الأحد، يناير 29، 2012

(( مطارحتان في نشأة الدولة والعقد الاجتماعي ... رؤية أسلامية )) حميد الشاكر


( المطارحة الثانية )

عند المجيئ بأسألة فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين وطرحها على المدرسة الفكرية الاسلامية لاكتشاف وجهة نظرها العقدية في موضوعة : سير المجتمع التاريخي ، ونقلته النوعية من المجتمع البسيط والساذج والطبيعي ، الى المجتمع المختلف والمعقد والسياسي ؟، وكذا عند سؤال الاطروحة الاسلامية حول نشأة الدولة واسباب ضرورتها الوجودية ؟، سنجد ان المدرسة الفكرية الاسلامية مدرسة غنية وثرّية في هذا المضمار ، بل انها الاطروحة التي اثارت هذا النوع من الاسألة والمنحنيات البحثية والدراسية حول المجتمع والتاريخ وهيئة الحكم وانشاء الدولة قبل فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين بقرون من الزمن ، حتى ان الرجوع لتفاسيرالمسلمين وتراثهم الفكري في تبيين النصوص القرءانية ، يرجعنا الى حالات بحث بمثل هذه المواضيع تعود الى عصر النبوّة والصحابة ايضا رضوان الله عليهم ،في قضايا من قبيل : الحاكم والمحكوم ، وشروط بيعة الحكم وبنود عقودها السياسية ، وكذا كيفية سير الاجتماع تأريخيا وتحولاته نوعيا ايضا ،... مما يدلل على ان الاطروحة الاسلامية لها وجهة نظر قديمة جدا في ثلاثي موضوعة (التاريخ والمجتمع والدولة )، الاّ ان هناك قطيعة فكرية لسبب وآخر فرضت بين المسلمين واسلامهم اضرّ كثيرا بقضايا البحث الاسلامية وابرازها بشكل واضح ومكثف ، هو ما جعل المسلمين انفسهم ينبهرون بما طرحته المدرسة الفلسفية السياسية الاوربية في هذا المجال اعتقادا منهم ان هذه الاطروحات السياسية الاوربية هي قمة الابداع الفكري والاجتهاد النظري في حقول الفلسفة السياسية الحديثة ، والحق ان هناك المدرسة الاسلامية التي هي بحر عميق من التصورات والفلسفات والاطروحات في كافة المجالات الانسانية لكن بدون باحثين ومنقبين وكاتبين ودارسين ومفكرين بها ، وهذا لايعني مطلقا ان ليس للفلسفة والفكر الاوربي فضل يذكر في هذه الحقول الفكرية والانسانية ، بل العكس صحيح من وجهة النظر الاسلامية القائمة على ( ولاتبخسوا الناس اشيائهم ) فالفكر الاوربي الحديث له فضل الابتكار وفضل الاثارة في عالم الفكر الانساني الحديث ، لكننا نشعر من جانب اخر ان جلّ ما يطرحه الفكر الاوربي الفلسفي والسياسي والاجتماعي ....، له رصيد واضح في مدرسة الاسلام العظيمة ، لكن مع الاسف بدون فكر وانسان وباحث اسلامي له تطلعات البحث وقوّة الابتكار وخوض التجديد بشجاعة ، ولهذا افتقرت المكتبة الاسلامية للكثير من البحوث والدراسات الحديثة المختصة بشؤون العالم الانساني الحديث التي تتناول القضايا الفكرية والسياسية الاسلامية الحسّاسة كالحرية والدولة والحاكم والحقوق والواجبات .... وهلمّ جرّا !.
