الجمعة، يناير 30، 2009

(( وجع الحسين ع وعوامل نهضته ... والسماء رفعها ووضع الميزان !)). حميد الشاكر‏


ما الشيئ الذي اوجع الحسين ع وحرّك نهضته المباركة ابّان طلب البيعة منه ليزيد بن معاوية الاموي ؟. سؤال يبدو للوهلة الاولى انه المدخل الطبيعي لمعرفة العوامل الشرعية الاسلامية التي دفعت بالحسين بن علي ع كي يجهر بثورته المقدسة على الوضع السياسي والايدلوجي والاقتصادي والاجتماعي القائم آنذاك !. لكنّ ومن الزاوية الاخرى لرؤية المشهد الحسيني وهو يتحرك على ارض كربلاء وما قبلها هل يكون هو هذا المدخل الحقيقي او السؤال الطبيعي الذي من خلاله نبدأ بالتعّرف على الحسين وثورته بصورة صحية ؟. أم انه ينبغي اعادة صياغة السؤال جذريا او عكسيا ليتسنى لنا بعد ذالك ان نضع اقدامنا على الخطوة الاولى على طريق البحث والتعّرف على الحسين ع وثورته الاسطورية !؟. نعم لنحاول قلب المعادلة تلك ولنغير سيرة المدخل ويكون السؤال بهذا الشكل من المنحى وهو : ما الشيئ الذي لم يكن يوجع الحسين ويحرك ثورته ابّان الواقع المزري الذي واجه الحسين ع وهو وجها لوجه امام ولاية السفيه المستهتر يزيد ابن معاوية ؟. وهل هناك اختلاف معتد به بين مسار الطريق للسؤال الاول لمعرفة الحسين ع والبحث عن ذاته وبين مسار الطريق للسؤال الثاني للتعرف على الحسين بن علي وعن كثب ؟. بالتاكيد هناك فرق شاسع بين ان اتعّرف على الحسين عليه السلام وثورته المباركة من خلال البحث عن بعض العوامل التي دفعت الحسين الشهيد واوقدت من وجعه العميق لينتهي ويبدأ الوجع بنفس لحظة الثورة والرفض للظلم القائم ، وبين ان ابحث عن الحسين ع ووجعه وهو يعيش داخل موقد او فرن ملتهب و كامل من الوجع وركام هائل من العوامل والاسباب التي خلقت للحسين ((نقطة الصفر )) لنهضته وثورته المباركة انذاك والتي لم تزل تستمر بالتوقد والحيوية والالام الدائمة !. ان الفروق بين المسارين في التعرف على النهضة الحسينية الكربلائية العاشورائية هي نفس الفروق بين ادراك الحسين ابن علي ع للوضع اليزيدي الطاغوتي الذي كان سائدا، وبين ادراك اي انسان اخر كان يعيش مع الحسين بنفس المحنة الا ان ادراكه للواقع كان مختلفا كثيرا عن ادراك ورؤية الحسين بن علي ع هذه !. بمعنى : ان الدّارس للحقبة التاريخية التي كان يعيش فيها الحسين بن علي ع واخرين من ابناء الصحابة الاول كعبدالله بن الزبير وغيره سيدرك ان الكثير من رجالات الفكر والعلم والسياسة متفقون انذاك على ان الوضع السياسي القائم هو وضع خطير جدا وبحاجة الى عملية تغيرية جراحية حقيقية تغيّر من معادلة الحكم القائمة ، والكثير منهم كان لديهم ايضا عوامل كثيرة تبرر من حركتهم ومطالبتهم بالعملية التغيرية هذه ، الا انهم وبالكل كانوا يحملون رؤية مختلفة ايدلوجيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفرديا ...عن ما كانت تحمله المعامل الادراكية لعقلية الحسين بن علي ع وتقييمه للوضع السياسي القائم انذاك !. ان الحسين ع وبهذا المعنى كان يرى الوضع القائم نفسه (( عقديا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا )) وبرمته ومن جذوره فاسدا مئة بالمئة ، ولم يكن ليرى اي مستجدات استجدت بعد ولاية يزيد ابن معاوية لتضيف عاملا هنا وعاملا هناك لتحريك الثورة الحسينية الاسلامية وتوقد من مشاعرها المخدرة ، وهذه الرؤية بعكس الرؤية السياسية لكثير من القادة السياسيين - وحتى اليوم من الباحثين ايضا - الذين كانوا يعيشون مع واقع الحسين بن علي ع ويزيد بن معاوية ، فليس هناك وللكثير ممن عاصر الحسين الشهيد ع والملعون يزيد ابن معاوية اي مشكلة غير المشكلة السياسية مع جهاز الحكم القائم كعبدالله بن