الثلاثاء، أبريل 28، 2009

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والانفس !- 5


الى مَن يريد ان يتوسع في موضوع الخير والشرّ في هذا العالم الكثير الالغاز فلابأس عليه ان يتساءل عن الاتي : هل هناك نوع عدالة في التركيبة العالمية الخلقية في هذا الوجود ؟. ولماذا كلما نظرنا في هذا العالم وجدنا التنوع او التناقض لون بارز في كل زاوية من زوايا لوحته السريالية ؟.
لماذا هذا التفاوت في الخلقة والمواهب والاستعدادات الوجودية ؟.
لماذا هذا انسان وآخر حيوان وثالث نبات وجماد ؟.
ولماذا هذا جميل وذاك قبيح وهذا غنيٌّ وهذا فقير ؟.
ولماذا لم يكن القبيح جميلا والجميل قبيحا والانسان هو الحيوان والجماد هو النبات ؟.
ولماذا هذا اعمى والاخر بصير وذاك متكلم والاخر ابكم وهذا معتلّ والاخر صحيح ؟.
لماذا هناك ليل واخر نهار وهناك زلازل وفيضانات وحروب وبراكين ؟.
واذا كان جزءا من الجواب ان كل موجود يأخذ نصيبه وقدرته على الاستيعاب والقدرة من الوجود ، فلماذا لم يمنح الف استعداد باء ، ويأخذ باء منزلة واستعداد الف ؟.
كل هذه الاسألة بحثتها المدرسة الاسلامية الفكرية الفلسفية من خلال النص القرءاني او البيان الرسالي او التفسير الامامي ، او من خلال اجتهاد افكار علماء الاسلام ورجاله بنوع من العقلية والمنطقية والاخلاقية ، لتضع هذه المدرسة أمام كل سؤال جوابه !.
أمّا نحن فنعود الى الاجابة على سؤالنا في الفصل السابق الذي اثرناه حول العلاقة بين الخير والشرّ في هذا العالم الانساني بالخصوص لنقول :
تمام : ان العلاقة التي ينبغي ان تفهم على اساسها العلاقة الازلية بين الخير والشرّ في العالم الانساني لاينبغي ان تكون بعيدة عن النمطية التي فهمناها لوجود كلا مصطلحي الخير والشرّ في هذا الوجود !.
اي : ان نوع العلاقة التي نريد رصدها فكريا هي وليدة نوع النظرة التي من خلالها فهمنا الوجود الاصالي للخير والوجود العدمي والفراغي للشرّ ، وعلى هذا الاساس ينبغي علينا ونحن في مرحلة فهم العلاقة بين الخير والشرّ ان لاننسى مطلقا تلك القاعدة في الخلق حتى لانقع في مغالطة دراسة الخير على اساس انه كائن اصيل وقائم بذاته ، وكذا دراسة الشرّ على نفس المستوى لنبحث في وجودين منفصل بعضهما عن البعض الاخر !.
لا .. لاينبغي الغفلة في هذا ، بل يجب علينا ان ندرس ونركّز ونلاحظ وجودا واحدا لاغير هو هذا العالم ولكن بوجهتين :
الاولى : الوجهة الوجودية الاصالية الحقيقية لهذا العالم الانساني ، وهو وجود الخير والعلم والحب والانسان والارض والمطر ..... الخ !.
والثانية : وجهة النقص والفراغ والعدمية التي يهمل الانسان ملئها وسد ثغراتها لتنعكس بشكل شرّ وجهل وكراهية وانحطاط وبوار وكارثية !.
المعنى ولكن بصورة أخرى هو: يجب ان نلاحظ ان هناك وجودا واحدا اصيلا وهو الخير والمحبة والعمل والانسان والاخلاق ..... الخ ، فهذا الوجود هو صاحب الاصالة والحقيقة التي اوجدها الخالق سبحانه ودعى لانتهاج السبل فيها ، فأن افتقدنا الوجود الحقيقي الاصيل للخلقة الربانية العالمية ، فاننا حتما سنجد الجهة الاخرى من العدمية والفراغ حاّلةً محلّ الوجود الحقيقي لتنعكس بفراغها وعدميتها ونقصها على اساس جهل وتخلف واجرامية وشرّ .... وباقي المعاني السلبية في وجود الشرّ في هذا العالم !.
فاذا فهمنا هذا ادركنا ان لدينا في هذا العالم مكان وحيز واحد لحركة من جهة وسكون وفراغ وعدمية من جهة أخرى ، كما ندرك ان العلاقة التي نطلق عليها مصطلح الصراع بين الخير والشرّ ماهي وفي حقيقتها الا علاقة وجود وعدم فاذا تمكن الانسان من الوصول والسعي نحو الخَير فحتما اننا امام حركة ووجود اصيل وخيّر في هذا الحيّز قد انتصر بفعل الحركة الايجابية على عدمية وفراغية وعبثية الشرّ في هذا العالم ، وهكذا اذا صادفنا انسانا عالما فاضلا خلوقا طيبا خيّراً.... فاننا سندرك بلا عناء كبير اننا أمام انسان متحرك ومتحرر وايجابي ومتكامل وكادح .... وأصيل ، بعكس مالو صادفنا أنسانا ساكنا وفارغا وجاهلا وشريرا وسلبيا ومعتديا ورذيلا ومستهترا ... فاننا سندرك اننا امام عدم وفراغ وموات عندما جاء الباطل لدفع الحق والاصالة عن مكانها الطبيعي !.
يقول سبحانه في تصوير حالة الصراع بين الخير والشرّ والحق والباطل :(( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فأذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون / 18/ الانبياء ))
اي ان هناك قانونا اصيلا في هذا العالم الانساني المتحرك هو : ان متناقضين لايمكن لهما الاجتماع في حيز واحد ، فأما وجود الخير والحق والحركة والنمو والتكامل والعمل الصالح ... في هذا الوجود المسمى عالم الانسان في افاقه وانفسه ؟.
وأما السكون والباطل والعدمية والشرّ والتّعطل والارتداد والعمل الطالح في نفس هذا الوجود الذي ملئه الفراغ بعدما أعدم من الحركة والخير...... !.
نعم هنا تأتي عملية ( القذف ) التي يحملها الحق في جعبته ، لتصيب السكون والفشل والباطل والفراغ والسلبية والعدمية في دماغه وهو مركز الادراك والسيطرة والتفكير للسلبية والفراغية والعدمية والشريّة في هذا الحيز من الوجود لتزهقه او لتخرج روحه وتقضي عليه من خلال حالة الهجوم المفاجأة من الحق والحركة والوجود والعمل والتكامل والخير!.
ان المفكر اللبيب سيجد هذه الفكرة الاسلامية في حالة الصراع بين الخير والشرّ او بين الوجود والعدم منتشرة على رقعة واسعة في الفكر الاسلامي القرءاني والرسالي وكذا الامامي !.
اي ان هذه الفكرة منعكسة على كل الاطروحة الاسلامية بتصوراتها العقدية بحيث انه عندما نقول ان الشرّ والباطل لايمثل في الوجود اصالة وجودية حقيقية في هذا العالم وانه مجرد فراغ وعدمية ولاشيئية حقيقية ، فان نفس هذه النتيجة ستنتقل معنا عندما ندرس ونبحث الانسان وعمله ووجوده مابعد هذه الحياة ومابعد الموت والخروج من هذا العالم ، فغدا يأتي الانسان الشرير بلا شيئ يوم الحساب أمام محكمة العدل الالهية ، بعكس الانسان الايجابي والعامل والمتكامل والمؤمن الذي يأتي بموازين ثقيلة فانه سيعامل على اساس انه وجود حقيقي يستحق المسائلة في يوم الحساب ،وهذا هو مفهوم ومصداق قوله سبحانه :(( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون / 8/ الاعراف )) !.
أما العكس من ذالك فان المولى سبحانه وتعالى ينظر لاعمالهم على اساس انها اعمال جوفاء وعدمية وفارغة من الاصالة الحقيقية بل انها لاتساوي قيمة حقيقية سوى قيمتها المزيفة حالها حال قيمة الاوراق النقدية المزيفة التي تحمل شكلا فحسب بلا جوهر او قيمة او وجود او حقيقة ، يقول سبحانه :(( وقدمنا الى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا / 23/ الفرقان )) اي ان كل الذي عملوه في الدنيا هو عدم وفراغ وسلبية بسبب انه لم يكن منتج الحق والاصالة والوجود في ذالك العالم الدنيوي ، ولم يكن علما ولاتكاملا ولابناء ولاواقعية ...، ولهذا فلا وزن له ولاجوهر وماهو الاهباء منثورا !.
نعم في كثير من الصور القرءانية ربما سيلاحظ القارئ الكريم لهذا النص المقدس انه يطلق على الاعمال الشريرة انها وبال وعدمية بل هي اشبه بالارض البوار التي لاتنبت اي شيئ او هي قريبة من صفة النار التي تأكل كل شيئ لالتنتج شيئا اخر كالارض بل لتذروه بعدها رمادا لايصلح لاي شيئ !.
والحقيقة ان هناك نظرية تقول بأن الاعمال الشريرة في هذا العالم او الشرّ بصورة عامة ماهو الا الوجه الاخر للعذاب الالهي العظيم !.
اي انه وعندما يريد الله سبحانه عذاب قوم وتدميرهم فيكفيه سبحانه ان يُوكل الانسان الى نفسه ويمنعه من لطفه لاغير ليسلط عليه الجهل والسلبية وصفات الانتقامية والكراهية والغباء .......الخ ، وهذا قمة العذاب الاليم من قبل الله سبحانه وتعالى لاي شرير في هذا العالم ، لينتقل من حيز العلم والفضيلة والايمان والتكامل والطيبة واللطف الالهي ، الى حيز الجهل والكفر والارتداد وحرمان اللطف الالهي والشرّ في ظلامية الظل الذي انتخبه الانسان لنفسه على نور الوجود والله سبحانه وتعالى !.
أذن : العلاقة بين الخير والشرّ في هذا العالم هي علاقة صراع وندية بمعنى الحضور والغياب لاغير ، فأن حضر الخير لابد ان يدفع الشر ، والعكس صحيح ، ولكن عندما يغيب الخير فان الشرّ بعدميته وفراغيته وسلبيته هو حتما الموجود في الحيز كنتيجة طبيعية لغياب الخير والايجابية والعلم .... الخ !.
وعندما يقول الباري سبحانه وتعالى : قل اعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق !. فان مفهوم الشريّة هذا مفهوما يقع في جانبه الخلقي الذي ينعكس على الانسان بسلبية ، اي ان باقي الخلق الكوني والعالمي والحيواني والجمادي وان كان يحمل صفة الوجود الخيّر في ذاته لذاته الا انه بالنسبة لغيره ربما يكون شرّا عظيما بالنسبة للانسان بالخصوص مثل الميكروبات والهوام والوحوش والساماّت ... التي لاتتمتع بنعمة الاهداف والتخطيط والحركة والتفكير مما يعتبر وجودهم وجودا فراغيا وعدميا في كثير من الاحيان بالنسبة للانسان ، وغير ذالك من خلق !.
وهكذا ان فهمنا الشرّية على اساس العدمية او الفراغية او الالم الذي يخلقه غاسقا اذا وقب في غفلته او في ذاته ، فما من شك ان غفلة الانسان في بعض ازمان وجوده ولو على مجرد نسيان ذكر الله سبحانه وتعالى تعتبر من الشرور العظيمة ايضا التي تدفع الانسان من حيز الوجود الاصالي الذكري للانسان ، الى حيز السكون والذهول والغفلة عن هذا الوجود العظيم المنفعة !.
قال : (( قل اعوذ برب الفلق ، من شرّ ماخلق ، ومن شرّ غاسق اذا وقب ، ومن شرّ النفاثات في العقد ، ومن شرّ حاسد اذا حسد !.))
ان الانسان في سورة الفلق هذه انسان يعيش في كل لحظة ومع كل جهة من جهاته صراع مع الشرّ ، او صراع مع العدمية والفراغ مع الجهل والكراهية ، صراع مع الكون والعالم ، صراع مع الليل والنهار ، صراع مع الرجل والمرأة !.
او انه انسان رُكب على مشروع النضال والحركة في حياته الانسانية هذه ، وكلما غفل عن الحركة ، او نسي التكامل في حياته ، او مال عن البناء والعمل الصالح ... فهو حتما ساقطا في متاهات الفراغ والعدمية ، فالاستعاذة في هذه السورة القرءانية العظيمة ماهو الا استعاذة من الغفلة والنسيان لشرور الكون والعالم ، او الاستعاذة من العدمية والفراغية من شرور الليل او النهار ، وهكذا الاستعاذة من شرور الاشرار من الذكور والاناث في هذه الحياة الدنيا !.
بمعنى آخر ولكن من زاوية متصلة : تريد ان تشير سورة الفلق الى : أنك ايها الانسان مُحاطّ بكمية عظيمة من الشرور في هذا العالم ، فعليك بعدم النسيان لهذه الحقيقة ، ولامنجي من الوقوع في هذه الشرور الكبيرة الا الاستعاذة واللجوء والالتصاق والذكر الدائم لله سبحانه وتعالى ، فمن خلال هذا الذكر تبقى بحركة دائمة بلا كسل ، وتعيش بوجود واقعي بلا عدمية ، وتنمو تحت رعاية تكاملية حقيقية بلا ارتداد او انتكاس في الخلقة !.
واعلم ان وجود الخير والشر وجود لاانفصال لكينونته الذاتية في هذا العالم ،وكما ان اليسر هو وليد العسر ، وان الحياة لابد ان يسبقها الالم ، فكذالك الخير والشرّ ، فهما خليط معقد لوجود الانسان ، ولاتعتقد ان الشرّ في جهة بالامكان تحديد معالمه ورمي وجوده بحجارة الخير والحق ، ولا الخير هو كذالك ، بل هناك خلق واحد فيه الخير والشر كامنان في وجوده الظاهري والباطني ، فالخلق كله خير وجمال ولكنه بنفس اللحظة يكمن فيه الشرّ والعدمية ، وكذالك الليل بنجومه وهدوئه الجميل والرائع هو خير وسلام ، الا انه وتحت جنح ظلامه لاتعلم كم هي كمية الشرور والكوارث فيه ايضا ، وهكذا عندما ترى المرأة بجمالها فهي خير ومحبة ، ولكن هي هي نفسها ربما تكون كراهية وشرّ وعقد وحلَّ ومرتع للرذيلة والعدمية ، وأخيرا صديقك الرجل هذا الانسان الذي ربما كان ملاكا من الخير بالنسبة للانسان الاخر ، هو هو نفسه ربما تحوّل الى شيطان يبرأ منه حتى ابليس اللعين لشرّه وفتكه وتمرده على العالم والانسان والحياة وكفره بخالقه والانسانية ايضا !.
فالعلاقة اذن بين الخير والشرّ في حياة هذا الكائن المُسمى إنسان ماهي الا علاقة جدل وتدافع لاغير على حيز واحد في هذه الحياة الا ان الفرق ان الخير هو وجود وبناء واصاله وقيمة..... ، بينما الشرّ هو عدمية وفراغ وتخريب وتزييف...... والانسان دوره ووظيفته وتكليفه في هذا العالم هو التحرك نحو الخير والابتعاد عن الشرّ ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره !.

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والانفس 4

(1) قل : أعوذ برب الفلق = قل التجأ الى مدبر الفجر والصباح ، والتصق برعاية جنابه المقدّس سبحانه وتعالى !. من شرّ ماخلق = من جنس شرور ماخلق بلا تحديد او حصر او لون او وجهة !.
ومن شرّ غاسق اذا وقب = ومن شرّ ظلمة وظلام وليل ودخول ، ووقوب وغفلة !.
ومن شرّ النفاثات في العقد = من النفوس والانسان ، ومن المرأة وأحكام تدبيرها وعقدها للشرّ والايذاء !.
ومن شرّ حاسد اذا حسد = من الرجال وتطلعاتهم ونقمتهم على التمايز بين الناس وشرّهم !.



*******
(2)



هل يكفي استعاذة واحدة بالله العلي العظيم ، أمام اربع جهات من الشرّ تحيط بالانسان من كل زاوية ؟.
شرٌ من جهة الخَلق ، وشرٌ من جهة الظلام والغسق ، وشرٌّ من جهة المرأة او النفس ، وشرٌّ من جهة الرجل والحسد !.
لماذا هذه الكميّة من الشرور التي تحيط بالانسان من جهاته الاربع ؟.
ومامعنى الشرّ الذي ارادت المعوذة الفات نظرنا له والاستعاذة منه ؟.
وهل حقا ان الشرّ مخلوق من مخلوقات الله سبحانه ولهذا امرنا بالاستعاذة منه ؟.
وكيف يخلق الحكيم الجميل الله سبحانه وتعالى هذا القبيح الرديئ من الشرّ ؟.
هل الشرّ في معظم الاحيان شرّ بذاته ولذاته ؟.
أم انه شرّ لغيره خيرٌ لذاته ؟.
ماهي العلاقة بين الخير والشر ؟.
وهل هي نفس علاقة اليسر والعسر ؟.
أم انها علاقة انفصال وندّية وليس أمتزاج وكيميائية ؟.
هل خلقتنا الانسانية والعالمية لاتكون خلقة بلا عنصر الاحتكاك والشرّية ؟.
أم انه بالامكان تصوّر لوحة فنية خلقية عالمية ولكن بلون واحد فقط ؟.
هذه الاسألة وغيرها بحاجة الى بحوث منفردة ومعمقة في قضية الشرّ والخير في العالم ، ولكن يكفي هنا الاشارة لزاويتين فحسب :
الاولى : تختص بجانب العقيدة التوحيدية الاسلامية التي ترى ان خلق الله سبحانه كله جميل وخير محض !.
الثانية : زاوية فهم معادلة العلاقة بين الخير والشرّ ، وان الشرّ هو عدم الخير لاغير ، وليس خلقا منفصلا عن الخير !.



****
(3)

في الفلسفات الانسانية القديمة كانت هناك فلسفة تسمى فلسفة الثنوية او اصحاب الثنائية في الخلق : وهم مجموعة من المفكرين الذين اصطدموا بمسألة : الكيفية التي نتمكن من خلالها الايمان بأن هذا الشرّ الموجود في العالم الكوني والانساني هو مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.
وتسألوا : هل يعقل ان نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى الجميل الذي لايخلق الا جميلا ، هو نفسه من يخلق هذه الكمية من الشرور العالمية والانسانية ؟.
وهل يعقل ان الالاه الذي يخلق الخير والفضيلة هو نفسه من يخلق الشرّ والرذيلة ؟.
هناك الفقر والمرض شرّ ، هناك الحروب والجهل شرّ ، هناك الضغائن والدسائس شرّ ، هناك الشيطان والضعف شرّ ٌ ....... فهل كل هذا يعتبر ايضا من خلق الله سبحانه الذي خلق الارض والمطر والحب والجمال ... وهو فيض وخير مطلق ؟.
وكيف لخير مطلق وفيض جميل يخلق وينتج شرّ وقبح بهذه المنزلة من القسوة ؟....... الخ !.
وعلى هذا ارتأى هؤلاء المفكرين والعلماء وتخلصاً من الصاق تهمة خلق القبيح لله سبحانه وتعالى ان يقولوا : بثنائية الخلق !.
وهي عبارة عن فكرة وزعت الخلق الى خالقين او مبدآين او مصدرين في هذا الوجود الواسع :
الاول : وهو خالق الجمال والخير والحب والفضيلة وهو الله سبحانه وتعالى !.
الثاني : وهو خالق القبح والشرّ والرذيلة والكراهية وهو الشيطان !.
وبهذا اعتقدت الثنوية انها تخلصت من نسبة الشرور والقبائح لله سبحانه وتعالى بأن جعلت في الوجود خالقان ، الاول للخير والثاني للشرّ والقبح !.
والحقيقة ان رؤية الثنوية هذه اولا :هي رؤية سطحية وساذجة جدا لموضوعة الشرّ في العالم ، وثانيا : هي كذالك رؤية غير مدركة لحقيقة الخير والشرّ في هذا الوجود ، وثالثا : هي رؤية لم تدرك ولم تعي معنى ومفهوم ومصطلح الخلق نفسه لذالك هي اعتقدت ان هناك خلقا منفصلا للشرّ وآخر منفصلا للخير في هذا العالم ، ولهذا هي بنت كل فلسفتها الفكرية على اساس صراع الخير في جهة من جهات الوجود الانساني مع صراع الشرّ الذي هو موجود في جانب اخر في هذه الحياة ، ولهذا قالت بوجود خلقين وخالقين في العالم الاول للخير والثاني للشرّ !.
هذا مع اضافة ان الفلسفة الثنوية كانت حبيسة الرؤية الذاتية النفسية الانسانية لمفاهيم الخير والشرّ في هذا العالم ، فرأت ان كل ماينفع الانسان بالذات فهو خير محض ، وكل ما يضرّه فهو شرّ محقق ، وعلى هذا كان مقياس الفلسفة الثانوية للخير والشر ذاتيا وليس شموليا كونيا عالميا الاهيا لنقول هذا خير وهذا شرّ !.
نعم في الرؤية الفلسفية الاسلامية هناك خالق واحدا لهذا الوجود والعالم والكون والانسان هو الله سبحانه وتعالى الجميل والفيض الخيري المطلق ، أما من اين جاءت الشريّة في هذا العالم ؟. وهل ان الله سبحانه هو نفسه من خلق الشرّ ايضا ؟.
فهنا للرؤية الاسلامية فكرة تبدأ من البداية باعتبار ان الشرور في حقيقتها هي ليست خلقا منفصلا قبالة الوجود الحقيقي للخير ، بل ان الشرّ ماهو واذا اردنا فهمه بصورة واقعية ومنطقية الا عدم وخلاء فحسب !.
اي انه عندما يقال ان الجهل شرّ في هذا الوجود العالمي الانساني فأننا وأسلاميا يجب ان نفهم ان الجهل هو : عدم العلم لاغير ، ولهذا ترى الاطروحة الاسلامية ان الوجود الحقيقي والواقعي والمخلوق والمفاض به من قبل الله سبحانه على هذا العالم هو العلم والكسب والتحصيل فحسب ، وما الجهل والشرّ والعدم الا الجهل الذي طرأ على الخلقة لعدم استعداد الخلقة لتلقي العلم او عدم حركتها نحو التكامل ، ولهذا كان الجهل انعكاسا فراغيا وعدميا لعدم وجود العلم وكسبه في هذه الحياة !.
وكذا الظلم باعتباره شرّاً فماهو الا عدم وجود ملكة العدل والتحرك الانساني نحوها ، ... وكذا باقي هذه الشرور الكثيرة في العالم فماهي الا نتيجة للفراغ والعدم الناتج عن عدم استعداد التركيبة الخلقية( لاسباب موضوعية انسانية ) لتلقي الفيض الخلقي الالهي او عدم تحرك هذه الخلقة وخاصة الانسانية نحو تكاملها الطبيعي في التحرك نحو ملئ الفراغات وسد ثغرات المعدومات بالوجودات والفيوضات الالهية الوجودية !.
ومن هذا حافظت الرؤية الاسلامية على وحدة الوجود ووحدة الخلق والخالق في نفس المعادلة الخلقية بلا حاجة لافتراض ان للخلق وجهان اصيلان في العالم الاول خيرّ وجميل وطيّب ، والاخر شرير وقبيح ورذيل ، من منطلق رؤية المدرسة الاسلامية للشرور في هذا العالم على اساس انها فراغات ومعدومات لاغير !.
نعم نحن لانقصد مطلقا بقولنا : ان الشرور في هذا العالم ماهي الا فراغات ومعدومات ان ليس هناك شرّ واقعي يشعر به الانسان ويمارسه في حياته الواقعية ايضا !.
لا ... وانما قصد اهل الفلسفة الاسلامية ان الشرور في العالم هي عبارة عن غياب للوجود الحقيقي في الخلقة لاستعداد او مانع مفتعل ، مثل نموذج ( الشمس والظلّ ) الذي يضربه الله سبحانه مثلا للحق والباطل في الخالق والمخلوق بقوله :(( الم تر الى رّبك كيف مدّ الظلّ ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعل الشمس عليه دليلا / 45، الفرقان )) فلو سألنا عن الظل ماهو ؟. لاُجبنا بانه ماهو الا غياب ضوء الشمس بمانع ما !.
اي ان الظل في واقعيته ليس شيئا قائما بذاته وله اصالة خلقية في مقابل خلقية الشمس وضوئها لنقول كيف يخلق الله النور وظلمة الظلّ في عالم متعدد الخلقة !؟.
لا ليس هذا هو السؤال الدقيق لماهية الخلقة ، وانما السؤال الدقيق ينبغي ان يكون حول ماهية وجود الشرور وليس كيفية خلقها فافهم !.
وكذالك الشرور في هذا العالم حسب الرؤية الفلسفية الاسلامية فانها ترى ان الشرور ليس لها اصالة واقعية خلقية لتحتاج الى خالق يخلقها لنقول كيف ان الله سبحانه الجميل المطلق يخلق الشرّ كما يخلق الخير في هذا العالم؟. وانما الدقيق في الموضوع هو ان نعرف ان الشرور في هذا العالم تنمو وتظهر للعيان وفي الحياة والعالم عندما تكون هناك فراغات ومعدومات اهمل الانسان جانب ملئها وسد فراغاتها بجهده وسعيه( بان يسعى للعلم ليسد فراغ الجهل ) فبقيت فراغات ومعدومات لتتبلور نفس هذه الفراغات والمعدومات الى شرّيات ونقصانات ... وما الى ذالك من عالم الشرور في هذه الحياة الذي يبدو بظاهره انه شيئ حقيقي ووجودي الا انه في واقعيته هباء منبثا :(( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا )) !.
وقال سبحانه :(( أمّا الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض )) فالاصالة الحقيقية للخير في الخلق ، وأما الوجود الشرير فهو الطارئ من خلال النقص !.
أذن : تنتفي حسب هذه الرؤية مقولة الثنوية التي ترى ان للوجود خالقان من منطلق ان رؤية الثانوية لوجود الشرور في هذا العالم كانت رؤية قاصرة من خلال رؤية الشرور وماهيتها الواقعية على اساس ان لها اصالة وواقعية خلقية مما اضطر الثنويين للقول بوجوب وجود خالقين لهذا العالم مادمنا نقر بأن الله سبحانه الجميل لايمكن ان يخلق هذه الشرور التي نراها في عالمنا البشري بالخصوص !.
أما ان قلنا بالرؤية الاسلامية لمصدر الشرور وكيفية نشأتها فاننا لسنا بحاجة للبحث عن مَن خلق الشرور في هذا العالم وهل هو الله سبحانه ام خالق اخر من منطلق ان ليس للشرور اصالة وجودية لنقول بوجوب ان يكون لها خالق ، بل وعلى نظرية الفلسفة الاسلامية فان الشرور تنتج من خلال انعكاسات النقص في الخلقة الوجودية الحقيقية التي كانت من المفروض انها خلقة رُكبت على السير والحركة والتكامل الى الافضل الا انها لسبب او اخر او لعلة او اخرى انتكست الحركة لتترك فراغا ونقصا في حركة الخلقة انقلبت هذه الفراغات الى شرور وعذابات وارتباكات للوجود الانساني ، فنشأت الجهالات والظلامات والاعتداءات ... وجرّت بعدها الكوارث والفيضانات والفساد والقتل !.
قال :(( اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم مالاتعلمون ))
ان الضمان الحقيقي الذي يطرحه الاسلام لسد نقص الشرور والمفاسد للخلقة الانسانية في هذا العالم هو عندما يرتّب الانسان حياته حسب برنامج الاهي ضمن له سد كل الثغرات في شخصيته ورفع كل النقائص من ذاتيته وملئ كل الفراغات التي ان تُركت انقلبت الى شرور ومفاسد وقتل في حياة الانسانية الا وهو ضمان :(( قلنا اهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، والذين كفروا وكذبوا باياتنا أؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) !.
بقي لنا ان نفهم ماهية العلاقة القائمة بين الخير والشر في هذا العالم بعد ان فهمنا أصالة الخير في الخلق وطروء الشرور عليها بسبب ان هناك ربما من يتسائل بعد ان فهم ان الشرّ انعدام لوجود الخير في حيز ما وليقول : أذن كيف ليّ ان افهم حالة الصراع البارزة في الحياة الانسانية بين مايسمى بالخير ومايسمى بالشرّ ؟.
وهل على هذا افهم من قوله سبحانه :(( قل اعوذ برب الفلق من شر ماخلق ..)) ان الشر الوجه الاخر لعملة الخلق الانسانية ؟.
أم ان الشرور والنقائص متلازمة مع الخير والخلق كملازمة اليسر للعسر وولادة الخير من رحم الشر او ولادة النور من الظلمة ؟.

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والأنفس-3

بين الفجر والليل يوم كامل ، وفي خلال هذا اليوم الطويل يقطع الانسان رحلة شاقة وصعبة جدا مع الكون في شمسه وصباحها وظهره وحرّه وعصره ومشقته وغروب شمسه وفلول قوى الانسان وتعبه ، وليله وعتمة ضوئه واسترخاء البشر وحاجته الى النوم والراحة !.
وفي خلال هذه الرحلة يحتّك الانسان بصراعه مع الحياة من اجل القوت ليجاهد بضغط عضلي وحركة جسدية من جهة ، ومع الانسان الاخر بصغره وكبره ونسائه ورجاله واصحاءه ومرضاه ، وخبثائه وطيبيه وشريريه وخيريه ...... حتى الليل عندما يؤوب الانسان الى جنته الاّمنه ليوّدع يوم كامل بكل مافيه من كوارث من جهة اخرى !.
طبعا لايستطيع الانسان خلال هذا اليوم الطويل ان يدرك كم هي دقات قلبه التي حملته في يوم صعب ومتعب !.
ولايدرك او يفهم كيف عمل جهازه التنفسي ليؤّمن له الحركة في الحياة ، وكم هي الانفاس التي دخلت وخرجت في هذا اليوم !.
ولايستطيع ان يحسب كم هي الخطوات التي خطاها في هذا اليوم من اول خروجه في الفجر وحتى عودته في الليل اذا وقب !.
وربما الانسان لايلتفت اصلا لهذه الروتينيات الجسدية والعضلية والفسلجية اليومية التي يمارسها بلا ادنى تأمل منه او هي لاتدخل في حساباته المهمة كحسابات المواعيد والتجارة والعمل والحرب ... وباقي الشؤون الانسانية الاخرى !.
امّا القرءان الكريم فهو يهتم كثيرا بلحظات الانسان الزمانية والمكانية ، وبما فيها اليومية والوقتية !.
يفتتح القرءان الكريم سورة الفلق من ثنائية المعوذتين بقوله :( قل اعوذ برب الفلق ) وهو آخذٌ بالحسبان تماما ان الفلق هو بداية يوم جديد للانسان وللحياة وللعالم عندما تبدأ مسيرته كل نهار من حركة الانسان على وجه الكرة الارضية هذه ، فهو فلق لصباح كوني وقيام انساني ، وهو فلق لحبات نبات تخرج وتتحرك مع اول اطلالة لضوء شمس تندلع بلسانها على افاق الارض .....،وما ان تستمر الحياة والحركة بهذه الصورة لبداية يوم جديد حتى يلتفت القرءان الى حركة عمق الصراع الحياتية الكونية هذه ليقول :(( من شرّ ماخلق )) وهو واضعا بحساباته ان هناك الكثير من الاخطار تحيط من بداية كل فجر بهذا الانسان الضعيف والمسكين وحتى ليله ، وعلى هذا لابد من تنبيهه الى خطوط اللعبة وانها لعبة مليئة بالشرور والاخطار الدنيوية ، وما ان ينتهي اليوم بغروب شمسه ومغيب افقه ودخول ليله حتى نفاجأ بأن القرءان العظيم لم يزل مواكبا لحركة الانسان في يومه من طلوع فجره حتى دخول ليله في قوله سبحانه :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) !.
أذن نحن امام نص قراني ثلاثي تحرّك مع الانسان في اوقات ثلاثة :
الاول : اخذ فترة انفلاق الفجر على الانسان في قوله :(( قل اعوذ برب الفلق )).
الثاني : سار مع الانسان في يومه ليدفع عنه شرور اللحظات والدقائق والساعات وما احاط بها في قوله :(( من شرّ ماخلق )).
الثالث : الذي ختم فيه النص القرءاني يوم الانسان الطويل والصعب باسدال الستار على عرض النهار بقوله :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )).
الغاسق هذه اللمسة الاخيرة التي اثارها القرءان الكريم لقصة حياة انسان في يوم كامل هي عبارة عن ( ظلمة الليل ) اذا دخلت او وقبت على حياة الانسان ، قال سبحانه :(( الى غسق الليل )).
وهنا نحن لانعلم من ارشادات القرءان الكريم هل شرور النهار والحركة والاحتكاك والانسان .... هي الاشدّ قسوة على الانسان ؟.
أمّ ان شرور الليل ومافيه ومايخفيه بظواهره الهادئه واصواته المختنقة وانفاسه الصامتة هي الاشد رعبا وشرورا على الانسان ؟.
يبدو من خلال الخطاب القرءاني : ان الانسان ليس له فسحة وقت لافي ليل ولافي نهار بامكانه الاعتماد عليها كمساحة زمن تهب الهدنة في صراع الانسان مع العالم ، ويبدو ان هذه الحرب هي موجهة ضد الانسان في كل لحظة من لحظات وجوده في هذه الحياة ، ومنذ الفجر بانفلاقه وحتى غسق الليل بوقوبه !.
نعم تساءل اهل التبيين والتفسير القرءاني حول : سببية نزول او تنازل النص القرءاني الكريم من العام في قوله :(( من شرّ ماخلق )) الى التخصيص في قوله :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) ليتساءلوا : ماهي الخاصية التي افرد من خلالها النص القرءاني غسق الليل بالذات لينبه من شروره ؟.
فقال احدهم : بسبب ان الظلمة تعين اهل الشرور على تنفيذ شرورهم وهذا صحيح !.
وقال اخر : تعلمون ان اللصوص والجرائم والرذائل كثيرا ماتحدث تحت جنح الظلام الليلي ، ولهذا كان الليل حامل شرور عظيمة والاستعاذة من وقته امر ضروري وهذا صحيح ايضا !.
لكن مافات علماءنا الابرار في فهم هذه النصوص الكريمة شيئين :
الاول : هو انهم فصلوا بلا مبرر بين بداية السورة في :(( قل اعوذ برب الفلق )) ونهاية النص المتمم لخطاب القرءان في :(( ومن شر غاسق اذا وقب )) وعلى هذا ذهبوا للتركيز والسؤال على لماذية تخصيص الليل بالشر كظاهرة كونية جميلة بعد التعميم في ( من شرّ ماخلق )؟.
والحقيقة انه ليس هناك تخصيص بعد تعميم في النص القرءاني المذكور ، وانما هناك سلسلة زمنية متكاملة بدأت ب (( قل اعوذ برب الفلق )) الذي يشير الى بداية يوم من جهة ، واستعاذة من الشرور التي تبدأ معه ضد الانسان ، واستمرارا مع يوم فيه الكثير من الشرّ للانسان في (( من شرّ ماخلق )) ونهاية حتى الوصول لختام اليوم في :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) باعتباره نهاية الدورة الزمنية من جهة اخرى ، ولكن ليس على اساس ان شرّ الليل هو اكثر خطرا من شرّ النهار او العكس ليخصص الليل من دون النهار !.
لا .. ولكن على اساس ان الانسان يعيش في كل دورة حياته اليومية بحلبة خطرة جدا من الاحتكاك مع العالم منذ الفجر حتى غسق الليل المظلم هذا ، لكن لااعلم لماذا بدأ اهل التفسير من قوله سبحانه :( من شر ماخلق ) بدلا من النظر من البداية الاولى في :(( قل اعوذ برب الفلق )) لتتم لديهم الدائرة ولايكون هناك عام وخاص في الحركة النصية للقرءان !.
الثاني : هو ان اهل التفسير والتبيين حتى مع انهم ذهبوا الى ان هناك خصوصية ما لغسق الليل في ذكره عن باقي الاوقات الانسانية والكونية ، فهم حتى مع ذالك لم يدركوا لماذا يكون غسق الليل اذا وقب فيه شرّا عظيما للانسان ؟.
صحيح ان اهل اللغة والتفسير قالوا : بأن معنى (( غاسق اذا وقب )) اي الليل الحالك الظلمة ، ولكنهم مع الاسف لم ينتبهوا الى ان هذا الليل المشار له في النص القرءاني في سورة الفلق انما هو ليل يتمتع بمواصفات معينة ، وليس هو الليل الطبيعي والذي يعيشه الانسان كل يوم في حياته الانسانية ، والذي يتعوذ منه الانسان مع طلعة كل فجر جديد ، والذي فيه شرور طبيعية ذكرها اهل التفسير على الجملة !.
ان قول اهل اللغة واهل التفسير في بيان قوله (( غاسق اذا وقب )) فيه اشارة واضحة على ان هذا الليل هو ليل حالك الظلمة ، ودخوله على الانسان يشكل هاجسا نفسيا لهذا الانسان الطبيعي !.
ومن هنا نحن فهمنا ان قوله سبحانه :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) هو ليلة ان اخذنا برأي اهل التفسير على اساس انها نقله قرءانية من العام في (( من شرّ ماخلق )) الى الخاص في (( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) نكون أمام ليلة فعلا مخصوصة ، ولكنها ليس ليلة طبيعية في حياة الانسان ، بل هي اسم لليلة خاصة جدّا تسمى ليلة ( الغسق )!.
اي انها الليلة التي تكون شديدة الظلمة وآذنة بشر ما قادم من اعلى السماء !.
نعم متى يكون الليل شديد الظلمة وحالك السواد ؟.
انه السؤال الذي لو تنبه له اهل البيان لادركوا معنى :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) !.
يكون الليل شديد الظلمة وحالك السواد ان غاب عنه القمر تماما ، وهذه ظاهرة كونية طبيعية جدا ، فالقمر في كل شهر قمري يمحق ليوم في دورته الكونية ليعود ولادته من جديد ، والى هنا لايشعر الانسان بكبير قلق من ليلة المحاق الاسود ، وان كان فيها الكثير من الروايات الاسلامية انها ليلة مقلقة دينيا ، ولكن كيف بنا اذا صادف ان الليل بلا نجوم متلألئة في سمائه ؟.
ورد عن الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم قوله :(( النجوم أمان لاهل الارض من الغرق ، واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف ....))
وقال ص :(( النجوم امان لاهل السماء فان طمست النجوم اتى السماء مايوعدون ...))
وعلى هذا نفهم ان ليلةً ليس فيها نجوم هي ليلة شديدة السواد على حياة الانسان ، وهي الليلة التي نخشى شرّها الكوني والعالمي الانساني ايضا ، فقد ثبت علميا ان للنجوم وظيفة التوازن الكونية العظيمة التي ان اختلت موازينها فان الارض ومن عليها سيكون في اختلال بالتوازن كونيا وعالميا ايضا ، وهذا هو مايشير له القرءان العظيم بقوله :(( ومن شرّ غاسق اذا وقب )) وما اشار له في موضع اخر بقوله :(( فاذا النجوم طمست ))!.
الخلاصة : هي انه لوكان هناك تخصيص بعد التعميم في قوله سبحانه :(( من شرّ ماخلق ، ومن شرّ غاسق اذا وقب )) فمعناه ان هناك ليلة من الليالي تسمة بليلة ( الغسق ) ووقوبها سيكون فيه شرّ عظيم للانسان بحاجة هذا الانسان المسكين للاستعاذة بالله من اهوالها الكونية !.
وكيف لا اذا مررنا بفلق فجر هادئ ومتحرك وحيوي ، واحتككنا بعالم ومخلوقات طبيعية غريبة عجيبة في نهار يوم عادي ، ودخلنا على ليل او دخل علينا ليلٌ بلا قمر منير ولانجوم متلألئة لترتفع البحار كظاهرة لاطبيعية وتخسف الارض كردة فعل كونية لغياب التوازن ، وقلب ظهر الارض لبطنها وفارت البراكين وانتهى العالم وهدمت الجبال فكانت كالعهن المنفوش .... أليس هي ليلة خطيرة جدّا بالنسبة للانسان ؟.
هذه الليلة تسمى ليلة القيامة وليس يومها !.




al_shaker@maktoob.com

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والأنفس -2

قليل من البشر تستهويهم رؤية ( أنفلاق الفجر ) وبداياته في كل يوم جديد ، ولعل هناك حكمة ما عندما يقف اي انسان منّا لينتظر أنفلاق الصباح ويرقب مع نفس عميق الكيفية التي ينتشر فيها ضياء الصباح بشكل عمودي الضياء حتى السماء ، ثم ليعود بعد ذالك ليلقي بكل شفافيته على اهل الارض !.
ان هذا المشهد الكوني المعبّر لايدوم الابضع دقائق من خلالها تتغير النفسية الداخلية للانسان وهو يشعر بأمان الجديد الذي تحقق بيوم تنفس وحرّك العالم بمجيئه ، عندها وفي هذه اللحظات ندرك بعمق قول القارئ :(( قل أعوذ برب الفلق )) وهو انسان يبدو انه ذاب عشقا لرؤية ظاهرة الفلق لينسبها لمعاجز الخالق العظيمة والرب الكريمة !.
ولكنها وفي نفس الوقت التي تمثل ظاهرة اعجازية كونية رائعة وجميلة ، هي ايضا آذنة ً بلحظة حراكية جديدة للاختلاط في العالم وفي العمل وفي الانسان كذالك ، أو انها ناقوس وجرس تنبيه على رنينه يهبّ العالم من رقدته التي كان فيها ليصحوا من جديد وليزاول حياته بحيوية ونشاط واحتكاك اكبر ، عندها تُنسى ظاهرة انفلاق الفجر الهادئة الجميلة ، لتتحرك بدلا عنها حركة العالم العنيفة ، فيقرأ القارئ :(( من شرّ ماخلق )) !.
ولو سألت اي انسان في صباح اي يوم من الايام حول : ماهي الضمانات التي على اساسها يخرج الانسان للحياة وملئه الثقة والاطمئنان والامان من شرور العالم ؟.
لاجابك بلا تعنت ، ولاتكبر او مناورة : لاشيئ !.
نعم الانسان مدرك انه يعيش في محيط تحت كل صخرة من بناءه ، ومع كل نسمة من نسماته ، يكمن شرّ ما يتربص بالانسان ليصل الى حياته ويقضي عليها ، ومع ذالك يبدو الانسان غير مهتم بمايحيط به من حوله من شرور فماهو السبب ؟.
السبب هو ان الانسان ومن خلال التجربة البشرية اعتمد على فكرة : ان الحقائق المزعجة التي لاسبيل لدفعها ، او لاسبيل من العيش الا معها ( كفكرة الموت وفكرة الشر في العالم وفكرة الاخر ...)لابد وحتما استخدام لغة النسيان لها كي تستمر الحياة بلا عنت ، والا لو كان الانسان ملتفتا بكل ذكائه وفطنته وذاكرا لها في كل حين لتعذرت الحياة الهانئة على الانسان في حياته على الجملة !.
ولهذا يستخدم الانسان النسيان والتجاهل وعدم ذكر حركة العالم من حوله ليتمتع بقليل من وقت هدوء الاعصاب واللذة واقتناص السعادة والاطمئنان في هذه الحياة ، أمّا غير ذالك فستصبح مغامرة كبيرة ان يخرج الانسان من بيته وهو لايملك اي ضمان يذكر يُطمئن الانسان على وجوده في صراعه مع العالم !.
ان هذه الرؤية هي الرؤية التي يصطلح عليها اهل الادراك والوعي اللاهوتي بانها رؤية الانسان السلبي الذي يحاول ان يعيش في عالم يتجاهل كل حقائقه ، أمّا بسبب عدم ادراكه لحقائق هذا العالم فهو لذالك غير ملتفت لحقيقة وشخصية العالم من حوله ، وّأمّا بسبب انه مدرك تماما لحقيقة العالم من حوله الا انه توصل الى يقين انه لايمكن العيش والاطمئنان في عالم الا من خلال نسيان حقيقة هذا العالم !.
أمّا اهل الحكمة والدراية فطريقهم طريق الانسان الايجابي الذي يدعو له القرءان الكريم كتاب الله الحكيم ، وهو طريق الذكر ومجابهة الحقائق !.
ان الكثير من الناس ربما يعلم لماذية تسمية الكتاب الالهي العظيم القرءان الكريم بأسم ( الذّكر ) فهو من منطلق انه دائم التذكير للانسان بعدم نسيان الحقائق العالمية والانسانية المزعجة والمثيرة للوجود الانساني سميّ القرءان بالذكر الحكيم ، اي الذي يذكّر الانسان دائما بحقيقته في هذا العالم وحقيقة العالم من حوله ، بل ان القرءان الكريم من معالجاته الايجابية رفضه المطلق وادانته وشجبه لفكرة استخدام النسيان في هذه الحياة الدنيا كسبيل للوصول الى السعادة والاطمئنان في هذا العالم ، ولهذا ذكر حقيقة (( من شرّ ماخلق )) ، ليظهر حقيقة ان الانسان مفروض عليه العيش في عالم مخلوق هو في قبالة خلق الانسان في حالة صراع دائمة واحتكاك مستمرة توّلد من هنا وهناك شرّاً حتميا لحياة الانسان !.
يقول الرسول العظيم محمد ص وهو يشير بدوره كمذكر ثاني مع القرءان للبشرية جمعاء حول الحقائق العالمية المزعجة للوجود البشري ، وكيفية ان يتعامل الانسان الايجابي مع هذه الحقائق من منطلق عدم النسيان لها بل الذكر الدائم لمضمونها :(( أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا )) اي : ان العظيم محمد ص يدعو الى عدم نسيان حقيقة ان الانسان لايعلم هل هو سيعيش لغد او ان كارثة من الكوارث ستحلّ به لتقضي عليه قبل الغد ، وعليه يجب على الانسان الايجابي ان لاتوقفه حقيقة القلق على وجوده ، وليستمر في الحركة والعمل والامل على اي حال بكيفية ان عمله وحركته تكون متوازنة بين انه سيعيش ابد الدهر او انه سيموت بعد لحظات !.
وهكذا عندما نريد ان نستوحي قصة الانسان مع العالم ، فاننا على الرغم من ادراكنا قرءانيا للمخاطر العظيمة التي تحيط بالانسان في هذا العالم ، وان العالم ماهو الا مجموعة من الخلق معقدة وفيها الكثير من انعكاسات الشرور على الانسان ، لكنّ رغم ذالك يكفينا الاستعاذة برب الفلق لشق طريق يوم جديد نتوكل فيه على الله سبحانه بدفع الشرور الكبيرة والصغيرة ايضا :(( قل اعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق )) !.
ان ابدال حقيقة النسيان السلبية التي يستخدمها الانسان السلبي بالهروب من مرض القلق والخوف الشديد من العالم ، بحقيقة الذكر والانتباه للحقائق العالمية مصاحبا معها ذكر رب الفلق القائم على ادارة هذا العالم برمته لهي الوصفة الطبية الفريدة التي تتمكن من خلق انسان متوازن بين ادراكه لحقيقة ( شرّ ماخلق ) وحقيقة الاطمئنان التام والشجاعة الكبيرة لمواجهة الحياة بشجاعة ووجهاً لوجه ، أما دعوتنا لمواجهة حقيقة العالم المزعجة ولكن مع عدم الرجوع لفكرة ذكر الخالق والرب العظيم سبحانه وتعالى فهي وصفة مدمرة للانسان ودافعة له للتشاؤم ومن ثم للقلق والانتحار وباقي الفلسفات التي واجهة الانسان بحقيقة الكون واخرجته من سلبية النسيان تلك ولكن لالتهبه الاطمئنان والامان ، بل لتضعه ليكون ورقة تحترق غيضا على وجوده في هذا العالم ومن ثم ليقرر اي انسان في مكان حاله الخروج من هذا العالم الشرير ، وهذه هي فلسفة الوجودية التشاؤمية في هذه الحياة !.
لا ... للقرءان الكريم فلسفة اخرى في صناعة الانسان الايجابي ، ومع انها فلسفة تذكّر الانسان بحقيقة وجوده العالمي ،ولاترحب بفلسفة النسيان والغفلة لهذا العالم من قبل باقي البشر ، وانه وجود محفوف بالمخاطر والشرور الكثيرة ، الا انها ومع ذالك وضعت قبة الميزان الاخرى التي تعين هذا الانسان على مواجهة العالم بقوة في حالة صراعه معه ، وهي قبة ذكر ( رب الفلق ) الذي بامكانها ان تهب الانسان القدرة والشعور على انه بامكانه الانتصار على العالم من حوله بمساعدة رب الفلق الذي يقوم بالفعل على ادارة العالم هذا ، كما انها الجهة الوحيدة التي تضمن للانسان شعوريا وروحيا وحتى فكريا ، انها القادرة على دفع شرور (ماخلق ) كلها ، وارساء قواعد الاطمئنان لحياة الانسان من جهة اخرى :( الا بذكر الله تطمئن القلوب ) !.
أذن : قل اعوذ برب الفلق ، ضرورة انسانية طبيعية لايجاد وخلق الانسان الايجابي المتوازن في هذه الحياة الذي يعيش بين ذكر الله وذكر الانسان !.
ومن شرّ ماخلق ، ضرورة كونية وعالمية يعيشها الانسان بوجوده ، وعليه ان يعيشها بفكره وروحه ومشاعره ايضا ، ليشعر ويدرك حقيقة العالم الذي يعيش في داخله بواقعية ، وكيفية معالجة تغوّل هذا العالم من حوله ، وحاجة الانسان الى قوّة تساند الانسان في نضاله ضد العالم هذا !.
يتبقى : هل من العدالة ان يخلق الله سبحانه خلقا فيه هذه الكمية الكبيرة من الشرّ في العالم والكون ضد الانسان ؟.
وكيف يدعونا القرءان الكريم للاستعاذة من خلق الله سبحانه وتعالى ، اذا كان كل الخلق لله وهو لايخلق الشرّ سبحانه وتعالى ؟.
ثم ماهذه النظرة التي توحي للانسان انه ماهو الا ذرّة صغيرة في فرن يغلي من الحقد عليه ؟.
وكيف يتسنى لنا فهم الانسان صاحب السيادة على هذا العالم ، وعالم هو شرّ للانسان وندّ له وبامكانه القضاء على البشر ان سهى عن حفظ نفسه منه لحظة واحدة ؟.



al_shaker@maktoob.com

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والأنفس !-1


لسورتي المعوذتين المباركتين في القرءان الكريم شأن لايقل فنية وسردية وفكرية وكذا ادراكية عن باقي السور القرءانية الاخرى التي تعددت صورها ومواضيعها باشكال مختلفة ، واتحدّت مضامينها وافكارها في شرح حقيقة الانسان ووجوده ومن اين اتى والى اين هو ذاهب ولماذا هو الان وكيف عليه ان يكون .... وهكذا
من باقي الافكار والتصورات والحقائق التي يطرحها كتاب الله العظيم سبحانه القرءان الكريم حول الله سبحانه والانسان والعالم والكون والحياة ؟!.
ونعم مايميّز المعوذتين عن غيرهما من سور القرءان الكريم ان لهما موضوعاً ووجهة ومنحىً اختصتا به لمعالجته فكريا ونفسيا وروحيا بالنسبة لحياة الانسان في هذا الوجود ، بحيث ان مجرد تسمية هذه السورتين ب (( المعوذتين )) يكفيهما دلالة لوجهتهما الفكرية التي حاولت هاتين النافذتين القرءانيتين معالجتهما في حياة الانسان !.
**********



معنى التسمية : المعوذتين .



( العوذ الالتجاء الى الغير ، والتعلق به وطلب الالتصاق بجنابه ، وقيل : أطيب اللحم اعوذه ، اي الصقه باللحم ، ومنه اشتق العوذ والاستعاذة في قوله سبحانه :(( فاذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )) ، فهو قريب في المعنى الى مفهوم طلب ((الاستعانة والحماية والعون والاجارة من الغير ... بالتوبة والرجوع اليه )) !.
وعلى هذا تكونان سورتي المعوذتين هما في اتجاه ووجهة : حالة ان يكون الانسان ضعيفا وهو بحاجة الى غيره ليستعين به لدفع ضرر او جلب نفع لايستطيعه الانسان ان يستحصله بنفسه !.
وهذه الحقيقة ( حقيقة الضعف الانساني ) من الحقائق الذي عالجها النص القرءاني العظيم بشكل مكثف وكثير وركز في معظم محاوره الفكرية على ابراز حقيقة ان الانسان ضعيف ، وهو دائم الحاجة الى الاستعانة بغيره لتأمين مصالحه الاجتماعية ودفع مضاره الانسانية !.
قال سبحانه :(( وخلق الانسان ضعيفا ))
فمعنى تسمية آخر سورتين في القرءان الكريم ب (( المعوذتين )) اي اللتين يعوذ الانسان بهما او من خلالهما من الشرور والكوارث التي تحيط به في حياته الدنيوية هذه !.
*************



الآستعاذة بالله سبحانه



وكعادة القرءان الكريم وتوجيه نصه العظيم في ارجاع جميع الاشياء لله سبحانه وتعالى ، فهكذا هي الحال هنا ايضا في وجوب طلب العون وضرورة العوذ بالله والالتجاء اليه سبحانه وتعالى للانسان ، ولهذا قال في مفتتح سورتي المعوذتين :(( قل اعوذ برب الفلق .... ، قل اعوذ برب الناس ))
اي ان القرءان العظيم يطلب من السامع والمتلقي لنصه الكريم ان يقول ( اعوذ برب الفلق ، اعوذ برب الناس ) باعتبار ان رب الفلق ورب الناس هو الله سبحانه وتعالى وهو المالك الحقيقي لقوّة دفع الضرر وجلب المصلحة للانسان ، بغض النظر عن باقي الاسباب الانسانية والطبيعية الاخرى التي تساهم من خلال التزاحم والاحتكاك بان لها الاصالة في مضرّة الانسان ونفعه ظاهريا !.
صحيح ان الحقيقة الثانية التي لاشك فيها هي : ان الله سبحانه وتعالى هو القوّة الفعلية المتحكمة بجميع الاسباب العالمية ، وعندما يطلب من الانسان الالتجاء اليه سبحانه فانما يطلب التوجه الى الجهة والزاوية الصحيحة في طلب الالتجاء والمعونة !.
**************



برب الفلق



الفلق صفة مشبهة بمعنى المفعول ، اي بمعنى المفلوق ، ورب الفلق تعني رب المفلوق وهو عادة مايطلق على الصباح باعتباره من شقّ وفلق الليل بضوئه قال :( فالق الاصباح ) ، وكل مشقوق منفلق مثل فالق الحبّ والنوي قال سبحانه :( ان الله فالق الحب والنوى )!.
والمعنى : قل التجأ الى رب الفلق اي المدبر لهذا الفلق !.
أمّا ماهي المناسبة او الخصوصية للفلق عن غيره ، فباعتبار ان المعوذتين ماهما الا طلب والتجاء وخشية من شرور متنوعة ، فناسب انفلاق الصباح او معنى انفتاح النور من الظلمة والامل الجديد من بعد العتمة والليل الطويل معنى ازالة ودفع الضرر والظلمة والشرور عن الانسان ، فهو مثل ايحاء ان الرب القائم المدبر للكون سبحانه وتعالى بما انه هو وحده القادر على فلق الصباح عن الظلمة واخراج النور من العتمة وشقّ الجديد عن القديم ...، هو كذالك القادر على دفع الضرر عن الانسان واخراجه من عتمة الشرّ الى فجر الخير !.
وللفلق بعد ذالك ومن منطلق انه ظاهرة كونية طبيعية صورة الكون الذي يتنفس من جديد :( والصبح اذا تنفس ) وكأنما كان العالم في ليله الهادئ مقطوع النفس ميّت الحركة هامد الاعضاء ، ولم يوهب نعمة الحياة الا عندما اتى له الصباح ليهبه نعمة التنفس ، فقارن القرءان الكريم كلام الله سبحانه رب العالمين في المعوذتين بين الفلق والفجر والصباح والنور واليسر بالنسبة للانسان من جهة ، وبين الشرّ والموت والعتمة والسكون والهمود من جهة اخرى ، فكانت حلاوة المناسبة في المعوذتين لذكر الفلق على باقي ظواهر الكون الكثيرة !.
نعم قيل ( الفلق ) بمعنى جبّ في نار جهنم طُلب للاستعاذة منه ، وقيل بمعنى الانهار ، لكنّ الاشهر الاعم هو الصبح اذا تنفس .
***********
من شرّ ماخلق .



وهذا هو متعلق الطلب في : قل اعوذ برب الفلق .
وواضح من هذه الرؤية ان الانسان يعيش في بحر متلاطم من الشرور الكونية والعالمية والانسانية والطبيعية .... التي تحيط بوجوده الصغير جدا في هذا الوجود ، فمجرد الاطلاق او العموم في نص الاية الشريفة ينبأنا بحقيقتين او يشير لنا لموضوعتين او يلفت انظارنا لزاويتين :
الاولى : هي حقيقة ان الانسان يشعر في صميم ذاته انه كائن موجود في عالم لايدرك من اسراره الا الشيئ القليل جدا ، وعالمٌ يعيش الانسان في وسطه ولايفهم من قوانينه او اسراره او شخصيته الا النزر اليسير جدا حتما سيدفع للانسان شعورا بالريبة من هذا العالم الغريب الذي يحيط بالانسان كسجن كبير او هو يحمل الانسان بين ذراعية كطفل رضيع !.
فبالنسبة للكون بمجراته التي لاتعد ولاتحصى مَن يكون الانسان ليدرك قوانين واسرار وزواية وشرور وخيرات وجهات هذا الكون العميق والغريب ؟.
واما بالنسبة للعالم ماهي معرفة الانسان بدواخل وخوارج هذا الكائن المجهول ليدرك الانسان مداخل الشرور فيتقيها ومخارج الخيرات في هذا العالم ليذهب اليها ؟.
وهكذا بالنسبة لعالم الانسان الذي يحيط بافراده بشكل شبكة معقدة من الكائنات الحيّة المسماة بشرا ، فهو عالم في كل فرد منه عالم داخل عالم !.
في ظاهره مرّة تصادف قبرا على شكل انسان ومرة تصادف ملك من الملائكة المقربين وهم هم كليهما يملك نفس الهيئة والصورة في الخارج الظاهري لصورة الانسان ، ومرّة تصادف قردا واخر تصادف ثعبان وهكذا عندما تصادف انسان وانت لاتدرك كل ذالك وليس لك به معرفة مباشرة لتميز بين انسان وانسان !.
أمّا عالم الحيوان والجماد ومالانعلم من عوالم وافاق ساعة ً تحيط بالانسان واخرى تحتضنه ، فكل هذا الكون والعالم ماهو في نظر الانسان الانسان الا عالم مليئ بالالغاز غامض الشخصية صعب الفهم ، ومعقد التركيبة على الحقيقة والواقع ، وفي مثل هذه الحالة يشعر الانسان من العمق انه كائن يعيش في متاهة لايدرك اولها من اخرها ، ولايفهم اتجاهات الشرور فيها من الخيرات !.
والثانية : هي زاوية ان الانسان عندما شعر بمتاهته في هذا العالم الفسيح والكبير ، وادرك عجزه عن فهم لعبة الحياة والكون ، شعر بالخوف بعمق من كل مايحيط به او يعيش في داخله ، فطلب زاوية الامن وبحث عن ملجأ الحماية والامان !.
ان من الطبيعي جدّا ان يشعر الانسان بالقلق من عالم لايستطيع فهم مساره وقوانينه ، او لايحيط بكل حركاته وسكناته ، فكل حركة وسكون في هذا العالم تعتبر شيئا ما بالنسبة للانسان أمّا خيرا ينعكس عليه ، وأما شرّا يزحف نحوه ،وفي حال عدم ادراكه واحاطته بحركة هذا الوجود فحتما هو انسان قلق من وجود يعيش فيه فرضا ولايدرك كيفية حركته التفصيلية حكما ، ومن يعتقد ان ليس هناك صلة ما بين الانسان وحركة وسكون الكون من حوله في الشرّ والخير ، فهذا الصنف من الناس لانعتقد انه تطوّر بعد لعنوان الانسانية المدركة !.
وعليه فشعور الانسان بالقلق من كل شيئ لايعتبر من الاعراض المرضية الخطيرة ان فهمنا حقيقة ان الانسان من طبيعته الشعور بالقلق من كل شيئ لايحيط بقوانينه وشخصيته وكيفية نمطية حركته في هذه الحياة ، والحقيقة انه لم يزل الانسان كلما تأمل في شيئ من الاشياء الكونية والعالمية يزداد حيرة على حيرته :(( وفوق كل ذي علم عليم )) ، فهذا العالم في جزئياته وكلّياته هو سرّ من الاسرار العلمية للانسان المفكر ، ومادم هو لم يزل سرّا ولم تزل معرفة الانسان بقوانين وخفايا هذه الاسرار العالمية حاضرة في حياة البشر ، فستبقى ظاهرة القلق والخوف من قبل الانسان فاعلة في قبالة عالم متحرك يرى الانسان حركته ولكنه لايدرك هل هذه الحركة هي في صالح وجود الانسان وحياته ام هي بالضد وعلى الشرّ من وجوده وحياته ؟.
عندها يتدخل النص القرءاني ليرصد هذه الحالة الطبيعية والفكرية والشعورية والوجدانية للانسان تجاه الكون والعالم والطبيعة ، وليقرر هذه الحقيقة الانسانية وليضع لها الحلّ النهائي والاوحد لظاهرة صراع الانسان مع الافاق المحيطة به والمربكة لتفكيره ووجوده الانساني ، فيقول :(( قل اعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق )) !.
فالعموم في لفظ النص القرءاني (( من شرّ ماخلق )) كأنما هو اشارة لتلك الحالة النفسية والفكرية التي يدركها الانسان عند تأمله لهذا الكون الغريب ، وشعوره انه يعيش في بحر لايدرك من اين ياتيه الخير ومن اين سياتيه الشرّ لامحالة في خضم بحر كوني هائج ومتحرك ومتدافع من كل الجهات ، عندها من حق الانسان ان يتسائل عن الملجأ بعدما ايقن ضعفه وعجزه عن الادراك والدفع ؟.
فمن للانسان في خضم عالم ان ترك له الخيار لكان فضلّ عدم دخوله بهذه الطريقة ؟.
والى اين يلتجأ وهو في عمق بحر لامنجاة من الهروب منه الا اليه ؟.
وكيف السبيل للانتصار على الكون والعالم والانسان في هذه الحياة ؟.
قل : اعوذ برب الفلق !.
قل : اعوذ من شر هذا الخلق بخالق هذا الخلق والعالم باسرار وحركات وسكون وتدافعات هذا الخلق !.
قل : اعوذ بالله الذي احاط بكل شيئ علما !.
قل : اعوذ بالقائم على كل ذرّة من ذرات هذا الوجود في حركتها وسكونها !.
قل : اعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق !.
ان في الخلق شرّ ظاهر وخفي لامحالة ، أما ظاهر الشرّ في العالم فبامكان الانسان ان يحتاط له مع ادراكه وتسليمه ان الاحتياط له لايحكم بدفعه على الحقيقة ، واما مابطن من شرور العالم فهو الاعظم الذي يقلق الانسان ويضرب بكل كيانه الى اللااستقرار في هذه الحياة ، ولادواء ومسكن لالام القلق وعذابات الخوف من الشرور في العالم الا الاستعاذة والالتجاء والالتصاق بالله سبحانه وتعالى :(( الا بذكر الله تكمئن القلوب )) صدق الله العظيم

الوجود الاجتماعي بين الفكرة والسلطة .... الحراك الشيعي


في الاونة الاخيرة من عصرنا المعاش برزت ظاهرة (( الخوف على الوجود )) من قبل بعض الاقليات الدينية التي تعيش بين اظهر المجتمعات العربية والاسلامية اليوم لاسيما من قبل الاقليات المسيحية باعتبار انها تمتلك الكثير من المنابر السياسية الغربية المسيحية التي تدفع وتروج لحالة الهلع والرعب داخل المجتمعات الاسلامية لترسي فيما بعد قاعدة الحماية لهذه او تلك من الاقليات الدينية من الغول العربي والاسلامي الذي وفجأة تحول من مجتمع متجانس الى مجتمعات متنافرة وغير قابلة للحياة !. والحقيقة ان شعار (( الرعب او الخوف على الوجود )) هو ليس بالجديد مئة بالمئة ، ولكن الجديد فيه هو الترويج له سياسيا واعلاميا وبكثافة ملفتة للنظر
حقا ، باعتبار ان مدونة (( الخوف على الوجود )) أول من أسس لها وفعليا في العالمين العربي والاسلامي هو الكيان الصهيوني العنصري بعدما استولى على فلسطين بالقوة والاحتلال لينهب الارض والاملاك وليبيد الانسان والتراث والثقافة للانسان العربي في فلسطين ، ومن ثم ليلعب على شعار (( الخوف على الوجود او الكيان الصهيوني من الابادة )) سواء كان هذا المهدد للوجود الصهيوني هو الجار العربي المعتدى عليه دائما او الجار الفلسطيني صاحب البلد ومالك الدار الحقيقي او المد الاسلامي المارد الكبير الذي يشعر بسرقة مقدساته على يد حفنة من اللصوص العنصريين الصهاينة في فلسطين !.
وهكذا كانت لافتة (( الخوف على الوجود )) بذرة زرعها الكيان الصهيوني قديما لتوسع اليوم لتشمل ليس فقط الكيان الغاصب لفلسطين المحتلة ، بل وكذالك لتمتد شيئا فشيئا الى كافة الطوائف والاديان والمذاهب .... الموجودة داخل الاجتماع العربي والاسلامي اليوم ، ولتتحول الى ظاهرة يجب معالجتها فكريا وثقافيا وسياسيا ليتسنى لنا معرفة الكيفية الصحية للانسان العربي والاسلامي في التعامل مع هذه الظاهرة بعد فهمها ومعرفة اصولها على الحقيقة !.
اذن : ماهي ظاهرة الرعب على الوجود من قبل الاقليات الدينية المتواجدة داخل جسد الكيان العربي والاسلامي ؟.
وكيف لنا ان نفهم ابعادها السياسية والفكرية والنفسية لتلك الاقليات التي كانت هادئة لتفاجأنا بالقلق العجيب والحراك اللاطبيعي على وجودها الاجتماعي ؟.
وهل هذه الظاهرة من الخوف مفتعلة وسياسية استعمارية غربية ؟.
أم هي ظاهرة نفسية وفكرية في الاساس ؟.
وكيف ينبغي تعامل هذه الاقليات مع هذه الهواجس الطبيعية عندما تشعر وبعمق ان وجودها مهدد بالانقراض في هذا الوطن او ذاك من العالم العربي او الاسلامي ؟.
واخيرا ماهو الضمان الحقيقي لاي مجتمع او اقلية تريد ان تضمن الفاعلية والاستمرارية في الحياة ، بدلا من رؤية جسدها وهو يموت شيئا فشيئا داخل الوجود العربي والاسلامي من طغيان الاكثرية على هذا الوجود ؟.
وهل الضمانات تكمن في تضخيم الرصيد السياسي السلطوي لهذه التجمعات الصغيرة ، بأن تأخذ مناصب ارفع في الدولة ؟.
أم هي تكمن في تفعيل الدور الفكري والثقافي والنفسي لهذه التجمعات الانسانية ، واعتبار ان الفكر وليس السلطة هو الضمان الحقيقي لحياة اي امة واستمرارية وجودها في هذا العالم ؟.
لنبدأ من البداية والجذور ولنرجع الى اصل الحكاية ، ومن زارع هذه البذرة الخبيثة من (( الرعب على الوجود )) الا وهو الكيان الصهيوني العنصري الغاصب والحاقد بنفس الوتيرة ، ولندرك ان هذا المفهوم ومن الاساس يتولد من ((جريمة )) ، ولايتولد من فراغ ، وهو بحد ذاته وليد الرعب من الضحية وليس الخوف من الجلاد كما يروج له الاعلام الصهيوني والغربي اليوم ايضا ، وهي ظاهرة الرعب على الوجود وليدة الحالة النفسية والفكرية بالاساس وليست وليدة الاوضاع الامنية والسياسية كما يراد تصويرها بالتزييف !.
نعم : ان شعور الكيان الصهيوني الاسرائيلي العنصري بهذا الرعب على وجوده الفعلي في المنطقة العربية والاسلامية هو وليد شعور نفسي قوي يدفع بالذات الصهيونية الى القلق الدائم على الوجود وهي ترى الضحية امامها في كل يوم ، يتحرك وفيه بقية من حياة ، وتتساءل تلك الذات المجرمة : هل من المعقول ان يصمت الضحية على سرقة وطنه وقتل اطفاله ونهب ممتلكاته بهذه البساطة ؟.
واذا ضمن الكيان الصهيوني القوة اليوم فمن يضمن المستقبل لهذا اللص الذي سرق الضحية ودمر حياته من ان تدور الدائرة ويمتلك الضحية قوة الجلاد الصهيوني فهل عندئذ سينسى المكلوم ويترك الثأر من سارق الدار وقاتل الاطفال وباقر بطون الحوامل وحارق الديار ؟.
هذه هي بعض الحالة النفسية التي تضخ حالة الرعب في الذهنية الصهيونية من الاخر الفلسطيني والعربي والاسلامي على وجوده المفتعل مئة بالمئة ، كما انها نفس حالة اي لص او مجرم او معتدي يشعر دائما بالخوف من ضحاياه الكثر ومن زاوية انتقامهم المتوقعة ، وهي كما ترى حالة نفسية طبيعية ليس لها اي دواء يذكر ، ولايهدئ من هلعها وخوفها الطبيعي اي شيئ في هذا الوجود الانساني ، باعتبار ان لكل جريمة لابد من عقاب ، والخوف من العقاب كالخوف من الوجود وعلى الوجود شبرا بشبر ، وربما يتحصن المجرم بالقوة وزيادة العنف ويطالب بالامن بحالة هستيرية ، ولكن مع ذالك ومهما امتلك السراق والمجرمون من قوة فستبقى الحالة النفسية بقلق متزايد ومتضاعف كل يوم على الوجود وهذه هي الحالة الصهيونية اليوم بالضبط !.
ولكن اذا كان صهاينة ال اسرائيل يشعرون بالرعب او الخوف على الوجود من خلال ما اقترفوه من جرائم بحق الانسانية والعرب والمسلمين بالخصوص ، فلماذا شعرت مؤخرا باقي الطوائف والمذاهب والاقليات الدينية .... بنفس هذا القلق على الوجود ليتحول العالم العربي والاسلامي الى مرجل يغلي من قبل هذه الاقليات المسيحية بالخصوص وصراخها المفاجئ وخوفها اللامبرر على وجودها هي الاخرى داخل هذه المجتمعات العربية والاسلامية ايضا ؟.
وهل هذا الخوف المسيحي العربي والاسلامي هو الاخر ينخرط بنفس اطار الرعب الصهيوني على وجوده ايضا ؟.
أم انه خوف مفتعل اعلاميا وخاصة منه الغربي لادخال الانسان العربي المسيحي وغيره من مسيحيي العالم الاسلامي في دوامة الارهاب التي تدفعه الى البحث عن حماية خارجية تضمن له وجوده وحياته في هذا البحر الهائج من الرعب المصور خارجيا ؟.
ماذا يعني خروج البطرك الماروني اللبناني مار نصر الله صفير كل صباح ومساء ليذكرنا بالوجود المسيحي اللبناني المهدد بالابادة او الانقراض من هذا البلد اللطيف ؟.
ولماذا يلتحق البطرك العراقي الجديد عمانوئيل دلي بركب القافلة اللبنانية المارونية ليرفع شعار (( الخوف على الوجود )) في العراق ، مع ان الكل في العراق معرض للارهاب الامريكي والوهابي المتحالف مع الصداميين بنفس الدرجة مسلمين ومسيحيين صابئة وايزيديين ...الخ ؟.
وماهي قصة الرعب على الوجود تلك اذا لم يكن هناك مبررات غير الاشتراك باللعبة الصهيونية القديمة ؟.
ولماذا اقباط مصر في نيويورك وواشنطن دائمي المطالبة بالحقوق السليبة لاقباط مصر الداخل ووجوب حمايتهم دوليا ؟.
وهل اذا فرض جدلا ان توفرت الحماية الخارجية السياسية لهذه الاقليات الدينية في العالمين العربي والاسلامي ، فسوف تنمو وتنتعش وتعود الى تاريخها المجيد لتطمئن على وجودها الفعلي ؟.
أم ان هذه المطالبة بالحماية الخارجية للاقليات الدينية سوف تزيد من حالة العزلة والرعب والقلق لهذه الاقليات مما يدفعها بالحق الى اعدام وجودها ذاتيا لتصبح مغتربة في الوطن وسائحة في بلاد الغربة بلا تفكير بالعودة للوطن ؟.
ان التاريخ والمنطق والعقل والتجربة تحدثنا ان ليس هناك ضمان للوجود الانساني الاجتماعي لاي دين او طائفة ... قليلة كانت ام كبيرة اذا لم يكن هذا الضمان الانساني ذاتيا ونابعا من القدرة الشخصية لهذا الدين او ذاك من الاديان والمذاهب والطوائف والافكار .. الانسانية ، كما ان التاريخ يعلمنا ان هناك المجتمعات التي كانت عملاقة ولكنها وبفعل بعض العوامل الانسانية والطبيعية قد انقرضت تماما او تراجعت بقوة لتصبح اليوم مجرد اقلية تعالج البقاء بعنف لتستمر بالحياة ، كما ان التاريخ يوضح لنا الكيفية التي من خلالها كانت مجتمعات اقلية وضعيفة نمت وتطورت بالفعل الذاتي لتصبح اليوم قوية ومنيعة وكبيرة بشكل ملفت للنظر !.
وكل هذا لالشيئ ان اردنا فهم معادلة البقاء والاستمرار للوجود الاجتماعي ، الا اذا فهمنا سر البقاء هذا ، وهل هو بقاء للاقوى ام انه بقاء للاصلح وللانفع للبشرية وبالفعل ؟.
ان معادلة البقاء للاقوى هي المعادلة السياسية الظاهرة في الوجود الانساني ، ولكن معادلة البقاء للاصلح هي المعادلة الفكرية الثقافية الايدلوجية الانسانية القائمة على البعد الفكري للوجود الاجتماعي هنا !.
او بمعنى اخر : انه صحيح ان معادلة القوة وكما يحدثنا التاريخ فاعلة ومؤثرة في العمل الاني الانساني ، ولكن نفس هذا التاريخ يقول لنا ان في النهاية ولسر ما غير واضح تنتصر معادلة الفكر الاصلح على معادلة القوة والسلطة والتفرعن في التاريخ وحتى اليوم لينتصر مثلا دم المسيح على سيف الامبراطورية الرومانية ، كما انتصر الحسين على الدولة والسلطة الاموية وهكذا !.
وفي نفس الاتجاه نجد ان الضمانة الحقيقية لاستمرار اي وجود اجتماعي هو ليس القوة والسلطة بحد ذاتها ، وانما الرؤية والفكرة هي الاقوى على لملمت الشتات الاجتماعي وخلق اللحمة فيه وقوة الاستمرار له ، اما العكس بان نعتمد على السلطة والقوة لحماية اي وجود اجتماعي فقد
اثبت التاريخ وبلا ادنى شك ان هذا الوجود حتما سينتهي او ينقرض او يتقلص عندما تموت او تنقرض او تنتزع السلطة والقوة من هذا الوجود الاجتماعي السلطوي النشأة !؟
في ظاهرة الوجود الشيعي الاسلامي عملية فكرية غاية في الاهمية لمن اراد فهم معادلة الوجود الاجتماعي وكيفية تبلوره من مجرد اقلية مضطهدة ومظلومة وصغيرة الى ظاهرة قوية وانسانية ومؤثرة عصريا ، ودراسة مثل هذا الوجود الشيعي وكيفية تحركه تاريخيا وعوامل قوته وثباته في وجه اعتى المخاطر الانسانية التي هددت وجوده في اوقات كثيرة ، مثل هذه الدراسات والبحوث تضع اناملنا على الاسرار الاجتماعية والتاريخية الحقيقية التي تتمكن من قلب معادلة البقاء لللاقوى الى معادلة البقاء للاصلح في الحياة الانسانية !.
نعم مّثل الوجود الشيعي وفي الحقيقة التاريخية الاقلية التي استطاعت وبعيدا عن منطق القوة والارهاب والسلطة ، ان تشكل نواة الاجتماع الفكري الباني لذاته من الداخل والفاعل والعامل على تنمية هذه القوة الذاتية الفكرية والثقافية والايدلوجية ايضا ، وربما هناك من قرأ وبوعي وتأمل هادئ الكيفية التي تعرض لها الوجود الشيعي في قلب العالم العربي والاسلامي الى حملات الابادة المقصودة سياسيا لهذا الكائن الانساني الصغير ، وحتى اليوم يرى العالم الانساني الهجمة الشرسة التي تستهدف هذا الوجود الاسلامي الاصيل المسمى بالوجود الشيعي ، فهناك الفتاوى الدينية السلفية العلنية التي تدعو ساسة العرب والمسلمين الى ضرب الوجود الشيعي وابادته وعزله تماما عن الوجود الانساني ، ولكن مع ذالك لانجد هذا القلق الكبير الذي ينتاب بعض الاقليات الدينية والمسيحية في العالمين العربي والاسلامي بالخصوص يظهر في معادلة الخوف على الوجود الشيعي لا في الحديث ولا في القديم من سالف الازمان !.
نعم اذا قلنا ان الوجود الشيعي اليوم هو صاحب شوكة وحضور في العالمين العربي والاسلامي فهو لذالك غير خائف على مفهومة الوجود الشيعي في هذا العالم ، فكيف لنا ان نفهم نفس هذا الوجود الشيعي تاريخيا وعدم خشيته على وجوده ايضا وهو لم يكن سوى اقلية خائفا ومطاردة وملاحقة سلطويا ودينية ومحاربة اقتصاديا ومعزولة اجتماعيا ايضا ؟.
ما السر الذي يملكه الوجود الاسلامي الشيعي الذي يضخ له هذه القوة من الاطمئنان على الوجود الانساني سواء كان اقلية معارضة معدمة او اكثرية صاحبة شوكة وسلطان ؟.
هل هي السلطة والقوة التي وهبت التشيع هذه الصلابة ؟.
أم هي الرؤية والفكرة والتنظيم والشخصية الداخلية لايدلوجية التشيع هي القوة الحقيقية لهذا الوجود الاجتماعي الانساني ؟.
في الحقيقة ان الواقع يقول لنا وبكل صراحته التاريخية والحاضرة ان الوجود الشيعي واستمرايته القوية وديناميكيته الحركية اثبتت وبلا ادنى اريب ان البقاء ليس للاقوى سياسيا بقدر ماهو بقاء للاصلح انسانيا وفكريا !.
بمعنى ان ومن خلال دراسة ظاهرة التشيع الاسلامية تثبت لنا هذه الظاهرة الاجتماعية ان القوة الحقيقية لاي مجتمع يريد ان تكون له قوة ذاتية غير مرتبطة باي سلطة خارجية او حماية اجنبية ، يجب ان تكون (( الفكرة )) او الرؤية او الايدلوجية هي المنطلق وهي المؤسس الاكبر للوجود الاجتماعي المراد قيامه واستمراره في هذا العالم البشري ، كما ان هذه الظاهرة اثبتت ومن الجانب الاخر للمعادلة انه ليست المناصب السياسية او السلطة الزمنية او الدولة القمعية هي الضمان الحقيقي لهذا الوجود الاجتماعي او ذاك الوجود الانساني ، لالسبب معقد سوى ان الاتكاء على السلطة السياسية واعتبارها هي القاعدة الاساسية لاقامة وتشييد المجتمع ، مثل هذا الاتكاء سينهار حتما بالمجتمع عندما تزول اركان هذه السلطة او تلك الدولة من الفعل والتاثير ، وعندئذ ومن الطبيعي اهتزاز هذا الكيان الاجتماعي وربما انقراضه من الوجود تماما بسبب انتفاء قواعده من الدعم ، وهذه الرؤية هي ماتدفع بعض التجمعات الطائفية او المذهبية او الدينية او الفكرية ... المعتمدة بوجودها الاني على الدولة والسلطة ان ترى في السلطة والدولة وجودها الحقيقي ، وان ليس لها اي هوية او وجود فعلي بلا سلطة سياسية مما يحول هذه التجمعات السلطوية كبيرة كانت ام صغيرة الى جلاد بشري بامكانه فعل الكثير من الاجرام والارهاب والعنف في سبيل الحفاظ على وجوده الواقعي وكما يعتقده هو بالفعل والمتمثل بوجود السلطة والاستيلاء على الدولة ، ولكن ومن خلال التجربة اثبت لنا التاريخ ان من كان بناءه على جرف هار فان وقوعه في الهاوية من الحتميات التاريخية الغير قابلة للشك ، بعكس من اسس بنيانه على تقوى من الله ، وعلى رؤية فكر ومنهاج صالح ، فان مثل هذا البنيان يضعف لكنه لن يموت ابدا !.
ان هذا الايمان بقوة البناء للاجتماع الشيعي الاسلامي هو السر في أطمئنان التشيع على وجوده الانساني وانه سوف لن يموت في يوم من الايام ، كما ان هذه الرؤية التي تنبني بعيدا عن العوامل الانية السلطوية وغير السلطوية من مبادء القوة والعنف والسلطة ، هي الاخرى التي تجعل من البنيان الشيعي بنيانا يقوم على الثابت والاصيل والقوي الحقيقي في بناء الاجتماع الانساني ، مما يرشح هذا النموذج الاجتماعي الى دراسته وبحثه والاستفادة منه لكل طائفة او مذهب او دين او فكرة ... خائفة على وجودها من الانقراض والتآكل وان تصبح اقلية بحاجة الى الحماية الداخلية من خلال السلطة او الخارجية من خلال الحماية الاستعمارية !.
نعم فليدرس كل خائف على وجوده الاجتماعي باستثناء الكيان العنصري الغاصب في فلسطين التجربة الشيعية بتأمل ليدرك ، ان اصل العدل في الفكر الشيعي مثلا لم يأتي عبثا وانما جاء ضمانا لاستمرارية هذا الوجود ونموه وازدهاره ، وليدرك ان السلطة السياسية ليست هي الضمان لارتقاء المجتمع ، مع انها مساعد ثانوي لدفع المجتمع الصالح للامام ، وليدرك ان الحراك الحقيقي لحياة المجتمع عندما يمتلك قيادة كعلي بن ابي طالب والحسين بن علي عليهم السلام الذين هم مع الانسان اينما كان موقعه ، وليدرك اخيرا انه رقم اصيل وليس تابع لمؤامرة استعمارية هنا او استعمارية هناك !.




al_shaker@maktoob.com