الثلاثاء، أكتوبر 28، 2014

بين الفرضية والمنهج في علم الاجتماع

(( بين الفرضية والمنهج في علم الاجتماع )) حميد الشاكر

يلاحظ المختص والباحث في علم الاجتماع وشؤونه الاجتماعية  انه ومنذ التاسيس نازع هذا العلم توجهان  في دراساته الاجتماعية التي طرحت نفسها على اساس انها المعبر والمتحدث الرسمي لهذا العلم والمؤسس لنظرياته وابحاثه في العصر الحديث  وهما :
اولا : التوجه الذي كان يرى بان علم الاجتماع ماهو الا منهج علمي لايمكن تجاوز قوانينه واليات عمله البحثية الاستكشافية الاجتماعية !!.
والثاني : وهو التوجه ، الذي حاول منذ تاسيس هذا العلم حتى اليوم كسر القيود العلمية والمنهجية الصارمة لهذا العلم ،ليتحدث عن علم بالامكان قيامه على (فرضيات)ينشأها عالم الاجتماع لتكون اطرا من خلالهايتمكن من تحليل الظواهرالاجتماعية وتفسيراسبابهاوعواملها وما تصل اليه من نتائج بعيداعن الالتزام بمنهجيات تحددمسار تناول الظواهرالاجتماعية ودراستها تحت هذا الاطارالقانوني لعلم الاجتماع لاغير !!.
من اصحاب التوجه الاول ، والداعين له مبكرا تاريخيا يمكن تصنيف (( ابن خلدون )) مؤسس علم الاجتماع العربي/ 732 هج /808 هج /باعتبار ان ابن خلدون تحدث عن(طبائع للعمران) ترتقي بقانونيتها الى ان ندرس المجتمع على انه هيئة محكمة بسنن وقوانين ما يعني ان علم الاجتماع لايمكن له ان يكون (علما مستقلا )  ، اذا لم تكن له منهجية من خلالها يتمكن من معرفة طبائع العمران وقوانينه !!.
وهكذا يمكن ايضا تصنيف الفيلسوف الفرنسي  الوضعي (( اوجست كونت / 1778م / 1875م )) صاحب ( الدعوة الحديثة ) لانشاء علمٍ للاجتماع على قسم (( المنهجيين في علم الاجتماع )) الذين ينظرون لعلم الاجتماع ومناهج بحثه الاجتماعية بلافرق بينهاوبين اي مناهج بحث علمية فيزيائية او كيميائية او طبية او رياضية ..... وغير ذالك والتي تقوم اساساعلى قوانين تتحكم بحركة وظواهرهذا العلم او ذاك من باقي العلوم الطبيعية او الاجتماعية  !!.
ولهذاعرف عن(كومت)تشديده على فصل البحث الاجتماعي وتمييزه عن باقي العلوم الاخرى من جهة، وتشذيبه ايضا من مخلفات الرؤى الفوضوية ، التي لاتستند على منهجية علمية  محكمة من جانب اخر !!.
((دوركهايم / 1858م / 1917))اشهرمن ان نشير اليه اونصنفه من ضمن جملة او قائمة ((المنهجيين في علم الاجتماع)) فهو المؤسس الحقيقي (( للمدرسة الاجتماعية الفرنسية الحديثة )) التي نرى انها المدرسة الاجتماعية المتكاملة الاركان  والجوانب العلمية من جهة ،  وهو المنظر الذي استطاع ان يقفز  او يعبر بعلم الاجتماع من كونه دعوة للعلم الى ان يصبح ((علما قائما )) على منهج يتناول الظواهر الاجتماعيةمن خلال دراسات احصائية تجريبيةوعقلية منطقية تعطي للدراسات الاجتماعية طابعها العلمي المستند على الوقائع والاحداث الاجتماعية القائمة !!.
في الجانب الاخر من تقسيمنا ، لتوجهات علماء الاجتماع  المحدثين يقف اصحاب (التوجه الافتراضي) الذي يمكن تصنيف عالم الاجتماع  الالماني (( ماكس فيبر  1864م / 1920م )) في مقدمتهم ، ليلحقه فيما بعد (( تارد )) صاحب افتراضيات (( التقليد ، والمحاكاة )) حتى وصولنا الى الكثيرمن علماء الاجتماع المحدثين الذي ينتهجون : (( وضع افتراضيات اونماذج اجتماعية كالتقليد او المحاكاة او الصراع او التناشز الاجتماعي ... وغير ذالك لتكون هذه النماذج والفرضيات هي الموجه  والقائد لجميع منطلقات واستنتاجات و ... لهذه البحوث والدراسات الاجتماعية من جهة ، ولتكون كذالك من جانب اخر بديلا عن مناهج البحث العلمية ، والقانونية البنيوية  التي وضعها واسس لها اصحاب المنهج العلمي المذكورين سلفا )) !.
اي وبمعنى اخر : يختلف تناول مدارس علم الاجتماع الحديثة للهيئة الاجتماعية ، وبكافة ظواهرها ، وملابساتها الانسانية بين مدرستين رئيسيتين :
