السبت، فبراير 07، 2009

أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن اراد العلم فليأت الباب -5

((محور مدينة العلم وعلم المدينة )) ___________________________ فيما سبق من اطلالات أشرنا الى ان هناك ظاهرة انسانية وتاريخية اصيلة في الوجود البشري ، وهي ظاهرت :( التقارن بين الرسالة والمدينة من جهة وبين المدينة والرسول من جهة أخرى ) !. أما الآن فلدينا جدلية أجتماعية تكاد تكون أعلى منزلة من مجرد الظاهرة في دراسة الاجتماعيات البشرية ، الا وهي جدلية :( المدينة والعلم من جانب وعلم المدينة من جهة اخرى ) !. فهذه الجدلية او التفاعلية ترتقي لأن تكون حقيقة من حقائق الاجتماع البشري في التاريخ وحتى اليوم ، فلكل مدينة انتاجها العلمي وصناعتها الحضارية ، صغيرة كانت او كبيرة ، كما ان لكل علم مدينته الذي ساهم في انتاج هذه الصناعة الحضارية والعلمية ، وعلى هذا بالأمكان القول : ان ليس هناك علم وحضارة بلا مدينة ومدنية ، كما انه ليس هناك مدينة ومدنية بلا علم وتحضّر !. فياترى هل هناك فرق فكري معتبر في ثنايا هذه الجدلية الاجتماعية الانسانية على المستوى العملي بين ان تكون المدينة منتجة للعلم وبين ان يكون العلم منتج للمدينة والمدنية ؟. سؤال من الجانب الاخر للموضوع : هل عندما يذكر الحديث الرسالي المحمدي الشريف ص :( انا مدينة العلم ..)) هو راصد بالفعل لتلك الجدلية بين المدينة والعلم ، لذا جاء تقديم واضافة المدينة للعلم ؟. أم انه ليس هناك ادراك ووعي في جدلية التقديم والتأخير في المقول المحمدي الرسالي العظيم في (انا مدينة العلم ) وهي هي كما لو عكست المسألة ليكون الرسول محمد ايضا هو ( علم المدينة ) كما قال :( انا مدينة العلم ..) ؟. بمعنى آخر : هل هناك حكمة رسالية تّستهدف شيئا ما عندما قدم الرسول الاعظم محمد ص ( العلم ) على المدينة ، وجعل كل هذه المدينة هي تبعا للعلم في قوله ص :( انا مدينة العلم ..) ؟. أم انه ليس هناك هدف خطير في هذه اللفتة الرسالية بين المدينة والعلم ، وانما كل ماهناك هو وجود مضاف هو ( المدينة ) ومضاف اليه في اللغة العربية هو ( العلم ) خصص نوعية المدينة فحسب ، فمحمد رسول الله ص هو مدينة العلم لاغير ؟. والشيئ نفسه عندما نتساءل كلنا مجتمعين بتأمل واحد حول : وماهي هذه ( ال ) التي توسطت بين المدينة والعلم ، في قول الرسول محمد العظيم ص :( انا مدينة العلم ) وهل هي اشارة للام عهد مخصوصة بحيث يكون العلم المشار اليه رساليا هو علم معهود اسمه علم الرسالة ، لذالك اضيفت له المدينة ؟. أم ان هذه اللام في قوله ص :( مدينة العلم ) هي لام العهد لكنها المعبّرة عن حقيقة الاشياء ايضا ، ليكون المعنى الرسالي في قوله ص :( انا مدينة العلم ...) هو يعني : انا لست مدينة علمية فحسب ، وانما انا مدينة العلم الحقيقي والنافع للبشرية جمعاء ؟. ثم وبعد كل تلك الاسألة من حق الاخر ان يتسائل ولكن من الجانب الاخر لضفة الموضوع وليقول : نعم ندرك ان رسولكم اللكريم محمد ص ينظر بنور الله ويتحدث لاعن هوى مطلقا ، وانما هو وحي يوحى ، ولكن نريد معرفة ماهية الفرق الجوهرية بين ان تكون المدينة هي منتجة للعلم وبين ان يكون العلم منتج للمدنية في جدلية :(( انا مدينة العلم ..)) ؟. فهل هناك اختلاف في هذه المعادلة ؟. واذا كان هناك مختلف ما ، فهل يحق الاشارة اليه رساليا لتؤكدوا على ان مقولة الرسول محمد ص :( انامدينة العلم ..) مختلفة