الجمعة، يناير 30، 2009

أصالة السيد جاسم الطويرجاوي وهجانة قارئي الفيديو كليب الجدد !.


لااعلم لماذا وفي كل شيئ تنتصر أخيرا الأصالة على التجديد والحداثة ؟!. في العقيدة القديم الأصيل ارسخ دائما من الحديث الجديد !. وفي الفن هناك فنٌ أصيل لهو طعم ورائحة وذوق ، أمام مستحدث أشبه شيئ بصرعة الموضة التي سرعان ما ينطفأ نورها وفجأة وبلامقدمات نجد انفسنا في عتمة وظلام !. وهكذا في التراث بقطعه الاثرية النادرة تكون القيمة مع الاصالة وليس مع الجديد والمبتكر اليوم !. في الخيول ايضا هناك أصيل وهناك هجين !.
وكذا في النساء وفي الادب وفي الشعر وفي الناس وحتى في المعادن ، هناك معادن اصيلة نادرة ، وفي مقابلها هناك معادن طبيعية بكثرة تحت اقدام جميع البشر بلا ادنّى اثارة لها لأعين الناظرين !.
وبمناسبة الذكرة السنوية لعاشوراء الحسين عليه السلام ، ولكثرة قرّاء المنبر الحسيني والتعزية ، ومن منطلق ان هذا التقليد العراقي له قيمة معنوية تستولي على كل فرد من افراد الشعب العراقي حتى ان تعرّضهُ ( هذا التقليد العاشورائي ) من قبل اي حكومة او دولة سواء كانت قوية او ضعيفة لادنى أعاقة يُعتبر جريمة في العقلية العراقية الشعبية تستحق في سبيل رفعها عن المنبر الحسيني ان يريق الفرد العراقي دمه في سبيل التعزية العاشورائية ان مُنعت او صُودرت او نكّل بخدمتها الحسينيين على الاقل .......... ، فكان ولم يزل لقرّاء المنابر الحسينية نكهة تختلف في العراق تاريخيا وحاضرا من منطقة الى اخرى ، ولتعزية عاشوراء وقع وتأثير لايصل لمفاعيلها النفسية والروحية والفكرية والدينية والسياسية اي شيئ آخر في عوالم الفكر والسياسة والادب على هذا الشعب العراقي الحسيني في كل بقاع الدنيا المتعددة ، ومن هذا كان للقارئ الحسيني حضوره الاجتماعي والسياسي والديني والروحي في المجتمع العراقي بحيث ان أميّا لايقرأ او يُكتب لكنّه يمتلك موهبة الصوت الشجي والحب الحسيني المتّيم مضافا اليه حفظ المواويل والاشعار والقصائد التي تحاكي فاجعة الطفّ الكربلائية تراه اكثر تأثيرا وجدانيا ، واعظم حضورا اجتماعيا ، واكبر حاجة للانسان الشعبي العراقي من اي شخصية علمية او فكرية او سياسية او اقتصادية اخرى في حياته اليومية !.
نعم هذا بالطبع ليس لان الفرد العراقي لايدرك اهمية باقي الشخصيات العلمية والفكرية والاقتصادية والسياسية في بناء المجتمع لذالك هو يفضل قارئ التعزية الحسيني على صاحب الكفاءة الفكرية والخدمة العلمية وباقي الشخصيات الاجتماعية !. لا ليس هكذا قياس الانسان الشعبي العراقي ووجدانه وضميره في الحكم على الشخصيات الاجتماعية ، وانما لأن هذا الانسان العراقي عُجن وخُبز وأحترق وذابَ وبُعث وتَنفّس ...... حُبّاً للحسين ع ومأساته التاريخية ، بدى وكأنه انسان مستنسخ تماما من ظلال الحسين وخطواته الشجّية ، ولهذا اي انسان يتمكن من أستحضار شبح الحسين ع في حياته العراقية يعتبره انسانا قيّما وثمينا ويستحق كل الحب والاحترام ، لاسيما ان الانسان الشعبي العراقي يرى في قارئ التعزية الحسينية في التاريخ وحتى اليوم أشبه شيئ بفدائي يحمل صليبه على ظهره او مشنقته بين يديه او نِطعُ السيف في جرابه مع قصائده الحسينية وهو يتجوّل هنا وهناك في بلدان الله الواسعة ينتظر في كل لحظة جلاّدٍ حاقد على الحسين وثورته لينزع رأسه في سبيل حبه للحسين وبغض الظالمين له وللعدل وللاسلام ولاهل بيت رسول الله محمد ص !.
