الاثنين، مارس 08، 2010

(( ماهو سرّ عظمة وعمق التشيّع في الاسلام ... التركيبة ؟!.)) 2/2حميد الشاكر

في (( نشأة التشيّع )) ذكرنا ان هذه النشأة هي بناء الاهي مقدس ، وهي الصنو الاخر لرسالات السماء الاسلامية جميعهامنذ ادم وحتى خاتم الرسل والانبياء العظيم محمد ص بل وهي التوءم الذي يشكل مع الرسالة الالهية الكمال والتمام والنعمة السماوية المقدسة ، في قوله سبحانه :((اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا / المائدة )) لجميع بني البشر باعتبار ان التشّع هو الاطار للامامة بعد النبوة مما يدفع اي متلقي لمثل هذه الرؤية حول أصل التشيّع ان يسأل :هل يعني هذا ان التشيّع شئ مختلف عن الاسلمة او الاسلام في هذا الدين الخاتم ؟.


أم ان التشّيع هو هو الاسلام المحمدي الالهي نفسه لكن بتركيبة مختلفة ؟.



بمعنى آخر انتم تذهبون الى ان التشيّع ، وحسب الرؤية التي تتبنونها ، هو خط ثاني متحرك مع الرسالة السماوية بنفس السرعة والاتجاه والهدف وهو ذو مفهوم وتواجد مع جميع الرسالات والنبوات الماضية الاّ انه وليد الرسالة وامتداد لها لاغيرفهنا من حقنا ان ندرك تركيبة هذا التشيّع ، وهل هو صاحب تركيبة مختلفة عن تركيبة الرسالة الاسلامية الخاتمة التي لو فرضناها بلا خط للتشيّع داخلها سيصيب المسيرة الارتباك ؟.

أم ان هذا التشيّع لايمتلك اي اضافة مختلفة لهذه الرسالة وهذا الاسلام ، وان وجوده وعدمه سيان بالنسبة لاصل الرسالة والدين والنبوة والاسلام ؟.!!.



في الحقيقة ان القول بإن وجود التشيّع من عدمه لايضيف ، او يربك البناء الاساسي للاسلام والدين هو قول يشبه الدوران في حلقة مفرغة اولها مثل اخرها في البحث بالتمام ولكنّ الجواب اذا كان :نعم ان للتشيّع اضافته ولمسته المختلفة دوما مع الرسالات والنبوات حتى اخر رسالة وخاتمتها الاسلام العظيم فبهذا يمكن مناقشة مفهوم التشيّع في الاسلام ، واضافة هذا التشيّع للاسلام ، واختلاف تركيبة هذا التشيّع للاسلام ، وكيف ان اسلاما بلا تشيّع يعني اسلاما بلا تمام ولاكمال ؟،ولماذا لابد للاسلام من تشيّع ؟وكيف ينبغي لنا ان ندرك التشيّع من خلال الاسلام وندرك الاسلام من خلال التشيّع؟....الخ ومن هذاه المنطلقات الفكرية ، يحق لنا البحث في شئٍ اسمه تشيّع وانه ضرورة من ضرورات الرسالة الاسلامية الخاتمة في الادراك وفي المنهج والسلوك !..



نعم في البدأ ينبغي علينا ان ندرك، ان التركيبة الرسالية الاسلامية ، واختلافها عن تركيبة خط التشيّع ومساره في داخلها يرجع برمته الى إختلاف مفهومي (التنزيل) للشريعة والرسالة ، و(التأويل) لهذه الشريعة والرسالة !!.

بمعنى آخر : ان اختلاف تركيبة الرسالة الالهية ، عن تركيبة خط التشيّع داخل منظومة الرسالات الاسلامية الالهية الممتدة تاريخيا حتى رسالة الاسلام العظيمة ، هو اختلاف :



اولا : في التأسيس الاولي الفطري البسيط من جهة التنزيل ، بحيث يكون الرسول متلقيا لرسالات السماء ، ومبلغا لها بحذافير النص وكما ورد نازلا من السماء وبلا اضافة اي بعد ادراكي للنص ابدا(وما ينطق عن الهوى)!!.

بينما وفي خط التشيّع يكون دور ووظيفة ادراك هذا التأسيس بعمق والتنظير لابعاده ومفاهيمه وتصوراته المنفتحة لكل زمان ومكان من جهة التأويل هو تركيبة التشيّع في داخل الرسالة !!.



