الخميس، يناير 12، 2012

(( بحث سقوط نظام حكم آل سعود القبلي كحتمية فكرية وسياسية )) حميد الشاكر

1

: (( تمهيد ))
من مميزات نظام الحكم القبلي السياسي للعائلة السعودية الحاكمة اليوم في الجزيرة العربية الاسلامية انه من النظم التي تنتمي بماهيتها وشخصيتها وتركيبتها الهرمية الى النظم القبلية السياسية للعصر العربي الاسلامي الوسيط ، ولعلّ هذا المميز يبرز بوضوح لكل باحث ومطلع ومتتبع ودارس لتركيبة ، وروح وواقع هذا النظام القبلي السياسي السعودي ، الذي خرج للنور في بدايات القرن العشرين المنصرم على يد زعيم العائلة السعودية الحديثة الشيخ ( عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود ) في 1902 م ، عندما استطاع العودة لقلب الجزيرة العربية من زاوية من زواياها (من الكويت ) الجنوبية ، والاستيلاء اولا على مدينة الرياض ، قبل ان يتوسع في الغزو وابادة خصوم ال سعود التقليدين القبليين في جزيرة العرب الاسلامية ثانيا وانشأوه لمملكة على شكل دولة حديثة وبمساعدة استعمارية بريطانية اميركية سُميت باسم كبير العائلة السعودية (( سعود بن محمد بن مقرن )) فيما بعد ، والاعلان عنها في 1932م كمملكة عائلية من ذالك القرن المنصرم نفسه !!.
والحقيقة عندما وصفنا النظام القبلي السعودي بان له مميز يختلف عن باقي النظم الملكية ، وغير الملكية الحديثة في العالم مابعد الثورة الصناعية الغربية والشرقية فاننا كنّا نقصد: ان مثل هذا النظام السياسي القبلي الملكي السعودي الذي اسست له العائلة السعودية في قلب الجزير العربية الاسلامية هووبعض نظم امارات المشيخة الخليجية المحيطة بهذه الجزيرة العربية ، تقريبا هي النظم القبلية السياسية التي لم تزل بمعزل عن روح الحضارة الصناعية ، والتكنلوجية والاجتماعية الحديثة والتي لاريب انها اثرّت بشكل واضح على شكل وجسم وخارج هذه النظم المشيخية القبلية الخليجية ظاهريا الاّ انها لم تنفذ(هذه الحضارة الصناعية والتكنلوجية والاجتماعية الفكرية الحديثة ) لعمق هذه النظم السياسية لتحدث تغييرا حقيقيا في روح وجوهر وشخصية النظم القبلية السياسية الخليجية القائمة حتى اليوم في جزيرة العرب ما طبعها بمميز(من لم تزل تحتفظ بكل تقاليد وروح وشخصية وهرمية النظم السياسية القبلية التي تنتمي لعالم ما قبل التطور السياسي المعاصر)الذي زحف للقرن التاسع عشر، والعشرين والواحد والعشرين مع الثورات والانقلابات والتغييرات الصناعية والفلسفية والايدلوجية والتكنلوجية .... الحديثة التي اثّرت بشكل كبير على مفهوم بناء الدولة السياسة والمجتمع وبنيته والفكر الانساني البشري الحديث !.
نعم من المؤكد ان اي باحث متخصص بالعلوم السياسية وأي مفكر له دراية بانماط وانواع النظم السياسية القديمة القبلية او الاقطاعية ماقبل العصر الصناعي الحديث واي مؤرخ له مسكة اطلاع على تقلبات النظم السياسية تاريخياوحتى اليوم سيلمس ما ذكرناه من هذه المميزات اوالصفات التي طبعت بعض النظم القبلية السياسية في العصر الحديث بصورة عامة ، كما اشرنا ، وصنعت روح وشخصية وماهية النظام السعودي القبلي الملكي بصورة خاصة ، فهذا النظام القبلي السعودي بالتحديد انتقل الى العصر الحديث ساحبا كل الموروث التقليدي الديني والقبلي السياسي معه من القديم والى الجديد من العصور البشرية من غير تعديل ، وتطور حقيقي ليُبقي على نظامه السياسي القبلي فيما بعد ، منتميا ، ومتصلا ومرتبطا بكل قوة لنظم العصور العربية الاسلامية الوسطى ماقبل الحديثة حيث كانت مفاهيم : (( العصبة والشوكة والغلبة والبداوة والدين والدواوين وغاية العصبية الدولة ... وكل المصطلحات التي تحدث حولها ابن خلدون في مقدمته عن نظم الحكم القائمة في زمنه 732 هجرية 1332 ميلادية )) هي الحاضرة بقوة في بناء الملكية السعودية منذ نشأتها واسباغ صفة الدولة عليها ومسيرتها حتى اليوم !!.
