الخميس، مارس 12، 2009

ظاهرة الرعب من التشيع .. هل هو ديني أم سياسي ؟


ربما يتساءل الكثيرون من أمثالي عن ظاهرة ((الرعب والخوف المبالغ فيه من التشيع)) والتي نقرأها في الصحف ونسمعها في الإذاعات ونشاهدها وخاصة على الفضائيات العربية والإسلامية ، وهي تحاول تضخيم هذا المارد الذي انطلق وفجأة من قمقمه ليصبح بين ليلة وضحاها من طائفة أو مذهب إسلامي بسيط وهادئ إلى أسطورة وطلاسم وأشباح وزواحف وتمددات ومخططات ........... إلى آخر هذه المسميات المريبة فكريا وإعلاميا وسياسيا ودينيا ؟.
صحيح ما هذه الضجة الكبيرة جدا حول ((التمدد الشيعي)) أو ((انتشار التشيع)) في المنطقة العربية والإسلامية ؟.
وما هذه الحملة الكبيرة إعلاميا والضخمة سياسيا وفكريا في تسليط الأضواء وبشكل مباشر على هذه الموضوعة حتى كدنا نتلمس جوانبنا ونحن نجلس في بيوتنا لنرى هذا الزحف ((الشيعي)) والتمدد في ((التشيع)) هل وصل إلى مقاعدنا أم لم نزل في طور الابتعاد عن هذه الجعجعة الرهيبة ؟!.
نقرأ : ((قرى كاملة في سورية قد تشيعت)) ، نسمع : ((مدن في الجزائر تعتنق التشيع وبصورة مفاجئة)) ، نشاهد : ((الإخوان المسلمون في الأردن يجرون تحقيقا لورود معلومات عن تشّيع قيادات في داخلها)) ، نشعر : ((قرى ومدن في تنزانيا والمغرب ولبنان والهند .... تعلن ولائها للتشيع)) ، نبصر : ((قرى ونجوع في غرب أو شرق أو شمال أو جنوب مصر تتشيع لآل البيت)) ، نفاجأ : ((مظاهرات لفتح تتهم قيادات لحماس بالتشيع في فلسطين)) ....... إلخ !!!!.
هل هذا هو الواقع الحقيقي من الأمر، أم إن وراء الأكمة ما ورائها في هذه الحملة الإعلامية والثقافية والسياسية من موضوعة ((التمدد الشيعي)) ؟. وربما كانت هناك حقيقة ما وراء هذه المدافع من الإعلاميات التكنولوجية الحديثة الموصلة للخبر والناقلة للحدث بصورة رهيبة وعجيبة وسريعة ، فلماذا ومن أي شيء هذا الاستنفار والرعب من ظاهرة ((التشيع)) سواء كان له تمدد أم لم يكن ؟.
ما الشيء الذي يجعل ((التشيع)) مرعب ومخيف لباقي العالم الإسلامي والعربي ؟.
وما هو السرّ الذي يرشح التشيع كمذهب من مذاهب المدرسة الإسلامية لأن يكون هو الوحيد المشكل قلقا للعالمين العربي والإسلامي ؟.
وهل التشيع هو مختلف تماما عن التحنبل أو المالكية أو التحنفف أو الشافعية أو الزيدية أو الأباضية ..... أو باقي مذاهب الإسلام العديدة، حتى ندق نواقيس الخطر من تمدده وانتشاره بين المسلمين ؟.
هل المتهسترين من التمدد الشيعي أو الانتشار الشيعي في العالمين العربي والإسلامي ينظرون إلى هذا التشيع على أساس انه دين غير الإسلام فهم لذالك خائفين من الردة على المسلمين -مثلا- فهم لذالك شديدي القلق من تمدد هذا المذهب وانتشاره بين مواطنيهم ؟.
أم هم ينظرون لهذا المذهب وهذه الطائفة المسماة ((شيعة)) على أساس إنها كباقي المذاهب الإسلامية مع اختلاف لا يخرج من الملة بينها وبين باقي المذاهب الإسلامية الأخرى الموجودة في العالم الإسلامي والعربي اليوم ؟.
