ثالثا : اشكالية فكر ( فلسفتنا ) وموضوعة
الترجمة .
تناول الاستاذ (رشيد الخيون) في هذا المحور
من محاورنقوداته الفكرية على فلسفة السيد الشهيد اشكالية او( اعتقاد اشكالية) سمعتها انا شخصيا من لسان
الكثير(لاسيما الشيوعيين العراقيين) ممن ينتقد فكرالصدرالفلسفي (سطحيا ) بدون
القدرة لديهم على النزول للعمق ، وليتناولوا من ثم فكر الصدر الفلسفي بحثيا وليفندوا
مضمون ارائه الفلسفية علميا ومنهجيا في الموضوع !!.
وها نحن الان امام نفس الاشكالية ، التي
يتناولها الاستاذ (الخيون ) في سياق مقاله المذكور تحت هذا الاطار :
( الاّ أن غير المطلع على المؤلفات الفلسفية ، التي أراد الصدر الردّ عليها أو
تفنيدها يرى في *فلسفتنا* كتاباً لكل مكان وزمان ، وليس جملة مقابلها جملة أو شعار
مقابل شعار، فالكلام العام الذي يتحدثون به عن فلسفة وفكر الصدر لا يُعد مشروعاً لتفنيد
الفلسفات الغربية ، والسبب أن نقض أي فلسفة أو علم يحتاج إلى قراءته بلغته ومعلوم أن الصدر لم يكن يجيد لغة أخرى، ولم يقرأ
غير المترجم إلى العربية، والترجمة فيها ما فيها من البعد عن الأصل..)
والحقيقة نحن هنا امام محور نقدي للاخ رشيد فيه عدة اشكاليات بحثية نجدنا
مضطرين للوقوف عندها واحدة واحدة ، وبحث
مضمونها ، وتناول لمزتها وهمزتها النقدية
من هنا وهناك :
اولا : نحن امام نقدية الاستاذ الخيون للذين يرون ان ( فلسفتنا ) للصدر
كتاب لكل زمان ومكان !.
ثانيا : ، وامام ان كتاب فلسفتنا ( حسب وجهة نظررشيد الخيون ) الشخصية ماهو الا ( جملة مقابلها جملة او شعار
مقابل شعار ) !.
ثالثا : وان كتاب فلسفتنا لايعدوا (يقصد لاينهض او لايصلح ) ان يكون تفنيدا
للفلسفة الغربية !.
رابعا : حجة الاستاذ الخيون بعدم صلاح ( فلسفتنا ) للتفنيد هي (أن نقض أي فلسفة
أوعلم يحتاج إلى قراءته بلغته ومعلوم أن الصدرلم يكن يجيدلغة أخرى ولم يقرأ غير المترجم
إلى العربية والترجمة فيها مافيها من البعد عن الأصل ..)
هذه هي اهم المحاور النقدية للاستاذ رشيد في فقرته التي تناول فيها كتاب فلسفتنا
فلسفيا وعلميا وفكريا ( سنتناول رؤاه السياسية في الاقسام الاخرى ) !.
ولنقول بصدد هذه النقود المختزلة :
اولا :ربما قصدالاستاذ (الخيون) في نقده للذين يؤمنون بعبقرية كتاب فلسفتنا
للسيد الصدر ، وانه كتاب عابر للزمان وللمكان انه لاينبغي على التقديسيين العاطفيين ان يعطلواالفكرالفلسفي
العراقي بسبب رؤيتهم التقديسية تلك لكتاب جاء لمرحلة زمانية ومكانية معينه !!.
وداخل هذا الاطار لا اشكال لنا مع نقد الاستاذ رشيد لان دعوتنا ايضا تصب في
اطار عدم تقديس الفكر مهما كان طارحه ، وضرورة ان يفتح الباب على مصراعيه لانتاج اعمق
عراقيا واكثر تقدما انسانيا مما طرحه
الصدر فلسفيا تاريخيا !!.
اما ان كان مقصود الاستاذ الخيون ان نفس كتاب ( فلسفتنا ) هو من البساطة
والسذاجة بحيث انه لايصلح حتى لزمانه ، الذي طرح فيه وانه ينبغي طرحه اوعلى الاقل
دراسته كنوع من الوفاء لذكرى صاحبه الشهيد قبل ارجاعه الى رفوفه التاريخية والى
الابد !!.
فهذه دعوى (وان كنت اعتقد انها مقصود الاستاذ رشيد) نربأ باصحاب الفكر
والبحث والدراسة ان ينزلقو لها لانها لاتليق بعوام الناس فضلا عن مفكريهم ومثقفيهم
، ومشكلي ثقافة المجتمع ، والناهضين بها الى الرقي واحترام الفكر والعلم كيفما
تنوع واختلف !.
ثانيا : يبدو ان الاستاذ الخيون ولانه كاتب وباحث ( حول ) التراث الفلسفي
والديني العربي والاسلامي لاسيما في كتبه (( جدل التنزيل ومعتزلة البصرة وبغداد ..
)) وليس هومن المشتغلين بالفلسفة اوالممتهنين لفكرها والممارسين لاساليب صناعة
براهينها ، لذالك هو فكريا وشخصيا ينفر من كل ماهو ثابت ومطلق من الاحكام الفكرية
والعقلية ، ويعتقد ان كل مقوله اطلاق ( لزمان ومكان ) في فكر ما ، هي بالضرورة خاطئة
وغيرعلمية ولافكرية او فلسفية !!.
ولهذا وجدناه (ينتفض) بوجه غير المطلعين على باقي الفلسفات من المؤمنين
بفلسفة الصدر ، ويرد على اعتبارهم : ان ما طرحه الصدر صالح لكل زمان ومكان بالقول:(الاّ أن غير المطلع على المؤلفات الفلسفية ، التي أراد الصدر الرد عليها أو تفنيدها
يرى في *فلسفتنا* كتاباً لكل مكان وزمان ) !.
والحقيقة وبغض النظر عن العاطفيين مع فكر الصدر الذي نشاطر نقدهم مع
الاستاذ الخيون ، باعتبار انهم تقديسيون وليسوا فكريين علميين في مواقفهم الفكرية تجاه كل ما يرد في فكرالسيد ( الصدر) الفلسفي
وبغض النظر ايضا انه لاتوجد علاقة فكرية وفلسفية او نقضية (على حد تعبيرات الخيون
نفسه ) بين ان يكون فكر الصدر اطلاقيا زمانيا ومكانيا ، وبين دراسة باقي الفلسفات
الاخرى ، الا اننا لانتفق مع الاستاذ ( رشيد) في موضوعة كيفية النظرة لما طرحه الصدر فلسفيا في كتاب ( فلسفتنا
) اولا ؟.
ونختلف معه ايضا في محور هل ما طرح برهانيا عقليا في كتاب ( فلسفتنا ) يمكن
ان يصلح لكل زمانكانية انسانية متغيرة ؟.
ام انه طرح فكري عقلي فلسفي نسبي
حاله في ذالك حال باقي افكار الانسان النسبية الاعتبارية الاجتماعية التي تختص بزمان ومكان دون اخر وتتطور وتتغير
مع الزمان والمكان من جانب اخر ثانيا ؟.
هنا نحن نريد ان نطارح الاستاذ رشيد الخيون بفكرة فلسفية كبيرة ولا نحاول
ان نجيب على نقده بنقد مماثل لاعلاقة له بفكر الصدر الفلسفي ، وما طرحه في كتاب ( فلسفتنا ) !!.
اي اننا هنا سنثير قضية فلسفية تناولها الصدر محمد باقر في كتاب (فلسفتنا )
نفسه في قسم ( نظرية المعرفة ) تحت محور ( تطورالحقيقة وحركتها / ص 163 / دار
المعارف/ ط الرابعة عشر / لسنة 1406 ه ) ليناقش الصدر نفسه : ماهية الفكر في ثباته
وتطوره من جهة !!.
وهل هناك فكر ، او حقيقة ، او مبدا او برهان او ... عقلي يصلح لان يكون مستقرا في كل زمان ومكان من عالم
الانسان المتغير ؟.
ام انه لاوجود لفكر ومبادء عقل ثابتة ومستمرة مع الزمان والمكان ؟.
بمعنى اخرسيتم مناقشه الموضوعة (مع الخيون) الفلسفية الكبرى وهي : هل ان
الفكر الانساني بكل وجوده وانتاجه وتصوراته وافكاره و... لايمكن الا ان يكون نسبيا
متطورا متغيرا ، ولا يمكن له ان يتجاوز
قوانين الزمان والمكان المتطورة ( رؤية المدرسة الماركسية على العموم ) ؟.
ام ان هناك فكر عقلي بامكانه تجاوز الزمان والمكان في حقائقه القانونية ؟.
الاستاذ (رشيد الخيون) يعيب على بعض المؤمنين بفكرالسيد الصدر الفلسفي انهم
يعتقدون ان فكر الصدر الفلسفي فكرٌ يصلح لكل زمان ومكان !!.
وانه فكر استطاع نقض الكثير من مبادئ الفلسفة الغربية الحديثة !.
وانه فكر .....الخ .
في الاطار اذا اردنا ان نردّ او نجيب فكريا فلسفيا على اشكال الاستاذ
الخيون هذا ينبغي علينا :
اولا : ان ندرك ( ماهوالفكر الفلسفي ومانوعية هذا الفكر الذي طرحه السيد الصدر في
كتابه فلسفتنا ؟.
