كان ولم يزل يمارسها الشعب العراقي كأدمان ليس له هدف وغاية ومعنى في هذه الحياة ، الا نقد السلطة من اجل النقد ، ومعارضة الدولة من اجل المعارضة ، والنقمة على طبقة الحكم من اجل النقمة ليس الاّ !!.
لا بل ذكرنا ان هناك عدّة عوامل ( تاريخية جغرافية سياسية اقتصادية ،ومن ثم اجتماعية ) فرضت علاقة متوترة بين الاجتماع العراقي التائق دوما للتعبير عن ذاته سياسيا بحرية ، وبين جهاز الدولة والسلطة وطبقة الحكم فيها التي مرّة يطغى عليها التفرعن والاستبداد ومرّة تجد نفسها مضطرة لاستخدام العنف لادارة وتنظيم المجتمع من جديد ، هي تلك الاسباب التي تفرض استمرارية النقد للسلطة والدولة من جانب الجمهور العراقي وانحراف الدولة والحكم من جانب طبقة الحكم في العراق منذ نشأته حتى اليوم وعلى هذا الاساس فنحن عندما نتساءل عن امكانية هذا الجمهور لممارسة السلطة والتعبير عن ذاته سياسيا وبحرية ، فنحن نتسائل عن امكانيته الثقافية في الانتقال من طابور المعارضة للدولة والنقد للسلطة ، الى طابور ممارسة السلطة وتوطيد اركان الدولة والمشاركة في الحكم ؟!.
والحقيقة انه ليس بالشئ البسيط ابدا الطلب من مجتمع كالمجتمع العراقي اليوم ، ان ينتقل بعزاله التاريخي الثقافي الثقيل من بيت النقد والتمرد ، والطعن بالدولة ، والسلطة والحكم والذي عاش فيه تحت الارض لاكثر من سبعة الاف سنة يتفنن فيها على :كيفية كراهية السلطة ورسم ابشع الصور الفنية لوجهها القبيح ، وفجأة تنقله الى بيت ، او قصر الحكم وممارسة السلطة ، والاقتران وحب الدولة بسهولة وبلا مقدمات غير مقدمات :ان الديمقراطية السياسية الحديثة قد سمحت له ان يكون حاكما بدلا من ان يكون محكوما مقهورا خائفا وتابعا ومهددا من قبل الدولة التي كانت تصنعها عصابة في ليلة مظلمة بينما اليوم يُراد له هو(الانسان العراقي) ان يصنع الدولة والحكم والادارة والسلطة !!!!.
نعم صعب على الشعب العراقي الذي اُتخم بثقافة عدم شرعية الدولة القائمةواستبداد طبقة الحكم فيها ، واجرامية المنتمين لها وصّناعها والمديرين لمشاريعها....الخ ان ينتقل هكذا وبين ليلة وضحاها من كونه من ضمن الرعية المساقين بالسيف والقوّة الى المخترعين للسيف والصانعين للسلطة والادارة والقوّة هو بنفسه وليس غيره !!.
وصعب جدا على شعب كالشعب العراقي ان يفهم قوانين اللعبة السياسية الجديدة بسهولة لاسيما معرفته لكيفية اعادة صياغة المعادلة بين سلطة كانت تحكمه ويناهضها الى سلطة هو يحكم من خلالها وعليها ان تحكم الاخرين وتدير شؤونهم وتتعامل مع رغباتهم المتنافرة وارائهم المتضاربة وميولهم التي تصنع كل ماهو معيق لحركة السلطة والدولة وانسيابية دورها ونجاحها في هذه الحياة !!.
ان السلطة والدولة في قاموس الانسان العراقي الاصيل هي النمروذ اولا وهي الفرعون وهي صاحب السيف وهي قاتلة الحسين وجميع الابرار معه ، وهي صاحبة القلب القاسي ، وهي القائمة على الحرب وهي صدام حسين المجرم وهي الحجاج وهي ....الخ ، كل هذا الكمّ الهائل من الظلام هو يعني السلطة والدولة والحكم في اجندات ودفاتر ذاكرة الشعب العراقي اليوم ، وسلطة ودولة وحكم بهذه البشاعة من المنظر من الصعب ان يتصالح معها الشعب العراقي بسهولة اولا وثقافيا كي يتمكن من ممارستها والابداع في صناعتها ثانيا وبلا ان يضطر ان يفهم الحقيقة التي سوف تصطدمه فيما بعد عندما يكتشف زورا انه لابد ان يكون ظالما ليعيش حياة الظالمين داخل الدولة والسلطة والحكم كما كان يفهمها ويستوعبها ويتربى عليها اجتماعيا !!.
والواقع ان هذه الثقافة السلبية تجاه الدولة والسلطة والحكم في ثقافة الانسان العراقي بغض النظر انها واقعية وحقيقة او انها تراكمية وتاريخية ، الا انها خلقت وصنعت في المقابل انسانا اقل مايُقال عنه انه انسان غير مستعد اجتماعيا لقبول زعزعة رسوخه الثقافي حول حقيقة وجوهر الدولة والسلطة والحكم ، ليغير ثوابته بسرعة ليرى الدولة والسلطة والحكم بعين مختلفة وايجابية !!.
وحتى لوقدّر لهذا الانسان ان يحكم فانه سوف لن يدرك صيغة حكم غير الحكم الاستبدادي والسلطة المستبدة والدولة غيرالعادلة لانه لم يثقف على نموذج آخر من الدول ، والسُلط ، والحكومات او يمارسها بالفعل ، ليجعل من ضمن ثقافته السياسية مفردات من قبيل : دولة القانون ودولة الانبياء موسى ومحمد ص وسلطة العادلين علي بن ابي طالب ع وحكومة الراشدين من عباد الله المتقين ....الخ لتكون لديه على الاقلّ كفة متوازنة تجاه رؤيته للدولة اليوم وللسلطة وللحكم في العراق ، ولهذا فلا استغراب عندما نرى موجة النقد اللاذعة للدولة وهيجان النار الثقافية التي تريد ان تطيح بالحكم وتدمّر السلطة على رؤوس اصحابها ، فمثل هذه الثقافة حتى في عراق جديد يحاول ان يصيغ المعادلة السياسية لتكون بصالح الشعب العراقي ، هي ثقافة طبيعية لايمكن التخلص منها الا عندما يضخ ثقافيا الجانب الثقافي الاخر من وجه الدولة والسلطة والحكم الذي تكون فيه الدولة هي ليس يزيد ابن معاوية ، بل انها الحسين بن علي ع وتكون السلطة هي ليس وحشٌ رابض على تلّ عالية من الارض متوثبا في كل لحظة لينقض على العراقيين ليأكلهم ، بل هي مؤسسة خدمية تحاول ادارة شأنهم العام وتنفذ مشاريع القانون عليهم بالتساوي وهكذا الحكم عندما يتحوّل ثقافيا اولا قبل ان يكون ممارسة فعلية من كونه اداة قمع وتفرعن وفئه وتعنصر وطائفية ...الى كونه مجال تعبير لشعب ينتخب الاصلح من ابنائه ليقدمه لصناعة الحكم وانتاجه بدلا من استهلاكه وجعله مزرعة تفريخ دواجن تنزل بيضا من ذهب على اناس ولتحرم اناس اخرين من الخبز !!.
اننا كعراقيين اليوم نمارس تجربة حكم جديدة ،وهي بالفعل جديدة علينا بكل المقاييس أمام تحدٍ شعبي اجتماعي جماهيري قبل ان يكون تحد سياسي لطبقة حكم او هياكل دولة او طوابير سلط حزبية منتظرة دورها للمشاركة في الحكم وصناعة السلطة ، بل ان الجمهور العراقي كصانع حقيقي للعراق الجديد عليه ان يعي مسؤوليته الانية في العراق الجديد ، وإن نجاح هذه التجربة وفشلها غير مرهون في الحقيقة بكفاءة كوادره السياسية ، بقدر ارتهانها لانتقاله كجمهور برؤيته للدولة والحكم والسلطة ، من كونها مؤسسات يجب القضاء عليها في ثقافته الماضية التاريخية الى مؤسسات تستحق التضحية من اجل الحفاظ عليها ، وبنائها والمشاركة بمسؤولية وحب في نهضتها باعتبار ان ماهيتها السياسية قد تغيرت تجاه الشعب والوطن والجمهور العراقي ، فعلى الشعب ايضا ان يغير من رؤيته لها ويدرك انه اليوم من صناعها وليس من الساعين لتدميرها ،وكل هذا لايتم من خلال الشعر ورصف القصائد واستغلال عواطف وهيجان مشاعر الشعب ضد السلطة وثقافته التاريخية المعروفة تجاه كل ماهو سلطوي بل بالاقلام الفلسفية السياسية العراقية التي تستطيع طرح ثقافة صناعة السلطة الجماهيرية اليوم بدلا من طرح القديم من الثقافات الفوضوية التي ادمنت ثقافة كيفية نقد السلطة لاغير وتدمير الدولة فحسب ، والنظر للحكم على اساس انه شبكة عصابة راسمالية تحاول صناعة الشرعية لسرقاتها فصنعت الحكم داخل المجتمع !!.
نعم ان الفلاسفة والمفكرين هم من يعبدّون الطريق للشعوب والامم لتعبر عليه من ضفة الى ضفة اخرى ، وعلى فلاسفة العراق الجديد ومفكريه وكتّابه ان يرسموا ملامح الطريق الذي ينقل المجتمع العراقي ثقافيا من ثقافة نقد السلطة وكراهية الدولة والاشمئزاز من الحكم فقط لاغير الى ثقافة كيفية صناعة السلطة والمشاركة في الحكم والدفاع عن الدولة وممارستها بكل قوانين القوة والهيبة فيها بلا تحفظ من استخدام ما استطعتم من قوة من اجل النهوض بها وتحقيق خطواتها والوصول الى الاهداف السامية لبناء حضارة عراقية يكون فيها الفرد العراقي قائدا ورائدا بدلا من ان يكون دائما تابعا وسلبيا وعاجزا وخائر القوى والتفكير والابداع !!!.

الحسين وحديث حول الصراع والطائفية وعبدالله الرضيع !


كنّا ذاهبين الى احياء مراسم عاشوراء الحسينية انا وزميلي ابو محمد عندما التفت اليّ قائلا : ليس في الاسلام ضعف هذه الايام سوى الصراع الطائفي وهذا سُني وآخر شيعي !!.
وحتى المتعلمنين والملاحدة من اهل اليسار ، والمتلبرلين ايضا ، لم يجدوا سلاحا يطعنون به الطرح الاسلامي وكفائته لقيادة الحياة غير حديثهم عن المحاصصة ، والصراع السني الشيعي ، وان الاسلام يحيي مفردات التمزق المذهبي لاي شعب فماهو رايك بالموضوع ؟.
وكيف من جانب ، وفي احاديثك كلها تطرح ان الاسلام قوة ، وتوّحد لهذه الامة ومن جانب اخر انت ترى بالفعل ان في داخل الاسلام توجهات وطوائف ومذاهب وملل ونحل واجتهادات مختلفة ربما تكون هي الاساس لحالة الصراع اليوم ؟.
قلت : هل قرأت او سمعت ايها المحترم عن الديالكتيك في الماركسية الشيوعية ؟.
قال : نعم ولكن لم افهم كل مايعنيه الديالكتيك وماعلاقته بموضوعنا الاسلامي ؟.
قلت : اولا معنى الديالكتيك هو عملية الصراع والجدل التناقضي ،وثانيا كان هدف فكرة الصراع او الديالكتيك داخل الاطروحة الشيوعية هو : ان تكون نواة فكرة التطوّر داخل هذه الاطروحةبمعنى ان الاطروحة الماركسية عندما ارادت ان تفلسف عملية التطور الداخلي في منظومتها الفكرية طرحت مفردة ( الديالكتيك ) لتكون هي الدينمو الذي يحرك العملية برمتها ويدفعها نحو التطور والتقدم ولهذا قيل ان المجتمع يحمل في داخله عملية صراعه الذي توفر له ديمومة الحركة والاندفاع نحو التغيير !!.
هذا مايخص الديالكتيك ، أما مايخص علاقة الديالكتيك بموضوعنا الاسلامي فلانني اعلم ان اصحاب الطرح الذي يحاول النيل وتشويه صوره الاسلام اليوم وطرحه القيادي لحياتنا الاسلامية فكريا وثقافيا هم انفسهم من ينتمون للطرح الفاشل الماركسي الشيوعي الذي افلس من كل شئ ولم يبقى لديه سوى العمل على تدمير حياة هذه الامة عمالة للمستعمر الغربي الجديد ولهذا كان قصدي واضحا بالربط بين افكار اليسار المشوّه العراقي وبين موضوعة الصراع داخل الاسلام لاتحدث لك ولغيرك عن ان اصحاب مشروع تدمير الاسلام باي ثمن هؤلاء الناس لديهم جهل مركب وليس جهلا بسيطا بحيث اننا حتى لو سلمنا بفكرهم الايدلوجي وطلبنا منهم ان نقرأ الاسلام بعيونهم كي نصل الى الحقيقة والى ( الصراع الايجابي في الاسلام ) فايضا سوف لن نصل معهم الى شئ ،فالقوم كما تعلم مصابون بجمود فكري وتحجر في كل شئ داخلهم حتى في المشاعر كما قال الله سبحانه عنهم :(( واذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما امن السفهاء الا انهم هم السفهاء ولكن لايعلمون ))!.
على اي حال نعود لموضوعنا الاسلامي ، وصلته بالقضية الديالكتيكية تلك لاقول : نعم في داخل الاسلام كاي اطروحة فكرية تحاول خلق الحركة من داخلها وتنظرّ لعملية ادامة هذه الحركة ، بذر الاسلام ومن داخله عملية الاجتهاد الفكري وحثّ جميع المسلمين والمؤمنين به الى عملية اعمال العقل البشري في ادراكه وفهمه ومن هنا وبما ان اجتهادات البشر بطبيعتها متعددة ومختلفة ومتنوعة بدأت حركة التنوع في داخل الاسلام تأخذ طريقها مع بواكير حركة الاجتهاد والفكر داخل الاسلام ، لتتشكل النواة الاولى لتقسيمات الاجتماع الاسلامي المتعددة في اجتهادات الصحابة حول مواضيع الاسلام الفكرية الكثيرة وشيئا فشيئا تطوّرت هذه العملية لتتبلور بشكل مذاهب واتجاهات وملل وطوائف اجتماعية انسانية تحيط هذه الافكار والتوجهات ، ومن ثم شيعة وسنة ومعتزلة واهل حديث وماتدرية ...........الخ فيما بعد لتكوّن هذه المذاهب والاتجاهات والطوائف وماتطرحه من توجهات فكرية واخرى عقدية وتدافع عنها ، حالة الصراع ( الديالكتيك ) ونواة بذرة الحركة وديمومتها داخل الاسلام ومن ثم لتضمن اطروحة الاسلام العظيمة عملية ونواة حالة الصراع من داخلها لتكون اطروحة مستمرةومتطورة ومتغيّرة مع تطورات ، وتغيرات الحياة الاسلامية بصورة خاصة والعالمية بصورة عامة من حولها ،وبهذا ضمن الاسلام ديالكتيكه الخاص الممون لحركته الجوهرية الداخلية من ذاته ليضمن عدم الجمود ((جموده )) على مرحلة معينة من الزمن ،اوالمكان ، وحاله في ذالك حسب ماطرحه الشيوعيون القدماء وليس الجامدون التافهون الجدد اليوم حال الاطروحة الشيوعية عندما بحثت لها عن فكرة تموّن حركتها بالاستمرار فوجدت (( الديالكتيك )) او التناقض لتكون هي الفكرة التي تشرح من خلالها عملية التطور والتغير مع مستجدات الحياة ومشاكلها ، وهكذا الاسلام في قراءتنا الايجانية لمفرداته من الداخل فاننا سنجد من خلال القراءة العلمية والموضوعية والفكريةان موضوعة الاجتهادات والطوائف والمذاهب والملل .... في داخله لاينبغي ان تقرأ من جانبها السلبي فقط حتى وان افضت في بعض الاحيان الى حدّة في حالة الصراع الداخلي وانتقالها من عملية الديالكتيك الفكري الاجتهادي الى عملية التناقض والتناشز الصدامية كما يحاول اليوم اعداء الاسلام ادخال المسلمين داخل عملية صراع الطوائف وتقاتلهم بعضهم مع البعض الاخر !!.
أقول حتى في حالة تطوّر عملية الصراع الايجابي الداخلي داخل الاسلام ،وانحرافها عن مسيرتها المنضبطة ، فكريا ، وعلميا وشطوحها او انزلاقها الى حالة صراع دموي بين المذاهب ، والطوائف داخل الاسلام في بعض الازمان ، حتى في هذه الحالة ينبغي ان ننظر لعملية الصراع على اساس ايجابيتها البعيدة لتجدّد الخطاب والفكر الاسلامي في المستقبل ، ولاينبغي ان ينظر الى هذا الديالكتيك الداخلي الاسلامي بصورته السلبية لاغير كما يفعل اعداء الاسلام اليوم من منطلق ان هذا الصراع سيفضي حتما الى قتل الاسلام او تدمير مشروع اطروحته القيادية الاسلامية لحياة هذه الامةوعليه لامناص من عزل الاسلام عن قيادة الحياة لعدم كفائته في الادارة المنضبطة كما يرّوج لها المنحرفون !!.
لا ...الاسلام غير قابل للموت وكلما زادت حدّة الصراع في داخله زادت ايضا وتيرة تفعيل حركته وقدرته على الانتاج الفكري والحراك الاجتماعي اكثر فاكثر !!.
فهل وعيت الان ياصديقي ماعلاقة الديالكتيك بموضوعنا الاسلامي ؟.
وكيف : ان الذين يحاولون قراءة الصراع الداخلي والطائفي ، او المذهبي داخل الاسلام بصورة سلبية فقط ، لتشويه الصورة الاسلامية لاغير هم من اغبى الناس وابعدهم عن الرؤية المستقبلية لهذا الدين ؟!.
قال العزيز ابو محمد بعد ان سمع مثل هذا الكلام : يعني حضرتك قلبت الموضوع راسا على عقب ، وبدلا من ان يفرح اعداء الاسلام بتقاتلنا ويزيدوا من حطب النار المشتعلة ليطرحوا عدم صلاحية الاسلام لقيادة الحياة ، انت الان وضعتهم في زاوية الايجابي من هذا الصراع ، وكيف انه مكتشف علمي ماركسي قبل ان يكون مكتشفا علميا اسلاميا ؟!!.
على اي حال يبدو منطقيا ماتحدثت به ، وانه بالفعل ان اي اطروحة بحاجة الى حالة او عملية صراع داخلية تجدّد الحركة والروح لهذه الاطروحة في كل زمن ومهما تغيرت هذه الحياة !!.
وصحيح تماما كما الصراع طبقيا داخل الاطروحة الماركسية ،كذا التدافع والصراع فكريا واجتهاديا داخل الاطروحة الاسلامية الا انه يتمثل بدلا من الطبقة هو في الطائفة او المذهب او الملة والنحلة !!.
ياترى ياخي من اين لك هذه التصورات التي تستطيع ان تقلب كل شيئ من صورته القاتمة ضد الاسلام الى صورة على الاقل ليست سوداء تماما لصالح الاسلام ؟.
قلت : ياأخي ابو محمد كل هذا من بركة الحسين ع !!.
فقال مبتسما : اي (اشجاب ) ماعلاقة الحسين لما نحن بصدده ؟!.
فقلت : بل ان الحسين ع ، وثورته ،وعاشورائه هو صلب موضوعنا بالتمام في فكرة الصراع والديالكتيك والمذاهب واختلاف الاتجاهات في داخل الاطار الاسلامي !!.
فكرر العزيز ابو محمد المحترم سؤاله بدهشة : وكيف ؟.
قلت : ان الحديث عن الصراع داخل الاطروحة الاسلامية باعتباره المحرك لحياة الاسلام ،وديمومة تألقه وانتاجه دوما ، ليس بعيدا عن الحديث عن مَن خلق الصراع الحقيقي داخل هذه الاطروحة ؟.
وثورة الحسين كما تعلم انت هي بالفعل اول من فجر صاعق الديالكتيك الاسلامي الثوري بقوّة داخل الحركة الاسلامية الوليدة انذاك ؟.
نعم :الاجتهاد الفكري الذي اسس له الاسلام ، والاختلاف التصوري لطبقات افراد الاجتماع الاسلامي حول فهم الاسلام ووعيه فكريا كان النواة النظرية لعملية الصراع والتدافع والامر والنهي ..... داخل الاطروحة الاسلامية ، لكن الحسين وثورته كانت هي جذوة الانشطار النووي المتتالي داخل القنبلة الاسلامية التي فجرت الحركة الاسلامية ، ودفعتها بشكل مختلف تماما عن ماكانت عليه في السابق والى اليوم !!.
فالثورة الحسينية هي التي اسست للاتجاه المتصارع ثوريا وشرعيا اسلاميا داخل الاسلام ( وليس خارجه كما كان في زمن محمد رسول الله ص) مع الاتجاه السلطوي الحاكم الجائر داخل الاطار الاسلامي وهي التي دفعت الطبقات الاسلامية الانسانية اما للتكّتل ضد الجور والحكم والتفرعن في جانب الثورة الحسينية ، او التكتل مع السلطة والمصالح وطبقة الحكّام واصحاب المال والهيمنه .........وهكذا اصبح الاسلام بعد الحسين وثورته فرقتان فرقة تناضل من اجل الحرية والعدل واحترام دستور الاسلام وقوانينه واحكامه ، وفرقة تناضل من اجل مصالحها السلطوية وامتيازاتها السياسية والفرعونية لاغير !!.
بمعنى اخر ايها الصديق :ان الثورة الحسينية هي الدينمو هي الديالكتيك هي حركة الصراع الداخلية للاسلام التي لولاها لجمد ومات الاسلام منذ اكثر من الف واربعمائة عام على المستوى الاجتماعي ،ولاصبحنا اليوم متخمين بصراع نظري فكري حول الاسلام بلا اي حركة اجتماعية متبلورة لحراك يقدم الدم ويقدم النضال والعرق والتضحية من اجل الحرية والاسلام !.
قال : اي فعلا الحسين ع هو الكارثة !!!.
قلت : هل تعلم ايها الحسيني الطيّب ان الحسين ع فريد من نوعه في كل شئ !.
قال : ادرك هذا المعنى .
قلت : وهل تدرك ان الحسين فقط في هذا العالم هو من تحمل بلاءات وامتحانات ومصائب جميع الانبياء والرسل والائمة منذ ادم ابو البشر ع حتى محمد الرسول ص واهل بيته الكرام ، بحيث ان الحسين بدأ العالم بمأسيه وانتهى على يديه ؟.
قال: وكيف ذالك ، وأنّي لأعلم انك من انصارعدم عقلنة القضية الحسينية بالمطلق ، كما سمعت منك ذالك مرارا فلا استغرب ايها المتصوف في عشق الحسين ان تقول مالايرضاه عقل او تفكير ؟.
قلت : اي اسمع واقرأ ان هناك الكثير ممن يدعون الى عقلنة الشعائر الحسينية او تقديم هذه الشعائر بشكل ( كما يقولون ) حضاري ، حتى ان احدهم بعث ليّ صورا للتطبير في ايام عاشوراء ،ليريني كيفية الدماء وهي تسيل من على رؤوس الشيعة المؤمنين بالحسين وثورته ،وليكتب ليّ تحت الصورة : هل هذا شئ حضاري ومعقول ويخدم قضية الثورة الحسينية العظيمة التي ينبغي ان تقدم بلغة العصر والحداثة ( يعني من خلال شوكة وسكين ) ؟.
الحقيقة يااخي ابو محمد انا لااعلم ماذا يقصد البعض ب ( عقلنة الثورة والشعائر الحسينية ) ؟.
وهل في الثورة الحسينية كما اراها اي شئ معقول ومنطقي وقابل للتفسير اصلا حتى يمكن عقلنة هذه الشعائر ؟.
الحسين بن علي ع سيد الشهداء واعقل البشرية جمعاء يخرج بثورة كربلائية دموية ضد الظلم والظالمين ستخلق في الاسلام قنبلة تتفجر الى ان تقوم الساعة وهو يحمل بين ذراعيه طفل رضيع ابن شهر او ستة اشهر ، هل هذا معقول ؟.
انظر الى ثورات الانبياء كلها من ادم وحزنه وبلائه بفقد ابن وانحراف وكفر الابن الاخر ،وحتى خاتم النبيين محمد ص فهل ستجد ان هناك من اخرج طفلا رضيعا لارض معركة لاتبقي ولاتذر ؟.
انظر مرّة اخرى لتضحية الحسين بعياله واخوانه وعشيرته ونسائه واطفاله واصحابه ونفسه ووجوده ....من اجل الاسلام وقارن كل هذا بانبياء الله ورسله وما تحملوه من بلاءات ومحن ، فهل ستجد هناك مقارنة عقلية معقولة بين بلاء يونس ع والحسين ، او بلاء موسى وهارون والحسين ، او بلاء ابراهيم ونوح ع والحسين ؟.
هل من المعقول ان يرى الحسين ان ثورته لاتكتمل بنودها الاسلامية الا بكل هذا الكمّ الهائل من التضحيات ، بينما كان يكفيه ان يخرج رجلا لرجال ، لينازل الظالمين في ارض المعركة ، ولتنتهي الملحمة بلا ذبح اطفال وحرق نساء وابادة امة ومجزرة انصار ومحرقة دين وقرآن وانسانية وبشرية كاملة !!.
سألت نفسي ياصديقي ابو محمد : ياترى مارمزية عبدالله الرضيع الذي ذبح بين يدي الحسين يوم العاشر من محرم ؟.
وياترى عن مَن كان عبد الله الرضيع ابن الحسين يفتدي نفسه في التاريخ وحتى اليوم ؟.
قلبت التاريخ فلم اجد نبيا اسمه عبدالله ولم اجد وصيا ، او رسولا يحمل اسم عبدالله ، لأستطيع ان اقارن عقليا ، بين ضحايا الحسين الذي قدمهم لله في العاشر من محرم ، وضحايا جميع انبياء الله ورسله وخلقه ؟.
والحقيقة لم اجد مقارنة منطقية لعبدالله ابن الحسين غير انه يشبه عبدالله بن عبد المطلب ( ابو الرسول الاعظم محمد ص ) في حاله اول ولادته عندما ولد ايضا كان قد نذر عبد المطلب جدّ محمد ص ،ان يذبح العاشر من ابنائه لله سبحانه ، ان رزق بعشرة ذكور اشدّاء ،وبالفعل همّ عبد المطلب جدّ الرسول ان يذبح رضيعه عبد الله الا ان يدّ القدر تدخلت لتفتدي عبدالله الاول بمئة من الابل العربية !!.
أما عبد الله الحسين فلم يكن له فداء سوى الدم في كربلاء العراق ليذبح عبدالله مرّة اخرى في سبيل الله سبحانه !!.
ان عظمة الشعائر والثورة الحسينية ايها الصديق المحب في انها ليست واقعية ، ولامنطقية... بل وفيها مسكة الحبّ الالهية الجنونية بامتياز التي تدفع المحب دفعا للاحتراق النهائي فوق نار شمعة معشوقه (والذين امنوا اشدّ حُبّا لله ) !!!.
نعم الشعائر الحسينية وكذا الثورة الكربلائية عظمة اسرارها في صعوبة حلّ رموزها والى اي الاهداف الاعظم كانت تشير ، وحالها في التمّيز حال الشعائر الاسلامية التي لايعلم مضامينها واهدافها وغايتها او لايمكن عقلنتها لتلائم روح العلم والعصر والتحضر كما يدعون !!.
نصلي نصوم نتعبد نركع نسجد نحج نتوجه .....كل ذالك تعبّد في الاسلام ،يحمل ظاهرا لكن من الصعب فهم الغايات والدوافع والمنطقيات والتعقلن لحركة ساجد او توجه راكع او الطواف على بيت او مسح وجه ويدين بتراب في تيمم بدلا الماء الطهور إن فقد !!.
وهكذا الشعائر الحسينية اناس تبكي واخرى تلطم وثالثة تجرح الرؤوس وتفزع القلوب وتدخل المشاعر في هيجان والتعابير في غيبوبة واسطورية قديمة قدم حزن الحياة وادم على فقده للجنة ، وبعد ذالك لاتسألني عن العقلنة فكل وجود الانسان اصلا هو غير معقول في هذه الحياة !!.
ان التعبير عن الطقس كلما كان غريبا غير مألوفا ولامنضبطا بمعالق التحضّر واتيكيتات عالم المترفين وطبقة الراسماليين المجرمين كلما كان اسطوريا بدائيا حضاريا قديما غيبويا عميقا....الخ يجذب الانسان من الداخل ليسافر به الى بدايات نشأته الانسانيةوطقس عاشوراء الحسين عليه السلام عظمته في انه لم يزل قريبا من الدم ، وجمع جميع تاريخ الانسان منذ الولاة وحتى الممات في اسطورة فترتها الزمنية نصف ساعة لاغير !.

(( العراق الجديد ... الاسم الذي يبغضه اعداء العراق !!))

العراق الجديد أسمٌ ورد دستوريا ( ذُكر في دستور العراق اليوم ) لحقبة مابعد انقبار حكّام البعث الصداميين ، وانقشاع ظلمة استبدادهم من على صدور العراقيين جميعا ، بعد سنين وسنين من سياسات القهر والابادة والاستهتار البعثية التي مارسها جلاوزة النظام العفلقي السابق بالحكم ضد الشعب العراقي بمهارة وتقنية وفنية عالية النذالة وعدم الانسانية والاحترام لاي حقوق واخلاقية ، ومن هنا اطلق الشعب العراقي اولا اسم (( العراق الجديد ))على هذه الحقبة الجديدة ، ثم استجاب الدستور العراقي للرغبة الجماهيرية هذه ليسمي ايضا هذه الحقبة ب (( العراق الجديد )) على امل ان يتخلص العراقيون من التراث السياسي الماضي المظلم والبغيض ، ويفتحوا صفحة جديدة لحياتهم مابعد النجاة من المحرقة التي نصبها لهم حزب البعث وصدام واعداء الشعب العراقي بالعموم !!.
ولكنّ يبدو ان هذا الاسم اصبح يثير الكثير من اعداء العراق اليوم لاسيما منهم الذين يرون في العراق انه لابد ان يبقى قديما وعاجزا ومتخلفا ومظلما .....لسبب او لاخر ايدلوجي او سياسي او حتى طائفي او صدامي في مثل منطقتنا العربية ، فهناك شبه هستيرية عصابية تنتاب الكثير ممن يريد ان يرى العراق دائما وخصوصا بعد حكم المقبور صدام حسين على اساس انه عراق الاشباح وعراق الدماء وعراق الخراب وعراق الجثث وعراق الاضطراب الامني وعراق ...... الخ لاغير ، وكلما سمع هؤلاء الصداميون الهاربون او المتباكون على حقبتهم الظلامية في حكم العراق اوالحاقدون فيما بعد على حقبة العراق الجديد باعتبارهم من المتضررين من عراق يحكمه اهله الاصلاء باسم الله وباسم الشعب اسم او مصطلح او رسم او ذكر.. (العراق الجديد ) على لسان اي عراقي او في كتابة اي كاتب او بين سطور اي مقال ..... يقلبون الدنيا رأسا على عقب ، وتجذبهم رجفة من الصرع وحالة من الجنون ، والتخبط بحيث ان الانفعالية والتعبير عنها ، تبدو فيها المبالغة اللاخلاقية واضحة جدا من خلال التعبير بالشتائم او الاستهزاء او التقزز وتقبيح صورة هذا الاسم (( العراق الجديد ))!!.
طبعا غير خافية تلك الاهداف السياسية والايدلوجية والطائفية خلف كراهية اسم (العراق الجديد)بالنسبة للصداميين المجرمين الارهابيين من منطلق ان هؤلاء المجرمين قد فقدوا سلطانهم على يد العراق الجديد ومن حقهم عندئذ ان تشمئز نفوسهم من العراق الديمقراطي الذي يجعل الناس سواسية امام القانون ، ويحفظ لهم حقوقهم السياسية وكراماتهم الادمية ، ويقدم لقيادة العراق من يستحق من ابنائه من خلال صناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة و......فكل هذه المفاهيم والمصطلحات هي بالضدّ من ارهابيين صداميين تعودوا على عراق يساق بالحديد والنار ، ويحكم بالظلم والعنف ، ويقسم فيه الشعب الى عبيد وسادة ، وطبقات وفئات ، ومظلومين وظلمه !!.
كذالك هي ليست خافية تلك الاهداف الطائفية خلف كراهية مصطلح ((العراق الجديد)) سياسيا لجوار العراق التكفيري لاسيما منه الوهابي السعودي وكيف انه كلما تذكران العراق اصبح جديدا او يتطلع اهله كي يكون جديدا وحرّا ويحكم من خلال ابنائه بلا كراهية طائفية ولاظلم ولاعنف او استبداد .فان المملكة السعودية وامثالها من جوار السوء العراقي تصاب بمغص سياسي حاد جدا وهستيريا مدمرة لاترحم ولذالك اصبح واضحا في الاجندة الوهابية السعودية الاعلامية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية الاجتماعية : انه يجب ان لايجتاز العراق مرحلة العراق القديم ليصل الى بناء حلمه في عراق جديد مهما كلف الثمن وباي طريقة او وسيلة اجرامية كانت !!!.
نعم شخصيا وغيري من العراقيين كذالك تلمسنا بدلائل لاتقبل الشك : (ان هناك سياسة عربية طائفية تراهن على ان لايكون العراق جديدا وباي وسيلة كانت سواء ارهابية لزعزعة الاستقرار والامن او اقتصادية من مثل تدمير موارد الاقتصاد العراقية كي يبقى العراقيون تحت هيمنة الفقر وغياب الخدمات او اعلاميا فضائيا وصحفيامن خلال العزف على ان العراق الجديد الذي استبشر به العراقيون لم يجلب لهم بعد حكم صدام حسين غير الخراب والارهاب وسوء الخدمات وتفشي الجريمة ..... والى ماهنالك من دجل اعلامي وممارسة سياسية مجرمة توحي الى ان الارهاب لم ياتي من خلال فتاوي التكفير وتخطيط مخابرات دول الجوار العراقي وشراء الذمم البعثية الصدامية الخربة في الداخل لتدمير العراق وارجاعه الى حقب الظلمة والاستبداد بل ان الارهاب وسوء الخدمات وجميع الكوارث جاء بها فقط اسم العراق الجديد ورسمه وحلمه لاغير )!!!.
صحيفة الشرق الاوسط السعودية مثلا اليوم انزلت تقريرا من عدة اجزاء سينشر تباعا وتحت عنوان :((مشاهدات من العراق الجديد بعد قرابة سبع اعوام على التغيير ... بغداد بلا أمن ولاكهرباء ولاهوية )) لكاتبه المشبوه عرفا معد فياض يصب في سياسة ( كراهية اسم العراق الجديد ) ، وكيفية تقبيحه اعلاميا ،ومن خلال تعمق اي قارئ لمثل هكذا تقارير صحفية مشبوهة سيكتشف ان هذه السياسة الاعلامية الخليجية والسعودية بالخصوص لم يؤلمها مصطلح في العراق الجديد حقا اليوم مثلما يؤلمها مصطلح (( العراق الجديد )) المثبت دستوريا والملتف حوله شعبيا عراقيا والذي هو بالفعل اليوم الشوكة التي دخلت في عيون اعداء العراق ويحاولون بشتى الطرق اقتلاعها بدون ان تقلع عيونهم معها !!.
في بداية التقرير ووسطه ونهايته سيجد القارئ لاسيما العراقي مضمون مفاده بالحرف:(سياسيون يشاطرون العراقيين انتظار المعجزات والتحسر على ايام صدام )) !!.
وهذا هو بالفعل مايريده اعداء العراق الجديد :ان يعود العراق قديما بعدما يدمر اعداء العراق عراقنا الجديد بايديهم وباموالهم وباعلامهم وبمخابراتهم وباسلحتهم وانتحارييهم وقتلتهم وجلاديهم... ولايكتفوا بذالك بل يعلقوا كل هذه الجرائم برقبة البريئ (( العراق الجديد )) ليحكم عليه العراقيون بالادانه والطرد والنفي من حياتهم !!.
هل هؤلاء هم فقط اعداء اسم ومصطلح ومفهوم ومعنى وحياة (( العراق الجديد ))؟.
أم ان هناك ايضا اعداءً أُخر لهذا المسكين المسمى حُلما بالعراق الجديد !!.
لا اخفي القارئ سرّا ان بحت له بانني تفاجأت وانا ادافع عن هذا العراق المبتلى بشرّ خلق الله من حوله وفي داخله ان هناك ايضا غير الصداميين ، وغير البعثيين وغير السعوديين الوهابيين من هو متضرر من اسم العراق الجديد ، ومع الاسف القول ان هذه الجهات من الاحزاب العراقية التي تدعي الوطنية والمشاركة في حكم العراق ايضا كالحزب الشيوعي مثلا اليوم فهو كذالك وبكوادره واقلامه المريضة ، ومن خلال دوافع ايدلوجية ميتة ليس على خط الارتياح من اسم ورسم وحياة وروح هذا ( العراق الجديد ) او استمراره !!.
بل ان بعضهم (مثلما كتب الرفيق مثنى ردّا على مصطلحي العراق الجديدالذي استخدمه دائما نكاية باعداء العراق ) يرى في هذا العراق الجديد وتجربته الجديدة عملية لاتختلف عن عملية خط الثورة البعثي القديم ، الذي عندما نجح دمرّ البلاد والعباد وعليه يجب الاطاحة به اوعلى الاقل قتل المخاض الذي يريد ان ينجب حدثاجديدا بالفعل يغيرمن وجه خارطة الانسان العراقي الذي ربما سيحسب للاسلام السياسي العراقي وهذه كارثة الكوارث بالنسبة لكثيرين في العراق الجديد !!.
نعم سياسة يجب ان لاتكتمل تجربة العراق الجديدمضافا لها سياسة يجب ان لا يُكتب ابدا النجاح لاسم العراق الجديد في قادم الايام بل وسياسة يجب ان تجهض هذه التجربة ويصيبها الفشل والانهيار ويُعاد ترتيب اوراق اللعبة على شكل مختلف يكون فيه العراق على غير صيغة الدستور الحالي وكوادره السياسية اليوم وتشكيلته الحزبية المتنوعة ....كل هذا سلسلة مترابطة بدايتها تكون مرتكزة على بيدق اسم (( العراق الجديد )) وان استطاع اعداء العراق ان ينتصروا على هذا الاسم ليوصلوا من ثم الانسان العراقي من خلال الارهاب وعدم الاستقرار والتدخل بالشأن العراقي الداخلي ...بالكفر بهذا الاسم واذا كفر الانسان العراقي باسم (( العراق الجديد )) عندئذ نكون بالفعل امام انتصار كاسح لاعداء العراق ، ونعترف بكل اسف ان اعداء العراق استطاعوا ان يهزموا حلم العراق الجديد لتعود الكرّة علينا بعراق قديم اسود مظلم يتسلط من جديد لنصف قرن من المقابر الجماعية وتسلط حكم الفئة والطبقة والعائلة والعشيرة على العراق والعراقيين ولات حين مندم !!.
هذا مختصر لقصة اسم ( العراق الجديد ) !!!.

