الثلاثاء، ديسمبر 22، 2009

(( فراشة الدمّ الحسينية في العراق ؟!)) حميد الشاكر


في بداية حياتي عندما كنت طفلا ابتلاني الله بقارئ حسيني (ملا) يترك كل اعماق الثورة الاسلامية الحسينية واهدافها وعظيم تضحياتها وكيفية امتداداتها الرسالية ......الخ ، ليطرح موضوعا واحدا عن هذه الثورة العملاقة الا وهو (غدر اهل العراق بالحسين واهل بيته) ثم بعد ذالك لايترك هذا المُقرء الحسيني الطيّب حجرا على حجر لاهل العراق في شتمهم ودنائتهم وطباع الغدر فيهم ولعنة الله عليهم ودعوة الحسين بتدميرهم ، وكيف ان دعوة الحسين تلاحقهم الى يوم القيامة ....الخ وهكذا حتى اننا كنّا كاطفال وفي بداية تشكيل ثقافتنا الحسينية من القرّاء كان لايبقى مؤثرا في داخلنا من الثورة الحسينية الا دراما الغدر وكيفية انها هي الجرم الاعظم في الثورة الحسينية لاهل العراق قاتلي الحسين وذريته الذين ادعّوا التشيع والنصرة للحسين ثم بعد ذالك انقلبوا عليه ليقتلوه ليتبيّن فيما بعد انهم كانوا هم الوحيدين في العالم الذي لهم ثأر مع الحسين واهل بيته وليس يزيد ولابني امية ، وعلى هذا حفروا حفرة اسمها البيعة للحسين ليسقط بها الحسين في كربلاء ويقتله اهل العراق هو واهل بيته واطفاله واصحابه شرّ قتلة !!.
طبعا مولانا القارئ الحسيني رحمه الله انذاك لم يكن يفتري على اهل العراق ، بل هو اخذ من تواريخ احداث تؤكد على خيانة اهل العراق للحسين ع ، وبما ان بشاعة الغدر بالكريم تستحلب العاطفة وتعتصر الالم والدمعة وخصوصا من شعب كالشعب العراقي العربي القبلي الذي يرى جميع الجرائم تغتفر ماعدى جريمة الخيانة والغدر ، فعلى هذا الاساس كان مقرؤنا الحسيني شديد التعلق بحكاية غدر اهل العراق ، وخيانتهم للحسين ، التي تتفاعل معها المشاعرية الشعبية العراقية الى حدّ اللطم على الرؤوس على اجدادهم العراقيين القدماء ، وكيف انهم كانوا من الانحطاط بحيث قتلوا وغدروا ، وخانوا سيد شباب اهل الجنة وابن رسول الله محمد ص ، وابن فاطمة وعلي بن ابي طالب ع ايضا !!.
بقت هذه الثقافة الحسينية في داخلي الى اليوم ،ولكن في منتصف الطريق عندما فتح الله سبحانه لنا التفكير قبل ان تتعقد كل حياتنا من اهل العراق سألت مقرءا حسينيا آخر ورث القراءة الحسينية من قارئنا القديم بكل تفاصيلها ، بما في ذالك انتقامه من العراقيين القدماء : مولانا هو من قتل الحسين على الحقيقة يزيد بن معاوية وبني امية أم اهل العراق ؟.
فاجابني وهو مبتسما ابتسامة العبقري الذي يريد ان يوصل النظرية العملاقة لطفل صغير : ابني التاريخ يحدثنا ان كتب اهل العراق جاءت للحسين تدعوه للبيعة والنصرة ، ثم بعد ذالك غدروا به وقتلوه ، ولولا كتب اهل العراق لما اصاب الحسين ما اصابه ولما كانت عاشوراء كربلاء !!؟.
سألته مرّة اخرى وكأنما هذا الجواب استولد مئة سؤال اخر في داخلي لاقول له بحرقة: مولانا كيف من جانب حدثتنا بالامس ان الرسول اخبر اصحابه بمقتل الحسين بارض يقال لها كربلاء ،وام سلمة كانت لديها تربة من تراب الحسين وعلي بن ابي طالب عندما مرّ بارض الطفّ نادى صبرا ابا عبدالله ، واليوم تحدثنا على انه لولا كتب اهل العراق لما حدثت كربلاء ؟!.