الزبير مثلا فهو كان يرى في ولاية يزيد بن معاوية خطرا سياسيا داهما على مصالح الامة وقادتها السياسيين انذاك ولاعتبارات متعددة كان يراها ابن الزبير عوامل اضافية جديدة لم تكن موجودة ابّان حكم المقبور معاوية ابن ابي سفيان ، ولكن وبعد ولاية يزيد للامر سنة ستين للهجرة اصبحت المصالح السياسية لهذه القيادات السياسية بجد خطر كامن ، مما تطلب من ابن الزبير وغيره ان يفكروا وبقوة وعزيمة بالعصيان المسلح ومن بعد ذالك سهولة المطالبة بالخلافة وهذا هو الواقع !. ان هذه الرؤية الزبيرية هي رؤية سياسية تماما ونفعية بالكامل ، وقابلة للمناقشة والبحث في العوامل التي حركتها بقوة على ارض الواقع ، فهناك يزيد بن معاوية الشاب المستهتر صاحب الثلاث والثلاثين سنة من عمره اللاشريف الذي لايفقه من فن الشيطنة والسياسة اي شيئ يذكر و التي كان يتمتع بها ابيه معاوية بن ابي سفيان قادم لسدة الحكم في الشام بشكل وراثي ملكي طاغوتي حتمي لاشوري ولاانتخابي ولاشرعي ، وهو بنفس اللحظة مشهور بالفسق والاستهتار وعدم احترام عقيدة الامة مما يهيئ القاعدة الجماهيرية الغاضبة على مثل هذه التصرفات الطائشة لكل من ينادي بالثورة والتغيير على هذه الولاية اليزيدية ، وكذالك هناك سياسة اللجوء الى البطش المفرط والمشهور بها ابن معاوية ابن الاعرابية البدوية التي ورث الجلافة والغلظة من امه الاعرابية - ميسون الكلابية - ، وهناك غمزة الاشتهار بفن البذخ والافتخار بهذا البذخ الاقتصادي الفاضح الذي تربى عليه يزيد من منابع التأنق المسيحي في الشام ، كما وان هناك البعد والعزوف الكامل ليزيد وعدم الادراك المطلق لاي شيئ يتصل بحياة الاسلام واهله في جزيرة العرب والمسلمين ...... كل هذا جعل من العوامل المقلقة تتحرك لقادة الساسة في مكة والمدينة والعراق وغيرها من مناطق النفوذ الاسلامية ، وجعل مما انضاف من العوامل بولاية يزيد شيئ مقلق لتلك القادة ، ودفعهم للتفكير بالعصيان المسلح وطلب نزع الخلافة من يزيد بن معاوية وهذا ما حصل لتمرد ابن الزبير في مكة والمدينة !. أما الحسين بن علي فكانت رؤيته مختلفة تماما للوضع القائم قبل وبعد يزيد بن معاوية ايضا ، وما ولاية يزيد بن معاوية بالنسبة للحسين ابن علي عليه السلام الا مرحلة زمنية صالحة لانطلاق الثورة الحسينية الشاملة على القديم وعلى الجديد وبنفس الاطلالة الواحدة هنا !. نعم : هكذا ينبغي ان نبدأ بالبحث عن الحسين وثورته ، ومن هذه النافذة بالذات لنقرر : ان الحسين لم يكن لينتظر تراكم العوامل من هنا وهناك لتبرير ثورته الشاملة الا لمراعاة العقلية الانسانية البسيطة التي تبحث دائما عن المبررات والعوامل لاي شيئ في هذا العالم !. أما بالنسبة للرؤية الحسينية الثورية الاسلامية فانها كانت تنتظر وبفارغ الصبر والشوق نقطة الصفر الزمنية التي تأذن بجرس الانطلاق لرحلة الثورة والتغيير والاصلاح الشاملة وعلى كافة المستويات الانسانية والاسلامية والشرعية والالهية معا !. بمعنى : صحيح انه وخلال الكثير ممن بحثوا في الثورة الحسينية وكتبوا عن مداخلها ومخارجها وذابوا في النظر الى محاسنها .... كانوا دائمي الانشداد لرؤية العوامل الشرعية الاسلامية وكذا السياسية والانسانية التي فرضت على الحسين ع القيام بواجبه القيادي هذا بالثورة والنهضة ضد الظلم والطغيان الاموي اليزيدي ، وهذا طبيعي وانساني مئة بالمئة ، ولكننا ومن وجهة نظرنا المختلفة للثورة الحسينية هذه نرى ان هذه النهضة المباركة لم تكن لتبحث عن العوامل والاسباب الا لمجرد الطرح الساذج الذي يتساءل بعفوية عن تلك الاسباب والعوامل ، اما حقيقة هذه الثورة فغير مرتبط تماما لابهذا العامل السياسي ولابذاك العامل الانساني ، وانما هي عملية شاملة اكبر بكثير من مجرد مجيئ سياسي مستهتر هنا او هناك في الشام اسمه يزيد بن معاوية هذا !. نعم بكل تأكيد ان الدارسين لهذه الثورة الحسينية الشاملة قد قرأوا الكثير من الطروحات التي كانت تطرح امام انظار ومسامع الحسين نفسه عليه السلام من هنا وهناك لتطالبه مرة بالمهادنة السياسية ومرة بالمناورات الحربية للذهاب هنا والتحصن في مكة والتمرد هناك في جبال اليمن - رؤية ابن عباس - او غيرها ، ولكن الحسين بن علي نفسه كانت اجاباته مختلفة من حيز متساءل هنا او محور متساءل هناك ، فمرة يجيب الحسين بان خروجه :(( لطلب الاصلاح في امة جده رسول الله ص )) ومرة يجيب :(( بان الله احب ان يراه شهيدا في بقعة من الارض تسمى كربلاء )) واخرى كان يكتفي بمقولة :(( ان اهل الكوفة بايعوه على النصرة )) ورابعة عندما يعلن :(( ان مثلي لايبايع مثله )) وخامسة عندما كان يصرخ :(( الا ترون ان الباطل لايتناهى عنه وان الحق لايعمل به )) ..... الى اخره ، ولعل هناك من لملم الكثير من هذه العوامل والاسباب للنهضة الحسينية ليخرج بثلاث او اربع عوامل حيوية لثورة الامام الحسين بن علي عليهم السلام جميعا ، وهذا ممتاز في البحث والكتابة والمعرفة كذالك ، الا ان هذه البحوث والمعارف والكتابات العلمية مع انها علوم تاريخية جد مفيدة وعظيمة الاثر الا انها ومع كل هذه القوة تبقى ايضا بحاجة الى المعرفة الاعلى مرتبة لمعرفة اسرار وخبايا وحقائق الثورة الحسينية الكبيرة !. ان من مميزات هذه الثورة الحسينية انها ثورة لاترتبط باي عامل ارتباط ((سببي)) مباشر مع انها ثورة بالامكان توجيه مداليكها بتوجيهات مختلفة ومتنوعة ، فبالامكان وبكل صراحة توجيه الثورة الحسينية المقدسة على اساس انها ثورة عقدية ايدلوجية الاهية بامتياز وانها ثورة ضد الفساد والتخلف والانحراف العقدي انذاك ، ولكنها ومع ذالك فانها سوف لن تموت او تخبوا شعلتها الوقادة من القلوب والعقول البشرية حتى وان انتصرت عقائد الحق وايدلوجيات التنوير وافكار العدالة والمساواة ، فانها مع ذالك تبقى ثورة تحتفظ بالحيوية والحركة والحياة حتى في ازمان التالقات العقائدية الحقة والنظيفة مما يدفعنا للاعتقاد الجازم ان الثورة الحسينية هنا لاترتبط ارتباطا سببيا علّيا بهذه الانحرافة العقدية او تلك وعندما يرفع السبب والعلة من الوجود ترفع معها مبررات وعوامل واسباب النهضة الحسينية باعتبار ان السبب والعلة التي اوجدت الثورة الحسينية قد ارتفعت لذالك من الضروري رفع عوامل الثورة الحسينية ايضا ويصبح لامبرر لوجود مبادئ النهضة العاشورائية هذه !. لا ليس هذه هي الثورة الحسينية وابعادها الالهية المقدسة ، ولكنّ اسرار تألق النهضة الحسينية انها الثورة الصالحة لاي زمان ومكان والتي تكون الانسانية بحاجة ماسة لها في زمن الانحراف العقدي وفي زمن الصلاح العقدي ايضا وان اختلفت حركة الثورة بالقوة هنا وبقليل من القوة ايضا هناك . كذالك عندما نقول ان سبب ومبرر وعامل الثورة الحسينية واسباب تواجدها الوجداني والروحي والفكري انذاك وحتى اليوم هو العامل السياسي وان الظلم الطاغوتي السياسي هو العامل الاقوى لحركة النهضة الحسينية المباركة ، وان مجيئ ابن الاعرابية الجلف يزيد بن معاوية - مثلا - كان هو السبب الاعظم لانتفاضة الحسين وحركته الثورية ، فكذالك مثل هذا القول وهذا التحليل والبحث عن اسرار ومبررات الثورة الحسينية وان كان من وجهة النظر الواقعية حدثا حقيقيا ومبررا واقعيا حرك من الحسين ع ظاهريا ، ولكنه ايضا لايختصر او لايرقى الى المستوى الواقعي لحركة هذه الانتفاضة الحسينية الالهية في كربلاء ، لسبب ان الحسين لم يكن من أولئك الذين كانوا