ومن هنا استطاع القارئ الحسيني ان يستولي على وجدان الانسان العراقي ويأسر داخله بكلماته التي يغنيّها بحبٍ للحسين ومن اجل الحسين وعلى خطى الحسين وفيه .... وهكذا !. ولكنّه ومع الاسف ، ومادام ان القارئ الحسيني له هذه المنزلة الاخلاقية في المجتمع العراقي تحوّلت شيئا فشيئا هذه الاسطورة ومع الزمن وتقلّب الاحوال وذهاب جيل ومجيئ آخر جديد ، ومثل كل شيئ يجذب اليه دماغ المجتمع وقلبه ليصنع نوع من السطوة والسيطرة على الناس والحظوة لديهم من كونها وظيفة حسينية دينية فدائية تبليغية وجدانية شعبية فطرية روحية ....... الى كونها سلعة او مهنة معيشية او منصبا لاستقطاب الشهرة والصيت وذكر الناس لممتهنها ، حالها في ذالك حال اي شيئ في هذه الحياة بما فيها الدين والمقدس نفسه التي يأتي طيبا مضّحيا مُخلصاً من اجل الناس ، ولكنه في فترة من الفترات وفي منعطف من المنعطفات وعلى ايدي حفنة من المنتفعين يتحوّل هذا الشيئ النبيل الى سلعة تجارية ومطيّة دنيوية وتجارة يومية ....... للصوص البشر وسارقي المقدسات والمتاجرين حتى بالافات والاحزان والآهات والدمعات واللوعات والحسينيات الحزينات !.وبهذه الطريقة يكون هناك لكل شيئ بما فيها التعزية العاشورائية وجهان !.
الاول : صاحب الاصالة والقديم والاساس والمؤسس والمرجع والمرآة التي مهما تقادم الزمن عليها فانها باقية بحاجة فقط للمسة لازالة الغبار عنها لتعكس الصورة كما هي في حقيقتها وواقعها الطبيعي !.
والثاني : صاحب الحداثة والجديد والمبتكر والمجتث من فوق الارض بلا قرار والمتطلع للمستقبل بلا جذور ولامرجعية ولااساس ولابنيان وسقف بلا جدران ، وهذا أشبه شيئ بالسراب الذي تحسبه ماء فاذا اعتقدت انك وصلت اليه ابتعد عنك وتلاشى كبهلوان يستدرجك لحلبة النزال وعندما تتوسط الساحة تجد كل الناس تضحك عليك !.


السيد جاسم الطويرجاوي
ذكرتنّي كل هذه القصة حول الاصالة والهجانة في التعزية العاشورائية الحسينية السيد الحسيني القارئ سيد جاسم الطويرجاوي هذه السنة في محرّم الحرام ، حيث انه بدى وكأنه النجم الاخير( أطال الله في عمره ) من كوكبة القرّاء الحسينيين القدامى ( حمزة الصغير وطن ياسين الرميثي .... وباقي القرّاء الحسينيين )واصحاب الاصالة والتجذّر في هذا المضمار الحسيني الطيّب ، الذي كانوا ولم يزالوا يمتلكون قدرة استحضار الثورة الحسينية بكل مافيها من فنية واسطورية ووجدانية وروحية طيبة وفطرية وطبيعية .... في كل مفردة من قرائتهم وتحت كل جملة من تعزيتهم الاصيلة ، وفي ثنايا كل تعبيرة من وجوههم الندية !.
أمّا الوجه الاخر الذي دعانا لكتابة هذه السطور عن الاصالة الحسينية لقرّاء المنبر العاشورائي فهو الجانب الاخر من الصورة الهجينة التي وفجأة وجدنا نوعا جديدا من القراءة الحسينية تطرح في الاسواق على شكل غريب عجيب في بابه ومن اناس لانشكك مطلقا بولائهم الحسيني ، لكننا لانستطيع مقارنة كلمتهم ونغمتهم ودمعتهم ........ مع ماكان جيل الروّاد والاصالة يطرحونه آنذاك والماثل امامنا في السيد الطويرجاوي على كعب سواء !.
انها تبدو كتعزية حسينية جديدة ، تصوّر من خلال احدث التقنيات الفنية في الفيديوا كليب ، مع صورة وصوت وتكنلوجيا .....وكل شيئ حديث ومستحدث ، ولكن مع ذالك بقيت الاذن العراقية غير مستقبلة للنغمة ولامقتنعة بالمكياج، ولا متفاعلة مع الصورة الجديدة للتعزية العاشورائية التي تطرح على شكل فيديوا كليب حديث بمثيراته المفتعلة والغير طبيعية وليست الفطرية ؟!.