وثانيا : يقود خط الرسالة والنبوة المجتمع الانساني من خلال ظاهر النص الرسالي محاولا القاء بذرة الرسالة فقط داخل المجتمع ،والجهد في تثبيت وجودها الاولي فحسب ، بينما خط التشيّع وظيفته قيادة المجتمع من خلال التأويل للنص الرسالي والتطوير لمفاهيمه ومبادئه واهدافه وتطلعاته حسب تطورالمجتمع وولادة حاجاته الجديدةوالمتنوعة وليس ابقاء المجتمع فقط في مرحلة قيادته على ظاهر النصوص الرسالية او ارجاعه لقيادة نزول النص لاغير !!.





والفرق اذا اردنا صورة متكاملة بين خطي الرسالة والتشيّع في الاسلام ، وحسب التقسيم الذي ذكرناه انفا فيمكننا القول :ان تركيبة الرسالة لاتتخطى في وظيفتها الالهية عملية التنزيل وتبليغ هذا التنزيل للناس جميعا ،وتبيينه لهم حسب ما ورد اوليا ،ثم ترك عملية التأويل وبأمر الهي لتركيبة التشيّع باعتبارها الامتداد الطبيعي للرسالة السماوية وهي وليّة القيادة بعد الرسالة ،وهي التي ستقود المجتمع من خلال (فهم ) التأويل وليس من خلال (فهم ) التنزيل الرسالي الحلقة الاولى من الاسلام من منطلق (ان لكل زمان رسالي اسلامي تأويل في النص الرسالي الالهي ولكن ليس هناك لكل زمان ومكان نص رسالي اسلامي من التنزيل ) فالتنزيل الرسالي واحد لايتعدد ولايختلف ولايطوّر ولايعدّل ....، بينما هناك مالايحصى من التأويل الرسالي الذي يتساوق مع الزمان والمكان الى مالانهاية !!.



وهذه الفروقات الجوهرية بين خطي ((الرسالة والتشيّع )) هي مايفسر لنا ، ولغيرنا معنى ،ان يكون داخل الرسالة الاسلامية خطاً للتشيّع ، ومعنى قول الرسول وتبليغه عن الله بحق علي بن ابي طالب ع:(( انت وشيعتك في الجنة )) و (( هذا وشيعته هم خير البرية )) ، ومعنى قوله صلى الله عليه واله وسلم((ياعلي ستقاتل القوم على التأويل كما قاتلتهم أنا على التنزيل )) ،ومعنا قوله ص :(( انا مدينة العلم وعليٌ بابها )).....الخ وهكذا باعتبار ان ((علم التأويل )) هو علم مختصّ بخط التشيّع وقائده علي بن ابي طالب ع فقط اولا ، وانه علم يهب الاستمرارية الزمنية والمكانية ، والحضارية للاسلام ، ولنص الرسالة المنزل ،الذي لولا التأويل وخط التشيّع لاصيب هذا النص بالموت والجمود والتحجر والاندثار !!.



إن بعض اهل الاسلام من باقي المذاهب الاسلامية غير المتشيّعة ، لايدركون هذه المعاني الاسلامية الالهية لخط التشيّع داخل الاسلام ، ولايدركون ايضا مع الاسف الارتباط العضوي بين التشيّع والتأويل لرسالة السماء من جهة وبين الرسالة والتنزيل من جانب آخر، كماان الكثير من اهل هذاالدين لايستطيعون ادراك معنى قيادة الفهم الشيعي الاسلامي المؤول للتنزيل واختلافه عن معنى قيادة التنزيل لهذه الامة وكيف هي مختلفة ومؤثرة على حياتهم اليوم بصورة جذرية ؟.



إن التأويل الذي وضعناه كسمة بارزة لتركيبة التشيّع الاسلامي ،واختلافه عن تركيبة التنزيل في الرسالة ، هو في الواقع ادراك مختلف جذريا للدين والاسلام ومقاصده واهدافه وغاياته واليات عمله ....عن ادراك التنزيل الرسالي النبوي الاسلامي الابتدائي لهذه الشريعة ،فالتأول حسب المفاهيم القرآنية التنزيلية : هو الرجوع الى الاصل ، ومنه الموئل للموضع الذي يرجع اليه ، وذالك هو ردّ الشئ الى الغاية المرادة منع علما كان او فعلا!!.



وهو علم وعمل او فكر وسلوك ، مختلف عن التبيين والتفسير وباقي المصطلحات الاسلامية القرآنية العميقة التي اختصت بالرسالة والنبوة في قوله سبحانه :(( لتبين للناس ما نزل اليهم )) ، بل هو شئ خصه الله سبحانه باهل الرسوخ من العلم في قوله سبحانه :(( ومايعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم )) ، وما اشار اليه اهل البيت ع باننا نحن الراسخون في العلم ، ومادفع الرسول الاعظم محمد ص للاشارة لعلي ع بانه باب مدينة علم الرسول وانه هو المعني بقوله سبحانه :(( هل ينظرون الا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نردّ فنعمل غير الذي كنا نعمل ...)) !!.



وهو كذالك علم غير اكتسابي بل هو علم الاهي يندفع مع خط التشيّع الالهي وبجانب خط الرسالة والنبوة وهذا من منطلق ان علم وعمل التأويل ، هو بالفعل علم وعمل المؤيدين من قبل الله سبحانه وتعالى ولايمكن لاحد مهما علا اجتهاده الفكري ان يدرك التأويل في النصوص القرآنية وكيفية ارجاعها الى اصولها الحقيقية التي نزلت من اجلها وفي سبيل الوصول اليها والى غاياتها اجتماعيا اجتماعيا !!.



فتأويل (الشمس والقمر) بانهما نبي وزوجه ( مثلا ) علم لايختص بعملية الاجتهاد والاستنباط الفكري للبشر جميعا ولايتمكن احد من ارجاع مفاهيم الشمس والقمر ، لاصولها الحقيقية الا نبي او امام يتمكن بعلمه من الاطلاع على علم اللوح المحفوظ عند الله سبحانه وتعالى والذي يدوّن فيه علم المستقبل بالتحديد ، كما حصل في رؤية يوسف الصديق عليه السلام ، وارجاع يعقوب لرؤياه تلك الى انه سيملك ويسجد له الرسول النبي يعقوب وزوجه واخوته وبعد ان تمّ ذالك بالفعل قال القرآن على لسان الصديق يوسف ع :(( وقال يأبتَ هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا ..)) !!.



وهذا الفهم والادراك للتأويل هو مايجعله مختلفا عن الفهم والادرك للتنزيل ففي التنزيل كل البشر على مرتبة سواء بالادراك والاجتهاد نحوه ، بينما التأويل بحاجة الى قادة راسخون في العلم ، ويدركون كيفية ارجاع التنزيل للتأويل وقيادة المجتمع على غرار اوامره ونواهيه وهذا ماحصل بالفعل في حركة التشيّع الاسلامية داخل الاطار الاسلامي بقيادة علي بن ابي طالب ع واهل بيته من بعده الذي قال رسول الله ص عنهم قبل مفارقته للحياة ((اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وما ان تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي ابدا )) !!.



إن هذه الرؤية لخط التشيّع الاسلامي داخل الاسلام وكيفية تحركه من خلال (( التأويل )) لنص الشريعة والرسالة ومن خلال اختلاف تركيبته الاسلامية عن باقي تراكيب المذاهب الاسلامية الاخرى ،وبقيادة من ارادهم الله سبحانه ليكونوا امتدادا لرسالته السماوية المحمدية ... هذه الرؤية للتركيبة الشيعية ،هي ايضا التي تطلعنا على سرّ عظمة وعمق هذا التشيّع عن باقي مذاهب الاسلام وتوجهاتهم الاسلامية المختلفة ، ولماذا التشيّع الاسلامي هو متساوقا ومنسجما ومتسقا مع الحياة والانسان والزمان والمكان والحضارة ... مهما تغير وجهها وتطور ادائها ،بينما هناك من المذاهب الاسلامية من هو بدلا من ان يقفز الى المستقبل ليبحث عن الاسلام ، واذا به يرتدّ الى الخلف ليبحث عنه متحجرا فقط على نص التنزيل الاولي وليس تأويل التنزيل المستقبلي !!.