راتعين بخيرات الزمن السابق ولما تغير الزمن لتاتي الولاية ليزيد استجد عليه عامل الثورة والتمرد هنا !. صحيح كان انتقال الولاية الظلمانية الاموية من معاوية بن ابي سفيان الى يزيد ابنه سنة ستين للهجرة قد زاد من الطين بلة واثار ما كان راكدا من المياه الاسنة لبعض قيادات الجزيرة العربية والعراق وباقي مناطق العالم الاسلامي ، واضاف عاملا مهما لدى الكثيرين لرفض ولاية الطواغيت من بني امية ، ولكنّ بالنسبة للحسين ابن علي الشهيد عليه السلام لم تكن ولاية يزيد بن معاوية مفاجئة غريبة بالنسبة للحسين ع ، بل ولم تكن هذه الولاية الشيطانية لهذا السفّاك للدماء ابن معاوية غير متوقعة باعتبار ان هذه الولاية قد علم بها القاصي والداني من اهل الاسلام واخذت لها البيعة بولاية العهد ايضا ، بل ولم تكن ولاية يزيد المستهتر بالنسبة للحسين ابن علي باكثر سوءا من ولاية ابيه معاوية بن ابي سفيان انذاك ، ولكن كل ماكان هناك وبالنسبة للحسين ابن علي بالذات ان ولاية يزيد هي الفرصة السانحة او نقطة الصفر التي كان ينتظرها الحسين بفارغ الصبر لانطلاق شرارة ثورته المباركة فحسب ، ولايكثر يزيد سوءا عن ابيه الا في كونه جاهلا ومعتوها واقل ذكاءا من والده معاوية الملعون ، وهذه الصفات بالنسبة ليزيد ومن وجهة النظر الحسينية هي اللحظة المنتظرة لتهيئة اسباب الثورة والفتح والانتصار الكبير للحسين ع فيما بعد !. ان الحسين وضع ومنذ اللحظة الاولى لانطلاق ثورته الاسلامية المباركة امام ناظريه معادلة ((المجتمع الاسلامي كهدف اسمى لثورته )) وكيفية ارجاع الروح الاسلامية الى جسده الميت ، وكان هناك الكثير من العوامل السياسية الظاهرية الواقعية تعيق من ايصال رسالة الحسين في احياء الامة الميتتة هذه الى المجتمع بصورة لاشائبة فيها ، وكان معاوية بن ابي سفيان شيطان من شياطين العرب ، وداهية من دهاة المنحرفين وله كذالك حنكة سياسية شيطانية في تبرير الوسائل للوصول الى الغايات الدنيئة ، اما والحال ان الامر انتقل بعده لعنة الله عليه لابنه يزيد الجاهل وصاحب العربدة والاستهتار وقليل الخبرة السياسية وصاحب الاندفاع والطيش ..، فكل ذالك بالنسبة للحسين ابن علي صاحب المشروع الاصلاحي ومريد ايصال الرسالة المحمدية وانعاش وجودها الاجتماعي ...، فرصة ذهبية في اصلاح الامة واعادتها من الضلال المبين الى الصراط المستقيم ، وذالك عندما تكون المنازلة الاخيرة بين الحسين ابن علي سيد شباب اهل الجنة من جهة ، ويزيد ابن معاوية الفاسق من جهة اخرى !. نعم كانت الولاية اليزيدية من وجهة النظر الحسينية هي ليست اكثر من الفرصة التي من خلالها يطرح الحسين مشروعه المتكامل للاصلاح والبناء الجديد للاسلام بعدما هدمت معاول بني امية مشروع وبناء محمد رسول الله ص ، لذالك هو اعلن عليه السلام ان خروجه الثوري لمجرد :(( طلب الاصلاح في امة جدي رسول الله )) هذه الامة هي السبب الاعظم لثورة الامام الحسين واصلاح ماهدمته بني امية من عقائدها واخلاقها وتوجهاتها الاسلامية كان الهم الشاغل للحسين ابن علي ع في ثورته ، ولم تكن الولاية اليزيدية الا النافذة التي من خلالها بامكان الحسين ان يطل على الامة بمشروعه الاصلاحي هذا ، ولو كان - على فرض المستحيل - يزيد ابن معاوية هذا اكثر ذكاءا وشيطنة واقرب الى ابيه لعنة وفسادا وولوغا بالابليسية ، لربما كان المشروع الحسيني قد أوجل الى فرصة اكبر مساحة لتنفس الحسين وثورته ، ولكن وبما ان يزيد الجاهل والمستهتر والمعتوه ... وباقي الرذائل الانسانية فيه ، فهو بالنسبة للحسين ع الفرصة التي جمعت كل ماتراكم من انحراف وضلال وفساد على هذه الامة ومنذ الزمن الاول لانحراف مشروع الخلافة عن مسار