تماما عن :( انا علم المدينة ) لتصنع فرقا كبيرا ؟. الجواب : نعم هناك فرقا مفاهيميا وفكريا كبيرا بين ان تكون المدينة هي الصانع والمنتج للعلم المدني ، وبين ان يكون العلم هو الفاعل والصانع والمنتج لكيانية المدينة والتمدن ، فهنا نحن امام المقدمة والنتيجة بين ان تكون المقدمة هي المدينة كمكان جغرافي وانساني له القدرة على صناعة العلوم المدنية من خلال الاختلاط المدني الطبيعي الذي ينتج سلوكا وافكارا وفلسفات وفنون وصناعات .... تعزى كلها الى طبائع المدن ، وبين ان نكون أمام علم او فكرة او ايدلوجيا تهندس من هذا الوجود المدني لتشكله بصيغة طبقية او اجتماعية او فكرية اخرى مختلفة عما كانت عليه هذه التشكيلة الاجتماعية المدنية في السابق !. فالمنحى الاول كانت فيه المدينة هي الخالق للعلوم والظواهر الاجتماعية الانسانية الاخرى ، كما انها هي الرب الذي يربي ساكنيه على نمط حياة معينة وفنون معينة وصناعات وسلوكيات وعلوم مختلفة !. اما في المنحى الثاني فدخلت معادلة ( العلم ) لتكون هي القيادة للمدينة بكل شؤونها الانسانية والجغرافية والاقتصادية والسياسية والاسرية والفردية هنا ، فاضيفت المدينة كتابع لهذا العلم وهذه الفكرة وتلك الرؤية العلمية !. اذن هناك فرق جوهري عندما نقول :(مدينة العلم ) او نضيف :( علم المدينة ) فمدينة العلم نتيجة لمقدمة العلم ، وهذا بعكس نتيجة علم المدينة التي تكون فيها المدينة والمدنية مقدمة لنتيجة العلم والعلوم الاخرى !. بكلمة اوضح : علم المدينة صورة تعنى بما تنتجه المدنية الانسانية من ظواهر طبيعية وانسانية تختصر بالعلوم الناتجة من هذا التمدن ، لكن مدينة العلم صورة تعنى بما ينتجه العلم والفكر حصريا من اشكال المدن الانسانية وطبيعة نظمها السياسية والايدلوجية والاقتصادية والطبقية .... الى اخر هذه الصور من صور التمدن الانساني المختلفة بعضها عن البعض الاخر !. والى هنا يبدو اننا اجبنا على سؤال الفرق بين ان تكون المعادلة بين مدينة العلم ، وبين ان تكون المعادلة في علم المدينة ، يبقى التساؤل حول : ماشأن العلم الرسالي المحمدي الكريم ص بمثل هذه المعادلات الانسانية المعقدة ؟. وما معنى قوله ص : ( انا مدينة العلم ..) ؟. وهل الرسول الاعظم محمد ص صاحب رؤية : وجوب قيادة العلم للمدنية ، بدلا من قيادة المدنية للعلم ؟. الحقيقة ان الخط الرسالي النبوي الشريف وعلى مدى التاريخ البشري المعروض لنا قرءانيا ، يؤكد لنا ان حالة الصراع الازلية بين الطاغوتية الفرعونية المنحرفة وبين الرسالية النبوية الشريفة المطالبة باقامة العدل بين الناس المذكورة لنا قرءانيا ايضا هي مابين هاتين المعادلتين : معادلة قيادة المدنية للانسان المدني ، ومعادلة قيادة العلم للمدنية المنفلتة !. بمعنى آخر ان تاريخ الصراع الذي يذكره لنا القرءان بين الانبياء والرسل والمصلحين من جهة ، وبين الطغاة والمتفرعنين واصحاب الثروة والمترفين من جهة اخرى كان ولم يزل منشأه من هذه الجدلية التي تقوم على قيادة الحياة في المدن بين ابناء المدنية والمدينة من تجار واصحاب سلطة كونت لهم المدينة مصالحهم الشخصية والسلطوية المعروفة ، وبين رسل وانبياء وصالحين ودعاة مساواة كوّن لهم العلم والفكر ... نوع من الرؤية للمدينة وكيفية ادارتها بصورة علمية مختلفة ، فهم لذالك ناقدين للاوضاع المدنية القائمة ومطالبين بوجوب التغيير الذي يقوده العلم لتغيير وجه المدينة من الاساس !. اي