الخميس، أكتوبر 04، 2012

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن


حميد الشاكر



في المحور الاول من القسم السابق طرحنا(( اشكالية فوضوية التأسيس )) في (قسم علم الاجتماع الحديث) الذي شرعت كلية العراق الاولى ( كلية الاداب والعلوم ) في 1952م بتأسيسه وتدريس مادته العلمية كأحد المواد الاساسية لهذه الكلية العريقة في العراق ، باعتباره من اهم (( اشكاليات علم الاجتماع العراقي الحديث )) !.

وقد ذكرنا انذاك : ان عامل حرق المراحل وعدم وضع استراتيجية رصينة للتعليم الاجتماعي في العراق الحديث انذاك مضافا لأنتداب المرحوم (علي الوردي) للاشراف على هذا القسم ((قسم علم الاجتماع)) بدون ان يكون للرجل اي صلة علمية حقيقية نلمسها في تاليفه ونتاجه الثقافي المدّون ( سوى صلة التحدث باسمه في كل شيئ ) او حتى فكرية بالعلم الاجتماعي الحديث الذي اسسه ((اوجست كونت)) ، وقننه ودعم من اسسه ((دوركهايم)) ونظر لمدرسته بشكل مختلف (( سبنسر )) ... كانت له نتائج وخيمة على مشروع (( علم الاجتماع )) في العراق الحديث ، الذي بدأ كمشروع واعد في بداية الخمسينات ، الا انه سرعان ما تدهور وتراجع ثم مات فعليا في الستينات بفعل فوضوية التأسيس وعدم وضع الدراسات الكافية لكيفية تاسيس علم اجتماع عراقي حديث بامكانه ان يكون (علما) ويتم بناءه وتطويره مع الاجيال المتلاحقة من خلال انتداب علماء اجتماع مدركين وفاهمين وواعين لماهية هذا العلم وماهية تخصصه والالتزام بمناهجه والقيام على العمل للوصول الى اهدافه العلمية الاجتماعية المهمة !!.



والحقيقة ان ظاهرة (موت ماسُمي بعلم الاجتماع العراقي) في الستينات لم يكن ظاهرة غير ملفتة للنظر لو كان الفكر العراقي مهتما بشأنه الفكري والعلمي العراقي الحديث وملاحقاً لكل تطوراته او تراجعاته ، وكذالك عدم انجاب ((قسم علم الاجتماع )) في كلية الاداب العراقية منذ الخمسينات وحتى اليوم لاي مبدع او عالم او مفكر... منذ تاسيسه وحتى اليوم في علم الاجتماع الحديث بالامكان الاشارة له بالبنان ايضا ظاهرة ليست بالطبيعية ، التي لاتستحق الوقوف عندها ودراستها ودراسة اسبابها بنوع من التدقيق والتأمل والفكرية... لو كان الفكر العراقي يشعر بحالة صحية في مسار حياته العلمية ، ولكن يبدو ان الفكر العراقي انذاك كان يعيش في ((غيبوبة ثقافية حقيقية )) هي التي جعلته مخدرا او مغيبا تماما عن الالتفات لمثل هذه الكوارث الفكرية والثقافية التي حلت بساحته لاسيما ما يختص ب (( العلم الاجتماعي العراقي )) الحديث !!.

ويبدو انه ايضا وبعد مرور اكثر من ستة عقود مظلمة وحتى اليوم لايرغب ( الفكر العراقي العلمي والثقافي) ان يصحو من غيبوبته تلك ، ويعيد حساباته الفكرية ويبدأ من حيث بدأ الخلل ليصلحه ، ويشرع من جديد لاستقبال الحياة العلمية بنوع من الاحترام لمستقبل الاجيال العراقية القادمة ، اوعلى الاصح لا يرغب من يدعون الفكر ويقدمون انفسهم للعالم انهم رجال العلم والثقافة في العراق اليوم ان يخرجوا من تيههم ، الذي دخلوا بصحراءه في الخمسينات ، ليستأنفوا حياة الفكر والعلم والثقافة الحقيقية التي لا تعترف بشرعية مهما كان لونها عقديا ، او ايدلوجيا او سياسيا او اجتماعيا او نفسيا .... الا لشرعية العلم وبحثه النقدي ، واعادة انتاجه وتجديده لنفسه كل يوم بانتاج فكر نقدي يقرأ القديم بوعي ليضيف له هنا شيئا جديدا او ليلغي منه هناك علما لانافعا ، او ليثور على فكرا في تلك الساحة كاذبا ومزيفا بين البينين ... وهكذا !!.

وعلى اي حال كان المحورالاول (لأشكالية العلم الاجتماعي) في العراق الحديث هومحور فوضوية التأسيس التي ينبغي العودة عراقيا فكريا ، وعلميا ومهنيا لها (لدراسة مرحلتها الزمنية) لمناقشتها واعادة بناء وتأسيس قسم علم اجتماع عراقي حقيقي في جامعاتنا ، وكلياتنا التربوية العراقية يختلف عما انبنى عليه في السابق من ايدلوجيات ، وافكار فوضوية لاعلاقة لها بعلم الاجتماع كي لانبقى نسير في الطريق الخاطئ الى ما لانهاية ونحن نلهج فقط بعبقرية كذبة علمنا الاجتماعي العراقي العريق وعبقرية مؤسسه المرحوم علي الوردي الذي لم يؤسس في الحقيقة اي علم للاجتماع !!.

اما المحور الثاني الذي طرحناه انذاك في (( اشكالية علم الاجتماع في العراق الحديث )) فهو محور: عبثية التنظير باسم علم الاجتماع !.

وما نقصده في الحقيقة ب (عبثية التنظير باسم هذا العلم) هو ما طرحه المرحوم علي الوردي تاليفا وتدوينا وتنظيرا وتثقيفا ..... باسم علم الاجتماع مستندا في ذالك ومتكئا على (شرعية) ادارته لقسم علم الاجتماع في كلية الاداب والعلوم في العراق الحديث من سنة 1953م وما بعدها من جهة ومتكئا على ما طرحه من مؤلفات وافكار تتحدث باسم هذا العلم من جانب اخر والى تاريخ 1970م ، عندما يذكرلنا تاريخ المرحوم علي الوردي الغير موثق والغير مدون بان المرحوم الوردي قدم استقالته لهذه الكلية بدواعي التفرغ للتأليف والكتابة الخاصة بمشاريعه الفكرية !!!.



والحقيقة عندما نقول : ان هناك عبثية في التنظير تمت تحت اسم علم الاجتماع وقد مارسها المرحوم علي الوردي فعليا وهو متكئ على شرعيةاكاديمية لانعني بهذا القول اي اساءة لطرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي مطلقا وانما نريد التأكيد على ان ((اشكالية علم الاجتماع العراقي)) دخلت في مرحلة الاشكالية (( المركبة فكريا )) وليست البسيطة عندما اصبح هناك جهة رسمية (( قسم علم الاجتماع في كلية الاداب )) تهب الشرعية الاكاديمية لطرح المرحوم علي الوردي الفكرية باعتباره طرحا يمت بصلة ((اكاديمية وعلمية )) للعلم الاجتماعي الحديث !!.

بينما الواقع ان طرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي المدون والمكتوب والمقروء .....حتى اليوم لايمكن نسبته علميا باي عنوان من العناوين لمحاور ومناهج ومواضيع واهداف وافكار...العلم الاجتماعي الحديث ( الذي اسسه كونت ودوركهايم وسبنسر..الخ) للاختلاف الجذري بين طرح علم الاجتماع الحديث لمواضيعه ومناهجه المتخصصة وبين ماطرحه علي الوردي من مواضيع لاعلاقة لها بمسمى علم الاجتماع كخوارق اللاشعور وشخصية الفرد العراقي ومنطق ابن خلدون....الخ التي هي مواضيع اقرب لتناول الافراد نفسيا وفكريا وسلوكيا وتحليليا اوتناول التاريخ واحداثه تأمليا منها الى تناول المجتمع وظواهره الاجتماعية وارجاعها الى قوانين علم الاجتماع الثابت منها والمتغير !!.

ونعم فكرالمرحوم الوردي بالامكان نسبته لاجتهاده الشخصي وثقافته المتنوعة ، وبالامكان اعتبار ما طرحه المرحوم الوردي من افكار وثقافة وتصورات وانطباعات ... في اكثر من اتجاه علمي من ضمن طرحه الثقافي المتنوع والمرسل على عواهنه اما نسبة هذا الطرح للعلم الاجتماعي الحديث ، واعطاءه صبغة رسمية اكاديمية علمية ، فهذا يعني التغرير والتضليل المتعمد للقارئ العراقي البسيط ولانصاف المثقفين بان ما يطرح هو من صميم علم الاجتماع الحديث وانه صاحب مصداقية وشرعية رسمية اكاديمية عالية القيمة ، وهذا اول تراكيب الاشكالية وتعقيداتها الاجتماعية العراقية التي خدعت الاجتماع العراقي بان طرح المرحوم الوردي الفكري والثقافي انما هو (طرح علمي واجتماعي) وليس طرحا شخصيا لاعلاقة له بعلم الاجتماع وهذا اولا !!.

ثانيا:لاريب اننا عندما نقول ان لكلية الاداب وقادتها الذين سمحوا للمرحوم علي الوردي ان يمتطي قسم علم الاجتماع ليتخذه منصة رسمية اكاديمية لطرح افكاره الشخصية باسم علم الاجتماع ومن ثم التغرير بالعقل العراقي الخمسيني الثقافي واعطاءه مادة لاعلاقة لها بعلم الاجتماع الحديث على اساس ان هذا هو ((علم الاجتماع الحديث )) الذي اسسه العالم الغربي الصناعي الحديث بقيادة (كونت ودوكهايم وباقي قادة المدارس الاجتماعية االمتنوعة )) اقول لاريب ان على اؤلئك القادة التعليميين في العراق الحديث تقع مسؤولية كبرى في تضليل الراي والفكر العراقي المعاصر بشأن العلم الاجتماعي الحديث !!.

