السبت، سبتمبر 24، 2011

(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 2 حميد الشاكر


عندما طرح السيد الصدر في تمهيدكتابه فلسفتنا فكرة ( المشكلة العالمية ) المعاصرة ليختصرها في انها مشكلة (( نظام اجتماعي ))عقبنا على لمسة الامام هذه ، بانها ليست مشكلة عالمية عصرية فحسب ، وانما هي مشكلة أزلية انسانية غارقة في القدم والى اليوم وذالك منطلقا من حاجة الانسانية الى النظام الاجتماعي في كل وقت ، وبحث هذه الانسانية الدؤوب للوصول الى التكامل فيه لضمان الحياة الافضل والاسعد !!.

والحقيقة ان السيد الصدر نفسه (( قدس)) هو مَن ذكر في تمهيده الفلسفي هذه الحقيقة حول مشكلة العالم ، والنظام الاجتماعي الاصلح باعتبار انهما مشكلة قديمة قدم الوجودالاجتماعي في حياة الانسان الفرديةعندما ذكر في تمهيده القول ((وهذه المشكلة عميقة الجذور في الاغوار البعيدة من تاريخ البشرية ...)) 1 !!.
أما كيف ان هذه المشكلة العالمية لنظام الاجتماع عميقة الجذور التاريخية ؟.
ولماذا كان النظام الاجتماعي مشكلة انسانية عالمية ؟.
وهل يعني هذا ان الانسان بدأ مسيرته البشرية على هذه الارض بلا نظام اجتماعي ثم تطور وجوده البدائي ليشعر بحاجته الى هذا النظام ؟.
أم ان حاجة الانسان للنظام الاجتماعي بدأت مع اول خطوة للانسان على هذه الارض وبلا فاصل زمني بين وجود الانسان ونظامه الاجتماعي ؟.
ومتى برزت مشكلة النظام الاجتماعي الاصلح ؟.
ولماذا اصبح النظام الاجتماعي الاصلح ضمان استقرار ، وتطور المجتمع وسعادته ؟.
وماهي المآسي ، والعذابات التي تترتب على شذوذ المجتمع وانحرافه عن نظام المجتمع الاصلح ؟.
فكل هذا طرحه الامام الصدر (( قدس)) في اول صفحة من تمهيده الفلسفي العميق !!.
نعم الامام الصدر وفي مواضع اخرى من فكره الشامل ومؤلفاته الاسلامية الكثيرة ( مثل المدرسة القرآنية ) تناول تاريخية اشكالية النظام الاجتماعي في حياة الانسان التاريخية واستند في ذالك على الرؤية التاريخية القرآنية التي تَرجع بمشكلة (النظام الاجتماعي) الى تاريخ اول تشكّل اجتماعي لهذا الانسان في هذه الارض ، والذي اسماه الامام الصدر رحمة الله تعالى عليه (بالانتقال من دور الحضانة والبدائية ، الى دور الوحدة وبعده دور التشتت والانقسام ) 2 !!.
او بلغة القرآن لصياغة مشكلة النظام الاجتماعي وتاريخهاالطويل في قوله سبحانه وتعالى(( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ..... / البقرة 213)) .
باعتبار ان دور الوحدة مثل دور البدائية ماقبل النظام الاجتماعي وحاجته ودوربعث الرسل لقيام الدولةوالسلطةبعدما تعقدت الحياةالاجتماعية سياسيا واقتصاديا ، وانزال الكتب كشرائع ونظم ، وقوانين تنظم من ادارة المجتمع المعقد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فيما بعد دور البدائية الساذج !.

او كقوله سبحانه في سورة الحديد / آية 25 / ، وهي تتحدث عن وظيفة الرسالة او القانون والنبوة او القيادة والسلطة التنفيذية في قيمومة النظام الاجتماعي في حياة الانسان بالقول (لقد ارسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط ...) . ، باعتبار ان النظام الاجتماعي المكون من القانون او التشريعات من جهة والسلطة او القيادة والدولة من جانب اخر كان غايته وهدفه هو اقامة العدل بين الناس !.

فهنا وفي الرؤية الاسلامية القرانية ، التي يتبناها الامام الصدر رض على اكثر من صعيد في تشكيل فكره الفلسفي والاجتماعي تتبلور مشكلة النظام الاجتماعي واهميته في حياة المجتمع وحاجة هذا المجتمع الانساني لهذا النظام على اساس انها مشكلة واجهت الانسان من اول لحظة في انخراطه التاريخي بما يسمى (المجتمع) كأطار فرضه على الانسان فطرته الانسانية من جهة وطبيعته الاجتماعية البشرية ، والاقتصادية والسياسية من جانب اخر !!.

اي ان الامام الفيلسوف الصدر عندما نوه الى ان مشكلة النظام الاجتماعي في تمهيده الفلسفي (( هي مشكلة عميقة الجذور ... من تاريخ البشرية )) فانه كان ناظرا الى تلك الابعاد الفكريةالتي يرسمها الاسلام لحركة البشرية وادوارها التي تنقلت بهابداية من حياة البدائية والتي اسماها الامام الصدر بدور((الحضانة )) والتي هي نفسهايصفها القرآن الكريم بدورة الوحدة في قوله سبحانه (( كان الناس امة واحدة )) على اساس ان حياة الانسان قبل بروز التعقيدات الاجتماعية المهمة كانت تسير وفق رؤية موحدة وبسيطة وفردية وساذجة وغير محتاجة الى تنظيم وقانون وسلطة وقضاء... وغير ذالك من حاجات المجتمع المعقدة ، قبل ان تنخرط هذه الانسانية فيما بعد بتعقيدات انشاء العلاقات الاجتماعية المعقدة قانونيا ، وسياسيا بعد انتقالها من مرحلة الفطرة الساذجة ، الى مرحلة التشريعات وانشاء السلطة وقيام المجتمع السياسي والاقتصادي ... المقنن ، والتي فرضت عليها ( اي على العلاقات الاجتماعية ) البحث ، والحاجة لنظام اجتماعي يقيم تلك العلاقات الانسانية وينظم من شأنها اجتماعيا !!.

وبعد ذاك جاء دور النظام الاجتماعي ، وبرز في حياة البشرية ، وتاريخها كمشكلة عالمية بحاجة الى حلّ وبحث بشري وتطلع لتنظيم علاقات مجتمع انتقل من الوحدة والبساطة والبدائية ، الى التزاحم والتعقيد والتدافع .... ولايمكن له السير والتعايش والبناء والاستقرار الا بوجود ما يُنظم علاقات المجتمع فيه الداخلية والخارجية ، ليضمن سير المجتمع على وتيرة واحدة ولغاية وهدف موحد ومعروف !!.
وحتى اليوم بقت الحاجة للنظام الاجتماعي ، حاجة لايمكن لاي مجتمع فيه تعقيدات اقتصادية واجتماعية وسياسية .... الاستغناء عنها ، او تصور ان يقوم مجتمع بلا نظام !!.
وعلى هذاالاساس بنى الامام الصدر رض تصوره لمشكلةالنظام الاجتماعي وتاريخها وخطرها وعمق مدلولاتها الانسانية بالقول :(( ومن الطبيعي أن تحتل هذه المشكلة مقامها الخطير ، وان تكون في تعقيدها ، وتنوع الوان الاجتهاد في حلها مصدرا للخطر على الانسانية ذاتها ... )) 3 !!.

أما لماذا كانت مشكلة النظام الاجتماعي بهذاالخطر من المنزلةفي المشروع الانساني وسعادته او شقاءه ؟.
فان الامام الصدر يجيب وبفكره الذي اوتي جوامع الفكربالقول ((لأن النظام الاجتماعي داخل في حساب الحياة الانسانية ، ومؤثر في كيانها الاجتماعي في الصميم / 4 )) .

اي ان النظام الاجتماعي ليس هو فقط حاجة اجتماعية او اشكالية تاريخية ومعاصرة فحسب بل انه كذالك (( نوعي )) في تاثيره على حياة الانسانية الاجتماعية ، وهو المحدد لشقاء المجتمع وتعثره او سعادته وتطوره !!.

وهذا في الواقع مايرتقي باهمية النظام الاجتماعي في نوعيته بعد وجوده من كونه حاجة فطرية وطبيعية وسياسية وقانونية واقتصادية واجتماعية لاي مجتمع بشري ، الى كونه هو المحدد الاول والاخير الى نوعية الحياة التي سوف يتحرك في اطارها هذا المجتمع !!.
فالنظام الاجتماعي حسب رؤية الامام الصدر قدس داخل في حسابات الحياة الانسانيةوليس هو حاجة لها فحسب بل هو صانع هذه الحياة وهو مشكلها وهو المتحكم في سيرها وصيرورتها ايضا ،وهو كذالك المنصة التي يستند عليها المجتمع وفي صلاح النظام الاجتماعي او فساده يتقرر مصير حركة المجتمع وتطوره ونموه ، او تحجره وتراجعه وعدم قدرته على تفجير اي طاقة من طاقات المجتمع الخلاقة !!.

بمعنى اخر :يمكننا صياغة رؤية الامام الصدر قدس لاهمية وخطرية النظام الاجتماعي على وجود المجتمع وحركته وتطوره او اندحاره بعد ان ادركنا رؤية الصدر في حاجة المجتمع لهذا النظام الاجتماعي تاريخيا وحتى اليوم بانها الرؤية التي تنظر للنظام الاجتماعي من اكثر من بُعد وزاوية واتجاه فنحن كمجتمع بحاجة الى النظام الاجتماعي بسبب :

اولا: لانه لا وجودلمجتمع بدون نظام يشكل العمود الفقري لجسداي مجتمع ويقيم أوده ويرتب من علاقات الافراد فيما بينهم والبين الاخر .
ثانيا : ان النظام الاجتماعي معادلة حاسمة في رسم صورة المجتمع ، وهو داخل في حسابات الحياة الانسانيةوعلى هذا لايمكن لنا تصور حياة انسانية بلا نظام يُشرف عليها ويعطيها صورة هويتها الانسانية .
ثالثا :النظام الاجتماعي ليس فقط داخل في حسابات الحياة الانسانية ومؤثر عليهابشكل مباشربل انه المعادلةالحقيقية التي بامكانهاصناعة امة متطورة ومدفوعة الى الامام ، ونامية وتتفجر فيها الطاقات الانسانية الخلاقة التي بامكان النظام الاجتماعي الصالح ، ان يفجر من صواعقها الابداعية في كل اتجاه من حياة المجتمع البشرية صناعيا وسياسيا واقتصاديا وفنيا ...!!.

والعكس صحيح ايضا ، اذا كان النظام الاجتماعي اجنبيا عن جسد المجتمع او مفروضا عليه اوغير قادر على الانسجام مع المجتمع وتطلعاته وحركته ....الخ عندئذ يتحول النظام الاجتماعي من منصة وقاعدة لانطلاق المجتمع وانسجامه وتكامله .......الخ الى اغلال وقيود وكوابيس يخلق في كل يوم ازمة للمجتمع وحياته ، ويعرقل من اي نهضة يحاول المجتمع صناعتها الا ان نظامه الاجتماعي لا يساعد على هذا النهوض لانه ، وبسبب علة سلبية فيه هنا ، وعلة غير ايجابية فيه هناك ، لايتمكن من ان يكون نظاما صالحا لحياة المجتمع والانسانيةاو لايتمكن ان يكون ارضية مهيئة لاعداد الانسان فكريا وعقديا واقتصاديا وصناعيا وتكنلوجيا وتربويا ...... كي يصنع حياة مختلفة ومتطورة وحاسمة !!.

إن مشكلة النظام الاجتماعي الاصلح ،واهميته والبحث عنه او كيفية ايجاده وصناعته هي التي (كما يقول الصدر) : (( قد دفعت بالانسانية في ميادينها الفكرية ، والسياسية الى خوض جهاد طويل ، وكفاح حافل بمختلف الوان الصراع ، وبشتى مذاهب العقل ، التي ترمي الى اقامة البناء الاجتماعي وهندسته ورسم خططه ووضع ركائزه ...)) 5 .


مدونتي http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com




1: فلسفتنا للسيد الصدر / ص 11
2: التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرانية / السيد محمد باقر الصدر / تقديم جلال الدين علي الصغير / ص 189
3 : فلسفتنا / التمهيد / ص 11
4 : نفس المصدر .
5: نفس المصدر / ص 11 .