ثم كيف بالامس تحدثنا عن تاريخ كتبه السلاطين الظلمة ووعاظهم ، وان معظم التاريخ كان تاريخا سياسيا كتب بالضد من اهل البيت وخطهم وانصارهم وشيعتهم ، واليوم تحدثنا بالوثائق التاريخية التي تدين شيعة الحسين من اهل العراق وتتهمهم بقتله والغدر به وكأنها قرءان منزل من السماء لايمكن الشك فيها وفي نوايا كاتبيها ؟.
اليس نقلك لتاريخ اعداء اهل العراق ، والقاء تبعة جريمة قتل الحسين ، واهل بيته على العراقيين يعدّ حيلة سياسية تاريخية ليضرب بني امية عصفورين بحجر واحد ، الاول هو ابادة اهل البيت وقتل ذرية الرسول وسيد شباب اهل الجنة الحسين ابن علي ع والتخلص من خطره سياسيا ، والثاني التنصل من تبعية هذه الجريمة والقائها على عاتق انصار الحسين وشيعته من اهل العراق بحجة الكتب وطلب النصرة من الحسين ، وبهذا تكون الخطة محكمة والمقتول يصبح هو القاتل تاريخيا ؟.
وهل هذا الا كما روّج الامويون في كتب التاريخ عندما استشهد عمار بن ياسر بين يدي امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع حيث كان مقتله مفزعا لاهل الشام بسبب ان رسول الله ص قال لعمّار تقتلك الفئة الباغية ، وعندئذ ابتكر الامويون فكرة : ان قاتل عمّار ليس من ذبحه بالسيف وانما من اخرجه للقتال !؟.
يقصدون بذالك ان قاتل عمّار هو علي بن ابي طالب وليس الفئة الباغية من ال امية !!.
فهل ثقافة القاء تبعية استشهاد الحسين على شيعته من اهل العراق الا هي نسخة مكررة من ثقافة الامويين التي تقتل القتيل وتمشي بجنازته ؟.
أم انه بالفعل كما تفضل حضرتكم لولا اهل العراق كشيعة للحسين لما كانت كربلاء ؟.
ثم اخيرا اليس جنابكم الكريم وغيركم من حملة فكرة (ترويج ثقافة اهل العراق كقتلة للحسين) تسدي خدمة لم يكن ينتظرها الامويوين في دمشق ابدا ، بحيث ان ذكائهم السياسي استطاع ، ليس فقط قلب الحقائق ، وقتل الحسين مرّة اخرى في تدمير صورة شيعته من اهل العراق لاغيربل انهم تمكنوا ايضا من اختراق شيعة اهل البيت انفسهم ،بفكرهم وثقافتهم ليرّوج هؤلاء انفسهم الى ان القتلة للحسين ليس هم الفئة الباغية من ال امية بل هم نحن الشيعة انفسنا ، وبذالك نال الطغاة وسام البراءة من الجريمة ، وحمل الضحايا وزر كل شيئ ؟.
الا ترى معي مولانا الكريم ان قرائتكم للتاريخ ينبغي ان تكون بوعي اكبر بكثير من مجرد نقل للنصوص التاريخية ، لتكون قراءة مابعد النصوص التاريخية لنحكم على ثورة الحسين بما تستحق وندرك اهدافها بوضوح والى اين هي كانت تتجه بالواقع والحقيقة وليس الى اين نحن نريد ان نقودها وكيف نحن نريد ان نطرحها بصورة عاطفية لاغير ؟.
يامولانا ثقافتكم هذه التي تطرحونها ليس فقط دمّرت امة لم تزل تعطي الاضاحي الجسام من اجل الحسين والاسلام ، ولولاها لما كان للحسين ع اسم ولارسم بين العالمين اعني اهل العراق ، ومع ذالك لم تنل من ثقافتكم المرّوجة منبريا و...غير اللعن والادانة وتحميل وزر حقبة لم يكن لهم فيها لاناقة ولاجمل باعتبار ان تلك امة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسألون عن اصحاب الجحيم حتى اصبح الاعراب الاجلاف من النواصب لاهل البيت اكثر احتراما تاريخيا باعتبار انهم لم يشاركوا بجريمة الانسانية من شيعة اهل البيت من اهل العراق ؟.....الخ .
لم يأخذ كثيرا مقرئنا الحسيني القديم الطيّب بالتفكير ، ليدرك ما ارمي اليه من اسألتي ، الا انه وبسرعة شعر ان في اسألتي مايهدد صنعته التي لايعرف غيرها في الحياة والتي من الصعب اعادة النظر في ثقافتها من جديد ، لاسيما ان قارئنا الحسيني قضى خمسين سنة من عمره الطيّب وهو يحفظ بالاشعار التي تدين غدر اهل العراق وقتلهم للحسين وسبيهم لعياله ، وغير مستعد لان ينفق خمسين سنة اخرى ، وينتظر نتائج التفكير بمثل هذه الثقافة التي يحملها ، والتي يتقوّت منها معاشيا بنفس الوقت ، وعليه اغلق الحوار بسرعة وانتهى الموضوع ، ليقول ليّ لاعنصرية قومية في الاسلام !!.
جزالك الله خير ، قلت عندئذ !!!.
انتهى الموضوع لمقرئنا الحسيني لكنّ اسألتي لم تنتهي ابدا لهذا اليوم ؟!.
على اي حال هذه قصة من الاف القصص حول(الحسين واهل العراق) التي يرّوج لها ثقافيا من خلال التاريخ العربي المكتوب والذي يُعرف انه كتب خدمة للسلاطين وارباب الخلافة والسياسة ، وعلى هذا الاساس فليس من المعقول او الممكن ان نجد في تاريخنا من يشير بصراحة لحادثة ثورة الامام الحسين بلا ان يداهن السلطة ، ويتكئ على الاضعف في المعادلة لتكوّر كل جريمة الطفّ الحسينية الكربلائية برأس اهل العراق ، مرضاةً للسلطان وتأديبا لاهل العراق ، كي لايقوموا من جديد بصناعة ثورة ضد سلطان جائر قائم !!.
ان مايدعونا اليوم لقراءة ثنائية (الحسين مع اهل العراق ) هي ليست تلك الدوافع التاريخية السياسية القديمة المكتوبة ،وهي ليست تلك ايضا الدوافع الفكرية الساذجة ، التي تبحث عن تحريك العاطفة في قضية الثورة الحسينية بدلا من تحريك الفكر والعقل ، والاستلهام لهذه الثورة على اساس انها ثورة وجدت لالتقبر في ارض كربلاء في العقد السادس الهجري ..لا بل كي تكون ثورة الاجيال الاسلامية اللاحقة ،التي جاءت بعد الحسين لترى الحسين ع في كل لحظاتها وهو يسير خطوة بخطوة مع الزمان والمكان والتجدّد كل يوم حتى لحظة الناس هذه والى ان يرث الله سبحانه الارض وماعليها !!.
بمعنى اخر يجب ان تقرأ الثورة الحسينية بمجمل اهدافها ومعانيها وايحائاتها ..الفكرية كقراءة النص القرءاني بالتمام والذي فيه طبعا لانصادر الواقع والناس والاحداث واسباب النزول ..الخ التي تَحرّك النص القرءاني من خلالها لفهمه وادراك مراميه واهدافه ، ولكن مع ذالك ايضا لانقيّد النص القرءاني بهذا الواقع ونرهنه فقط في عطائه للحظته الراهنة ، بل هو في عطائه الفكري نصٌ فيه امكانية العطاء المستمرّ والمتطوّر مع حياة الانسان ومتغيراته ، وهكذا الثورة الحسينية اختلافها عن غيرها وعظمتها في نفسها انها ثورة حدثت في حقبة زمنية معينة الا ان عطائها الحسيني الاسلامي الالهي رُسم له كي يكون عطاءً متجددا متطورا متغيرا ، ويحمل اهدافا ومضامين بسعة حركة الحياة والانسان والزمان والمكان والتاريخ الى ان تقوم الساعة وتنتهي البشرية من هذا الكون الجميل !.
ومن هنا وعلى اسس هذه الرؤية المستقبلية للثورة الحسينية يكون اول سؤال يتبادر الى اذهان القارئين للثورة الحسينية في ثنائية (الحسين واهل العراق إنتصار ام هزيمة) هو سؤال : مالذي رآه الحسين عليه السلام تخطيطيا مستقبليا... من انتصار لثورته الاسلامية العظمى عندما وجد في اهل العراق ضالته ، التي كان يبحث عنها ليكون هذا الوطن وهذا الشعب هو نواة تحركه الثوري الاسلامي العظيم ؟.