اهل البيت ع الى مسار التخلف والتشيطن والارتداد والرجوع الى الجاهلية ، ليرى ابو عبدالله الحسين ع ان الوقت قد حان لتصفية الحساب وبالكامل مع الزمن والتاريخ والمشهد من ولادة خلافة الرسول الاعظم ص وما شابها من انحراف حتى لحظة يزيد ابن معاوية وما اثمرته نبتتهم الخبيثة في ثمرة يزيد والخلافة ؟!. هذه الصورة هي التي دفعت الحسين للعزيمة على القيام بالثورة في زمن الملعون يزيد ابن معاوية ، كما ان هذا الادراك الكلي هو الذي دفع الحسين للنهضة بلا تردد ومهما كثرت الاسألة عليه من اهل مكة والمدينة وطلبهم لمعرفة سبب خروجه للنهضة ، كما ان هذا المنحى هو الذي يفسر لنا تغير اجوبة الحسين في اسباب نهضته المباركة واختلافها بين الحين والاخر لتؤكد شمولية الثورة ومن جميع الجوانب !. تمام : الحسين لم يخرج فقط لمجرد الفساد والظلم السياسي القائم فحسب ، مع انه اجاب على سؤال من سأله عليه السلام عن سبب خروجه وثورته بانه من المستحيل ان يبايع الطاغية يزيد ابن معاوية ويعطي ولايته الشرعية الاسلامية وان :(( مثلي لايبايع لمثله ))!, كما انه لم يخرج فقط للامر بالمعروف والنهي عن المنكر في امة وصلت الى :(( ان ترى المنكر معروفا والمعروف منكرا )) كما قال الحسين نفسه ،، ولكنه عليه السلام عندما يسأل عن عوامل نهضته يجيب ل :(( لامر بالمعروف وانهى عن المنكر في امة جدي رسول الله ص )) !. كما انه لم يخرج أشرا ولابطرا ولامفسدا ، ولكنه خرج :(( لان الله اراد ان يراه شهيدا في ارض كربلا )) كما جاء في احد اجوبته عندما سئل عن سبب خروجه وثورته هذه ....الخ ؟!. كل هذه الاجوبه هي مدار ومحور الثورة الحسينية في الحقيقة ، وليس فيها عامل مقدم او متأخر عن العوامل الاخرى ، وان سقط عامل من هذه العوامل وانتقلت الامة من الضلال الى الهدى ومن الفساد والظلم السياسي الى العدالة والمساواة - مثلا - ومن الامر بالمنكر الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة ممتازة فان مبادئ واركان واسس الثورة الحسينية تبقى هي هي بدون ان تتأثر باي شيئ يذكر وبنفس الحيوية والقوة ايضا ، ولكنها بدلا من ان تكون ثورة معلنة على الواقع تكون صمامات امان لهذا الواقع الصالح فحسب !. ان هذه الرؤية الشمولية للثورة الحسينية هي المدخل الذي ينبغي لنا ان ندخل منه للتعّرف على الحسين الشهيد باعتباره شهيدا الاهيا اراد الله سبحانه وتعالى ان يراه شهيدا على هذه الارض وفي هذا الزمان وبين احضان ذالك المجتمع وهو يجابه وجها لوجه طاغية العصر واقزام الزمان !. ولعل هذه الكلمة او هذا الشعار الحسيني (( ارادة الله لرؤية الحسين شهيدا )) هو الفلسفة الحقيقية والعامل الاكبر للثورة الحسينية الكربلائية العظيمة بغض النظر عن باقي العوامل الاخرى من الفساد والظلم السياسي والانحراف العقدي والتمايز الطبقي وانعدام روح المساواة والعدالة بين المجتمع في ذالك الزمان ، وكأنما يريد ان يؤكد هذا الشعار الالهي العظيم وكذا ماورد في كثير من الاخبار النبوية الرسالية الكثيرة حول حتمية استشهاد ابي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام في ارض معينة كشهيدا لله على الامة والمجتمع والحاكم وباقي العناوين الانسانية العامة !. نعم الحسين بن علي ع شهيد الله سبحانه على الامة !. هو شهيد بوجود يزيد بن معاوية او بعدم وجوده !. هو شهيد ببيعة اهل الكوفة او بعدم بيعتهم !. هو شهيد بقيام المجتمع بواجب الامر بالمعروف او بعدم قيامهم بذالك !. هو شهيد لان الله سبحانه خصص له وظيفة ان يكون شهيدا !؟ ولكنّ ولوصول مداركنا المحددة لمنزلة الحسين بن علي ع وما احتضنته ثورته الكبيرة من معاني واهداف اخرى علينا ان نتساءل وبكل انتباه وتأمل عن معنى ان يكون الحسين شهيدا الاهيا قبل ان يكون شهيدا اسلاميا رساليا طالب بالعدالة ودعى الى الله وامر بالمعروف ونهى عن المنكر وناهض الظلم ... واشياء اخرى ؟. مامعنى ان يكون الحسين شهيدا او خلق ليكون شهيدا في الرسالة الاسلامية ؟. وكيف لنا نحن البسطاء ان نتعرّف على الحسين وهو بهذه المنزلة من الرفعة والسمو ؟. من هو الحسين بن علي ع شهيد الله سبحانه وتعالى في ارضه ؟. الحقيقة انه ليس لي ولا لغيري في واقع الامر معرفة الحسين الشهيد عليه السلام او التعرف على بعض ملامح شخصيته العظيمة والواسعة جدا ، وذالك لالسبب غيبي الا لكوننا كأناس غارقين في الجهل والمادية والابتعاد عن الله فاننا سوف لن نوفق لمعرفة امام هو على منزلة العصمة والامامة والشهادة معا وفي الان نفسه ، فهنا المعادلة هي بحاجة لصلة هي بنفس منزلة الحسين ع لتعرف الحسين الشهيد ع وتعّرفه لنا كي يتسنى لنا فيما بعد معرفة زاوية من زوايا حياة الحسين ابن علي ع ، وهذه الصلة حتما ستكون اما امام معصوم كالحسين بن علي ع وأما نبي مرسل كمحمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فهنا تتم الدائرة في اطار متكامل من المعرفة الحقيقية بين الحسين واقرانه في المنزلة ، فسيد شباب اهل الجنة لايعرفه او يعرفه لنا الا انسان هو على نفس مستوى المنزلة من البشرية للحسين الشهيد ، وهذه المعادلة معروفة وربما تكون الطبيعية في هذا المجال من المعرفة ، كما ورد في علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال له رسول الله محمد ص ((.... ولايعرفك الا الله وانا ..)) فكذالك بالنسبة للحسين الامام وبالحتم :(( لايعرفه الا الله سبحانه او نبي مرسل او امام معصوم !.)) اذن : عندما اريد معرفة الحسين ع معرفة تكاملية فليس لي الا باب النبوة والامامة لتعّرف لي منزلة الحسين وعلو مقامه ، كي يتسنى لي ولغيري فيما بعد معرفة الثورة الحسينية بمبادئها واهدافها وسمو منزلتها والاهية مشروعها المقدس على هذه الارض وهذه هي الحقيقة !. ان محمد رسول الله ص عندما اراد ان يقيم الحسين الشهيد سلام الله عليه فقد نعته بوصف لانظير له في الجماعية على الاطلاق فهو يقول ص بحق الحسين الشهيد :(( ان الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة )) . ولعل هذه الكلمة من قبل الرسول الاعظم محمد رسول الله ص للحسين بن علي لم تكن مجرد تشريف عائلي او مجامله شخصية لشخص الحسين بن علي ووجوده الشريف في هذه الدنيا !. لا والف كلاّ فليس لرسول ونبي مبتعث من قبل الله سبحانه وتعالى ان يتبع الهوى او ينطق عنه ، وانما هو وحي يوحى ، يريد من خلاله رسول الانسانية محمد ص ان يثبّت المسؤولية والتكليف ولايريد من خلاله ان يوزع التشريف هنا وهناك على باقي اعضاء عائلته الكريمة ، فعندما يقول الرسول بحق الحسين :(( انه مصباح هدى وسفينة نجاة )) فانما هو يدفع تقييما تسمعه الامة وتكليفا على الحسين ابن علي ع ان يدركه بكل قوة ليعلم انه مكلف بوظيفة رسالية معينة ومنوطة بزمن تكليف معين !. فالحسين يفهم وظيفته الرسالية في هذه الحياة على اساس انه : اولا : انه سراج لظلمة . ثانيا : انه هدى من ضلالة . ثالثا : انه سفينة في بحر متلاطم . رابعا : انه نجاة من هلكة محتمة . هذه هي الوظيفة التي فهمها الحسين ابن علي بن ابي طالب ع لوجوده الشريف في هذه الدنيا ، كما ان هذه الوظيفة هي تكليفه الشرعي امام الله سبحانه وتعالى تجاه امة الاسلام امة جده رسول الله ص ، فعندما تدخل الامة في ظلمة عقدية دامسة فيجب على الحسين ان يتحرك باعتباره السراج المنير الذي يفتق هذه الظلمة ويفجر من شبكته المحيطة في المجتمع ، وعندما تذهب الامة في طريق ضلال وعدم رشاد مطلق ، عندها يتحرك الحسين كأمام هدى لهذه الامة الايلة للسقوط ، وعندما تلقى هذه الامة في بحر هائج من الفتن فعلى الحسين ان يبحر بسفينته لينقذ من تبقى على قيد الحياة من اؤلئك الغرقى ، وعندما يوقد فرن ملتهب من الظلم والفساد والرذيلة لامة محمد ص فمن واجب سيد الشهداء وسيد الجنة ان يرمي بنفسه الى ذاك البحر المتلاطم لانقاذ من بالامكان نجاته مع الحسين من هذه الكارثة .... وكل ذالك باعتباره تكليفا وواجبا شرعيا مناط بالحسين كحسين ابن علي فحسب في هذه الامة وهكذا ؟!. هكذا نفهم ونتعرف على الحسين الشهيد من خلال ما عرّفه لنا رسول الله محمد ص وما الزمه للحسين من وظيفة وما ادركناه نحن من كون الحسين ان تحرك تحركت معه هذه المعاني الرسالية الخالدة !. نعم كل هذه الوظائف الرسالية الالهية للحسين بن علي الشهيد هي التي املت عليه ك((عوامل الاهية اسلامية )) مشروع نهضته واسس ثورته المباركة ، وليس هي هذا العامل السياسي او ذاك العامل الانساني الاخر والفرق واضح !. ان البحث عن الحسين ع وثورته مرة يكون من الادنى الى الاعلى لتكون العوامل المبحوث عنها تتدرج من :( 1- عدم بيعة يزيد الظالم . 2- بيعة اهل الكوفة له . 3- ارادة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . ....الخ )) ومرة تكون من الاعلى والى الادنى برحلة عكسية تبدأ من (( 1- كون الحسين سراج الهي منير . 2- كونه أمام هدى معصوم ومسدد . 3- كونه سفينة نوح في طوفان الظلم والفساد الذي اغرق الامة . 4 - كونه طوق النجاة من الجبت والطاغوت ...الخ )) والان لوكان الحسين ابن علي عندما كان يسأل من ابن عباس ومن ابن الزبير ومن باقي من كان يعيش مع الحسين في وجعه ومحنته الكبيرة عن سبب خروجه ونهضته ، وليجيب بما ذكره له محمد رسول الله ص من وظائف فهل كان ليفهم ابن الزبير او غيره السبب الحقيقي الالهي لنهضة الحسين ؟. أم انهم جميعا ولربما سوف يتهمون الحسين بالدروشة وعدم الادراك السياسي والحنكة الادارية كما اتهم ابيه علي بن ابي طالب من قبله عليهم السلام جميعا من قبل حفنة من الماديين المنافقين من هذه الامة ؟. وهذا بعكس مالو خاطب الحسين بن علي الناس على قدر عقولهم ليشرح لهم سبب نهضته واعلان ثورته على اساس انها ثورة ضد الظلم اليزيدي والفساد الاموي والغيبوبة الامية لمجتمع الاسلام واشياء اخرى !. ان المنحى الثاني هو المقبول فكرا لاهل المادة والغرق في الحياة الدنيا ومشاغلها الانية ، واما المنحى الاول فانه المنحى الذي يدركه اهل الله والمعرفة الرسالية بالحسين واهله ، وهذا المنحى الثاني هو السر الاكبر لثورة الحسين ونهضته وهو العامل الاوضح لخروج اهل بيت الحسين معه من عياله ونسائه وباقي صحابته من العارفين باسرار النهضة وعظمة الحسين بن علي شهيدا يريد الله سبحانه ان يراه شهيدا وهذا هو السبب بثبات اهل بيت الحسين وصحابته على نصرته حتى الشهادة معه على نفس الارض ونفس الحقيقة !. في واقع الامر ثورة الحسين ومن جوانبها الالهية الاخرى هي ليست فقط مجرد معركة مع الظالم والواقع والناس والزمان والمكان فحسب ، بل هي وفي جانبها الاعظم ثورة على التاريخ وعلى الحاظر وعلى المستقبل بكل ما تحمله هذه الابعاد الزمانية والمكانية من ادوات ، فهي اعلان ثوري يعكس الصورة التي وصلت لها امة الاسلام في الحقيقة التي لم يكن ليراها او ليفطن الى ابعادها غير الحسين ابن علي ع !. بمعنى وعودا على ما مضى فان ابن عباس وكذا ابن الزبير والى اخر هذه القيادات السياسية التي كانت تعايش الحسين جسدا لاروحا ولافكرا كانت ترى الواقع اللاسلامي التي وصلت له امة محمد رسول الله ص وانحراف جهاز الحكم والادارة في