إذاً من أين جاء هذا الرعب البارز على صفحات الوجوه قبل الصحف وشاشات الفضائيات العربية والإسلامية، من سياسيين ومفكرين ومثقفين وحتى مجانين ؟!.
وإذا كان هناك نشر للتشيع ، أو تمدد طبيعي لهذا التشيع فما هي اللعبة أو الضميمة التي تشكل نواة الرعب والخوف لهؤلاء البشر ؟.
بل هناك الأغرب حقيقة في هذه الظاهرة الانفجارية في العالمين العربي والإسلامي والتي ولدت بين ليلة وضحاها ، لنرى وبقدرة قادر الناس تدخل أفواجا للتشيّع وبدون أي حساب يذكر ، إن من لم يظهر تنديده بهذا التشيع من علماء ومفكرين وسياسيين ومثقفين فانه سيتهم وعلى الفور بأنه متشيع للتشيع ، مما جعل الكل من المسلمين في حالة رعب من السكوت أو وقت للتفكير ، مما حمل الكلّ على إظهار براءته من التشيع وباللسان الممتلئ كي لا تكون هناك شبهة سكوت من قبل احد ؟.
هل حقا انه مرجل في القلوب كان خامدا في المنطقة العربية والإسلامية بين التشيع وباقي مذاهب الإسلام ، وما أن أتيحت له فرصة التعبير حتى انفجر كالبركان العظيم ليعمي بدخانه المتصاعد فجأة وبلا مقدمات ظاهرية ملموسة جميع المتخاصمين مذهبيا ؟.
أم إن القصة ومن البداية لها أبعاد أخرى مخدرة لوقت معين ، وعند إرادة اللعب فيها فبالإمكان إخراجها من الدرج كخارطة طريق لمرحلة معينة من الزمن في عالم السياسة والإدارة ، وسرعان ما تنتفي الحاجة إليها لتخديرها من جديد وإرجاعها إلى الملفات النائمة في المنطقة العربية والإسلامية ؟.
أم إن التشيع حقا خطرا على المنطقة العربية والإسلامية ، وهو يشكل تناقضا صريحا بينه وبين باقي المذاهب الإسلامية الأخرى المتجهة اتجاه ديني آخر ، ولذالك كان مسكوتا عنه لضعفه في المنطقة ، أما عندما يرتفع ويشتد عوده فهو خطر وخطر حقيقي على العرب والمسلمين ؟.
ولكن ما نوع هذه الخطرية التي يشكلها هذا التشيع الفكري الإسلامي على المنطقة العربية والإسلامية إن كان حقا هو خطر واقعي ؟.
هل هو خطر فكري ديني عقائدي، كأن يكون للتشيع قدرة على التأثير على عقائد المسلمين ومذاهبهم العقائدية والفقهية ومن ثم نقلها ((لا أريد أن أقول حرفها)) من فكر عقائدي إلى آخر ديني مختلف ؟.
أم إن التشيع يمتلك الخطرية السياسية على المنطقة العربية والإسلامية ، فهو ((التشيّع)) له قدرة على تغيير المعادلات الديموغرافية والجيوسياسية ....... الخ للمنطقة العربية والإسلامية فهو لذالك يجب أن يحجم وتسلط على أخطاره الأضواء الكاشفة لألاعيبه السياسية ؟.
