الثلاثاء، أبريل 28، 2009

المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والانفس 4

(1) قل : أعوذ برب الفلق = قل التجأ الى مدبر الفجر والصباح ، والتصق برعاية جنابه المقدّس سبحانه وتعالى !. من شرّ ماخلق = من جنس شرور ماخلق بلا تحديد او حصر او لون او وجهة !.
ومن شرّ غاسق اذا وقب = ومن شرّ ظلمة وظلام وليل ودخول ، ووقوب وغفلة !.
ومن شرّ النفاثات في العقد = من النفوس والانسان ، ومن المرأة وأحكام تدبيرها وعقدها للشرّ والايذاء !.
ومن شرّ حاسد اذا حسد = من الرجال وتطلعاتهم ونقمتهم على التمايز بين الناس وشرّهم !.



*******
(2)



هل يكفي استعاذة واحدة بالله العلي العظيم ، أمام اربع جهات من الشرّ تحيط بالانسان من كل زاوية ؟.
شرٌ من جهة الخَلق ، وشرٌ من جهة الظلام والغسق ، وشرٌّ من جهة المرأة او النفس ، وشرٌّ من جهة الرجل والحسد !.
لماذا هذه الكميّة من الشرور التي تحيط بالانسان من جهاته الاربع ؟.
ومامعنى الشرّ الذي ارادت المعوذة الفات نظرنا له والاستعاذة منه ؟.
وهل حقا ان الشرّ مخلوق من مخلوقات الله سبحانه ولهذا امرنا بالاستعاذة منه ؟.
وكيف يخلق الحكيم الجميل الله سبحانه وتعالى هذا القبيح الرديئ من الشرّ ؟.
هل الشرّ في معظم الاحيان شرّ بذاته ولذاته ؟.
أم انه شرّ لغيره خيرٌ لذاته ؟.
ماهي العلاقة بين الخير والشر ؟.
وهل هي نفس علاقة اليسر والعسر ؟.
أم انها علاقة انفصال وندّية وليس أمتزاج وكيميائية ؟.
هل خلقتنا الانسانية والعالمية لاتكون خلقة بلا عنصر الاحتكاك والشرّية ؟.
أم انه بالامكان تصوّر لوحة فنية خلقية عالمية ولكن بلون واحد فقط ؟.
هذه الاسألة وغيرها بحاجة الى بحوث منفردة ومعمقة في قضية الشرّ والخير في العالم ، ولكن يكفي هنا الاشارة لزاويتين فحسب :
الاولى : تختص بجانب العقيدة التوحيدية الاسلامية التي ترى ان خلق الله سبحانه كله جميل وخير محض !.
الثانية : زاوية فهم معادلة العلاقة بين الخير والشرّ ، وان الشرّ هو عدم الخير لاغير ، وليس خلقا منفصلا عن الخير !.



