مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الخميس، سبتمبر 29، 2011
(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 4 حميد الشاكر
عندما يطلق على الامام الشهيد محمد باقر الصدر وفكره صفة العبقرية ، او عندما ينال السيد الشهيد الصدر رحمه الله تعالى هذا الاهتمام الكبيرمن قبل الفكر العراقي والعربي والاسلامي وحتى العالمي فلا يعني هذا مطلقا ان هناك دوافع عاطفية او حسابات سياسية ، او ممالآت اخلاقية ، دعت هذا الكمّ الهائل من الاهتمام بالصدر فكرا ومفكرا ، كانت تقف خلف تقييم فكر الامام الصدر وماطرحه من اطروحات لفتت انظار العالم بصورة عامة والفكر العراقي بصورة خاصة !!.
لكن مايقرب من الصواب القول الفصل فيه : ان الامام الصدر ، بالفعل كان مختلفا عن عصره ومختلفا في فكره وتقدميا في طرحه وعبقريا في تناوله ولهذا استحق هذه التقدمة الفكرية ونال بجداره هذه الصدارة العلمية التي وصف بهاالامام الصدر ولم يزل حتى اليوم وبعد مرور عقود من انتقاله للرفيق الاعلى وهو لم يزل يتربع على عرش الفكر الاسلامي بلا منازع !!.
والحقيقة ان مايميز فكر الامام الصدر وعلمه وطرحه عن باقي اقرانه من العلماء والمفكرين داخل العراق ، ومن ثم العالم الاسلامي وخارجه انه استطاع وبموهبة الاهية غير عادية ان ينقل الاسلام كله بفكره ومدرسته ، واطروحته ، وتصوراته واحكامه .... نقلة نوعية غير مسبوقة قبله ، بحيث انه والوحيد من بين ركام هائل من المفكرين والعلماءوالمثقفين استطاع التمردعلى التقليدية الدينية الاسلامية وكسر تابوهاتها ، التي جثمت على صدر الاسلام فكرا وممارسة لاكثر من الف سنة من الجمود والتخلف والتبعية ولينقل من ثم هذا الاسلام الى العصر الحديث او مايسمى بعصر الحداثة وقيام مابعد الدولة الحديثة وفلسفة الحكم والعقيدة !!.
ونعم عاصر الامام الصدر زمانيا ، ومكانيا الكثير من العلماء والمفكرين والمثقفين الذي كتبوا والفوا اكثرمما طرحه الامام الصدر بمئات المرّات في العالمين العربي والاسلامي من مؤلفات وكتابات واطروحات تخدم الاسلام تراثاوفقها وعلما وحديثا واصولا ...الخ ، لكن ما نتحدث عنه حول الصدر هو ليس كمية المؤلفات والكتب التي طرحها الامام الصدر في الاسواق ليكون مصيرها الى رفوف المكتبات بفائدة ضئيلة ، وليس ما نشير له حول الصدر غزارة المنتوج واعادة انتاج الاسلام في فكره التقليدي وتطلعاته المكررة بل مانشير له هو (النوعية) النادرة في فكر الامام الصدرالذي فتح الابواب والنوافذ والافاق لاسلام ليس فقط يستطيع الانتقال لمعايشة العصر والتطور معه ، بل ولأسلام ينتصرعلى الحداثة ويخطو خطوة متقدمة على روح العصر وفلسفته واقتصاده وقانونه ودولته ..... ليطرح من ثم اسلام القرن الواحد والعشرين بدون ان يضطر الامام الصدربالتفريط ولوبذرة واحدة من اصالة الاسلام الفكرية ومنبعه المحمدي الصافي العين والمأخذ !!.
وهذا هو في الواقع الذي جعل من فكر الصدر ، وطرحه الاسلامي ظاهرة مختلفة وتستحق الالتفات والاشادة بها ، وتقديمها للعالم بشكل مميز !!.
وكذا عندما نقول ان من مميزات فكر الامام محمد باقر الصدر انه فكر وفي جانب من جوانبه المتعددة وفضلاعن انه نقل الاسلام بفكره الاصيل كله نقلةنوعية بحيث يمكننا الجزم ، انه اعطى روحا او حياة مختلفة للطرح الاسلامي ، ليساوق العصر وطروحاته يمكننا ايضا ان نظيف الى ذالك ، ان فكر الامام الصدر رض وطرحه تميز كذالك بقدرته على نقل المتحجراو المعقد اوالمتخصص الغارق في الانزوائية من كونه فكرا لا يمكن ان يتناوله الا مجموعة صغيرة من فئات المجتمع الاسلامي العلمية الى كونه فضاءا واسعا بالامكان ان يعمّ نفعه لجميع من يريد الاطلاع عليه وفهم الاسلام بصورته الاكاديمية العامة ، ذات الفائدة الاسلامية الاشمل ، والاكثر عصرنة وحداثة لروح اللحظة !!.
وهذا بالفعل ماحققه الامام الصدر ( مثلا ) في اعقد العلوم الاسلامية والفقهية التي تسمى بعلم الاصول ، حيث ان هذا العلم وغيره من العلوم الاسلامية الاخرى التي كانت حكرا على طلبة العلوم الدينية او منزوية الفهم الا على اصحاب الاختصاص الحوزي من فقهاءواصوليين داخل اعقدالمجالس البحثية في الفكرالاسلامي استطاع الامام الصدر وبفضل جهود الصدر الشخصية ، ومن خلال كفاءة طرحه العصرية استطاع هذا المفكر الملهم ، ان يصوغ علما اسلاميا من اعقدالعلوم الاسلامية ليعيد انتاجه بشكل مختلف وليهيئ من ثم علم الاصول ليكون علما اكاديمياوجامعيا قادرا اي طالب علم سواء كان اكاديميا ، او حوزويا من تناوله ومن ثم فهمه واستيعاب مضامينه المهمة للاطروحة الاسلامية التي يعتمد فقهها وحكمها الاسلامي على هذا العلم الجليل !!.
ونفس القول ينسحب على باقي فكر الامام الصدرايضا ففي الاقتصاد الاسلامي لم يكن احد ممن عاصر الامام الصدر ، فضلا عن مَن سبقه فكريا وعلميا ان يطرح لنا اقتصادا اسلاميا بهذه الطريقة الحداثية ، التي ليس فقط استطاعت اللحاق بركب عصرالتكنلوجيا والعلم والفلسفة فحسب بل ولتتفوق على روح هذا العصر وتطرح رؤية اسلامية اقتصادية ....، تستشرف المستقبل ، ومن ثم لتطرح معالم الاقتصاد الاسلامي لالف سنة قادمةكماازعمه شخصياوهي تحتكر زعامة التأسيس للاقتصاد الاسلامي الحديث بلا مجادل !!.
ونعم ايضا تحدثت كتب الفقه التقليدية كثيرا عن المكاسب المحرمة منها ، والمحللة وتحدثت عن الارض والثروات والانتاج والاستهلاك والتملك ، والاحتكار والبيع والتجارة والاقتصاد ....... ، لكن كل هذا كان منتجا فكريا وفقهيا واسلاميا يصلح تماما ، للمجتمعات الاسلامية ماقبل الحداثة ، وقيام الدولة داخلها وعصر التكنلوجيا والفلسفة الجديدة وعندما كنا نقرأ الاقتصاد الاسلامي في كتب الفقه التقليدية نصاب بانفصال تام عن الحياة والعيش بواقعية في داخلها في العصر الحديث !!.
اما بعد طرح الامام الصدر للاقتصاد الاسلامي ، وبعد ان نظم الصدر اقتصادنا الاسلامي المبعثر داخل كتب الفقه القديمة والحديثة ، وقدمه للعالم بشكل متكامل وداخل اطار الدولة ومن ضمن مؤسساتها ، واردف ذالك بنظرية بنكية اسلامية عندئذ اطلعنا على اسلام مختلف واقتصاد اسلامي يجمع بين الابعاد العلمية والاخرى المذهبية ، ومن ثم لنبصر اخيرا موقع اقدامنا من منظومة الفكر الاقتصادي الراسمالي والاشتراكي المعاصر ولنفخر ان اسلامنا لم ياتي لزمان دون اخر وان في اسلامنا الذي طرحه وصاغه الامام الصدر حوامل التطور والتقدم الذاتية التي تصادق على مقولة انه خاتم الاديان السماوية وان الاسلام بالفعل دين ودلة وانه جاء كخلاصة وزبدة لتجربة جميع الانبياء والمرسلين حتى اليوم !!.
هذا هو ماقدمه الامام الصدر (رض) للاسلام في العصر الحديث ، وهذا هو ايضا ماجعل من الامام الصدر، ان يكون ظاهرة فريدة خُلقت في اجواء عراقية لم تكن توحي بمثل هكذا طفرات فكرية عراقية وعربية واسلامية غير مسبوقة كذالك !!.
ان الامام الصدرومن خلال تناوله لاكثر من فكرة وفكرة اسلامية وانسانية استطاع ليس فقط التجديد للفكر الاسلامي كما يطرح بعض المفكرين مصطلح التجديد للفكر بل العبقرية الحقيقية للامام الصدر : انه تجاوز مستوى التجديد ، ليعبرالى الضفة الاخرى من عبقرية التاسيس لجميع الفكر الاسلامي الاصيل كذالك فالامام الصدر هوالمؤسس والمجدد لفكر فلسفي اسلامي عصري ، ومتطور كما انه هو المؤسس والمجدد لفكر اقتصادي وكذا فكرا اصوليا فقهيا ولاننسى انه رائد تاسيس مدرسة تفسيرية قرانية تحاول الانتقال بالقران ونصوصه ، وفكره من التجريدية التجزيئية الى الموضوعية ، وهكذا ان اخذنا الصدر في حيزه الاجتماعي ، لنقول ان الصدر صاحب رؤية تأسيسية وتجديدية للمجتمع الاسلامي وكيفية تراكيبه ونظمه القانونية والسياسية والتربوية !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com