مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الخميس، أغسطس 04، 2011
(( لولا محاكمة العراقيون لصدام لما حلم العرب في محاكمة طغاتهم )) حميد الشاكر
هل كانت الشعوب العربية وبما فيها الشعب المصري الكبير يجرأ على مجرد التفكير بمحاكمة زعيم من زعماءه العرب ، لولا وجود النموذج العراقي الذي اسس لكسر تابوه القداسة للحاكم العربي ليحاكم صدام حسين اولا ثم يحكم عليه بالاعدام ثانيا ، ثم ينفذ حكم القصاص االالهي العادل بحقه وحق ازلام نظامه المجرمين ثالثا ؟.
سؤال يبدو الآن جاء اوان الاجابة عليه ونحن والعالم يرى محاكمة ثالث زعيم طاغية عربي يحاكم اثناء حياته من قبل شعبه بعد صدام حسين وزين العابدين بن علي الهارب في المملكة السعودية الشريرة وما رايناه قبل ايام من محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومجموعة من اركان نظامه المنهار !!.
طبعا قبل الاجابة على هذا السؤال نحن بحاجة الى مقدمة لابد منها لانصاف الشعب العراقي الذي ظلم كثيرا من قبل هذه الشعبوب العربية الشقيقة لنقول : ليعلم العالم بصورة عامة والشعوب العربية بصورة خاصة ان قضية المطالبة بالقاء القبض على صدام وحفنة المجرمين من اركان نظامه وتقديمهم للمحكمة واعطائهم الحق بالدفاع عن انفسهم ومن ثم الحكم عليهم بما يستحقون وتنفيذ حكم القصاص العادل باعدامهم ، كان كل ذالك قضية عراقية وطنية شعبيه بحتة ومئة بالمئة ولم يكن اي دور لقوى الاحتلال الامريكي بهذه القضية الا من خلال انها قوة احتلال فوضها مجلس الامن بالادارة الوقتية لهذا الوطن ، ومن ثم كان على الاحتلال الامريكي ان ينفذ الجزء المتعلق بمهامه الامنية بالقاء القبض على المجرمين من ارهابيي نظام صدام حسين باعتبارهم بؤر لصناعة الارهاب داخل العراق بينما كان العراقيون لهم مهمة وطنية تعمل بعيدا جدا عن اصابع الاحتلال الامريكي لاسيما في قضية محاكمة صدام حسين وانزال القصاص العادل به كحق للشعب العراقي لابد من تقديمه لهم ليستقر التغيير في العراق وتتحقق العدالة وياخذ كل ذي حق حقه !!.
اما غير ذالك فالعالم يدرك ان قوى الاحتلال الامريكي كانت على خلاف مع العراقيين شديد في مسألة محاكمة الطاغية صدام حسين وكيفية هذه المحاكمة حتى ان قوى الاحتلال الامريكي كانت وجهتها متبنية للرؤية السعودية التي كانت تطالب بايقاف محاكمة نظام صدام وازلامه ، ومقايضتها باي ثمن يُطلب من قبل العراقيين غيرتنفيذ حكم القضاء به وهذافضلاعن معارضةقوى الاحتلال الامريكي لتنفيذ الاحكام الصادرة بحق الطاغية صدام حسين ،ولكن ارادة العراقيين الوطنية كانت في صراع واضح مع الضغوط الاقليمية ، وضغوط قوى الاحتلال الامريكي لتنفيذ الارادة العراقية والوصول بالمحكمة الى نهاياتها السعيدة التي انتهت بشنق طاغية العراق صدام حسين وما عكسه هذا الحكم الجريئ عراقياوطنيا على طغاة العرب ونصب بعض دول الاقليم العربي لمآتم على النهايةالماساويةلصدام حسين لتحويل هذه المحاكمة الى قطب رحى ، للتحريض على الارهاب وقتل العراقيين نكاية على ما اقترفوه بحق طاغية من طغاة العرب كان يدرك اشقاءه من طغاة المنطقة العربية ان هذه السابقة العراقي ستكون البدايةلفتح باب مقصلة ستجري مواسيها على رقابهم كلهم في النهاية ، ولذالك كان رد فعل طغاة حكام العرب وخاصة الخليجيين منهم وطاغية مصر ، وليبيا بالذات عنيفا على الشعب العراقي قبل وبعد اعدام طاغية العراق صدام حسين !!.
وبالفعل دفع العراقيون ثمن هذا الموقف المبدأي من عملية التغيير في العراق وما اثارته محاكمة طاغية تكريت صدام حسين وما لعبته قوى الارهاب البعثية الصدامية من دور ارهابي قذر وحقير وسافل ولاانساني وهي تتحول الى حواضن للارهاب ، لقتل العراقيين واغتصاب اعراضهم ، وحرق اطفالهم ، وذبح شبابهم وشيبهم على الهوية !!.
والان نعودلسؤالنا الانف الذكر ولنجيب على هل كان ليجرأ اي شعب من الشعوب العربية على مجرد التفكير بامكانية محاكمة طاغيتهه ، ان استطاع الانقلاب عليه لولا ما فتحه العراقيون من هذا الباب الذي نبه الغافلين من الشعوب العربية لهذه السنة الحسنة ؟.
أم ان الشعوب العربية ، لو تركت بدون تجربة عراقية فتحت لهم ابواب احقاق العدالة الالهية بالطغاة والفراعنة لكانوااليوم مجرد حفنة من العبيد تسّبح وتقدس بحياة الحاكم وطاعة ولي الامر وامير المؤمنين وحامي حصن الدين وخليفة الله العظيم وظله في الارض الى يوم الدين ؟.
طبعا هناك مانعين امام العرب لاتمكنهم من مجرد التفكيرباهانة الحاكم الطاغية فضلا عن التفكير باسقاطه او بمحاكمته :
الاول : وهو المانع العقائدي الظلامي الذي يؤمن به مجمل الشعب العربي تجاه الحاكم وقداسته المزيفة .
الثاني : هو المانع الطبيعي الاجتماعي العصبوي الذي يحمله الانسان العربي في ثقافة الانتقام والغدر بدلا من ثقافة القضاء والعدل .
ولعلّ المانع الاول هو من الموانع التي اوصلت العرب الى تحولهم الى مصانع لانتاج الطغاة والفاسدين على طول خط سير تاريخهم الاسود ، فهنا نحن امام عقيدة يؤمن بها معظم العرب المسلمين ماعدى المسلمين العرب الشيعة ، والتي تذهب الى اضفاء نوع من القداسات الشرعية على الحاكم ومهما كان لون هذا الحاكم او توجهاته السياسية ، فمعروف على هذا الصعيد ان عقيدة العرب السنة تجاه الحاكم هي عقيدة ترقى الى النظر الى الحاكم انه الالاه الصغير الذي يمشي على هذه الارض ، وكل تعرض لهذا الالاه الصغير الحاكم في الارض سواء كان بالقول او بالعمل ، فيعد من الجرائم الشرعية والعقدية التي يستحق عليها فاعلها الاعدام من قبل هذا الحاكم وبضمير مرتاح جدا !!.
بل اكثر من ذالك تذهب عقيدة المسلمين من السنة العرب والذين هم اكثرية مع الاسف في عالمنا العربي الى الارتفاع بالحاكم وقداسته ليكون هو الاعلى بالفعل حتى من حرمةوقداسةالله سبحانه ورسوله ودينه بحيث ان الخروج على الشريعة الاسلامية المقدسة في عقيدة الظلاميين العرب العقديةمسموح بها في حيز نسبي معروف ، اما الخروج على طاعة الحاكم واوامره سواء كان هذا الحاكم فاسدا او قاتلا او سارقا او حتى شاربا للخمر وزانيا وزنديقا فلايمكن القبول بها او غفران جرمها الاعظم ابدا ، بل ينبغي الحكم بالاعدام الدنيوي على كل من يعترض على الحاكم في الدنيا ، وسيرد جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه الى ما لانهاية في الاخرة على التحقيق والدراية باعتباره مات ميتة جاهلية بالخروج على طاعة امامه وولي امره وحاكمه ومالكه في هذه الدنيا الفانية !!.
ومعروف ان مثل هذه العقيدة في تصنيم الحاكم الطاغية وجعله بمنزلة اقل بقليل من قداسة خالق الكون سبحانه ، وتعالى اذا لم يتعارضا ، اما اذا تعارضا فتقدم طاعة الحاكم على طاعة الله سبحانه من خلال تاويل وعاظ السلاطين لاحكام الله وتفسيرها كما يناسب ارادة الحّكام والظلمةوليس كما يناسب حكم الخالق سبحانه وتعالى ، فمثل هكذا عقائد دينية لايمكن لها ان تصنع امة بامكانها ان تفكر مجرد تفكير بمراقبة الحاكم او ان تشكك في دوافعه في العمل فضلا عن محاسبة الحاكم او التفكيربتغييره من خلال الثورة او غير الثورة او المطالبة بالعدل والحرية امام ظلمه ، وفساده فالحاكم هنا تابوه مقدس وحال طاعته حال طاعة خالق الوجود سبحانه ، وحال عصيانه حال عصيان هذا الاله العظيم عزة قدرته !!.
أما من يريد ان يتعامل مع الحكم والحاكم على اساس الحقوق والواجبات والبيعة والعقد الذي يبرم بين هيئة الحكم ، والشعب او الانتخاب والرضا بهذا الحاكم او الرفض والخلع لهذا الحكم ....الخ ،فكل هذه الافكار تعتبر في حكم عقائد الشعوب العربية اجنبية الحادية متمردة على الشريعة والمقدس وليس لها اي رصيد يذكر او يحترم بعقائد الشريعة ومن يحاول التفكير او الممارسة لهذه الافكار ضد الحكم والحاكم ، فماهو الا متمردا ومرتدّا على حكم العقيدة والشريعة وان مات في هذا السبيل فانه يموت ميتة جاهلية ، تورده سخط الله والعذاب الخالد في الدنيا وحتى الاخرة !!.
نعم في المانع الثاني الذي يعيق الشعوب العربية من التفكير بالمطالبة بالعدالة او اقامتها ضد اي حاكم طاغي ، هو مانع الثقافة العصبوية القبلية ، التي يرثها هذا الشعب العربي كابرا جاهليا عن كابروهو يرى ان العدالة شيئ غريب على ثقافته الاجتماعية العربية ، التي تؤمن بان العصبة والقوى ( حسب راي ابن خلدون ) هما اساسي الملك والوصول والاستمرار في الحكم ، ولاحكم يمكن ازالته واقامة حكم مكانه الا بالقوة والبطش والغدرباعتباره حنكة وسياسة ، وعلى هذا الاساس خلا تماما التاريخ العربي من محاكمة اي حاكم طاغية كان او غير طاغية من اي نوع من انواع المحاكمة او ادخال عنصر القضاء ليحكم بين الحاكم وشعبه ، الا اللهم ربي مايُذكر تاريخيا في خلافة علي بن ابي طالب الذي كان فريدا في حكمه القصير الذي حاول الفصل بين السلطات داخل الدولة العربية والاسلامية واعتبار القضاء المرجعية في الحكم بين الحاكم والمحكوم ولكن مع الاسف اليوم الشعوب العربية لاتنظر مطلقا لتجربة علي بن ابي طالب العربية الاسلامية على اساس انها التجربة الحقيقية او الشرعية او الصحيحة في كل تاريخهم السياسي العربي الاسود ، وانما تنظر لاسوأ التجارب السياسية انحطاطا في الدولة الجاهلية الثانية بعد الرسول او في الدولة الاموية في الجاهلية الثالثة التي اسست لاسوأ نموذج سياسي جاهلي باسم الاسلام على الاطلاق ، على انه النموذج الارقى في تاريخ شعوبنا العربية والاسلامية والذي ينبغي ان يحتذى كمشروع يشرح علاقة الحاكم بالمحكوم في ثقافة هذه الامة وتراثها الاجتماعي لاغير !!.
وبهذا نفهم معاناة وتيه هذه الشعوب العربية في البحث عن النموذج الارقى الذي ينبغي ان يحتذى في علاقة الحاكم بشعبه وهي ترى ان لاامل في التعرض للحاكم من جهة فضلا للتعرض للاطاحة به ، او محاكمته باعتباره نصف الاه مقدس من جهة ، وباعتبار ان الطريق الوحيد للتخلص منه هو ان تاتي قوة انقلابية اعظم منه تطيح بالوهيته لتغتصب منه هذه القداسة وتلبسها بدلا عنه باسم الحكم ايضا ولاغير !!.
وهنا جاء دور العراقيون ، وتجربتهم الحديثة ، التي صعقت الشعوب العربية بكل مفاصلها الغريبة والعجيبة وبدءاً من دخول عنصر الاحتلال وما خلطه من اوراق مرورا برؤية هذه الشعوب العربية لنموذج عراقي غريب فعلا ، عزف على اوتار كانت منفقدةتماما من اذهان هذه الشعوب المضللةبموضوعة نصف الالاه الطاغية الحاكم بامره وقدرته المطلقة ، والذي لايمكن ان يقال له ( اعدل ) فكيف يتعامل العراقيون مع حاكمهم بكل هذه المقاومة وهذه الندية ، وبهذه الراحة من الضمير الذي اتت بصدام حسين طاغيةالعرب الاكبرالى ساحة القضاءليحكم بين العراقيين كشعب وبين طاغيتهم كحاكم ، وحاكمته وناقشته ثم اعدمته قصاصا لدماء شهداء العراق واحقاقا للحق لاغير !!.
ان النموذج العراقي في محاكمة الطاغية صدام حسين بالفعل حرّك مياه راكدة عقدية واخرى ثقافية وسياسية لهذه الشعوب العربية الذي وفجأة وامام النموذج العراقي اكتشفت كم هي بلهاء ومغفلةعندمااعتقدت ان الحاكم نصف الاه ولاينبغي التعرض له او اسقاطه او محاكمته ، او التعامل معه كاحد مواطني الدولة والحكم وانه ينبغي ان يكون موظفا فيها ، وليس مالكا للحكم ، والدولة والشعب والثروة وكل الوجود !!.
كان الشعب العربي المسكين رغم غفلته واعتقال فكره بميديا اعلامية طاغوتية رهيبة ، وبارهاب سلطوي منظم يقمع كل بصيص امل بتفكير متزن تجاه النموذج العراقي الا انه بين الفينة والاخرى كان يرى بالنموذج العراقي في محاكمة طغاته انه هو النموذج ، الذي بحث عنه لمدة اربع عشرة قرنا في تاريخ العرب القديم والحديث فلم يجده العرب فيما الفوه من عقيدة وثقافة ، ولكنه فجأة ظهر على يد الشعب العراقي مع ملابسات لها اول وليس لها اخر !!.
وبالفعل بعد ان استقر الوضع في العراق نسبياوتعافى قليلا من الهجمة الارهابية التي افتعلها ضده طغاة العرب ، ومجرميهم وحكامهم الفاسدين ، واذا بكرة الثلج العراقية تتدحرج هناك في تونس ، وبعدها في مصر وبعدها في اليمن وهكذا في ليبيا .....الخ لنرى اليوم هذه الثورة العربية العارمة في كل ارجاء العالم العربي وهي تطالب بمحاكمة كل طغاة العرب ومن حكموها بالحديد والنار من جهة ومن حكموهم بالخداع والدجل والعقائد الظلامية من جانب اخر !!.
هل يعلم القارئ ماذا يعني عالم عربي او شعوب عربيةتنتفض بثورة على الحاكم وتطالب بمحاكمته على الطريقة العراقية ؟.
هذا يعني ان العراقيين نجحوا بالفعل ان يقدموا نموذجهم للعالم العربي وبدمائهم على انه النموذج الصالح للاقتداء في هذه المنطقة ولو كره الكارهون لكل ماهو عراقي !!.
ويعني ان امة العرب وصلت الى مرحلة الكفر بالطاغوت بالفعل والكفر بعقائد الطاغوت وثقافته المتخلفة التي كانت تتجلبب بجلباب الدين ، والمقدس لخداع الناس وتضليلهم ومن ثم استعبادهم وتحويلهم الى كم مهمل !!.
ويعني ان العرب عندما طالبوا بعد العراقيين بمحاكمة طغاتهم انهم اقروا للتجربة العراقية بالنجاح والريادة في هذا الموضوع والمنتج !!.
ويعني انه لولا تجربة العراقيين هذه التي قدمت راس طاغية العرب الاكبر صدام حسين لمقصلة العدالة وبمحاكمة عادلة وامام قضاء مستقل ، لما حلم التونسيين او المصريين او الليبيين او اليمنيين ....الخ ان يروا طغاتهم وهم يسيرون على نفس طريق ومصير صدام حسين في هذه الدنيا !!.
ولاي نبيه ان يسترجع شريط ذاكرته وليسأل بانصاف : لو لم يكن العراقيون هم من اسس لهذه السنة الشريفة ، والحسنة في عصرنا المعاش اليوم في محاكمة طاغيتهم صدام حسين فهل كان ليجرأ اي عربي بالمطالبة بمحاكمة طاغيته ؟.
ام ان افضل ماكان يحلم به الانسان العربي انذاك هو ان يرى يوما للظالم اما هاربا خارج بلده اثر انقلاب عليه واما مقتولا على يد عصابة استولت على الحكم بالقوة والغدر فحسب ؟!!.
alshakerr@yahoo.com
مدونتي http://7araa.blogspot.com/