(( الحسين والعراق واهله إنتصارٌ أم هزيمة .... فراشة الدمّ ؟!))


في بداية حياتي عندما كنت طفلا ابتلاني الله بقارئ حسيني (ملا) يترك كل اعماق الثورة الاسلامية الحسينية واهدافها وعظيم تضحياتها وكيفية امتداداتها الرسالية ......الخ ، ليطرح موضوعا واحدا عن هذه الثورة العملاقة الا وهو (غدر اهل العراق بالحسين واهل بيته) ثم بعد ذالك لايترك هذا المُقرء الحسيني الطيّب حجرا على حجر لاهل العراق في شتمهم ودنائتهم وطباع الغدر فيهم ولعنة الله عليهم ودعوة الحسين بتدميرهم ، وكيف ان دعوة الحسين تلاحقهم الى يوم القيامة ....الخ وهكذا حتى اننا كنّا كاطفال وفي بداية تشكيل ثقافتنا الحسينية من القرّاء كان لايبقى مؤثرا في داخلنا من الثورة الحسينية الا دراما الغدر وكيفية انها هي الجرم الاعظم في الثورة الحسينية لاهل العراق قاتلي الحسين وذريته الذين ادعّوا التشيع والنصرة للحسين ثم بعد ذالك انقلبوا عليه ليقتلوه ليتبيّن فيما بعد انهم كانوا هم الوحيدين في العالم الذي لهم ثأر مع الحسين واهل بيته وليس يزيد ولابني امية ، وعلى هذا حفروا حفرة اسمها البيعة للحسين ليسقط بها الحسين في كربلاء ويقتله اهل العراق هو واهل بيته واطفاله واصحابه شرّ قتلة !!.
طبعا مولانا القارئ الحسيني رحمه الله انذاك لم يكن يفتري على اهل العراق ، بل هو اخذ من تواريخ احداث تؤكد على خيانة اهل العراق للحسين ع ، وبما ان بشاعة الغدر بالكريم تستحلب العاطفة وتعتصر الالم والدمعة وخصوصا من شعب كالشعب العراقي العربي القبلي الذي يرى جميع الجرائم تغتفر ماعدى جريمة الخيانة والغدر ، فعلى هذا الاساس كان مقرؤنا الحسيني شديد التعلق بحكاية غدر اهل العراق ، وخيانتهم للحسين ، التي تتفاعل معها المشاعرية الشعبية العراقية الى حدّ اللطم على الرؤوس على اجدادهم العراقيين القدماء ، وكيف انهم كانوا من الانحطاط بحيث قتلوا وغدروا ، وخانوا سيد شباب اهل الجنة وابن رسول الله محمد ص ، وابن فاطمة وعلي بن ابي طالب ع ايضا !!.
بقت هذه الثقافة الحسينية في داخلي الى اليوم ،ولكن في منتصف الطريق عندما فتح الله سبحانه لنا التفكير قبل ان تتعقد كل حياتنا من اهل العراق سألت مقرءا حسينيا آخر ورث القراءة الحسينية من قارئنا القديم بكل تفاصيلها ، بما في ذالك انتقامه من العراقيين القدماء : مولانا هو من قتل الحسين على الحقيقة يزيد بن معاوية وبني امية أم اهل العراق ؟.
فاجابني وهو مبتسما ابتسامة العبقري الذي يريد ان يوصل النظرية العملاقة لطفل صغير : ابني التاريخ يحدثنا ان كتب اهل العراق جاءت للحسين تدعوه للبيعة والنصرة ، ثم بعد ذالك غدروا به وقتلوه ، ولولا كتب اهل العراق لما اصاب الحسين ما اصابه ولما كانت عاشوراء كربلاء !!؟.
سألته مرّة اخرى وكأنما هذا الجواب استولد مئة سؤال اخر في داخلي لاقول له بحرقة: مولانا كيف من جانب حدثتنا بالامس ان الرسول اخبر اصحابه بمقتل الحسين بارض يقال لها كربلاء ،وام سلمة كانت لديها تربة من تراب الحسين وعلي بن ابي طالب عندما مرّ بارض الطفّ نادى صبرا ابا عبدالله ، واليوم تحدثنا على انه لولا كتب اهل العراق لما حدثت كربلاء ؟!.
ثم كيف بالامس تحدثنا عن تاريخ كتبه السلاطين الظلمة ووعاظهم ، وان معظم التاريخ كان تاريخا سياسيا كتب بالضد من اهل البيت وخطهم وانصارهم وشيعتهم ، واليوم تحدثنا بالوثائق التاريخية التي تدين شيعة الحسين من اهل العراق وتتهمهم بقتله والغدر به وكأنها قرءان منزل من السماء لايمكن الشك فيها وفي نوايا كاتبيها ؟.
اليس نقلك لتاريخ اعداء اهل العراق ، والقاء تبعة جريمة قتل الحسين ، واهل بيته على العراقيين يعدّ حيلة سياسية تاريخية ليضرب بني امية عصفورين بحجر واحد ، الاول هو ابادة اهل البيت وقتل ذرية الرسول وسيد شباب اهل الجنة الحسين ابن علي ع والتخلص من خطره سياسيا ، والثاني التنصل من تبعية هذه الجريمة والقائها على عاتق انصار الحسين وشيعته من اهل العراق بحجة الكتب وطلب النصرة من الحسين ، وبهذا تكون الخطة محكمة والمقتول يصبح هو القاتل تاريخيا ؟.
وهل هذا الا كما روّج الامويون في كتب التاريخ عندما استشهد عمار بن ياسر بين يدي امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع حيث كان مقتله مفزعا لاهل الشام بسبب ان رسول الله ص قال لعمّار تقتلك الفئة الباغية ، وعندئذ ابتكر الامويون فكرة : ان قاتل عمّار ليس من ذبحه بالسيف وانما من اخرجه للقتال !؟.
يقصدون بذالك ان قاتل عمّار هو علي بن ابي طالب وليس الفئة الباغية من ال امية !!.
فهل ثقافة القاء تبعية استشهاد الحسين على شيعته من اهل العراق الا هي نسخة مكررة من ثقافة الامويين التي تقتل القتيل وتمشي بجنازته ؟.
أم انه بالفعل كما تفضل حضرتكم لولا اهل العراق كشيعة للحسين لما كانت كربلاء ؟.
ثم اخيرا اليس جنابكم الكريم وغيركم من حملة فكرة (ترويج ثقافة اهل العراق كقتلة للحسين) تسدي خدمة لم يكن ينتظرها الامويوين في دمشق ابدا ، بحيث ان ذكائهم السياسي استطاع ، ليس فقط قلب الحقائق ، وقتل الحسين مرّة اخرى في تدمير صورة شيعته من اهل العراق لاغيربل انهم تمكنوا ايضا من اختراق شيعة اهل البيت انفسهم ،بفكرهم وثقافتهم ليرّوج هؤلاء انفسهم الى ان القتلة للحسين ليس هم الفئة الباغية من ال امية بل هم نحن الشيعة انفسنا ، وبذالك نال الطغاة وسام البراءة من الجريمة ، وحمل الضحايا وزر كل شيئ ؟.
الا ترى معي مولانا الكريم ان قرائتكم للتاريخ ينبغي ان تكون بوعي اكبر بكثير من مجرد نقل للنصوص التاريخية ، لتكون قراءة مابعد النصوص التاريخية لنحكم على ثورة الحسين بما تستحق وندرك اهدافها بوضوح والى اين هي كانت تتجه بالواقع والحقيقة وليس الى اين نحن نريد ان نقودها وكيف نحن نريد ان نطرحها بصورة عاطفية لاغير ؟.
يامولانا ثقافتكم هذه التي تطرحونها ليس فقط دمّرت امة لم تزل تعطي الاضاحي الجسام من اجل الحسين والاسلام ، ولولاها لما كان للحسين ع اسم ولارسم بين العالمين اعني اهل العراق ، ومع ذالك لم تنل من ثقافتكم المرّوجة منبريا و...غير اللعن والادانة وتحميل وزر حقبة لم يكن لهم فيها لاناقة ولاجمل باعتبار ان تلك امة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عن اصحاب الجحيم حتى اصبح الاعراب الاجلاف من النواصب لاهل البيت اكثر احتراما تاريخيا باعتبار انهم لم يشاركوا بجريمة الانسانية من شيعة اهل البيت من اهل العراق ؟.....الخ .
لم يأخذ كثيرا مقرئنا الحسيني القديم الطيّب بالتفكير ، ليدرك ما ارمي اليه من اسألتي ، الا انه وبسرعة شعر ان في اسألتي مايهدد صنعته التي لايعرف غيرها في الحياة والتي من الصعب اعادة النظر في ثقافتها من جديد ، لاسيما ان قارئنا الحسيني قضى خمسين سنة من عمره الطيّب وهو يحفظ بالاشعار التي تدين غدر اهل العراق وقتلهم للحسين وسبيهم لعياله ، وغير مستعد لان ينفق خمسين سنة اخرى ، وينتظر نتائج التفكير بمثل هذه الثقافة التي يحملها ، والتي يتقوّت منها معاشيا بنفس الوقت ، وعليه اغلق الحوار بسرعة وانتهى الموضوع ، ليقول ليّ لاعنصرية قومية في الاسلام !!.
جزالك الله خير ، قلت عندئذ !!!.
انتهى الموضوع لمقرئنا الحسيني لكنّ اسألتي لم تنتهي ابدا لهذا اليوم ؟!.
على اي حال هذه قصة من الاف القصص حول(الحسين واهل العراق) التي يرّوج لها ثقافيا من خلال التاريخ العربي المكتوب والذي يُعرف انه كتب خدمة للسلاطين وارباب الخلافة والسياسة ، وعلى هذا الاساس فليس من المعقول او الممكن ان نجد في تاريخنا من يشير بصراحة لحادثة ثورة الامام الحسين بلا ان يداهن السلطة ، ويتكئ على الاضعف في المعادلة لتكوّر كل جريمة الطفّ الحسينية الكربلائية برأس اهل العراق ، مرضاةً للسلطان وتأديبا لاهل العراق ، كي لايقوموا من جديد بصناعة ثورة ضد سلطان جائر قائم !!.
ان مايدعونا اليوم لقراءة ثنائية (الحسين مع اهل العراق ) هي ليست تلك الدوافع التاريخية السياسية القديمة المكتوبة ،وهي ليست تلك ايضا الدوافع الفكرية الساذجة ، التي تبحث عن تحريك العاطفة في قضية الثورة الحسينية بدلا من تحريك الفكر والعقل ، والاستلهام لهذه الثورة على اساس انها ثورة وجدت لالتقبر في ارض كربلاء في العقد السادس الهجري ..لا بل كي تكون ثورة الاجيال الاسلامية اللاحقة ،التي جاءت بعد الحسين لترى الحسين ع في كل لحظاتها وهو يسير خطوة بخطوة مع الزمان والمكان والتجدّد كل يوم حتى لحظة الناس هذه والى ان يرث الله سبحانه الارض وماعليها !!.
بمعنى اخر يجب ان تقرأ الثورة الحسينية بمجمل اهدافها ومعانيها وايحائاتها ..الفكرية كقراءة النص القرءاني بالتمام والذي فيه طبعا لانصادر الواقع والناس والاحداث واسباب النزول ..الخ التي تَحرّك النص القرءاني من خلالها لفهمه وادراك مراميه واهدافه ، ولكن مع ذالك ايضا لانقيّد النص القرءاني بهذا الواقع ونرهنه فقط في عطائه للحظته الراهنة ، بل هو في عطائه الفكري نصٌ فيه امكانية العطاء المستمرّ والمتطوّر مع حياة الانسان ومتغيراته ، وهكذا الثورة الحسينية اختلافها عن غيرها وعظمتها في نفسها انها ثورة حدثت في حقبة زمنية معينة الا ان عطائها الحسيني الاسلامي الالهي رُسم له كي يكون عطاءً متجددا متطورا متغيرا ، ويحمل اهدافا ومضامين بسعة حركة الحياة والانسان والزمان والمكان والتاريخ الى ان تقوم الساعة وتنتهي البشرية من هذا الكون الجميل !.
ومن هنا وعلى اسس هذه الرؤية المستقبلية للثورة الحسينية يكون اول سؤال يتبادر الى اذهان القارئين للثورة الحسينية في ثنائية (الحسين واهل العراق إنتصار ام هزيمة) هو سؤال : مالذي رآه الحسين عليه السلام تخطيطيا مستقبليا... من انتصار لثورته الاسلامية العظمى عندما وجد في اهل العراق ضالته ، التي كان يبحث عنها ليكون هذا الوطن وهذا الشعب هو نواة تحركه الثوري الاسلامي العظيم ؟.
بمعنى اخر : معروف ان اي صاحب ثورة عملاقة كالامام الحسين ع ،الذي يدرك انه يحاول تغيير مجرى تاريخ امة إسلامية وبشرية فيما بعد ، انه ودائما يبحث عن اسباب النصر لثورته العالمية تلك ، وليس من المعقول ان قائدا كالامام الحسين ع ينتخب ارضا وشعبا كالعراق وشعبه ليتحرك نحوه كي يكون وتكون هذه الارض المثوى الاخير لثورته ، وهو يدرك ان هذه الارض وهذا الشعب ، وهذا ..غير صالح بالمطلق لحمل هذه الثورة او المحافظة على نواتها في تربته البشرية الخصبة حتى تثمر وتورق وتصبح شجرة وارفة الاوراق فيما بعد !!.
لا.....لايمكن لقائد كالامام الحسين ان ينتخب ارضَ معركةٍ تكون فيها الخسارة محتّمة والهزيمة كالشئ المفروغ منه بطبيعة الحال ، وكذالك لايمكن لقائد يرى في ثورته المستقبل والاستمرارية والديمومة والحياة الابدية ......، ثم بعد ذالك يتوجه الى شعب فيه جميع اسباب الضعف والوهن البشرية بادية والتي تنبئ عن عدم صلاحية هذا الشعب لتحمل المسؤولية والاستعداد للصبر والتضحية وصيانة الامانة بعد الحسين واستشهاده الحتمي حسب المخطط الحسيني الالهي نفسه !؟.
نعم الحسين ع كان قائدا مفكرا على مستوى الاسلام ، ووعيه لحركة البشرية المستقبلية الاتية فيما بعد ، ولهذا ربما لايدرك الكثير ممن قرأوا الثورة الحسينية اليوم ، ان الحسين القائد كان يفكر بنتائج ثورته الاسلامية المستقبلية العظمى ،اكثر بكثير من تفكيره الآني المقيد بحقبته المعاشه اللحظية كما حصل مثلا لعبد الله ابن عباس وابن عمر وابن الحنفية .....عندما كانوا يرون اللحظة وينصحون بعدم الثورة او التوجه للعراق ،ولكنهم لايرون المستقبل كالحسين ع ، ومن هنا وقع الكثير ممن قرأ الثورة الحسينية على اساس انها فقط ثورة آنية لحظية تاريخية قديمة مقيدة ..بخطأ القراءة الواعية والمتساوقة فعلا مع فكر مخطط وقائد هذه الثورة الاسلامية الحسينية العظيمة ، وما كانت اهدافه المستقبلية انذاك لثورته هذه ، فقرأوا الثورة بلحظتها ليقرأوا فيما بعد جميع مفرداتها اللاحقة ايضا مع لحظة الحدث الآنية القاصرة الرؤية ، وليروا فيما بعد اهل العراق ، والوطن العراقي والناس انذاك ... والحكم القائم الاموي ، وكل ذالك على اساس تلك الرؤية الضيقة المحدودة والميتة بالفعل !!.
أما الحسين ابن علي ع قائد الثورة ومنفذ المخطط ، ومصمم الانقلاب الكبير في الرؤية الاسلامية ، فقد كان فكره وتخطيطه ورؤيته وحركته وتطلعاته .... كلها ترنوا نحو المستقبل ، نحو مابعد الشهادة ، نحو مابعد الحسين نفسه ، وعلى هذا كانت كل حركة الحسين ع وانتخابه لارض المعركة ،وللوطن الذي ستقام فيه هذه الثورة وتبذر بذرتها ، وللشعب الذي سيكون هو صاحب الامانة الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على الثورة ومبادئها واحيائها كل يوم ....مبنية على هذا الاستشفاف للمستقبل ، باعتبار ان ثائرا كالحسين عالما بشهادته موطنا نفسه واهل بيته على استقبال البلاء وكربه بكل ما سوف ياتي به لايمكن ان يمني نفسه وغيره بالانتصار المادي العسكري المحدود في ارض المعركة التي هي من الاساس محسومة النتائج المادية ، كما ان قائدا كالحسين ايضا لايمكن ان ينتخب شعبا وشيعة ووطنا كالعراق ، وهو لايعلم المخبوء من القوّة في هذا الشعب للمستقبل القريب والبعيد وكيفية ان يكون هو الحاضن المستقبلي للقضية والثورة الحسينية فيما بعد ؟!.
ان من مميزات الثورات الاستشهادية ،اي التي تكون فيها الثورة من اجل الشهادة وليس من اجل النصر العسكري والسياسي المادي كالثورة الحسينية ، يكون قادتها عادة يفكرون في انتصار مابعد الشهادة ولايفكرون في انتصار ماقبل الشهادة ، ولهذا عندما نقول ان الحسين ابن علي ع انتصر بثورته على يزيد بن معاوية والظلم والاستبدادفنحن لانخالف المنطق والواقع الذي حدث بالفعل من منطلق هذه المقاييس والموازين الاستشهادية للنصر ، والهزيمة وليس من خلال مقاييس ، وموازين النصر والهزيمة على المقررات المادية العسكرية الانيةونعم في ارض المعركة الآنية كحدث تاريخي قد انتصر جيش يزيد على جيش الحسين عليه السلام ولكن في موازين الشهادة ومقاييس التضحية قد انتصر الحسين بالفعل على يزيد بحيث اصبح الحسين ع بعد استشهاده بطلا اسطوريا عالميا محترما له انصار وذكر وقداسه ، بينما ذهب يزيد الى مطاوي النسيان ومزابل التاريخ في تقييمه والاعتراف له بتحقيق نصر ما في هذه الحياة الدنيا والاخرة !!.
ان هذا المقياس والميزان (ميزان ومقياس الاستشهاد والتضحيةالحسني) هو المقياس والميزان الذي على اساسه بنا الحسين ع كل اختياراته وكل مخططاته وكل حركاته وسكناته ، وبما في ذالك طبعا اختيار الحسين للعراق واهله كي يكونوا انصارا لثورته ونواة لدولته وملجأ لعصبته وكينونة لفلسفته وثورته ، وكل هذا حسب مقياس وميزان الشهاده وليس حسب مقياس
وميزان الحياة المادية اليزيدية الفانية !!.
ومعنى كون الحسين ينتخب العراق واهله كي يكونوا نواة لثورته ، فمعناه ان الحسين كان ينظر للعراق واهله على اساس القوّة الثورية الكامنة مستقبليا في داخلهم ،والصالحة لتحمل مسؤوليات ثورته والحفاظ عليها وادامة الحياة لها رغم ماسوف يعانيه هذا الوطن والشعب من محاصرات سياسية واخرى طاغوتية ترى في الحسين وثورته الخطر الاعظم على دكتاتورياتهم وطاغوتهم وتفرعنهم السياسي القائم !.
نعم لو كان العراق واهله غير صالحين ولامهيئين لتحمل نواة الثورة الحسينيةاوانهم لايمتلكون التربة الاجتماعية التي سوف تحيي من ثورة الحسين مابعد استشهاده وهذا هو الميزان الحسيني الاول وتنقلها للاجيال اللاحقة من المسلمين لكانت هزيمة الحسين ع محققة ، وكذا هزيمة ثورته لاريب فيها ، واكثر من ذالك لكان اختيار الحسين ع نفسه غير موفقا للارض وللشعب الذي سوف يودع عنده ثورته كي تثمر بعد استشهاده وليس في حين الثورة او قبل اوانهاوهذا مالايقوله صاحب عقل وضمير بغض النظر عن مؤمن بالحسين يرى في اختياره لارض المعركة والشعب الذي يأتمنه على ثورته و ...قمة النضوج والنظرة المستقبلية الالهية العميقة ؟.
ومن هنا نحن نقول : ان اختيار الحسين لاهل العراق ووطنهم كي يكونان مهبط ثورته ونواة فكرته والمثوى الاخير لشهادته لم يكن ناظرا ابدا للحظة الانية الحدثية التاريحية المحترقة بفعل الشهادة ، وانما كان اختيارا ناظرا للعراق واهله على اساس مايكمن داخلهم من استعداد فكري واجتماعي وروحي ونفسي وعقلي ....تفجرّ فيما بعد الاستشهاد الحسيني وثورته تلقائيا ليؤكد ان هذا الشعب وهذه التربة وهذا الوطن هو الوحيد الموجود في هذا العالم الذي يستطيع ان يحمل امانة الحسين وثورته واهداف استشهاده بعدما عجزت جميع بقاع الارض ومطارق السماء على حمل هذه الامانة !!.
نعم العراق واهله وحدهم الذي رأى فيهم الحسين القوة التي تستطيع ان تحافظ على الثورة وتحيي الدماء الزكية وتناضل من اجل عدم قبر الفكرة وتعطي الكثير من اجل عدم التنازل عن الشهادة والحسين بعد استشهاده ولولا هذا اليقين الحسيني الذي رأى انه لاامين كهذا الشعب ولا ارض كهذا الوطن ، لما فكر للحظة ان يأتي للعراق واهله ليغامر بثورته ودماء بيت النبوة وشهادتهم واهداف نهضتهم للعراق ليستشهد فيها ثم بعد ذالك تقبر ثورته وينقلب اهل الوطن على تراثها لتمحى من الوجود ، وعندئذ من حق العالم ان يتيقن بهزيمة الثورة الحسينية على يد الظلمة والمتفرعنين ليس لانها غير محقة ، ولكن بسبب ان الارض التي تفجرت عليها والشعب الذي من اجله سالت دمائها لم يحافظوا على حياة هذه الشهادة ونضال هذه الثلة من انصار الحسين وهذه الثورة ، وهذه هي الهزيمة الحقيقية للحسين وثورته !.
الحقيقة منذ ان تفجرت الثورة الحسينية على الارض العراقية وبين اهلها ولهذا اليوم ،لم يتوانا اهل العراق في خدمة النهضة الحسينية وتراثها وادامة الحياة لها ، بل كانوا بالفعل ورغم طغيان الطغاة واستبداد الساسة والخلفاء والسلاطين في الاسلام عليهم ونقمتهم كذالك من التفاف هذا الشعب وهذا الوطن حول الحسين وثورته مع ذالك لم يثني الظلم والاستبداد ابدا الشعب العراقي على ان يكون جبلا شامخا قويا عصيا في الوفاء للحسين وثورته وشهادته ، ولااعلم ان شعبا اعطى من التضحيات ونالته من المآسي والمصائب في حب الحسين واحياء اهداف ثورته كما نال الشعب العراقي ووطنه ، وبالفعل يمكننا هنا ان نقول ان اختيار الحسين لارض معركته كان موفقا مئة بالمئة ، اذ لولا انه كان صاحب رؤية الاهية مستقبلية عميقة لما كانت له هذه الندرة بالقرار عندما فضل على جميع ارض الله الواسعة العراق واهله فحسب ليكون العراق موطنه الاخير وشعبه شيعته الذين يحملون الامانة والراية من بعده والذي اعتقد انها نفس الامانه التي عرضت على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها وحملها الانسان العراقي انه كان ظلوما جهولا !!.
ان اختيار الحسين للعراق واهله ليكون نهاية شهادته ومحط ثورته ونصرة فكرته لم يكن اختيارا في جانب واحد من جوانب حياة العراق والعراقيين فحسب ، فلم يكن اختيارا سياسيا فحسب ، ولاهو فقط اختيارا عاطفيا روحيا فغير ، بل كان اختيارا شاملا للعراق واهله ،فهو اختيارا فكريا وفلسفيا عقديا لما عُرف عن اهل العراق وتفلسفهم الفكري ، وكذا هو اختيارا سياسيا ايضا لما عُرف عن العراق واهله بانهم اول من اقام الدولة وسنّ القوانين وادار الدول والمجتمعات الحضارية ،وهكذا اختيارا اقتصاديا ، فمعروف ان اهل العراق اهل كرم وشيمة عربية بحيث انك لو زرت العراق في العاشر من محرم لوجدت العراقيين يبيعون ثيابهم من اجل نصب اكبر مأدبة طعام بشرية تمتد بطولها من جنوب العراق الى نقطة الحسين صاعدا ومن شماله نولا الى كربلاء جنوبا بحيث انك تعجب من هذه المائدة وكيف انها لاتعتبر اطول مأدبة طعام بشرية تنصب في العصر الحديث طولا من اجل اطعام زوّار الحسين واينما وجدوا !!.
ان العراقيين ينصبون مضائفهم على طول العراق وعرضه خدمة للسائرين للحسين وزواره ومحبيه ، فانا اتساءل هنا : فهل سيقع هذا الكرم والايثار والتضحية بالمال في اي مجتمع تجاري اليوم ، لو كان الحسين بغير ارض العراق وبين اهله ؟.
أم ان الحسين عندما اختار هذا الوطن وهذا الشعب لعلمه بخصال الايثار الاقتصادي بهم ، وكان يعلم ان ليس هناك شعب في الدنيا بامكانه ان يقيم مأدبة للحسين تخدم ثورته وشهادته بهذا الجنون في العشق والحب الحسيني الذي لاهل العراق !!!؟.
ولهذا نحن نقول : ان اختيار الحسين لاهل العراق ووطنهم لشهادته كان ذكيا جدا !!!.
وهكذا هو كان اختيار الحسين ع للعراق واهله يستهدف الجانب الروحي والعاطفي والنفسي ايضا لاهل العراق ووطنهم ، لما عُرف عن عاطفة هذا الشعب وانها نار ملتهبة لاتهدأ ابدا ، وانها ان وظفت لقضيةٍ وشهادة كالشهادة الحسينية فانها ستدمر الدنيا بكائا وعشقا وتولها روحيا وشعريا وادبيا وروحيا وفنيا وموسيقيا وغير ذالك !!.
نعم وكذالك اختيار الحسين للعراق واهله اجتماعيا ، فالمجتمع العراقي كان ولم يزل مجتمعا معقدا جدا بعلاقاته وظواهره الاجتماعية التي تجمع جميع متناقضات الدنيا ومتوالفاتها ، ومن النادر وجود مجتمع متنوع بظواهره الاجتماعية وتناشزاته المزاجية كالمجتمع العراقي ، فهو متماسك ومترابط واسري وقبلي الى حدّ الموت ، وفي المقابل المجتمع العراقي متحرر ومتمرد ومنفلت الى حدّ الجنون ، وهكذا مثل هذا المجتمع هو الوحيد الذي يستطيع استيعاب تعقيدات الثورة الحسينية وتناشزاتها وتوالفاتها الغريبة والعجيبة بنفس الوقت !!.
الخلاصة : ان اختيار الحسين للعراق واهله كان اختيارا حسينيا الاهيا مدروسا ومخططا تخطيطا رساليا الاهيا غيبيا حسينيا وهذا هو مايشرح لنا كقارئين للثورة الحسينية كل المفردات لهذه الثورة التي مرّة تراها غيبية الاهيا فيقال لنا ان استشهاد الحسين في الارض العراقية هو امر الاهي غيبي بامتياز مكتوب على لوح العرش ، ومرّة اخرى يحدثنا التاريخ ، ان الرسول محمد ص بشرّ بشهادة الحسين واقام مأتمنه وهو طفل لم يزل في السابعة من عمره ، ومرّة ثالثة يحدثنا التاريخ ان شهادة الحسين في ارض العراق كان لايعلمها حتى عبد الله ابن عباس وامثاله من البيت الهاشمي الذي اشار على الحسين ع ليذهب الى اليمن ويعتصم بالجبال ويعلن ثورته من هناك ؟!!!!!.
ياترى هل فعلا كانت هناك ارضا تصلح للحسين وثورته بعد كل ماذكرناه غير ارض العراق وشعبها ؟.
ام ان العراق خلق للحسين والحسين وشهادته وثورته خلقوا للعراق فحسب ؟.
على العراقيين اليوم ان يدركوا :(ان اختيار الله والحسين ومحمد ص والقدر والسماء والارض لوطنهم كي يكون منبت شجرة الثورة الحسينية ومثوى جسده الطاهر والشريف ومهوى افئدة العالمين من شيعة الحق والعدل ....اكبر دليل على خطرهم في هذه الحياة الدنيا وثقل المسؤولية التي يحملونها على عاتقهم والتي وضعها الله بعدله والحسين بشهادته حيث يضعون الشئ في موضعه والعراقيون لو لم يكونوا اهلا لهذه المهمة لما شرفهم الله بحملها ولما فكر الحسين بارضهم فليصحوا من غفلتهم ولايلتفتوا لمقالات اعدائهم ، وليدركوا ان الحسين اعظم حرمة ملايين المرات من حرمة الكعبة وبيت الله الحرام ، فليعملوا بهذه الذهنية وليوطنوا نفوسهم لهذا الهدف الاسلامي الانساني البعيد ، وليدركوا انهم النواة التي منها المبتدأ واليها المنتهى والسلام ).!!!!!!

(( نحو انفتاح ايجابي اوسع في العلاقة مع الشقيقة ايران ))

تمثل الجارة الشرقية جمهورية ايران الاسلامية الشقيقة ، بالنسبة للعراق الجديد اليوم اكثر بكثير من مجرد كونها دولة كبيرة فقط ولايمكن تجاهل موقعها السياسي والعسكري والجغرافي والاقتصادي والصناعي والثقافي في منطقتنا العربية والاسلامية لاي دولة في هذا الحيز من العالم الذي يعيش فيه العراق الجديد بل ان ايران بعد نجاح ثورتها الاسلامية وتخطيها للعقبات الجسام واظهارها لكفاءة عالية في عملية الاعمار ، ونهضتها الاقتصادية الواعدة على المستوى العالمي وبحجمها المتنامي عسكريا يوما بعد يوم وبصناعاتها وتطورها العلمي المطرد .... كل هذا يجعل من جمهورية ايران الاسلامية بالنسبة للعراق على وجه الخصوص وهو يشق طريقه البدائي في بناء ذاته وعمران مدنه وتشييد دولته ومؤسساته الجديدة دولة مهمة جدا ولايمكن تجاهل قدراتها وطاقاتها ، ومايمكن ان تقدمه للعراق الجديد من منافع سياسية ، ومصالح اقتصادية ،وخبرات علمية وصناعية قد حازتها ايران بعد صراعها المرير مع استحصال استقلال قرارها السياسي السيادي وقرارها الاقتصادي الذي وفرّ لها نوعا من الحرية في بناء هذه الجمهورية الاسلامية العملاقة !!.
والحقيقة ان جمهورية ايران الاسلامية ، ومن خلال ما تطرحه دوما من سياسة الانفتاح على دول الجوار لها ، وبالخصوص العراق ، وما تحث عليه علنا من رغبتها في بناء علاقات اقتصادية مع دول الجوار والعالم من خلال تبادل المصالح المتكافئة يمكن بالفعل لدولة كالعراق وهي في بداية طريق نهضتها الجديدة بعد اسقاط نظام الحكم الطاغوتي الصدامي في العراق ، ان تغتنم هذه الفرصة الايرانية بجدّ وقوة وان تجعل من جمهورية ايران الاسلامية منجما للذهب الخالص الذي يستطيع ان ينفتح على العراق بكل كنوزه الجديدة وقدراته الكبيرة الموجوده في هذا البلد فايران وكما يعلم الجميع دولة غنية بكل ماتعني الكلمة اليوم من معنى ، فهي بالاضافة لكونها امبراطورية نفطية وبشرية ضخمة الموارد والثروات ، هي كذالك امبراطورية عقلية وعلمية وثقافية وصناعية اليوم ومثل هكذا ثروات في بلد كايران وفي محيط عربي واسلامي بالنسبة للعراق وايران متخلف في كل شئ سياسيا واقتصاديا وعلميا وصناعيا .... لايمكن للعراق اعتباره الا منجما للذهب ساقه القدر ليكون بجوار العراق وتحت مرمى كرته ان هو احسن اقامة علاقات مع هذه الجارة التي تربطها مع العراق ، ومن حسن حظ العراقيين الكثير من الروابط والوشائج الاجتماعية ، والثقافية والدينية والعقدية المتينة ، التي تسهل من عملية التقاء هذين البلدين الكبيرين على اكثر من محور وفي مجالات شتى سياسية واقتصادية لاسيما منها التجارية والصناعية ، وكذا العلمية والثقافية ، والعسكرية والاستفادة القصوى من طاقات كلا البلدين في انتاج الاندماج المنشود في عالم اليوم الذي يسعى كله الى الانخراط في عملية التكامل الاقتصادية المثمرة !!.
ولابأس ونحن ندعوا الى المزيد من الانفتاح الايجابي على الشقيقة ايران الاسلامية ان نذكّر مؤسسات دولتنا العراقية الجديدة والقائمين على ادارة شأنها العام ، بان مستوى انفتاحها على الجار الايراني ، والاستفادة الواقعية من الطاقات الايرانية ، وما يمكن لايران ان تقدمه للاقتصاد ، والصناعة والتكنلوجيا ، والتطور العلمي للعراق لم يكن بمستوى الطموح العراقي الذي كان ينبغي ان ترتقي اليه العلاقة العراقية الايرانية اولا ومن ثم العلاقة الايرانية العراقية ثانيا ، فلم يزل العراق الجديد ومع الاسف وفي كل مفاصله الدبلماسية والسياسية ، والاقتصادية والصناعية والعلمية والثقافية .... متلكئا ومترددا ومتراجعا بصورة ان اخضعناها للبحث والدراسة والتأمل ، فنحن سوف لن نخرج بنتيجة الا نتيجة واحدة لاغير ،هي فشل الدولة العراقية بممارسة الكيفية الايجابية في الاستفادة من طاقات ايران الكبيرة ، وبما يعود على العراق وشعبه ، بالخير والنماء والعمران ،والتطورّ الاقتصادي والامني والعسكري والسياسي كذالك ؟!!.
والاّ وبنظرة متأنية وواقعية وبراغماتية ايضا لجميع الدول التي تحيط بجمهورية ايران الاسلامية وكذا البعيدة عنها جغرافيا سنكتشف ان دولة كتركيا او دولة كسوريا او دولة كالكويت او دولة حتى كافغانستان او دولة كفنزويلا في اميركا الجنوبية ، تمارس اعنف طاقة لديها سياسيا واقتصاديا وصناعيا وتجاريا وعلميا ........الخ بالانفتاح على المخزن الايراني كي تستفاد منه باقصى طاقة ممكنة وهي دول في معظمها فقيرة بتروليا وبشريا ومواردا اقتصادية اذا قيست ببلد كالعراق ، بينما العراق والذي حباه الله هذه الخيرات الجسام يقف متفرجا مترددا في علاقاته مع هذا البلد الكبير والعملاق ولايحاول الى هذا اليوم من ايام التغيير في العراق وبعد سبع سنوات منه بالانفتاح الجادّ والواقعيّ والمستفيد ...من المنجم الايراني المليئ بكل مايحتاجه العراق اليوم وفي جميع مفاصله الاقتصادية والعمرانية والصناعية والتجارية والعلمية ...والتي كلها بحاجة واقعية للمساعدة من خارج العراق وفي نهضته الجديدة !.
نعم من حقنا كعراقيين ان نتسائل عن اسباب ودوافع هذا التلكئ العراقي والتردد في فتحه لعلاقات اكثر حركية وايجابية على دولة جارة ( جمهورية ايران الاسلامية الشقيقة ) بامكانها ان توفر الكثير للشعب العراقي ، ومصالحه واقتصاده ، وصناعته وعمرانه ، بينما تنفق نفس مؤسسات هذه الدولة العظيم من الوقت والجهد ،لفتح علاقات مع دول ليس للعراق والعراقيين اي منافع اقتصادية او صناعية او تجارية او علمية حقيقية تعود منافعها على هذا الوطن وهذه الامة المسماة عراقية ؟.
مرّة اخرى نقول : ان الشعب العراقي ، ومصالحه هي الاولى ان تغتنم الفرصة الايرانية ، التي تقف امام الباب العراقي فاتحة ذراعيها لكل مافيه خير العراق والعراقيين ، اقتصاديا وعلميا وصناعيا وتجاريا...... والتعلل بالاعذار السياسية للانغلاق عن الثروة الايرانية وما تمثله اليوم من مصلحة حقيقية للعراق الجديد ، هي اعذار وعلل واهية ، واقل مايقال عنها انها اعذار لاتمت للفكر السياسي والاقتصادي الذي يريد ان ينهض بعراق جديد باي صلة اذا لم تكن اعذارا خُلقت لضرب مصالح الشعب العراقي وتطوير واقعه المهدّم والمحتاج فعلا لان ينفتح على تجارب دول الجوار التي توفر له الدفع نحو النهوض واللحوق بالامم والى اين وصلت ، وهذا ماتحتاج فهمه وادراكه اليوم دولة العراق الجديد !.

(( الحسين بين الطريقة الديمقراطية والاخرى السوكاوية ... سيف الثورة !))


حميد الشاكر

في مدينة سوق الشيوخ الصغيرة والمهملة والمنسية ،وهي قضاء تابع لمحافظة ذي قار في العراق ، تكون للشعائر الحسينية رائحة مختلفة وطعم يمتاز بالعتاقة الممزوجة مع طين بقايا سومر على ضفاف انهر الاهوار المنقرضة اليوم ، وفي كل سنة من عودة هذه المناسبة الاليمة على المسلمين جميعا بصورة عامة ، وعلى اهل العراق بصورة خاصة كان يقيم اهالي مدينة السوق تلك الشعائر بروح فيها لمسات لم ارى مثلها في باقي مدن العراق الاخرى ، وعلى ما اتذكره من بقايا ماعلق بالذاكرة لاقامة هذه الشعائر عندما كنت في الخامسة من عمري او شئ قريب من ذالك ، كانت ليلة العاشر من محرم تتحول كلها الى شئ اسطوري وسحري وغريب عجيب !!!
محامل ، وطبول عملاقة تقرع ،...زنجيل يجلد بكل عنف وقوة تلك الجلود ، وماتحتها من عظام بشرية ،..لطم على الصدور يسمع من بعيد هو ونبضات قلوب الصارخين حيدر حيدر ،......فوانيس مضيئة تُحمل تخترق ظلمة الازقة الضيقة والاسواق المغلقة في سوق الشيوخ ، .... مسيرات جماهيرية عملاقة وجماهير تقف بين ضفتي الطرق نساء واطفال وشيوخ وشباب وحتى الرضع كانوا من ضمن المشاركين في المهرجان العاشورائي في الشوارع وفوق سطوح المنازل ،...رائحة طعام موائد الحسين ع الذي تطبخ على كرب النخيل السوكاوية ، ودخانها المرتفع للسماء والذي يرفع معه رائحة الجنة ، ......مشاركين حسينيين يلبسون السواد حالقي الرؤوس ومنهم من يلبس البياض والاخر الخضرة ،.... الخ !!!!.
كل هذا يظهر في ليلة واحدة في مدينة سوق الشيوخ ، صاحبت المباني الطابوقية المنتفخة من عوامل الرطوبة ،وقدم المدينة ورائحة مياه الاهوار الخانقة المترشحة من تحت اقدام البشر في الارض لتختفي عندنهاريوم العاشر فجأة ليعمّ الصمت ويخيم الهدوء ولاتنطق الالسنةوتوجم الوجوه وتهمس الكلمات ،وتتململ المدينة من نومتها التي لم تنمها من ليلة العاشر من محرم الفائتة !!.
عندما كنت طفلا اتذكر انني كنتُ اجرر عباءة امرأةوامسكها بقوّة وهي تقف على احد شوارع خروج التعزيات في ليلة العاشر من محرم واتذكر ان كل هذه المظاهر كانت مظاهر تتحرك في الشوارع الخارجية للمدينة الا انها تختم بصدري الصغير كنقش خاتم لايمكن ازالة اثاره من الوجود ابدا ، واتذكر ....!!!.
نعم اتذكر ميزة مدينة سوق الشيوخ التي تنفرد بها عن باقي المدن ، انها عندما تريد ان تّعبر عن احياء المشاعر الحسينية كانت تخلق حياة مختلفة واجواء مختلفة ،... كانت تخلق هوية ثورة ، ... كان الحسيني في سوق الشيوخ يحمل سيفا رهيبا ، سيفا عندما كنت اراه افقد الشعور بالحياة اليوم لاعود الى حياة علي بن ابي طالب والحسين بن علي ومعركة الطفّ وكيف انه كان يوما من ايام الله التي لاتنسى مطلقا من بين الايام !!.
قبل يومين شاهدت تعزية عاشورائية لمدينة سوق الشيوخ ،ورايت فيها نفس سيف الثورة ذاك الذي لم يجعل للنوم سبيلا الى عيني في ليلة من الليالي عندما كنت طفلا ،لم يزل بيد الحسيني السوكاوي الذي ايضا لم يزل ينتظر يوم الثورة للاخذ بثآرات الحسين من قتلته وقتلت الاسلام والدين والشريعة ،وكأنما كل شئ استطاع الزمن ان ينتصر عليه في داخلي الا سيف الثورة ذاك لم يزل مشهورا بيد صاحبه المنقب بالسواد والراكض في ازقة سوق الشيوخ وهو يصرخ حي على الجهاد !!!.
بهذه الطريقة بقت شعائر الحسين تنتقل من جيل الى اخر ، وبهذا المعنى وكلما تغيرت معالم الحياة من حولنا ، بقيت سيوف الحسينيين في سوق الشيوخ في قرابها تنتظر اليوم الموعود ، وكأنما هي الامانة التي ورثها جيل بعد جيل من ثورة الحسين نفسه عندما تساقطت يدي العباس بترا ليسقط السيف امانة بيد انصار الحسين ليحملونه في بيوتهم زمنا بعد زمن ، ويورثوه لاطفالهم جيلا وراء اخر !!!.
انها الطريقة التي لايريد مفكروا العصر الحديث ، وكتابهم والمتنطعين بالحداثة والتحضّر ، والعقلنة من العراقيين بالخصوص ادراك اسرارها او فهم تجلياتها الحضارية الحقيقية ،او قراءة باطنها وليس الاكتفاء بقراءة ظواهر الشعائر الحسينية الشعبية التي يرونها بغرائزهم فقط وليس بابعد من ذالك بكثير !!!.
مع الاسف في يومنا الحاضر هناك من يريد ان يخضع كل شيئ لمزاجه المُحدث الجديد ، ليقيسه بمقاييسه المادية او العلمية كما يدعي فحسب ، وحتى شعائر الاسلام الاصولية هناك من يريد اخضاعها للمنطق والعقل لاغير ليرى مايناسب العلم الذي هو يعتقد انه العلم ، فيقبله وما لايناسب روحه المادية الحيوانية فلا يستسيغه على الاطلاق ، ونسي او تناسى مثل هؤلاء الممسوخين ماديا ان في الحياة ماله مقاييسه الاخرى التي لاتخضع بمفهومها وماهيتها وهويتها ..لا للعقلنة ...ولا للعلم ولا للمادة والتقوقع ، وذالك ليس لانها غير علمية ولاعقلية ولافلسفية ..، ولكن لانها من النوع الذي مقاييسه مختلفة وموازينه ليست من جنس موازين القوانين العلمية والعقلية او المنطقية والفلسفية .... وهكذا !!.
نعم الفن ايضا ظاهرة حياة انسانية ، الا ان للفن مقاييسه وقوانينه وموازينه ورؤاه الجمالية والاخرى الروحية المختلفة عن موازين العقلنة والعلم والفلسفة والمنطق ، ولايمكن بحال من الاحوال ان نحكم على اي ظاهرة او عمل فني بموازين وقوانين العلم والعقل والعقلنة ومختبرات المادية والانحدار الظاهري لمزاجيات البشر الحيوانية لاغير !!!.
لا ... لايمكن لنا ان نخضع الفن لقانون الجاذبية ، ولانخضعه لقوانين الجزء الذي لايمكن ان يكون اكبر من الكلّ في الفلسفة والمنطق ، ولهذا نقول للفن قانون الجمال وللفن قانون الخيال وللفن قانون الذوق وللفن قانون الاسطرة ....الخ الذي نفسها لايمكن اخضاع العلم والفلسفة والمنطق لمداميكها ومقاييسها وقوانينها الواقعية !!.
وهكذا الدين فهو من عالم الفن والخيال والجمال والبهاء والاخلاق والروح والرمز والغموض والبحث والتأمل .....اقرب منه من روح العلم وقوانينة والعقلنة وفلسفتها والمادية وانحداراتها الغريزية الظاهرية فقط وهذا لايعني مطلقا ان الدين ضد العقل او الفن ضدّ العلم او ضد الفلسفة او ضد الحياة الظاهرية المادية المتغيرةوانما معناه ان للدين كالفن معاييره وموازينه وقيمه وقوانينه الخاصة به ، التي تمزج بين قوانين العلم ، والمنطق والعقل والفلسفة من جهة ،وقوانين الفن والجمال والاسطورية والخيال والروح والانفلات ..... من جانب اخر !!.
ان الشعائر الحسينية التي لايريد ادراكها او ادراك معانيها وفحواها الرمزية بعض المتمدرقين (الديمقراطيين) الجدد لاتختلف في واقع وجودها كثيرا عن واقع وجود ومظاهر الدين والفن ، وما يحمله هذان الوجودون من موازين ومقاييس خاصة بهما فحسب وان مقاييس الجمال الفنية مختلفة بطبيعة المنهج عن مقاييس القوانين والسنن العلمية ،وكذا مقاييس وموازين الدين الروحية والنفسية والعقلية ، هي مختلفة بالمرّة عن مقاييس وموازين التمنطق والفلسفة واذا اردنا او شئنا ان نخضع ظاهرة فن او علم لموازين ظاهرة وعلم اخرى مختلفة عنها ، فسنجني بذالك رؤى وموازين واضطرابات فكرية واخرى ذهنية تخلط حابلا بنابل ، لتحاكم الفن حسب قوانين الانشطار الذري ، وتحاكم الدين حسب مقاييس الاشتراكية المادية ، وتحاسب العلم حسب مقاييس اساطير اجدادنا السومريون القدماء !!!.
وبهذا نعلم : ان مقاييس وموازين وقوانين الشعائر الحسينية هي ايضا مقاييس ، وموازين ، وقيم مختلفة تماما عن اختلاف مقاييس وموازين العلم والفلسفة والتمنطق والديمقراطية وغير ذالك ، بل ان للشعائر الحسينية قوانينها الابداعية ، والفنية والدينية والفلسفية والعلمية التي تجمع كل هذا الخليط الجميل لتصيغه بقصة واحدة اسمها شعائر الحسين العاشورائية !!.
وايضا ينبغي عندما ننظر للشعائرالحسينية العاشورائية الثورية ان لانغفل عن موضوعة المقاييس والمعايير والقوانين التي تختلف من ظاهرة الى اخرى ، وندرك ان لهذه الشعائر موازينها وقوانينها الجمالية والفنية الخاصة بها والتي لايمكن اخضاع غير هذه الشعائر لموازينها وقوانينها وقيمها الفنية ، فلايمكن مثلا ان نخضع العلم وقوانينه لمقاييس الشعائر الحسينية وكذا لايمكن ان نخضع الفن ولا الدين ولا الفلسفة .... لمقاييس وقوانين ورؤى هذه الشعائر الحسينية ايضا كي لايكون لدينا خلط في الرؤية وتشويش في القراءة لكل ظاهرة في حياتنا هذه ؟.
الان من حق اي انسان وقارئ ظاهرة وباحث عن تأمل في الشعائر الحسينية الكربلائية ان يسأل حول ماطرحناه انفا ب : انه ماهي تلك الموازين والمقاييس الحسينية العاشورائية التي فصلتها فكريا عن باقي الظواهر والعلوم الانسانية الاخرى ؟.
ثم من اين تبلورت هذه المقاييس والعلوم للظاهرة العاشورائية الكربلائية الحسينية حتى وضعتها في قبالة الدين والفلسفة والعلم ايضا ؟.
بمعنى اخر : نحن ندرك ، ان قوانين العلم نواميس موجودة في الكون ، وقوانين الدين وحي نازل من الله سبحانه ، وقوانين الفلسفة مبادئ عقلية توافقت عليها الانسانية لتصبح مقاييس وقوانين وموازين فكرية ، لكن من اين تلك القوانين والموازين والمقاييس العاشورائية الحسينية التي شقت طريقها بفردانية حتى تدعوا الى عدم خلطها بباقي العلوم والاتجاهات الاخرى ؟. وبعد لماذا تريد فصل الظاهرة العاشورائية عن الظاهرة الدينية مع ان الحسين والدين شئ واحد ؟!.
ويمكن ليّ ان اجيب من النهاية لاقول : نعم هناك الكثير ممن اراد البحث في الشعيرة العاشورائية الحسينية الثورية ليفهمها وليدرك مضامينها الفنية ، ومن ثم ليبحث بقوانين الدين عن مقاييس وقوانين الشعائر الحسينية الثورية الكربلائية بين ايدينا اليوم ، والحقيقة ان البحث بهذا الطريق ((من وجهة نظري الخاصة )) لاتفضي الى نتائج واقعية في فهم الشعائر الحسينية ، وهذا طبعا ليس من منطلق القول ان الحسين وثورته منفصل عن الدين وشرائعه وقوانينه ، بل من منطلق ان من اراد ادراك الشعائر الحسينية وفهمها من خلال المنظور والقانون الديني الاسلامي فحسب ، كان توجهه بحثيا في طريقين خاطئين تماما في تناول الظاهرة العاشورائية الحسينية وهما :
اولا : طريق البحث في القوانين الدينية عن شرعية الظواهر العاشورائية الحسينية .
وثانيا : دمج البحث بين قضية الحسين وثورته كجوهر اقتبس شرعيته من الدين والاسلام ، وبين الشعائر الحسينية التي هي تعبير بشري شعبي وظاهرة انسانية اجتماعية انبنت على شرعية الثورة الحسينية الاسلامية لتكون لها انعكاسا بشريا وليس منعكسا ايحائيا دينيا نصيا فحسب ؟!.
بمعنى اوضح : انه بالفعل لطريق بحثي خاطئ عندما يبتدأ احدنا ببحث الظواهر العاشورائية الحسينية من خلال : هل ان لها مصدرا نصيا اسلاميا من قرآن وسنة نبوية وامامية معتبرة ؟.
أم انها من البدع التي لااشارة او اساس ديني اسلامي لها في الواقع ؟.
وهذا من واقع ان صاحب ذهنية البحث الخاطئة هذه اراد ارجاع الظاهرة العاشورائية والشعيرة الحسينية التي هي بالاساس منتج بشري انساني انبنى بعد ثورة الحسين ع ومن بركات نهضته الاسلامية ،ليبحث عن مصدرها وشرعيتها ليس في جانبه الاجتماعي الانساني الطبيعي الذي هو الشرعية الحقيقية للشعائر الحسينية ، وانما في جانبه النصي الاسلامي الايحائي الذي هو اسس لثورة الحسين بالاساس وترك للناس وللمجتمع وللامة ان تقوم بواجبها ومسؤولياتها تجاه الحسين وثورته !!.
وبهذا المعنى كان ينبغي على صاحب البحث في الشعائر الحسينية وبكافة تلاوينها واطيافها وتعبيراتها ومفاهيمهاان لا يسلك طريق النص والوحي والسنة فقط ليدرك هل ان للشعائر الحسينية رصيد شرعي او غير شرعي ( باعتبار ان الشرعية واردة بصورة طبيعية في احياء الامر الحسيني اسلاميا وادامة الحياة فيها ) ، وانما كان عليه ان يدرك اولا ان الكيفية العاشورائية تركت شرعيا واسلاميا ودينيا للمجتمع كي يقيم من صلبها كما يرتأيه هو فنيا وعاطفيا ووجدانيا وروحيا وفكريا وعلميا ...، وحسب متغيرات حياته الانية على شرط ان تبقى روح الثورة الحسينية متحركة داخل هذه الشعائر الكربلائية العظيمة !!.
نعم ان شرعية الظواهر العاشورائية الحسينية وعظمتها ايضا في انها مكوّن اجتماعي شعبي جماهيري انساني فطري مباشر وليس هو مئة بالمئة قانون لاهوتي او مرسوم ونظام سياسي يفرض على البشر هنا وهناك ليقيموا من الشعائر الحسينية الثورية الكربلائية رغما عن انفهم وخضوعا للنظام الاجتماعي العام الذي من واجب الدولة ان تقيمه على الجميع !!.
لا ...،ليس الشعائر الحسينية قوانين دينية صارمة كالصلاة والصوم والدفاع عن الامة ... في الدين ، ولاهي قوانين سياسية يراقبها ولاة الامر ويفرضها اهل الحسبة ورجال الشرطة على المواطنين كي يقيموا من قوانينها ،وهي ايضا ليست ترف فني وخيال درامي كي تصنع بماكنة السينما والميلودراما فحسب ،بل هي شعائر تنطلق من فطرة المجتمع الشعبية لتعبر بما يلهما عشق الحسين واحياء نهضته بمشاعر الحب الحرّة التي تفسح له المجال في تصوير الثورة الحسينية طبيعيا وليس آليا او مقننا بقانون لايتغير من هنا وهناك ، وانما هي جماهيريا لاهل الحرف البسيطة وطبقات المجتمع الفطرية والمارين بالطرقات والساكنين في بيوتهم ولايخرجهم لانشاء هذه الشعائرالحسينيةغير حب الحسين وحب الاسلام وحب الثورة بحرية وبعيدا عن اي ضغوط تمارس ، او سوط سلطان يلاحقهم لاقامة الشعيرة الحسينية ، او قانون دين يبشرهم او يحذرهم من العقاب الاليم او مهندس يخطط لهم افعالهم ، هنا الطم ، وهنا ابكي وهنا ارفع السيف واصرخ حيدر.... ، او قائد يشرح لهم كيفية التعبير بديمقراطية او بعدم ديمقراطية عن ولائهم وحبهم لثورة الحسين !!.
بل الشعائر الحسينية هكذا بدأت ،بحرية منبثقة من الناس البسطاء الذين لايملكون اي شئ غير الحسين وثورته والذين ايضا لايمتلكون عبقرية الفلاسفة ، ولاحدة ذكاء العلماء ، ولا مرواغة الساسة ،ولاخلاعة اهل الفن والمجون ولذالك ترى الفلاسفة ينظرون لشعائرهم بلا عقلانية ، واهل العلم ينظرون لهم بلا حضاريةواهل السياسة ينظرون لهم على اساس الغوغائية واهل الفن يحسدونهم على كيفية بدائيتهم في التعبير واقتحامهم فنيا قلوب جميع الناس اجمعين باسم الحسين !!.
ومن حق الفلاسفة فعلا ان يروا الحسينيين بهذه الصفات وكذا من حق العلماء ان يرتفعوا عن ممارسة مايمارسه الحسيني البسيط ، وكذا السياسي من حقه وهكذا خريج الفنون الجميلة الذي يبدع في كل فن الا بفن يتصل بالشعائر الحسينية الفطرية فانه اعجز من ان يفهم فنية سيف الحسيني في سوق الشيوخ عندما يُرفع في ليلة العاشر من المحرم ، وكيف انه استطاع اختصار العالم كله وثورة الحسين بدمائها الفوّارة بلمعة سيفه وهي تبرق على ضوء القمر في ليلة العاشر من محرم !!.
الخلاصة :(( ينبغي علينا ان ندرك ان صاحب الشعيرة الحسينية الخالدة ، والتي استطاعت ، هي وحدها ان تحافظ على تراث الحسين ع وثورته ونهضته ودمه .....وكل تضحياته هو ذاك الحسيني الملثم بالسواد والحالق راسه بالموسى في ازقة سوق الشيوخ الذي لم يزل ينتظر يوم الثورة الموعود منذ الف واربعمائه عام اسلامية ،وهو يوّرث سيفه من جيل الى جيل ،وليس صاحب الشعائر الحسينية والاحق بها من غيره هوانا وانت اوصاحب النظرية العلمية اوكاتب الاطروحة الفلسفية ، او الناقد الفني في صالونات قناة التلفاز الفضائي الذي ربما يغمى عليه ان راى الدماء تسيل من صلعة ثوري يناضل على طريقة الحسين وثورته بل هو هو ذاك الذي خلق الشعائر الحسينية اليوم ولم ينتظر تنظيرات الديمقراطيين الحضارية التي تريد ان تصنع ثورة حسينية حول كيكة عيد ميلاد وشمعة ليالي حمراء شعرية !!).

(( لولا الحسين لما ذكر محمد رسول الله ص !.))


حميد الشاكر

لولا الحسين لما بقي اسلام !!.
ماذا تعني هذه الجملة المفيدة التي نقرأها ونسمعها من على المنابر وعلى السنة الخطباء الحسينيين ؟.
وهل فعلاان هناك فرقا بين رؤية الحسين ع نفسه لدوافع ثورته ومبررات نهضته هي مختلفة عن ما توصلنا نحن اليه عندما بحثنا هذه المبررات والدوافع اليوم ؟.
أم ان ماتوصلنا اليه فكريامن حقائق الدوافع والمبررات للثورة الحسينية لاتعدو ان تكون قشورا لما لمسه الحسين من حقائق كارثية قائمة في زمنه دفعته لتنظيم ثورته والعجلة في وقوعها في كربلاء الشهادة ؟.
يُقال في دوافع ومبررات الثورة الحسينية انها كانت تعني الاتي :
اولا : تعني ان الحسين ع كشف مؤامرة اغتيال الاسلام فضحى بروحه من اجل حياة الاسلام !.
ثانيا : تعني ان الحسين وشهادته وثورته هي امتداد للاسلام واستمرارا لحياته التي تقريبا كانت على وشك الموت !.
ثالثا : تعني ان الحسين رأى موت الاسلام داخل نفوس الامة فاراد بثورته احياء روح الاسلام داخل الامة !.
رابعا : تعني ثورة الحسين ثورة اصلاح رممت مافسد من الاسلام والدين والمجتمع والحكم !.
خامسا : تعني ان الحسين وثورته خطّت اسلاما محمديا على السيرة الاولى ولولا اسلام الحسين الثوري لما بقي من اسلام محمد اي شئ ، ولوصل الينا اما اسلاما شبيها بالجاهلية او جاهلية متسمية بالاسلام !.
سادسا : تعني ان هناك كان عملا على تشويه ماتبقى من احكام وافكار الاسلام الاصيلة ،وجاءت ثورة الحسين لتقلب الطاولة على اساطين الجريمة والتحريف !......الخ .

ربما كانت هذه هي معظم التحليلات التي ارادت ايصال فكرتها لنا نحن الذين نقرأ او نسمع فكرة:لولا الحسين وثورته لما بقي للاسلام في هذه الحياة باقية ،وهي كما ترى تصورات تريد ان تصل الى المبررات والدوافع الحقيقية التي كانت داخل الحسين ع نفسه ودفعته لاعلان ثورته الاستشهادية الاسلامية المباركة ، فهي مبررات ودوافع تتحرك داخل دوائرلاتتعدى الاتي :
اولا : مصلحة الاسلام
ثانيا :الخوف عليه .
ثالثا :الدفاع عنه .
رابعا :طلب الاصلاح في امة محمد ص .
خامسا : الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
سادسا : دفع الاذلال وطلب الكرامة والحرية .
سابعا : رفع الشرعية الاسلامية عن النظام الاموي .
ثامنا : تأسيس شرعية اسلامية للثورة على النظام السياسي المنحرف .
تاسعا : صحوة الامة ونهضتها من غفوة الخنوع للظلم .
وكل هذه المحاور مهمة وعظيمة وخطيرة ايضا في فهمنا وادراكنا للثورة الحسينية ومبرراتها واهدافها وعواملها الحقيقية التي هي في سعتها كالبحر الذي لاينفد في وعيها وعلمها والوصول الى عمقها حتى لو كتبت حولها جميع اقلام البشر من بني الانسان بمداد حبر لاينتهي !!.

نعم لكنّ هناك في الحقيقة زاوية ربما لم يلتفت اليها احدٌ بعدّ في المبررات والاهداف والعوامل والرؤى الحسينية نفسها التي كانت تتحرك في داخل الحسين ع كرؤية واضحة توجب عليه التفكير بالثورة والانتفاض والاستشهاد ومغادرة هذا العالم من اجلها ، وهي كما يبدو لاتقلّ خطرا حقيقيا من خطر الاسلام نفسه عندما يتعرض لمكروه او لعبث من قبل العابثين او لتزييف لجوهره من قبل المزيفيين ، الا وهي فكرة (( لولا الحسين لما ذكر محمد رسول الله ص )) ايضا !!.
الحقيقة عادة مايركّز المفكرون في القضية الحسينية على ثنائية:((الحسين والاسلام او الحسين والدين او الحسين والمجتمع او الحسين والحرية او الحسين والاصلاح ، او الحسين والعدالة ، او الحسين والسلطة .........الخ )) لكنّ ليس هناك حسب اطلاعي من اشار بوضوح الى ثنائية :(الحسين ومحمد ) باعتبارها ثنائية أسست للثورة الحسينية بكل ابعادها الاستشهادية التي خلقت من الحسين شهيدا من اجل محمد الرسول ص ، قبل ان يكون الحسين شهيدا من اجل الاسلام ، والدين والمجتمع والامة والعدالة والمعروف ..... كذالك !!.

وهذه الثنائية (الحسين ومحمد) كمبرر ودافع للثورة الحسينية لاتبرز بوضوح الا اذا حاولنا الولوج الى داخل التفكير الحسيني واستخلصنا رؤيته لمعنى استمرار حكم الامويين في السلطة ،مع رجوعنا الى تاريخ ماقبل النهضة الحسينية في بدايات ولادة الدعوة الاسلامية المحمدية وكيف انها جوبهت من قبل اعدائها وماهي نظرة اعداء الاسلام ومحمد ص قبل ان يسلموا لهذا الرسول وهذا الوحي وهذا الدين والاسلام ؟....الخ.
وكل هذا لندرك فقط الخلفية التاريخية التي كانت حاضرة في الحدث الحسيني وهي تفكر بالثورة والاستشهاد من اجل محمد الرسول كمنقذ للبشرية ورسول الله وخاتم النبيين ص ؟!!!.

إن التاريخ يذكر لنا ان العائلة الاموية من العوائل التي قادت الكفروالشرك في الجاهلية ضد الاسلام باعتبار واحد لاغير وهو : (( انه في الواقع لادين نازل من السماء اسمه الاسلام ، ولايوجد شئ اسمه نبوة ووحي نزل على محمد بن عبدالله ، وانما محمد يريد السلطان فادعى النبوة كذبا وبهتانا وافتراءا على الله ، وما هو الا متعلم وكذّاب وساحر وكاهن .....الخ))كما ذكر القرءان الكريم بالضبط احاديث عتاة المشركين الكفرة من قريش وعلى رأسهم بني امية ، عندما كانوا يحاولون تقييم قضية الاسلام ومحمد والوحي والنبوة والقرآن وغير ذالك !!.

وحتى ان احد قادة الكفر الجاهلي كان يوصي بعدم مناهضة الدعوة المحمدية ( كما ذكر التاريخ كلمة الوليد ابن المغيرة عندما سمع القرآن من محمد / انظر السيرة لابن هشام ) من منطلق ان هذه الدعوة التي اسماها محمد بالاسلام ، هي دعوة حلوة خضرة ولايمكن التصدي لها ومناهضتها والانتصار عليها بالسيف والقوّة ،ولكن يمكن الانتصار عليها بالحيلة والمكر عندما يؤمن عتاة الكفر من قريش نفاقا بالاسلام ليقيموا سلطانهم ومصالحهم ومنافعهم باسم الاسلام نفسه ومن داخله ،وبهذا يكون القرشيون قد وفرّوا دمائهم بحرب لاتوصل الى هدف من جهة وفازوا بملك محمد من داخله وباسم الاسلام من جانب اخر !!!.

لكنّ شخصية قيادية اموية اخرى كان بيدها الحلّ والعقد كله بدولة الشرك والكفر والجاهلية المناهضة للاسلام ولمحمد رسول الله ص وهو ابو سفيان ابن حرب الاموي ابو معاوية وجدّ يزيد ابن معاوية كان رايه الحسم والحرب مع الاسلام ومحمد من منطلق رفض حتى فكرة الحيلة والمكر تلك للانتصار على الاسلام ومحمد ، بل كان هذا القائد الاموي يرى وجوب استئصال شأفة هذه الفكرة المسماة اسلام وهذا الرجل الذي يفتري على الله بالرسالة ( محمد ) الى الابد ووجوب فضحه على اساس انه كذّاب ومحتال ومدعي صلة بالسماء !!.

وهكذا استمرت الحرب بين الكفر والشرك بقيادة ابو سفيان ابن حرب الاموي ومحمد رسول الله ص والاسلام والتوحيد حتى انتصار الاسلام اخيرا وارتفاع دولة محمد رسول الله ص ، وعندئذ وفي اخر ايام الكفر والشرك وعندما لم يكن هناك مخرج للمشركين تحت معادلة اما الاسلام او النفي خضع قائد الكفر والشرك العتيد للاسلام عنوة ليعلن ابو سفيان ابن حرب الاموي اسلامه في اخر لحظة وهو دائم التذكير بحقيقة :(( والله ما من جنة ولانار ولكنه ملك ودنيا )) اشارة الى اصالة فكرة عدم ايمانه بوجود وحي او نبي او رسول او اتصال بسماء وغير ذالك !!.

انتقل محمد الرسول ص الى الرفيق الاعلى ، لتلعب الدنيا وحبها ، والمصالح القبلية لعبتها ، بالانقلاب الكبير في سقيفة بني ساعدة لتؤسس لشرخ في التاسيس الاسلامي الذي لم يكتمل بنيانه بعد وليظهر قادة الكفر القدماء ثباتهم على الفكرة (بانها لعبة ملك وسلطان وليس هناك نبوة ولارسالة ولاوحي.. اصلا ) بان اعلن ابو سفيان استعداده للمشاركة بحرب الفتنة داخل الاسلام ، وبالفعل قدم لاحد اطراف النزاع ( علي بن ابي طالب ) نصيحة دخوله للحرب ، والمعركة وانه مستعد ليملئن على المدينة سيوفا وخيلا مناصرة لعلي بن ابي طالب ضد خصومه وارجاع السلطان والخلافة اليه !!.

لكنّ وبما ان عليّا بن ابي طالب ع كان يدرك نوايا امثال ابي سفيان الاموي واضرابه فما كان ، الا ردع هذا المتصيّد بالمياه العكرة الذي نذر حياته فقط للانتصار لفكرته الجاهلية التي تقول :(( والله ما من جنة ولانار ولارسالة ولاوحي ولانبوة ولكن دنيا وسلطان لاغير !!)).

وبعد ذالك بقي هذا القائد الاموي (ابو سفيان ابن حرب ) وفيّا لافكاره ومعتقداته في الشرك والكفر والجاهلية الاولى حتى اخر يوم في حياته الى ان تغيرت موازين اللعبة السياسية في الاسلام ليُقدم عثمان ابن عفّان الاموي الى سدّة الخلافة والملك على الاسلام ،ليقول شيخ الامويين القديم مقولته الشهيرة في خلافة عثمان الاموي هذا عندما رأى ان الملك اصبح قريبا منه ومن عائلته جدا :( تلقفوها يابني امية تلقف الكرة فوالله مامن جنة ولانار ) ليموت على هذه الكلمة بعد ان اودعها ابنائه واحفاده الى يوم الدين !!.

في سنة واحد وستين للهجرة جاء يزيد ابن معاوية بن ابي سفيان ابن حرب الاموي الى السلطة والخلافة بعد ابيه وهو يحمل كل هذه الثقافة الاموية الجاهلية التي ورثها كابرا عن كابر تجاه الاسلام والرسالة والنبوة والوحي ومحمد ص من جهة وجاء الحسين سيد شباب اهل الجنة باسلامه وتراثه وثقافته تجاه الرسالة والوحي والنبوة والايمان ...وكل مايحمله عن جده محمد رسول الله وابيه علي بن ابي طالب ونظرتهم للرسالة والاسلام !!.

نعم جاء الحسين في العقد السادس للهجرة ليرى امامه يزيد بن معاوية يطالبه بالبيعة !!.
يمتنع الحسين عن البيعة ويعلن الثورة وينال الشهادة في العراق !!.

ياترى ماذا كان يرى الحسين في بيعة يزيد وتنصيبه زعيما وقائدا للمسلمين ؟.
هل رأى الذلّة في البيعة ليزيد فحسب فابى البيعة ؟.
هل راى المجون والدعارة والاستهتار ليزيد فامتنع عن البيعة ؟.
هل وجب على الحسين الامر بالمعروف والنهي عن يزيد بن معاوية فامتنع عن البيعة ؟.
هل طلب الاصلاح والصحوة للامة الاسلامية فامتنع عن البيعة ؟.
هل اراد نزع الشرعية عن يزيد فامتنع عن البيعة ؟.
أم ان الحسين رأى ان بيعة يزيد تعني الكفر برسالة محمد ص ووحيه وصدق نبوته فامتنع عن البيعة ؟.

بني امية حسب معرفة اهل البيت ع بصورة عامة والحسين بصورة خاصة لم تكن لهم مشكلة مع النظام الاسلامي او الاسلام او الدين كقانون يضمن السلطة ويدير المجتمع ويضبط حركة الناس ويسوسهم بالاحكام ،لكنّ مشكلتهم الاولى والاخيرة كانت مع محمد رسول الله ص وصدق نبوته ودعوته ووحي السماء النازل اليه واعتبار الاسلام شريعة الاهية !!!!.

نعم ال امية ومنذ ان جاء الاسلام ودخلوا بحرب معه لينتصر عليهم اخيرا ويدخلوا فيه رهبا ...كل هذا جعل من الاسلام ثروة على اي حال لبني امية فيما بعد وليس مشكلة على الاطلاق ليجتهدوا بتدميره على الجملة ، ولهذا وبعد ان استقرّ الاسلام في قلوب الناس عاد الامويون الى فكرة ذاك الشيخ القديم في الجاهلية :(الوليد ابن المغيرة /ابو خالد ابن الوليد ) ليدركوا حكمته الجاهلية البليغة ،عندما اشار عليهم بالاحتيال على الاسلام بدلا من حربه ليؤمّن لهم الاسلام مصالحهم فيما بعد وهكذا اجتهد الامويون بما فيهم جميع مشايخ العهد الجاهلي المباد وحتى الجديد الاسلامي ان يظهروا الولاء للحكم الاسلامي مادام الاسلام حكما يسوس الناس ومادام الدين هو البوابة الكبرى للوصول الى السلطة والمال والسلطان ومادام ان سرقة المنجز الاسلامي ممكنة وبسيطة ولاتحتاج لعناء كبير من البيت المحمدي الهاشمي النبوي الكريم !!.

انا ادرك ان هناك الكثير ممن يمتلك رؤية احادية الزوايا في قضية الثورة الحسينية وانها ثورة فقط جاءت من اجل الدفاع عن الاسلام ، وان بني امية كانوا اعداء الاسلام وارادوا تزييفه وقتله وتدميره على اي وجه ، ولهذا دافع الحسين وضحى بحياته من اجل الاسلام الذي ناضل البيت الاموي لتدميره ......الخ !!.

وعندما تأتي رؤية اخرى لتقول : يجب اعادة القراءة في عوامل ومبررات ووجهات النظرفي الثورة الحسينية وان هناك سوء ادراك للمخطط الاموي الخبيث ضد رسالة محمد وان الامويين لم يكونوا في الحقيقة من المتضررين من الاسلام كحكم وسلطة وسلطان ونفوذ وقوانين ، وانما الضرر الواقع عليهم ، هو كون نسبة هذا الاسلام لمحمد ص ، واهل بيته ورسالته والاعتقاد بالوحي النازل من السماء فحسب ولهذا كان العمل الاموي ناهضا في الاحتفاظ بهيكل الاسلام السياسي باعتباره اطروحة حكم بل انهم كانوا من المخلصين ( لخدمة الاسلام) بقدر مايخدم هذا الاسلام حكمهم وسيطرتهم ومنافعهم وطاعة الناس لسلطانهم وتمتعهم بالملذات الدنيوية باسمه وعلى هذا الاساس اننا نكون مخطئين فعلا في الرؤية عندما نقول ان الاموييين كانت لهم مشكلة مع الاسلام السياسي بينما الكثير من الاعمال الاموية التاريخيةتؤكد على حفاظ هذه العائلة المالكة عليه تاريخيا وهذه الرؤية بالفعل ستضعنا كباحثين عن الحقيقة مع تناقض ، اولا مع التاريخ وثانيا مع القارئ المتلقي الاخر الذي يريد ان يقرأ لنا بحثا عن حقيقة وليس بحثا عن كل ماهو مناقض لما ذكره التاريخ في الواقع وهذا كله بسبب ان فكرتنا عن الاستراتيجية الاموية العاملة ضد الاسلام كانت قراءة سطحية وغير مدركة لفهم الامويين للاسلام واين تكمن مشكلتهم : اهي مع الاسلام فعلا الذي اوصلهم للحكم والسلطة وهيئ لهم الامر وضبط افواه الناس عنهم ؟.
ام ان مشكلة البيت الاموي مع صاحب الرسالة النبوية الالهية محمد رسول الله ص واهل بيته باعتبار انهم الخلفاء على اسلامه من بعده ؟!!.

ان التاريخ يذكر لنا ان الامويين فتحوا بلاد العالم بالاسلام واسمه وعربوا دواوين الدولة ورفعوا راية الاسلام واقاموا صلاتهم وصاموا رمضانهم ، وحجوا الى بيت ربهم ....الخ ، وهذا كله صحيح مادام للاسلام قدرة على توسعة السلطان وفتح البلدان وملئ خزائن ال امية بالغنائم وكل ماتشتهيه الانفس ، فلماذا يعادي بني امية هذا الاسلام ؟.
وبالفعل كان معاوية بن ابي سفيان الاموي (وفيّا ) للاسلام ، مادام معاوية لم يزل يحكم باسمه اي انه وفيّا لحكمه اولا الذي جاء من خلال الاسلام واسمه ، ولاداعي بعد ذالك لمعاداة الاسلام ، واجتثاثه من الوجود اذا كان الاسلام اكبر ضمانه لشرعية الحكم وطاعة الناس ، او حتى ابادتهم باسمه ان اراد احد منهم ان يعلن العصيان على الحكم الظالم !!.

لماذا يعادي بني امية اسلام يدعوا لطاعة اولي الامر؟. ، ويحث الرعية على تقديس السلطان وحرمة الخروج على سلطانه ؟
ماهو الداعي العقلي ان يدمر بني امية اسلام يوفر لهم كل ماكانوا يطمحون له في الجاهلية وفقدوه على يد الاسلام عندما قدم على يدي محمد رسول الله ص ؟.

هنا سوف تكون الرؤية مختلفة والاولويات يجب ان يعاد ترتيبها في قراءة الحدث والثورة الحسينية ، وهل ان نضال الحسين وثورته كانت كلها منصبة للدفاع عن الاسلام السياسي فحسب ؟.
أم ان الحسين يدرك الاستراتيجية الاموية المعادية لاسلام محمد رسول الله ص بالذات ،وان الامويين يريدون اسلاما بلا محمد واهل بيته لاغير ، وانهم ساعون هذه المرّة لالضرب الاسلام كمنظومة حكم بل لضرب محمد ص كمشرّع ومبين لحكم الاسلام وصورته ووحيه وروحه وقيمومته على المجتمع وكيف ينبغي ان يقرأ ؟.

ومن هذا المنطلق جاء كل التراث المزيف الاموي باسم الاسلام ، الذي يدعوا الى حرمة الخروج على الحاكم الظالم ، ووجوب طاعته باسم الاسلام والرضا بالقضاء والقدر والاعتراف للخليفة بالملك باعتباره خليفة لله ومالك تحت رعايته ..وهكذا !!!!. اي بمعنى مختصر ان العائلة الاموية ( حسب الرؤية الحسينية الثورية ) ،قد انتقلت في استراتيجيتها الحربية ضد الاسلام في الجاهلية الى استراتيجية استيعاب الاسلام ، واستغلاله على شرط العمل على تفريغه من غطائه المحمدي الرسالي الذي يدعّي الوحي والنبوة والاتصال بالسماء والقداسةليكون الاسلام اسما للسماء لكن مضمونا وروحا وحكما وسياسة وادارة فهو لاولي الامر والسلطان من ال امية فحسب ، وليكون في النهاية الاسلام الاموي ((حسب التصورات والافكار والاحكام الاموية)) هو الحاكم بالحقيقة بعد ان تفرّغ تماما من مضمونه المحمدي الرسالي الايحائي الالهي الصحيح !!.

نعم الحسين ع شعر ان مرحلة حكم يزيد بن معاوية ، حسب الاستراتيجية الاموية المناهضة لمحمد ورسالته ،ووحيه وصدق نبوته هي مرحلة الانقلاب الشامل على رسالة العظيم محمد ص ليس باعتبارها حكما ظاهريا للدول بل باعتباره اسلاما يتصل بوحي محمد ورسالته اي يتصل بصدق دعوة النبوة وانها اتصال بسماء وانه لاينبغي تجاوز اي مفردة من مفرداتها في الحكم والشرع والحقوق والواجبات (( ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا / قرآن كريم )) ولهذا فمن يقرأ استهتار يزيد بن معاوية على اساس انه فقط سوء خلق ، وتربية اسرية لهذا الشاب ،الذي يُجلس قردا على منبر رسول الله ص فهو واهم وغير عميق في فهم ، واستيعاب دلالات هذا العمل الاموي ، بل علينا ان نقرأ كل استهتار يزيد الاموي واخلاقه المنحرفة عن روح الاسلام وشريعة محمد رسول الله ص و....على اساس انها ثقافة تنتمي للعصر الجاهلي وانها سلوكيات مقننة ومرتبة ومنبنية على استراتيجية في الرؤية للاسلام بصورته الدينية المحمدية التي كان ينظر لها يزيد ابن معاوية على اساس انها اكذوبة خلقت في عصر محمد ص ويجب ان تنتهي هذا اليوم !!.

وهذا هو ربما المبرر الاعظم الذي دفع بالحسين ليعلن ثورته الكربلائية العظيمة واعتبارها ثورة اولا واخيرا من اجل الرسالة والنبوة ومحمد ص اكثر من كونها ثورة من اجل الاسلام اسما وحكما لاغير وهذه الحقيقة هي التي ربما تكشف مدلول مقولة الحسين ايضا ( هيهات منا الذلة ) التي تشير الى ان العائلة الاموية بقيادة يزيد لاتريد فقط بيعة الحسين ع لاغير ان تحققت على فرض ذالك ، بل ان العائلة الاموية تريد اذلال ال محمد ومحمد رسول الله ص حتى في حال ان الحسين بايع يزيد ونزل عند حكمه !!.

ان الحسين عليه السلام كان يدرك كل التاريخ الاموي الاسود ضد محمد ص ودينه وشريعته ، ويدرك ان الامويين لم ينسوا يوما من الايام ان دين محمد ص قد اذلهم وذهب بعزتهم الجاهلية الجهلاء وانه صلوات الله عليه استشعر ان استراتيجية بني امية وصلت الى مرحلت اظهار محمد ص على اساس انه مدّعي وكاهن وكاذب ومفتري على السماء ...وجاء بدين ادعى انه متصل بالسماء امام العالمين ، كما كان يحاول الجاهليون وصف محمد ص قبل انتصار دينه ، ولهذا دُفع الحسين الى الثورة وعلى عجل دفعا ليعيد لوحي الرسالة والنبوة والاسلام قدسيته ولاهوتيته ومحمديته قبل ان يصل بني امية بالنجاح بمخططهم الذي استهدف شريعة محمد ورسالته واسلامه وتفريغ هذا الاسلام من محمديته !!.

وبالفعل قال الحسين كل اهداف ثورته بصراحة وامام الناس بالاصلاح وبالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وان مثله لايبايع مثل يزيد ..الخ ، الا هدف الدفاع عن محمد ص وعن موقعه من الاسلام ، وان حرب يزيد القادمة هي حرب اقصاء محمد عن اسلامه الذي استولى عليه بني امية ،بعد الفاسدين ليخوضوا فيه خوض السلاطين ، المتفرعنين ، الظلمة الذين نهبوا الاسلام تراثا ليحولوه الى مجرد سلطان وسيف وظلم وظلام لاغير ، بعد ان كان في زمن محمد رسول الله نورا وهداية وعدل وحرية للعالمين .... فان الحسين ع ترك هذا الهدف من اهداف ثورته العظيمة للتاريخ كي يدرك المسلمون ان ثورته كانت من اجل ان يبقى محمدا رسولا لله سبحانه وتعالى وليس هو كذّاب او مفتري او ساحر او كاهن .....كما كانت بني امية تريد الوصول اليه ايام يزيد الذي لو قدر له النجاح بسلطانه والاستمرار به لوصل لنا الاسلام اليوم فقط بنسخته اليزيدية التي تدعوا للكفر بها صراحا ، بدلا من الايمان ، وانه دين جاء به شخص اسمه محمد كذب على قومه وافترى على الله ليدعي صلته بالسماء بينما كل احكامه الجائرة وافكاره اللاخلاقية وتصوراته المعوجة تدلل على عدم علاقته بالله سبحانه وتعالى !!.
هذا باختصار معنى فكرة :(( لولا الحسين لما كان او ذكر ان محمدا رسول الله ص ))!.

(( العيش في زمن الاسلام قانونا وفكرا نواة للتقدم والتطور ))


حميد الشاكر

عندما يعيش اي مجتمع تحت اطار قانون وفكرة ما ، فانه وتلقائيا سيتنفس روحه وابداعه وابتكاره وتطلعاته ...الخ من هذا القانون ، وتلك الفكرة ، التي تسيّر من حياته ، وتنظم من شؤون حركته وعلاقاته الاجتماعية وارتباطاته الانسانية بلا شعور ملموس منه ، ولا احساس مادي مباشر بهذه التفاعل الخلاّق ، بين الانسان كمشروع خلافة وبناء لهذه الحياة من جهة وبين القانون والفكرة المهيمنة على حياته الاجتماعية من جانب آخر !!.

والحقيقة ان الاسلام كرسالة عندما أطلّ بوجوده العملاق والكبير على هذه البشرية الضائعةكان يحمل في جعبته لهذا الانسان سفينتان لنجاته من مهلكة الجاهلية واسباب الانحطاط والتمزق والتخلف والتشظيات الاجتماعية ،التي كان يعيش فيها وداخل كنفها الانساني المظلم والاسود :

الاولى سفينة : الفكرة ، التي الهمت البشرية من المسلمين الاوائل الرؤية للعالم والتصور للاشياء والعقيدة والمقدس والفهم والادراك والوعي والارتفاع نحو الاعلى وترك النزول للاسفل والتشبث بالارض فقط !.
الثانية سفينة:القانون والذي تحمل مسؤولية واعباء تنظيم حياة الفرد والاسرة والمجتمع والقضاء والاخلاق والحكم والتشريع داخل الفضاء الاجتماعي الاسلامي الانساني !!.

وبهذه الثنائيتين ،ومن خلال ربط الاسلام ربطا مباشرا بين(العقيدة او الفكرة وبين القانون او الحكم)استطاعت هذه الايدلوجيا الفكرية الاسلامية من صناعة مجتمع جديد وبعلاقات اجتماعية مبتكرة ورصينة وقوية وبرؤى وثقافة وتصورات ووعي عالي ومرتفع وراقي جدا !!.

نعم حذر الاسلام نفسه من جانب اخر مجتمعه الاسلامي من مكيدة ،وبئر الفصل ( بين الفكرة والقانون او بلغة العصر الفصل بين الدين والدولة ) باعتبار ان مثل هذا الفصل في حال وقوعه يتمكن من شرذمة قوّة النظام الاسلامي وقدرته على صناعة المجتمع المتكامل ،والقادر على الابداع والتطور واكتساب القدرة والقوّة في الان الواحد ، وهذا من منطلق رؤية الاسلام نفسه من ان هذا الفصل سيفقد الاطروحة الاسلامية تكاملها الذي اتت به لصناعة امة متكاملة من جميع الجوانب من جهة ، ويفقد ايضا النظام الاسلامي الكامل مقدرته على التشكيل ، وصياغة رؤيته الى صناعة الانسان الغير مزدوج في حياته الاجتماعية والقانونية والفكرية ايضا من جانب اخر !!.

بمعنى اخر ، ان الاسلام اكدّ على فكرة انه اطروحة (متكاملة) وتؤخذ باعتبارها حزمة واحدة ووصفة علاجية مترابطةلايمكن لها التجزيئ ، او يمكن الاقتطاع من جسمها العام ليؤمن ببعض الاسلام كأن يؤمن المجتمع بالفكرة ، ويترك القانون والحكم الاسلامي ، ليأتي اي مجتمع بقانون من عندياته ليرقّع حالة ادارة المجتمع بلونين ، بعقيدة وفكرة هي اسلامية وبحكم وقانون هو عالمآني مصلحي يريد ادارة المجتمع حسب اهوائه ونظراته السياسية القاصرة !!.

لا .. الاسلام والقرآن صريح في وحدة اطروحته الفكرية والقانونية الاسلامية المتكاملة وانها فكرة منذ خلق الله الخلق والى يوم البعث العظيم ، هي اطروحة قائمة بوحدةٍ بين الفكر والقانون ، ولايمكن اجتزاء بعضها ،والاكتفاء بالبعض الاخر ، يقول سبحانه وتعالى مؤنبا المؤمنين :((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذالك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون الى اشدّ العذاب / 85 البقرة )) !.

اي ان الايمان بالاسلام والدين والشريعة الالهية لابد ان يكون كاملا وتامّا بكل هيكل النظام الذي انزله الله سبحانه وتعالى ، ولايؤخذ مجزأً كأن توخذ العقيدة الفكرية من الاسلام ويترك كل احكامه وقوانينه على اساس الاكتفاء بالبعض والاستغناء عن البعض الاخراو يؤخذ من الدين الحكم والقانون والسلوك وتترك العقيدة او الفكر او التصورات ليستغنى بالتطبيق عن النظرية ، او يجزّأ هنا في الفكر او هناك في القانون ليؤخذ مايوافق الاهواء والمصالح البشرية ويترك الاخر ....الخ !!.

لا ان هذا ليس مسموحا به اسلاميا ولاهو من روح النظرية الاسلامية التي طرحت مدرسة اسلامية متكاملة الاركان والجوانب ودعت للاخذ بهذا الكلّ بلا تجزيئ ولاتفصيل او فصل بين فكرة او قانون !!.

ثم بعد ذالك يطرح الاسلام رؤيته حول اشكالية الفصل بين الفكرة والقانون هذه ليؤكد حقيقتين كبيرتين تتبع جريمة الايمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الاخر وهما :

اولا : حقيقة ان من جزأ الاسلام وفصل بين بنيانه المتكامل والموحد فانه سيجني (( خزيٌّ في الحياة ))!!.
ثانيا : حقيقة ان المجتمع الذي يرضى بعملية الفصل والتجزيئ هذه هو مؤثم ومُدان امام الله سبحانه وتعالى ايضا في الاخرة ومسؤول مسؤولية كاملة امام الله سبحانه عن عملية الفصل تلك (( ويوم القيامة يردّون الى اشدّ العذاب )) !!.

وكلتا هاتين الحقيقتين بحاجة بالفعل الى دراسة وتأمل فالاولى من حيث سؤال :لماذا مَن يمارس التجزيئ والفصل بين الفكرة والقانون في الاسلام يصيبه الخزيُ والتردي والاندحار والتخلف حسب المنطوق القرآني الاسلامي العظيم في الدنيا ؟.

والثاني تحت سؤال : ولماذا كان المجتمع مأثوما ومسؤولا امام الله سبحانه عندما يمارس عملية تفكيك التماسك الاسلامي ، او يحاول تفتيت وحدة الفكرة الاسلامية التي تقول بالدمج بين كل الفكر والقانون الاسلامي كحزمة عملية واحدة ؟.

الحقيقة ان الجواب حول السؤال الاول يبدو واضحا من منطلق : ان الاسلام عندما دعى المجتمع الانساني للايمان به كله في الدين والدولة او في الفكرة والقانون ، فانه بالمقابل وعدهم ان الايمان بالاسلام ككل سيوفر للمجتمع حياة متطورة ومتكاملة ونامية ومتماسكة ومزدهرة ككلّ ايضاعلى شرط الايمان به ككل وتطبيقه كحزمة ادارة اجتماعية واحدة :((وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقا )) !.
وقوله سبحانه :(( ولو أن اهل القرى آمنوا وأتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ))!!.

ومن هذه الرؤية ، طرح الاسلام نفسه على اساس انه شبكة فكرية ، وقانونية اقتصادية وسياسية اجتماعية ، وفردية اخلاقية وروحية ....متكاملة ، وكل هذه الزوايا في الحياة شبابيك متداخلة بعضها على البعض الاخر واي خلل اجتماعي او نفسي او سياسي او اسري .... فانه سيؤثر على باقي دوائر المجتمع المتنوعة ، وبهذا عالجت الاطروحة الاسلامية المجتمع ومشاكله ككل واحد ،وغير متجزأ ولا منفصل فيه دائرة عن اخرى ،فليس هناك فصل بين مشاكل الاسرة في المجتمع ومشاكل السياسة في الدولة والحكم كما انه ليس هناك انفصال من وجهة نظر الاسلام بين المشكلة النفسية ،او الروحية والمشكلة التي تتداخل معها في الاقتصاد وغير ذالك !!.

وعليه نظرّالاسلام لوجوب طرح المعالجة الشاملة للمجتمع لتاتي النتائج الايجابية ايضا متكاملة وحزمة واحدة لاغيرومن هنا كان التوحيد في الخطاب والرؤية والمعالجة ...الاسلامية للمشكلة الاجتماعية ككل لايتجزأ باعتبار ان مشاكل المجتمع هي في حقيقتها ايضا كلّ لايتجزأ ، واي تجزيئ في معالجة مشاكل المجتمع ستصاب المعالجة بالفشل لاريب في ذالك وعدم مجيئ اي نتائج ايجابية وفاعلة وقوية في حلحلة الاشكالات الموجودة !!.

وهكذا الاسلام عندما ركب (( الخزيُ في الحياة الدنيا )) على من يؤمن ببعضه ويكفر بالبعض الاخر ليقول لنا بصريح العبارة : انه اولا مشاكل المجتمع الواحد لايمكن ان تؤخذ وتعالج مجزأة ، وثانيا ، الاطروحة الاسلامية لاتتمكن من معالجة المجتمع ومشاكلة وتزحف به نحو التقدم والتطور ...بدون هذا التكامل والوحدة في احكامه وافكاره ، فمن يأخذ حكما واحدا من احكام الاسلام ( مثلا ) ليطبقه على المجتمع ويترك الحكم او جميع القانون الاسلامي بلا تطبيق ، فان مثل هذه الانفصالية والتفتيت للاسلام واحكامه لايمكن له ان يكون فاعلا في علاج مشاكل وامراض المجتمع بكل تلاوينها السياسية والاجتماعية والاخلاقية والنفسية والاسرية ..... !!.

بل ان أخذ بعض احكام الاسلام لتطبيقها اجتماعيا ، والكفر بالبعض الاخر ، سيكون مضار تطبيق هذه الاحكام اكثر بكثير مما كان مرسوما ايجابيا لها اسلاميا ،مما يعرض الافكار والقوانين الاسلامية للنكسة في العمل والنكسة بالنتائج ، وهذا مايعرض بالجملة السمعة الاسلامية للتخريب ايضا مع ما تدمرت به حياة المجتمع البعيد عن انقاذ الحكم الاسلامي لخزيه من الحياة المتردية ، وبهذا كانت المسؤولية الاخلاقية أمام الله سبحانه للمجتمع باعتباره قبل بممارسة الفصل والتفتيت للحكم والقانون والفكرة في الاسلام ليكون المجتمع كل المجتمع مسؤولا امام الله سبحانه ب (( يردّون الى اشدّ العذاب )) لتضييعهم الامانة والمحافظة على الاسلام وتكامله ووحدته في التطبيق .........، مضافا لذالك ضنك حياة المجتمع نفسه واندحاره وتخلفه بين العالمين وماينتج عن ذالك من :(( ومن يعرض عن ذكر به يسلكه عذابا صعدا )) !!!.

إن من مميزات العيش تحت مظلة الفكرة والقانون الاسلامي ،ان هذه الفكرة وهذا القانون الكامل بالاضافة الى استطاعته خلق روح اجتماعية متآلفة لايستطيع اي قانون وفكرة اخرى ايجاها ، هو كذالك عيش تنبني فيه روح الابداع والتطلع والحركة داخل المجتمع وبكل تلاوينه المتعددة وبما فيها تلوين المجتمع غير المؤمن بالاسلام كله ايضا !!.

اي ان من مميزات القانون الاسلامي الروحية ، انه قانون اخذ بنظر اعتباره ، كيفية دمج المجتمع تحت روح ، متآلفة متحابة واحدة ،ولم يأتي باعتباره قانونا جافا لادارة المجتمع وضبط حركته ومنع اعتداء بعضه على البعض الاخر لاغير كما نراه في القوانين الوضعية والغير شرعية اسلامية في حياتنا المعاصر ، بل انه قانون راعى الجانب الروحي للمجتمع بحيث انه ابتكر بعض الروابط المجتمعية التي تصهر هذا الخليط المعقد في بوتقة الاسرة المتراحمة الواحدة ،وهذه الحقيقة تبرز عندما نلاحظ النص القرآني التالي الذي اراد ايصال حقيقة قدرة القانون الاسلامي على عملية الدمج الاجتماعي هذه بقوله سبحانه :(( لو انفقت مافي الارض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم )) !!.

اي :لولا ان الله سبحانه وضع قوانينا تستطيع ان تؤلف بين قلوب المجتمع الاسلامي ، لما استطعت يامحمد يارسول الله ص لاانت ولاغيرك ولو انفق ما في الارض جميعا من مغريات ليشتري ولاء الالفة له ، ولكن الله سبحانه باعتبار انه العزيز القادر الوحيد والحكيم المطلق استطاع ان يطرح قانونا وفكرا اسلاميا واحدا ان آمن به المجتمع فهو كفيل لهم بجعلهم على الفة قلب رجل رحيم واحد ، تصنع لهم هذه الالفة المحبة ومن ثم التماسك امام الاعداء والقوة والتعاون في بناء الحياة !!.

وهكذا في جانب ان العيش داخل الاطار الاسلامي الفكري ، والقانوني هو الوحيد القادر بالفعل ، للدفع بالحياة الاجتماعية الى التغيير والنهضةمن منطلق ان الاطار الاسلامي فيه من المميزات الذي تهب الحياة الاجتماعية الحركة والجدل والتطور بحيث انه وحتى الملحدين ( مثلا)داخل الاطار الاسلامي سيستفزون فكريا للابداع في كل افاق الفكر الانساني التأملية ليكون عطائهم الفكري وانتاجهم الثقافي ايضا مختلفا وخلاقا ومبدعا اكثر مما يتصوره عقل وهذا بخلاف النظم التي تستطيع تفجير صاعق الابداع البشري لفترة محدودة وسرعان ماتموت روح الدفع في هذه القوانين الفكرية المحدودة العطاء !!.

تساءل المفكر البوسني ورئيس جمهوريتها الراحل علي عزت بكوفتش في كتابه الاسلام بين الشرق والغرب ، عن السرّ الذي جعل جميع مفكري وفلاسفة وفناني وعبقري وعلماء ...الغرب يولدون في زمن سيطرة الكنيسة والدين على اوربا في قرونها الوسطى الذي اسماها العصر الحديث بالقرون المظلمة ، بينما اليوم ، وتحت العيش في عصر الالة التكنلوجية ، الغرب اعجز مايكون من ولادة فيلسوف او مفكر او فنان او عبقري بحجم ماولدته العصور الدينية المظلمة انذاك يهب لهذه الحياة نسمة تحضر تدلل على انه عصر محترم فعلا وقادر على الابتكار بالحقيقة ؟...
هل لان العصر انذاك لم يكن على الحقيقة مظلما ولكن لحقد العصر الحديث عليه اطلق عليه صفة الظلامية ؟.
واذا كانت العصور الوسطى ظلامية بالفعل ، فلماذا عصور الالة اليوم لاتستطيع انتاج فلاسفة بحجم فلاسفة العصر الوسيط الاوربي او فنانين او شعراء او كتّاب او ادباء بحجم اؤلئك الذي لم نزل نقرأ لهم على اساس انهم الاكثر عبقرية بشرية على طول التاريخ ؟.

صحيح : لماذا يبدو ماقاله المفكر علي عزت فيه رائحة الواقعية من حيث ان العيش في الاجواء الظلامية القديمة كما يصفها عبيد الالة في العصر الحديث خلقت لنا كل هذا الكمّ الرائع من المفكرين والعلماء والفلاسفة والفنانين على الرغم من المعاناة ، بينما نحن اليوم عاجزين عن ولادة فنان او فيلسوف واحد يرفع الراس لهذا العصر الظلامي الرديئ والمنحط الذي نعيش فيه ؟.