نعم صحيح ان هناك تراكم تاريخي في الذهنية العربية والاسلامية فرضت نوع من التابوهات والمحرمات والمقدسات على العقل العربي والاسلامي لمنعه من قضية التفكير والاجتهاد هو الذي اعاق في الفترة الاخيرة من تطوّر الفكر الاسلامي ومواكبته للحياة الانسانية ، لاسيما ان تابوهات السياسة في عالمنا العربي والاسلامي ، وتابوهات المقدس الديني ، هي من ترى في كل حركة تجديد وتأمل وتفكير وبحث ... خطر على وجودها السياسي والديني القائم وكذا الاجتماعي والاقتصادي ، وهذا مفهوم جدا ، لكن هناك الاسلام العظيم نفسه وتركيبته الفكرية والعقدية التي لاتقبل إلاّ التطوّر ومواكبة الانسان لحظة بلحظة مع متطلباته ومستجداته الانسانية هي التي تنتصر في اخر الطريق دوما ، وما عظمة وقوّة الاطروحة الاسلامية الا انها متأتية من كون سرّ خاتمية الاسلام للاديان وسرّ عظمته المطلقة انه الدين صاحب الاطار الشامل الذي يجيب على متطلبات وحاجات واسألة الانسانية المتجددة كل يوم بما فيها حاجاته وضروراته واسألته السياسية والفكرية والدينية والاقتصادية وكذا التربوية الاجتماعية ، وهذا ماميّز الاطروحة الاسلامية عن غيرها ، وما هيئها لتكون بالضد دوما مع الدكتاتورية والظلم السياسي والديني والاجتماعي ، من منطلق ان الاسلام نفسه مع الحرية مع الحياة مع التفكير مع التطلع والمستقبل دوما !.
_______________

( تأريخ المجتمع من الطبيعية الى السياسية )

***********
في عملية المسيرة الانسانية المنصوص عليها قرءانيا (تأريخ الانسانية ) ، والمدّون لها أسلاميا فكرة تقول بان : الانسانية في مسيرتها الطويلة في هذه الحياة وقبل ان تتبلور شخصيتها السياسية والفكرية للتعقيد والاختلاف ، كانت أمة واحدة حيث لم يكن آنذاك في تأريخ البشرية الطبيعي والساذج اي تدافع حقيقي اجتماعي معتدٍّ به ، بل ان الانسانية في طور نشأتها البدائية تميزت بانها التجمعات التي تميل الى التوّحد الفطري في انماط حياتها الفكرية العقدية وكذا السياسية والاجتماعية وهكذا الاقتصادية ، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العظيم القرءان الكريم :(( كان الناسُ أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما أختلفوا فيه .../ 213/ البقرة )
اي ان الناس في مرحلة (الطفولة ) من مراحل التاريخ البشرية كانوا على نمطية واحدة من التفكير ومن العيش ومن السلوك .... وكذا من التطلعات وباقي الحاجات ، الى وصولهم الى نقطة معينة فرضت عليهم نوعا من النقلة النوعية في حياتهم الانسانية ، ابتدأت بالاختلاف الناتج الطبيعي عن اختلاف التطلعات والافكار والسلوكيات والمزاجات الانسانية التي تنضج لتتبلور في حالة النضوج بشكل اختلافات انسانية بين هذا الانسان وذاك ، وعندها تطلبت هذه النقلة النوعية في الحياة الانسانية من مرحلة الطفولة والسذاجة الى مرحلة النضوج والتعقلن والرشد أرسال رسل ونبيين مبشرين ومنذرين لهذه الانسانية التي استعدت ونضجت واختلفت عقليا وفكريا ، ومضافا لارسال الرسل أنزل الله سبحانه الكتاب او القانون او الدستور ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وليكون مرجعية قانونية لهم يحكم وينظم من سلوكهم من جهة ، ويعطيهم قيمومة المجتمع في الرؤية الموحدة من جهة اخرى !.
او على حد تعبير السيد صاحب تفسير الميزان (قدس): (ان هذا النوع قد مرّعليهم في حياتهم زمان كانوا فيه على الاتحاد والاتفاق وعلى السذاجة والبساطة ، لااختلاف بينهم في المشاجرة والمدافعة في أمور الحياة ، ولا اختلاف في المذاهب والاراء .... ومن المعلوم ان قوما حالهم هذه الحال لايظهر فيهم الاختلاف ظهورا يعتد به / الطبطبائي محمد حسين / ج2/ ص 126 )
كما ان هناك من المفكرين الاسلاميين من نظّر لمراحل ومسيرة الانسانية الطويلة نوعا ما ، ليس على اساس انها مرحلتين اساسيتين ( مرحلة الطبيعة الساذجة ومرحلة المجتمع السياسي المختلف ) كما لدى فلاسفة اصحاب العقد الاجتماعي الاوربيين ( هوبز ولوك وسبينوزا ) بل ذهب الى ان الانسانية تخطت مراحل أو ادوار او مسافات ثلاثة في مسيرتها البشرية ، وهي مرحلة او دور ( الحضانة ) ودور ( الوحدة) التي تحدث عنها القرءان بلغة (أمةً واحدة ) ، وثالثا دور ( التشتت والاختلاف ) الذي ذكره ايضا القرءان الكريم بقوله ( فيما اختلفوا فيه ) وهذه الرؤية ذكرها الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في التفسير الموضوعي للقرآن .
على اي حال فالاطروحة الاسلامية ترى : ان هناك مرحلتين اساسيتين في مسيرة الانسانية هذه :
المرحلة الاولى : والتي سُميت بمرحلة الطبيعة ماقبل المجتمع السياسي ونشأة الدولة عند فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين ، وبمرحلة الامة الواحدة في القرءان الكريم ، او مرحلة ( الفطرة ) عند اهل البيت عليهم السلام ، كما ذكر عنهم في تبيين هذا النص القرآني بالذات حيث ذكر عنهم ع عن تلك الفترة السابقة لفترة الاجتماع المعقد والسياسي ان الناس فيها كانو :( على فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وهذه رواية الصادق جعفر بن محمد ع ، وفي رواية الباقر محمد بن علي زين العابدين ع :( كان الناس قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لامهتدين ولاضالين فبعث الله النبيين ).
المرحلة الثانية : وهي مرحلة الاختلاف والتشتت والانقسام والتعقيد والدولة والسياسة والهداية والضلال والرشد الاجتماعي والطاغوت الانساني .... وهكذا ، وهي المرحلة حسب رؤية الاطروحة الاسلامية التي تطلبت أرسال رسل وأنزال قوانين وكتب ودساتير وظفت فيما بعد لنشأة الدولة وتنظيم حركتها في العالم الانساني حتى اليوم !.
نعم ماهو ذالك الاختلاف الكبير الذي تتحدث عنه الاطروحة الاسلامية ؟.
وماهي ماهيته التي تطلبت من المجتمع الانساني ان ينتقل بحياته من السذاجة الى التعقيد ؟.
وهل لهذا الاختلاف سببية واقعية في نشأة الدولة وهيئة الحكم والقضاء في المجتمع الانساني ؟.
كل هذه الاسألة وغيرها هي من ضمن اهتمامات دائرة الفكر الاسلامية التي رأت : ان الاختلاف المذكور في النصوص الاسلامية لمراحل التطورات الانسانية هو الاختلاف الكبير المفضي الى دفع المجتمع الانساني نحو التغيير من مجتمع البساطة الى مجتمع التعقيد والسياسة !.
الآن عند روسو كان سبب الازدياد السكاني هو ما اشير اليه اسلاميا بالاختلاف الذي انتج وانشأ مشروع الدولة ، عند لوك حماية الملكية وعوامل الاقتصاد هي الاختلاف ، عند هوبز طبيعة الاجتماع المتوحشة وحالة الحرب والفوضى هي الاختلاف ....، وكذالك في الاطروحة الاسلامية ترى في كل هذه العوامل اسبابا واختلافات دفعت المجتمع للتفكير بضرورة ايجاد هيئة قضائية او مجموعة حكومية تنظم من سير وحركة المجتمع المتطورة يوما بعد يوم ، وبما في ذالك اختلافات الانسانية العقدية الدينية والفكرية والطبيعية والاقتصادية ... كلها عوامل واسباب لاتذكرها الاطروحة الاسلامية بالنص وانما تذكرها بالعموم تحت عنوان ( فاختلفوا ) لتعطي صورة الاختلاف على اساس انها منتج انساني مئة بالمئة هو الذي انشأ ظروف جديدة استلزمت بعد ذالك ضرورة وجود عنصرين في نشأة اي دولة وهما ( الحكومة والقانون ) !.
____________________

( الدولة كمنتج رسالي )
*****************

تختلف الرؤية الاسلامية عن رؤية فلاسفة العقد الاجتماعي في المرجعيات التي أقامت الدولة في التاريخ الانساني من حيث انها منتج رسالي وابتكار نبوي مئة بالمئة وليس هي منتج معادلات اجتماعية مادية لاغير من خلال ابرام عقد اجتماعي وجدت الدولة على اساسه كظاهرة اجتماعية !.
بمعنى اخر : انه مع ان الفكرة الاسلامية حول الاسباب والدوافع التي حتمّت من وجود جهاز الدولة كضرورة اجتماعية في تاريخ الانسانية فيها اتفاق بين الرؤية الاسلامية ورؤية فلاسفة العقد الاجتماعي من ان هناك (أختلاف اجتماعي سياسي اقتصادي فكري عقدي .... ) ما دفع لايجاد ظاهرة الدولة في المجتمع ، الا ان نفس هذه الرؤية الاسلامية تختلف في مَن هي المرجعية الحقيقية التي فكرت في تأسيس هذه الدولة ؟.
وهل هي مرجعية اجتماعية بعيدة عن يد السماء والوحي والنبوة ؟.
أم انها مرجعية متصلة بالوحي والنبوة والسماء ؟.
فيما مضى من مطارحة ادركنا الرؤية الاوربية الفلسفية التي ترى : ان المجتمع هو صاحب القرار في انشاء هيكلية الدولة من خلال ابرام عقد اجتماعي تنازل بعض الافراد لبعضهم الاخر عن حقوقهم الطبيعية او بعضها لانشاء ظاهرة الدولة !.
أما الان ونحن أمام الرؤية الاسلامية فاننا نجد من يقول من فلاسفة الفكر الاسلامي ( السيد المفكر محمد باقر الصدر قدس) : ان أطروحة الهيئة السياسية او الدولة ان هي الا من مبتكرات قادة الدين التاريخيين من انبياء ورسل لرب العالمين !.
والحقيقة ان القرآن الكريم نفسه بأعتبار انه المرجعية الفكرية الاولى للاطروحة الاسلامية كذالك هو يرى : ان الاختلاف الحاصل بين الانسانية في قديم الزمان بقوله ( فيما اختلفوا فيه ) أو قوله سبحانه :(وماكان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا ../ 19/ يونس ) والذي على اثره تدخلت يد السماء لتنظّم من هيئة الاجتماع الانساني ، ذاك الاختلاف وان كان سببه اجتماعيا انسانيا واقعيا لاغير ، الا انه كان سببا ظاهريا لتدخل الوحي والنبوة ليخلق نوعين من الظواهر اللاهوتية والانسانية المتمازجة :
الظاهرة الاولى : ظاهرة ارسال رسل من قبل الله سبحانه وتعالى كحالة لطف الاهية .
الظاهرة الثانية : انزال كتب وقوانين ودساتير كتشريعات يومية وحكومية وسياسية وقضائية واجتماعية واقتصادية ..... ينسق الاجتماع سلوكه وتصرفاته حسب مقتضياتها واوامرها ونواهيها الآنية .
ومن هنا نفهم ان اول تشكيل لقيادة حكومة في التاريخ الانساني بعد الاختلاف البشري الذي ذكر قرءانيا في قوله سبحانه وتعالى :( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ...) كانت هي القيادة الرسالية التي شكلت محور نشأة ظاهرة الدولة في المجتمع ، ثم ومباشرة وفي تناسق زمني تام أنزلت مع ارسال هذه القيادة الرسالية التي تشكلت على اثر الاختلاف الانساني الكتب او القوانين او الدساتير لتشكل في مضمونها عملية هي قريبة من عملية انشاء العقد بين المجتمع عند فلاسفة اوربا ، ولكنها مختلفة من حيث الاطراف ، فالاطراف في العقد الاجتماعي هما الدولة او المجتمع من جهة والدولة او الاتحاد الاجتماعي من جهة اخرى في فلسفة العقد الاجتماعي ، بينما اطراف العقد الاسلامي هو بين القيادة او الدولة من جهة وبين الله سبحانه وكتابه وقانونه ككاتب لهذا العقد كطرف ثالث وبين المجتمع كطرف ثاني في العقد الاسلامي هذا ، ليكون هذا الكتاب او القانون او الدستور هو العقد القائم بين الانبياء والرسل وقادة الدولة الجديدة ، وبين المجتمع والناس والبشر !.
بمعنى اخر : ان اطراف العقد في الاسلام الذي على اثره انشأت الدولة وتحول المجتمع من المجتمع الطبيعي الى المجتمع السياسي المعقد هي :
اولا : الطرف الاجتماعي المؤمن .
ثانيا : الطرف الايدلوجي السياسي والديني الرسالي .
ثالثا : الطرف الغيبي الالهي المنزل للكتاب والقانون والدستور .
نعم لماذا رأت الاطروحة الاسلامية وجوب ان يكون العقد او الدستور او القانون هو من منزلات العلو اللاهوتي السماوي المقدس ، ولم يكن من وظائف الاتحاد الاجتماعي المدرك لمصالحه الانية ؟.
فمثل هذا السؤال وفي هذا المنعطف بالذات فيعتمد على ان للاسلام رؤية فلسفية كونية للخلق والانسان والغاية من هذا الوجود ليس هنا البحث في مضامينها الفكرية ، ولكن يكفي الاشارة الى ان الرؤية الاسلامية توجب في العقد الذي ينظم من حياة المجتمع الانساني ان يكون مقدسا وعاليا ويحمل صفة الحدود التي لاينبغي التفكير بتجاوزها من احد افراد المجتمع الذي تعاقد مع هيئة الدولة الرسالية من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جهة اخرى ، بالاضافة الى رؤية الاسلام نفسه الفكرية في :ان القضايا التشريعية هي من مختصات صاحب السيادة الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى سيد الكون والعالم والانسان ، ولابأس هنا ان ذكرنا اشكالية طرحها روسو نفسه عندما كان يدافع عن حق الاتحاد الاجتماعي وحده في اصدار التشريعات الاجتماعية القانونية ، حيث قال : انه لايوجد في هذه الحياة الدنيا انسان واحد بالامكان الثقة والركون الى ميوله النفسية والفكرية ، ومن هنا كان لزاما وعلى اساس هذه الحقيقة اعطاء او القاء وظيفة التشريعات القانونية لمجموع الاتحاد العام من الشعب الذي ينتخب ممثليه للسلطة التشريعية التي تأخذ مصالحه بعين الاعتبار في مواد التشريع ، وليس لفرد هنا او فرد هناك يميل اينما مالت مصالحه ومنافعه الدنيوية هذه الوظيفة !.
وعلى نفس هذا المنطق او قريب منه رأت الاطروحة الاسلامية حساسية قضية التشريعات القانونية للمجتمع ، وان هذه القوانين لايمكن القبول بوضعها ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون ) الا من جهة محايدة في الحكم وشمولية في الرؤية بحيث ترى جميع مصالح المجتمع المتنوعة وتأخذها بنظر الاعتبار ، وتامة في العدالة لتصدر جميع الاحكام من قبل جهة لاتفرق بين فرد واخر ولاتظلم انسان وغيره او طبقة ودونها او فئة واختها وليس لها مصالح مع هذه الجهة او تلك ...، وهكذا رأت الاطروحة الاسلامية انه لايمكن لاحد ان يأخذ دور المشرّع القانوني في دولة الرسل والانبياء والمؤمنين من الناس الا الله سبحانه وتعالى او احد رسله وانبيائه في هذه الحياة لاغير لوجود عصمتهم من الميل والمحاباة والانزلاق مع المصالح هنا وهناك !.
وحتى رؤية روسوا التي ذكرناها فأن روسو غفل ان تطورات البشرية بامكانها ان تخلق فئة كاملة او اتحاد كامل من اتحادات الامم البشرية تميل في تشريعاتها الى تشريع مصالحها على حساب مصالح امم وشعوب اخرى ، ولو كان حاضرا روسو في ايام مجلس الامن الدولي هذه الايام وكيف ان الاقوياء من الدوّل تشرّع لمصالحها على حساب مصالح الشعوب والامم الضعيفة ، لغير رأيه ربما في الكثير من ارائه حول عصمة الاتحاد الاجتماعي من التشريعات الخاطئة ، ولادرك ان الله سبحانه الخالق وحده هو الجهة التي بالامكان الثقة بنزاهتها وترفعها في تشريعاتها العادلة لجميع البشر وبلا تمايزات او ميول من هذا الاله العظيم والعادل وخالق الخلق الذي يرى فيهم انهم جميعا عياله بلا فرق لاسود على ابيض او اعجمي على عربي او اوربي على شرقي !.
نعم يتبقى ان نشير الى ان المرجعية الكبرى في الاسلام للدولة والمجتمع هي الشريعة الاسلامية المتمثلة اولا في الكتاب الكريم وتراث محمد وال بيته الطيبين الطاهرين ، وان هذه المرجعية القانونية والفكرية مضافا الى انها مادة العقد الذي اسس لوجود هيئة الدولة مقابل المجتمع المؤمن ، كذالك فأن بنودها القانونية تعتبر بنود للعقد الاجتماعي بين اي هيئة حكومية قضائية تشريعية في الدولة وبين الناس والمجتمع ، واي تجاوز على تشريعاتها القانونية في التنفيذ او التخطيط او رسم السياسات العامة للمجتمع ، يكون خرقا ايضا لبنود العقد القائم بين الدولة والمجتمع ، ويضفي من ناحية الدولة الى سقوط شرعيتها القانونية والدستورية ، مضافا الى ان للمجتمع الحق الاطاحة بهذه الدولة والغاء وجودها وتغيير هيكلياتها القائمة ، ففي مثل هذه الحالات تكون سلطة الرقابة الاجتماعية هي صاحبة السيادة على مراقبة الدولة وتقنين حركتها والتمرد عليها ان ارتأت الدولة تجاوز نصوص الدستور والقانون ، او انتهجت التعسف والظلم على المجتمع ، او قصرت في الامانة وتفرعنت وتجبرت وتحولت الى مجرد عصابة تحاول الاستيلاء على المجتمع واختطافه كعبيد وتحويله الى امة شبح !.
وفي الجانب الاخر من العقد الاسلامي فإن الدولة ايضا صاحبت مسؤولية امام الله سبحانه وامام المجتمع ، ولها حق السلطة وقوة العقد وانتخاب الشعب لها مما يسمح لها بممارسة صلاحياتها الادارية والتنفيذية حسب الدستور والشريعة في الاسلام ، كما ان لها ايضا حق الرقابة وتنفيذ القانون على المجتمع كما كان للمجتمع حق الرقابة على عمل الدولة والقيام بوضائفها باعتبار : ان دولة الرسل والانبياء الاسلامية هي خليط من مجموعة مؤمنة تعاقدت على قيام كيان متصل بالله سبحانه وتعالى :(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ))
________________________
alshakerr@yahoo.com