إن القول بأن خطر ((التمدد الشيعي)) أو ((التشيع)) على المنطقة العربية والإسلامية يتقولب في قالب ديني هو وفي الحقيقة خدعة ما بعدها خدعة تذكر ، فالتشيع وبهذا المعنى لا يشكل اختلافا جوهريا عن باقي المذاهب الإسلامية الموجودة في المنطقة العربية والإسلامية ، فهو ومن حيث الإيمان بمبادئ الدين الإسلامي كباقي المذاهب الإسلامية ، يؤمن بكل ما يؤمن به الحنبلي أو الشافعي أو الأباضي أو الزيدي أو الحنفي أو المالكي ...، وما اختلافه مع باقي المذاهب الإسلامية إلا كاختلاف باقي المذاهب تلك مع بعضها والبعض الآخر تماما ، فليس هناك إله للشيعي هو مختلف عن الإله المعبود للحنفي من المذاهب الإسلامية ، وليس له نبي مختلف عن نبي الشافعي أو الحنبلي ، كما إن قرآنه وقبلته ....... وباقي الأمور الدينية الأساسية هي وبالضبط نفس ما لدى المسلمين الآخرين من عقائد وإيمانات دينية أخرى ، وعليه فليس هناك فارقة واقعية لنقول أو نؤكد إن للتشيع منحى ديني مختلف عن باقي المسلمين عربا كانوا أو عجما في هذا المنعطف !.
نعم في الأمور الفرعية المختلف عليها مذهبيا بين المسلمين ، كالجبر والتفويض في المناحي الاعتقادية ، أو الإمامة والخلافة في المناحي السياسية ، أو الصحابة والقرابة في المناحي الاجتماعية أو الخمس والزكاة في المناحي الاقتصادية أو الولاء والبراء في المناحي النفسية .....، كل هذا فيه اخذ ورد اجتهادي بين المسلمين قديما وحديثا ، إلا انه يبقى ومهما علت وتيرته من المواضيع الغير مخرجة للملة ، أي بمعنى إن المتشيع أو غيره مهما انغمس في الاجتهادات الفكرية أو الثقافية أو الفلسفية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية .... فإنه داخل في إطار ((لا اله إلا الله محمد رسول الله)) المدخلة للإسلام وحتى إن كان ظاهريا فضلا عن الإيمان والالتزام بالإسلام حرفيا ؟!.
وعليه فلا سبيل واقعي للقول إن ((التشيع)) هو دين آخر غير دين الإسلام ، مما يضعنا وبلا أي شبهة أمام حقيقة : إن التشيع لا يشكل أي تهديد أو خطر ديني حقيقي يذكر على المنطقة العربية أو الإسلامية من الناحية الدينية ، وما هذه الهلوسات الطائفية التي تسمع من هنا أو هناك -من تكفيريين وغيرهم- إلا مجرد توظيف للمشاعر الدينية الساذجة في سبيل استحصال مكاسب سياسية فحسب وهذا ما يدفعنا لنتساءل عن الخطر الشيعي وهل هو سياسي أكثر منه ديني على المنطقة العربية والإسلامية أم إن هناك بعد آخر ؟.
نعم صحيح : هل التمدد الشيعي والانتشار التشيعي هو خطر سياسي على المنطقة العربية بالذات فهو لذالك مرعب وخطير بالنسبة للساسة بالمنطقة العربية والإسلامية ؟.
وإذا كان خطر التشيع سياسيا فكيف يكون هذا الخطر ؟.
كيف يكون الفكر الشيعي خطرا سياسيا يهدد الأنظمة العربية والإسلامية بالمنطقة ، ولذالك فإن هذه الأنظمة شديدة التوجس من الفكر الشيعي ليس لأنه ديني بل لأنه سياسي في المقام الأول ، وما هذا الإعلام المسيس من قبل الأنظمة العربية القائمة ضد التشيع باسم ((التمدد الشيعي)) ما هو إلا وسيلة لدرئ خطر الفكر الشيعي السياسي عنها ، وان اتخذت المعركة لونا دينيا أو طائفيا بين هذه الأنظمة والتشيع إلا انه يبقى الخطر الحقيقي الذي استشعرته هذه الأنظمة القائمة هو خطر سياسي بالدرجة الأولى وليس دينيا ؟.