الاولى : المدرسة ، التي تؤكد على ضرورة ،  ووجوب الانطلاق في دراسة المجتمع من قواعد منهجية علمية لاتفترض اي فكرة مسبقة او لاحقة لدراسة الظواهر الاجتماعية لتقوم بعملية بحث وتقييم لهذه الظاهرة حسب معطياتها الاجتماعية القائمة فحسب الغير متأثرة باي عامل غيرعامل البحث عن قوانين الظواهر الاجتماعية ، التي تتحكم بانتاجها ، وكيفية حركتها ، لنصل بعد ذالك الى تفسير ، وتحليل هذه الظاهرة ، كماهي قائمة ، ومن ثم معالجتها ان احتاجت الى علاج او اقرار فهم محركاتها ان كانت من الظواهرالطبيعية لوجود واستمرار المجتمع !!.
وهذه المدرسة هي ما اصطلحناعلى تسميتها ب(المدرسة المنهجية) في علم الاجتماع ، وهي على اي حال من دعى واسس لهذا العلم ان يكون للمجتمع علما مستقلا يختص بدراسة هذه الهيئة !!.
ثانيا : ، وهي المدرسة ،  التي يشعر اي باحث في ( تاريخ نشأة علم الاجتماع ) انها جاءت كردة فعل على انشاء المدرسة الاولى  لتكسر من هيمنة هذه المدرسة على موضوعة تفسيروتحليل المجتمع ومن ثم لتطرح بدورها (توجهات ومنحنيات ) معرفية افتراضية لها الكثير من وجهات النظر الاجتماعية في تفسير ، وتحليل الهيئة الاجتماعية وظواهرها واسباب وعوامل هذه الظواهر ولكن بشكل (( ينطلق من مقدمات فرضية ،  ونماذج اصطلاحية تقحم من خلالها للفردية عمل في صناعة المجتمع والتاثير عليه من جهة ،وتفترض افكارا مسبقة هي التي تتحكم   بصناعة الظواهر الاجتماعية ، وبدون ان يكون اي دراسة لهذه الفرضيات اوالنماذج الاصطلاحية علميا تؤكد لنا واقعية هذه الفرضيات والنماذج ؟، ام انها مجرد اصطلاحات ( انشائية ) يتم ( اسقاطها ) على حركة المجتمع ،  لتفسر لنا من ثم وجوده وحركته ومتغيراته ومنتجاته لهذه الظاهر او تلك !!.
افترض مثلا ( فيبر ) ان هناك خاصية للمجتمع الغربي تصبغه بطابع العقلانية التي هي تفسر لنا ماهية التقدم الصناعي في هذا العالم عن باقي المجتمعات الانسانية الاخرى التي لم تتميزبفرضيةاحترام العقل والاخذ به ؟!!.
وكذالك عندما افترض مسبقا ، لاغيا بذالك (اهم مميز) لعلم الاجتماع الحديث  ان الفرد هو في الاساس ، الذي يهب المجتمع فعله ومن ثم وجوده الواقعي  الذي (لاينبغي) تفسير اي ظاهرة من ظواهره بدون الرجوع الى الفهم (( السيكلوجي )) للفرد ، باعتباره هو الذي ينبغي ان يكون المنتج والبنية الاساسة لكل ما ينتجه فيما بعد المجتمع !.
هكذا (( تارد )) الذي اغرق علم الاجتماع بفرضياته ونماذجه القابلة لتفسير المجتمع ،  وظواهره الانسانية ، بدون الحاجة الملحة للعودة لمناهج التجريب او الاحصاء ، التي لايمكن بناء نتائج اجتماعية من غير الرجوع اليها ف((المحاكاة والتقليد و ...الخ )) من اهم النماذج والفرضيات التي يمكن الاتكاء عليها في تفسير ظواهر اجتماعية من قبيل (( الانتشار ، او التغيير الاجتماعي او مقاومة التغيير ...الخ )) فكل ما يحتاجه عالم الاجتماع في مدرسة (( الافتراضيين هذه )) هو (( عبقرية الاختراع الفكري  للمصطلحات الاجتماعية وانشاء المزيد منها لتكون هي المنطلقات والمرجع العلميي  لفهم المجتمع ووجوده لاغير !!)).
في العراق برز المرحوم الدكتور ((علي الوردي / 1913م / 1995م )) لدينا في خمسينات القرن العشرين المنصرم ايضا ،  والذي ينتمي من خلال دراستنا لمنتوجه الفكري(( الخالي من المنهجية العلمية )) للمدرسة (الافتراضية) في علم الاجتماع  ليذكر لنا في معظم مؤلفاته فرضياته الثلاث التي من خلالها قرأوفسر وجودية الاجتماع العراقي وكيفية حركته ومادة ظواهره وسلوكه و ...الخ وهذه الفرضيات هي (( فرضية ازدواجية الشخصية ، وفرضية صراع الحضارة والبداوة واخيرا فرضية التناشز الاجتماعي)) لتكون هذه الفرضيات والنماذج هي المنطلق وهي المرجع التي من خلالهايقّيم (علي الوردي) حركة الاجتماع العراقي ، وتغيراته وتطوراته ، وحدود افاق عمله الماضي والحاضر والقادم  !!.