اي هل هوفكر(برهاني عقلي فلسفي) يرتبط بمبادء العقل الانساني الذي تعتقد
المدرسة الارسطية العقلية العربية والاسلامية
انها من البديهيات التي تسموا فوق الزمان والمكان والتغير ؟.
وثانيا : ينبغي ان نعي وندرك هل الفكرالمطروح فلسفيا في (فلسفتنا) للصدر
لنقض الفكر الفلسفي الغربي هومن نوع الفكر الفلسفي البرهاني الذي يختص بالبرهان
العقلي الغير مقيد بزمان ومكان ؟.
ام انه فكر خاضع لقوانين الزمكانية المتغيره بين الفينه والاخرى ؟.
طبعا ليعذرنا قرائنا المحترمون ،
لاننا مضطرون لاستخدم محاور وبحوث
المنطق الفلسفي هنا واعتباران نقودات الاستاذ (( الخيون)) هي ايضا مطلّعة وملمّة
ومستوعبة لمثل هذه المحاور لاسيما انه
يكتب ويبحث في تاريخ نشاة الفلسفة العربية والاسلامية ،وله جولات بحثية معمقة مع (
الاعتزال وفكره ) لذالك اعتقد ان الاستاذ ( الخيون ) يدرك تماما ما اتناوله هنا ردّا على مقولة
المطلق والمقيد في الفكر الانساني، واساليب صياغة البراهين العقلية الفلسفية
وايمان ( المدرسة الارسطية العربية الاسلامية ) التي ينتمي لها باقر الصدر بان
البرهان العقلي لايكون عقليا اذا لم يكن حقيقة ثابتة لاتتغير بتغير الزمان والمكان
!!.
ومن هنا كانت اهمية سؤالنا حول :
نوعية ما يكتبه السيد الصدر من براهين فكرية وعقلية نقضية في كتابه ( فلسفتنا ) !.
ولماذا نحن نعتقد : ان ما طرح بهذا المؤلف من فكر فلسفي سيبقى طويلا مع
الزمن ، وليتحول بفعل نقضيته الفلسفية الى
حلقة وصل مهمة في نقد الفلسفة الصناعية الحداثوية الغربية المعاصرة !.
نعم بسبب(كما اشرنا)عدم اختصاص الاستاذ رشيد الخيون بموضوع الفلسفة بصورة
مباشرة وبسبب ايضا ان الاستاذ رشيد غير ممتهن ولا مطلع بالعمق من اساليب كيفية ((
صناعة البرهان المنطقي )) الفلسفي للمدرسة الارسطية العربية الاسلامية ، التي ينتمي لها الصدر
ولماذا هم ( الفلاسفة الارسطيون العرب ) يعتقدون ان من صفات البرهان ان يكون عقليا
غير مرتبط بالزمان والمكان النسبي وهكذا
ايضا ، بسبب انتماء الاستاذ رشيد الخيون الايدلوجي الذي هو بعيد بمنطلقاته
ومرجعيته وتصوره عن المدرسة الفلسفية الارسطية العربية والاسلامية ، و ... لاجل
ذالك كله فمن الطبيعي ان ينفر فكر الاستاذ
الخيون من كل ما هو فلسفي عقلي ارسطي عربي اسلامي .. لا ينسجم مع ما يؤمن وينتمي
له الاستاذ رشيد بهذا الصدد لا غير !.
ان ما طرحه السيد الصدر محمد باقر في كتابه ( فلسفتنا ) ردّا ونقضا لمعظم
منطلقات ورؤى الفلسفة الغربية الحديثة لاسيمامنها الماديةالحسية والتجريبية ((جون
لوك / ديفيد هيوم/ اوجست كونت / ماركس / ماوتسي تونغ / و ...)) يمكن اطلاق صفة
البرهان النقضي العقلي عليه ، اي الذي يتوافق عليه العقل البشري الفلسفي انه برهان ، او فكرة او حقيقة تخضع هي نفسها المُتلقي
لها عقليا !.
وانه طرحٌ عمقُ تاثيره ، وسرّ قوته انه يخاطب العقل الانساني السوي الذي
يدرك باولياته وبديهياته ان البرهان والدليل والحجة الفلسفية العقلية لايمكن ان
يختلف عليها عقلان سويان !؟
فمفهوم العلية(مثلا)ومفهوم الرياضة ومفهوم القوانين العابرة للزمان والمكان
، التي صفاتها عكس صفات المادة تماما
ومفهوم ........الخ ، كل هذه مفاهيم ومفردات فكرية فلسفية عقليةمن الصعب على
الاخرالعقلي سواءكان تجريبيا او حسيا او ماديا ان يناقض فكرة عقلية من هذه الافكار
والمفاهيم الفلسفية !.
وعندما حاول ( كنموذج / ديفيد هيوم )
ليطرح نظرية (الانتزاع ) في حيز نظرية المعرفة الانسانية ، ولتحل محل (بديهة)
مفهوم السببية العقلي الفلسفي اضطرّ فكريا الى الغاءواقعية القانون ليتخلص من قوة
مفهوم السببية و( ثباته واطلاقه ) الواقعي اللازماني واللامكاني !.
لكنه ، ومع بذله لمجهود فكري ( باسم العلم للتضليل ) لاباس به الا انه اخفق
اخفاقا كبيرا جدا ليس لانه ليس فيلسوفا
ماديا حسيا متمكنا ، بل لانه اراد ان يتغلب
على برهان عقلي فلسفي مستقر وثابت ، وعاكس لحقيقة قانون السببية الخارجي ، فما كان
من نصيب (هيوم ) ، الا الخسران في حلبة
الفكر والعلم والفلسفة !.
بهذه المفاهيم العقلية الثابتة ، والبراهين الفلسفية الراسخة طارح ( محمد
باقر الصدر ) كل مفاهيم ورؤى المدارس الفلسفية الغربية الحديثة ، سواء كانت مدارس مادية ام مثالية ام حسية كانت
ام عقلية و ...غير ذالك !.
فهل يمكن بعدهذا العرض الموجز والواضح لمفاهيم الصدرالفكرية والفلسفية والتي
اعتمد عليها تماما في كتابه فلسفتنا فهل
يمكن بعد ذالك ان نطلق صفة النسبية على هذا المنتوج الفلسفي الكبير وانه يمكن ان
يموت في لحظة زمن تاريخية عابرة !.
الحال هي الحال في الفكرالفلسفي بشكل عام تاريخيا وحتى اليوم ( فالمقياس هنا لا يختص بفكر الصدر
الفلسفي ) ، فلم نزل الى اليوم نقرّ ( في
مدرستنا الارسطية العربية الاسلامية العقلية)بان اسس المنطق الارسطي العقلية: هي
الاسس ، التي لم تزل صالحة لادارة وتوجيه الفكرالانساني حتى اليوم مع ان منطق
ارسطوا يعتبر التاسيس الفكري للفلسفة العقلية
قبل اكثر من الفي سنة منذ الان ، ولكنها مع ذالك غضة طرية ، وحية وتدرس
لتنظيم اساليب فكرنا العلمية والفلسفية !!.
الفلسفة السينوية ( نسبة الى ابن سينا ) ، او الفكر الفلسفي الارسطي الرشدي
( نسبة لابن رشد ) ، وحتى اشرقات ( الشيرازي ) العرفانية الارسطية
في الحركة الجوهرية واجتهاده بهذا الاطار لايخرج عن القاعدة فكله فكر اعتمد على
بداهات ، واوليات العقل الانساني ، وان اختلف
في التفاصيل في كيفية حركة المادة الجوهرية
عند الشيرازي ( مثلا ) الذي اختلف فيها مع
المفهوم الارسطي او السينوي لهذه الحركة !.
فالاختلاف في وجهات النظر الفلسفية لا يخرج ، ولا يمكن له ان يخرج عن قاعدة ان الفكر
الفلسفي بشخصيته ، وبماهيته هو فكر عابر لمتغيرات الزمان والمكان ، وانه فكر انبنى على مبادئ عقلية انسانية بدهية
عامة قابلة للتنوع والابداع والاختلاف داخلها مع بقاء جوهرية وعنوانها العام ثابتة
!.
اختلف السيد محمد باقر الصدر في كتابه (الاسس المنطقية للاستقرارء ) مع
ارسطوا بعمق في رؤيته ( للاستقراء الناقض ) واعتبر السيد الصدر ان نقد ارسطوا ل( لاستقراء الناقض ) كان نقدا ينقصه الالتفات الفلسفي للكثيرمن المفاهيم التي ترشح
الاستقراء الناقض ليكون هو وليس الاستقراء التام القادر على انتاج حقائق استنباطية
، وعلمية ( تجريبية ) اكثر عملية من
الاستنباط والاستقراء الكامل !!.
مع ذالك بقي الفكر الفلسفي الارسطي العقلي هو الفكر ، الذي يؤطر المدرسة
الفلسفية الارسطية اليونانية والعربية الاسلامية حتى اليوم !.
بهذا المعنى نحن نقول بان كتاب فلسفتنا كتاب سيبقى مع الزمان والمكان لا
لانه معجزة الاهية ، بل لانه ( كتاب فلسفة ) ،
وحلقة مهمة من هذه المسيرة الفلسفية التي ستبقى مع الانسان (( مازال لدى هذا الانسان عقل يفكر ويبدع ويجدد
الحياة من خلاله كل يوم )) !.
ثالثا : قضية الترجمة
القسم الرابع .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق