الجمعة، يناير 09، 2009

من هدي القران ؟ .... الكلمة ... آ قرأ - 3 حميد الشاكر


(( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم ))
(( ءايته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين / قران كريم / 2 : الجمعة ))
.................................
التشييّد والحاجة :- آ قرأ
تطرح الرؤية الاسلامية لموضوعة ( المرسل والرسالة والرسول ) فلسفة لها نوع خاص من العمق الاجتماعي والتاريخي ، والتي تأخذ بنظر الاعتبار الابعاد الفكرية والاجتماعية والسياسية والنفسية ...، لعملية تحرك المثلث الاهوتي ذاك في واقع حياة الانسان الاجتماعية والتاريخية ، فليست والحال هذه عملية اجتماع العوامل الثلاثة المذكورة ( المرسل - الله - والرسول - الانسان - والرسالة - البرنامج - ) وتحركها باتجاه المنظومة الاجتماعية الانسانية ، الا عملية لها ابعادها الفكرية والقانونية والانسانية ، والتي تحاول الوصول الى الاجتماع الانساني ، والامتزاج به ، وتحريك عملية النهضة واعادة هيكلة المجتمع بصورة تنسجم مع الاهداف الخلقية لهذا الوجود العالمي والانساني ؟.
ومن حيث الرؤية التاريخية بالتحديد للمدرسة الاسلامية ، فان للفكر الاسلامي نوع من النظرة الخاصة لعملية الاجتماع والتحرك تلك ، وهذه النظرة تهبنا الرؤية لعملية التحرك الرسالي ولماذية هذه الصورة ، وضروراتها الانسانية ، وكيفية تحركها ، وديمومة الحاجة اليها ....الخ ، من هذه الاسئلة التي تجيبنا عليها فلسفة الرؤية الاسلامية لموضوعة ( المرسل والرسالة والرسول ) ، ولكن وبما ان الموضوع واسع نوعا ما ، فسنستخلص ما تمس الحاجة اليه في موضوعنا الآني و لنتسائل في داخل الاطار العام للكلمة القرانية ( آ قرأ ) ماهي فلسفة الرؤية الاسلامية لمداخلة التنوّع الحاصل لماهية الرسالات السماوية التاريخية ؟. ولماذا اختلفت النوعية الحركية لمعاجز تلكم الحركات الرسالية في تاريخ الانسانية؟ . او ماهي الرؤية التي توضح لنا اختلاف مايسمى بالمعاجز الاهوتية لرسالات الرسل ؟. ولماذا هذه المعاجز مرة تكون في اطار كسر القوانين الطبيعية كالتي حصلت لرسالة موسى ع ، ومرة لكسر القوانين الفسلوجية او العضوية الانسانية ، كما حصلت لرسالة الرسول عيسى ع ، ومرة هي تقول بأعجاز الكلمة المنطوقة والمسموعة والمقروءة ، كما ورد في خاتمية الرسل لرسالة الرسول الاعظم محمد رسول الله صلى الله عليه واله والمنتجبين من صحبه ؟.
نعم ماهي الحكمة من ان تكون الكلمة معجزة الاهية ؟. ولماذا كانت هنا الكلمة بينما كانت هناك كسر القوانين الطبيعية او الفسلوجية الانسانية ؟. او ما هو السرّ الذي يغير من معادلة الاعجاز الرسالي ليجعله مرة في أطار الاعجاز الكوني ، وأخرى في الاطار الانساني ، وثالثة في الاطار العقلي والفكري والنفسي للكلام البشري المقروء ؟.