والحقيقة ان الاشكالية في مدرسة ((الافتراضيين)) انها مدرسة ابعد ما تكون عن (( روح العلم الاجتماعي ، ومنهجيته الصارمة )) على الخصوص وابعد ما تكون عن ((روح العلم بصورة عامة )) في هذه المجالات ، فمما يؤخذ على مدرسة الافتراضيين على سبيل المثال :
اولا : انها تفتقد لاهم عنصر منهجي (( يميز بين العلم واليوتوبيا )) او الخيالات الفكرية المجنحة ، الا وهو عنصر البحث ، والاستكشاف الذي يحاول ايجاد القانون ، ورفع الغطاء عن كيفية عمله ، بدون ان تكون هناك اي فكرة ايدلوجية دينية اوسياسية اوفلسفية اواجتماعية او ....الخ ، مسبقة عن هذا القانون او كيفية عمله !!.
وهذا الشرط يلغى تماما ، او يرفع من الخدمة عند اي باحث يتحصن بفرضيات او فكرمسبق او بنماذج مسبقة او...، وحال هذه المنهجية الافتراضية حال اي فكرة (يوتوبيه )غير علمية تحاول تفسير الواقع العلمي  الفيزيائي ،او الاجتماعي بغير ادواته ، كالذي حصل مثلا في الفكرة الماركسية التي وضعت لها اطرافلسفية واجتماعية وسياسية مسبقة ، وصنعت لها جنّة وهمية ارضية ( مجتمع لاطبقي )  مسبقة لتوجه كل فكرهانحوهذا الافتراض الخيالي ولتجعل من هذاالافتراض قوانين وحتميات تاريخية و..، بل ولتطرح كل هذا الخداع باسم العلم ونظريته التقدمية ،والتطورية الحتمية ولتلزم من ثم بالكفر والجحود كل من لايؤمن بهذه الافكار الافتراضية !!.
ثانيا : ان ما يوخذ على اصحاب المدارس الافتراضية الايدلوجية اوة السياسية او الفلسفية او الاجتماعية انها مدارس تميت روح البحث العلمي المفتوح !!.
اي ان من يضع (( فرضيات ونماذج فكرية ومفاهيمية )) ، ليقرر ان مجال حركة القانون الاجتماعي (مثلا) او الفيزيائي قد انتهى مفعوله وتحدد اطاره في هذه ((الدائرة من الفرضيات))يكون بذالك من حيث يشعر او لايشعر: ( اولا ) انه يحكم على قوانين الحياة التي قوانينها الحركة والتطورعلى انهاقوانين جمدت وماتت اوانطوت على نفسها الى الابدفي حركة تكرارية من جهة ويكون بذالك قد قتل روح البحث العلمي الذي هو في شأن استكشافي جديد وقانوني كل يوم !!.
وعلى هذا الاساس انالا افهم(حقيقة)وفي مجالات كل العلوم ولاسيما منها علم الاجتماع الحديث كيف ينسب للعلم ولمدرسة علم الاجتماع الحديثة من هم (اساسا )  غير ملتزمين بمفاهيم العلم واساليب عمله واليات بحثه المنهجية !!.
وكيف لم يزل وحتى اليوم يوضع امثال (( فيبر )) وغيره في مصاف المؤسسين للعلم الاجتماعي الحديث مع ان ( فيبر) وغيره لم يضعوا في الواقع حجرا مؤسسا لعلم الاجتماع بقدر ما وضعوا فكرا يهز من مكانه علم الاجتماع ، ويرتدّ  به الى اطارات الفوضوية الفكرية الغير منضبطة بمنهجية علمية اجتماعية اصلا !!.
هكذا القول فيمن يفرض علينا فرضا (( كارل ماركس )) لا سيما في الكتابات الاجتماعية اليسارية ( من مدرسة فرانكفورت وانت هابطا) على اساس ان ماركس من المؤسسين او من الاباء المؤسسين للعلم الاجتماعي الحديث ، مع ان (ماركس) وطرحه الايدلوجي لاعلاقة له اساسا ، لا من بعيد ولا من قريب بالمدرسة الاجتماعية الحديثة ، بل ان كل ما اسسه (( دوركهايم )) لعلم الاجتماع  على سبيل المثال في اطروحته ((تقسيم العمل)) التي على اساسها منح الدكتوراه واعطي كرسي الاستاذيةفي جامعةعلم الاجتماع الفرنسية قد ناهضه ماركس بشكل لاعلمي واعتبر ان اطروحة ((تقسيم العمل)) ماهي الا مؤامرة راسمالية و ........ الى اخر هذا التهديم لاسس علم الاجتماع واسس المجتمعات بصورة عامة !؟.
مدونتي فيها المزيد
              

                 

ليست هناك تعليقات: