الجمعة، يناير 25، 2013

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع عشر

 
كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع عشر
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي / الانتصار للسفسطة والهجوم على الفلسفة ))
4
***********************************
تعرض ((مشروع الفلسفة العقلية)) الانسانية في تاريخه الطويل الى تنوعات متعددة من الهجمات العدوانية التي حاولت النيل من وجود الفلسفة ومنطقها الارسطي فيما بعد بالتحديد اولا ((تقريبا من 450 ق م / الى 300 ق م)) ومن مكانتها الفكرية والعلمية ثانيا وقد توزعت هذه التنوعات الهجومية تأريخيا وحتى وقتنا الحديث على الفلسفة ومشروعها بالتشكيلات التالية :
اولا : الهجوم من قبل المدرسة السوفسطائية .
ثانيا : الهجوم من قبل السلطة ورجال دينها الرسميين .
ثالثا : الهجوم من قبل الجاهلين بالفلسفة ومشروعها .
(1)
والحقيقة ان للسفسطة تاريخ يرتد بجذورها الى ما قبل بزوغ شمس المنطق الارسطي الذي جاء كرد على ما طرحته المدرسة السفسطائية بعد مرحلة من تاسيسها في عمق الحضارة الفكرية اليونانية ، ولم تكن السفسطة كما يعلم المطلعون مجرد افكار مشوشة ومتناثرة ومتناقضة ، بل كانت مدرسة جامعية منظمة ومهنية ومتنقلة وبكادر من اساتذة فن الجدل لايشق لهم غبار يعلّمون ويدرّسون مناهج الجدل ، وفن الدفاع عن الاراء مقابل مبالغ مالية ثقيلة تدفع لهم كأجر للتعليم والتدريس ، ومن اهم اساتذة فن السفسطة في العصر اليوناني (( بروتاغورس ، وغورغياس ، وبرودكس ...)) .
ثم ما ان لبثت السفسطة ان تحولت الى مادة تجارية اكثر منها مشروع علم وفن لتناول الحكمة ، ودخلت فيما بعد الى مرحلة العبث الفكري الذي يحاول تدمير ونفي كل تفكير سليم ، والتشكيك بكل حقيقة قائمة ، الى ان وصلت سفن عبثها الفكرية الى مراسي مبادئ شك فكرية ثلاثة وهي :
اولا : ان الانسان ومعاييره الذهنية اساس كل معرفة ولاوجود لشيئ واقعي خارج الانسان .
ثانيا : ولو ان شيئا وجد واقعيا وخارج الذهن الانساني لكانت معرفته مستحيلة .
ثالثا : وحتى ان امكن معرفة ماهو موجود لما امكن نقل هذه المعرفة من انسان لاخر / 1.
وما ان شاعت هذه الفوضى الفكرية بين الناس في العصراليوناني حتى دبت الخلافات الاجتماعية على اثرذالك واهتز التكاتف الشعبي لهذه الامة مما استدعى تدخل الدولة فيما بعد للحفاظ على وحدة ، وتماسك المجتمع الفكرية والروحية والعقدية لتمنع ((الدولة اليونانية)) من ثم فن التفكير الفلسفي والسفسطي من اساسه وتجرم العمل بالتفلسف مهما كان لونه وشكله ، وراح ضحية هذه المأساة الفكرية واحدا من اكابر فلاسفة هذا العصر من غير السفسطائيين العابثين وهو فيلسوف الحكمة اليونانية (( سقراط )) بتهمة افساد شباب اثينا !.
كانت السفسطة (باعتبار جعلها فكر الانسان الفرد معيارا لما هو حق او باطل) بالفعل كماعبر عنها احد الحكماء في الاجتماع من رجال دولة اثينا انذاك بانها : (( السبب الاصيل لتفتيت وحدة المجتمع واحترامه للقانون واجتماعه على حقيقة توحد من جهوده وتدفعه نحو هدف اجتماعي سياسي وعقدي موحد)) ولهذا ما ان استفحل امر السفسطة وآذن بخراب الاجتماع الاثيني اليوناني انذاك حتى انبرى لها حكماء من تلامذة سقراط (( افلاطون ثم ارسطو )) ليبينوا لهذه الامة زيف وشعبذة وخداع كل ما طرحته هذه السفسطة العبثية ، وليعيدوا من ثم للمعرفة والحكمة والفلسفة والمجتمع كل اعتباراته الفكرية من خلال ابتكار (( منطق فكري/منطق ارسطو)) يحصن من ذهن الامة الاثينية وفكرها ويرشدها الى سبل التفكير القويم الموصل الى الحقائق الثابتة والسليمة التي تكشف زيف وتلاعب السوفسطائيين واستغلالهم لجهل الناس لقيادتهم الى العبثية والضياع والتفتت !!.
وبهذا نشأت البغضاء والعداوة بين (( المدرسة السوفسطائية التجارية)) التي لاهدف لها سوى جني الارباح والتلاعب باذهان الناس وقيادهم الى التناحر والتفكك ، وبين الفلسفة ومنطقها الارسطي الذي وضع اسس العلم والحكمة الثابتة ، وابان طرق الحقيقة وكيفية الوصول اليها من خلال البراهين والادلة العقلية القاطعة والمستقرة ، فكان الانتصار ساحقا للفلسفة ومنطقها الارسطي القويم في باقي العهود اليونانية الذي ازدهر فيها العلم والاستقرار والحكمة والفن والتفوق ... ، لكن مع بقاء روح السفسطة ، والشك تنازع البقاء حتى عصورنا الحديثة حيث لم يزل هناك بروز لنتؤات فكرية هنا وهناك سميت مرة بالنسبية واخرى بالشكية وثالثة بالمثالية .....وحتى المادية المعاصرة وهي تعتمد على ما اسسته المدرسة السوفسطائية من منطلقات فكرية تنال من كفاءة الحس الانساني في اصابة الواقع من جهة ،وتنال من كفاءة العقل الانساني في الوصول الى حقائق هذا الواقع المتغير حسب توجهاتها من جانب اخر ، فقد اصيبت هي ايضا في نظريتها المعرفية ببعض من لوثة الشك والسفسطة تلك !.
(2)
ان من الاشكاليات (ايضا) التي جابهت الفلسفة ومنطقها في مشروعها الانساني العقلي الطويل نسبيا بعد السفسطة ورجالها هي (السلطة القائمة) وكذالك (وعاظها الرسميين من رجال دين لاهوتيين) كانوا اصحاب خدمة سياسية اولا ، وريبة فطرية من كل ماهو عقلي ومفكر خارج نطاقات وسياق الطاعة العمياء لاوامرهم المغلفة برداء الدين واللاهوت ثانيا !.
والحق ان الفلسفة ، ومنذ بزوغ شمسها على البشرية كانت احد اهم اسباب وعوامل القلق السياسية والدينية لمشروع الدولة المستبدة من جهة ومشروع الاديان المزيفة المتحالفة مع الاستبداد من جانب اخر ، وذالك لالسبب : ان الفلسفة ومشروعها بالضرورة قد تكون فوضوية وضد الدولة على طول الخط ،او تكون تحمل اساليب تفكير لاتنسجم مع الدين ومبادئه اللاهوتية السامية بل لكون الفلسفة ومشروعها دائما هي ضد الاستبداد السياسي والتخلف والانحراف الفكري الديني ، ومن هنا كانت ولم تزل الفلسفة المشروع النهضوي والثوري المرعب للاستبداد السياسي والديني معا !!.
ولهذا لم يكن (سقراط) هو اول واخر فيلسوف تناهضه (الدولة الديمقراطية اليونانية ورجال الدين الرسميين معها) ليحكموا عليه وعلى الفلسفة ومشروعها ظلما وعدوانا بالاعدام المشين ، بل وهكذا في كل تاريخ مشروع الفلسفة العقلية وما تحدثه من قفزات فكرية نوعية في كل دولة او دين ، كان الاستبداد السياسي والانحراف الديني المتحالف معه يقفون بالمرصاد لكل مشروع فلسفي فكري متحرر يحاول تطوير الواقع الفكري الانساني ودفعه الى الامام والحرية خطوة متقدمة !.
نعم ربما بسبب ان مشروع الفلسفة العقلية ومنذ بدايته من (( سقراط وافلاطون وارسطو ..... وحتى الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد ... الى روجر بيكون وفرنسيس بيكون وديكارت .... ، وحتى الطباطبائي ومطهري ومحمد باقر الصدر/ في العصر الحديث )) كان مشروعا يحمل هموم التنظير، والتفكير للدولة والقانون والحاكم الفيلسوف والعدالة وحرية الفكر ... ولهذا كان مشروعا مزعجا للسلطة المستبدة من جهة ورجال الدين من كنيسة وحتى شيوخ سلطة ووعاظ سلاطين من جانب اخر ، فالاستبداد السياسي نادرا مايقبل بفكر فلسفي يطرح مشروع الدولة ، وقانونها بشكله العقلي الحامل للحرية والعدالة لمشروع الدولة والحكم والمجتمع ، وكذا السائرين في ركاب هذا الحكم المستبد الذي يوظف عادة للمشاريع السياسية المستبدة ولكن باسم الدين ليناهض فكر الفلسفة الغير قابل لأستعباد الفكر الانساني وتدجينه بكل ماهو خرافي ويتعارض مع المنطق الفلسفي السليم الطارد لماهو غير عقلي من العقائد اللاهوتية الاسطورية والخرافية ، والمتجانس مع الانسنة الدينية التي تجعل من الدين مشروع الاهي حقيقي وصادق ونافع ومفيد ومع الانسان وكرامته وليس ضده !!.
وعلى هذا الاساس التاريخي بين اشكالية السلطة ودينها من جهة واشكالية الفلسفة ومنطقها وعقلها من جانب اخريمكننا ان ندرك الكثير من الحقائق التاريخية التي وضعت السلطة ودينها في اطار الهجوم على الفلسفة اولا ، ونعي لماذا دائما يتكرر الصدام وفي معظم الاحيان بين الفلسفة وفلاسفتها من جهة ، وبين السلطة المستبدة ووعاظ سلاطينها من جانب اخرثانيا ؟.
في التاريخ العربي والاسلامي ، بعد التاريخ اليوناني الفلسفي ، وما بعده ، وحتى في التاريخ الاوربي الكنسي الوسيط تتجلى ظاهرة الصدام بين الاستبداد السياسي ودينه الكنسي ، وبين الفلسفة ومواقفها السياسية والعقلية بشكل واضح وصارخ جدا لاسيما في العصور السياسية التي لاتصادف قادة سياسيون في بداية مشروعهم النهضوي الذي يتقرب لمشروع الفلسفة كي يكون منصة لانطلاق حضاري جديد ففي مثل هذه العصورالاستبداية التي يسودها الاستبداد والضعف وقمع الحريات والانغلاق تبرز حتمية ظاهرة الصدام تلك بشكل هجوم مزدوج من قبل السلطة ومن قبل رجال الدين الرسميين وباشكال متعددة !!.
وما ارهاب (المتوكل العباسي/ 232 هجرية)ومساندة اصحاب الحديث والسلف في ابادة المعتزلة وبعده (( الغزالي/ في تهافت الفلاسفة )) وارهابه ضد الفلسفة من خلال تحالفه مع السلطة القائمة وما قتل (السهروردي) وما فتوى ((ابن الصلاح / 643/ هجرية )) التي حكمت :(( بان الفلسفة شر مطلق )) وما فتوى (( ابن تيمية / 728 هجرية )) التي حرمت قراءة الفلسفة ورمي الشيخ الرئيس (ابن سينا) بالالحاد وما محنة فيلسوف قرطبة ( ابن رشد/ 520 ه / 595 هجرية) الا دلائل واشارات فيها ما يغنينا عن سرد الكثير من الامثلة لمحنة الفلسفة على يد الاستبداد السياسي ورجاله الدينيين المتحالفين معه !!.
اما في التاريخ الاوربي الوسيط وحتى عصر النهضة فلسنا بحاجة الى ذكر الادلة على هذه الهجمة السياسية والدينية الكنسية المستبدة ضد الفلسفة ومشروعها فهي ظاهرة اشهر من نار على علم ولم تزل حتى اليوم عظام فلاسفة الحكمة المنبوشة من قبورها لتحرق امام اعين الناس باسم الزندقة هناك شاهدة اثبات على عداء الاستبداد السياسي والتسلط الرجعي لرجال الدين مع الفلسفة .
(3)
وفي العصور الحديثة المتأخرة لاسيما من القرن الثامن عشر الميلادي حتى اليوم برزت مدارس فكرية وعلمية كثيرة تنال من وجود الفلسفة ومشروعها الفكري ومنطقها الارسطي بالتحديد لكن كانت ولم تزل اشرس هذه الافكار والمدارس هجوما على الفلسفة ومنطقها الارسطي ومن ثم الاسلامي هي تلك المدارس التي لم تدرك او تستوعب بشكل تام هذه الفلسفة ومشروعها العقلي والعلمي والانساني العام بل اعتمدت في كل هجومها النقدي على الفلسفة على افكار قشرية ، وتصورات قاصرة معرفيا وعاجزة فكريا عن فهم وادراك معنى الفلسفة ومشروعها الفكري الانساني الكبير !!.
وطبعا من ابرز ممثلي هذه المدرسة المناهضة للفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي في عصرنا الحديث (محليّا عراقيا ) كان هو المرحوم علي الوردي رحمه الله حيث شنّ حملة هجومية كبيرة وعنيفة ايضا على الفلسفة الارسطية الاسلامية ومن خلال معظم مؤلفاته وكتبه الفكرية 2/التي تناول فيها الكثيرمن المواضيع الفكرية التي تلامس جوهر مواضيع الفلسفة ومشروعها العقلي !.
والحقيقة ان مواقف واراء وتصورات (علي الوردي) نحو الفلسفة ومشروعها العقلي ومنطقها الارسطي الاسلامي من الغرابة بحيث اننا عندما نقرأ نقودات الوردي الفكرية ضد الفلسفة وهجومه العنيف على منطقها وبهذا الشكل الهستيري واللامنضبط واللاعلمي ... تبدأ تحيط بنا التساؤلات من كل جانب وتحاصرنا الاستفهامات من جميع الجهات ب :
اولا: كيف يطرح رجل يدعي العلمية ويحمل شهادة دكتوراه (يُقال لنا) انها في علم الاجتماع الحديث هكذا فكروهكذا تصورات ضد الفلسفة ومشروعها الارسطي الاسلامي الانساني الكبير بحيث انها تكون ابعد شيئ عن واقع الفلسفة ومشروعها الفكري الاصيل ؟.
ثانيا : بل وكيف يطرح علي الوردي هذا (التهريج السطحي) ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي في زمن كان مطروحا فيه (( فلسفتنا )) و (( اقتصادنا )) و(( الاسس المنطقية للاستقراء )) لفيلسوف العراق المعاصر محمد باقر الصدر ؟.
بمعنى آخر : كيف جرأ علي الوردي على مثل هكذا طرح ضد الفلسفة ومنطقها الارسطي الاسلامي ، وهو طرح ابسط ما يقال فيه حتى اليوم انه طرح لايمت للفلسفة وفكرها وواقعها باي صلة علمية او مهنية واعية وقد كان امامه اساطين من اساتذة الفلسفة ومنطقها الارسطي ومن جميع الاتجاهات الفكرية ، اسلامية كانت كالصدر ومطهري وطباطبائي ... أو وجودية كعبد الرحمن بدوي ، أو ماركسية مادية ك((حسين مروّة )) في كتابه (( النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية )) وغيرهم من اكابر المتخصصين بالفكر الفلسفي القديم والحديث ومع ذالك يطرح الوردي هذا السطحي المخجل من نقده وهجومه على الفلسفة ومشروعها العقلي الكبير ؟.
ثالثا : لماذا ؟ ، وماهي الدوافع العلمية والفكرية الاكاديمية التي حتمت على علي الوردي ان يناصب العداء للفلسفة والهجوم على منطقها الارسطي الاسلامي من كل حدب وصوب حتى ، وان كانت موضوعاته : (( في الشعر او الادب او النحو العربي ....) لاتمت بصله للفلسفة ومشروعها وجدنا الوردي يرجع اسباب تخلف النحو (( الذي يعاني من الافتقار في فهمه والالتزام بقوانينه في الكتابة والالقاء)) الى المنطق الارسطي بالذات كما حصل في كتابه (اسطورة الادب الرفيع) في المقالة العشرون من كتابه المذكور ؟.
رابعا : كيف نفهم انحياز كاتب يقدم لثقافتنا العراقية على اساس انه (( مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث ))الى المدرسة والفلسفة السوفسطائية اليونانية القديمة والحديثة ، ولينصرها على الفلسفة ومنطقها الارسطي العلمي الرصين ، بل وليطرح مشروع السفسطة اليونانية على اساس انه مشروع العلم والتقدم من جهة ، وانه مشروع الطبقات الفقيرة ، الذي جاء بالضد من مشروع الفلسفة الذي هو مشروع الطبقة الراسمالية المستغلة من جانب اخر ؟؟.
بمعنى اخر : هل حقا كان مشروع الفلسفة الارسطية الاسلامية منتجا راسماليا وتابعا لمصالح الطبقة المستغلة في المجتمع اليوناني القديم وفي كل مجتمع يتحرك فيه مشروع الفلسفة بعكس السفسطة التي كانت منطق الفقراء والكادحين في الماضي ومنطق العلم في العصر الحديث كما يطرحه المرحوم الوردي ؟.
أم ان مثل هكذا سفه فكري لايطرحه حتى مبتدأ في تاريخ الفلسفة ومشروعها العقلي في مقابل السفسطةومشروعها التدميري المعروف ؟.
اذا ماهي الدوافع التي دفعت بالوردي ان يصادر موضوع الفلسفة علميا ليناقشه طبقيا ومن ثم ليطرح الفلسفة ايدلوجيا طبقيا كنوع من الهجوم ، وتشويه صورة الفلسفة ومشروعها العقلي ، وليطرح في الجانب الاخر المدرسة السوفسطائية على نفس الاساس لتلميع صورة السفسطة في مقابل تشويه صورة الفلسفة ايدلوجيا ؟.
دعونا نبدأ من المحور الرابع في الاجابة على مثل هكذا اسألة لنستبين موقف المرحوم الوردي من الفلسفةومشروعها ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر موقف الوردي من السفسطة ، ولنتساءل : ما هو موقف علي الوردي من المدرسة السفسطائية اليونانية اولا ؟.
ولماذا حاول علي الوردي ان يلبس الفلسفة لباس الطبقية الماركسي وينسبها الى طبقة المستغلين ،بعكس السفسطة التي هي منطق الكادحين حسب رؤية الوردي الاجتماعية ؟.
وهل فعلا ان الماركسية المادية نفسها كانت ترى هذا التصور حول الفلسفة ومنطقها الارسطي طبقيا ؟.
أم ان (( لينين نفسه ))، وباقي مفكري الماركسية الماديين التاريخيين انفسهم كانوا يروون ان الفلسفة ماهي الا نتاج حركة جماهيرية ثورية منتمية لطبقة الكادحين والعمال ، وليس العكس كما يخادع به الوردي ثانيا ؟.
في كتابه (( مهزلة العقل البشري )) يعلن علي الوردي صراحة في الفصل التاسع تحت عنوان (( ماهي السفسطة )) : بانه (( فخور من كونه سفسطائيا وعنده ان هذه السفسطة خير من هذه الخزعبلات المنطقية ، التي يتمشدق بها اصحاب المنطق القديم / 3 )) .
وطبعا يقصد المرحوم الوردي بالخزعبلات المنطق الارسطي الاسلامي المعروف !!.
والحقيقة ان اول سؤال يفرض علينا نفسه ونحن نقرأ ل(( مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث )) مثل هذا الاعلان الغريب والعجيب هو : كيف يجرأ عالم من علماء الاجتماع الحداثويين بل ويطرح نفسه كمؤسس لهذا العلم في العراق الحديث كيف يجرأ ان يطرح نفسه كسفسطائيا يفتخر بكونه من هذا الفصيل ومنتميا بعنف لمبادئ هذه المدرسة الفكرية المدمرة لكل ماهو اجتماعي اصلا ؟.
بمعنى آخر : ان اهم مبادئ الفلسفة السفسطائية هي كونها قائمة : اولا على المثالية اللاواقعية ، اي هي فكرة حتى ضد العلم في العصر القديم والحديث وضد الواقعية ولا تعترف بوجود شيئ خارج وجود الانسان ،وهذا يعني ان لاوجود لا لخارج مادي خارج الانسان ولا لواقع اجتماعي يمكن ان يدرسه الانسان او ان يقيم على اساسه علم وقوانين وبحث ......الخ فكيف انتمى عالمنا الاجتماعي الوردي لهذه المدرسة التي لاتعترف باي شيئ ليصبح عالما للاجتماع الذي لاوجود له في الفكر السفسطائي ؟. لا اعلم .
وثانيا هو ان من مبادئ السفسطة التي يتشرف الوردي بالانتماء اليها هو كون لامعايير ولا موازين ولا ظواهر ولا اخلاقيات ....... اجتماعية ولا خارجية واقعية لاي شيئ ، وما موجود هو معايير وموازين ذهنية انسانية فردية لاعلاقة لها باي اخر انساني او اجتماعي ،ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة عند السوفسطائيين القدماء والجدد هي حقيقة فردية ليس لها اي علاقة باي واقع او اي اجتماع انساني يذكرفعلى اي اساس بعد ذالك يريدالمرحوم الوردي وهوالسفسطائي العتيد اقامة علم للاجتماع من اهم مظاهره وظواهره ان يكون للمجتمع (( وجود اولا ووحدة فكر ووحدة قانون حركة ووحدة ظواهر اجتماعية اقتصادية او عرفية او سياسية ... )) وليس فردية خيالية ؟.
يبدو ان عالمنا لعلم الاجتماع الحديث علي الوردي لم يكن يدرك حتى انعكاسات فكر المدرسة السوفسطائية على علم الاجتماع الحديث ، او انه لم يدرك استحالة الحديث عن مجتمع وظواهر اجتماعية وقوانين اجتماعية ..... تحت اطار الايمان والانتماء للفكر السفسطائي القديم والحديث ،ولهذا هو يفتخر ان يكون سفسطائيا ، لانه لايدرك معنى المدرسة السفسطائية ولا انعكاس افكارها على علم الاجتماع الذي يبدو انه لم يدرك منه شيئا هو الاخر !!.
انا لاافهم لماذا لم يجرأ عالم من علماء الاجتماع منذ ابن خلدون الى اوجست كونت ... الى اخر القائمة ان يعلن افتخاره بانه ينتمي لمدرسة سفسطائية هي اساسا اقيمت لتدمير الفكر والمجتمع ووحدته وتماسكه وكل وجوده ، ثم بعد ذالك الله سبحانه يرزقنا في العراق عالما من علماء الاجتماع بل ومؤسسا لعلمنا الاجتماعي العراقي ينتمي ويفتخر بانه سفسطائيا يريد ان يقيم علما للاجتماع هو اساسا لاوجود له في فكره السفسطائي الغريب والعجيب ؟!.
اليس هذه مهزلة وردية فكرية بامتياز ان يطرح علي الوردي مثل هذا الفكرباسم العلم والمنطق الجديد وعلم الاجتماع الحديث ؟.
اليس اهانة للفكر العراقي الحديث ان يسمح لمثل طرح الوردي هذا ان يطرح في ساحة فكرية وثقافية وعلمية و... تقدر العلم والفكر وتحترم التخصص والكفاءة والاستيعاب ؟.
ثم ثانيا لم يكتفي المرحوم الوردي بطرح هذه المهزلة العقليةباسم مهزلة العقل البشري بل كان يرى الاخرين اللذين هم ليسوا سفسطائيين ، ويعترفون بالواقعية ووجود المجتمع ويحترمون المنطق ويقيمون علومهم بشكل متزن على الفلسفة والقانون .... يرى الوردي هؤلاء كلهم بانهم اهل خرافة وخزعبلات وتمشدق واصحاب منطق قديم وبرج عاجي ؟.
عجيب غريب هذا المنطق للمرحوم الوردي ؟.
هل هو حول فكري اصاب عالمنا الاجتماعي الكبير ؟.
ام انه فقر معرفي هو الذي جرأ المرحوم الوردي على مثل هكذا طرح يضحك الثكلى فعلا ؟.
________________________
1 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج 7 / الفصل الرابع السوفسطائيون / ص 211/ ترجمة محمد بدران / بيروت .
2 : انظر علي الوردي / مهزلة العقل البشري / عدة فصول من اهمها الفصل التاسع / ماهي السفسطة / و منطق ابن خلدون / الفصل الاول خصائص المنطق القديم / واسطورة الادب الرفيع / النحو والمنطق الارسطي .
3 : مهزلة العقل البشري / مصدر سابق / الفصل التاسع / ص 153.
 
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/