نعم هنا من حقنا ان نتساءل حول : لماذا بقي الاصيل مميزا بينما يحاول الجديد والمفتعل بلا فائدة تذكر لتأثيره ؟.
وحتى ان أثّر الجديد في مضمار التعزية العاشورائية الحسينية فهو ايضا يبقى تأثيرا مختلفا تماما في طعمه ورائحته ولونه عن ما كنّا نسمعه من روّاد التعزية الحسينية العاشورائية ؟.
والحقيقة انا سألت نفسي وغيري عن هذه الانطباعات الروحية والنفسية التي احملها واستشعرها بعنف عند المقارنة بين القديم الحسيني الاصيل والجديد الفيديو كليب المستحدث بالقول : ياترى هل هو انطباع شخصي وفردي حول هذه الظاهرة الاجتماعية العراقية الحسينية عندما اشعر بالفرق النوعي الفني بين ماكان يطرح أصاليا في العاشورائيات الحسينية من خلال روّاد القرّاء الحسينيين بما فيهم السيد جاسم الطويرجاوي اليوم ، وبين مايروج باسم الحسين فنّيا وبلباس جديد ومن خلال التقنية الحديثة المتلفزة تكنلوجيا ؟.
ثم لماذا يشعر الكثير من المتذوقين للتعزية الحسينية : ان مايطرح هذه الايام من تعزيّة مقننة تكنلوجيا من خلال الفيديو كليب المصطنع والمصوّر ليس له اي قيمة واقعية قبالة الصوت الاشج واللوعة الطبيعية واللهجة البدوية التي يتحدث فيها روّاد الاصالة الحسينية في العصر القديم والجديد ؟.
وهل يعني هذا ان هناك من استولى القديم على ذائقته الحسينية حتى انه لم يعد يستطيع تذوق كل ماهو جديد وشبابي وحضاري يطرح على الاذن الحسينية ؟. أم ان المسألة بالعكس تماما بين ان نقيّم الاصيل على اسس علمية وفنية وروحية تظهر الفرق بصورة طبيعية بين ماهو جوهري في التعزية الحسينية وتلقائي ، وبين ماهو مغشوش ومفتعل في الحقيقة ، ولهذا تقدم الطويرجاوي العجوز الحسيني في تعزيته الحسينية على الشاب الانيق وصاحب المكياج والخدمة التقنية الفنية العالية فلان الفلاني ؟.
رأينا في هذا العام العاشورائي نوع من الاجابة العملية الاولية لما طرحناه من اسألة ، فكانت تعزية السيد جاسم الطويرجاوي في العراق ليست مليونية بالتمام ولكن لنقل انها حازت على تجمعات انسانية حسينية لايستطيع الكثير من قارئي الفيديو كليب الحسيني ان يحوزوا على نصف قيمتها المادية والمعنوية ، مما يدلل على ان الاصيل والقديم لم يزل يسيطر على الساحة الفنية والمعنوية والروحية لجمهور الشعب العراقي الشعبي ، بعكس الذي نراه هنا وهناك لشباب التعزية الجدد الذي يكون عادة القائهم الفني اقرب الى الغناء الحديث منه الى نكهة تعزية الحرقة الحسينية العاشورائية !. ولهذا نقول ان الواقع يتحدث من خلال ظاهرة الصراع في الاصيل والجديد في العزاء الحسيني ان الكفة لم تزل راجحة للاصيل وللقديم مع انه لم يزل يستنكر الاستعانة بالتكنلوجية التقنية الحديثة لفن الصورة والصوت والاخراج التلفزيوني ايضا ، فياترى اين مكمن اللغز في قوّة الاصيل في العزاء الحسيني مقارنة بضعف الجديد هذا ؟.