بل لم تزل وحتى اليوم المسؤولية قائمة على جامعاتنا وكلياتنا التعليمية العراقية ، وكذا على كل استاذ جامعي عراقي مختص بالعلم الاجتماعي الحديث ان يقدم رؤيته وتقييمه بشأن ماطرحه المرحوم علي الوردي باسم العلم الاجتماعي مقارنا بمدارس علم الاجتماع الحديثة وعلى ما اوسس عليه هذا العلم وكيف أسس المؤسسون هذا العلم وهل هذا المطروح ورديا يمت بصلة علمية لعلم الاجتماع الحديث او لمواضيعه او لمدارسه الفكرية او لمناهجه المعروفة او لاهدافه وغاياته ؟.

ام انه طرح شخصي للمرحوم علي الوردي طرحه كتأملات فردية وافكارفي مواضيع شتى متفرقة لاعلاقةلها بالعلم الاجتماعي الحديث ، وتصطدم مع تخصصية علم الاجتماع ومواضيعه واهدافه واكاديميته الحديثة ، وان المرحوم الوردي قد ضلل الفكر العراقي عندما طرح هذا الكم المتناشز والمؤدلج والمسيس من الافكار باسم العلم الاجتماعي ؟؟.

نعم على قادة التعليم العالي حتى اليوم في العراق مسؤولية كبرى تحتم عليهم اصلاح الخلل الذي وقع على علم الاجتماع في العراق الحديث ، وانتج لنا اجيال من الشباب والطلبة وانصاف المتعلمين ، عندما تطرح امامهم سؤال : من هو مؤسس علم الاجتماع الحديث ؟.

فتلقائيا سيجيبك الكل ببلاهة البليد الكسول عن البحث ، والاجتهاد بانه العملاق مؤسس علم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي !!.

((يحكى ان في الثمانينات من القرن المنصرم ابان الحرب العراقية الايرانية سأل استاذ مصري منتدب من قبل الدولة للتدريس في العراق عن صانع حضارة بابل العراقية القديمة ومؤسس لبناتها الكبيرة ؟، فاجابه تلاميذ الصف السادس الابتدائي بصوت عالي وموحد : انه الرئيس القائد المهيب الركن البطل صدام حسين ، ثم صفق جميع التلاميذ بحرارة وقوة !!. ويبدو ان هذا ما تصنعه ثقافة التغييب والخداع والاستبداد والدكتاتورية في عقول الناشئة والابرياء دوما )) .

واذا سألته عن دور ( كونت او دركهايم او سبنسر او كوهين او تالكوت ...) في تاسيس علم الاجتماع العالمي الحديث الذي كان من المفروض ان يكون علي الوردي احد تلامذتهم باعتبار شهادة الدكتوراه ، التي حصل عليها في هذا العلم لابد ان تمر عبر دراسة افكارهم ومدارسهم ومناهجهم .... ، تجده يفر باذنيه من لغة الجنّ الجديدة هذه على ثقافته وسمعه وبصره !!.

فمثقفونا وطلبتنا لايعرفون ( كونت كمؤسس ولا دوركهايم كصاحب مدرسة ولا سبنسر كمنظر في علم الاجتماع) انما يعرفون علي الوردي وازدواجية الشخصية العراقية وطبيعتها الشيطانية التي يأست من رحمة الله وجنته فقط !!.

وهكذا اذا سألت طلبتنا في الجامعات ماهي مواضيع علم الاجتماع الحديث ؟، او كم هي مدارس علم الاجتماع العالمية الحديثة ؟ ، او لماذا ينبغي ان ننظر لظواهر المجتمع كوحدة او كوحدات متماسكة وحية وشاعرة ومتأثرة ومتطورة في علم الاجتماع الحديث ولا ننظر للافراد بافكارهم المنعزلة ولا لسلوكهم او نفسياتهم منقطعة عن الكل الاجتماعي ؟؟.

فترى مثقفينا وطلبتنا الجامعيين ، وحتى الدارسين للعلم الاجتماعي الحديث في حيص بيص ، لايكاد احدهم يفهم او يدرك من علم الاجتماع اي مفردة ، الا ما طرحه المرحوم علي الوردي في مؤلفاته ، وكتبه عن القروي الذي دخل المدينة فاصابه وباء الاختلال في المعايير بين مايؤمن به من بداوة وما يمارسه من سلوك متمدين مفتعل !!.

ومن اجل هذا كله نحن نقول بضرورة العودة من جديد لطرح و(( تاسيس علم اجتماع عراقي حديث )) له صلة حقيقية بمنتج العلم الاجتماعي العالمي الحديث وبعيدا عن عبثيات المرحوم علي الوردي الفكرية والتاملية والثقافية والشخصية .... ليفهم طلبتنا ماهو علم الاجتماع ؟ وما تاريخ نشاته ؟ ومن هم مؤسسوه وماهي مناهجه ومواضيعه واهدافه وغاياته ومصطلحاته ومفرداته وتخصصه.... الخ وكل مجالاته الدراسية العلمية التي تلتزم المناهج في رصد وملاحظة الظواهر الاجتماعية وفهمها وقرائتها وتحليلها بشكل علمي ومهني واحصائي ووضع الدراسات ومن ثم التوصيات في تدعيمها او معالجتها ان كانت هذه الظواهر نتيجة ظروف اجتماعية مصطنعة وغير طبيعية اجتماعية او انها ظواهر طبيعية ومتطورة وخالية من الاعراض !!.



ثالثا : محور هشاشة البناء وعدم صلاحية ما تبقى منه للديمومة العلمية .

ان بناءا يقوم على الفوضوية الفكرية كماحصل بالفعل ل((مسمى العلم الاجتماعي العراقي)) على يد المرحوم علي الوردي في العراق الحديث لايمكن له ان يكون بناءا علميا رصينا صالحا ، لان يكون اساسا للبناء عليه واستمرار مشروعه وانتاج هذا المشروع لكل ماهو مفيد ومجدد وقابل للحياة !!.

اي بمعنى اخر ان المحور الثالث الذي ذكرناه تحت عنوان (هشاشة البناء) واعتباره احد اركان اشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث ،هو محور يحاول ان يبرز عدة حقائق تتعلق بموضوع العلم كعلم في ماهيته وفي وظيفته وفي استمراره وفي اهدافه وغايته ، وباعتبار ان هذه المحاور الثلاثة شكلت مركبا معقدا لاشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث فمن الطبيعي ان تكون هناك تركيبة بين المحور الاول الذي اسس للاشكالية وهو (فوضوية التاسيس) والمحورالثاني الذي انبنى على هذه الفوضوية ليطرح (عبثية التنظير) ، لنصل الى نتيجة طبيعية ومحورا ثالثا مفاده ( هشاشة البناء ) وضعفه وعدم قدرته على الاستمرار والتجدد على هذه الاسس الفكرية والثقافية ، التي طرحت باسم العلم الاجتماعي لمدة زمنية قصيرة جدا بعض الافكار المبعثرة التي ما لبثنا ان راينا كيف بدات وكيف انتهت بمجرد مرورعقد واحد فقط لاغير على مشروع العلم الاجتماعي العراقي الحديث في عراق الخمسينات والستينات !!.

وهنا الفكرة بصورة اوضح :

ان العلم سُمي علما سواء كان فكريا فلسفيا او عقديا او ايدلوجيا او تجريبيا طبيعيا او سيسلوجيا اجتماعيا ... واخذ وخاصة في العصر الحديث الانساني بعد الثورة العلمية الصناعية الغربية صفة العلم لانه يمتاز ببعدين اساسيين لقيامته العلمية :

الاول : وهو بُعد المنهج او التنظيم ( حسب تعبير ارسطو العلم هو المعرفة المنظمة ) .

الثاني : وهو بعد التخصص .

فكل علم في هذا العالم الانساني اذا انفقدت فيه المنهجية اوغابت عنه التخصصية في محاورموضوعاته العلمية فحتما لايمكن ان يسمى علما من جهة ، ولايمكن له الاستمرار والحياة مع الزمن باعتبار ان فاقد التأسيس والمنهجية والتخصص والتحديد لايحمل بذرة او جينة الصراع من اجل البقاء في الحياة العلمية الانسانية !!.

ولهذا عرف العصر الصناعي والعلمي الحديث بان العلم هو المنهج ، فلا علم بلا منهج ولا منهج بلا علم !!.

وعلى هذا الاساس نفهم ، وندرك لماذا بقيت مثلا الفلسفة ( التي يهزء بها كثيرا المرحوم علي الوردي وبشرنا بحتمية موتها في العصر الحديث لكن مع الاسف اندثر الوردي وبقيت الفلسفة كعلم ومنهج) وعلمها الاف السنين في الحياة الانسانية وحتى اليوم ، او لماذا بقي علم الفلك وتطور ليصل الى الفيزياء وقوانينها الذرية ، ولماذا تطور علم الكيمياء والطبيعة حتى احدث هذه القفزة البشرية الهائلة على يد الطبيعي (جارلس داروين )بينما اندثرت الكثير من الرؤى والافكار التي لم يكن لها نصيب من التنظيم والمنهجية والتخصص والهدف والغاية من باقي الافكار والعلوم او ماسُمي بالعلوم الاخرى !!.

فكل فكر لايحمل منهجا يصلح لان يكون اساسا ولايحمل تخصصا يصلح لان يكون تنظيما فلايمكن له ان يكون علما اولا ولا يمكن له ان يوهب ماء الحياة والاستمرار والتطور ثانيا !!.

وفي الحقيقة هذا ما فهمته الحضارة العلمية الصناعية الحديثة حول العلم وامكانية اشادته ، وهذا ما بنت عليه هذه الحضارة المعاصرة كل رؤاها الفكرية والعلمية الحديثة لما بين يديها من فكر وفلسفة وعلم وتصورات !!.

نعم هناك من غالى في تطبيق ((المنهج )) على العلوم الانسانية في العصر الحديث وهناك من تبنى منهجية معينة في العلوم الانسانية ك(المنهجية المادية) ليرى ان كل علم لايحمل منهجية مادية فهو ليس بعلم ، ولهذا شنّ الوضعيون ( منهم اوجست كونت) والماديون حملة شعواء على الفلسفة وعلومها الواسعة باعتبار ان افكارها العقلية والمنطقية لاتخضع للمادة وتقنيتها التجريبية المعاصرة ولكن مع ذالك بقيت المنهجية ( اي منهجية ) منظمة هي روح العلم واساسه وقاعدته المكينة التي يبنى عليها ليضاف لها التخصص في العصر الحديث ليكون هو ايضا ماء الحياة لمفهوم العلم المتخصص في العصر الحديث !!.

اوجست كونت الفيلسوف ومؤسس علم الاجتماع الحديث ادرك هذه الحقيقة حول العلم ، وادرك انه اذا اراد ان يقيم للاجتماع (علما ) فلابد عليه اولا ان يفكر في وضع المنهج العلمي كي يكون اساسا وقاعدة لهذا العلم من جهة ، وان يؤطر هذا العلم بالتخصص كي يكون اطارا لمواضيع هذا العلم الجديد على العلوم الانسانية !!.

وبهذا بدأ ( كونت ) اولا خطواته العلمية بوضع التعريف للعلم الاجتماعي ، وثنى بوضع المناهج له (مناهج البحث وادواته) كاساس لاقامة بناء العلم الاجتماعي الحديث ، وهكذا عبّد طريق موضوعاته ، وخصص توجهاته ومساراته (ظواهر المجتمع الانساني بصورة عامة) ووضح اهدافه وغاياته ( فهم قوانين وحركات وتطورات ونكسات المجتمع الانساني ) ....الخ وبهذا اقام (كونت ) علما اسمه : علم الاجتماع الحديث !.

هذا العلم جاءه بعد ( اوجست كونت ) من راى فيه كل صفات ، ومميزات العلم وقواعده التي يمكن البناء عليها والتطوير من الياتها ونظرياتها ومعارفها وعلومها ، فكان (دوركهايم) الحلقة الثانية لدفع مشروع علم الاجتماع (الكونتي) فبنى على اسس (كونت) ما كان ضروريا لدفع هذا العلم نحو التطوروبنفس الوقت التماسك والقوة ، فقنن من علم الاجتماع وشذب من زوائده وصقله ليكون علما للاجتماع فقط بعيدا عن شظايا الفلسفة الكونتية وما تركته من تاثير على نظرات العلم الاجتماعي وبعيدا عن الايدلوجي والسياسي وتطفله على مناهج وتصورات هذا العلم الجديد .....الخ !.

(هربرت سبنسر) صاحب المدرسة الاجتماعية البريطانية ، كان صاحب النظرية البيلوجية في علم الاجتماع ، الذي نقلت علم الاجتماع من النظرية الوضعية لاوجست كونت الى النظرية الداروينية التطورية الاجتماعية في مدرسة سبنسر ... وهكذا !.



الغرض هو القول ان الفكر اذا توفرت فيه ((المنهجية والتخصصية )) يصبح تلقائيا ((علما )) يحمل في جيناته امكانية البقاء والاستمرار والتطور والعطاء والنماء .... !!.

اما اذا كان الفكر فوضويا لامنهجيا وليس له اي صلة باي تخصص او مصطلحات محددة ، فمن الطبيعي ان لايكون هذا الفكر ولا يستطيع ان يكون علما وليس بمقدوره ان يستمر في صراع الافكار من اجل البقاء في هذه الحياة ، او ان يكون له نصيب من التجديد او ان يكون قادرا على تحمل اعباء البناء على كاهله فيما بعد .... الخ ، وهذا ماحصل بالفعل لفكر المرحوم علي الوردي الفوضوي الذي طرحه باسم علم الاجتماع بلا منهج ولا تخصص ولاهدف ولامواضيع ولاغايات محددة !!.



فمن الطبيعي الآن وعلى هذا الاساس : ان نفهم لماذا لم يثمر العلم الاجتماعي العراقي الحديث ؟ .

ولماذا نحن اطلقنا الكذبة على هذا العلم الاجتماعي الذي هو لاعلم ولا منهج ولاتخصص اساسا ؟ .

ولماذا كانت هناك هبة مؤقتة ( خدمها الاعلام ومكر الرجل ) لفكر المرحوم الوردي وردود افعال اجتماعية مفتعلة سرعان ما خبت وانطفأت حتى اليوم ؟ .

ولماذا لم يتمكن اي باحث او عالم اجتماع او تلميذغرّ ان يستمر بمشروع المرحوم علي الوردي الذي اسماه زورا بالاجتماعي او ان يضيف عليه او ان يطوره الى حالة علميا ارقى واثبت اساسا واقوى بنيانا وتشييدا !!.....الخ .



وكيف يستطيع احدنا ان يطور مشروعا اساسه الفوضوية الفكرية التي ليس لها بداية وليس لها نهاية محددة ؟.

وكيف يتمكن اي باحث يحترم نفسه او اي عالم او مفكر او مثقف يفهم معنى العلم ان يطرح على فكر المرحوم علي الوردي مسمى العلم الاجتماعي وهو يدرك ان فكرالمرحوم الوردي لايمتلك اي اساس علمي حتى يبنى عليه وليس فيه رائحةتخصص كي تبين مواضيعه وتنظم وليس من صفاته اي هدف يبتغى الوصول اليه سوى هدف التشويش والسفسطة الغريبة والعجيبة فكريا على العلم نفسه !؟؟.

ان هذه الحقائق التي ذكرناها في محور (هشاشة البناء ) في اشكالية العلم الاجتماعي العراقي الحديث حول فكر المرحوم علي الوردي الفوضوي ، هي ما سوف تبين للقارئ الكريم الاجوبة الكثيرة على اسألتنا التي سألناها فيما سبق كاشكاليات على ما سُمي بعلم الاجتماع العراقي الحديث ، فهي القادرة على ان تجيب عن سؤال : لماذا انتهى مشروع علم الاجتماع العراقي قبل حتى ان يولد بصورة علمية ؟.

والجواب ببساطة : لانه لايوجد علم للاجتماع من الاساس بني في العراق الحديث ليتم البناء عليه او قدرة تطويره او امكانية استمراره مع الاجيال المتلاحقة !!.

وهي القادرة ايضا على جواب سؤال : لماذا بعد الستينات من القرن العشرين المنصرم برزت ظاهرة (العقم الفكري) للمرحوم الوردي نفسه بحيث اننا وبعد الستينات لم نعد نقرأ ونسمع لفكر المرحوم الوردي الاجتماعي اي حس او نفس مشاكس !!.

ولماذا ..... ؟. الخ



نعم في الستينات بقت لفكر المرحوم الوردي اطلالات باهتة هنا وهناك وقد كتب الرجل بالفعل اجزاء من اللمحات الاجتماعية من تاريخ العراق الحديث وملاحق هذا المنتج التاريخي في الستينات كما ذكره الوردي نفسه في ملاحق الاجزاء الستة لكتابه الشهير (( ملامح اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)) لكن كان هذا منتجا فكريا تعلوه سمات وملامح شيخوخة فكر المرحوم علي الوردي ، وبوادر موتها المحققة وكأنه يودع قراءه من العراقيين الى رحيله وغيبته التي دامت الى يوم وفاته في 1995م رحمه الله !!.



في بدء بحثنا هذا ذكرنا ان المرحوم (علي الوردي) قدّم استقالته بالفعل في سنة 1970 م لكلية الاداب في بغداد لاسباب ذُكر منها تفرغه للتاليف والكتابة !!.

والحقيقة ان زمن السبعينيات من القرن العشرين المنصرم بالنسبة للمرحوم الوردي فكريا كان هو زمن نهاية تراجيدية وعقم فكري غاية في الغرابة ومدعاة للتساؤل والاستفهام ، فلماذا انزوى فعليا المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري ؟، سؤال لايمكن لنا اغفاله ونحن نتناول حياة وفكر رجل له من الاهمية ما للوردي في المجتمعية العراقية الحديثة !!.



نعم نحن نفهم وندرك تاريخيا ان ماقبل السبعينات قد انتهى المرحوم علي الوردي فكريا ومن ذكر سبب تقديم استقالة الوردي لكلية الاداب في بغداد على اساس التفرغ (للتاليف والكتابة) فهو انسان افاك ويحاول التدليس على الشعب العراقي واستغفال ذاكرته الثقافية العامة ، لان الرجل بعد السبعينات لم يكن له حس فضلا عن تاليف او تفرغ للكتابة والابداع !!.

ونعم ايضا حسب الحقائق ، التي ذكرناها في هذا البحث ندرك ونفهم فكريا لماذا انتهى ابداع المرحوم علي الوردي ثقافيا في فترة وجيزة وقصيرة تماما لانه وبسبب ان المرحوم الوردي كان يتمتع بقدرة نثر الافكار فوضويا ، والكتابة بمواضيع لارابط علمي منظم لها فمن الطبيعي والحال هذه ان تنتهي طاقة الابداع الفكري لمثل هكذا اشخاص لديهم طاقة فكر مكبوتة سرعان ما تنفجر لتحدث دويا وشظايا في كل اتجاه لكنها بنفس الوقت تموت وتندثر في لحظة انجلاء غبار الانفجار وينتهي كل تاثير لها بزمن محدد وقصير جدا !!.

فليس هناك شخص يحمل جرثومة الابداع بالامكان استنزاف طاقاته الابداعية الحقيقية او ايقافها او قتلها بزمن محدد وتحت كتابة مواضيع متعددة لاغير ، كما انه ليس هناك قوة على هذه الارض تتمكن من خنق ابداع المبدع المفكر من طرح ابداعه الى اخر لحظة في حياته الفكرية وتحت اي ظرف واسباب ، ولكن من يعتقد انه مبدعا وهو لايحمل الابداع والتطور والتنظير والتجدد الفكري ... في جرثومة فكره العلمي ، ذالك هو الذي يظهر على الساحة مؤقتا ثم ما يلبث ان يزول اثره من الوجود !!.



وطبعا هنا ، وفي هذا المفصل من حياة المرحوم علي الوردي الفكرية هناك من حاول ان يدخل العامل السياسي في موضوعة عقم فكر المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري الفوضوي فضلا عن الاجتماعي بعد الستينات من القرن المنصرم ، ولينّظر الى : ان مواقف المرحوم علي الوردي النضالية ، والبطولية المساندة لحق الطبقات المستضعفة في العراق ، هي التي جعلت من الدولة العراقية الندّ الحقيقي لتحجيم فكرالوردي من الانسياب في الابداع والتدفق في الكتابة والتاليف الاجتماعي والفكري بعد الستينات من القرن المنصرم ؟.

فهل كانت بالفعل مواقف المرحوم علي الوردي النضالية السياسية المدافعةعن حقوق طبقة المستضعفين في العراق هي سبب تحجيم فكر الوردي من تدفقه الابداعي فيما بعد الستينات من القرن المنصرم في العراق ؟.

أم ان المرحوم علي الوردي هواساسا كان مثقف سلطة وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين الذين جهدوا في خدمة السلطة على حساب الفقراء والمعدمين والمحرومين في العراق الحديث ؟.

هذا ما سنتناولة في القسم القادم انشاء الله قبل ان ندخل في اقسام مناقشة ((فكر المرحوم علي الوردي)) في مقدمات فهم هذا الفكر ، وبيان تناقضاته وتحليلاته السطحية ، والمتناقضة مع ابسط قواعد العلم الرصين واتكاءه على الايدلوجي في كل فكره المطروح باسم علم الاجتماع !.

************************

alshakerr@yahoo.com

زورو مدونتي لقراءة المزيد :

http://7araa.blogspot.com/























السبت، سبتمبر 29، 2012

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم السابع

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم السابع


حميد الشاكر



ماهي إشكالية مشروع علمنا الاجتماعي العراقي المعاصر على الحقيقة ؟.

ولماذا نحن نرى ضرورة العودة للتراث الفكري التاريخي الحديث الذي سُمي ب(العلمي والاجتماعي العراقي) بعملية اعادة نقد وتقييم وبناء وانتاج ..... جديدة للعلم الاجتماعي العراقي الذي وأدته الفوضوية الايدلوجية الخمسينية على يد المرحوم علي الوردي ، ومن ثم ليُصبح لدينا بالفعل (( مدرسة و علم )) اجتماعي عراقي حقيقي مُنبني على اسس علمية ومشيد على رؤى اجتماعية مدروسة ، ويقوم بوظيفته كمؤسسة فكرية واكاديمية وعلمية حيوية في تركيبة الاجتماع العراقي الحديث بعيدا عن اي تسييس او ادلجة او فوضوية فكرية او غير ذالك ؟.



الواقع: ان الاشكالية ((العلمية الاجتماعية)) في العراق الحديث اشكالية معقدة تماما في تراكيبها وملابساتها الفكرية والعلمية والسياسية ... وحتى المجتمعية ، ومن وجهة نظرنا البحثية فان أسّ هذا التعقيد وقطبه الاكبر يتبلور بثلاث محاور رئيسية :

المحور الاول : وهو محور فوضوية التاسيس للعلم الاجتماعي العراقي في كلياتنا التدريسية .

المحور الثاني : وهو محور عبثية التنظير بأسم هذا العلم .

المحور الثالث : وهو هشاشة البناء وتشوهات ماتبقى من اطلاله البالية .

وربما هنا ومن المفروض علينا وقبل تناول هذه المحاور الثلاثة بالبحث والملاحقة والتدقيق ان نجيب على سؤال اساس يبيّن للقارئ الكريم اولا : المبررات والدوافع التي تدفعنا وكذا ربما تدفع غيرنا في المستقبل القريب انشاء الله لمناقشة (( اشكالية مشروع علم الاجتماع العراقي الحديث )) !.

وثانيا : سؤال هل فعلا هناك اشكالية في علمنا الاجتماعي العراقي الحديث من الاساس لنناقشها بهذه الاهمية ؟.

ام ان علم الاجتماع العراقي الحديث وصل الى مراحل القمة والكمال في نموه وتطوره واستمراريته وانتاجه وابداعه لكل ماهو مفيد ونافع للاجتماع العراقي القائم فكرا وعلما ومؤسسة واكاديميا واجتماعا ....الخ ؟.

الحقيقة لايخفى على اي متابع او مهتم او مطلع .... ماكان عليه تاريخ ونشأة ((فكرة)) العلم الاجتماعي في العراق الحديث من خمسينيات القرن المنصرم وما كان يرسم انذاك لهذا العلم وما ضخه الاجتماع العراقي بكل مؤسساته الحكومية والمدنية من دعم للفكرة وللمشروع باعتباره مشروع المستقبل ... وما وصل له اليوم مشروع علم الاجتماع العراقي الحديث من موت محقق يستدعي كل من له ذرة اهتمام بهذه الامة العراقية ان يسأل ب : لماذا ؟.

وكيف ؟.

واين الخلل ؟.

بمعنى :

لماذا ما سُمي بعلم الاجتماع في العراق الحديث لم يكن نصيب حياته من الاستمرار الفعلي سوى عقد واحد لاغير بدأ مع بداية الخمسينيات ، لينتهي مع بداية الستينيات من القرن العشرين المنصرم ، بحيث لم نعد نسمع بالعلم الاجتماعي في العراق منذ الستينات وحتى اليوم لا ابداعا ولا تاليفا ولاتأصيلا ولا كتابة ولا تنظيرا ولا تطورا .. ولا حتى مناقشات سواء كان للمرحوم علي الوردي نفسه او لغيره من مدعي امتهان العلم الاجتماعي ؟.

ولماذا لم تنتج هذه المدرسة ، التي نسبت لشخص المرحوم علي الوردي اكثر من نسبتها للمؤسسة العلمية الاكاديمية او لعلم الاجتماع العراقي نفسه او للامة العراقية برمتها ... ، اي تلميذ في علم الاجتماع يشار له بالبنان او على الاقل يقال انه عالم او مفكر او حتى مثقف في العلم الاجتماعي العراقي الحديث منذ تأسيس كذبة علم الاجتماع في العراق وحتى اليوم ؟.

ولماذا علم الاجتماع في العراق الحديث تحول من (علم عالمي انساني نافع)واكاديمي ومقنن بقوانين لم تزل تدفع بالمجتمعات والفكر الاوربي نحو الامام والتطور والتقدم بينما في حالتنا العراقية تحول الى فكر فوضوي يثير الاشمئزاز والاسى والاسف في العراق حتى اصبح اثرا تاريخيا بعد عين من شدة ما اعتراه من مسخ وتدمير لمسمى العلم الاجتماعي ؟.

ولماذا لم تستطع مدرسة علم الاجتماع العراقي ، او ما سُمي بمدرسة علم الاجتماع في العراق ان تجدد من نفسها وتهب قوة الاستمرار والابداع لذاتها ، بل كان ولم يزل العكس في صفة مشروعها ، عندما شاهدنا شيخوختها وموتها حتى قبل شبابها ونظارتها ورجولتها وفحولتها العلمية والفكرية والثقافية الحيوية ؟.

اخيرا وليس اخر : لماذا لم يثر مشروع علم الاجتماع العراقي الذي تأسس على يد المرحوم الوردي شكليا اي دراسات نقدية وتقييمية حقيقية تستولد الابداع استيلادا بل راينا هذا المشروع الفكري والعلمي وبالعكس تماما ارسى قواعد (التدجين) للفكر العراقي حتى البلادة في صناعة التقديس والتبجيل والتهليل والتبريك لفكر شخص المرحوم علي الوردي بدون ان يكون له اي دور حقيقي في صناعة الفكر النقدي الاخرالذي يتمكن من توسيع افق الفكر العراقي واعطاءه المجالات الارحب لابداع المعرفة الجديدة في علم الاجتماع على التحديد ؟.

اي بمعنى اخر اكثر مباشرة : لماذا لاصق مشروع علي الوردي الفكري ومدرسته العشوائية الفكرية التي اختطفت مسمى علم الاجتماع الحديث انتاج طوابير من ((البلداء الفكريين)) الذين يتمكنون من القاء قصائد المديح والتقديس والتبجيل ....في فكر الرجل بدون ان تكون لهم القدرة الفكرية او الثقافية او العلمية على النقد (نقد فكر الرجل نفسه ) ، واعادة انتاج الفكر الجديد والانطلاق الى عالم اوسع من الابداع والبناء والتطوير .....، وبحيث يمكننا القول هنا فعلا ان المرحوم علي الوردي استطاع نقل الفكر العراقي من تقديس كل ماهو قديم وبالي وخرافي وشعبي واسطوري .... الى تقديس كل ماهو تضليلي تحدث باسم العلم ، وتبجيلي تحدث باسم الجدل وتهليلي تحدث باسم التنظير وسطحي تحدث باسم المنطق الجديد والنظريات الحديثة ... وهلم جرّا ؟.

كل هذه اللماذيات ، وغيرها الكثير في الكيفيات هو ما يدعونا حقيقةً لمناقشة ((اشكاليات علم الاجتماع العراقي الحديث)) وما وصل له هذا العلم من تردي وانهيار ولولا هذه الاسألة التي تبحث عن اجوبة علمية ومنطقية وفكرية وثقافية متزنة للنهوض من جديد بمشروع العلم الاجتماعي في العراق لما كان لبحثنا واسألتنا هذه اي معنى او مبررات معقولة وهذا اولا !!.

اما ثانيا : وهو مايتعلق بأسس ومنطلقات الاشكالية العلمية الاجتماعية في العراق فينبغي الالتفات بعمق الى :

اولا : محور فوضوية التأسيس .

ونقصد في الحقيقة باشكالية التأسيس هي تلك المرحلة من سنة 1948م 1949 م عندما تقررعراقيا في العهد الملكي انشاء كلية للعلوم وللاداب تكون اساسا لمشروع علم اكاديمي عراقي فكري حديث ، فبدأت اقسام اللغة العربية والتاريخ والجغرافية والفلسفة كاول اقسام كان لها نصيب من دراسات هذه الكلية !!.