الدولة ، لكنها كانت ترى من الحقيقة فقط عشرين بالمئة من صورة المجتمع الحقيقية (( هذه هي رؤية جميع من عاصر الحسين في حينه )) !. أما الحسين بن علي ع فكان يرى الصورة الاجتماعية اكثر وضوحا بكثير من أولئك النفر من الاصحاب وابناء الاصحاب ايضا ، كان يرى الحسين البعد العقدي المشوه الذي وصلت له الامة وهي تحمل عقيدة هي ابعد ماتكون عن عقيدة الاسلام المحمدية ، وكان يرى البعد السياسي للامة المحمدية الذي وصل الى مرحلة الانحطاط الكامل وعدم الانعكاس المطلق عن السياسة الشرعية في الاسلام وكان يرى الصورة الاجتماعية التي تحولت بالكامل الى صورة انسان وواقع لاانسان في الحقيقة ، وكان يرى الصورة الاقتصادية وهي تتحول الى سيف وعامل على اذلال الامة وتغييب ضميرها وشراء كل وجودها لتبعية الشيطان ، وكان يرى الصورة الفردية للانسان العربي المسلم وهي تتحول الى مجرد وثن كل يوم هو يزداد صلابة وقسوة وانعزالية عن العالم ...... كان الحسين الشهيد عليه السلام يرى الصورة على اساس انها :((أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور / قرءان عظيم )) هكذا كان ولم يزل الحسين الشهيد يرى الصورة الاجتماعية التي كان يعيش داخل عذاباتها اللامتناهية ، وليس هناك من هو في هذا العالم مسؤول ومكلف عن ازالة هذه الظلمة غير الحسين ابن علي بشهادة الرسول الاعظم محمد ص عندما كلف الحسين بان يكون :(( النور والسراج والهادي وسفينة النجاة )) ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور !. أما من كان يشعر مع الحسين بوجعه الحقيقي فكانوا يدركون نفس الصورة لهذا الاجتماع وهذه الامة ، بعكس من كان مرة ينصح الحسين بعدم الخروج للنهضة ومرة ليتذاكى على الحسين ع ليشرح له حال اهل الكوفة وغدرهم وكأنما هو اكفأ من الحسين ابن علي في رؤيته وتقييمه للمجتمع وامكانيات قدراته الفعلية على الفعل وغير الفعل ، ولعل هذا الناصح الجاهل للحسين لايدرك : ان الحسين لو لم يكن معه الا النطع الذي سوف يذبح عليه لخرج للثورة وبنفس القوة والحماس وعدم التردد عن الشهادة مطلقا ، لا لينتصر في ارض المعركة المحدودة بل لينتصر على الحياة والماضي والحاضر والمستقبل وبلا ادنى شبهة !. يذكر ان عيسى ابن مريم عليه السلام كان يدعو لنصرته وهو معلق على خشبة الصلب وحيدا نازفا يودع الحياة شيئا فشيئا وهو يذكر بكل قوة ان الانتصار الحقيقي هو الذي فيه ، وليس الذي عليه جيش الامبراطور وذيوله من الشامتين من يهود المعبد ، وكان يهود فلسطين انذاك ممتلئين هزءا وتعجبا من هذا الغائب عن الدنيا والحياة باوهامه الطوبائية التي تصور له الانتصار وهو في هذه الحالة من البؤس والعذاب !.. وفعلا ماهي الا دورة زمنية بسيطة حتى ينتصر المسيح بكل العالم ويؤمن به السلطان ورعيته وتضرب الذلة والمسكنة والعار على قتلت المسيح من يهود هذا العالم والى الابد ، فياترى كيف انتصر المسيح الوحيد على خشبته الموحشة بينما انهزم العتاة من المجرمين وباقي السفلة ؟. هكذا يقرن الحسين الشهيد ونهضته الالهية بباقي ثورات الله وثأراته ، ليس بالكثرة ولا بقلة الناصر ، ولا بعدد العوامل ولا بدناءة العدو وقلة شرفه ..... مع ان كل هذه العناوين فاعلة ، لكن تبقى ثورة الحسين سر الله وحكمته العظيمة !. نعم لاعوامل ولا اسباب لثورة الحسين الا عامل التضحية والقربان الى الله سبحانه ؟. ولاداعي ولا اسرار الا دواعي واسرار انقاذ الانسان وفداءه بذبيح كربلاء الحسين ابن علي ع !. ولو لم يكن للحسين من انصار ولا متشيعة لكان الكون بسماها والارض وماحواها والطير والشجر والملائكة ومالاتعلمون تذكر للحسين شهادته وتقيم مأتم عزائه كل عاشوراء
al_shaker@maktoob.com