هل قوّة وحيوية الاصيل للقراءة الحسينية في نغمة الصوت فحسب ؟. أم انه لغز يتعدى الصوت في الاصيل ، وانما بسبب ان كل قديم يميل الانسان لذكرياته الجميلة فقد بقيت التعزية الحسينية القديمة اكثر ابداعا فنيا لاسيما على يد امثال الطويرجاوي السيد من الحديث المطوّر على يد الشباب الجديد ؟. الحقيقة ان الجواب يكمن ليس في هذا ولافي ذاك عندما نحاول المقارنة بين الجديد والاصيل في التعزّية الحسينية للاجابة على لغز تفوّق الاصيل دائما على الجديد في الشأن الحسيني ، وانما الجواب يكمن في عدة عوامل اخرى مختلفة من حيث الجهة ومن حيث المضمون ، ومن هذه العوامل ان اردنا ذكرها مثلا :
اولا : ان رونق نفس القصة الحسينية وباعتبار انها مأساة تراجيدية تأريخية طبيعية فطرية قديمة تميل بطبيعتها للتأثير الفني والروحي والنفسي الانساني ان احتفظت بأطارها الطبيعي التاريخي البسيط بعكس مَن اذا حاول احدنا ان يطوّر من هذه الحادثة المأساوية التاريخية ليلبسها ثوبا عصريا جديدا ، فانها عندئذ ستفقد الكثير من عناصرها الفنية الطبيعية المؤثرة التي تمتاز بها بشكل طبيعي وبلا حاجة منها لمادة تطوّر من هذه التلقائية الطبيعية في الحدث التاريخي ، ولهذا فكلما كان القارئ الحسيني طبيعيا بسيطا ساذجا منكسرا غير مُتكلّفا للحركة ولا مبرمجا او مقطعا مونتاجيا في لغة عصر الفن الحديث ، فانه سيلامس بتلقائيته الفطرية قصة الحسين ع وسيلقيها باداء قريب ومؤثر وفعّال بنقل الصورة التاريخية لمآساة الحسين اكثر بكثير من اي مخرج فني حديث يحاول ايصال القصة المأساوية لروح المتلقي بنفس الوتيرة الحسينية العالية لذاك الملّة الحسيني الفطري الطيّب !.
ومن هنا كان الطويرجاوي السيد جاسم المحترم اكثر تأثيرا حسينيا فنيا وروحيا ونفسيا على المتلقي الحسيني من اي صناعة سنمائية تحاول نقل صورة الحدث في القصة الحسينية العاشورائية الكربلائية هذه .
ثانيا: ان امثال القصة الحسينية ومدى تأثيرها الدرامي لاتعتمد فحسب على المؤثرات السينمائية الحديثة فحسب لنقول ان بأمكاننا ان نصنع التعزية العاشورائية في معامل المونتاج الفنية ، او ان نخلق قارئا حديثا بامكانه ايصال الصورة الحسينية من خلال صوته فحسب او من خلال صورته الحديثة لاغير !.
لا ليس هكذا تتم صناعة التعزية العاشورائية في زمن جيل الروّاد والاصالة الحسينية للقارئين آنذاك ، وانما هناك البعد الوجداني الايماني الفطري نفسه لقارئ التعزية الحسينية واستمرار تدفقها التلقائي للقارئ الحسيني ايضا هو احد العوامل الكبيرة التي تنقل صدق الصورة للقارئ الحسيني ومدى تأثيرها على المتلقي والسامع !.
ومن هنا كان جاسم الطويرجاوي مؤثرا جدا في تعزيته الحسينية على جميع السامعين والمشاهدين ايضا ، وهذا ليس لانه خضع لدورة فنية في احد كليات الفنون الجميلة لتدريسه وتعليمه كيفية التمثيل لايصال روح الصورة الحسينية للمشاهد وللسامع وللمتلقي !.
لا ليس هكذا ، وانما بسبب ان جاسم الطويرجاوي مؤمن بالقضية الحسينية ، ومتفاعل معها روحيا ، وشاعر بها تلقائيا ، ومحب لكلماتها ذاتيا ..... خرجت تعزيته بلا تكلف وبطبيعية لتصل بصدق الى المتلقي والسامع والمشاهد ، فحدث التاثير والتاثر بلا تكلّف ولا دراسة ولاتخطيط يذكر !. بعكس اصحاب الفيديو كليب الجدد الذين يحاولون تحويل المآساة الحسينية من كونها فطرة وطبيعة وحدث انساني الى مجرد كونها صناعة سينمائية ولغة فنية حديثة حالها في التاثير حال قصص الخيال والحب والفراغ العاطفي !.وشتّان في الحقيقة بين كلمة صادقة من عجوز افنى حياته من اجل عقيدته الحسينية لايصالها بحرقة وايمان وروح لجميع البشر ، وبين فنان شاب يحاول صناعة تجارة ترّوج لبضاعته الفنية في الاسواق الحسينية هنا !.
ثالثا : كذالك يقال واختصارا للموضوع في عوامل تأثير الاصيل الحسيني وسبقه بكثير للجديد الاقرائي اليوم ، ان هناك فرق علمي كبير في ايصال رواد المنبر الحسيني للصورة وللقصة الحسينية من خلال الاصالة والتجربة ، وبين قرّاء هذه الايام الجدد الذين يحاولون ايصال الفكرة بحداثوية وتجديد مفتعل وبعجرفة فنية بعيدا عن روح اللمسة العاطفية المفقودة للصناعة !.
ان الفرق واضح من خلال اخذنا لنموذج السيد جاسم الطويرجاوي في تعزيته الحسينية واي شاب حسيني اخر يمتهن نفس الوظيفة ، فنحن هنا امام سيد عجوز مارس الانشاد الحسيني منذ نعومة اظفاره حتى اعتركته التجربة المتكررة في الحياة لتوصله الى مفاتيح الشخصية العراقية الحسينية ، ووضعت انامله على كل الغاز واسرار هذه الشخصية ، فهو الان قارئ حسيني متمكن تماما من فهم الاوتار التي تحرك مشاعر وعواطف واحزان وسعادة .... هذا الفرد العراقي الحسيني ، ولهذا يتمكن هذا العجوز الحسيني من الخطابة اكثر من ثلاث ساعات متواصلة بنفس القدرة على شدّ الانتباه الشعبي له من خلال القائه المتمكن والعارف بكوامن الشخصية العراقية وانماط تفكيرها البدائية والساذجة والطبيعية ، ولهذا فالسيد جاسم بتنقلاته الفنية المدروسة في القائه الحسيني يستطيع ان يخاطب اكثر من وتر متنوّع داخل الشخصية العراقية ليديم تأثيره الالقائي الحسيني لفترات متطاولة بلا احساس من المتلقي بالملل او الضجر او حتى الشعور بتطاول الزمن الممل عليه ، ومن هنا كان السيد جاسم الطويرجاوي يستحق لقب الاستاذ والعارف والحكيم بشخصية شعبه الحسينية بكافة مفاتيحها الروحية والعاطفية والنفسية ..... وهكذا هو يعزف على وفي الة متمكن من العزف الحسيني عليها ، حتى انه يستطيع استحلاب دموع المتأثرين اكثر من مرة ولفترات يشعر فيها الفرد الحسيني انه استفرغ هموم حياته كلها في جلسة واحدة من تعزية السيد جاسم الطويرجاوي هذا العجوز الخطر !.
والان لنرجع الى قرّاء التعزية الحسينية الجدد ولنبحث عن معنى فريد واحد ولنسأل : هل يشعر احدكم عندما يستمع لقرائة الشاب السينمائي التلفزيوني الفلاني انه أمام قراءة حسينية وتعزية عاشورائية بالفعل ؟.
أم اننا كلنا نشعر اننا امام برنامج تلفزيوني مسلٍ لايفرق عن كونه مجرد برنامج لاضاعة الوقت او الاستمتاع به لاغير ؟.نعم صحيح ان القرّاء الحسينيين الجدد ايضا هم قادرون على تقليد جيل الرواد في الصوت والنغمة وتكرار المواويل الحسينية وخلق حالة من التفاعل النفسية ... لكن كل هذا يبقى حاله حال اي برنامج تلفزيوني مسلي آخر لايستطيع ان ينفذ لعمق المشاعر الانسانية ليخلق حالة مختلفة وراحة وجدانية كالتي نستشعرها بعد خروجنا من تعزية السيد جاسم وجيل الرواد الاوائل في هذا المضمار !.
مرّة جلسنا كعائلة أمام التلفاز لنشاهد ونستمع لقراءة احد المستجدين على مهنة التعزية الحسينية ساعة واكثر شعرنا فيها بمختلف المشاعر الانسانية ، ولكننا وياللعجب لم نشعر باي منها بمشاعر العاطفة الحقيقية التي تحرق القلب وتستحلب الدمعة وتؤثر بالوجدان وتحرك حب الاسطورة داخل الانسان !.
بينما جلسنا اول ربع ساعة امام تعزية السيد جاسم الطويرجاوي فاذا بنا نتفاعل بعنف ونبكي بحرقة ونستمع بوعي ونتامل باسطورة السوادة التي اتت من ارض الغري وخاطبة زينب على اساس انها علي بن ابي طالب ع وهكذا لمدة ثلاث واربع ساعات من لغة البداوة والانتقال الى لغة العشائرية وهكذا لغة العلم ولغة التاريخ ولغة الام ولغة الابنة الطفلة والرضيع والشاب .... وكافة الاعمار والاذواق والاوتار الانسانية العراقية الفنية والروحية !.
هذه هي بعض عوامل الفرق التي قدمت دوما الاصيل على الجديد وجعلته ينتصر في كل ميدان .