ومن هنا وعلى هذا الاساس الفكري والسياسي البحثي نحن نطرح : (( انه لايمكن لباحث ولا لدارس ولا لمؤرخ ...... ان يدرك ويفهم تركيبة وشخصية وماهية النظام السياسي القبلي السعودي القائم اليوم ويتعامل معه بوعي وفكرية وعلمية ويفهمه في نشأته ومسيرته وفي تحالفاته وفي صعوده وفي سقوطه من ثمّ بدون الاستعانة الحقيقية ، او بدون اخذ رؤية ابن خلدون في (العصبية والدولة) كمتكئ بل ومنطلق واساس ، لفهم نظام الحكم السعودي القائم اليوم ، وكيف بدأ والى اي واقع عصري تاريخي ينتمي ، ولماذا سوف يترهل ويصاب بالشيخوخة ، قبل ان يموت من داخله ولتهبط اركانه من الخارج ، وبشكل دراماتيكي قانوني يخضع بالكامل لسنن التاريخ وحيزه في الدراسات الاجتماعية الحديثة قبل خضوعه للرؤية السياسية )) . !!.
اننا نرى ان قوانين وسنن الاجتماع والتاريخ الحتمية تحاصر اليوم النظام السياسي القبلي السعودي ، وتآذنه بالانهيار من اكثر من جانب ومن اكثر من جهة لتأكل من منسأته التي يتكئ عليها هذا النظام السياسي القبلي الملكي ويقوم على قوتها ، قبل ان تآذنه الرؤى السياسية التي هي الاخرى ترى اضطراب اوملامح اضطراب النظام السياسي السعودي القائم وهي تتضح يومابعد يوم في ترنحهاالبارز !!.
ورؤية يعضدها الفكر ، والسنن الاجتماعية والتاريخية والعلمية الحتمية وتعمل بها حثيثا الرؤية السياسية لتشير بقوة وعنف الى بوادر سقوط ، وموت كهولة ومرض نظام حكم قبلي سعودي قدشارف عمره الافتراضي على الاستهلاك التام من الصعب عدم الخضوع لمقرراتها تلك التي تعلن زوال وسقوط مثل هكذا انظمة سياسية لم يعد ممكنا قانونيا واجتماعيا وتاريخيا وسياسيا استمرارها في الحياة !!.

2 : (( الادوار الثلاثة للحكم السعودي ))
يقسّم التاريخيون مراحل حكم مشيخة ال سعود في الجزيرة العربية الاسلامية الى ثلاث مراحل أوادوار نوعية مارست فيهاهذه العائلة الحكم الفعلي في بعض المناطق الجزيرية الى وصولها اليوم للحكم الحديث ، وهي :
الدور الاول : وهي المرحلة التي ينتسب لها الحكم القائم اليوم بتسميته لهذه العائلة وهي مرحلة المؤسس الاول ( سعود بن محمد بن مقرن ) عندما كان أميرا لمنطقة الدرعية وما تلاه من حكم ولده ( محمد بن سعود ) 1139 هجرية ، 1179 هجرية / 1726 ميلادية الى 1775 ميلادية وفي هذه المرحلة صُنع التحالف المشهور بين محمد بن سعود كزعيم قبلي طامح للاستيلاء على جزيرة العرب من جهة ، وباحث عن الشرعية الدينية لتحركه السياسي من جانب آخر وبين الشيخ (( محمد بن عبد الوهاب)) الذي سُميت حركة الاخوان التكفيريين باسمه ((الوهابية )) والذي لا يقلّ طموحا هو الاخر للمشاركة في الحكم والذي بدوره رفع لواء التكفير والجهاد باسم التوحيد ، ومناهضة البدع لسحق كل من يقف بوجه التحالف القبلي الديني المذكور بينه وبين ال سعود في سنة 1744 ميلادية تقريبا !.
الدور الثاني : وهو الدور المنحصر من 1817 ميلادية حيث كانت المشيخة للشيخ (عبدالله بن سعود ) الذي في زمنه شنّ والي مصر((محمد علي باشا )) حملته على الجزيرة العربية بقيادة ولده (ابراهيم) بعد ان ضجّ اهل الجزيرة العربية من ارهاب وفتك العائلة السعودية ، والحركة السلفية الوهابية في قطعهم للطريق ونهب اموال المسلمين والعبث بامن الناس ، فرفعوا مناشدتهم لوالي مصر بتخليصهم من ارهاب هذا الحكم وفتكه بالامنين من ابناء الجزيرة العربية وبالفعل بادروالي مصر بارسال جيوشه ومحاصرة عبد الله بن سعود ، حتى القاء القبض عليه ، ونفيه وعائلته مع عائلة (محمد بن عبد الوهاب) رجل الدين الذي تحالف مع ال سعود في الدور الاول الى تركيا ، قبل ان يعدم عبد الله بن سعود هناك في 1818 م ليعود الشيخ ( فيصل بن تركي ) فيما بعد ، وهو احد ابناء العائلة السعودية في 1830 م ، الى وفاته في 1865 ميلادية، بولايتين وصفت بالغزو والتوسع لهذه العائلة وليسمى فيما بعد هذا الدور باسمه (( دور الشيخ فيصل بن تركي )) لحكم العائلة السعودية !.
الدور الثالث : وهو الدور الذي قاده الشيخ ( عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود ) في 1319 هجرية 1902 ميلادية لاستعادة الرياض من خصومه القبليين وليتوسع باخضاع القبائل في الجزيرة العربية لحكمه ، حتى 1932م ، 1351هجرية ، باعلان قيام المملكة العربية السعودية تحت قيادة ال سعود وحتى اليوم !.

3 : (( قوانين صعود وسقوط النظام القبلي السياسي السعودي ))
عندما تحدّث المؤرخ والباحث الاجتماعي (( عبد الرحمن بن خلدون )) في مقدمته عن السنن التاريخية ، والاجتماعية العاملة في اعمار الدول نشوءا وولادة ، وقوة ونهوضا وفتوةً ورجولة وتكاملا ، وهبوطا وكهولة وشيخوخة وموتا ...، فانه كان لاريب يتحدث عن نمط معين من النظم ، والدول السياسية ، التي تقوم على مفردات ومصطلحات محددة من قبيل : (( البداوة والبدو والعصبة والغلبة ، والدعوة الدينية التي لاتقوم بدون عصبة والعمران والترف واسباب وشرائط تفسخ الدول وتراجعها واسباب انهيار النظم وشروطها ..... الخ )) وهكذا فمثل هذا النمط من النظم والدول السياسية هو المحدد بالتحديد لرؤية ابن خلدون التاريخية والاجتماعية في مقدمته التي جمعت من الوعي بسنن التاريخ والمجتمع ، بالاضافة لدراسة المجتمع العربي وتنوع الدول داخله ، وموضوعة العمران ومقومات الحضارة ، الشيئ الذي لايمكن غير وصفه بالنبوغ والعبقرية !!.
ونحن في الحقيقة عندما نريد تطبيق قواعدومنطلقات المدرسة الخلدونية على نظام سياسي حديث كالنظام القبلي السعودي القائم اليوم ، فاننا نجد ان هناك تطابقا كاملا بين رؤية(ابن خلدون) ودراسته للنظام القبلي السياسي القروسطي عربي واسلامي الذي كان قائما في زمنه ، والنظام القبلي السياسي ، الذي لم يزل قائما في عصرنا الحديث لنظام حكم المشيخة السعودية الحديثة في الجزيرة العربية الاسلامية !!.
نعم رؤية ابن خلدون في القبلية والعصبة والدولة ودعوتها الدينية ...،ربما لاتصلح كميزان من خلاله نتمكن من فهم مباني ومركبات النظم السياسية البشرية العصرية سواء منها الغربية أو الشرقية القائمة اليوم ، والتي عبرت مرحلة الواقع الانساني الصناعي والتكنلوجي ... الحديث ، برؤيته المختلفة للدولة ومفاهيمها ومؤسساتها ووظائفا ... وما الى هناك من افكار وتصورات حديثة فرضها العالم مابعد الصناعي والتكنلوجي على الدولة والمجتمع والفلسفة والعلم وباقي المفاهيم والمسميات !!.
اما الدولة والحكم والنظام السياسي ..... الذي تناوله ابن خلدون فهو نظام مميز في مفرداته ، ومميز هذا النظام من الحكم في شرعيته ومميز في آليات وصوله للحكم ومميز في وظائفه ، ومميز في سننه وقوانينه التي تتحكم فيه ، وهو في موضوعنا هذا نفس النظام السياسي القبلي الذي ارتضته العائلة السعودية ليكون اطار حكمها في العصر الحديث ، وبصورة متناشزة الالوان بين نظم سياسية ودول معاصرة في شخصيتها وماهيتها ووظائفها وتصوراتها وتطلعاتها ، وتنتمي لعصر ما بعد العالم الصناعي الحديث وتعيش بيننا حتى اللحظة وبين نظام قبلي سياسي تصنعه العصبة والقبيلة (( في مقابل تلك الدول والنظم السياسية المعاصرة )) وتكون شرعيته فقط مترشحة من الغلبة والعصبة والقوة ، والمقدس الديني الاسطوري لاغير !!.
ومن هنانفهم بعض المفارقات اوبعض الملابسات والقوانين التي تفرق بين خضوع النظام القبلي السياسي لقوانين حتمية الزوال والانهيار ، ، ولماذا كتب عليه التاريخ وسننه والاجتماع وقوانينه حتمية الموت في مرحلة معينة من الزمن ، وبين باقي النظم السياسية المعاصرة والحديثة ، التي تتمكن من تجديد نفسها ومجارات الزمن وتطورات التاريخ ومتطلبات المجتمع ، بحيث انها : تتمكن من التكّيف مع قوانين التطور التاريخية والاجتماعية التي هي جزء من تطور هذا الانسان والكون والعالم والتاريخ !!.
بمعنى آخر: ان ما يدعو اي باحث او مفكراو دارس بالقطع على حتمية زوال النظام القبلي كنظام العائلة السعودية اليوم مثلا وجزمية انهياره وموته لامحالة لاسيمافي العصر المتسارع الحديث هو ان نظام القبيلة السعودية يتعارض مع استمرار الحياة من عدة جوانب واتجاهات مهمة ومن ابرزها :
اولا : ان النظام القبلي السياسي القديم والحديث بشكل عام ، ونظام الملكية القبلية السعودية في جزيرة العرب ، والمسلمين اليوم بشكل خاص ، هو من النظم المغلقة سياسيا تماما بحيث ان تراتبيتها الهرمية في السلطة والحكم وكذا تراتبيتها ونمطية التفكير بداخلها تكون نمطية محددة ومقيدة بنظام وقوانين الحكم القبلي القائم وليس نظم وقوانين منفتحة على متطلبات الزمن ، وقوانين التطور من خارجها اجتماعيا وسياسيا وعالمياوهذا الجانب من التحجرفي النظام القبلي السياسي السعودي القائم هو ما يجعل هذا النظام يصارع كل متطور اجتماعي متحرك او سياسي او تاريخي بل هوما يجعل من التقليدية والتمسك بها على اساس انها من بروتوكولات مميزات وصفات النظام السياسي القبلي القائم الذي تفتخر به بدلا من ان تكفر بواقعه !!.
والحقيقة ان هذا المميز السلبي في نظام الحكم القبلي السعودي بالخصوص والقبلي بالعموم هوالفارق الاصيل بينه وبين باقي النظم السياسيةالحديثة والمعاصرة فنظام السياسة ، والدولة الحديث ، وبما في ذالك الديمقراطي ، او غير الديمقراطي ، الذي يؤمن بربط الدولة بالمؤسسات الاجتماعية والشرعية بتطورات الشعوب وتطلعاتها فمثل هذا النظام ، وتركيبته السياسية الحديثة ، تنسجم مع آليات الحركة التاريخية وقوانين التطورالاجتماعية القائمة فهو نظام على اي حال يأتي بشرعيته المتحركة من المجتمع ، ويقوم بوظائفه السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية حسب متطلبات الواقع القائم وتطوراته !!.
اما في نظام الحكم السياسي القبلي فالاولوية لهرمية تركيبة السلطة القبلية القائمة بغض النظر عن تطورات الواقع السياسي ، والاجتماعي المنفصل عن هذا النظام ما يجعل نظام الحكم القبلي السياسي نظاما بطبيعته وتركيبته ، وبنيته السياسية نظاما معاندا ومقاوما ، لحركة التطورالتاريخية والاجتماعية المحيطة به ، ونظاما مترددا للاستجابة الحيوية للمستجدات التي تطرأ عليه كل يوم ونظاما قابلا للكسر في نهاية المطاف ، وتجاوز الزمن لوجوده ، ما يأذن بصورة طبيعية بنهايته وموته وانهياره بصور متعددة !!.
ثانيا : نظام الحكم القبلي السعودي القائم اليوم اخذ الكثيرمن صفات النظم السياسية العربية الاسلامية للقرون الوسطى التاريخية فهونظام على هذا المبنى يعيش خارج حيز زمنه التاريخي من جهة وخارج حيز الزمن المعاصر لما تعيشه البشرية اليوم من جانب اخر ، ولهذا فان اهم اشكالية لنظام الحكم السعودي القائم اليوم انه نظام لايمكن له تجديد نفسه بصورة تستجيب بطبيعية ، لمتطلبات العصر الحديث فضلا عن عدم قدرته للاستجابة ، لاي متطلبات اجتماعية او سياسية او اقتصادية حديثة قائمة تفرض عليه اعادة ترتيب بنظامه السياسي القائم !!.
ولعلّ هذا المفصل من تكلس مفاصل الدولة السعودية القائمة ومؤسساتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتقيدها بنظم التاريخ القديمة وعدم قدرتهاعلى الاستجابة لمستجدات العصر والحداثة هو ما جعل او دفع (ابن خلدون) في القديم ، وغيره من المؤرخين والاجتماعيين والفلاسفة والمفكرين دراسة واكتشاف السنن الاجتماعية والتاريخية في حياة المجتمعات الانسانيةورصد كيفية نشوء الدول واسباب كهولتها ومن ثم موتها وانهيارها في النهاية ، لتستعيد الحياة الاجتماعية تجددها من خلال قيام نظم سياسية جديدة تواكب وتسد حاجات الاجتماع الانساني الجديدة ومتطلبات وتطلعات الشعوب والمجتمعات على مرّ التاريخ وحتى وقتنا الحاضر !!.
وهذا بعكس النظم السياسية الحديثة التي استطاعت تغيير بنيتها الفكرية والسياسية لتتجاوب مع المتغيرات التي تطرأ سياسياواجتماعياواقتصاديا على حياة المجتمعات الانسانيةفهي نظم ارادلها مفكروها ومنظروها ان ترتبط هي بعجلة التطورالتاريخية ولا تربط عجلة الحياة والمجتمع وحركته بمداميكها (( كما هو حاصل نظام القبيلة السياسي القائم بنظام الحكم السعودي)) ومن هنا فنظم سياسية تاخذ بنظر الاعتبار هذا المفهوم الفكري ، والسياسي داخل اطر الدولة ومفاصلها حتما انها نظم تمتلك التجدّد وآلياته من داخلها وتستطيع كلما تحرك الزمن ان تجددمن حيويتها ودورتها الدموية الطبيعية !!.

ثالثا :في قوانين وسنن تركيب النظم السياسية القبلية ومنها طبعا نظام الحكم القبلي السعودي اليوم اسبابا يذكرها علماء الاجتماع القديم والحديث على اساس انها هي منشأ انهيار اي نظام سياسي قائم وصل الى مرحلة الموت والسقوط المحقق ، ومن هذه الاسباب ( مثلا ) استفحال الظلم وطغيان الترف الحضاري والصراع الذي ينشأ من داخل الدولة ، او الضعف الداخلي ، الذي يغري الغزاة بالهجوم على الدولة من الخارج لاسقاطها والاستيلاء عليها كميراث .... الخ !!.
اما ما يخص بالتحديد النظام القبلي السياسي السعودي القائم كمادة لبحثنا هذه فأن اصحاب العلم الاجتماعي ، والتاريخي يضعون عاملين رئيسيين ، لانهيار اي نظام سياسي قبلي وصل الى مرحلة الموت المحقق وهما :
اولا : عامل الصراعات الاسرية القبلية الداخلية على الملك والسلطة ، والتي تعتبر من ضمن قوانين عصبية الدولة وتناقضاتها الحتمية .
ثانيا : عامل الاطماع الخارجية للدول التي تراقب بدقة ، اي حالة ضعف تطرأ على اي دولة من الدول او اي نظام سياسي من النظم القائمة !!.
وفي العامل الاول ، تتظافر الجهود داخليا على نظام الحكم القبلي القائم وخاصة بعد ذهاب الجيل الاول ، والثاني من حكام دولة العصبة والقوة والشوكة وترشح الجيل الثالث الضعيف والمترف وتطلعه ، للنزاع على السلطة والحكم ، فمثل هذا الصراع الداخلي يعتبر مضافا طبعا للصراع المجتمعي الداخلي الذي ذكرناه سالفا ايضا الغير منتمي لقبيلة الحكم والذي يشعر بحاجات لايوفرها نظام الحكم القبلي القائم احد اهم العوامل المساهمة بانهيار وموت اي نظام قبلي وصل الى مرحلة الاحتضار الاخيرة !!.
وفي مثل الحكم السعودي كنموذج للنظام الملكي الذي تجاوزكل مراحل القوة بجيليه الاول والثاني ليصل الى مرحلة الجيل الثالث من حكم المشيخة السعودية ،فلم يتبقى لهذا النظام السياسي الا بوادر (( الهبّة )) كما يطلق عليها ابن خلدون ، او النزعة الاخيرة ، لهذا النظام لتفجر صاعق انتهاءه من الوجود وتقرع اجراس رحيله بشكل لالبس فيه ابدا !!.
وهكذاوتقارنامع سنّة وقانون زوال الحكم القبلي السعودي وأفول نجمه الذي ظهرت اعراضه الطبيعية بجلاءلكل متتبع للشأن السعودي السياسي والاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي ستساهم ايضا الدول الصاعدةعلى انقاض وجودالحكم السعودي القبلي الايل للسقوط في المساهمة بكل ما اوتيت من قوة ونفوذللتسريع بانهيار نظام الحكم القبلي السعودي القائم في الجزيرة العربية سواء بضخ النارالداخلية من خلال زيادة الصراعات الداخلية القبيلية ، والاجتماعية لهذا النظام ، او من خلال التدخل والغزو الخارجي المباشرعلى انقاض الجثة الملكية السعوديةالقبلية الايلة للسقوط بين ليلة وضحاها ، لتقاسم نفوذ وثروات هذه الارض من جهة ، وسدّ الفراغ ، الذي سيتركه سقوط هذه العائلة الحاكمة في منطقة جغرافية مهمة جدا من العالم !!.
الخلاصة : اننا نرى ومن خلال رؤيتنا الفكرية والاجتماعية ، وكذا رؤيتنا السياسية ان سقوط النظام القبلي السعودي القائم في الجزيرة العربية ، اصبح قاب قوسين او ادنى من الواقع ، بل وانه من الحتميات الفكرية والعلمية التي تؤكدها سنن القوانين التاريخية والاجتماعية بهذا المضمار ،وحتى لو ترك ( فرضا ) هذا النظام القبلي بلا ادنى تداخلات سياسية خارجية او داخلية فانه مع ذالك تحتم علينا الرؤية التاريخية والاجتماعية ان ننظر لنظام الحكم السعودي انه نظام لايمكن له الاستمرار اكثر من ذالك في حيز العالم السياسي والتقني والاجتماعي والاقتصادي المتغير بصورة غير مسبوقة ، واذا كان النظام القبلي في السابق يستطيع الصمود لعشرات او مئات من السنين الى حين مجيئ اجله الطبيعي فاليوم اصبحت الحياة اكثر واكبر وتيرة حركة مسرعة ، ربما تطوي كل سنة منها مراحل عشرات السنين في السابق ، لاسيما مع وجود تقنيات اعلامية وغير اعلامية كشفت البشرية كلها وجعلتها اكثر تقاربا واشد احتكاكا وصراعا فيما بينها والبين الاخر !!.
وعلى هذا الاساس ، فكل المؤشرات التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية تشيرالى استحالة استمرارنظامٍ ، كنظام الحكم القبلي السعودي بهذه الحياة الحديثة ، التي تجاوزت نمط حكم العائلة السعودية ، وبنيته السياسية ، ومقوماته الاقتصادية والاجتماعية !!.
مدونتي http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com