بمعنى اخر : معروف ان اي صاحب ثورة عملاقة كالامام الحسين ع ،الذي يدرك انه يحاول تغيير مجرى تاريخ امة إسلامية وبشرية فيما بعد ، انه ودائما يبحث عن اسباب النصر لثورته العالمية تلك ، وليس من المعقول ان قائدا كالامام الحسين ع ينتخب ارضا وشعبا كالعراق وشعبه ليتحرك نحوه كي يكون وتكون هذه الارض المثوى الاخير لثورته ، وهو يدرك ان هذه الارض وهذا الشعب ، وهذا ..غير صالح بالمطلق لحمل هذه الثورة او المحافظة على نواتها في تربته البشرية الخصبة حتى تثمر وتورق وتصبح شجرة وارفة الاوراق فيما بعد !!.
لا.....لايمكن لقائد كالامام الحسين ان ينتخب ارضَ معركةٍ تكون فيها الخسارة محتّمة والهزيمة كالشئ المفروغ منه بطبيعة الحال ، وكذالك لايمكن لقائد يرى في ثورته المستقبل والاستمرارية والديمومة والحياة الابدية ......، ثم بعد ذالك يتوجه الى شعب فيه جميع اسباب الضعف والوهن البشرية بادية والتي تنبئ عن عدم صلاحية هذا الشعب لتحمل المسؤولية والاستعداد للصبر والتضحية وصيانة الامانة بعد الحسين واستشهاده الحتمي حسب المخطط الحسيني الالهي نفسه !؟.
نعم الحسين ع كان قائدا مفكرا على مستوى الاسلام ، ووعيه لحركة البشرية المستقبلية الاتية فيما بعد ، ولهذا ربما لايدرك الكثير ممن قرأوا الثورة الحسينية اليوم ، ان الحسين القائد كان يفكر بنتائج ثورته الاسلامية المستقبلية العظمى ،اكثر بكثير من تفكيره الآني المقيد بحقبته المعاشه اللحظية كما حصل مثلا لعبد الله ابن عباس وابن عمر وابن الحنفية .....عندما كانوا يرون اللحظة وينصحون بعدم الثورة او التوجه للعراق ،ولكنهم لايرون المستقبل كالحسين ع ، ومن هنا وقع الكثير ممن قرأ الثورة الحسينية على اساس انها فقط ثورة آنية لحظية تاريخية قديمة مقيدة ..بخطأ القراءة الواعية والمتساوقة فعلا مع فكر مخطط وقائد هذه الثورة الاسلامية الحسينية العظيمة ، وما كانت اهدافه المستقبلية انذاك لثورته هذه ، فقرأوا الثورة بلحظتها ليقرأوا فيما بعد جميع مفرداتها اللاحقة ايضا مع لحظة الحدث الآنية القاصرة الرؤية ، وليروا فيما بعد اهل العراق ، والوطن العراقي والناس انذاك ... والحكم القائم الاموي ، وكل ذالك على اساس تلك الرؤية الضيقة المحدودة والميتة بالفعل !!.
أما الحسين ابن علي ع قائد الثورة ومنفذ المخطط ، ومصمم الانقلاب الكبير في الرؤية الاسلامية ، فقد كان فكره وتخطيطه ورؤيته وحركته وتطلعاته .... كلها ترنوا نحو المستقبل ، نحو مابعد الشهادة ، نحو مابعد الحسين نفسه ، وعلى هذا كانت كل حركة الحسين ع وانتخابه لارض المعركة ،وللوطن الذي ستقام فيه هذه الثورة وتبذر بذرتها ، وللشعب الذي سيكون هو صاحب الامانة الذي يتحمل مسؤولية الحفاظ على الثورة ومبادئها واحيائها كل يوم ....مبنية على هذا الاستشفاف للمستقبل ، باعتبار ان ثائرا كالحسين عالما بشهادته موطنا نفسه واهل بيته على استقبال البلاء وكربه بكل ما سوف ياتي به لايمكن ان يمني نفسه وغيره بالانتصار المادي العسكري المحدود في ارض المعركة التي هي من الاساس محسومة النتائج المادية ، كما ان قائدا كالحسين ايضا لايمكن ان ينتخب شعبا وشيعة ووطنا كالعراق ، وهو لايعلم المخبوء من القوّة في هذا الشعب للمستقبل القريب والبعيد وكيفية ان يكون هو الحاضن المستقبلي للقضية والثورة الحسينية فيما بعد ؟!.
ان من مميزات الثورات الاستشهادية ،اي التي تكون فيها الثورة من اجل الشهادة وليس من اجل النصر العسكري والسياسي المادي كالثورة الحسينية ، يكون قادتها عادة يفكرون في انتصار مابعد الشهادة ولايفكرون في انتصار ماقبل الشهادة ، ولهذا عندما نقول ان الحسين ابن علي ع انتصر بثورته على يزيد بن معاوية والظلم والاستبدادفنحن لانخالف المنطق والواقع الذي حدث بالفعل من منطلق هذه المقاييس والموازين الاستشهادية للنصر ، والهزيمة وليس من خلال مقاييس ، وموازين النصر والهزيمة على المقررات المادية العسكرية الانيةونعم في ارض المعركة الآنية كحدث تاريخي قد انتصر جيش يزيد على جيش الحسين عليه السلام ولكن في موازين الشهادة ومقاييس التضحية قد انتصر الحسين بالفعل على يزيد بحيث اصبح الحسين ع بعد استشهاده بطلا اسطوريا عالميا محترما له انصار وذكر وقداسه ، بينما ذهب يزيد الى مطاوي النسيان ومزابل التاريخ في تقييمه والاعتراف له بتحقيق نصر ما في هذه الحياة الدنيا والاخرة !!.
ان هذا المقياس والميزان (ميزان ومقياس الاستشهاد والتضحيةالحسني) هو المقياس والميزان الذي على اساسه بنا الحسين ع كل اختياراته وكل مخططاته وكل حركاته وسكناته ، وبما في ذالك طبعا اختيار الحسين للعراق واهله كي يكونوا انصارا لثورته ونواة لدولته وملجأ لعصبته وكينونة لفلسفته وثورته ، وكل هذا حسب مقياس وميزان الشهاده وليس حسب مقياس
وميزان الحياة المادية اليزيدية الفانية !!.
ومعنى كون الحسين ينتخب العراق واهله كي يكونوا نواة لثورته ، فمعناه ان الحسين كان ينظر للعراق واهله على اساس القوّة الثورية الكامنة مستقبليا في داخلهم ،والصالحة لتحمل مسؤوليات ثورته والحفاظ عليها وادامة الحياة لها رغم ماسوف يعانيه هذا الوطن والشعب من محاصرات سياسية واخرى طاغوتية ترى في الحسين وثورته الخطر الاعظم على دكتاتورياتهم وطاغوتهم وتفرعنهم السياسي القائم !.
نعم لو كان العراق واهله غير صالحين ولامهيئين لتحمل نواة الثورة الحسينيةاوانهم لايمتلكون التربة الاجتماعية التي سوف تحيي من ثورة الحسين مابعد استشهاده وهذا هو الميزان الحسيني الاول وتنقلها للاجيال اللاحقة من المسلمين لكانت هزيمة الحسين ع محققة ، وكذا هزيمة ثورته لاريب فيها ، واكثر من ذالك لكان اختيار الحسين ع نفسه غير موفقا للارض وللشعب الذي سوف يودع عنده ثورته كي تثمر بعد استشهاده وليس في حين الثورة او قبل اوانهاوهذا مالايقوله صاحب عقل وضمير بغض النظر عن مؤمن بالحسين يرى في اختياره لارض المعركة والشعب الذي يأتمنه على ثورته و ...قمة النضوج والنظرة المستقبلية الالهية العميقة ؟.
ومن هنا نحن نقول : ان اختيار الحسين لاهل العراق ووطنهم كي يكونان مهبط ثورته ونواة فكرته والمثوى الاخير لشهادته لم يكن ناظرا ابدا للحظة الانية الحدثية التاريحية المحترقة بفعل الشهادة ، وانما كان اختيارا ناظرا للعراق واهله على اساس مايكمن داخلهم من استعداد فكري واجتماعي وروحي ونفسي وعقلي ....تفجرّ فيما بعد الاستشهاد الحسيني وثورته تلقائيا ليؤكد ان هذا الشعب وهذه التربة وهذا الوطن هو الوحيد الموجود في هذا العالم الذي يستطيع ان يحمل امانة الحسين وثورته واهداف استشهاده بعدما عجزت جميع بقاع الارض ومطارق السماء على حمل هذه الامانة !!.
نعم العراق واهله وحدهم الذي رأى فيهم الحسين القوة التي تستطيع ان تحافظ على الثورة وتحيي الدماء الزكية وتناضل من اجل عدم قبر الفكرة وتعطي الكثير من اجل عدم التنازل عن الشهادة والحسين بعد استشهاده ولولا هذا اليقين الحسيني الذي رأى انه لاامين كهذا الشعب ولا ارض كهذا الوطن ، لما فكر للحظة ان يأتي للعراق واهله ليغامر بثورته ودماء بيت النبوة وشهادتهم واهداف نهضتهم للعراق ليستشهد فيها ثم بعد ذالك تقبر ثورته وينقلب اهل الوطن على تراثها لتمحى من الوجود ، وعندئذ من حق العالم ان يتيقن بهزيمة الثورة الحسينية على يد الظلمة والمتفرعنين ليس لانها غير محقة ، ولكن بسبب ان الارض التي تفجرت عليها والشعب الذي من اجله سالت دمائها لم يحافظوا على حياة هذه الشهادة ونضال هذه الثلة من انصار الحسين وهذه الثورة ، وهذه هي الهزيمة الحقيقية للحسين وثورته !.
الحقيقة منذ ان تفجرت الثورة الحسينية على الارض العراقية وبين اهلها ولهذا اليوم ،لم يتوانا اهل العراق في خدمة النهضة الحسينية وتراثها وادامة الحياة لها ، بل كانوا بالفعل ورغم طغيان الطغاة واستبداد الساسة والخلفاء والسلاطين في الاسلام عليهم ونقمتهم كذالك من التفاف هذا الشعب وهذا الوطن حول الحسين وثورته مع ذالك لم يثني الظلم والاستبداد ابدا الشعب العراقي على ان يكون جبلا شامخا قويا عصيا في الوفاء للحسين وثورته وشهادته ، ولااعلم ان شعبا اعطى من التضحيات ونالته من المآسي والمصائب في حب الحسين واحياء اهداف ثورته كما نال الشعب العراقي ووطنه ، وبالفعل يمكننا هنا ان نقول ان اختيار الحسين لارض معركته كان موفقا مئة بالمئة ، اذ لولا انه كان صاحب رؤية الاهية مستقبلية عميقة لما كانت له هذه الندرة بالقرار عندما فضل على جميع ارض الله الواسعة العراق واهله فحسب ليكون العراق موطنه الاخير وشعبه شيعته الذين يحملون الامانة والراية من بعده والذي اعتقد انها نفس الامانه التي عرضت على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها وحملها الانسان العراقي انه كان ظلوما جهولا !!.
ان اختيار الحسين للعراق واهله ليكون نهاية شهادته ومحط ثورته ونصرة فكرته لم يكن اختيارا في جانب واحد من جوانب حياة العراق والعراقيين فحسب ، فلم يكن اختيارا سياسيا فحسب ، ولاهو فقط اختيارا عاطفيا روحيا فغير ، بل كان اختيارا شاملا للعراق واهله ،فهو اختيارا فكريا وفلسفيا عقديا لما عُرف عن اهل العراق وتفلسفهم الفكري ، وكذا هو اختيارا سياسيا ايضا لما عُرف عن العراق واهله بانهم اول من اقام الدولة وسنّ القوانين وادار الدول والمجتمعات الحضارية ،وهكذا اختيارا اقتصاديا ، فمعروف ان اهل العراق اهل كرم وشيمة عربية بحيث انك لو زرت العراق في العاشر من محرم لوجدت العراقيين يبيعون ثيابهم من اجل نصب اكبر مأدبة طعام بشرية تمتد بطولها من جنوب العراق الى نقطة الحسين صاعدا ومن شماله نولا الى كربلاء جنوبا بحيث انك تعجب من هذه المائدة وكيف انها لاتعتبر اطول مأدبة طعام بشرية تنصب في العصر الحديث طولا من اجل اطعام زوّار الحسين واينما وجدوا !!.
ان العراقيين ينصبون مضائفهم على طول العراق وعرضه خدمة للسائرين للحسين وزواره ومحبيه ، فانا اتساءل هنا : فهل سيقع هذا الكرم والايثار والتضحية بالمال في اي مجتمع تجاري اليوم ، لو كان الحسين بغير ارض العراق وبين اهله ؟.