إن من الظواهر الملفتة للنظر في المنطقة العربية والمزمنة الفعل في هذه المنطقة الحيوية هي ظاهرة الدكتاتورية والتصلب السياسي الدائم بين الأنظمة الحاكمة وشعوبها المغلوب على أمرها ، وكانت ولم تزل المنطقة العربية تاريخيا وحديثا تعيش جدلية السياسي والديني في مراحلها المتحركة ، مما جعل لثنائية الدين والسياسة تلازم مصيري في الأجواء العربية الإسلامية ، والحقيقة في هذا التلازم الثنائي ترجع إلى كون العامل السياسي هو دائم البحث عن الشرعية الفوق بشرية أو اجتماعية إنسانية ، لتتيح له هذه الشرعية الدينية أو اللاهوتية استمرارية البقاء في ممارسة السلطة الزمنية وبالشكل الذي ترتئيه مصالحه الفئوية بعيدا عن رغبات الاجتماع الإنساني والبشري المراد سياسته وقيادة دفته الاجتماعي ، ولذالك كان ولم يزل العامل السياسي ملاصقا للديني وباحثا عن الشرعي اللاهوتي ليس حبا أو تطبيقا لمبادئ هذا الديني أو ذاك اللاهوتي المقدس ، وإنما طلبا للشرعية في الوجود السياسي بعد إن فقد السياسي الشرعية الإنسانية والاجتماعية في وجوده السياسي والسلطاني لسياسة الأمم !؟.
وعليه ومن منطلق هذه ((الحقيقة)) التاريخية والمعاصرة في منطقتنا العربية وغير العربية، مثل العامل الديني طوق النجاة للنظم الاستبدادية العربية وغير العربية، وجاءت مفاهيم: ((إطاعة أولي الأمر، وحرمة الخروج على السلطان....الخ)) في الفكر الإسلامي -السني على الخصوص- هدية ثمينة تقدم لهذه الفئات الطاغوتية من أهل السلطان والدولة لتجد نفسها محاطة وبشكل غير مسبوق بهالة من الدعم اللاهوتي المقدس لوجودها اللاشرعي ، مما جعل هذه النظم الاستبدادية ترحب كل الترحيب بهذا الدين الذي يضمن لها بقائها اللاشرعي إنسانيا والى أبد الآبدين ومن غير إن تكون هناك سلطة مناهضة لوجودها هذا غير سلطة الثورة والدعم والمشروعية الجماهيرية وهذه يراد لها كثير من الجهد لتنجح في الإطاحة بمثل هذه النظم الطاغوتية المستبدة ؟!.
وفي مثل هذه الأجواء الممتلئة امتزاجا وتلازما بين ما هو طاغوتي سياسي وديني مشوه ، برز ((التشيع)) في القديم وفي الحديث كوجهة نظر إسلامية سياسية مغايرة لما هو موجود على الساحة العربية والإسلامية ، وبطبيعة الحال لفت نظر السلاطين وأصحاب الدولة ووعاظ مجالسهم الدينيين هذه النظرية ((الشيعية)) السياسية في التاريخ وحتى يومنا هذا ، وما توجهت له أنظار الساسة العرب قديما وحديثا لظاهرة ((التشيع والشيعة)) هو سؤال : هل في هذا المذهب المسمى تشيعا كوجهة نظر دينية أي إشارة ضمان دينية لوضع السلطة السياسية القائمة كضمان ((إطاعة ولي الأمر وحرمة الخروج على سلطانه الظالم)) ؟.
وسرعان ما اكتشفت هذه السلط الاستبدادية والطاغوتية وجهة النظر السياسية الإسلامية لمذهب التشيع الإسلامي والقائلة : بعدم وجود أي ضمان يذكر للسلطة الحاكمة الظالمة !.
لا بل الأنكى من ذالك إن المذهب الشيعي الإسلامي وأمام أنظار أهل السلطان والدولة ، ليس فحسب هو يختزل في داخله عدم ضمان لأهل السلطان والدولة ورفع الحصانة عنهم فحسب ، بل إن في داخله شرارة ورؤية ثورية وشرعية متكاملة للإطاحة ، بل وجوب الإطاحة بالسلطان الظالم ووجوب عدم طاعته أو الخضوع لابتزازه الديني والدنيوي ، مما شكل حالة "رعب" حقيقية لأهل الدولة والسلطان وعلى طول الخط التاريخي العربي قديما وحديثا ؟!.
إن شخصيات كعلي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب وباقي أئمة آل البيت الذين يعدّون وبلا ريب مراجع شرعية دينية وإسلامية للفكر الشيعي العقائدي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ....، أولئك النماذج قد طرحوا رؤية مختلفة تماما للعملية السياسية التي ينبغي إن تقوم في إدارة الاجتماع الإنساني الإسلامي وللاختصار نقول إن من أهم المبادئ السياسية التي تطرحها مدرسة أهل البيت عليهم السلام للنظام السياسي الإسلامي هي:
أولا : لا شرعية للنظام القائم سياسيا إلا من خلال الرضا الجماعي للمجتمع ، كما انه لا سند شرعي إسلامي يمكن السلطة السياسية إن تتسلط بالقوة على إدارة المجتمع ، فبين الأمة والإمام يجب إن يكون هناك ((عقد)) سياسي بموجبه يكون الإمام أو الخليفة أو الرئيس ، مخولا من قبل الأمة في إدارة شأنها السياسي والإداري والاقتصادي ، وهذا بالفعل ما مارسه الإمام أمير المؤمنين أبان خلافته المباركة ، فهو لم يأتي من خلال صفقة فئوية مختصرة لأشخاص معينين ، مع إيمانه إن إمامته نصية ومن قبل الرسول المعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ، ولكنه ومع ذالك أراد وبكل صراحة إن يكون لـ ((العقد)) السياسي مشروعية إسلامية ظاهرة -كان العقد يسمى بيعة- تكون بين الأمة والإمام أو الرئيس ، لذا كان جلّ اهتمامه آنذاك في مقولة ((إلتمسوا غيري)) التثبت من الإرادة الاجتماعية في الانتخاب ، وعندما تمت ((البيعة)) من قبل المجتمع كان لزاما على القائد إن يدافع وبكل قوة عن إرادة المجتمع فقاتل الخارجين عن سلطة المجتمع ّ.
إن مثل هذه الفكرة للنظام السياسي الإسلامي لا توفر أي حصانة لاستهتار السلطة والسلطان إن أراد إن يمارس أهوائه في إدارة المجتمع ، وليس لـ ((إطاعة أولي الأمر أو حرمة الخروج على السلطان الظالم)) أي مشروعية في الفكر الشيعي ، باعتبار إن العقد يعقده المجتمع مع السلطة وله إن يفسخ العقد ويستبدل ولي الأمر إن ظلم ، لذالك كان هذا الفكر ليس فقط انه غير صالح كأداة لاستغلال السلاطين فحسب ، بل هو أكثر من ذالك يعطي السلطان للمجتمع في اختيار قادته السياسيين وهذا ما لا يرغب به أي طاغوت يذكر ، ولذالك كان الفكر الشيعي خطرا على وجود السلطان اللاشرعي ومن حق السلاطين حينئذ إن ترتعب من هذا الفكر الإسلامي السياسي الخطير على وجودها الفعلي ؟!.
ثانيا : يتميز الفكر الشيعي السياسي بأنه الفكر الإسلامي الوحيد الذي يوجب الخروج على السلطان المستهتر الغير مراعي لحقوق الدين والدنيا للاجتماع الإسلامي الإنساني ومهما كان لونه وحتى إن كان مدعيا للتشيع لآل البيت عليهم السلام ، ومن هذه الفكرة جسد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام كمرجعية إسلامية مشروعية هذا الخروج ووجوبه إن تطلب الأمر ذالك ، ومن ثم ليطيح بخدعة ((ولي الأمر وحرمة الخروج على السلطان الظالم)) ليشيد مكانها رؤية الثورة الإسلامية على الظلم ومهما تزيا بزي ومسوح الدين والتقوى ليخاتل الناس ويستغفل مشاعرهم الدينية ، وليضع مكانها مشروعية التمرد على السلطان القائم ، ومن هنا مثل الفكر الشيعي هاجسا مرعبا لكل الأنظمة التاريخية والحديثة السياسية في المنطقة العربية والإسلامية ، مما دفع هذه الأنظمة لملاحقة هذا الفكر ونشر الدعايات والإعلام المضاد له وتشويهه مع معالمه الكريمة ليتخلص تماما من هذه النواة الثورية المقلقة على النظام القائم ، فأصبح التشيع في عرف السلاطين وأنظمتهم القائمة هو العدو الأول والمعارض الخطير لوجودهم اللاشرعي ومن ثم انتقام هذه الزمر السلطوية من فكرة التشيع بان خلقوا لها ألف فرية دينية كـ ((سب الصحابة الكرام ، لهم قرءان غير القرءان ، يعبدون القبور ومشركين ، لديهم المتعة ، أهل تقية وكذب ومخاتلة ........ وهلم جرا)) ليقضوا على فكرتها السياسية الهيبة والمرعبة هذه ؟!.
هذه نقطتان فقط للتنويه لما يمثله الفكر الشيعي السياسي من مخاطر حقيقية سياسية على الوضع السلطوي الدكتاتوري القائم في المنطقة العربية اليوم ، ويبقى إن الفكر الشيعي السياسي ليس فيه عملية تملك للسلطة ، فليس هناك كسروية في الإسلام الشيعي السياسي ، كما انه ليس هناك قيصرية لنعطي الملكيات القائمة في المنطقة العربية اليوم مشروعية إسلامية ، ومن هنا فالنظم الملكية دستورية كانت أو غير دستورية -وهنا نذكر الأردن والسعودية والمغرب .... الخ- ليس لها أي غطاء شرعي في الفكر الشيعي السياسي الإسلامي ، مما يضعنا أمام حقيقة "رعب" هذه الأنظمة الملكية من التمدد الفكري للشيعة ، باعتبار إن نظمهم السياسية سوف تفقد شرعيتها الدينية بعد إن فقدت الشرعية الاجتماعية إن تسنى لهذا التمدد الشيعي الفكري والسياسي بالسير بصورة طبيعية ، مما يدفع هذه النظم الملكية من دق ناقوس الخطر من هذا التمدد والهلال الشيعي الزاحف ، ولحساسية الموقف السياسي وضعف هذه النظم ولاشرعيتها الدينية والاجتماعية لجأت هذه النظم إلى إثارة النعرات الطائفية والدينية ضد التشيع وأهله لتحويل المعركة من أطرها السياسية إلى الأطر الدينية والطائفية للحفاظ على وجودها القائم سياسيا ومن ثم خلط الأوراق على الاجتماع الإسلامي البسيط والمحدود التفكير السياسي لدفعه لمواجهة مع التمدد الشيعي ؟!.
هنا يمثل الفكر الآخر الإسلامي -السلفي بالخصوص والوهابي بالأخص- ضمانه سياسية ودينية ممتازة لهذه النظم الملكية السياسية القائمة اليوم ، فهي وبعكس الرؤية الشيعية السياسية ، فيها كل الضمانات الدينية والسياسية المطلوبة لحماية الوضع السياسي الملكي القائم ، فهناك التجربة ((الأموية)) والتي هيئت الأرضية لتقديس السلف بعد تقديس الصحابية في الفكر الإسلامي ، لتكون هذه التجربة وبدعم من السلف الصالح هي التجربة الإسلامية الرائدة بدلا من التجربة العلوية والحسينية في العلم السياسي الإسلامي ذات الطبيعة الاجتماعية والثورية ، ولتأخذ الملكية أو النظام الملكي السياسي ((الكسروي أو القيصري على حد تعبير الإسلام المحمدي)) مشروعيته الدينية من الإسلام ، ومن ثم ليكون قبول السلف الصالح بهذا النظام الملكي وفكرة عدم وجود نظام سياسي معين في الإسلام قد أشار له الرسول محمد الأعظم (صلى الله عليه وآله) ووجوب طاعة أولي الأمر وحرمة الخروج على السلطان الجائر .....الخ ، كل هذه تجعل كرصيد محترم ومقبول من قبل الأنظمة الملكية القائمة في التاريخ وحتى اليوم لدعم هذه الفكرة اللاإسلامية والإشادة بمنجزاتها العملاقة في التاريخ وحتى اليوم !.
هذا من ناحية النظم الملكية القائمة اليوم في المنطقة العربية وما تتوجسه من خيفة ورعب من التمدد الشيعي الفكري والبشري على وجودها السياسي ، أما من الناحية السياسية الأخرى والمتمثلة بهذه الجمهوريات التي تحولت إلى كوابيس على منطقتنا العربية لتمارس الدكتاتورية وبشكل غير مسبوق على الإطلاق ، فإن الحال هو الحال نفسه من حالة الرعب المستمرة من التمدد الفكري للتشيع في المنطقة العربية بالخصوص ، فنحن هنا أمام سياسيين علمانيين جمهوريين تحولوا وبشكل مفاجئ في الآونة الأخيرة إلى أباطرة رومانيون وطائفيون دينيون ضد التمدد الشيعي الفكري والبشري وفجأة ! ، فما هي اللعبة ؟.
اللعبة هي نفس اللعبة نحن أمام نظام دكتاتوري مستبد يحاول وبكل الطرق الحفاظ على وضعه القائم ومن ثم تسليم الراية للورثة الشرعيين للنظام السياسي القائم في جمهوريات التملك السياسية ، وهناك فكرة ليس فيها أي غطاء ديني للدكتاتورية وبل فيها غطاء شرعي إسلامي للتمرد والثورة على الدكتاتورية القائمة ، وبما إن المدّ الإسلامي هو السائد في المنطقة العربية والإسلامية ، فليس هناك خطر اكبر من خطر الشرعية الدينية التي يوفرها النظام السياسي الإسلامي الشيعي للتمرد على الدكتاتورية ، وعليه فليس أمام أباطرة اللحظة من رؤساء جمهوريات الدول العربية الحديثة إلا الالتجاء للسلفية الإسلامية القديمة الحديثة للدفاع وباسم الشرع عن وجودهم القائم ، لذالك اتجهت هذه النظم وبالتفاف قوي -النظام المصري والآخرين منهم نموذجا- من وجهتها العلمانية الداعية لقتل الدين وعزله تماما عن الحياة السياسية إلى استحضار الدين ودفعه لمواجهة الفكر السياسي الشيعي القادم بخطر التمرد والثورة على السلطة الدكتاتورية القائمة ، ولا شيء سوف تخسره هذه النظم الدكتاتورية بهذه العملية الخطيرة ؟!.
إلى هنا يمكننا القول إننا وضحنا ماهية اللعبة الحقيقية بين هذه النظم السياسية القائمة في المنطقة العربية وبين مووالإسلامية.الشيعي والخطر الإسلامي الجديد المسمى بنشر التشيع في المنطقة العربية والإسلامية ، ولاحظنا إن تفكير هذه النظم كان منحصرا في التفكير في خطر هذا التشيع من الناحية السياسية وليس من الناحية الدينية فهذه النظم السياسية للمنطقة العربية بالخصوص هي ليس فحسب تمقت الدين وتزدري كل مظاهرة الرجعية فحسب بل وتسعى جاهدة للتخلص من كل ما هو ديني أو طائفي أو باقي العناوين التي تحد من رغباتها في التسلط وعدم المسؤولية والإشارة لمفاسدهم المستشرية والعفنة ، لنخرج بنتيجة مفادها : إن التشيع وتمدده المفتعل ما هو إلا محاولة يائسة من النظم العربية الدكتاتورية القائمة للحفاظ على مكاسبها القائمة فحسب ، وأي تهديد شيعي أو سني أو يهودي أو مسيحي أو رحماني أو شيطاني ، ديمقراطي أو دكتاتوري ....، سيجابه وبعنف وتطرف ودموية لا نظير لها من قبل هذه النظم الملكية والجمهورية العربية القائمة في منطقتنا العربية والإسلامية .