بمعنى : انه ربما يلاحظ اكثر الباحثين في جوهر المذهبية الاسلامية الموجودة اليوم على سطح الاجتماع الاسلامي ان هناك فرقا بين المذهبية الاسلامية الشيعية التي تتعامل مع الحياة ومستجداتها باذرعة مفتوحة ، وتساهم كذالك ليس فقط بقبول الحضاري الجديد في هذه الحياة ، بل واكثر من ذالك في تطوير هذا الجديد والتفاعل معه بدون ان تكون هناك اي اشكالية او تردد بين الاسلام الشيعي وهذه المستجدات العالمية الانسانية الحضارية المعاصرة !!.



وبين مذهبية اسلامية (( السلفية نموذجا )) اخرى منغلقة تماما عن كل ماهو جديد وحضاري ، وكل ماهو غريب ومبتدع ، من منطلق ان هذه المذهبية تعتقد ان معرفة الاسلام هي اساسا بالرجوع الى ((نص التنزيل )) الرسالي كما نزل في السابق ، والاخذ به وبتبيينه مثلما بيّن للناس قبل الاف السنين ، وهذه الارتدادة الى فهم النص النازل وسحب الواقع المعاش اليوم لادراك التنزيل هو الاسلام الحقيقي الذي ينبغي ان يقام هذه الايام وفي زمننا الحاضر لاغير ؟.

ليتسائل أولئك الباحثون عن السرّ الكامن داخل هذه المذاهب الاسلامية ولماذا هناك مذاهب اسلامية كالتشيّع تحترم العقل وتتفاعل مع الحياة ، وتجتهد في الدين وترحب ببناء الحضارة ، وتبني وتشيد وتزرع ، وتستقر وتنشأ ثقافة وتساهم المرأة وتقام الحياة ويتم البحث عن الاسلام وفهمه في المستقبل ؟!.

بينما هناك الاخر في المذاهب الاسلامية الذي يحاول جرّ البشريّة الى الخلف والعيش في زمن السلف ، والرجوع الى فهم التنزيل وحسب نصوصه فحسب بدون التفات الى تأويل ، ولا الى عقل ، ويعتمد الغزو ،والترحال والهجرة والانتقال ، وينظر الى الاسلام انه واقع تاريخي وليس مستقبلي ، وان الحضارة اليوم ، وبناءها بدع تناهض الدين والاسلام ووجوب الرجوع بالامة الى الخلف بدلا من قيادتها الى الامام ،وان المرأة مكانها البداوة ، وان الصحراء جنة الخلد في ارض الله ....الخ ؟.



كل هذا لايمكن لنا الاجابة عليه اذا لم ندرك تركيبة التشيع الاسلامية التي ذكرناه فيما سبق ، وكيفية اعتمادها على منهجية التأويل في الادراك الاسلامي ، وانها هي الادراك الوحيد الذي يضمن للاسلام ورسالته ونصوصه التنزيلية المرونة والتفاعل مع الحياة وتطورها وتلون وجهها مع الزمن !!.

وايضا كل ذالك ، في الاتجاه المعاكس ، لانستطيع ادراكه ،الا على اساس ان باقي المذهبية الاسلامية غير الشيعية وبسبب انها اعتمدت على خط الرسالة والتنزيل فحسب كقاعدة لادراكها للاسلام ورسالته ، اصبحت وهي متحجرة وميتة ولاتستطيع ادراك الاسلام الا من خلال الرجوع اليه والموت بقربه تاريخيا ، بينما في الجانب الاخر ترى ان التشيّع مع انه يمتلك الرصيد التنزيلي الرسالي للاسلام ويمتلك ايضا المرجعية التاريخية والقاعدة التي ينطلق منها رساليا ، الا انه لم يقف عند هذا الحد ، بل امتلك ايضا خط التشيّع الالهي بقيادة اهل البيت ع الذي يهب النصوص الاسلامية روحها ، ويقرن اليها تأويلها الذي يدفع بالاسلام مع الحياة ليسبق الحياة البشرية ومهما تطورت ليكون الاسلام والبحث عنه في الرؤية الشيعية هو في مستقبل الحياة ، وليس في تاريخها لتتحقق رؤية يوسف الصديق ع المتشيّع ليس الان في رؤيته لحلم السلطنة الاسلامية الكبرى ، وانما بعد سنين وسنين من رحلة هذا الحلم في قابل ومستقبل هذا التأويل للرؤية وليس فقط الوقوف عند تنزيل الرؤية لاغير !!!.

__________________________



alshakerr@yahoo.com