****
(3)

في الفلسفات الانسانية القديمة كانت هناك فلسفة تسمى فلسفة الثنوية او اصحاب الثنائية في الخلق : وهم مجموعة من المفكرين الذين اصطدموا بمسألة : الكيفية التي نتمكن من خلالها الايمان بأن هذا الشرّ الموجود في العالم الكوني والانساني هو مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ؟.
وتسألوا : هل يعقل ان نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى الجميل الذي لايخلق الا جميلا ، هو نفسه من يخلق هذه الكمية من الشرور العالمية والانسانية ؟.
وهل يعقل ان الالاه الذي يخلق الخير والفضيلة هو نفسه من يخلق الشرّ والرذيلة ؟.
هناك الفقر والمرض شرّ ، هناك الحروب والجهل شرّ ، هناك الضغائن والدسائس شرّ ، هناك الشيطان والضعف شرّ ٌ ....... فهل كل هذا يعتبر ايضا من خلق الله سبحانه الذي خلق الارض والمطر والحب والجمال ... وهو فيض وخير مطلق ؟.
وكيف لخير مطلق وفيض جميل يخلق وينتج شرّ وقبح بهذه المنزلة من القسوة ؟....... الخ !.
وعلى هذا ارتأى هؤلاء المفكرين والعلماء وتخلصاً من الصاق تهمة خلق القبيح لله سبحانه وتعالى ان يقولوا : بثنائية الخلق !.
وهي عبارة عن فكرة وزعت الخلق الى خالقين او مبدآين او مصدرين في هذا الوجود الواسع :
الاول : وهو خالق الجمال والخير والحب والفضيلة وهو الله سبحانه وتعالى !.
الثاني : وهو خالق القبح والشرّ والرذيلة والكراهية وهو الشيطان !.
وبهذا اعتقدت الثنوية انها تخلصت من نسبة الشرور والقبائح لله سبحانه وتعالى بأن جعلت في الوجود خالقان ، الاول للخير والثاني للشرّ والقبح !.
والحقيقة ان رؤية الثنوية هذه اولا :هي رؤية سطحية وساذجة جدا لموضوعة الشرّ في العالم ، وثانيا : هي كذالك رؤية غير مدركة لحقيقة الخير والشرّ في هذا الوجود ، وثالثا : هي رؤية لم تدرك ولم تعي معنى ومفهوم ومصطلح الخلق نفسه لذالك هي اعتقدت ان هناك خلقا منفصلا للشرّ وآخر منفصلا للخير في هذا العالم ، ولهذا هي بنت كل فلسفتها الفكرية على اساس صراع الخير في جهة من جهات الوجود الانساني مع صراع الشرّ الذي هو موجود في جانب اخر في هذه الحياة ، ولهذا قالت بوجود خلقين وخالقين في العالم الاول للخير والثاني للشرّ !.
هذا مع اضافة ان الفلسفة الثنوية كانت حبيسة الرؤية الذاتية النفسية الانسانية لمفاهيم الخير والشرّ في هذا العالم ، فرأت ان كل ماينفع الانسان بالذات فهو خير محض ، وكل ما يضرّه فهو شرّ محقق ، وعلى هذا كان مقياس الفلسفة الثانوية للخير والشر ذاتيا وليس شموليا كونيا عالميا الاهيا لنقول هذا خير وهذا شرّ !.
نعم في الرؤية الفلسفية الاسلامية هناك خالق واحدا لهذا الوجود والعالم والكون والانسان هو الله سبحانه وتعالى الجميل والفيض الخيري المطلق ، أما من اين جاءت الشريّة في هذا العالم ؟. وهل ان الله سبحانه هو نفسه من خلق الشرّ ايضا ؟.
فهنا للرؤية الاسلامية فكرة تبدأ من البداية باعتبار ان الشرور في حقيقتها هي ليست خلقا منفصلا قبالة الوجود الحقيقي للخير ، بل ان الشرّ ماهو واذا اردنا فهمه بصورة واقعية ومنطقية الا عدم وخلاء فحسب !.
اي انه عندما يقال ان الجهل شرّ في هذا الوجود العالمي الانساني فأننا وأسلاميا يجب ان نفهم ان الجهل هو : عدم العلم لاغير ، ولهذا ترى الاطروحة الاسلامية ان الوجود الحقيقي والواقعي والمخلوق والمفاض به من قبل الله سبحانه على هذا العالم هو العلم والكسب والتحصيل فحسب ، وما الجهل والشرّ والعدم الا الجهل الذي طرأ على الخلقة لعدم استعداد الخلقة لتلقي العلم او عدم حركتها نحو التكامل ، ولهذا كان الجهل انعكاسا فراغيا وعدميا لعدم وجود العلم وكسبه في هذه الحياة !.
وكذا الظلم باعتباره شرّاً فماهو الا عدم وجود ملكة العدل والتحرك الانساني نحوها ، ... وكذا باقي هذه الشرور الكثيرة في العالم فماهي الا نتيجة للفراغ والعدم الناتج عن عدم استعداد التركيبة الخلقية( لاسباب موضوعية انسانية ) لتلقي الفيض الخلقي الالهي او عدم تحرك هذه الخلقة وخاصة الانسانية نحو تكاملها الطبيعي في التحرك نحو ملئ الفراغات وسد ثغرات المعدومات بالوجودات والفيوضات الالهية الوجودية !.
ومن هذا حافظت الرؤية الاسلامية على وحدة الوجود ووحدة الخلق والخالق في نفس المعادلة الخلقية بلا حاجة لافتراض ان للخلق وجهان اصيلان في العالم الاول خيرّ وجميل وطيّب ، والاخر شرير وقبيح ورذيل ، من منطلق رؤية المدرسة الاسلامية للشرور في هذا العالم على اساس انها فراغات ومعدومات لاغير !.