ومعروف على هذا الصعيد من تاريخ العراق الاكاديمي الحديث ايضا ان قسم ((علم الاجتماع)) في هذه الكلية اضيف مع مادة الاقتصاد للدراسة في هذه الكلية في سنة 1952 م ، ما يعني ان الكلية برمتها كانت تحت طور التأسيس ودراسة مشروعها حتى عام 1952م عندما اقترح قادة هذه الكلية آنذاك اضافة مواد تدريسية اخرى للكلية (( اللغة الانجليزية ، الاثار والحضارة ....الخ )) ومن ضمن هذه المواد كان ((علمنا الاجتماعي )) ، قبل ان تقرر الكلية لسبب او لاخر في سنة 1954م الغاء مادة (( الفلسفة )) من التدريس في الكلية !!.

وسؤال : لماذا الغيت مادة (( الفلسفة )) من التدريس في كلياتنا العلمية بحث مستقل وبعيد عن موضوعنا هنا ، ولكن ينبغي الاشارة اليه باعتبار ان الغاء هذه المادة الفكرية والعلمية من مدارس وجامعات الانسان العراقي الحديث له اسبابه ( العقدية والسياسية والمجتمعية ...) كما ان له انعكاساته السلبية على ذهنية وابداع الانسان العراقي في الخمسينات حتى اليوم وربما يكون احد انعكسات مثل هكذا قرارات هو ما وصل له العقل الفكري والثقافي والعلمي العراقي من تكلّس ، وجمود ورجعية ولا ابداع ولا تنظيم ....الخ !.

وعلى اي حال كان عام 1952م هو عام ولادة قسم (( علم الاجتماع )) في كلية العراق الاولى وجامعته ( انذاك ) العلمية الا وهي كلية الاداب والعلوم العراقية !!.

في عام 1953م عين المرحوم علي الوردي قائما على ادارة هذا القسم وانيط به تدريس مادة علم الاجتماع لطلبة كلية الاداب في العراق !!.

لماذا عين المرحوم الوردي من قبل ادارة كلية الاداب لادارة قسم (علم الاجتماع ) ؟.

وهل كان المرحوم الوردي ممن درس علم الاجتماع واصوله وقواعده ومناشئه ومدارسه ومؤسسيه .... في العصر الحديث وتخصص بهذا العلم ولذالك كانت قيادة كلية الاداب موفقة تماما لتسليم قسم (علم الاجتماع ) للمرحوم الوردي ليديره حسب اختصاصه العلمي وينظر باسمه عراقيا كيفما يرتأي هو ؟.

أم ان المرحوم علي الوردي اصلا لاعلاقة له الا سماعا بعلم الاجتماع ، ولكن وللظروف التاريخية التاسيسية لكلية الاداب في العراق الحديث كان لادارة كلية الاداب اضطراراتها التدريسية لحشوا الفراغات التخصصية في تدريس هذه الاقسام المستحدثة في تاريخ التعليم الاكاديمي في العراق الحديث ؟.

يبدو لكل متتبع ، ومطلع على هذه التفاصيل العلمية الاكاديمية العراقية تاريخيا ، ومما طرحه المرحوم علي الوردي من افكار وتصورات ، ومؤلفات لم يذكر فيها اي شيئ يتصل او له صلة بعلم الاجتماع ( نشأة وتاريخا ومناهج بحث ومواضيع واهداف وغايات ومؤسسين ...الخ ) انه لا المرحوم علي الوردي له تخصص بهذا العلم الانساني الحديث ولا ادارة كلية الاداب انذاك كانت ممن يبحث عن التخصص في تدريس مواد اقسامها العلمية والفكرية الدقيقة أمام ضرورة اقامة المشروع التعليمي اولا كيفما اتفق ومن ثم البحث بعد ذالك عن مجالات التخصص في كوادر التعليم !!.

بل كانت الاجواء العلمية السائدة انذاك هو البحث عن مسميات فارغة المضمون لتوسيع دائرة كلية العراق الاولى وهذا يتبين من خلال رجوعنا لدراسة تاريخ العلم الاكاديمي العراقي في العهد الملكي ، وكيفية بروز فكرة انشاء كليات تعليمية في العراق الحديث ؟ ، وكيفية انتخاب الكوادر التدريسية لسد الفراغات في التخصصات العلمية انذاك ؟ ، وكيف تم طرح تسميات اقسام العلوم التي ينبغي ان تفتح كقسم علم الاجتماع ؟، وماهي تصورات هذه الكلية البدائية لهذه العلوم ؟ ، وكيف تم انتخاب كل مدّرس لمادته التدريسية ؟....الخ !!.

والحقيقة ربما كانت هذه الفوضوية في تعيين الكوادر التدريسية في كلية الاداب عند تاسيسها في العراق الحديث لازمت (( قسم علم الاجتماع )) بصورة خاصة في هذه الكلية بالتحديد وربما لنقص الكادر التعليمي المتخصص بهذا العلم فانتدبت ادارة كلية الاداب المرحوم الوردي لهذه المهمة ليس باعتباره مختصا بالعلم الاجتماعي ، ولكن باعتبار ان الرجل كان شغوفا بطرح كل افكاره وتصوراته الادبية (( باسم العلم الاجتماعي )) وقيادة التعليم في العراق انذاك بحاجة الى سد الفراغات في الكوادر التعليمية لاقسام كلية الاداب لاسيمامنها قسم علم الاجتماع الذي استحدث على عجل وبدون دراسات مسبقة ولهذا ارتأت قيادة كلية الاداب انذاك (او يبدو هكذا سارت الامور) ان تلقي على عاتق المرحوم الوردي مهمة القيام بتدريس مادة علم الاجتماع في كلية الاداب في بغداد من عام 1953م !!.

يعني حتى لو قبلنابهذه الفرضية في تبريرالعمل الفوضوي الذي قامت به انذاك كلية الاداب بشأن قسم علم الاجتماع وتسليمها قيادة هذا القسم للمرحوم الوردي لادارته فكريا وعلميا وثقافيا كيفما شاء وهو ليس صاحب تخصص وحتى لو قبلنا ان فكرة سد الشواغر من المواد التدريسية بالامكان ردمه بالقاء مهمة التدريس مؤقتا الى مَن هوغير صاحب اختصاص لكن الاشكالية بقيت قائمة بل تعقدت اكثرفاكثر بهذا العمل الفوضوي الاكاديمي الغيرمدروس النتائج والعواقب الكارثية على كل العلم العراقي الحديث وبنائه على اسس سليمة !!.

بمعنى اخر : يمكننا قبول ان مختص او عالم من علماء النفس او دارس متخصص في الدراسات التاريخية ، ولسبب او اخر ان ينقل تخصصه من مادة علمية الى اخرى ، كأن ينقل صاحب اختصاص علم النفس او الاداب او التاريخ تخصصه من هذه المجالات العلمية الى مجال علم الاجتماع ، ليصبح في هذا الفن استاذا بارعا ، فلا بأس بذالك !!.

اوربما يمكننا قبول فكرة ان متخصصا في مجال من مجالات العلوم الانسانية ارتأى ان يطلع على مجال العلم الاجتماعي ليرى تاريخ هذا العلم ويطلع على مواضيع هذا العلم واهدافه ومناهجه البحثية ....الخ ،ومن ثم ليؤلف فيه وينظّر حوله بل ويطرح الجديد بصدده ليبز اصحاب هذا العلم والمختصين به كما حصل مثلا للفيلسوف الفرنسي (اوجست كونت) عندما بدأ متخصصا بالفلسفة لكنه استطاع ان يلتحق بعلم اصبح هو مؤسسه كالعلم الاجتماعي وهكذا لكل من يريد ان يطلع على علم يضيفه الى تخصصه الاكاديمي او العلمي فلا بأس مطلقا بذالك !!.

وعليه فهل من الممكن قبول فكرة:ان المرحوم علي الوردي قد نقل بالفعل تخصصه الاكاديمي (باعتبار اننا والى اليوم لانعرف ماهو تخصص علي الوردي العلمي بعد اخذه للشهادة من اميركا ) من اي علم الى علم الاجتماع مثلا ليكون المرحوم الوردي صاحب اختصاص ثانوي بهذا العلم وتنتهي اشكالية عدم التخصص بهذا المعنى ؟؟.

لنفترض وكعراقيين ان المرحوم علي الوردي لم يكن دارسا ابدا للعلم الاجتماعي ، وانه رجل ذهب للولايات المتحدة مثلا لأخذ كورسا باللغة الانجليزية ، او ليطرح بحثا في علم النفس ...الخ ، ليحصل من ثم ومن احدى الجامعات الامريكية على شهادة تقدير ولكنه رجل يعشق العلم الاجتماعي ، وحاول قدر امكانه فعلا ان يدرس علم الاجتماع ويأخذ بكل اطرافه ومن ثم ليدرس طبيعة الاجتماع العراقي ويكتب في هذا المحورمتناولا التاريخ وكل شاردة وواردة ليدونها في بحوث اسماها بالاجتماعية فهل يمكننا عندئذ ان ننظر للمرحوم الوردي على انه اصبح عالما من علماء الاجتماع ويحق له ان يشغل استاذا محاضرا في هذا القسم من كلية الاداب في العراق الحديث ؟؟.

الحقيقة للجواب على مثل هكذا فرضيات ينبغي علينا ان نسأل اولا عن ما الذي طرحه المرحوم علي الوردي في علم الاجتماع فكرا وتاليفا ومواضيع .... حتى نتمكن من رؤية المرحوم الوردي كعالم من علماء الاجتماع ومستحقا لتدريس هذه المادة في كلياتنا وجامعاتنا العراقية لابنائنا من الطلبة والتلاميذ ؟.

بمعنى اخر : ما الذي رأته او لمسته ادارة كلية الاداب ببغداد في 1952م في المرحوم علي الوردي من نبوغ علمي في العلم الاجتماعي (غير طبعا حديثه المكرر ونسبة جميع افكاره للعلم الاجتماعي الحديث) اقول ما الذي درسته كلية الاداب في مراحل تاسيسها لهذه الكلية من منتوج المرحوم علي الوردي العلمي الاجتماعي حتى تم اختياره لمنصب ادارة قسم علم الاجتماع في هذه الكلية ؟.

لا بأس نتنزل قليلا في السؤال:ما الذي طرحه المرحوم علي الوردي في كل مراحل تدريسه لمادة علم الاجتماع في هذه الكلية في كل المرحلة الخمسينية من القرن المنصرم من تاريخ العراق الاكاديمي الحديث ، حتى تبقى هذه الكلية على تصورها من امكانيات الوردي العلمية في علم الاجتماع على التحديد ؟.

فهل درّس المرحوم الوردي (مثلا) تاريخ نشأة علم الاجتماع لطلابه في هذا القسم ؟.

وهل طرح ودرس المرحوم علي الوردي مواضيع علم الاجتماع الحديث لتلاميذه من قسم علم الاجتماع ؟.

وهل درّس وطرح او كتب المرحوم الوردي في كل حياته شيئا داخل كلية الاداب ، او خارجها حول مناهج البحث العلمية في العلم الاجتماعي الحديث ، وماهية اختلافاتها ؟.

او هل درّس المرحوم علي الوردي خصائص ، ومميزات المدارس الاجتماعية الحديثة واختلافاتها الفكرية مع بعضها والبعض الاخر ؟......الخ

أم ان المرحوم الوردي لم يتعرض ، لأي شيئ يمت بالصلة الحقيقية العلمية للعلم الاجتماعي في قسم علم الاجتماع من كلية الاداب وخارجها ، باستثناء تعرضه لعلم الاجتماع اسما عندما كان يحاضر عن الشعر العربي وادابه التي ليست رفيعة حسب اطروحة المرحوم علي الوردي في كتابه اسطورة الادب الرفيع في هذا القسم ؟.

شخصيا لم اعثر للمرحوم علي الوردي على اي مؤلف او محاضرة علمية تختص بعلم الاجتماع او لقاء يتحدث فيه المرحوم عن علم الاجتماع كعلم له اصول ومناهج !!.

نعم قرأت كثيرا اسم علم الاجتماع يتكرر بالمئات في احاديث ومؤلفات المرحوم الوردي ولكنني لهذه اللحظة لم اقرأ ولا بحثا علميا للمرحوم الوردي في علم الاجتماع نفسه كعلم !!.

فياترى اذاً ما الذي كان يدّرسه ويفعله المرحوم الوردي في قسم علم الاجتماع في كلية الاداب في بغداد طوال مرحلة ممارسته للتدريس في هذه الكلية مترأسا فيها قسم علم الاجتماع ؟.

وكيف سمحت ادارة كلية علمية تدعي احترام التخصص في العلوم الانسانية الحديثةوتحترم نفسها ان يطرح المرحوم الوردي كل شيئ في قسم علم الاجتماع باستثناء العلم الاجتماعي الحديث نفسه ؟.

ان هذه الفوضوية في تأسيس اعرق كلية علمية في العراق الحديث ، هي التي تسببت ايضا بقتل (مشروع علم الاجتماع) في العراق الحديث عندما سدت فراغات ملاكاتها التدريسية المتخصصة بالعلم الاجتماعي بالمرحوم علي الوردي الذي لم يقدم اي شيئ علمي ونافع لهذا العلم الجليل سوى (الحديث باسمه) ومن خلاله ليصل الى بناء مجد شخصي زائف لكيانه على حساب العلم الاجتماعي كعلم وكمشروع !!.

بل ان هذه الفوضوية هي التي سمحت للمرحوم ((علي الوردي)) ان يكتب مايشاء من متناقضات فكرية ويطرح ما يشاء من تفاهات اجتماعية لاتمت بصلة للعلم الاجتماعي باسم العلم الاجتماعي ، ومن خلال استيلائه على هذا القسم بلا مبرر الا مبرر كون كليتنا العراقية العريقة كانت على عجل بانشاء اقسام علمية لكليتها الاولى في العراق بدون ان تحضر لهذا التاسيس اي كوادر علمية تدريسية مختصة وعالمة في هذا المجال اوتدرس كيفية سد فراغات كوادرالتدريس لديهابشكل يخدم العلم ويطور من مستقبله المهني !!.

نعم في المجالات العلمية الاخرى في تاريخ اكاديمياتنا العلمية لا يمكن لنا الحديث بهذه الحرقة على العلم وامتهان كرامته في احدى اعرق كليات العراق الحديث ، ففي قسم الحضارة والاثار لا احد يستطيع ان ينبس ببنت شفة على الاستاذ المرحوم (طه باقر) قارئ الطين العراقي وحال كل شفراته التاريخية على اساس انه ليس عبقرية من عبقريات العراق الحديثة التي اعطت كل حياتها ، وكل راحتها وكل ماتملك لهذا العلم واختصت به وكتبت فيه والفت من خلاله ودرسته وابدعت وتعبقرت الى حد الامتنان العراقي الكامل لهذه العبقرية العلمية الاكاديمية المتخصصة في كليات العراق العلمية الحديثة !!.

لكن الامر يبدو كمهزلة في مجال (العلم الاجتماعي) الذي استلمه المرحوم الوردي ليوظفه الى افكار ما انزل العلم الاجتماعي بها من سلطان !!.

افكار لايمكن لقارئها الا ان يأسف على ما وصل له العلم الاجتماعي في العراق ، وهو مرة يوظف لايدلوجي سياسي ماركسي واخرى يوظف فيها لفلسفة نفعية راسمالية براجماتية ، وثالثة ليوظف فيها علم الاجتماع لتمرير تحليلات غاية في السخف والسطحية وعدم اللافكرية ، ورابعة لوضعية وخامسة لخوارق شعورية غيبية .....الخ !!.

نعم من ابداعات وعبقريات المرحوم الوردي التي نعترف له بها ان المرحوم علي الوردي هو الوحيد الذي طرح خليط عجيب من الافكار المتناقضة فكريا والمتناشزة مدرسيا وايدلوجياوفلسفيا ليصهرها كلها في بوتقة واحدةاسمها علم الاجتماع العراقي الحديث !!.

علم الاجتماع الحديث الذي نقله ((اوجست كونت)) من عالم الفوضوية الفكرية الى رحاب العلم وتخصصاته استطاع المرحوم الوردي ان يعيد هذا العلم وبجدارة ليكون كل شيئ فكري ماعدى كونه علما للاجتماع !!.

علي الوردي الذي استحصل شهادته الاكاديمية من اعتى دولة فردية راسمالية نفعية ، يعود للعراق بشهادة في علم الاجتماع الذي وصف اوجست كونت ماهيته بانه علم يكفر بكل ماهو فردي لااخلاقي ؟.

هل هذا معقول ان يدرس علي الوردي علم الاجتماع في وطن يقوم بكليته الفلسفيةوالقانونية والسياسية والانسانية والتربوية .... على الفردية ، ثم يعود لنا في العراق ليدّرس مادة علم الاجتماع الحديث !!.

لو كان قيل لنا ان دراسة المرحوم علي الوردي لعلم الاجتماع كانت في فرنسا او في المانيا او في بريطانيا ..... مثلا ، لكان منطقيا بعض الشيئ ان يدرس احدنا مادة علم الاجتماع في هذه البلدان التي فيهانوع من الاجتماعيةالحقيقيةوتقوم مجتمعيتها على الروح الاجتماعية المشتركة التي تخلق الظاهرة لتكون مادة للعلم الاجتماعي !!.

اما في الولايات المتحدة ،فانها من مهازل العقل البشري ان نعتقد ان للولايات المتحدة الامريكية باع في الدراسات الاجتماعية ولهذا السبب ذهب المرحوم علي الوردي ليدرس ((علم الاجتماع)) في وطن يكفر بكل ماهو اجتماعي ويقدس كل ماهو فردي نفعي !!.

انها احد فوضوياتنا العراقية التي لها اول وليس لها اخر في اكثر من اتجاه !!.



************

alshakerr@yahoo.com

زورو مدونتي لقراءة المزيد :



http://7araa.blogspot.com/





















السبت، سبتمبر 22، 2012

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم السادس

كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم السادس
حميد الشاكر
 
وصلت سفن اسألتنا التاريخية التوثيقية الحائرة في الاقسام السابقة من بحوثنا هذه حول((كذبة علم الاجتماع العراقي الحديث ومؤسسه المزعوم المرحوم علي الوري)) الى ضفاف شواطئ جامعة تكساس في الولايات المتحدة الامريكية من عام 1950م ، لا لتنتهي ( مع الاسف ) رحلة هذه الاسألة والوصول من خلالها الى اجوبة شافية كافية عن تاريخ المرحوم علي الوردي العلمي والاكاديمي والتقني ولكن لتبدأحيرتنا الفكرية ودهشتنا العلمية الثقافية العراقية من جديد من هذا التاريخ الغامض ايضا والذي يثير بطبيعته الاسألة الفكرية وحيرتها التوثيقية اكثر فاكثر !!.
لماذا كان تاريخ المرحوم الوردي ( العلمي والفكري) وخاصة خارج العراق ولكل مَن يشاء ان يطلع على تاريخ الرجل ويبحث فيه بهذا الغموض وهذا اللبس وهذا التضارب والتناقض التاريخاني ؟.
كان هو احد الاسألة التي فرضت نفسها علينا من جديد فيما بعد التخرج المزعوم للمرحوم الوردي في 1950م ونيله لشهادة الدكتوراه في (( علم الاجتماع )) من جامعة تكساس الامريكية !!.
ولماذا لم نصادف هذا الغموض الا في مرحلة تنقلاته العلمية وحصوله على شهاداته الاكاديمية في خارج العراق ؟.
سؤال اخر يُطرح بين يدي المعنيين بالبحث والتنقيب حول حياة علي الوردي العلمية ، وعليهم ان يجيبوا عن هذا السؤال من خلال التوثيق والمنطق الفكري المقبول الذي يجيبنا على هذه الاسألة بالتحديد !!.
ولماذا لم يذكر لنا مؤروخوا تاريخ المرحوم علي الوردي العلمي والذائبون بحبه والمتماهون مع كل حرف من حروفه الثقافية والفكرية ، والمدافعون عنه بعاطفية تحمل من الحرارة ما يحرق عالما باكمله ، والمؤسسون له المؤسسات والمجامع العلمية وخصوصا الاجتماعية التي سُميت باسمه... اقول واتساءل لماذا لم يذكر هؤلاء اي تفاصيل مفيدة عن هذه الحقب الزمنية من تاريخ الرجل العلمي والمهني والاكاديمي ؟.
ولماذا لم يتسائلوا هم انفسهم كباحثين او كتاب او مثقفيين او نقديين ..... وفي كل دراساتهم التي صنعت قداسة وهالة لهذا الرجل رحمه الله بدون اي مبررات علمية وحضارية تنتمي لروح العصر الجديد ولعصر النقد واعادة القراءة والابداع ولتجرم من ثم كل من يحاول البحث عن حقيقته العلمية والفكرية ... ، لماذا لم يسألوا انفسهم هذه الاسألة التاريخية والتوثيقية قبل ان يكتبوا حرفا واحدا بشأن فكر وثقافة وعلم ومؤسسية ، او عدم مؤسسية المرحوم الوردي رحمه الله لعلم الاجتماع او لاي علم آخر ؟.
ولماذا كلما رجعنا الى كل من تناولوا المرحوم علي الوردي توثيقيا وتاريخيا وفكريا وثقافيا .... نقع بين حجرين حجر النقد والتورخة والتوثيق التي انطلت عليه كذبة علم الاجتماع العراقي ليغفل عن مثل هكذا اسألة مبدأية وليناقش اراء ليس لها اي قواعد وضوابط ومرجعيات علمية وفكرية يرجع اليها باعتبار انها هي فقط المرحوم علي الوردي وحجرالمثقف والذي يدعي النقد والفكرية والعلمية والتقدمية ...، وهو ينحت قداسة مزيفة ومسيسة للعظم حول شخصية الرجل العلمية والعبقرية التي لامثيل لها ... الخ ليعبدها فيما بعد حتى ولو كانت وثنا طاغوتيا صنعه بيده وهو يعلم انه لايضر ولا ينفع في الحقيقة ؟.
هذه الاسألة وغيرها مما يتصل بالجانب التاريخي والفكري والتوثيقي والاختصاصي ...الخ الذي كان من المفروض ان يجيب عليهاكل من تصدى للبحث والتوثيق لحياةوتاريخ المرحوم علي الوردي العلمي والاكاديمي والتقني وسواء كان هذا المتصدي من انصار ومحبي وعاشقي المرحوم الوردي او من المنتقدين لارائه واطروحاته !!.
اما ما يختص بعلي الوردي رحمه الله نفسه في هذا الجانب فاول ما يتبادر الى الذهن من اسألة حول اشكالية توثيق وتورخة حياة المرحوم علي الوردي العلمية لاسيما منها التي كانت خارج العراق فهو سؤال: لماذا لم نقرأ توثيقا تاريخيا ((حكواتيا )) لعلي الوردي نفسه تقريبا في جميع مؤلفاته المتنوعة حول حياته المهنية في خارج العراق ، من قبيل صداقاته الشخصية مع زملائه في الدراسة ، او اساتذته في التعليم الجامعي الامريكي مثلا ، او مناقشاته الفكرية مع جيرانه ، والمحيطين به في هذه المجتمعات في فترة تواجده في خارج العراق ؟.
عرفنا من الاسلوب الكتابي للمرحوم الوردي ومن خلال مؤلفاته حبه لذكر هذا النوع من العلاقات في محيط الاجتماع العراقي وتدوينه لكل شاردة وواردة في هذه العلاقات الفردية والاجتماعية وتحليل هذه المحطات ولكن لماذا لم نصادف هذا النوع من ذكر العلاقات الفردية والاجتماعية في مؤلفات ومدونات المرحوم الوردي وهي تتحدث اجتماعيا وفرديا ونفسيا وتحليليا .... عن هذه العلاقات في رحلاته التعليمية خارج العراق ، ومن ثم لنأخذها نحن اليوم كمادة تاريخية توثيقية لحياة المرحوم علي الوردي العلمية خارج الوطن ولتسلط ايضا لنا الضوء على مرحلة من حياة الوردي الحيوية ؟.
سؤال ربما يكون منطقيا عندما نتحدث عن اسلوب الوردي في الكتابة ولماذا تنفقد الحكواتية فجأة من تدوين المرحوم الوردي عن حياته خارج العراق داخل مؤلفاته الممتعة ، لاسيما في الولايات المتحدة الامريكية في خمسينات القرن العشرين المنصرم ؟.
او لماذا لم يذكرلنا المرحوم الوردي في جميع مدوناته التي تسمى اجتماعيةومؤلفاته العلمية والثقافية مشاهداته الاجتماعية التي عايشها خارج العراق وخصوصا في مرحلة دراساته التخصصية كأن يحدثنا ( مثلا ) عن عادات وتقاليد هذه المجتمعات الغربية لاسيما منها الامريكية ويحلل لنا(علي سبيل ذكر الحكايات الاجتماعية التي تعودنا عليها في كتابات الوردي) مناكفاته الجدلية مع بقال الحي او صاحب الكافتيريا المجاورلشقته في تكساس .... لنتمكن نحن فيما بعد على الاطلاع على هذه المادة التوثيقية التاريخية الاجتماعية ، وناخذها كمادة توثيق لاغبار عليها تاريخيا تؤكد لنا ممارسة الحياة العلمية للمرحوم الوردي في هذه المجتمعات الغربية وبالخصوص الامريكية ؟.
بمعنى اخر: اننا ذكرنا في بحوثنا السابقة التي تناولت اساليب المرحوم علي الوردي الكتابية وانها اساليب (حكواتية) عراقية شغوفة بحب نقل الحوادث والمعارك والمناكفات ....الشخصية للمرحوم علي الوردي داخل المجتمعية العراقية مع كل من هب ودب من بقالين الى اصحاب مقاهي الى متسولين الى طلبة الى مثقفين ..... الخ ، ما يعني ان هذا الرجل من طبيعته الفكرية والشخصية رصد كل ما يتحرك حوله او ضده او معه في محيطه الاجتماعي وذكره لهذه المتحركات تاليفا وتدوينا وملاحظات في كتبه ومؤلفاته المتعددة واعتبار ذالك من صلب تخصص علم الاجتماع الحديث الذي درسه ، والذي ينبغي ان يعمل عليه الوردي بكل طاقته الفكرية التوثيقية والتورخية والتحليلية وغير ذالك ،ولكننا وفجأة نفتقد هذه النظرة المجتمعية لعلي الوردي توثيقا وكتابة وتحليلا ... لنكتشف ان علي الوردي رحمه الله كان يعمل نظامه الاجتماعي فقط داخل العراق اما خارج محيط العراق الاجتماعي وفي بيروت او الولايات المتحدة الامريكية مثلا فان جهاز الرصد الاجتماعي معطل عنده تماما ولم يستطع نقل اي حادثة مفيدة تاريخيا او اجتماعيا او توثيقيا لحياته خارج العراق في كتبه ومؤلفاته التي بين ايدينا حتى اليوم !!.
هل هذه ايضا صدفة ان يكون علي الوردي صاحب الملاحظات الاجتماعية التي لاتنتهي داخل محيط المجتمعية العراقية والتي توثق وتدون كل شاردة وواردة من حركة الفرد والجماعة في العراق سلوكا وفكرا وتحليلا ونقدا وتوثيقا ... الخ هي نفسها المعطلة تماما والغير عاملة مطلقا في تاريخانية حياته العلمية خارج العراق وتوثيقها من قبل المرحوم علي الوردي بحيث لا نكاد نقرأ لهذا الرجل في كل تراثه الثقافي والفكري والعلمي... شيئا كثيرا يسلط لنا الاضواء على تاريخ حياته العلمية خارج العراق في لبنان او الولايات المتحدة على الخصوص !!.
أم انه عمل مقصود ومدبر ومحكم ان يغفل المرحوم الوردي ذكر اي شيئ عن تاريخ حياته العلمية خارج العراق ؟؟.
فياترى لماذا ؟، وماهي الاسباب النفسية والشخصية والتاريخية العلمية التي دفعت المرحوم علي الوردي لاغفال هذا الجانب من حياته الشخصية المهنية خارج العراق ، وعدم التورخة لها كما رايناه يفعل بشكل كثيف ومركز وهستيري في ذكر تاريخه داخل الاجتماع العراقي مع البقالين واصحاب المقاهي والمتسولين .....الخ ، بعد عودته من الخارج ؟.
نعم يذكرعلي الوردي في مؤلفاته وكتبه انه سافر الى خارج العراق (ذكر ذالك في ملحقات لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) الى دول الكتلة الشرقية الاشتراكية واعجب بها ايما اعجاب ويذكر في مؤلفاته الاخرى ( كمهزلة العقل البشري ) ان احدى (الامريكيات) الشقراوات جاملته كتحية في يوم من الايام بغمزة عين زرقاء وليحلل من ثم المرحوم علي الوردي معنى هذه الغمزة الامريكية في العادات والتقاليد والاخلاق الغربية المتطورة المتفتحة والمعجب بها المرحوم الوردي كثيرا واختلافها عن العادات والتقاليدالعربية المتخلفة للرجل الشرقي المتوحش الذي يعتبر اي غمزة عين انثوية لاسيما منها الغربية ماهي الا ايحاء جنسي مقصود !!.
لكن غير هذا المستوى من الذكر لتاريخه العلمي لم يحدثنا حوله المرحوم علي الوردي كذكر اساتذته مثلا او ذكر اقرانه ممن درسوا معه (العلم الاجتماعي) او ذكر ماهية المناهج التي كان يدرسها او لينقل لنا على الاقل نوعية هذه الدراسة او صداقاته او تعاملات الاجتماع والافراد الامريكيين في حياته العامة والخاصة ... فكل ذالك تجنب تماما المرحوم الوردي صاحب اسلوب الحكواتي الضليع ان يذكر منه اي شيئ عميق وذا دلالة او علامة توضيحية تترك بصماتها على حياته خارج العراق !!.
فياترى نعود ونسأل : ما السبب الواقعي والمبرر المقنع لنا الذي دفع بالوردي لطي صفحة من تاريخه العلمي الذي كان من المفروض ان يكون هو التاريخ الحاضر بكل حكاياته في مؤلفاته (( الاجتماعية )) ابّان رحلته الكبيرة للعالم الاخر ؟.
من وجهة نظرنا البحثية وكجواب على كل ماتقدم من اسألة حول غياب او تغييب تاريخ المرحوم علي الوردي العلمي خارج العراق فنحن نعتقد ان غياب التوثيق لتاريخ المرحوم الوردي العلمي خارج العراق كان امرا مقصودا من قبل المرحوم الوردي نفسه ، وان هناك وفي هذا التاريخ للمرحوم الوردي العلمي بالتحديد شيئ ما يخدش بكل ما حاول بنائه علي الوردي وايحائه للمجتمعية العراقية في موضوعة (( دراسته لعلم الاجتماع ، واستحصاله لشهادة الدكتوراه تخصصا بهذا العلم )) ولهذا حاول المرحوم علي الوردي وبكل امكانياته الفكرية الابتعاد عن محورين في توثيقه الاجتماعي لحياته خارج العراق :
الاول : وهو محورعدم ذكره لهذه الحقبة من حياته العلمية خارج العراق وباي شكل من الاشكال كي لاتسلط الاضواء البحثية والتوثيقية على هذه الحقبة من تاريخ المرحوم الوردي العلمي ويتم ملاحقتها فكريا والتساؤل حول ماهيتها العلمية والوصول الى فضيحة ( كذبة عالم الاجتماع العراقي المشهور علي الوردي ) ، وتأسيسه لهذا العلم في تاريخ العراق الحديث مع انه لا علاقة له اصلا بعلم الاجتماع علميا واكاديميا ودراسيا !!.
وثانيا : محور محاولة المرحوم علي الوردي اشغال الراي العام العراقي الفكري والعلمي والثقافي او جرّه الى معارك جانبية يغلب عليها المناكفاته الشخصية (وليست العلمية ) داخل العراق وبشكل استفزازي لجميع شرائح المجتمع العراقي ( ماعدى شريحة رجال السلطة) ليتسنى له ابعاد اي اضواء عن تاريخ حياته العلمية خارج العراق او التساؤل حولها وهذا ما نجح به المرحوم الوردي نجاحا تواصل لستة عقود متوالية ، واكثر حتى جاءت اسالتنا هذه (التي لانعتقد ان باحثا او كاتبا عراقيا قد فكرحتى بطرحها حول المرحوم علي الوردي) لتطرح ما حاول المرحوم الوردي ان يخفيه بكل وسيلة ممكنة من حياته العلمية خارج العراق !!.
بمعنى اخر واضح وصريح : ان المرحوم علي الوردي بالنسبة لموضوعة (دراسته لعلم الاجتماع) في الولايات المتحدة ومن وجهة نظرنا بالفكرة وهل هي حقيقة او كذبة ان نقبل حوله فكرة انه درس في جامعة من جامعات الولايات المتحدة الامريكية كمبتعث من قبل الدولة العراقية ان ثبت ذالك بالوثائق الرسمية العراقية او كدارس على نفقته الشخصية ، وبامكاننا ايضا ان نقبل ان الوردي بالفعل ذهب الى الولايات المتحدة ودخل في احدى جامعاتها العلميةلكننالايمكن ان نقبل بعد كل هذه المعطيات ان عليَ الوردي قد درس بالفعل ((مادة علم الاجتماع)) على التخصيص ، والتي ندركها ونعلم مؤسسيها وعلمائها ومناهجها العلمية واهدافها وغاياتها التي لم يرد لها ذكر مطلقا في كل نتاج المرحوم الوردي الفكري والثقافي !!.
نعم يمكن لنا قبول فكرة ان عليًّ الوردي ربما كان دارسا لمادة في الجامعات الامريكية تتصل ب وليم جيمس وفلسفته النفعية وما يوليه من اهتمام لعلم النفس الفردي ، لاسيما ان كمية اهتمام ايضا المرحوم علي الوردي بعلم النفس واضحة لكل باحث في مؤلفاته المتعددة وربما بالامكان قبول فكرة ان اطروحةعلي الوردي في دراساته لنيل شهادة من جامعة تكساس الامريكية كانت بمادة ( التاريخ ) مثلا ومعروف على هذا الصعيد اهتمام المرحوم الوردي بالمادة التاريخية بحيث لايخلوا كتاب من كتبه لم يتناول فيها التاريخ وحوادثه ، لكن ما يُستبعد تماما علميا وفكريا وتاريخيا وتوثيقيا قبوله للمرحوم علي الوردي ان يكون متخصصا بعلم الاجتماع او حاصلا على شهادة تخصص بهذا العلم !!.
وهذا الاستبعاد في الحقيقة منبني على كثير من المؤشرات والقرائن العلمية والفكرية والتاريخية والتوثيقية ...التي تدلل على بعد المرحوم علي الوردي من هذا العلم ، وعدم اتصاله باي مفردة من مفرداته العلمية ، وذالك لا لاسباب معقدة وغامضة بل لاسباب موضوعية من اهمها :
ان مدرسة (علم الاجتماع الامريكية) التي ادعى المرحوم علي الوردي انه درس فيها ، والتي كانت تدّرس مادة علم الاجتماع في جميع مدارسها الاكاديمية هي في الواقع امتداد للمدرسة الاوجستية (التابعة لمؤسس علم الاجتماع اوجست كونت ) بل ان كل مدارس علم الاجتماع الانسانية بالعموم ، والاوربية بالخصوص كانت امتداد لهذه المدرسة وروادها المعروفين ومناهجها العلمية .... وخلوا منتوج علي الوردي لاي ذكر لهذه المدرسة دليل على ان المرحوم الوردي لم يصادف اصلا او يدرس فعلا مادة (( علم الاجتماع )) لافي جامعة تكساس الامريكية ولافي غيرها !!.
بمعنى آخر : انه لايوجد اصلا في تراث الانسانية العلمي مدرسة اجتماعية اخرى غير مدرسة مؤسس علم الاجتماع الحديث ( اوجست كونت) ، ومن جاء بعده لنفترض ان علي الوردي ربما درس (علم الاجتماع) على مناهج مدرسة اجتماعية اخرى في الولايات المتحدة الامريكية ولذالك يمكن تفسير عزوف علي الوردي عن اي ذكر لمدرسة اوجست كونت ودوركهايم وسبنسر ....الخ !!.
بل كل ما هنالك من دراسات اجتماعية لايمكن ان تكون مبتورة الصلة عن هذه المدرسة وانقطاع وعدم اتصال فكر المرحوم الوردي الذي وصف بالاجتماعي باي مفردة مع هذه المدرسة الاجتماعية دليل ، او قرينة قوية على ابتعاد وبعد المرحوم علي الوردي عن اي صلة بالعلم الاجتماعي العالمي الحديث الذي كان وما زال يدرس في الولايات المتحدة الامريكية وغيرها !!.
نعم ربما هناك من سيقول لنا :انه ما المشكلة اذا كان المرحوم علي الوردي لم يدرس علم الاجتماع ولم تكن شهاداته العلمية في هذا الاختصاص بالنسبة لكل ماتقدم من بحوث ؟.
الحقيقة ان المشكلة ان هذا الرجل طرح كل فكره ومؤلفاته واطروحاته وتصوراته على اساس انه رجل متخصص بهذا العلم الاجتماعي ، وما قبول المجتمعية العراقية تقريبا لمعظم تنطعات الوردي النقدية الاجتماعية الا على ذالك الاساس ، وتبين ان علي الوردي ليس مختصا بهذا العلم ومع ذالك تحدث بكل مؤلفاته باسم هذا العلم ليست فقط تعبرعن نقص في المادة العلمية لهذا الرجل فحسب ، بل ان كذبة الرجل ومن روّج له ، وسلمه مؤسسية العلم الاجتماعي العراقي الحديث برمتها ستكون هي الكارثة العلمية التي لاينبغي ان تغفر !!.
فكيف بعد ان ندرك ان هناك خداع وكذب وتضليل بمصداقية هذا الرجل العلمية وانه صاحب حياكة مؤامرة على الفكر العراقي الحديث كله نوثق كعراقيين بكل ماطرحه المرحوم الوردي باسم العلم والتطور والنظريات الحديثة وعلم الاجتماع .... والذي تقريبا لم يترك شيئا من المجتمعية العراقية لم يتعرض لها ؟؟.
وكيف نسمح بعد ذالك لكتب ومؤلفات وتصورات وثقافة المرحوم علي الوردي ان تدرس او تباع لفكر اجيالنا الشابة والمقبلة على الحياة والبانية للمستقبل (او يرّوج لها بهذه الهالة والقدسية المزيفة) ان تكون فريسة لكذبة وخداع وتضليل علمي بهذا المستوى من الكارثية التاريخية والعلمية والتوثيقية والثقافية ؟؟.
عاد المرحوم علي الوردي الى العراق من الولايات المتحدة بعد عام 1950م ، ((حسب ماهومثبت وشائع عن تاريخ المرحوم الوردي العلمي) وفي هذا المفصل التاريخي من عودة المرحوم علي الوردي للعراق روايتان :
الاولى : وهي رواية تتحدث عن ان المرحوم علي الوردي قدم استقالته للجامعة العراقية للتفرغ الى كتابة بحوثه الفكرية ولم يدرس في جامعات العراق بشكل رسمي !!.
الثانية : وهي الرواية التي تتحدث عن تعيين المرحوم الوردي مدرسا لعلم الاجتماع في كلية الاداب في بغداد عام 1953م .
اي الروايتين هي الاقرب للواقع ؟.
وهل فعلا درّس المرحوم الوردي مادة (علم الاجتماع ) في كلية الاداب في هذا الوقت من التاريخ ؟.
أم انه لم يدرّرس ولا حرف واحد بمادة علم الاجتماع ، وانما كان كل تدريسه ادبيا وتاريخيا ونفسيا ولكن باسم علم الاجتماع ؟.
*****************
alshakerr@yahoo.com
زورو مدونتي لقراءة المزيد :
http://7araa.blogspot.com/