أم ان الحسين عندما اختار هذا الوطن وهذا الشعب لعلمه بخصال الايثار الاقتصادي بهم ، وكان يعلم ان ليس هناك شعب في الدنيا بامكانه ان يقيم مأدبة للحسين تخدم ثورته وشهادته بهذا الجنون في العشق والحب الحسيني الذي لاهل العراق !!!؟.
ولهذا نحن نقول : ان اختيار الحسين لاهل العراق ووطنهم لشهادته كان ذكيا جدا !!!.
وهكذا هو كان اختيار الحسين ع للعراق واهله يستهدف الجانب الروحي والعاطفي والنفسي ايضا لاهل العراق ووطنهم ، لما عُرف عن عاطفة هذا الشعب وانها نار ملتهبة لاتهدأ ابدا ، وانها ان وظفت لقضيةٍ وشهادة كالشهادة الحسينية فانها ستدمر الدنيا بكائا وعشقا وتولها روحيا وشعريا وادبيا وروحيا وفنيا وموسيقيا وغير ذالك !!.
نعم وكذالك اختيار الحسين للعراق واهله اجتماعيا ، فالمجتمع العراقي كان ولم يزل مجتمعا معقدا جدا بعلاقاته وظواهره الاجتماعية التي تجمع جميع متناقضات الدنيا ومتوالفاتها ، ومن النادر وجود مجتمع متنوع بظواهره الاجتماعية وتناشزاته المزاجية كالمجتمع العراقي ، فهو متماسك ومترابط واسري وقبلي الى حدّ الموت ، وفي المقابل المجتمع العراقي متحرر ومتمرد ومنفلت الى حدّ الجنون ، وهكذا مثل هذا المجتمع هو الوحيد الذي يستطيع استيعاب تعقيدات الثورة الحسينية وتناشزاتها وتوالفاتها الغريبة والعجيبة بنفس الوقت !!.
الخلاصة : ان اختيار الحسين للعراق واهله كان اختيارا حسينيا الاهيا مدروسا ومخططا تخطيطا رساليا الاهيا غيبيا حسينيا وهذا هو مايشرح لنا كقارئين للثورة الحسينية كل المفردات لهذه الثورة التي مرّة تراها غيبية الاهيا فيقال لنا ان استشهاد الحسين في الارض العراقية هو امر الاهي غيبي بامتياز مكتوب على لوح العرش ، ومرّة اخرى يحدثنا التاريخ ، ان الرسول محمد ص بشرّ بشهادة الحسين واقام مأتمنه وهو طفل لم يزل في السابعة من عمره ، ومرّة ثالثة يحدثنا التاريخ ان شهادة الحسين في ارض العراق كان لايعلمها حتى عبد الله ابن عباس وامثاله من البيت الهاشمي الذي اشار على الحسين ع ليذهب الى اليمن ويعتصم بالجبال ويعلن ثورته من هناك ؟!!!!!.
ياترى هل فعلا كانت هناك ارضا تصلح للحسين وثورته بعد كل ماذكرناه غير ارض العراق وشعبها ؟.
ام ان العراق خلق للحسين والحسين وشهادته وثورته خلقوا للعراق فحسب ؟.
على العراقيين اليوم ان يدركوا :(ان اختيار الله والحسين ومحمد ص والقدر والسماء والارض لوطنهم كي يكون منبت شجرة الثورة الحسينية ومثوى جسده الطاهر والشريف ومهوى افئدة العالمين من شيعة الحق والعدل ....اكبر دليل على خطرهم في هذه الحياة الدنيا وثقل المسؤولية التي يحملونها على عاتقهم والتي وضعها الله بعدله والحسين بشهادته حيث يضعون الشئ في موضعه والعراقيون لو لم يكونوا اهلا لهذه المهمة لما شرفهم الله بحملها ولما فكر الحسين بارضهم فليصحوا من غفلتهم ولايلتفتوا لمقالات اعدائهم ، وليدركوا ان الحسين اعظم حرمة ملايين المرات من حرمة الكعبة وبيت الله الحرام ، فليعملوا بهذه الذهنية وليوطنوا نفوسهم لهذا الهدف الاسلامي الانساني البعيد ، وليدركوا انهم النواة التي منها المبتدأ واليها المنتهى والسلام ).!!!!!!
_____________________________
alshakerr@yahoo.com