نعم نحن لانقصد مطلقا بقولنا : ان الشرور في هذا العالم ماهي الا فراغات ومعدومات ان ليس هناك شرّ واقعي يشعر به الانسان ويمارسه في حياته الواقعية ايضا !.
لا ... وانما قصد اهل الفلسفة الاسلامية ان الشرور في العالم هي عبارة عن غياب للوجود الحقيقي في الخلقة لاستعداد او مانع مفتعل ، مثل نموذج ( الشمس والظلّ ) الذي يضربه الله سبحانه مثلا للحق والباطل في الخالق والمخلوق بقوله :(( الم تر الى رّبك كيف مدّ الظلّ ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعل الشمس عليه دليلا / 45، الفرقان )) فلو سألنا عن الظل ماهو ؟. لاُجبنا بانه ماهو الا غياب ضوء الشمس بمانع ما !.
اي ان الظل في واقعيته ليس شيئا قائما بذاته وله اصالة خلقية في مقابل خلقية الشمس وضوئها لنقول كيف يخلق الله النور وظلمة الظلّ في عالم متعدد الخلقة !؟.
لا ليس هذا هو السؤال الدقيق لماهية الخلقة ، وانما السؤال الدقيق ينبغي ان يكون حول ماهية وجود الشرور وليس كيفية خلقها فافهم !.
وكذالك الشرور في هذا العالم حسب الرؤية الفلسفية الاسلامية فانها ترى ان الشرور ليس لها اصالة واقعية خلقية لتحتاج الى خالق يخلقها لنقول كيف ان الله سبحانه الجميل المطلق يخلق الشرّ كما يخلق الخير في هذا العالم؟. وانما الدقيق في الموضوع هو ان نعرف ان الشرور في هذا العالم تنمو وتظهر للعيان وفي الحياة والعالم عندما تكون هناك فراغات ومعدومات اهمل الانسان جانب ملئها وسد فراغاتها بجهده وسعيه( بان يسعى للعلم ليسد فراغ الجهل ) فبقيت فراغات ومعدومات لتتبلور نفس هذه الفراغات والمعدومات الى شرّيات ونقصانات ... وما الى ذالك من عالم الشرور في هذه الحياة الذي يبدو بظاهره انه شيئ حقيقي ووجودي الا انه في واقعيته هباء منبثا :(( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا )) !.
وقال سبحانه :(( أمّا الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض )) فالاصالة الحقيقية للخير في الخلق ، وأما الوجود الشرير فهو الطارئ من خلال النقص !.
أذن : تنتفي حسب هذه الرؤية مقولة الثنوية التي ترى ان للوجود خالقان من منطلق ان رؤية الثانوية لوجود الشرور في هذا العالم كانت رؤية قاصرة من خلال رؤية الشرور وماهيتها الواقعية على اساس ان لها اصالة وواقعية خلقية مما اضطر الثنويين للقول بوجوب وجود خالقين لهذا العالم مادمنا نقر بأن الله سبحانه الجميل لايمكن ان يخلق هذه الشرور التي نراها في عالمنا البشري بالخصوص !.
أما ان قلنا بالرؤية الاسلامية لمصدر الشرور وكيفية نشأتها فاننا لسنا بحاجة للبحث عن مَن خلق الشرور في هذا العالم وهل هو الله سبحانه ام خالق اخر من منطلق ان ليس للشرور اصالة وجودية لنقول بوجوب ان يكون لها خالق ، بل وعلى نظرية الفلسفة الاسلامية فان الشرور تنتج من خلال انعكاسات النقص في الخلقة الوجودية الحقيقية التي كانت من المفروض انها خلقة رُكبت على السير والحركة والتكامل الى الافضل الا انها لسبب او اخر او لعلة او اخرى انتكست الحركة لتترك فراغا ونقصا في حركة الخلقة انقلبت هذه الفراغات الى شرور وعذابات وارتباكات للوجود الانساني ، فنشأت الجهالات والظلامات والاعتداءات ... وجرّت بعدها الكوارث والفيضانات والفساد والقتل !.
قال :(( اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم مالاتعلمون ))
ان الضمان الحقيقي الذي يطرحه الاسلام لسد نقص الشرور والمفاسد للخلقة الانسانية في هذا العالم هو عندما يرتّب الانسان حياته حسب برنامج الاهي ضمن له سد كل الثغرات في شخصيته ورفع كل النقائص من ذاتيته وملئ كل الفراغات التي ان تُركت انقلبت الى شرور ومفاسد وقتل في حياة الانسانية الا وهو ضمان :(( قلنا اهبطوا منها جميعا فأما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون ، والذين كفروا وكذبوا باياتنا أؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون )) !.
بقي لنا ان نفهم ماهية العلاقة القائمة بين الخير والشر في هذا العالم بعد ان فهمنا أصالة الخير في الخلق وطروء الشرور عليها بسبب ان هناك ربما من يتسائل بعد ان فهم ان الشرّ انعدام لوجود الخير في حيز ما وليقول : أذن كيف ليّ ان افهم حالة الصراع البارزة في الحياة الانسانية بين مايسمى بالخير ومايسمى بالشرّ ؟.
وهل على هذا افهم من قوله سبحانه :(( قل اعوذ برب الفلق من شر ماخلق ..)) ان الشر الوجه الاخر لعملة الخلق الانسانية ؟.
أم ان الشرور والنقائص متلازمة مع الخير والخلق كملازمة اليسر للعسر وولادة الخير من رحم الشر او ولادة النور من الظلمة ؟.