وبمعنى مغاير : ان الصراع التاريخي الكبير المذكور قرءانيا هو في وجه من وجوهه الانسانية بين ابناء المدينة الذين كونتهم وخلقتهم المدن حسب طريقتها الحضارية ، وبين ابناء العلم والسماء الذين انفلتوا من هيمنة المدينة وسطوتها التربوية ، ليكونوا فيما بعد ابناء مدن بعقول علمية لقيادة هذه المدن وليس قيادة المدن لهم ، لذالك هم مثل محمد الرسول العظيم ص يؤمنون بطريقة :( انا مدينة العلم ) القيادية او بوجوب قيادة العلم للمدينة ، وليس بصورة :( علم المدينة ) وقيادتها الحضارية ، وهذا لا لشيئ في الضد من الحضارة والمدنية ، ولكن لضميمة واحدة لاغير ترى ان في تربية المدن كما هو شيئ صالح هناك اشياء كثيرة جدا في هذه المدن من المفاسد !. يعني : ان للمدنية والمدينة سلطة مطلقة على ساكنيها من الاجتماعيات الانسانية ترغمهم على الخضوع لطبائعها السلبية الكثيرة ، فكما ان في المدينة تحضّر وصناعة وفنون وترف ... وايجابية ، فهناك ايضا المفاسد وسلطة المال وسوط الحاكم ومصالح التجار وسرقة رغيف الضعيف وبهارج النساء واختلاط الامزجة وتدافع المصالح وعفن الحواري وضيق الشوارع وازعاج الموسيقى الرديئة ..... وباقي الموبقات على الفطرة الانسانية ، هي الاخرى تتسلط على الانسان وتهيمن على كينونته المدنية لتحولها شيئا فشيئا الى ركود المدن ورائحتها الاسنة !. وهنا فحسب يتدخل ( العلم ) المنفلت من هيمنة السلطة المدنية لقيادة التغيير في المدن ، بدلا من قيادة هذه المدن المتعفنة اساسا للعلم !. ان هذا العلم الذي وصفناه بالانفلات من هيمنة التمدن المتعفنة ، هو نفسه الذي يخبرنا عنه الرسول الاعظم محمد ص في قوله :( انا مدينة العلم ) وهو نفس العلم الذي اشار له الحديث الشريف ب ( لام ) العهد الحقيقية ، اي هو العلم الحقيقي النافع لقيادة التمدن وارجاع هذه المدنية من غلوائها وترفها وفسادها المدني الى رحابة العلم الرسالي المحمدي العظيم ص الذي يعيد المدينة الى قيادة العلم ولايترك العلم لقيادة المدينة !. اذن : في قوله ص : ( انا مدينة العلم ..)) حقائق كثيرة وكثيرة جدا منها على سبيل المثال : اولا : جدلية مدينة العلم وعلم المدينة . ثانيا : الفرق الكبير المشار له في حديث الرسول محمد ص بين ان يكون العلم قيادة للمدينة وبين ان تكون المدينة هي القيادة . ثالثا : ادركنا ان العلم الذي اشار له الحبيب محمد ص انما هو علم الرسالة المدير لشؤون المدينة الصالحة ، وليس هو نفس العلم الذي تنتجه المدينة باعتبار امكانية تسرب الفساد لهذه او تلك من المدن !. رابعا : عندما يقول الرسول الاعظم محمد ص :( انا مدينة العلم وعليّ بابها ) فكأنما يقول لنا : انا لست فقط مدينة علمية فحسب ، بل انا القيادة الحقيقية والعلم النافع لادارة المدينة والمدنية ، وانا الضمان الفعلي لعلاج فساد المدن وتهاوي مدنيتها الطاغوتية . خامسا : للمدنية علم ولكن عليكم بمدينة العلم ، ولاتنسوا باب هذه المدينة العلمية وهو عليّ بن ابي طالب ع فهو المدخل الذي سوف يشرح لكم كيفية الوصول الى قيادة العلم للمدينة ، فهو الوحيد القادر من بعدي لاخضاع تمرد المدينة تحت قيادة العلم !. سادسا : عليكم بالحذر الشديد جدا من مكّر المدينة ، فهي حلوة وجميلة وقوية ....، فلا تتخذوها الاها يعبد من دون الله سبحانه وتعالى وكونوا ابناءا للعلم ولاتكونوا ابناءا لعلم المدينة . ___________________________________ al_shaker_(at)_maktoob.com