قد تساء ل ابن السكيت ( أبو يوسف يعقوب بن اسحاق ، أحد أئمة اللغة والادب والنحو في الحضارة العربية الاسلامية ورجل صاحب اختصاص في الكلمة ، قتله المتوكل سنة 244 هجرية لعدم نفاقه ) ايضا حول موضوعة تغير المعادلة الرسالية المذكورة آنفا ، وبما انه رجل مفكر ولغوي واديب وله حساسية عالية تجاه الكلمة ...، فانه طرح هذه الموضوعة بالذات بين يدي احد احفاد رسول الاسلام محمد ص وهو علي بن موسى الرضا ع ( من أئمة الشيعة الامامية صاحب نفوذ فكري وسياسي في عصره ) ليتساءل : لماذا بعث الله موسى بن عمران ع بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر ؟. وبعث عيسى بآلة الطب ؟. وبعث محمدا ص بالكلام والخطب ؟.
فقال أبو الحسن عليه السلام : ان الله لما بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم ، وان الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات ( الامراض ) واحتاج الناس الى الطب ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى ، وأبرأ الأكمه والابرص باذن الله ، واثبت به الحجة عليهم . وان الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام ...، فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم ، واثبت به الحجة عليهم .
فقال ابن السكيت : تالله مارأيت مثلك قط ّ فما الحجة على الخلق اليوم ؟.
فقال ع : العقل ، يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه .
فقال ابن السكيت : هذا والله هو الجواب ؟.
بغض النظر عن ما حوته هذه المحاورة الراقية في الفكر الاسلامي ، وبغض النظر عن المحاور المتعددة التي اثارتها هذه اللفتات العميقة لموضوعة تغير معادلة الاعجاز الاهوتية ، فان هناك تأكيد من خلال هذا المنظور الاسلامي على ان المعادلة الاعجازية رهينة ( الحاجة ) الانسانية مرة - اعجاز عيسى - ، ورهينة ( التطور العالي ) لتكنلوجيا الخداع والسلطة مرة اخرى - اعجاز موسى - ، ورهينة ( الاحساس ) الجمالي والفني الراقي لحيثيات الكلمة - اعجاز محمد رسول الله - ، وهذا ما يفتح امامنا محور معرفي مهم جدا في حركة التاريخ الانساني من جهة ، وحركة النقلات النوعية للحركات الاصلاحية الرسالية من جهة أخرى ، كما انه كذالك يفتح افاقنا على موضوعة الماهية الانسانية للاجتماع والمجتمع البشري ، لتضع اناملنا على مفهومة صعود ونزول و رقي وهبوط و متطلبات وحاجات ......... ، وباقي العناوين الاخرى المتصلة بحياة وروح ونظم وقوانين الاجتماع الانساني ، والكيفية التي من خلالها تختلف مطالب ومنافر الاجتماع الانساني ؟.
وعلى العموم كانت الخلاصة تقول : ان معادلة الاعجاز الاهوتية بنيت حسب متطلبات وحاجات الاجتماع الانساني - حسب المنظور الاسلامي - او حسب الرقي او جانب من الرقي الانساني هنا او هناك ، لتكون عملية الاصلاح الرسالية اكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الاجتماع الانساني سواء كانت تلك المتطلبات فكرية او اقتصادية او سياسية او اجتماعية او نفسية روحية ....الخ ؟.
ومثل هذه الرؤى هي ماتدفعنا لنسأل : ماهو مضمون ان تكون الكلمة معجزة ؟. ولماذا كانت الكلمة معجزة لخاتمية الرسالات ؟. وهل حقا ان الكلمة بما هي جمالية وراقية تكفي لان توضع في صف الاعجاز الرسالي ؟. ومن ثم كيف لنا ان نقر بان كلمة فنية معينة ...، تصلح لأن تكون معجزة نبوة ؟.
ولكن قبل الاجابة على مثل تلك المحاور المعرفية للموضوع الاينبغي ان ندرك اولا الكيفية التي كانت ( آ قرأ ) هي كلمة الاعجاز القرانية بالنسبة لأمة العرب ، ومن ثم كانت كلمة الاعجاز العالمية وستبقى هي نفسها الكلمة البداية والنهاية بنفس الوقت ؟. وكيف كانت الكلمة القرانية ( آ قرأ) حاجة وستبقى حاجة انسانية دائمة ؟.
