السبت، يناير 03، 2009

(( لماذا نشعر بأن غزّة ستنتصر على إسرائيل هذه المرّة ؟.... قصة سؤال ))


(( لماذا نشعر بأن غزّة ستنتصر على إسرائيل هذه المرّة ؟.... قصة سؤال ))
حميد الشاكر _______________ (1) في حرب 2006 م للمقاومة اللبنانية ، وفي أول يوم من شنّ العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية سألني أحد الاصدقاء(( جورج )) عن توقعاتي لهذه الحرب ؟. والى اي شيئ هي تهدف ؟. وقبل ان اجيبه عن توقعاتي المتواضعة كنت ادرك تمام الادراك ان صديقي هذا كان يتمنى ومنذ سنين طويلة رؤية أنف المقاومة الاسلامية في حزب الله يتمرغ في التراب لأعتقاده ان نمط الحياة في هذه المنطقة يجب ان يتغير ويتمدين على الطريقة الامريكية لاغير !. فأجبته بعد ان قررت الصراحة والصدق معه حتى وإن غضب على رأيي المتواضع بالقول : المعركة محسومة لحزب الله بالنصر ، وأما الغاية من هذه الحرب فهي طرد المقاومة من لبنان ، وتهجير الشيعة من الجنوب وتسليمها لقوات الكتائب اللبنانية تديرها كيفما شاءت انتهى .؟!. عندها رأيت في عيني صديقي جورج ذهول لم أره في حياتي في عيني أحد من السائلين وعلت على محّياه ابتسامة تختلط فيها جميع معاني الالم والاستفهام والغرابة والحيرة لهذا الجواب الذي لم يكن يتوقعه على الاطلاق وهو يخرج في الصباح لعمله على الاخبار السارة للغارات الاسرائيلية على جنوب لبنان !. عندها وبعد ان أطرق جورج برأسه الى الارض مليّا قال ليّ بصوت خافت : كيف ؟. ومن اين لك هذه الاخبار ؟. وعلى اي اساس انت تعتقد بهذه النتيجة من اليوم الاول ؟. طبعا جورج لأنه يدرك انني أكتبُ ولي نوعا ما نمط من التفكير الخاص الذي احللّ فيه بعض القضايا هو تقبلّ منّي هذا الرأي بهدوء ، وألا لوكان احداً غيري قال له هذا الجواب قبل تناوله لفطور الصباح لكانت ردّة فعل جورج عليه مختلفة جدّاً ، لاسيما أن جورج يحمل شهادة جيدة بعمل الليزر المستخدم في شؤون الطاقة النووية !. ومع هذا لم يتحّمل جورج الصاعقة ، وبعد ان سألني مستفهما لاحظتُ من بين ثنايا عينيه انسان في الداخل ملقى على قفاه من الضحك على هؤلاء المسلمين الذين يقيسون الامور دائما بغيبوية وقدرية الاهية لاتأخذ بالحسبان حسابات القنابل الذكية وصواريخ توماهوك والتكنلوجيا العسكرية الاسرائيلية والامريكية المتطوّرة المتحركة على ارض المعركة ؟!. على أي حال أعاد عليّ جورج السؤال مرّة أخرى ولكن بهدوء أعمق ليسألني : ((حجي فسر لي بالله عليك هاي الدالغة )) ؟. وقل لي شيخنا بهدوء : كيف عرفت من اليوم الاول ان المعركة منتهية اولا ؟. وماهي المؤشرات الاستراتيجية والسياسية التي اوحت لك بنتيجة الحرب هذه ثانيا ؟. وثالثا : اذا كان هناك وحيّ ٌالهي يهبط عليك ونحن لانعلم فبالله عليك قل لنا ذالك وانا اول من يؤمن بنبوتك مولانا ؟. عندها كان الضحك بيني وبينه سيد الموقف لكنّ لابد من الاجابة على الاسألة فقلت : اولا :انا من المؤمنين ان اي تكتل او حزب او تيار يدير شأنه السياسي والعقدي والاقتصادي اليوم في عالمنا العربي مدنّيا بعيدا عن نظام الدولة العربي القائم لابد ان يكون حزبا او تكتلا او تيارا قويّا جدا ويمتلك من مؤهلات القوّة مايؤهله للانتصار حتى على اسرائيل (( سنتناول في بحث مستقل هذه الحقيقة في الفكر السياسي العربي بشكل مستقل لدراسة هذه الظاهرة وكيف انها مهمة جدا للفهم السياسي اليوم )) وهذه النقطة هي بالفعل التي جعلت من حزب الله في لبنان قوّة عظيمة استطاعت طرد اسرائيل من الجنوب اللبناني في سنة الفين ميلادية ، وهذا باعتبار انني من المؤمنين ان نظام الدولة العربي قائم هذه اللحظة شيّد لخدمة الاستعمار وليس لخدمة الشعوب والتحرر الوطني ، ولهذا كان حزب الله قويا بسبب ان لبنان لايملك دولة قوية تقمع المواطن فخلق حزب الله الذي استطاع هزيمة اسرائيل !. ثانيا : فبسبب هذه الحقيقة التي بنى عليها حزب الله وجوده السياسي استطاع ان يكون قوة غير مكشوفة المخططات للعدو الاسرائيلي ولامسيطر عليها نظاميا من قبل الدولة ، مما جعل كل المخططات الحزبية والعسكرية لحزب الله اللبناني في مأمن من الاختراق المخابراتي الاسرائيلي التي يسهل عليها اختراق الدول ولكن من الصعب عليها فهم معادلة المقاومة ، وهذا مايجعلنا فهم عجز اسرائيل في حربها الاخيرة على لبنان مع شحة المعلومة لديها والتي اربك اسرائيل مخابراتيا وجعلها احقر من ان تصل الى اي قيادي في حزب الله لتغتاله او لترفع به ورقة نصر في زمن هزائم اسرائيل !. أمّا ثالثا : فمنذ فترة وانا كنت الاحظ ( من خلال تصريحات ساسة اسرائيل ) القلق الاسرائيلي من التنامي القدري لشيعة لبنان في الجنوب وازدياد نشاطهم العقدي والفكري المركب حسب ماتراه اسرائيل تركيبة اسلامية خطرة جدا على الوجود الصهيوني في فلسطين ، وهذا ان اضيف له فكرة غياب الدولة وما ذكرناه آنفا من ايجابيات تترتب على غياب قوّة الدولة في لبنان الديمقراطي الطائفي نوعا ما ، فتجمع لديّ قناعة بأن اسرائيل حتما ستفكر في تغيير المعادلة الديمغرافية على الحدود الشمالية لفلسطين ، وهذا مادعاني للقول ان اهداف العدوان الاسرائيلي اليوم على لبنان يستهدف فيما يستهدف تغيير المعادلة الديمغرافية والسياسية لسكان لبنان ، وهذا الشيئ صعب جدا ولكن يستحق التجربة بالنسبة لاسرائيل ؟. فهل فهمت الان ياجورج (( الدالغة )) ؟. التفت جورج لي بعد ان بدت عليه ملامح الامتعاض والغضب الشديد ليقول : والله ياحجي مافهمت اي شي من هذه الفلسفة !. فاجبته على الفور : ((طبعا شغلتك تلحم وايرات - أسلاك - بالمعمل النووي مو اتفكر بدوالغ السياسة )) !. فضحك جورج وضحكتُ معه ، ولننتظر فيما بعد ثلاث وثلاثين يوما لتلقي الحرب اوزارها وليخرج حزب الله اللبناني بالوجه الابيض ، ولكنه خلّف ورائه الوجه الاسود وخيبة الامل لجورج صديقي برؤية المقاومة الاسلامية الوطنية اللبنانية وهي تُطرد او تهرب الى الجبال كما فعل غيرهم !. ************** (2) هل تصلح قصة سؤال صديقي جورج ومادار بيني وبينه آنذاك في سنة 2006 م ، وما افضت اليه الحرب بين اسرائيل وحزب الله من نتائج ان تكون مثلاً يتكرر اليوم في الحرب الدائرة بين اسرائيل وفصائل قوى المقاومة الاسلامية والوطنية الفلسطينية بقيادة حماس في غزّة ؟. أم ان هناك فروقا جوهرية بين حزب الله اللبناني من جهة وحماس الفلسطينية من جهة اخرى ؟. ثم اذا ماقررنا ان هناك اختلافات سياسية وتنظيمية بين الطرفين ، فهل سينعكس هذا ايضا على نتائج الحرب التي دارت وتدور اليوم في غزّة ؟. أم ان النتيجة ستكون واحدة مع اختلافات المقدمات بين الحربين ، وسنرى انتصارا معنويا كبيرا لحماس وغزّة وفلسطين على اثره ستخرج قوى المقاومة اكبر واقوى كما خرج حزب الله اقوى واكبر بعد الحرب مع اسرائيل ؟. قبل ان تندلع حرب الابادة الاسرائيلية ضد غزّة اليوم ، وبعد ان نشب الاشكال بين فتح وحماس في غزّة ، وطرد حماس لعناصر العبث الفتحاوية من غزّة تساءلتُ مع نفسي باعتبار ان صديقي جورج قد سار بطريق غير طريقي بطبيعة الحال ، وقلت : ياترى : ما الذي دفع حركة المقاومة الاسلامية حماس للقيام بكنس عناصر فتح من الساحة الغزّية ؟. أجبتُ : ربما بسبب ان عناصر فتح غلّبت مصالحها السلطوية مع اسرائيل على القضية الفلسطينية حتى اصبحت مجرد شرطي لخدمة أمن اسرائيل ، مما جعل حماس تشعر بالريبة من التواجد الفتحاوي في غزّة على وجودها مما دفعها بالتفكير من التخلص من عناصر الخيانة !؟. أو ربما ان المقاومة الفلسطينية استفادت من التجربة اللبنانية وادركت ان معادلة الدولة والسلطة لاتوجد في مكان الا وجد معها الاختراق والخيانة لصالح العدو ، ولهذا قررت ان تكون الساحة خالصة للمقاومة لادارة الشأن المقاوم بلا تدخلات سلطة رام الله المزعجة !. وعلى اي حال انفردت لاسباب عديدة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية بالساحة الغزّاوية كحركات مقاومة وليس كدولة مستقلة ، مما جعل اسرائيل في مأزق أمني كبير بوجود تجربة كتجربة حزب الله في جنوب فلسطين وعلى حدود مصر هذه المرّة وغير مسيطر عليها من قبل سلطة رام الله شرطي تل ابيب ، ولايمكن اختراقها امنيا من قبل الموساد الاسرائيلي لتكون قوى المقاومة تحت سيطرة الالة الامنية الاسرائيلية !. ومن هنا كانت خشية اسرائيل وعدم قبولها مطلقا بتكرار تجربة الشمال اللبناني في جنوب فلسطين أمرٌ لايقبل النقاش والشك من منطلق ان الوجود والكيان الاسرائيلي لايتحمل وجود حركة مقاومة في داخل فلسطين غير مسيطر عليها ولاهي قابلة للاختراق الامني ، فقررت ومنذ فترة طويلة بعدم السماح لاستمرار حماس والجهاد في غزّة كقوّة نفوذ وسيطرة ، وابلغت الجانب العربي المعتدل حسب التصنيف الامريكي : ان اسرائيل لايمكن لها القبول بقوى المقاومة مستقلة عن حكومة عباس تنمو وتتسع يوما بعد يوم في هذه البقعة ، وعليكم القيام بالواجب !. وبالفعل انتفض النظام العربي الخائن ليحاصر غزّة ، ففي مصر لم تألوا جهدا الحكومة المصرية بفعل المستحيل للقضاء على المقاومة سياسيا وامنيا وعسكريا واقتصاديا ، وهكذا الامر بالنسبة لمملكة الشرّ السعودية حيث حاولت اعادة انتاج عباس وعناصر فتح بأي وسيلة للقضاء على نفوذ المقاومة في غزة من خلال المبادرات الوهمية للمصالحة بين الفلسطينيين ، وكذا ماتروجه الالة الاعلامية السعودية العملاقة لاسقاط المقاومة معنويا وسياسيا ، أما الجانب الاردني فيكفي صمته وانتظاره للنتائج ليقطف ثمار الخيانات العربية دوما !. ولكن ومع مرور فترة اكثر من ثلاث سنوات على سيطرة المقاومة الفلسطينية على غزّة وتحريرها من عناصر فتح ، وتمتعها بنعمة الحرية وطرد العملاء من بيتها ، واستقرار الامن فيها ، بقي النظام العربي عاجزا عن القضاء على المقاومة ، وعندها عاد النظام العربي الخائن الكرُة الى ملعب اسرائيل ليحثه على القضاء بنفسه على قوى المقاومة الفلسطينية بعد ان أعلن فشله في المهمة من جانب ، واستعداده لمساندة اسرائيل بالقضاء على فلسطين من جانب آخر ، وهذا مانرى جرائره هذه الايام في مذبحة غزّة من جانب آخر !. ************* (3) عندما يقال ان هناك فارق شاسع بين قوى المقاومة الاسلامية الوطنية في فلسطين ، وبين الالة الحربية الصهيونية الاسرائيلية ، فان هذا بالاضافة الى انه ترويج اعلامي لاغير ، فهو كذالك امرٌ مع انه صحيح الا انه نسبي وبالامكان رؤيته من عدة زوايا مختلفة !. نعم أسرائيل قوى نووية في المنطقة الا ان ضعفها في المقابل انها محتلة وغير شرعية !. ونعم ان اسرائيل تمتلك جيشا نظاميا قويا ، الا انه أمام التنظيمات المقاومة اللانظامية أوهن من بيت العنكبوت ، فالجيش النظامي وظيفته الحرب خلف السواتر في الاراضي المفتوحة ، وليس من تدريباته القتال الاحترافي وملاحقة المناضل في ازقة غزّة !. وهكذا صحيح ان اسرائيل لها جهاز مخابراتيٍ وامنيي كبير ومعقد ، الا انه اضعف كثيرا من اختراق مجموعة متماسكة البنيان تخطط للوصول الى اهداف غير محددة !. على العموم نريد الوصول الى نقطة ان القوّة في الدول أمر نسبي من هنا وهناك ، وكما ان لكيان الاحتلال الصهيوني نقاط قوّة ، فكذالك لديه نقاط ضعف وانكسار ، وهكذا المقاومة لها نقاط ضعف ووهن ظاهرة للعيان ، لكن ايضا لها نقاط قوّة بالامكان القول انها توازي نقاط قوة اعظم قوة في العالم الحديث !. وعليه : نحن ندرك ان قوّة المقاومة الوطنية والاسلامية الفلسطينية اليوم وهي تخوض معركتها مع آلة الحرب الصهيونية في غزّة لاتقل تأثيرا عن قوّة العدو الصهيونية ، الا ان الاولى مختلفة عن الثانية ، فبينما للمقاومة الفلسطينية سلاح الصبر والتحمل والاستمّرار قي الحياة ، يكون للعدو الصهيوني في المقابل سلاح النار والابادة والحرق العسكرية ، والفرق بين الصبر والايمان وبين النار والقنابل ، ان الاول أقوى معنويا وشعبيا وجماهيريا واخلاقيا ... من الثاني الاقوى ظاهريا ووحشيا واستفزازيا ولاانسانيا !. وهكذا عندما يقال ان صاروخا قساّميا واحدا في قوته يعادل الف صاروخ من طائرات الترسانة الحربية الصهيونية ، فان هذه النتيجة هي ليست فحسب واقعية وحقيقية ، بل هي ايضا استراتيجية ونفسيا وفكرية وانسانية ، تدركها قوى الاحتلال الصهيونية تماما بعكس ما تدعيه قوى الخيانة العربية والفلسطينية التي ترى عبثا بهذه الصواريخ الفلسطينية المقاومة الصغيرة الحجم الكبيرة الفعل في واقع سقوطها الروحي والمعنوي على المستوطنين الصهاينة ودولتهم الهشة في فلسطين !. الحقيقة اننا عندما نقول ان النصر هو من نصيب الفئة القليلة المؤمنة في غزّة على الفئة الكبيرة المتمردة والخائنة من صهاينة وعرب متهينين ، فاننا لانحمل الامال العريضة المعنوية فحسب ، وانما ننطلق من كون ان لكل معركة ادواتها وشروطها وقوانينها التي تبنى على اساسها نتائج الحروب والمعارك ، والحرب على اي حال ليس نهايتها في تدمير اكبر عدد ممكن من حيطان المباني ، واراقة دماء الاطفال بلا حساب ، وانما نهاية المعارك والانتصار فيها هو شعور الغالب والمنتصر انه منتصر واناثخنته الجراح ، وشعور المنهزم منهزم وان احتلّ اشبارا من الارض يدرك تماما انها هي هي اشبار قبره في اليوم التالي !. نعم ستنتصر غزّة حتما من منطلق معادلة التاريخ البسيطة التي تقول صاحب الارض مؤيد بحق لايقبل النقض ، وصاحب الدماء هو من يستطيع المحافظة عليها