ان لمفهوم ( الحاجة ) فلسفة خطيرة في حياة الفرد والجماعة الانسانية ، كما انه مفهوم له اكثر من بعد في حياة الانسان بصورة عامة تفرض عليه من هنا او من هناك الخضوع لمتطلبات ( الحاجة ) سواء كانت تلك المتطلبات نفسية روحية كحاجة ألأمن الاجتماعي ورفع ممونات الخوف وعدم الاستقرار للفرد او الجماعة ، أو كانت حاجات مادية كتوفّر الخبز والمسكن ...، وباقي متطلبات حاجات البشر الطبيعية ، او ربما تكون حاجات ضرورية كالحاجات الكمالية التي تساعد على نهضة الامة حضاريا وعسكريا واقتصاديا كحاجات الامم للبرامج والخطط والنظرات والنظم .....، التي تساعد هذه الامم على المسير خطوة نحو التقدم والتكامل الانساني .....الخ ؟.
وكذالك فان ( الحاجة ) كما انها مطلب فطري وطبيعي وتنظيمي واجتماعي .....الخ ، كذالك هي بعد حركي يستطيع ومن خلال ضغطه كمفهوم فلسفي ان يحرك الفرد والجماعة على التفكير والبحث والابداع والاستكشاف .....، وباقي العناوين التي تهيئها او تفرضها الحاجة على الحياة الانسانية ، فحاجتنا لايجاد لغة لاتفنيها يد القدر - مثلا - هي التي دفعتنا لابتكار الرسم ومن ثم الخط ومن ثم الكتابة ...، كلغة اخرى بامكانها ان توصلنا بالعالم الزماني والمكاني الاني والمستقبلي لحياة البشر ، كما هي لغة تخاطب فكرية ( ربما كانت قبل النطق اللساني وربما بعده ؟.) فرضتها حاجة التطلع لبقاء الفكر اكثر مدة على قيد الحياة زمنيا ومكانيا وكذاك أمنيا ......الخ
كذالك بالامكان القول هنا : ان معرفة وادراك مفاهيم الحاجة وقوانينها الانسانية ، وكيفية تحركها ، وماهية صورها .....الخ من قبل اي فكر انساني ، يؤهل هذا الانسان لادراك ومعرفة ( المحرك ) الحقيقي او الدافع او الممون الفعلي لحياة الفرد والاجتماع الانساني ، ومن ثم بالامكان استثمار دوافع هذه المحركات الاجتماعية في الاغراض الايدلوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ...الخ ، كاستثمار الحاجة الاقتصادية مثلا لتشكيل فلسفة الطبقية الاجتماعية والثورية العمالية الكادحة ، او استثمار مفهوم الحرية كحاجة فكرية ونفسية واقتصادية واجتماعية ، وتجييرها لصالح الحركات الثورية التحررية في العالم الانساني العقائدي ، او استثمار الشعور بالكرامة والادمية كحاجة فطرية لمناهضة الاستعمار والاستغلال والاستعباد الاجنبي ، او كاستثمار الحاجة التعبدية والاهوتية والدينية للوصول الى النظافة الاجتماعية والتسامي الروحي والنهوض الحضاري ، والانتصار على التقوقع والمادية ........الخ ؟.
كل ذاك وغيره هو داخل في صلب معادلة الحاجة الانسانية ، والتي هي ايضا المعادلة الحيوية للرسالة الاسلامية بمفاهيمها الفكرية والفلسفية والعقائدية المقدسة ، والتي هي ايضا فرضت او افترضت ان ( آ قرأ ) حاجة فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية واجتماعية وفردية وروحية ....، للأمة التي ستحمل الرسالة الاهوتية الخاتمة ؟.
ان أمة كأمة العرب قديما وابان تحرك النهضة الاسلامية ، كانت من الامم التي هي بحاجة حقيقية الى بعض المتطلبات الحضارية التي توفر لهذه الامة مشروع نهوض انساني حقيقي ، فهي ومن خلال المدرك من وضعها الوجودي كانت من الامم ( الامية ) - اي - الامم التي تضعف فيها مكونات المقروء الحضاري بصورة ملفتة للنظر ، مما يعيق هذه الامة من الانطلاق الفعلي لحركتها الحضارية الانسانية الواسعة ، وبغض النظر عن الاسباب الفكرية او الاقتصادية او الاجتماعية او الجغرافية ...، التي ساهمت ببقاء هذه الامة على صورتها الفطرية من الامية الكتابية ، بغض النظر عن ذالك كانت الكلمة القرانية ( آ قرأ ) فاتحة الوحي الالهي لهذه الأمة الامية ؟.
نعم كان لهذه الامة نوعا من الادراك الاولي والساذج للكلمة المقروءة ، كما انه كان هناك من يتخذ من صناعة الكتابة والقراءة ، كمهنة تحتاجها الطبقة الرأسمالية الارستقراطية العربية أقتصاديا ، وهناك ايضا قرّاء للكتب السماوية الاخرى وصلوا الى هذه الجغرافية العربية مرة للبحث عن ملجأ آمن ، ومرة للتبشير لاديانهم ........، كما انه لايخفى ايضا ان هناك نوعا من الالتفات في هذا المجتمع الى ان الفعل الكتابي هو حاجة للحفاظ على بعض الثمائن من الكلمات والحكم العالية ، كالذي حصل بالفعل في شأن المعلقات او المذهبات الشعرية التي كانت تكتب وتعلق عند الكعبة للحفاظ على مثل هذا التراث الثمين للكلمة المنظومة ، مما يدلل على سمو ورفعت واهمية ( الكلمة ) في المخيال العربي ، لاسيما ان كانت تلك الكلمة معبرة ولها وقع موسيقي قوي على الروح الانسانية من جهة ، وادراك هذا المجتمع ان الكتابة توفر الكثير من الحفظ للكلمة زمانيا من جهة اخرى ....؟.
ولكن ومع ذالك وكما ذكرنا من قبل ، بقي الفعل ( آ قرأ ) خارج أطار الاجتماع العام للمنظومة الاجتماعية لهذه الامة ولغيرها ايضا من الامم آنذاك ، وداخلة في أطار الاختصاص ومطلب الحاجة السياسية او الاقتصادية او الدينية لهذه الامة او لباقي الامم الاخرى ؟.
ان ( آ قرأ ) كخطاب لاهوتي مدرك ، كان على وعي تام ان الامة والانسان الذي يخاطبها كانت أمة يغلب عليها الطابع الفطري بالنسبة للكلمة المقروءة ( أمة أمية = لم تزل على فطرة الامومة ) ، كما ان ذالك الخطاب الاهوتي واعي جدا لعملية انزال خطاب مقروء و هو بحاجة فعلية لأدراك عملية القراءة كي يتسنى للذين سيؤمنون به لاحقا من الالتصاق به ..، وهو كذالك خطاب متفهّم تماما انه لو لم تكن ألامة التي سوف تؤمن به أمة قارئة للكلمة فسوف يتعذر على هذه الامة من فهم مقاصد ه الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والنفسية ...، وكل ذالك ( يبدو ) انه كان واضحا بالنسبة للخطاب القراني او الكلمة القرانية ( آ قرأ ) المدركة لتلك الابعاد الاجتماعية لأمية الاجتماع العربي الكتابية ، ولكن مع ذالك كانت الكلمة الموجهة والاعلان الاولي والبداية المشرقة .... برآ ية ( آقرا ) الاسلامية ؟.
كذالك فان الاجتماع العربي آنذاك ، وهو صاحب الاحساس المرهف تجاه الكلمة المنطوقة والمسموعة بشكل عام ، كان اجتماعا مدركا ايضا لمقاصد واهداف وموسيقى الكلمة القرانية الاولى ( آقرأ ) ولكنه ومع ذالك لم يعترض عليها ، او لم يذكر لنا التاريخ ان مناهضي الكلمة القرانية والرسالة الاسلامية ، قد اعترضوا باعتراض : ان الكلمة القرانية كلمة مقروءة ونحن أمة أمية لانقرأ او نكتب ، ولكن ومع ذاك كان جلّ ما اثاروه من اعتراضات ضد الكلمة القرانية ، هي اعتراضات من قبيل تكذيب صاحب الرسالة الاسلامية ، واتهامه ( بالشطحات ) الاسطورية ، وممارسة الكهانه ...الى اخر هذه القائمة من المغالطات الساذجة ؟.
اذا نحن أمام أعلان قراني أولي لكلمة هي بحد ذاتها ملفتة للنظر ( آقرأ ) ، وهي لاريب منطلقة من وعي لاهوتي على درجة عالية من الادراك لعملية وضع الشيئ في موضعه ، كذالك نحن أمام أمة أمية في طابعها العام ، ويتعذر عليها مبدئيا ان تكون مؤهلة لتقرأ الكلمة المكتوبة ...........، فماهي والحال هذه المناحي المعرفية والمقاصد التي استهدفتها هذه الكلمة القرانية الاولية ؟.
نحن أمام منحيين معرفيين ان اردنا تناول هذه الاشكالية المعرفية ، الاول : هو ان نحترم عقولنا وعقول الاخرين ، وندرك ان الكلمة القرانية والتي رفعها الاسلام كمعجزة دائمة ، وهي التي لفتت اذهان العالم الانساني قديما وحديثا ، وشغلت عقول الفلاسفة والمفكرين ....الخ ، هي بالفعل كلمة لها من الافاق ما نحن بحاجة فعلا لبذل الجهد للوصول الى بعض مقاصدها العظيمة ، والتي تهدف لمناحي فكرية عميقة .، والمنحى اللامعرفي الثاني والذي ينغلق على ذاته ببلادة وغباء لينظر للكلمة القرانية ومن خلال نافذته المظلمة والمتخلفة والقاصرة لهذه الكلمة الاهوتية ، ليراها شيئ غير مفهوم ولا يحمل مقاصد واهداف سامية وراقية ، وله - حقيقة - العذر في ذالك ؟.
ان الخطاب القراني وحسب المعطيات المعرفية المقدمة آنفا - من انه خطاب واعي ومدرك - كان ملتفت تماما لحاجات هذه الامة الواقعية ، فهو ينظر للعملية من زاويتين حيويتين لمشروعه الاهوتي الاخير :
الاولى : بحث المشروع الاهوتي عن أمة تحمل مميزات رسالته الخاتمة ؟.
الثانية : حاجة هذه الامة الحضارية الذي ستوفرها الكلمة القرانية لهذه الامة ؟.
ان من مميزات المشروع الاهوتي السماوي ، انه مشروع ينبني اساسا على حاجات المجتمع الانساني ، ولا سيما الحاجات التي ان فقدت فستكون عائقا لنهوض اي امة يراد لها ان تستمر بالحياة والعطاء الانساني ، وهذه الميزة كما ستوفر للاجتماع الانساني سدّ حاجاته الضرورية ، كذالك هي ستعبر عن وجه من وجوه الصورة الاهوتية التي ستتحرك ضمن برنامج الرسالة السماوية ، اي ستقوم هذه الامة بعملية الانتماء للبرنامج الرسالي كحامل لرسالة سماوية ومبشر ّ بدعوتها الرسالية ، ومن هنا يكون المشروع الرسالي الاهوتي قد سدّ الحاجة الانسانية من جهة وضمن تطبيق مشروعه في الارض لخير الانسان من جهة اخرى، ولاريب ان حاجة الامة العربية كانت تختصر بأهم عنصر حضاري تفتقده هذه الامة الا وهو عنصر العقيدة المقروءة الجامعة لقوى الاجتماع الانساني ؟.
ان العقيدة الاسلامية وكبرنامج فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني ، هي ماكانت تحتاجه فعلا الامة العربية في ابان نهضتها الرسالية المباركة ، فهي أمة تفتقد الى عنصر ( الاجتماع ) الفكري الذي يوحد من رؤية المجتمع العقدية التوحيدية والفلسفية الكونية ، وكذا هي مفتقدة لعنصر ( الاجتماع ) القانوني الذي يوفر للمجتمع تنظيم كامل ورؤية موحدة للمصالح والمفاسد الاجتماعية ..، وكذالك هي مفتقدة لعنصر ( الاجتماع ) الاقتصادي .....الى اخر هذه القائمة ، والتي تعتبر تشكيل واعادة هيكلة للمجتمع وبناء منظومته الحضارية الجديدة ، ومثل هذه الهيكلة والبناء العظيم هو بحاجة الى تقنين حضاري ينطلق ويعود للكلمة المقروءة ؟.
نعم العرف العام هو قانون مسموع ومتعارف عليه فطريا ، الا انه يبقى من القوانين الطبيعية والاجتماعية الغير مدونة او الجامعة لمكونات الاجتماع الانساني ، اي : ان القانون العرفي قديما وحديثا ، وباعتبار انه كان من مميزات الاجتماع العربي ابان نهضة وبواكير الحركة الاسلامية ، كان ولم يزل قانونا قاصرا عن بناء امة وحضارة قوية ترتكز على اهم معادلات الحضارات الانسانية ، والممثلة في القانون المكتوب والمقروء ؟.
ان القانون المكتوب والذي جسدته العقيدة الاسلامية كحاجة ضرورية للامة العربية ، هو من اهم مميزات اي حضارة انسانية قائمة اوسع افقا من الاجتماعات الانسانية الطبيعية والساذجة ، ولذالك ومن منطلق طبائع الامور في اشياء العالم ، كان لابد من سدّ هذه الحاجة الاجتماعية ان تطرح الكلمة القرانية مشروع ( آ قرأ ) باعتباره المشروع الوحيد الذي ينقل هذا المجتمع المراد له ان يكون حاملا لرسالة عالمية ، من المجتمع الساذج ، الى المجتمع المعقد والحضاري ، ولاريب عند ئذ ان تكون الكلمة المقروءة والمكتوبة هي من اساسيات قيام هذا المجتمع الجديد المنبني على اساسيات القانون والسلطة والفكر والاجتماع الحضاري الموحد ؟.
ونعم لابأس ان يكون مشروع ( آ قرأ ) هو اشارة او رمزية البداية للكلمة القرانية التي استهدفت قيام كيان حضاري بعيد الغايات وكبير المحتوى - اي - لاريب ان ( آ قرأ ) اشارت الى حاجة المجتمع العربي آنذاك الى اهم عنصر من العناصر الحضارية لاي امة يراد لها ان تكون عظيمة ، وهي المادة القانونية والفكرية والاقتصادية المكتوبة والمقروءة ، ولكن ومع ذالك كان السعي حثيثا من قبل القيادة الاسلامية من جهة والكلمة القرانية المتممة والتامة من جهة اخرى لترسيخ الاساس الايدلوجي لاهمية القراءة والكتابة في مضمار بناء الاجتماع الاسلامي الحضاري وضرورة توفر الانسان المسلم على ملكة فعل ( آ قرأ ) ؟.
ان القران وباعتبار انه الكتاب المقدس للمسلمين ، والذي اقام لهم وجودهم الحضاري والعالمي ، وباعتبار انه القانون الاول لحياتهم والمورد الاصيل لافكارهم وفلسفاتهم ....الخ ، كان يحث ويدعو اتباعه والمنتمين لافكارة الى ضرورة التعلم للمادة المقروءة - اي قراءة القران - باعتبار ان حفظ وتطبيق هذه المادة المقروءة من اهم الاساليب والاسس التي ستخلق انسان القران في الحضارة الاسلامية ، ولذالك نجد البرنامج الاسلامي شديد الحرص على هذه النقطة :( فآقرء وا ماتيسر من القران علم ان سيكون منكم مرضى واخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فآقرء وا ماتيسر منه .. / المزمل / 20..) ؟.
أما من لم يزل في طور التعلم كمنتج طبيعي للامة الامية لادوات القراءة والكتابة ، فلا انعدام للسبل فليستمع حتى يتمكن من القراء :( واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ./ 204 / الاعراف )
وغريبة هذه الشدة على القراءة ، والتي يبلورها الاسلام الى واجب مقدس ، وحتى في احلك واشد ظروف الانسان قسوة ، كالمرض والحرب وطلب الرزق ومشاغل الحياة الاقتصادية ؟.
وكذالك ما اهتمت به القيادة الاسلامية في هذا المضمار من عملية نشر واسعة ودقيقة وعجيبة ايضا لتعليم القراءة والكتابة ، فمما يذكر ان الرسول الاعظم محمد بن عبدالله ص ، قد ارتأى ان تكون فدية اسير الحرب من مشركي العرب في معركة من المعارك التي فرضت على المسلمين ان يعلّم صبية من المسلمين القراءة والكتابة ان كان يحسن ذالك ، فكانت فكرة مبادلة الحرب بالعلم ، من عجائب حركة الرسالة الاسلامية الخاتمة آنذاك ، وحتى اليوم من الصعب ايجاد من يبادل بين الحرب وانشاء مدرسة لتعليم حرف القراءة للناشئة ؟.
وكذا يقال بكل الجهود المبذولة اسلاميا لتعلّم المقروء ، وخصوصا ما يتصل بالمقروء اسلاميا : ( القرآن عهد الله الى خلقه فقد ينبغي للمرء أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية / جعفر بن محمد الصادق ) وطبيعي والحال هذه ان يكون صاحب النظر هذا وصاحب القراءة القرانية ان يكون قارئا ، فما كان واجبا كانت مقدماته واجبة ايضا .....................الخ ؟.
وهكذا رأينا كيف ان العملية انعكست من صورتها الاولية للكلمة القرانية ( آ قرأ ) ، وكيف انها نظرت للحاجة الاجتماعية ومونت من سدّ هذه الحاجة تدريجيا ، لتصل الى خلق أمة قارئة ، تحتوي على كتاب مقدس مقروء ، حفظ بتلك القراءة والكتابة التي وفرّتها ( آ قرأ ) للاجتماع الانساني العربي وغير العربي بتوسع ملحوظ ؟.
ربما تكون كلمة ( آقرأ ) لها معان اوسع مما ذكرنا بكثير ، وهذا مؤكد لكلمة قرانية لاشاراتها ورمزيتها ابعاد فكرية واجتماعية عميقة ؟.
ولم لا ؟.
أليس هي كلمة منطلقة ونازلة وموجهة .. من علم لاهوتي يعتقد جميع المسلمون بأحاطته المطلقة للحدث الانساني والزماني والمكاني ؟.
أليس كلمة ( آ قرأ ) لم تزل ندية وولودة وبأمكانها ان ترقى الى مستوى الكلمة المعجزة التي تحمل في داخلها بناء أمة فاعلة حقا ؟.
وأليس النقيض لأقرا هو كارثة انسانية وحضارية على كل زمان ومكان ؟.
وماذا لو حاورنا الكلمة القرانية ( آ قرأ ) باوسع من ذالك بكثير ، لنصل الى المفاهيم القرانية للكلمة العجيبة ( آقرأ ) وهي تمتد لتكون ( بلّغ ، واتّبع ، وطبّق ، وتعّلم ، وناضلّ .....الخ من تلك المفاهيم العالية ) : ( ان علينا جمعه وقرءانه ، فاذا قرأنه فاتبع قرءانه / 17 - 18 / القيامة / قران كريم )؟.
وهذا ما سنتناوله في البحوث اللاحقة انشاء الله ، لنرى أعجاز الكلمة ( أقرأ ) بعد ان رأيناها وهي تنشئ وتبني ؟.